المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلام في القواعد الفقهية والمدارك الشرعية والمآخذ الأصولية: - الأشباه والنظائر - السبكي - جـ ١

[تاج الدين ابن السبكي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌الكلام في القواعد الفقهية والمدارك الشرعية والمآخذ الأصولية:

وكم من عائب قولا صحيحا

[وآفته من الفهم السقيم] 1

ولا يؤهل لأن يعاب إذا عاب

وآخر من فيه ثالثة: تغترف من بحره وتعترف ببره ويقتطف من زهره ما هو أزهر من الأفق وزهره وتلزم الثناء عليه لزوم الخطب للمنابر والأقلام للمحابر والأفكار للخواطر والمؤمن للطاعة في الليل الكافر، وتعالج به جراحات الشكوك كأنه لها مراهم ويقطع بقواطعه ما أورث سوء الظن وأوهم وتقول: لو بيع فصل منه لاشتريته كما قيل بألف درهم.

وهذه طريقة قل سالكوها، وبعيد أن يوجد في حياة المصنف أهلوها فعليهم سلام الله أحسن الناس وجوهًا وأنضر همومًا.

وها أنا أبرز لك هذا المجموع وأحمل إليك هذا الموضوع، وأخرجه غير مقطوع الفضل ولا ممنوع والله أسأل أن يتقبله وأن يغفر خطأ مصنفه وأن يدخله الجنة بفضله فإنه لن يدخلها بعمله ولو كان له عمل فكيف ولا عمل له.

1 من قوله وآفته من الفهم السقيم إلى قوله: قال الرافعي فجواز الاستعمال على قولي الأصل سقط في ب.

ص: 10

‌الكلام في القواعد الفقهية والمدارك الشرعية والمآخذ الأصولية:

حق على طالب التحقيق ومن يتشوق إلى المقام الأعلى في التصور والتصديق أن يحكم قواعد الأحكام ليرجع إليها عند الغموض وينهض بعبء الاجتهاد أتم نهوض ثم يؤكدها بالاستكثار من حفظ الفروع؛ لترسخ في الذهن مثمرة عليه بفوائد غير مقطوع فضلها ولا ممنوع.

أما استخراج القوي وبذل المجهود في الاقتصار على حفظ الفروع من غير معرفة أصولها ونظم الجزئيات بدون فهم مأخذها، فلا يرضاه لنفسه ذو نفس أبية ولا حامله من أهل العلم بالكلية.

قال إمام الحرمين 1 في كتاب المدارك: "الوجه لكل متخذ للإقلال بأعباء

1 عبد الملك بن عبد اله بن يوسف عبد الله بن يوسف بن محمد العلامة إمام الحرمين ضياء الدين أبو المعالي بن الشيخ أبي محمد الجويني رئيس الشافعية بنيسابور مولده في المحرم سنة تسع عشر وأربعمائة وصنف المصنفات العديدة، قال أبو إسحاق الفيروزأبادي تمتعوا بهذا الإمام فإنه نزهة هذا الزمان توفي في ربيع الآخر سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة. ابن السبكي 3/ 249، وفيات الأعيان 2/ 341، شذرات الذهب 3/ 358، والنجوم الزاهرة 5/ 121.

ص: 10

الشريعة معه أن يجعل الإحاطة بالأصول سوقه الألذ وينص مسائل الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الأصول، ولا ينزف حمام ذهنه في وضع الوقائع مع العلم بأنها لا تنحصر على الذهول عن الأصول" انتهى.

وإن تعارض الأمران وقصر وقت طالب العلم عن الجميع بينهما -لضيق أو غيره من آفات الزمان- فالرأي لذي الذهن الصحيح الاقتصار على حفظ القواعد وفهم المآخذ.

إذا عرف ذلك فالقاعدة: الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة يفهم أحكامها منها1". ومنها ما لا يختص بباب كقولنا: "اليقين لا يرفع بالشك" ومنها ما يختص كقولنا: "كل كفارة سببها معصية فهي على الفور" والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن تسمى ضابطا. وإن شئت قل: ما عم صورا، فإن كان المقصود من ذكره القدر المشترك الذي به اشتركت الصور في الحكم فهو مدرك، وإلا فإن كان القصد ضبط تلك الصور بنوع من أنواع الضبط من غير نظر في مأخذها فهو الضابط؛ وإلا فهو القاعدة.

فإن قلت: فخرج عن القاعدة نحو قول الغزالي "رحمه الله" في الوسيط: "قاعدة لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهة ففي الانعقاد وجهان"، فقد أطلق القاعدة على فرع منصوص قلت: إنما أطلقها عليه لما تضمنته من المآخذ المقتضي للكراهة لأن فعل الشيء في الوقت المنهي عنه هل ينافي حصوله؟ فلما رجع الفرع إلى أصل هو قاعدة كلية حسن إطلاق لفظ القاعدة عليه. وذلك نظير قوله أيضا: قواعد ثلاث: الأولى، التطوعات التي لا سبب لها، لا حصر لركعاتها.

1 وقيل حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته؛ ليتعرف به أحكام الجزئيات، وقيل: القاعدة حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته، وقيل: غير ذلك، انظر تقدمتنا على الاعتناء في الفرق والاستثناء.

ص: 11

وقال في الوجيز: "قاعدة: ينكشف حال الخنثى بثلاث طرق". وقال: وتبعه الرافعي وغيره فيما إذا وهبت المرأة الزوج صداقها.

قاعدة في ألفاظ التبرع. وقاعدة في أن الولي هل له العفو عن الصداق؟

وأمثلة هذا كثيرة فاعتبر مما تراه بما أريناك.

اعلم أن القاضي الحسين1 ذكر أن مبنى الفقه على أربع قواعد: اليقين لا يزال بالشك، والضرر يزال، والعادة محكمة والمشقة تجلب التيسير. وزعم من يدعي التحقيق أنه أهمل خامسة وهي أن الأمور بمقاصدها2. وقال: بني الإسلام على خمس والفقه على خمس.

والتحقيق عندي أنه إن أريد رجوع الفقه إلى الخمس تعسف وتكلف وقول جملي فالخامسة داخلة في الأولى. وفي الثانية أيضا. بل رجع شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام الفقه كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد ولو ضايقه مضايق لقال: ارجع الكل إلى اعتبار المصالح فإن درء المفاسد من جملتها.

ويقول –على هذا- واحدة من هذه الجنس كافية، والأشبه أنها الثانية وإن أريد الرجوع بوضوح فإنها تربو على الخمسين بل على المائتين، أنا ذاكر إن شاء الله في هذا الكتاب ما يحضرني منها، منبه على مثال ما يغمض فهمه مستكثر من ذكر الجزئيات، مشير إلى ما حفظ من المستثنيات، مستعين بالله ومتوكل عليه وإياه أسأل النفع به والمن بنجازه وبخاتمة خير في عافية بلا محنة وبالاجتماع في دار كرامته بخير خليفته محمد صلى الله عليه وسلم من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

1 الحسين بن محمد بن أحمد بن القاضي أبو علي المروذي صاحب التعليقة المشهورة في المذاهب، أخذ الفقه عن القفال، قال عبد الغافر: كان فقيه خراسان وكان عصره تأريخا بها وصنف في الفقه، والأصول والخلاف.

توفي في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة.

ابن السبكي 3/ 155، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 244 تهذيب الأسماء واللغات 1/ 164، وفيات الأعيان 1/ 400.

2 قاله القاضي أبو سعيد "الأشباه والنظائر للسيوطي".

ص: 12