الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
المعقود عليه في المضاربة
(أو بمعنى آخر: المضارب ماذا يبيع ويشتري؟)
المبحث الثاني
المعقود عليه في المضاربة
(أو بمعنى آخر: المضارب ماذا يبيع ويشتري؟)
الاشتراك في الشركات المساهمة التي أصل نشاطها مباح الأصل فيه الحل؛ بناء على عمومات الأدلة الدالة على هذا الأصل من الكتاب والسنة، وبه صدرت قرارات المجامع الفقهية.
ومع أننا نقول بهذا الأصل - وهو القول الصحيح الموافق للدليل - إلا أنه ينبغي النظر في العقود التي تجرى وتعقد على هذه الشركات ومدى موافقتها لشروط البيع التي لا يصح العقد إلا بها.
فالمساهم حينما يساهم في هذه الشركات ـ سواء كان في ابتداء تأسيسها أو بعد ـ وهو يريد الحصول على عائد الأرباح السنوي لهذه الأسهم، فإن هذه المساهمة صحيحة إذا كانت هذه الشركة من الشركات المباحة التي لا تمارس أعمالا محرمة.
لكن الكلام هنا على المضارب الذي يشتري أسهم هذه الشركات ليضارب بها، فيشتري أسهم هذا الشركة، وبعد لحظات أو أكثر يبيعها ويشتري أسهم شركات أخرى
…
وهكذا. فهنا تساؤل: هذا المضارب حينما يشتري هل يعي حقيقة ما يشتري، وأن ما يشتريه بهذه المبالغ المرتفعة جدا يمثل سهما حقيقيا يستحق هذا المبلغ بل قد يزيد؟!
أو أن ما يشتريه هو مجرد مضاربة على سهم مرتفع لا يمثل حقيقة جزءا من أملاك الشركة وأصولها؛ بحيث لو أوقفت الشركة لسبب ما
وتمت تصفيتها لم يمثل هذا السهم إلا جزءا يسيرا جدا من قيمته السوقية التي تم التعاقد عليها؛ فكأنه أشبه بالمضاربة على المؤشر المجمع على تحريمه (1).
إن الحكم هنا ينبغي أن يكون مبنيًّا على معرفة نشاط الشركة ومركزها المالي وقوتها الائتمانية.
فالشركة التي لها نشاط بارز وظاهر في مجالها ورائدة فيه ويمكن أن تكون قيمة السهم ممثلة لحقيقته في موجودات الشركة وقيمتها المعنوية ومركزها المالي - فالمضاربة فيها ـ فيما يظهر ـ صحيحة على القول بجواز هذه المضاربات أصلا.
وأما الشركة التي تظهر خسارة في ميزانياتها وشحًّا في موجوداتها وإنتاجها بحيث يعلم أن قيمة السهم السوقية لا تمثل حقيقة هذا السهم، وإنما هي أثر ارتفاع غير مبرر نتيجة مضاربة غير نزيهة - فإن هذا عقد على ما يشبه المعدوم أو غير المقدور عليه؛ فالغرر فيه ظاهر.
ولو سألت أحد المضاربين على هذه الأسهم: ما حقيقة ما تشتريه؟ وهل له قيمة أو هل هذه قيمته؟ لأجابك بـ: لا. أو: لا أدري. وهل يعقل أن يشتري الإنسان شيئا يخسر أو تقل قيمته كثيرا عما اشترى به، ولو عرض عليه مصنع أو مزرعة أو سوق مركزي قيمته أو قيمة موجوداته أقل بكثير من الثمن المعروض، أو يسجل خسارات متتابعة لكان شراؤه سفها؛ بل لا تجد له مشتريا.
(1) المؤشر: هو رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة، يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق معينة، وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق العالمية. ولا يجوز بيع وشراء المؤشر لأنه مقامرة بحتة، وهو بيع شيء خيالي لا يمكن وجوده، قرار رقم (17) 1/ 65 من قرارات مجمع الفقه الإسلامي بجدة.
إذا فكيف يضارب على أسهم شركات خاسرة أو قيمتها السوقية كبيرة ومبالغ فيها من أجل عمليات جني أرباح وتغرير بالآخرين.
فالمضاربة في هذه الأسهم فيها مخاطرة كبيرة جدا (1) تشبه المقامرة من بعض الوجوه؛ فالقول بالتحريم له وجه من جهة أنها تشبه بيع المعدوم (2)، وفيها شبه بالمقامرة؛ لشدة المخاطرة فيها.
* * * * *
(1) وما حصل من هبوط حاد للأسهم في هذه الشركات أدى إلى خسارة فادحة وكبيرة للمساهمين يؤكد هذا المعنى.
(2)
وقد جعل ابن القيم وغيره بيع المعدوم في بعض صوره التي تشبه هذه الصورة من المخاطرة والقمار. انظر: إعلام الموقعين 2/ 6.