المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الجانب الاقتصادي - الأسهم - حكمها وآثارها

[صالح السلطان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الأسهم

- ‌المسألة الثانية: خصائص الأسهم

- ‌المسألة الثالثة: قيمة السهم

- ‌المسألة الرابعة: أنواع الأسهم

- ‌المسألة الخامسة: محل العقد في بيع الأسهم

- ‌المسألة السادسة: حكم بيع الأسهم قبل تداولها

- ‌المبحث الأولحكم المساهمة في هذه الشركات

- ‌المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة

- ‌القول الأول: تحريم الاتِّجار فيها مطلقا:

- ‌القول الثاني: التفريق بين ما كانت نسبة الاستثمار المحرم فيه كثيرة فيحرم

- ‌المسألة الثانية: في فروع متعلقة بهذا الحكم

- ‌الفرع الأول: التطهير هل يرفع التحريم

- ‌الفرع الثاني: مساهمة من يقدر على التغيير فيها

- ‌القسم الأول: الشركات المؤثرة في اقتصاد البلد:

- ‌القسم الثاني: الشركات غير المؤثرة:

- ‌المسألة الثالثة: إذا دخل في شركة، ثم تبيَّن له وجود استثمار محرم فيها

- ‌المبحث الثانيالمعقود عليه في المضاربة

- ‌المبحث الثالثتصرفات المضاربين في سوق الأسهم

- ‌المبحث الرابعحقيقة المضاربة في سوق الأسهم

- ‌المبحث الخامسآثار المضاربة على الأسهم

- ‌ الجانب الاقتصادي

- ‌ آثارها الاجتماعية

- ‌ آثارها الشرعية:

- ‌ملحق خاص

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ الجانب الاقتصادي

المبحث الخامس

آثار المضاربة على الأسهم

سوق الأسهم السعودية يعتبر من الأسواق التي نمت نموا سريعا خلال فترات متقاربة، حتى صار في مصاف الأسواق العالمية من حيث المبالغ العالية والصفقات التي تم ويتم إبرامها في تداولات السوق.

وبالرغم من هذا النمو الكبير إلا أن هذا الصعود المتسارع أثَّر سلبا في مجالات متعددة كان تأثيرها كبيرا وخطيرا؛ فعلى‌

‌ الجانب الاقتصادي

ظهرت آثاره السلبية في عدة جوانب، منها:

تقليص حجم الأموال الموجَّهة للاستثمارات المباشرة:

وهذا ظاهر في ركود النشاط الصناعي والزراعي بل والتجاري، والتوسع فيه؛ فقبل فترة كنت تطالع عبر وسائل الإعلام ودوريات وزارة التجارة والغرف التجارية والصناعية الكثير من المشاريع الجديدة، أو التوسع في مشاريع قائمة يكون إنتاجها مؤثرا في زيادة الناتج القومي للبلد والمنافسة الخارجية في المنتجات والاستغناء عن الاستيراد، أو التقليل منه عبر مشاريع صناعية وزراعية وتجارية صغيرة وكبيرة؛ فأين هذه المشاريع الآن؟!

وأين ما كنا نرجو من أن تستوعب هذه المشاريع الأيدي العاملة التي تعاني من بطالة مقنعة، وكنا نرجو أن توفر هذه المشاريع آلاف الفرص الوظيفية للباحثين عنها من كوادرنا الوظيفية القادرة، والتي أصيبت بخيبة أمل مع هذا التوجه الجامح للمضاربة على الأسهم، في

ص: 96

ظل صمت من الجميع عن التوعية بهذه المخاطر التي لم يفق الناس من هولها وصدمتها إلا بعد حلولها.

حينها بدأ التفكير في معالجة آثارها والتوعية بها!

بل وأين المشاريع الرائدة المرجو التوسع فيها في مجال العقار في تشييد المساكن في أرجاء الوطن التي صار قلتها وشُحُّها ظاهرة بعد أن وجهت أموال كل هذه المشاريع للمضاربة في الأسهم طمعا في معدلات ربحية عالية في أوقات قصيرة.

وهذا كله ـ بلا شك ـ أثَّر على حيوية ونمو الاقتصاد الوطني حين تعطلت المسارات المنتجة التي لها قيمة مضافة للناتج المحلي.

متطلبات التنمية المختلفة وأثر المضاربة:

المتابع للتداولات اليومية يشاهد مليارات الريالات يتم تداولها يوميا، والغرض من هذه التداولات جني أرباح آنية ليس إلا، وليس لهذه التداولات أي مردود إيجابي أو قيمة مضافة للناتج المحلي؛ بل هي معوِّق من معوقاته كما تقدم.

تمويل الأغراض التنموية:

إن اتجاه شريحة من المضاربين وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة للمضاربة في بورصة الأسهم المحلية ذات المردود المضطرب أضعف بشكل ظاهر وبيِّن من توفير التمويلات اللازمة لإنشاء الشركات، أو النهوض بها وتطوير خططها الإنتاجية واستراتيجياتها بعيدة المدى التي تخدم حقيقة أغراض التنمية بكل أشكالها ومظاهرها، وتحقَّق ـ في نفس الوقت ـ التصحيح المطلوب في السوق؛ وذلك بالتوازن في المنتجات بين العرض والطلب؛ مما يحدُّ قطعا من التضخم الذي هو أحد عوامل الضعف الاقتصادي والهيمنة من الآخرين.

ص: 97

من واقع نتائج مؤشرات سوق المال السعودي - بل والخليجي - وتسارع مواطني هذه الدول في دخول السوق بعيدا عن الخبرة في التداول، ومع الهزات المتكررة التي حصلت في هذه الأسواق - ظهرت صور وأرقام مخيفة بل ومدمرة (1) في سقوط الكثير من صغار المستثمرين والقضاء على أموالهم، وتكدُّس الأموال في أيدي قلة من المستثمرين، وهذا ـ بلا شك ـ خلاف المنهج الرباني؛ وهو أن المال دولة بين الناس، وليس بين شريحة معينة؛ كما قال تعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7].

قال ابن الجوزي في تفسيره (2): (والمعنى: لئلا يتداوله الأغنياء بينهم، فيغلبوا الفقراء عليه).

وقال أبو السعود (3): (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم يتكاثرون به

).

وتجمُّع الأموال وتكدُّسها في يد قلَّة يؤدي إلى خلل في التركيبة الاقتصادية، يكون وَقْعُها وأثرُها سيئًا على التركيبة الاجتماعية؛ حيث تتجلَّى الطبقية في أسوء صورها؛ حيث يشعر أولئك الذين خسروا أموالهم أن هؤلاء هم سبب مصيبتهم، وما آل إليه حالهم، وهذا مما يولد الكره تجاه الآخر وظهور التفكك في المجتمع.

في ظل غياب مفهوم الوعي لدى الشركات عن الهدف الأسمى من إنشائها؛ وهو النهوض بواجباتها في تدفق إنتاجها إلى الأسواق، والحرص على التنافس في الجودة وكب سوق محلية وعالمية في هذا المنتج.

(1) مما حدا بتدخل الدولة في المملكة أكثر من مرة؛ لتصحيح الخلل فيه وإعادة التوازن ومحاولة رأب الصدع الذي أثر على الكثير.

(2)

زاد المسير 8/ 211.

(3)

تفسير أبي السعود 8/ 228.

ص: 98

وفي ظل غياب الرقابة المسؤولة عن هذه المتابعة والمحاسبة على ذلك عمد كثير من الشركات إلى إيقاف نشاطها الرئيس أو تقليله أو إيقاف مشاريع توسعية واستثمار أموال الشركة ـ المعدة للإنتاج أصلا ـ في سوق الأسهم؛ نتيجة انبهار بمكاسب خيالية في السوق ربما تعادل مكاسب سنين - بل عقود ـ لو استثمرت في نشاط الشركة الأصلي، وهذا كان له تأثيره السيئ من جهة ضعف أو تباطؤ نشاط الشركة الأصلي صناعيا كان أو زراعيا أو غير ذلك، وهذا طبعا يؤدي إلى اختلال الميزان التجاري للدولة عموما بين صادراتها ووارداتها، وهو تأثير سلبي بلا شك.

وهذا مع الأسف عَكْسُ ما يحدث عند غيرنا حينما تستخدم الأسواق لتوفير السيولة النقدية لبناء شركات إنتاجية ومشاريع مثمرة؛ فضلًا عن إلغاء لوظائف يمكن أن تساهم في حل مشكلة البطالة لو كانت هذه الوظائف موجودة، ومن جهة أخرى أدى إلى تدفقات نقدية هائلة سَبَّبَتْ ضغطا في مضاربات السوق كان ضحيتها في الغالب صغار المستثمرين.

وكذلك حينما استثمرت الفائض من أموالها، أو جزءا من المُعدِّ للاستثمار في شراء أو تأسيس شركات أخرى؛ فأدى ذلك إلى حرمان المواطنين وتفويت الفرص عليهم في الاستثمار في هذه الشركات.

ومن هنا فلابد للجهات المسؤولة من منع هذه الازدواجية في الاستثمار، وقصر استثمار كل شركة في مجال نشاطها حتى تكون النتائج إيجابية للجميع وللسوق المحلية والاقتصاد الوطني.

ما حصل من دخول الشركات في سوق الأسهم ـ وهو غير مجال نشاطها ـ ربما يعرضها إلى خسائر كبيرة ـ كما حصل لبعضها ـ وهذا يؤدي إلى فقد الثقة بها، والنتيجة خسارة المساهمين في حال هبوط سعر

ص: 99

السهم، أو عجزها، أو ضعفها في مجال إنتاجها، وربما أدى ذلك إلى تراكم ديون تثقل كاهلها، أو تؤدي إلى إفلاسها.

ومع هذه الزيادة الضخمة في حجم التداول وقتا بعد آخر إلا أن هذه الزيادة لا يقابلها زيادة تذكر في عدد الشركات المدرجة في السوق؛ بمعنى أن الأمر لا يعدو أن يكون تدويرا لأسهم هذه الشركات (1) من خلال ضخِّ أموال إضافية تنسحب من قنوات استثمارية أخرى، وهذا خطير جدا؛ فضلا عن إمكانية احتواء المضاربة في السوق من قبل فئة تستطيع التحكم في المضاربة فيه، وهذا شيء طبيعي مع قلة الشركات، والتلاعب بأسعار أسهمها صعودا ونزولا في ظل غيبة رقابة صحيحة واعية صادقة، وفي ظل عدم استراتيجية مدركة لمعنى تعدُّد الشركات وسن تشريعات تزيد في تعقيد إجراءات تسجيلها وعدم تسريعه (2).

ولعل في الأسواق العالمية خير شاهد على ما ذكرنا؛ حيث آلاف الشركات المدرجات في بورصاتها، والتي استقطبت المستثمرين من كل

(1) انظر: مقال "الأسهم السعودية حتى لا يطول النزيف" محمد عبد الله القطري، جريدة الاقتصاد، بتاريخ 26/ 3/1427هـ. وانظر: مقال الدكتور محمد القنيبط في جريدة الرياض، عدد (13640) الجمعة 25 رمضان 1426هـ، بعنوان:"السوق المالية مشوهة وتدار بريموت الشائعات"، ومن الأمور الأخرى المهمة ما نراه من التضخُّم الحاد لأسعار الأسهم وعدم عكسها لربحية الشركات وطغيان الجانب المضاربي على الاستثماري، وكذلك العلاقة الشائكة بين حجم السيولة وعدد الشركات؛ حيث توجد سيولة ضخمة تطارد عددا محدودا جدا مع انحسار واضح في الأوعية الاستثمارية الأخرى.

(2)

أشار المصرفيون المجتمعون في منتدى الاستثمار البنكي العالمي الذي أقيم في جدة إلى أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الأحداث التي تشهدها السوق هو ضعف البدائل الاستثمارية وبطء التشريعات التي تعمل بها السوق سنوات طويلة، وأكَّد المتحدِّثون أن المصرفية الإسلامية ستكون التوجه المقبل للبنوك العالمية

جريدة الاقتصاد (4584) في 2/ 4/1427هـ فهد البقمي.

ص: 100