الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعدلة، ذاك ابن الخطاب، لله أم حفلت له ودرت عليه (1) لقد أوحدت به (2) ، فنفخ الكفرة وديخها (3) ، وشرد الشرك شذر مذر (4) ، وبعج الأرض وبخعها، فقاءت أكلها، ولفظت خبيئها (5) ترأمه ويصد عنها (6) ، وتصدى له فيأباها، ثم ورع فيها وودعها كما صحبها، فأروني ما تريبون، وأي يومي أبي تنقمون، أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟ أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، وقد روى هذه القصة جعفر بن عون عن أبيه، عن عائشة، وهؤلاء رواة الصحيحين، وقد رواها أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه، وبعضهم رواها عن هشام ولم يذكر فيه عن عروة (7) .
قول عمر: ليلة ويوم من أبي بكر خير من عمر وآل عمر
روى الطلمنكي من حديث ميمون بن مهران، قال: كان أبو
(1) حفلت له ودرت عليه: أي جمعت اللبن في ثديها له. (النهاية)
(2)
أوحدت به: أي ولدته وحيدًا فريدًا لا نظير له. (النهاية)
(3)
في حديث عائشة تصف عمر: فنفخ الكفرة وديخها، أي أذلها وقهرها، يقال ديخ ودوخ بمعنى واحد. (النهاية) .
(4)
وشرد الشرك شذر مذر: أي فرقه وبدده في كل وجه، ويروى بكسر الشين والميم وفتحها. (النهاية) .
(5)
وبعج الأرض وبخعها
…
أي شقها وأذلها كنت به عن فتوحاته، ومنه حديث عمرو بن العاص: أن ابن حنتمة بعت له الدنيا أي معناها كشفت له كنوزها بالفيء والغنائم. وحنتمة أمه (النهاية) .
(6)
ترأمه: تريد الدنيا عطف عليه، كما ترأم الأم ولدها والناقة حوارها فتشمه وتترشفه، وكل من أحب شيئًا وألفه فقد رأمه يرأمه. (النهاية) .
(7)
المنهاج جـ3/163، 164. قلت: وقد نشرت هذه الخطبة دار الكتاب الجديد عام 1400هـ وفي آخرها: ثم أقبلت على الناس بوجهها فقالت: أنشدكم الله هل أنكرتم مما قلت شيئًا؟ قالوا: اللهم لا.
موسى الأشعري إذا خطب بالبصرة يوم الجمعة وكان واليها صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ثنى بعمر بن الخطاب يدعو له. فقام ضبة بن محصن العنزي فقال: أين أنت من ذكر صاحبه قبله تفضله عليه؟ - يعني أبا بكر رضي الله عنهما ثم قعد. فلما فعل ذلك مرارًا أمحكه (1) أبو موسى فكتب أبو موسى إلى عمر رضي الله عنه: أن ضبة يطعن علينا ويفعل. فكتب عمر إلى ضبة: أن يخرج إليه، فبعث به أبو موسى، فلما قدم ضبة المدينة على عمر رضي الله عنه، فقال الحاجب: ضبة العنزي بالباب، فأذن له، فلما دخل عليه قال: لا مرحبًا بضبة، ولا أهلاً. قال ضبة: أما المرحب فمن الله. وأما الأهل فلا أهل ولا مال، فبم استحللت إشخاصي من مصري بلا ذنب أذنبت، ولا شيء أتيت؟ قال: ما الذي شجر بينك وبين عاملك؟ قلت: الآن أخبرك يا أمير المؤمنين - إنه كان إذا خطب حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ثنى يدعو لك، فغاضبني ذلك منه وقلت: أين أنت من صاحبه تفضله عليه؟ فكتب إليك يشكوني. قال: فاندفع عمر رضي الله عنه باكيًا وهو يقول: أنت والله أوفق منه وأرشد منه، فهل أنت غافر لي ذنبي يغفر الله لك؟ قلت: غفر الله لك يا أمير المؤمنين، ثم اندفع باكيًا يقول: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر، وآل عمر، فهل لك أن أحدثك بيومه وليلته؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. قال:
أما ليلته؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة هاربًا من المشركين، خرج ليلاً فتبعه أبو بكر، فجعل يمشي مرة أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا أبا بكر، ما أعرف هذا من فعلك؟ فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أذكر
(1) المحك: اللجاج، وقد محك يمحك، وأمحكه غيره. (النهاية 4/ 81) .
الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك، ومرة عن يسارك، لا آمن عليك. فمضى النبي صلى الله عليه وسلم على أطراف أطابعه حتى حفيت، فلما رأى أبو بكر رضي الله عنه أنها حفيت حمله على عاتقه حتى أتى به فم الغار، فأنزله. ثم قال: والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله، فإن كان فيه شيء فبي، فدخل فلم ير شيئًا يستريبه فحمله فأدخله، فلما دخل وجد الصديق أجحار الأفاعي، فلما رأى أبو بكر ذلك ألقمه عقبة فجعلن يلسعنه ويضربنه، وجعلت دموعه تتحادر على خده من ألم ما يجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تحزن إن الله معنا؛ فأنزل الله سكينته وطمأنينته على أبي بكر فهذه ليلته.
وأما يومه: فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم نزكي ولا نصلي. فأتيته ولا آلوه نصحًا. فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وأرفق بهم. فقال لي: أجبار في الجاهلية، وخوار في الإسلام؟! قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفع الوحي، والله لو منعوني عقالاً كانوا يعطونه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. فكان والله رشيد الأمر، ثم كتب إلى أبي موسى يلومه. وحديث ضبة هذا من أشهر الأحاديث (1)(2) .
(1) الدينوري في المجالسة، وأبو الحسن بن بشران في فوائده، (ق) في الدلائل واللالكائي في (السنة) وأخرجه الحاكم في المستدرك (جـ3/106) وقال: صحيح وأقره الذهبي وقال: صحيح مرسل. بلفظ: ذكر رجال على عهد عمر، فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر، وهو يعني حديث ضبة (كنز العمال جـ12/ 491-494) .
(2)
منهاج جـ 2/ 185، 186.
قلت: أما ما قد يستدل به أهل البدع من أحاديث كحديث الغدير، وحديث المباهلة، وقوله «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ونحو ذلك على أفضلية علي وأنه أحق بالخلافة فسأوردها في آخر الكتاب عند ذكر تخلف علي وبعض بني هاشم عن بيعة الصديق في أول الأمر. إن شاء الله تعالى.
خلافة الصديق
الصديق خلف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أحق بخلافته (1)
الخليفة:
الخليفة هو الذي يخلف غيره، وإن لم يستخلفه هذا هو المعروف في اللغة وقول الجمهور. وقد يكون بمعنى من استخلفه غيره.
والخليفة لا يصير خليفة إلا مع مغيب المستخلف أو موته. ولهذا لا يصلح أن يقال: إن الله يستخلف أحدًا عنه؛ فإنه حي قيوم، مدبر لعباده، منزه عن الموت والنوم والغيبة. والله يوصف بأنه يخلف العبد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل» (2) . وقال في حديث الدجال: «والله خليفتي على كل مسلم» (3) . وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله، كقوله:{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} (4) . {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (5) .
(1) الأدلة الكثيرة الآتي ذكرها تبين ذلك.
(2)
الترمذي 5/ 161.
(3)
صحيح مسلم (ك 51/ ب 57، جـ 2/ 978) والترمذي (5/ 161) والمسند (2/ 433) .
(4)
سورة يونس: 14.
(5)
سورة الأعراف: 69.