المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثتصرفات المضاربين في سوق الأسهم - الأسهم - حكمها وآثارها

[صالح السلطان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الأسهم

- ‌المسألة الثانية: خصائص الأسهم

- ‌المسألة الثالثة: قيمة السهم

- ‌المسألة الرابعة: أنواع الأسهم

- ‌المسألة الخامسة: محل العقد في بيع الأسهم

- ‌المسألة السادسة: حكم بيع الأسهم قبل تداولها

- ‌المبحث الأولحكم المساهمة في هذه الشركات

- ‌المسألة الأولى: في حكم هذه المساهمة

- ‌القول الأول: تحريم الاتِّجار فيها مطلقا:

- ‌القول الثاني: التفريق بين ما كانت نسبة الاستثمار المحرم فيه كثيرة فيحرم

- ‌المسألة الثانية: في فروع متعلقة بهذا الحكم

- ‌الفرع الأول: التطهير هل يرفع التحريم

- ‌الفرع الثاني: مساهمة من يقدر على التغيير فيها

- ‌القسم الأول: الشركات المؤثرة في اقتصاد البلد:

- ‌القسم الثاني: الشركات غير المؤثرة:

- ‌المسألة الثالثة: إذا دخل في شركة، ثم تبيَّن له وجود استثمار محرم فيها

- ‌المبحث الثانيالمعقود عليه في المضاربة

- ‌المبحث الثالثتصرفات المضاربين في سوق الأسهم

- ‌المبحث الرابعحقيقة المضاربة في سوق الأسهم

- ‌المبحث الخامسآثار المضاربة على الأسهم

- ‌ الجانب الاقتصادي

- ‌ آثارها الاجتماعية

- ‌ آثارها الشرعية:

- ‌ملحق خاص

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثالثتصرفات المضاربين في سوق الأسهم

‌المبحث الثالث

تصرفات المضاربين في سوق الأسهم

ص: 77

المبحث الثالث

تصرفات المضاربين في سوق الأسهم

الإسلام بشرائعه وتعاليمه وآدابه جاء مهتما اهتماما بالغا بالجوانب الأخلاقية في حياة الناس وتعاملاتهم وعلاقاتهم.

وكانت الآيات القرآنية وكذلك الأحاديث النبوية نبراسا في إظهار هذه الجوانب، والحث على التخلق والالتزام بها؛ مراعاة لسمو الفرد، وتحقيقا للعدل بين أفراد المجتمع، ودفعا للضرر عن الجميع، وتطهيرا للأمة عن الوقوع في المحرم والمشتبه، وظهر هذا الاهتمام والتوجه في ملامح كثيرة منها:

1 -

الإيمان وحسن الخلق:

أو ما يطلق عليه البعض (1)"الرقابة الذاتية"

لاسيما فيما يتعلق بالمعاملات؛ فالمسلم يعلم علم اليقين أن الله معه، مطلع على تصرفاته، ولا يخفى عليه شيء من أمره:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7].

وقرن الإيمان بالعمل الصالح في آيات كثيرة؛ تجسيدا لمؤشرات

(1) أحكام الأسواق المالية، لهارون، ص119 نقلا عن الحرية الاقتصادية، لبسيوني، ص641.

ص: 78

القيم والجوانب الروحية (1)؛ حيث ربطت بين العمل الصالح والإيمان والحياة الطيبة في الدنيا ودخول الجنة: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]؛ كما بيَّنت العلاقة بين العمل الصالح والكسب الطيب وأكل الحلال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51].

والأعمال الصالحة إنما تنشأ عن التقوى - وهي خشية الله ومراقبته، ومن ثم فالمسلم المتعامل في السوق وفي غيره حريص أشد الحرص على تحقيق المصلحة لنفسه ولغيره، وحذر كل الحذر من أن يلحق الضرر بالآخرين؛ فلا غش ولا خداع ولا غبن ولا نجش، بل صدق ونصيحة وأمانة وثقة ووضوح وشفافية.

2 -

المحافظة على الشعائر:

فلا ينشغل بتعامله عن أداء الشعائر المكتوبة من صلاة وغيرها: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: 37].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].

{وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77].

بل يقدم هذه الشعائر، ويجعلها حاضرة في قلبه، منيرة له طريقه في دنياه وأخراه.

(1) المرجع السابق نقلا عن ضوابط تنظيم الاقتصاد، ص75.

ص: 79

3 -

العدل والإحسان:

والعدل: هو التسوية في الحقوق بين الناس، وترك الظلم، وإيصال كل ذي حق إلى حقه.

والإحسان: تجاوز العدل إلى الفضل (1)؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90].

قال ابن مسعود: "هذه أجمع آية في القرآن لخير يمتثل ولشر يجتنب"(2).

وقال العز بن عبد السلام: (.... أجمع آية في القرآن للحث على المصالح كلها والزجر عن المفاسد بأسرها)(3).

وقال شيخ الإسلام: (فمن العدل فيها ما هو ظاهر يعرفه كل أحد بعقله

كتحريم تطفيف المكيال والميزان ووجوب الصدق والبيان وتحريم الكذب والخيانة والغش ....) (4).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: (.... ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات بإيفاء ما عليك؛ فلا تبخس لهم حقا، ولا تغشهم، ولا تخدعهم وتظلمهم؛ فالعدل واجب والإحسان فضيلة؛ كنفع الناس بالمال والبدن والعلم وغير ذلك من أنواع النفع)(5).

(1) تفسير النسفي 2/ 268. وانظر: النظريات الفقهية للدريني، ص164.

(2)

تفسير القرطبي 10/ 147.

(3)

قواعد الأحكام 2/ 161.

(4)

مجموع الفتاوى 28/ 285. وانظر فيما تقدم: الأسواق المالية، د. محمد صبري هارون، 119 - 122.

(5)

تفسير السعدي 1/ 447.

ص: 80

4 -

الأمانة:

في اللغة ضد الخيانة (1)، وذهب الجمهور إلى أن الأمانة كل شيء يؤتمن الإنسان عليه من أمر ونهي وشأن دين ودنيا (2).

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]؛ فالآية ظاهرة في أداء الأمانة عموما، وبمفهومها نهي عن الخيانة؛ أي: خيانة قولية أو فعلية.

5 -

الصدق نقيض الكذب:

وقد أمر الشارع بالصدق ورغب فيه وذم الكذب وحذر من عاقبته، فقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].

قال القرطبي: (حق من فهم عن الله وعقل عنه أن يلازم الصدق في الأقوال والإخلاص في الأعمال، والصفاء في الأحوال؛ فمن كان كذلك لحق بالأبرار، ووصل إلى رضا الغفار؛ قال صلى الله عليه وسلم:«عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا» .

والكذب على الضد من ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (3).

(1) لسان العرب 13/ 21.

(2)

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 4/ 402.

(3)

انظر: تفسير القرطبي 8/ 1261، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الآداب، باب قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا ......} ، رقم (5629، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، رقم (4719) من حديث ابن مسعود.

ص: 81

وفي مجال المعاملات خاصة حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الكذب فقال:

«إن التجار هم الفجار» ، قيل: يا رسول الله، أوليس قد أحل الله البيع؟ قال:«بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون ويأثمون» (1).

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى الناس يتبايعون فقال: «يا معشر التجار» ، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال:«إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق» . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (2).

هذه أبرز ملامح اهتمام الإسلام بأفراده وما ينبغي أن يتصفوا به من الصفات والسمات في شؤون حياتهم في صفاء الفرد ونقائه وتأثيره في تعاملاته مع الآخرين، ومن ثم تحقق السعادة والرخاء والأمن والطمأنينة بين المتعاملين وغيرهم من أفراد المجتمع.

وفقدانها أو بعضها يؤثر سلبا بلا شك، ويؤدي إلى التفكك والتشاحن والتناحر والاستئثار وربما الإقصاء والإنهاء، فهل هذه الصفات والسمات التي جاءت بها الشريعة وجعلتها نبراسا للمتعاملين في كل زمان ومكان ومع كل طائفة توجد في سوق التعامل بالأسهم؟!

إن المتأمل في حال السوق وفي حال بعض المضاربين يجدها مفقودة أو نادرة، وقد حل محلها ضدها، من الظلم وأكل المال بالباطل والنجش ونشر الأخبار الكاذبة والدعايات المغرضة

وبيانها كالآتي:

(1) رواه أحمد في المسند، رقم (14982).

(2)

أخرجه الترمذي في سننه، كتاب البيوع عن رسول الله، باب ما جاء في التجار وتسمية النبي إياهم، رقم (1131)، وابن ماجة في سننه، كتاب التجارات، التوخي في التجارة، حديث رقم (2173)، والدارمي في سننه، كتاب البيوع، باب في التجار، رقم (2426).

ص: 82

1 -

النجش (1):

وهذا يحدث كثيرا، وبصورة متعددة ومنظمة تبرز عبر عروض يقدمها من محافظه ومحافظ أخرى يديرها أو يشرف عليها، ويتم تدوير الأسهم فيها موهما غيره من المضاربين بتحرك هذا السهم وقوة الطلب عليه، حتى يرتفع السهم ويقبل صغار المستثمرين بالتهافت عليه فيقوم ببيع أسهمه الكثيرة، وقد يهوى السوق فيقوم بشرائها

وقد يكون العكس وعبر بث إشاعات مغرضة وكاذبة مخيفة عن سهم معين فيتدافع الناس ببيعه فيقوم بشرائه، أو تكون الإشاعات الكاذبة عن أسباب تؤدي إلى ارتفاعه حتى يقوم ببيع ما يملكه من أسهم

وصور النجش كثيرة، جماعها رفع السعر أو خفضه من أجل التغرير بالآخرين، حتى يتمكن من البيع أو الشراء، وعن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تناجشوا» (2)، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش» (3).

وقال ابن أبي أوفى: الناجش آكل ربا خائن. قال البخاري: وهو خداع باطل، لا يحل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الخديعة في النار، ومن عمل

(1) أصله: الاستثارة، وهو لغة: الختل وهو الخداع. لسان العرب 6/ 351، تاج العروس 17/ 403، غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 199.

النجش: هو أن يزيد في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها وإنما يغري بذلك غيره.

انظر: صحيح البخاري 2/ 753، بتحقيق مصطفى ديب البغا، صحيح مسلم 2/ 1033، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، التمهيد 18/ 193، فتح الباري 4/ 355، غريب الحديث لابن الجوزي 2/ 394، أنيس الفقهاء، ص212.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب النكاح/ باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك 1413، 3/ 1022.

(3)

قال ابن حجر في الفتح 4/ 355: إسناده لا بأس به.

ص: 83

عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (1).

ومعنى قول ابن أبي أوفى (الناجش آكل ربا خائن): أي: كآكل الربا في كونه عاصيا، مع علمه بالنهي عن فعله، وخيانته: غشه وخداعه (2).

قال الغزالي: (فهذه المناهي تدل على أنه لا يجوز أن يلبس على البائع والمشتري في سعر الوقت، ويكتم منه أمرا لو علمه لما أقدم على العقد (3)، ففعل هذا من الغش الحرام المضاد للنصح الواجب) (4).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن النجش وقال: «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض». وهذا كله دليل على وجوب مراعاة حق المسلم، وترك إضراره بكل، إلا أن يصدر منه أذى، وعلى المنع من نيل الغرض بخديعة المسلم" (5).

وفي صحة العقد مع النجش خلاف، ومذهب الإمام أحمد وطائفة من أهل الحديث بطلانه ورده.

وصحح ابن رجب أنه يصح، ويقف على إجازة من حصل له ظلم بذلك، وقاسه على إثبات النبي صلى الله عليه وسلم الخيار في المصراة وتلقي الركبان (6)، وهو مذهب مالك (7)، وهو قول وجيه، ويتأكد في صور

(1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع/ باب النجش رقم 2035، 2/ 753، ومسلم في كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، رقم 1516، 3/ 1156.

(2)

صحيح البخاري مع الفتح 6/ 140.

(3)

كأن الغزالي يتحدث عما يحدث في سوق الأسهم الآن.

(4)

إحياء علوم الدين 2/ 78.

(5)

الفتاوى الكبرى 3/ 238.

(6)

جامع العلوم والحكم 1/ 62 - 63. وانظر: المحلى 8/ 449.

(7)

انظر: الاستذكار 6/ 527، مواهب الجليل 4/ 378، الشرح الكبير للدردير 3/ 68.

ص: 84

النجش الحديثة؛ حيث يحدث النجش من العاقد نفسه الذي هو أشد ضررا وأقبح شكلا؛ حيث الكذب والغدر وحصول الضرر المؤكد الذي نتائجه مؤكدة لا تخفى، لكن هل يمكن إثبات هذا الخيار في مثل هذه المعاملات؟ سيما مع عدم وضوح من يمارس النجش، وأنه نجش جماعي في أكثر صوره؛ فالقول ببطلان هذه العقود من باب السياسة الشرعية قول متوجه؛ بل ويتأكد تغريم من يمارس هذا العمل بقدر ما حصل من ضرر للآخرين بسببه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» (1).

ومن القواعد الشرعية: (الضرر يزال)، وإزالة الضرر تكون بتغريمه ما سببه من ضرر مع إيقافه عن التعامل في السوق بيعا وشراء، وبهذا يمكن حماية جميع المتعاملين في السوق، وحفظ حقوقهم وردع المتجاوزين والمتلاعبين.

2 -

الغبن والتغرير والاحتكار:

ومن أبرز صوره في المضاربة على الأسهم أن ينفرد بعض المضاربين ببعض الأخبار عن بعض الشركات عن طريق خاص في الشركة، وربما دفع مالا مقابل هذه الأخبار، وهذه الأخبار من قرارات أو أرباح أو خسائر يترتب عليها ارتفاع السهم أو هبوطه، فيشتري أو يبيع بما يتناسب مع هذه الأخبار قبل بلوغها لسائر المتعاملين؛ فيترتب على ذلك أضرار كبيرة بهم، إما غبنا وتغريرا وظلما في حال بيعه ثم هبوط الأسعار؛ بل هذا نوع عيب في المبيع، وقد قال صلى الله عليه وسلم:

(1) أخرجه ابن ماجه في رواية عبادة بن الصامت في كتاب الأحكام/ باب من بنى في حقه ما يضر بجاره رقم 2240، وقال الألباني: صحيح. وأحمد من رواية ابن عباس رقم 2862، 1/ 212، وقال الأرناؤوط: حسن. وروي عن جمع غفير من الصحابة.

ص: 85

«المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له» (1).

ومن يبيع سهما على غيره وهو يعلم خبرا سيئا أو سلبيا ولا يبينه لمشتري السهم إلا كان كاتما للعيب

أو يترتب على ذلك غبن وتغرير واحتكار في حال شرائه بثمن بخس، ثم ترتفع الأسعار بعد ظهور هذه الأخبار وانتشارها

3 -

وكل ما سبق هو نوع من أنواع الغش والتدليس التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وحذر منها بقوله:«من غش فليس منا» (2).

ويترتب عليها ظلم الناس، وأكل أموالهم بالباطل؛ قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].

قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» (3).

وعقود وجد فيها بعض هذه العيوب: (الغش والنجش، الغبن والتغرير وأكل المال بالباطل ....)، أو وجدت فيها مجتمعة - لاشك في حرمتها؛ بدلالة الكتاب والسنة والإجماع (4)، فكيف إذا اجتمع معها الربا أو شبهته، وكيف يطيب لمسلم يرجو ما عند الله والدار الآخرة

(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات باب من باع عيبا فليبينه رقم 2246، 2/ 755، وقال الألباني: صحيح، والحاكم في كتاب البيوع وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه رقم 2152، 2/ 10.

(2)

أخرجه مسلم في كتاب الإيجار/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» رقم 102، 1/ 99.

(3)

سبق تخريجه ص85.

(4)

قال ابن عبد البر في التمهيد 13/ 348: (وأجمعوا أن فاعله ـ أي النجش ـ عاص لله إذا كان بالنهي عالما).

ص: 86

وينتظر لقاء ربه أن يأكل مالا اكتسبه بهذه الطرق، ويؤكله غيره ممن تحت ولايته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}» . ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» (1).

إن المنهج الإسلامي للاستثمار يقوم على استعمال الأموال فيما يحقق مصالح الناس، ويزيد من تمتعهم بالطيبات كمًّا ونوعا، ولا يقوم على مجرد الاسترباح مهما كان هدفه وأيا كان موضوعه (2).

وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

* * * * *

(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، رقم (1686).

(2)

الاستثمار في الأسهم، د. منذر قحف، مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد التاسع 2/ 17.

ص: 87