الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
حقيقة المضاربة في سوق الأسهم
المبحث الرابع
حقيقة المضاربة في سوق الأسهم
المتابع للتعاملات التي تجري في سوق الأسهم يتبادر إليه مجموعة من الاستفسارات والإيرادات منها:
الأول: هل يوجد بالفعل تلك السيولة ـ التي أرقامها فلكية ـ تريليونات تغطي هذه الأسهم؟ أم هي مجرد أرقام، وكأنه بيع لأسهم في الهواء لا حقيقة لها؟ وهل توجد هذه الأموال في البنوك التي يتم عن طريقها تداول الأسهم؟ فلو طلب باعة هذه الأسهم تحويل هذه القيمة الكبيرة إلى حساباتهم فهل هذا ممكن؟ أم أنه مجرد تدوير بأموال لا وجود لها؟
وإذا كانت هذه الأموال لا وجود لها، فما حكم تبايع تلك الأسهم التي هي محل العقد بأموال لا وجود لها؟!
الثاني: الأسهم التي تتم عليها عمليات المضاربة (1)، هل هي تمثل بالفعل جزءا من موجودات الشركة، أم هي ورقة مستقلة منسوبة لتلك الشركة؟ فما هو رصيد هذه الورقة في الواقع؟
لابد من التفريق بين أسهم الاستثمار - فهي تمثل جزءا من موجودات الشركة وأصولها - وبين أسهم المضاربة التي هي محل خلاف قوي، ويقوي القول بأنها ورقة مالية مستقلة (2) ما يلي:
(1) وليس الاستثمار.
(2)
الاستقلال هنا ليس استقلالا مطلقا ـ لأن الورقة تنسب إلى الشركة ولو أوقف التعامل بأسهم هذه الشركة لما صح تداولها ـ وإنما هو استقلال خاص من جهة عدم تأثر هذه الورقة بالشركة المنسوبة إليها غالبا.
1 -
واقع المضاربة عليها؛ فالمضارب قد لا يعرف شيئا عن الشركة، ولا عن ميزانياتها وأرباحها وخسائرها ومركزها المالي.
2 -
ما يحدث من مضاربات حادة وبأسعار مرتفعة على أسهم شركات تظهر ميزانياتها بطء في تقدمها، وقد تظهر خسائر متكررة، وقد يكون العكس؛ فتجد ضعفا في التداول، وكسادا على أسهم شركات قوية في نشاطاتها وميزانياتها، وتحقق أرباحا متكررة وبنسب جيدة، وقد ينعكس الحال فجأة في التداول، وقد يكون خلال لحظات، وواقع التداول في سوق الأسهم شاهد قوي على ذلك.
وإذا كان التخريج على أنها ورقة مالية قوي، فهل لهذه الورقة حقيقة؛ بمعنى: هل المعقود عليه له مالية محسوسة؟ أليس هذا يشبه إلى حد كبير البيع على المؤشر المجمع على تحريمه؟
3 -
أن المضارب على هذه الأسهم لا تعنيه الشركة لا من قريب ولا من بعيد؛ وإنما يعنيه المضاربة على السهم بعيدا عن كل شيء.
وإذا كان كذلك، فإنه قد يقوي قول من يقول أن التعامل حقيقة إنما هو بقيمة هذه الورقة وثمنها ليس إلا، وأن العملية لا تعدو أن تكون متاجرة بأثمانها، وهذه الورقة مجرد غطاء لهذه العملية، والعبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني. وإذا كان كذلك فهل شروط تبادل الأثمان متحققة؟
الثالث: السوق بدأ بطريقة غير نزيهة يغلب عليها الخداع في رفع المؤشرات وهبوطها (1)؛ فالارتفاع ليس لعوامل طبيعية ـ كما يحدث في سائر المبادلات التجارية المبنية على العرض والطلب غالبا ـ بل لعوامل
(1) يؤكد ذلك نظرة لمؤشر شركة معينة في اليوم الأول؛ انظر قائمة (أفضل طلب) في حال الارتفاع كم هي الأسهم المطلوبة، وبعد يوم - وقد يكون بعد ساعة - انظر إليها إذا بدأ النزول؛ النتيجة (صفر).
غائبة مجهولة لدى الكثير، ولاسيما الصغار، وهي في غاية الخطورة (1)، ودائما أيدي صغار المساهمين على قلوبهم - كما يقال ـ من أي هبوط حاد لا يتمكنون معه من إجراء أي عملية بيع؛ فهو على مخاطرة كبيرة قد تذهب بأمواله أو جُلِّها في أي لحظة (2).
وهذا فيه جمع بين الغرر، وفيه شبه كبير جدا بالقمار؛ نظرا لعظم المخاطرة فيه، والتي يبقى فيها دائما على خطر أن يغنم أو يغرم غرامة كبيرة (3).
ولهذه المحاذير وغيرها مال بعض فقهاء العصر فيها إلى المنع، منهم الدكتور الصديق الضرير (4) عضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة؛ بل إن الشيخ عبد الله بن منيع كتب مقالا في موقع الإسلام اليوم بتاريخ 10/ 3/1427هـ يقطر أسى ومرارة من واقع المضاربة وتأثيره على الأفراد والاقتصاد يوحي بأنه يميل إلى المنع منها.
قد يكون الكثير غافلًا في خضم هذا التداول المحموم على الأسهم عن مثل هذه الطروحات، وأحيانا قد لا يريد أن يسمعها، ولا يريد أن يسمع إلا من يقول افعل ولا حرج، ولو غير هذا الذي أفتاه رأيه لتنكر عليه وعلى آرائه، واستمر على قوله الذي تركه، أو بحث وتعلق بأي شيء قد يدل على الجواز.
(1) لأن تلك الأسعار لا تمثل سعرا حقيقيا للسهم، تكون العواقب فيه غير مدروسة والمخاطر متوقعة.
(2)
لاسيما إذا كان قد أخذ تمويلات بنكية كما حصل للكثير.
(3)
قال شيخ الإسلام في كتابه العقود، ص229:(.... ثم إذا كان فيها أخذ أحدهما المال بيقين والآخر على خطر بالأخذ والفوات؛ فهو مقامر؛ فهذا هو الأصل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو المعقول الذي تبيَّن به أن الله أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وشرع للعباد ما يصلحهم في المعاش والمعاد .....).
(4)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، الدورة السابعة، العدد السابع 1/ 270 قال: (.... وأنا أميل فيه إلى المنع
…
لأن هذه تجارة يصعب الالتزام فيها بأحكام الشريعة الإسلامية، ولا مصلحة فيها للمجتمع؛ بل قد تعود عليه بأضرار بالغة).
(والسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه هو: هل تتفق المجازفة على أسعار الأسهم مع المنهج الإسلامي في الاستثمار؟
وهل يقبل الشرع الحنيف الاسترباح بهذا النوع من العمل غير المنتج؟
وهل ينبغي التمييز بين الاستثمار الصحيح في الأسهم وبين استعمال المال عبثا في المجازفة على أسعارها؟
وبالتالي هل ينبغي وضع قيود على أسواق الأسهم بحيث تقتصر المبايعات على أولئك الذي يرغبون في الاستثمار بالمعنى الذي يؤدي إلى إنتاج الطيبات والمنافع ....) (1) اهـ.
إن معاملة تشوبها هذه الشوائب وتحيط بها من كل جانب، حريٌّ بكل مسلم اجتنابها (2)،
وباقتصادنا التطهر منها، أو ضبطها بضوابط الشرع وأصوله، وعلى جهات البحث العلمي من مراكز ومجامع فقهية أن تقوم بواجبها في دراسة هذه النازلة، وإبداء الرأي الجماعي فيها بدلا من آراء فردية قد يعتريها ما يعتريها من القصور، وقد تكون مثل هذه الطروحات بداية لتفكير جاد في دراسة جماعية متكاملة.
* * * * *
(1) مجلة الفقه الإسلامي بجدة، الدورة التاسعة، العدد التاسع 2/ 40، د. منذر قحف.
(2)
وانظر إلى رسول الهدى حينما ترك التمرة وقال: «لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها» ، فتركها لمجرد وجود احتمال أن تكون من محظور عليه. البخاري (1914)، ،مسلم (1781).
وهذا أبو بكر يستفرغ ما أكل من طعام أهداه له غلامه لما علم أنه قد أخذه من أجل كهانة تكهنها في الجاهلية - البخاري (3554) - مع أنه حلال لأبي بكر، وتلك الكهانة غير صحيحة، وليس من الكهانة كما ذكر له غلامه.