الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الكلام في القواعد الخاصة:
قال مصنفه: سقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان: وأنا أرى التسهيل على الطالب بترتيبها على الأبواب، غير أن الحاجة قد تمس إلى تقديم وتأخير؛ فرأينا أفراد كل ربع من أرباع الفقه ثم لا علينا -بعد إفرادها في تقديم بعض قواعده على بعض، وربما ذكرنا في بعض هذه الأرباع بعض القواعد العامة كما أنا ربما قدمنا بعض القواعد الخاصة، ولم يقع واحد من الأمرين إلا لداع إليه، والله أسأل العون والتوفيق الصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
القول في ربع العبادات: كتاب الطهارة إلى الزكاة
قاعدة: كل ميتة نجسة 1 إلا السمك والجراد 2 بالإجماع والآدمي على الأصح 3 قال الرافعي 4 والنووي: إلا الجنين الذي يوجد ميتا بعد ذكاة أمه، والصيد
1 روضة الطالبين 1/ 13، تحفة المحتاج 1/ 292، مغني المحتاج 1/ 78، الاعتناء في الفرق والاستثناء/ باب النجاسة القاعدة الثانية بتحقيقنا.
الأشباه والنظائر للسيوطي 460.
2 الأشباه والنظائر 460 نهاية المحتاج 1/ 238، مغني المحتاج 1/ 78، تحفة المحتاج لابن حجر 1/ 124، مختصر قواعد العلائي 1/ 100، الاعتناء في الفرق والاستثناء المصدر السابق.
3 الثاني أنه ينجس لأنه طاهر في الحياة غير مأكول فأشبه سائر الميتات والخلاف في غير ميتة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق ابن العربي المالكي بهم الشهداء.
مغني المحتاج 1/ 78، نهاية المحتاج 1/ 239.
4 الشرح الكبير 1/ 162، روضة الطالبين 1/ 13.
الذي لا تدرك ذكاته فإنهما طاهر إن بلا خلاف1.
وقال الشيخ الإمام رحمه الله لا حاجة إلى استثنائهما فإنهما مذكيان شرعا وألحق بما سبق البعير الناد والصيد بالضغطة السهم2.
قاعدة: لا يعرف ماء طاهر في إناء نجس.
قال الجرجاني في "المعاياة"3 والروياني في "الفروق" إلا في مسألتين:
إحداهما: جلد ميتة طرح فيه ماء كثير ولم يتغير4.
والثانية: إناء فيه ماء قليل ولغ فيه كلب ثم كثر الماء فبلغ قلتين بلا تغيير فالماء طاهر والإناء نجس؛ لأن الإناء إذا نجس أولا بالولوغ ثم كوثر الماء طهر لبلوغه حد الشرع من غير تغيير، والإناء على نجاسته لأنه لم يغسل سبعا ولم يعفر5.
وهذا بخلاف ما لو صادق ولوغه كثرة الماء؛ فإن الولوغ حينئذ لا يؤثر فيبقى الماء والإناء على حالهما.
قلت: وهذه هي مسألة ابن الحداد المشهورة التي لا ذكر لها -مع شهرتها في كتب المذهب- لا في الرافعي ولا في "الروضة" وفيها وجوه للأصحاب: قول ابن الحداد هذا وهو أصحها6.
ووجه آخر: أنهما طاهران؛ لأن الماء وصل إلى حالة لو كان عليها في الأول لم يتأثر.
ووجه ثالث: إنه إن مس الكلب الماء وحده طهر الإناء، وإن مس نفس الإناء لم يطهر إلا بطهارة الماء.
1 ومنها أيضا دود الطعام في أ؛ د الوجهين، الشرح الكبير 1/ 167.
2 ومنها الدود المتولد من الماء فيه فميتته طاهرة ولم يضر بطهوريته قطعا فإن أخرج وطرح فيه فقولان أصحهما عند النووي في الروضة والنتقيح أنه لا يضر خلافا لما صححه بعض المتأخرين النجاسة ولو ألقي في غيره ضر.
روضة الطالبين 1/ 113، الاعتناء المصدر السابق.
3 ص "1" لوحة أ.
4 المعاياة المصدر السابق.
5 قال السيوطي في الأشباه والنظائر ص45: إنها من مهمات المسائل التي أغفلها الشيخان فلم يتعرضا لها.
6 وصححه السنجي في شرح الفروع.
وقد أطال الشيخ أبو علي -في "شرح الفروع"- الكلام في هذه المسألة وجود فيها، وذكر أن القائل بهذا الوجه شبهه بالدن ينجس بنجاسة الخمر الذي فيه؛ فإذا تخلل طهر الدن تبعا للخمر المتخلل؛ لأن نجاسته كانت به. فأما إذا صب خمر في دن نجس ببول فصار الخمر خلا لم يطهر الخمر ولا الدن.
قال الشيخ أبو علي: وهذا غير صحيح؛ لأن المتنجس بالولوغ يجب غسله سبعا ويعفر وإن لم يصادف الولوغ نفس المتنجس به.
ولا يشبه الدن؛ لأنه إذا كان نجسا بغير خمر فالخمر لم يطهر بصيرورته خلا، فكيف يستتبع الدن؟
ثم هناك نجاستان.
إحدهما: الخمر، وقد يطهر بالاستحالة.
والأخرى: غيره، ولا يؤثر الانقلاب.
وفي مسألتان النجاسة واحدة وهي نجاسة الكلب سواء أصاب نفس الإناء أم ماء الإناء؛ فلذلك صار حكمه في الحالتين واحدا.
قلت: وهذا الوجه يشبه الوجه المفصل في الضبة بين أن تلاقي فم الشارب أو لا.
وفي المسألة وجه رابع: أن الإناء إذا ترك فيه ساعة قام مقام الغسلات ويبقى التعفير وحده1.
قلت: وصورة ثالثة في مسألة البئر، يتمعظ فيه شعر فأرة إذا ماس الشعر جوانب البئر، وكان الماء كثيرا بينه وبين الشعر، أكثر من قلتين -وليس بين الشعر وجوانب البئر إلا دون القلتين فالكثير- الذي وسط البئر طاهر، والبئر نجس، لتنجسه بنجاسة الماء القليل الملاقي له، بخلاف الكثير البعيد عنه وهذا على قول التباعد.
فهذه ثلاث صور.
فائدة: قال أبو العباس بن القاص في "كتاب التلخيص" لا يجوز تنكيس الوضوء عمدا إلا في مسألة واحدة: وهي جنب غسل بدنه إلا رجليه ثم أحدث فلو بدأ برجليه
1 قال السيوطي في الأشباه والنظائر "453" وهذا يشبه مسألة الكوز وقد بسطتها في شرح منظومتي المسماة بالخلاصة وعبارتي فيها:
وإن بلغ في دونه فكوثرا
…
يطهر قطعا، والإنا لن يطهرا
فغسلهما ثم غسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه. أجزأه قلته تخريجا. انتهى.
وإنما كان كذلك؛ لأن الحدث لما طرأ لم يؤثر في الرجلين، لبقاء الجنابة فيهما؛ فإذا غسلهما ثم غسله عن الجنابة وكان الحدث قائما في باقي أعضائه فإذا غسلها صار متوضئا1.
وما ذكره هو الصحيح
عند الأكثر، وبنوا [عليها] 2 أن الموجود فيه وضوء خال عن غسل الرجلين، لا وضوء منكس؛ لأن الرجلين تغسلان عن الجنابة خاصة.
والقفال صوب في شرح التلخيص "مقالة ابن القاص، وخرج المسألة على أن المحدث إذا أجنب، والجنب إذا أحدث هل يسقط عن الترتيب في أعضاء الوضوء؟ قال فيه وجهان:
قلت: وهي المسألة المشهورة: إذا اجتمع عليه حدثان أصغر وأكبر3 - والصحيح يكفيه غسل جميع البدن بنية الغسل وحده، ولا ترتيب عليه.
والثاني: تجب نية الحدثين إن اقتصر على الغسل.
والثالث: يجب وضوء مرتب وغسل جميع البدن.
والرابع وضوء مرتب وغسل باقي البدن.
وسواء أوقع الحدثان معا أو سبق أحدهما [ولو كان الأكبر على الصحيح] 4 ونظير قولنا -في هذه المسألة: إن هذا وضوء خال من غسل الرجلين- قولنا في مسألة أخرى: إن لنا وضوءا مشتملا على غسل الرجلين ومع ذلك لا تحسب.
وصورته: في لابس الخف إذا مسح ثم غسل رجليه وهما في الخف؛ فإن البغوي ذكر في "فتاويه" أنه لا يصح غسلهما عن الوضوء حتى لو انقضت المدة أو نزع الخف
1 بخلاف إذا منع من الوضوء إلا منكوسا ففعل ما أمر به وصلى؛ حكى الروياني عن والده الصحة ولا قضاء عليه.
قال النووي في أصل الروضة وهذا هو الراجح 1/ 123، 124.
2 سقط في "ب".
3 في "ب" تقديم وتأخير.
4 في "ب" ولو كان الأكبر غسل الصحيح.
لزمه إعادة غسلهما؛ لأنه لم يغسل الرجلين غسل اعتقاد الفرض، فإن الفرض قد يسقط بالمسح.
قال: ويحتمل خلافه، لأن تارك الرخصة إذا أتى بالأصل لا يقال إنه لم يؤد الفرض.
قلت: ولقائل أن يقول -على [الأولى] 1 إن غسل الرجلين لم يقع بعضا للوضوء؛ لأنه لم يصادف الرجلين إلا وقد ارتفع حدثهما.
ويمكن أن يقال في هذا الفرع: [إذا] 2 قلنا بالصحيح -وهو أن السمح رفع الحدث- فغسل الرجلين بعده لا يصح لعدم مصادفته شيئا يرفعه، وليس هو بعض الوضوء لكماله.
وإن قلنا، إن المسح لا يرفع؛ فيحتمل أن يقال: يصح، لأنه أتى بالأصل فيبطل حكم المسح، لأن البدل لا يجتمع مع المبدل ولا يقوى عليه.
وبكل تقدير لم يوجد غسل الرجلين في وضوء غير محسوب؛ بل غما أنه غير موجود، وهو الاحتمال الأول الأصح، وإما موجود ومحسوب وهو احتمال البغوي الثاني، وقد أخذ الروياني في الفروق "والجرجاني في المعاياة" وغيرهما - مسألة ابن القاص وصدراها بلفظ آخر، نظم لهما مسألة أخرى.
فقالا: لا يسقط الترتيب في الوضوء إلا في مسألتين3.
إحداهما: وذكرا مسألة ابن القاص.
والثانية: محدث غاص في الماء غوصه ناويا رفع الحدث؛ فإنه يجزئه في الأصح4 أي وإن لم يمكث زمنا يتأتى في الترتيب.
1 في "ب" الأول.
2 ف "ب" إن.
3 المعاياة ص3 لوحة "أ".
4 اعلم أن الانغماس في الماء له ثلاثة أحوال.
أحدها: أن يغسل بدنه منكسا لا على ترتيب الوضوء أصحهما باتفاق الأصحاب لا يجزيه.
الثاني: أن ينغمس في الماء ويمكث زمانا يتأتى في الترتيب في الأعضاء الأربعة؛ فإنه يجزيه على المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور. =
وهذا ما صححه النووي1.
وصحح الرافعي والوالد رحمهما الله أنه لا بد من مضي زمان يتأتى فيه الترتيب وعلى هذا لا تستثنى هذه الصور.
قلت: ومسألة ثالثة كالثانية، وهي لو غسل أربعة أنفس أعضاءه دفعة بإذنه؛ فوجهان:
أحدهما: يصح وعلى هذا يقع الاستثناء.
والأصح: لا يحصل له إلا الوجه.
قاعدة: قال ابن القاص في "التلخيص"2، قبيل كتاب الحيض لا تنقض الطهارة طهرا إلا في مسألة واحدة3.
وهي المستحاضة ومن به سلس البول إذا توضأ لكل صلاة ثم طهر خرج من الصلاة وتوضأ ثم استأنف الصلاة.
وقال القفال وغيره: إن جميع أصحابنا قالوا: ليس هذا بنقض طهارة طهرا، والمستحاضة حدثها دائم؛ وإنما جوزنا لها بالصلاة للضرورة، فإذا انقطع الدم أوجبنا عليها الطهارة عن ذاك الحدث الذي لم يبرح.
قاعدة: "لا يجب المسح على الخف إلا في مسألة واحدة".
وهي ما إذا كان المحدث لابس الخف بالشرائط التي تبيح المسح، ودخل وقت الصلاة، ووجد من الماء ما يكفيه لو مسح ولا يكفيه لو غسل؛ فالذي يظهر -كما قاله ابن الرفعة "في الكفاية" وجوب المسح، لقدرته على الطهارة الكاملة.
قال: بخلاف ما لو لم يكن4 لابسا ولكنه كان على طهارة كاملة وأرهقه الحدث
1 شرح المهذب 1/ 447-448.
2 انظر الأشباه والنظائر للسيوطي 456.
3 وعبر الإسنوي في ألغازه عنها بقوله: لنا طهارة لا تبطل بوجود الحدث وتبطل بعدمه وهي طهارة دائم الحدث.
4 وقال الإسنوي: وما ذكره تفقها ولم يظفر فيه بنقل. الأشباه والنظائر للسيوطي 459.
ومعه من الماء ما يكفيه للمسح -دون الغسل- فإنه لا يجب عليه مسح الخف. على صححه الرافعي والنووي، في آخر الباب الأول من باب التيمم.
والفرق واضح؛ فإن ذاك لابس مستمر على حكم الخف، وهذا غير لابس فلا يمكن تكليفه لبس الخف.
قلت: ويؤيد الوجوب في اللابس قولهم فيما إذا خالط الماء مائع يوافق في الصفات، وقلنا: يجوز استعمال الجميع وكان معه من الماء ما لا يكفيه وحده ولو كمله بما يستهلك فيه لكفاه، أنه يلزمه ذلك.
بل أقول: في هذا دلالة على أن غير اللابس يجب عليه اللبس للمسح كما [اختار] 1 إمام الحرمين.
وإذا دل في غير اللابس دل في اللابس بطريق [الأولى]2.
قاعدة: لا عبرة برؤية المتيمم -المسافر- الماء بعد الفراغ من الصلاة بل تجزيه صلاته إلا في مسألتين.
العاصي بسفره والفاقد، في قربة وهو مسافر فالأصح فيهما وجوب الإعادة.
قاعدة: فاقد الطهورين3 يعيد الصلاة إذا قدر على أحدهما4؛ إلا إذا قدر على التراب في موضع لا يسقط القضاء؛ فإنه لا يعيد إذ لا فائدة فيه. وفيه احتمال للبغوي - ذكره في فتاويه.
1 في "ب" اختيار.
2 في "ب" أولى.
3 أي الماء والتراب بأن فقدهما حسا كأن حبس في موضع ليس فيه واحد منهما، أو شرعا كأن وجد ما هو محتاج إليه لنحو عطش أو وجد ترابا ولم يقدر على تجفيفه بنحو نار.
- مغني المحتاج 1/ 105.
4 في الجديد؛ لأن هذا العذر نادر فلا دوام له، مقابل الجديد أقوال: أحدها تجب الصلاة بلا إعادة، وطرد ذلك في كل صلاة وجبت في الوقت مع خلل وهو مذهب المزني، واختاره النووي في مجموعه، قال لأنه أدى وظيفة الوقت؛ وإنما يجب القضاء بأمر جديد.
ثانيها: يندب له الفعل وتجب الإعادة.
ثالثها: يندب له الفعل ولا إعادة.
رابعها: يحرم عليها فعلها، قاله في مغني المحتاج 1/ 106.
قاعدة: إذا انقطع دم الحيض ارتفع تحريم الصوم والطلاق، وكذا عبور المسجد.
ففي "زوائد الروضة" أنه يزول -على القول بتحريمه- إلا على وجه شاذ وتبقى سائر المحرمات إلى أن تغتسل.
قاعدة: لا تؤخر المستحاضة الاشتغال بأسباب الصلاة بعد الطهارة1؛ فإن أخرت -ودمها يجري- استأنفت إلا فيما إذا كان التأخير لسبب من أسباب الصلاة كستر العورة وانتظار الجماعة2 فالمذهب أنه لا يجدد ونفي الرافعي الخلاف فيه، ولكن فيه وجه في الحاوي.
قاعدة: تكره الصلاة في قارعة الطريق3. إلا في البراري؛ فالأصح في تحقيق المذهب استثناؤها لفقد غلبة النجاسة.
قاعدة: "صلاة الرجل في الثوب الحرير محرمة"، ويستثنى إذا لم يجد ساترا غيره على الأصح.
قاعدة: "استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة"4.
إلا في الخوف، والتنفل في السفر المباح ذي القصد المعلوم، وغريق على لوح يخاف من استقباله ومربوط لغير القبلة، وعاجز لم يجد موجها وخائف من نزوله عن راحلته على نفسه: أو ماله أو انقطاع رفقته.
قاعدة: لا يتعين استقبال عين القبلة إلا في مسألة على وجه وهي إذا ركب الحمار معكوسا فصلى النفل إلى القبلة فإن القاضي الحسين قال في الفتاوي: يحتمل وجهين. الجواز؛ لكونه مستقبلا.
1 وجوبا وذلك تقليلا للحدث لأنه يتكرر منها وهي مستغنية عنه بالمبادرة شرح المهذب 2/ 533-534.
2 وكذا أذان وإقامة واجتهاد في قبلة وذهاب إلى مسجد الاعتناء في الفرق والاستثناء/ باب الحيض، القاعدة السادسة بتحقيقنا، وانظر روضة الطالبين 1/ 137-138، حلية العلماء 1/ 234-235.
3 وهي أعلاه، وقيل صدره، وقيل، والكل متقارب، والمراد هنا نفس الطريق كما قاله ابن الأثير في النهاية.
4 وفي قول إن الصلاة في الشوارع باطلة بناء على تغليب الغالب الظاهر على الأصل، مغني المحتاج 1/ 203.
والمنع؛ لأنه قبلته وجه دابته والعادة لم تجر بركوب الحمار معكوسا1.
قاعدة: كل صلاة تفوت في زمن الحيض لا تقضى إلا في مسألة واحدة، وهي ركعتا الطواف.
قاعدة: كل جنب يمنع من القرآن ولبث المسجد إلا واحدا.
وهو: جنب تيمم ثم أحدث؛ فإنه لا يمنع مما يختص بالجنابة -وهو القراءة واللبث- لقيام التيمم في ذلك مقام الغسل، ويمنع ما يختص بالحدث، وهو الصلاة، والسجود، ومس المصحف، لطرآن الحدث؛ فهو كما لو اغتسل ثم أحدث2.
قاله الروياني: في "الفروق" و"الجرجاني" في "المعاياة"3.
فائدة: "لا وضوء يبيح النفل دون الفرض" إلا في مسألة واحدة.
وهي: جنب تيمم وأدى الفرض ثم أحدث ووجد من الماء ما يكفيه للوضوء دون الجنابة، وقلنا بالقول المرجوح -وهو أنه لا يجب استعماله وأراد أن يصلي النفل، فإنه يلزمه استعمال ذلك الماء؛ لأنه قادر على ما يرفع حدثه. وإذا توضأ به عاد كما كان قبل الحدث، وقد كان قبله ممنوعا من الفرض دون النفل4.
فإما إذا قلنا: يلزمه استعماله فإنه يستعمله في أي عضو شاء ويتيمم للباقي ويستبيح الفرض والنفل معا.
وفي هذه الصورة التي ذكرناها يقال أيضا: "ليس محدث يصح تيممه للفرض دون النفل إلا واحدا" وهو هذا؛ فإنه إذا وجد كافي وضوئه. دون غسله وقلنا: لا يستعمله فإنه لا يتيمم للنفل؛ لأن معه ما يرفع حدثه للنفل، ويتيمم للفرض، لأن الماء الذي معه لا يبيح الفرض.
وقد ذكر الشيخ الإمام هذه المسألة في "الفتاوى" مصوبا [لكلام الجرجاني] 5
1 الأشباه والنظائر للسيوطي 464.
2 الشرح الكبير 2/ 133-147، روضة الطالبين 1/ 85-46، شرح المهذب 1/ 187.
3 لوحة "8" أخ.
4 الأشباه والنظائر للسيوطي "431"، المعاياة للجرجاني لوحة 5، أخ.
5 سقط في "أ" والمثبت في "ب".
وأفتى في جنب جريح: طهره غسل الصحيح وتيمم عن [الجريح] 1 وصلى الظهر ثم أحدث؛ فدخل وقت العصر وتوضأ؛ فإنه يتيمم أيضا للجراحة من أجل الجنابة.
قال: وهو نظير مسألة الجرجاني.
وذكر النووي مسألة الجرجاني؛ لكنه قال: وكذا حكم الفرائض كلها. وذلك يوهم أنه إذا أحدث يتوضأ للفرض ولا يتيمم، وهذا لا يقوله أحد، وقد أوله الوالد رحمه الله في فتاويه.
أصل مستنبط: هل الأولى تعجيل العبادة وإن وقع فيها خلل أو نقص، ولا نعني بالخلل والنقص ما ينتهي إلى الفساد، بل أخف من ذلك، أو تأخير لتقع خالية [من] 2 هذا الخلل؟
والحاصل أنه إذا عارض فضيلة التعجيل نقص لا يكون في التأخير فإنهما أولى بالرعاية، وهذا كما في عشاء الآخرة، فقد اختلف [الجديد والقديم] 3 في أيهما أفضل: تعجيلها أو تأخيرها؟
غير أن تعجيلها ليس فيه شيء من الخلل، وهذا الأصل موضوع لما في التعجيل نوع خلل.
وله نظائر:
منها: لو تيقن المسافر وجود الماء آخر الوقت فانتظاره أفضل من التيمم4. ولو ظنه فتعجيل التيمم أفضل في الأظهر.
ومنها: إذا أراد التأخير لحيازة فضيلة الجماعة فإن تيقنها آخر الوقت: قال في شرح المهذب5، فالتأخير أفضل، وإن ظنها فوجهان: ورجح النووي أنه إن فحش
1 في "ب" للجريح.
2 في "ب" عن.
3 في "ب" تقديم وتأخير.
4 ليأتي العبادة بالوضوء وهو الأصل قال النووي في شرح المهذب هذا هو المذهب الصحيح المقطوع به في جميع الطرق، شرح المهذب 2/ 261، الاعتناء في الفرق والاستثناء كتاب الصلاة القاعدة الأولى.
5 2/ 262 ونقل عن الشافعي في الأم أن التقديم أفضل وقطع أبو القاسم الداركي وأبو علي الطبري صاحب الحاوي وآخرون من كبار العراقيين استحباب التأخير وفضله على أول الوقت منفردا، وقال في الإملاء: التأخير أفضل.
الاعتناء المصدر السابق.
التأخير فالتقديم أفضل. وإن خف فالتأخير أفضل.
ومنها إذا علم أنه لو قصد الصف الأول لفاتته الركعة.
قال النووي: الذي أراه تحصيل الصف الأول إلا في الركعة الأخيرة فتحصيلها أولى، ذكره في "شرح المهذب"1 و"التحقيق".
ومنها: إذا ضاق الوقت عن سنن الصلاة، وكان بحيث لو أتى بها لم يدرك الركعة، ولو اقتصر على الواجب [لأدرك] 2 الجميع في الوقت فما الذي يفعله؟ قال البغوي في فتاويه: إن السنن التي تجبر بالسجود يأتي بها بلا نظر، أما التي لا تجبر قال: فالظاهر الإتيان بها أيضا؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه كان يطول القراءة في الصبح حتى تطلع الشمس قال: ويحتمل أن لا يأتي بها إلا إذا أدرك الركعة.
ومنها: المسافر إذا كان بحيث لو غسل كل [عضو] 3 لو يكف ماؤه، قال البغوي في "فتاويه": يجب أن يغسل مرة مرة؛ فلو غسل ثلاثا فلم يكف وجب التيمم ولا يعيد؛ لأنه صبه لغرض التثليث فليس كما لو صبه سفها، وصار كما لو أمكن المريض أن يصلي قائما بالفاتحة؛ فصلى قاعدا بالسورة، فإنه يجوز "انتهى".
ولا تعارض بين قوله: أولا وجب وآخرا جاز.
وبالوجوب صرح النووي فيما وضعه شرحا على التنبيه فقال: أول باب فرض الوضوء يجب الاقتصار -عند ضيق الوقت أو الماء عن السنن- على الفرائض.
قاعدة: "لا يعذر مكلف عن تأخير الصلاة عن وقتها".
بل يؤمر بالإتيان بها -على حسب حاله- ولو بالإيماء إلا في صور منها4:
1 2/ 263-264.
2 في "ب" لوقع الجميع.
3 زيادة الحاجة السياق.
4 لا يعدر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت إلا نائم وناس، ومن نوى الجمع لسفر أو مرض ومكره على تأخيرها ومشتغل بإنقاذ غريق أو دفع صائل أو صلاة على ميت خيف انفجاره، ومن خشي فوات عرفة على رأي وفاقد الماء وهو على بئر لا ينتهي إليه النوبة حتى يخرج الوقت، وعار في عراء لا تصل إليه السترة حتى يخرج. ومقيم عجز من الماء حتى خرج الوقت.
انظر الأشباه والنظائر 433، المنثور 3/ 126.
قاعدة: لا تجوز الصلاة مع النجاسة. إلا في مسائل:
منها: نجاسة في الثوب أو البدن لم يجد ما يغسلها به أو في البدن، ووجد ما يغسلها به ولكن خاف التلف من غسلها؛ فإنه يصلي وتجب الإعادة على الجديد الأظهر.
ومنها: إذا علم بالنجاسة ثم نسيها. وصلى مصاحبا لها فيعيد على المذهب.
ومنها: إذا جهل ملابسته إياها ثم علم بعد الصلاة فيعيد في الجديد، واعلم أنه يجب على كل من رأى على مصل نجاسة أن يعلمه؛ بخلاف من رأى مسلما نائما؛ فإنه لا يجب عليه أن يعلمه -وإن خرج الوقت- ذكرهما الحليمي في "المنهاج" وفرق بأن الصلاة لا تصح مع النجاسة، يعني وعدم الصلاة يكون مع عدم التكليف وهو النوم قال: وإن رآه يصلي خلف إمام غير طاهر فلم يعلمه لم يكن خائنا له -في قول من يجيز الصلاة- ويكون خائنا في قول من لا يجيز. انتهى.
ومنها: القليل من طين الشارع - وإن تحققت نجاسته.
ومنها: من على ثوبه أو بدنه دم البراغيث -ولو كثر- في الأصح.
ومنها: الأثر الباقي على محل الاستنجاء بعد الحجر.
ومنها: دم البثرات وهو كدم البراغيث، يغتفر القليل قطعا والكثير على الأصح.
ومنها: ما لو أصابه شيء من دم نفسه -لا من البثرات- بل من الدمامل والقروح، وموضع الفصد، والحجامة.
والأصح -عند النووي- أنه كدم البثرات مطلقا.
ومنها: النجاسة التي تصطحبها المستحاضة، وسلس البول.
ومنها: إذا تلطخ سلاحه بالدم في صلاة شدة الخوف.
ومنها: الشعر الذي ينتف ولا يخلو عنه ثوبه ولا بدنه فهو كدم البراغيث.
ومنها: القدر الذي لا يدركه الطرف من الخمر والبول وغير الدم.
قاعدة: يستثنى من قول الأصحاب: يسن للصبح والظهر طوال المفصل-
صورتان المسافر في الصبح المستحب له في الأولى "قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية "الإخلاص".
قاله الشيخ أبو محمد "في مختصر المختصر" وتبعه الغزالي في "الخلاصة" و"الاحياء".
والثانية: ذكرها الشيخ محيي الدين في "التحقيق" وشرح مسلم إذا كان إماما لغير محصورين، أو محصورين - شق ذلك عليهم.
وأفتى ابن الصلاح بخلافه، ويدل له فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ قفد كان يصلي بالطوال مطلقا.
فإن كان النووي أخذ ذلك من قول الأصحاب: "يستحب للإمام أن يخفف في الأذكار والقراءة"؛ فلا شاهد له فيه؛ لأن التخفيف لا يستدعي في العدول عن الطوال، ويحصل بدرج القراءة، وبعدم الزيادة على القدر المسنون.
ولكني رأيت منصوصًا للشافعي رضي الله عنه في "جمع الجوامع" لأبي سهل بن العفريس1، ما يشهد للنووي.
ونصه "واجب أن يكون أقل ما يقرأ مع أم القرآن -في الركعتين الأوليتين- قدر أقصر سورة في القرآن مثل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} وما أشبهها، وفي الآخرتين أم القرآن وآية، وما زاد كان أحب إلي - ما لم يكن إمامًا، فيقل. انتهى.
فائدة: يستثنى من قولنا: يسن سجود التلاوة لمستمعها وكذا سامعها في الأصح مسائل:
منها: المأموم الذي لم يسجد إمامه.
ومنها: المصلي إذا استمع قارئا خارج الصلاة وحكى المعافي الموصلي2 عن
1 أحمد بن محمد بن محمد الزوزني أبو سهل ويعرف بابن العفريس والعين والسين المهملتين صاحب جمع الجوامع ذكره أو عاصم العبادي في طبقة القفال الشاشي وأبي زيد، وكتابه قريب من حجم الرافعي الصغير.
انظر ابن قاضي شهبة 1/ 138، طبقات الفقهاء للعبادي ص91، ابن السبكي 3/ 301، ابن هداية الله ص28، الأعلام 1/ 201.
2 المعافي بن إسماعيل بن الحسين بن أبي السنان أبو محمد الموصلي ولد بها سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وتفقه على ابن مهاجر والعماد بن يونس وغيرهما قال الذهبي كان إماما فاضلا دينا عارفا بالمذاهب، توفي بالموصل في شعبان أو رمضان سنة ثلاثين وستمائة.
ابن السبكي 5/ 156، شذرات الذهب 5/ 143، ابن قاضي شهبة 2/ 92، الأعلام 8/ 169.
القاضي الحسين أنه يسجد، وهو ما ذكر الإمام أن في بعض الطرق إشارة إليه.
ومنها: مستمع قراءة الجنب والسكران؛ ففي فتاوى القاضي الحسين أنه لا يسجد، خلافا لأبي حنيفة؛ لكن الأصح في "الروضة" سجود مستمع، المحدث.
قاعدة: "من نوى في أثناء العبادة إبطالها أو الخروج منها بطلت إلا: الحج، والعمرة، وكذا الصوم -في أصح القولين- والوضوء والاعتكاف -على أصح فيهما أيضا.
قاعدة: النفل: لا يقتضي واجبا.
وإن شئت قل: شيء من النفل لا يكون بواجب.
نعم قد يكون؛ بحيث لا تتقوم ماهية النفل، وتتأدى ماهية السنة إلا به، كالركوع والسجود في النافلة؛ فإنه لا بد منه، وإلا لخرجت عن كونها صلاة، ولا نسميه واجبا وإن شئت قل -بعبارة أعم من هذا- ما ليس بواجب لا يقتضي واجبا.
ومن ثم لما ادعى ابن الحداد إيجاب ركعتي الطواف في الطواف الذي هو سنة -كطواف القدوم- غلطه جماهير الأصحاب.
وقال الإمام: ما أراه يصير إلى إيجابهما -على التحقيق- ولكنه رآهما جزءا من الطواف، وأنه لا يعتد به دونهما.
قال: قد قال -في توجيه قوله: "لا يمتنع أن يشترط في النفل مما يشترط في الفرض، كالطهارة وغيرها".
إذا عرفت هذا، علمت أن النافلة لا تقتضي وجوبا، وقال البغوي -في توجيه كلام ابن الحداد- يجوز أن يكون الشيء غير واجب ويقتضي واجبا، كالنكاح غير واجب ويقتضي وجوب النفقة والمهر.
قلت: ولعل هذا لا يرد على الإمام؛ فإنه قد أشار إلى كونه مستثنى في "باب الوليمة"؛ إذ قال: ليس في الشرع إباحة تفضي إلى اللزوم، إلا في النكاح وقد قدمنا ذلك عنه في أصوله التي طال تصريحه بها.
إن الخارج عن القواعد المعدودة من المستثنيات، لا يرد نقضا، وما هو -من حيث خروجه عن المنهاج- إلا بمنزلة الشاذ النادر؛ ولكن كتاب القواعد كفيل بذكر المستثنى -وإن شذ وخرج عن المنهاج- لأن المقصود به ضبط معاقد الفروع.
وقد يضم إلى النكاح مسائل.
منها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في النافلة، وما هي عندي إلا كبقية الأركان من الركوع، والسجود، والتشهد الأخير.
ومنها: مسائل أخر في الأصل.
وقريب من هذه القاعدة ما يقوله الفقهاء: النفل لا ينقلب واجبا.
يذكرون ذلك عند البحث مع الخصوم فيما إذا شرع في صلاة تطوع أو صوم هل يجب عليه الإتمام؟
وحضرت إلي من مدة -أسئلة من بعض فقهاء الموصل [نظمها] 1 قصيدة دالية كلها ألغاز فقهية وأرسلها إلي.
منها: والنفل كيف يصير حتما لازما؛ فكان جواب هذا البيت من نظمي.
والنفل يصلح واجبا في بالغ
…
وسط الصلاة أو الصيام فعدد
قاعدة: المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكان العبادة2.
ومن ثم مسائل:
منها صلاة النفل داخل الكعبة أولى منها خارجها وكذا الفرض إن لم يرج جماعة؛ فإن رجاها فخارجها أفضل قاله في الروضة.
ومنها: الصلاة في الجماعة خارج المسجد أولى منها في المسجد منفردا؛ قاله الرافعي في كتاب الحج عند ذكر هذه القاعدة في سنن الطواف.
ومنها: الرمل مع البعد عن البيت أفضل من القرب بلا رمل؛ إلا أن يكون في
1 في "ب" تضمنها.
2 قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: هذه القاعدة مهمة خرج بها جماعة من أصحابنا وهي مفهمومة من كلام الباقين.
حاشية المطاف نساء ولم يأمن ملامستهن لو تباعد؛ فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل حذرًا من انتقاض الطهارة، وكذا لو كان بالقرب -أيضا- نساء وتعذر الرمل في جميع المطاف لخوف الملامسة فتركه أولى.
ومنها: النفل في البيت -لبعده عن الرياء- أفضل منه في المسجد ولو [في] 1 مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
كذا مثل في "شرح المهذب" وسكت عن المسجد الحرام، وما أرى ذلك إلا اتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة المرء في بيته أفضل من الصلاة في مسجدي هذا إلا المكتوبة"؛ أخرجه أبو داود2 فحافظ النووي رحمه الله على لفظ الحديث، ثم المضاعفة في جميع حرم مكة بخلاف المدينة.
وتعليلهم -تفضيل نافلة البيت بالعبد عن الرياء استنباط -في الحقيقة- لمعنى مأخوذ من هذا الحديث ومن قوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالصلاة في بيوتكم؛ فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة" أخرجه البخاري ومسلم3.
وفيما وجدته منقولا عن القاضي أبي الطيب استثناء من هو ساكن في المسجد -قال فصلاته في المسجد أولى.
قلت: إن كان يريد من بيته قطعة من المسجد؛ فذاك اجمتمع فيه الأمران ولا شك أن صلاة هذا في هذا البيت أولى.
وإن أراد من له باب إلى المسجد فأقول: الذي يظهر أنه متى تساوى المسجد والبيت في البعد عن الرياء -ويظهر هذا كثير فيمن له باب إلى المسجد- فإنه يخرج ليلا إليه؛ بحيث لا يبصره أحد.
ومن عنده مسجد مهجور -لا يراه فيه أحد، وربما كان مفتاحه معه فالمسجد أفضل. ولعل إلى هذا القبيل أشار الشيخ أبو إسحاق؛ حيث ذكر في المهذب أن تطوع البيت بالنهار أفضل وقد تعجب منه النووي وغيره في تخصيصه بتطوع النهار، وقال
1 سقط في "ب".
2 1/ 274 في الصلاة/ باب صلاة الرجل التطوع في بيته "1044".
3 البخاري 2/ 214 في الأذان/ باب صلاة الليل "731" ومسلم 1/ 539 في صلاة المسافرين/ باب استحباب صلاة النافلة في بيته "213/ 781".
النووي: كان ينبغي أن يقول: وفعل التطوع في البيت أفضل -كما في التنبيه.
قلت: ويمكن أن يقال: أشار بلفظ بالنهار إلى أن التطوع في البيت -حيث يظهر التطوع بالمسجد- أفضل. لا حيث يخفي- وهو حسن، وإياه نعتقد؛ فرحم الله الشيخ أبا إسحاق ما أحسن احترازه، وما أفحل كلامه وما أضبط ألفاظه.
فإن قلت: فهذا خروج عن ظاهر الحديث، وتخصيص لعمومه.
قلت: كما أخرجت الرواتب فإن المفهوم من كلام أكثرهم أن فعلها في المسجد أولى، والمفهوم من كلام آخرين خلافه.
والحاصل: أن بعضهم أخرجها للمعين، وهذا أمثلها.
قاعدة: "ما لا يدخل الشيء ركنا، لا يدخله جبرانا".
وهذه قاعدة ذكرها إمام الحرمين؛ حيث قال في كتاب الجنائز من "النهاية""قطع الأئمة بأنه لو سها في صلاة الجنازة لم يسجد للسهو؛ لأنه لا مدخل للسجود في هذه الصلاة -ركنا- فلا يدخلها جبرانا". انتهى.
وأنا أقول: هذا منقوض بالدماء الواجبة في الحج جبرانا؛ فإنها لا تدخله ركنا؛ إذ ليس الدم ركنا في الحج، ويدخله جبرانا إلا أن يقال: إنما يجبر الدم ما أوجب لأجل تقويته. مما لا يفوت بفواته الحج، كالرمي؛ إذ ليس في أركان الحج ما يجبر بدم، فلم يدخل الدم نفس الحج.
ومنقوض -على القديم- بالدينار الواجب على من وطيء حائضًا في إقبال الدم والنصف في إدباره؛ إذ ليس في الوطء مال، وقد وجب الدينار جبرانا.
إلا أن يقال: إن الوطء مقابل بالمهر؛ إذ لا يخلفو عن عفو أو عقوبة.
ولو قيل: "ما لا يدخل الشيء مشروعا فيه، لا يدخله جبرانا" كان غير منقوض بشيء فيما يظهر.
قاعدة: قال صاحب التلخيص: "كل عبادة واجبة إذا تركها الإنسان لزمه القضاء والكفارة إلا واحدة".
وهي: الإحرام لدخول مكة -أي على أصح القولين- وعلل بوجهين.
أحدهما: عدم إمكانه لأن الدخول الثاني يوجب إحراما آخر.
والثاني: أن الإحرام تحية البقعة؛ فلا يقضي كتحية المسجد وأورد على صاحب التلخيص أنه بقيت صور.
منها: قول الأصحاب فيمن نذر صوم الدهر؛ فأفطر يوما أنه لا يمكنه قضاؤه ولا شك أنه بعد تسليم حكمه وارد، غير أن في صدري منه حسيكة ولم لا يمكن؟
وقد يقول الناذر: أنا أقضي اليوم الفائت فيما استثنى من الدهر، ولم يحرم الصوم فيه، ولا وجب؛ وذلك كأيام السفر والمرض.
ولا جواب لهذا إلا أنهم قالوا: "الواجب بالنذر، لا يزيد على الواجب بالشرع".
ولذلك قال الإمام: لو نذر المريض القيام في الصلاة، وتكلفت المشقة، أو نذر صوما، وشرط أن لا يفطر بالمرض، لم يلزم الوفاء؛ ولكن يمكن أن يقال في جواب هذا.
الجواب: أن غاية هذا أنه لا يجب الصوم، لئلا يزيد النذر على واجب الشرع؛ ولكن لم قلتم، لا يصح أن يقضي في هذه الأيام ما فات في غيرها، لا سيما إذا كان فائتا بغير عذر، ويكون قضاؤه مسقطا لوجوب الفدية.
بل أقول: لم لا يجب ما يمكن قضاؤه في الأيام التي صح نذر الصوم فيها فيها كما إذا نذر الدهر فأطر يوم الاثنين وجب قضاؤه يوم الثلاثاء؛ فنوى -تلك الليلة أن يصبح صائما- قضاء عن اليوم الفاضل. وهو الاثنين لا وفاء بالنذر، ويكون هذا عاصيا بترك صوم يوم الثلاثاء المنذور، كما عصى بترك الاثنين إن كان تركه بلا عذر، ومطيعا من جهة أنه قاض لليوم الفائت.
وليس للفقهاء، جواب عن هذا إلا بأن هذا اليوم تعين بنذره السابق لأداء المنذور، ولذلك لو نذر الصوم يوما آخر -بعد هذا النذر- لم يصح.
ولكن هذا الجواب يرده تصريحهم في باب النذر بأن اليوم المعين بالنذر وإن عيناه -لا تثبت له خواص رمضان؛ بل لو صامه عن قضاء أو كفارة صح بلا خلاف؛ كذا عزاه الرافعي الإمام، وحكى فيه وجها عن البغوي،
ومنها: من نذر أن يحج كل سنة -وهو كنذر صوم الدهر- ومن نذر أن يصلي جميع الصلوات في أوائل أوقاتها فأخر واحدة، أو أن يصدق بفاضل قوته كل يوم فأتلف
فاضل بعض الأيام، وتفقه القريب إذا وجبت فترك بعض الأيام، وإذا نذر أن يعتق كل عبد سيملكه وملك عبيدا، ومات ولم يعتقهم؛ فإنهم لا يعتقون ومن ترك رد السلام، ومن فر من الزحف من اثنين غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة؛ إذ لا يمكنه القضاء، فإنه متى لقي اثنين ممن يجب قتالهما بهذا اللقاء. لا قضاء، وإمساك يوم الشك إذا ثبت أنه من رمضان؛ فإنه يجب إمساكه -على المذهب- ولو ترك الإمساك لم يلزمه لتركه قضاء، ولا كفارة؛ وإنما يجب قضاء اليوم الفائت من رمضان.
وعدم القضاء في هذه الصور كلها، لعدم تصوره ولعل ابن القاص نبه بمسألة الإحرام لدخول مكة. على نظيرها مما يفوت القضاء فيه لعدم إمكانه.
ونقول فيمن وجب بالنذر أن الكلام في الواجب بالأصالة، وفي نفقة القريب، أنه لا يطلق عليها عبادة بل غرامة -إن لم يخرج عن الطاعة- فإنه ليس كل واجب يطلق عليه لفظ العبادة؛ ألا ترى أن قضاء الدين واجب، ولا يعد في العبادات.
قاعدة: "كل ما حرم في الإحرام ففيه الكفارة".
إلا في عقد النكاح، وشراء الصيد، واتهابه، لا يصح ولا يجب فيه شيء ووضع اليد عليه ما دام حيا وتنفيره ما لم يمت فيه، وأكله، والصياح عليه -على أحد الوجهين- والاستمناء في وجه
…
قاعدة: الأصل براءة الذمة.
قاعدة: الأصل في الميتات النجاسة. ويستثنى السمك والجراد وميتة لا نفسس لها سائلة -على خلاف في ذلك- ونحو ذلك.
قاعدة: "الأصل في الحيوانات الطهارة".
ويستثنى: الكلب والخنزير وفروعهما، وفروع أحدهما.
قاعدة: الجمادات طاهرة، إلا المستحيل إلى نتن أو إسكار.
قاعدة: قال الأصحاب رحمهم الله: "ما قضى عمده البطلان اقتضى سهوه السجود إذا لم يبطل".
وقولنا: "إذا لم يبطل" فيه زاده صاحب التتمة والتهذيب فيما نقله الرافعي عنهما
وبه خرج الحدث؛ فإن سهوه يبطل كعمده ولا سجود، وكذا كثير الكلام والفعل -على الأصح- ويستثنى من القاعدة مسائل:
منها: إذا تنفل على الدابة فحولها عن صوب مقصده وعاد قريبا متعمدا بطلت.
وإن نسي: فقد صحح النووي في "شرح المهذب" أنه لا يسجد لكن صحح الرافعي في "الشرح الصغير" أنه يسجد، وهو المذكور في الحاوي الصغير.
قال الأصحاب: "وما لا يبطل عمده، لا يسجد لسهوه".
قال الرافعي: "ويستثنى منه ما إذا طال الركن القصير بغير الفاتحة، أو قرأ الفاتحة في الركوع أو السجود أو قرأ التشهد في القيام، أو كرر الفاتحة مرتين؛ فإنه يسجد للسهو على الأصح، ولا تبطل -بعمده- الصلاة- على الأصح.
قلت: ويستثنى أيضا مسائل.
منها: لو عمل قليلا -لا من جنس الصلاة- عامدا لا تبطل صلاته ولو سها به. سجد للسهو.
ومنها: لو قنت قبل الركوع. لم تبطل، والأصح أنه يسجد.
ومنها: إذا نوى المسافر القصر، ثم قام إلى الثالثة -عامدا- بنية الإتمام لم تبطل صلاته، ولو قام ساهيا -سجد للسهو، كذا ذكره صاحب البحر في باب صلاة المسافر، وقال: إنه فرع غريب.
ومنها: على القول باختصاص القنوت بالوتر في النصف الأخير من رمضان إذا قنت في غيره سجد للسهو، ولو تعمده لم تبطل؛ ولكنه مكروه، كما ذكره الرافعي في باب صلاة الجماعة.
ومنها: إذا قرأ غير الفاتحة في الركوع أو السجود ساهيا سجد للسهو، كما ذكر القاضي أبو الطيب وغيره من العراقيين؛ ولكن حكى الماوردي فيه وجهين، ثم عمده لا يبطل قطعا.
ومنها: إذا ترك التشهد الأول -ناسيا- وذكره بعد ما صار إلى القيام أقرب؛ فإنه يعود إليه ويسجد للسهو على الأصح، مع أنه لو تعمده لم تبطل. وقد أورد القاضي الحسين هذا الضابط على نوع آخر جعل فيه الفرع أصلا فقال: "كل عمل يلزمه سجود
السهو إذا أتى به ساهيا، فإذا أتى به عامدا بطلت صلاته، وكل عمل قلنا لا يلزمه سجود السهو، لا تبطل صلاته إذا فعله عمدا".
وليس بين لفظ الأصحاب ولفظه معاكسة ولا مخالفة غير أنك إن جريت على لفظ الأصحاب عددت المسألة من قواعد باب سجود السهو. وإن جريت على لفظ القاضي عددتها من باب ما يفسد الصلاة وما لا يفسدها؛ ولكن القاضي لم يذكرها إلا في باب سجود السهو من التعليقة ولا بأس بذكرها في البابين لكن في باب سجود السهو على الصورة التي ذكرها الأصحاب، وفي باب المفسدات على الصور التي ذكرها القاضي. وهذا شبيه بصنع الشيخ أبي إسحاق؛ حيث قاس في الرد بالعيب على الشفعة وفي الشفعة على الرد بالعيب.
قاعدة: "إذا سها الإمام في صلاته، لحق سهوه المأموم".
قال الرافعي: ويستثنى صورتان.
إحداهما: إذا تبين له كون الإمام جنبا فلا يسجد لسهوه، ولا يتحمل -وهو- عن المأموم أيضا.
الثانية: أن يعرف سبب سهو الإمام ويتيقن أنه مخطيء -في ظنه- كما إذا ظن ترك بعض الأبعاض والمأموم يعلم أنه لم يترك فلا يوافق الإمام إذا سجد. وقد تكلم كل من الشيخ الإمام وشيخه ابن الرفعة رحمهما الله على هذا الاستثناء.
أما الصورة الأولى: فأنكر ابن الرفعة استثناءها وقال: الجنب ليس بإمام وأثبته الشيخ الإمام وقال استثناؤها صحيح.
والشيخ الإمام لم ينظر كلام ابن الرفعة -أنا أعرف ذلك- لو نظره لبين وجه الرد عليه.
وأقصى ما تلمحت لترددها تردد الأصحاب في أن المحدث إذا كان إماما في جمعة هل يصح؟ أو يفرق بين أن يتم به العدد، أو لا؟ وفي أن الصلاة خلفه هل هي صلاة جماعة أو فرادى؟ فهذا الخلاف صالح لأن يكون أصلا لهما.
وأما الثانية: فتوافقا على إنكارها، ثم اختلف تقريرهما.
فابن الرفعة قال: ما أتى به الإمام ليس بسجود سهو؛ بل هو سجود يقتضي أن
يجبر بسجود آخر قال: والاستثناء فيها: كما قال صاحب التلخيص فيما إذا سجد في صلاة الجمعة، ثم بان لهم أن الوقت خارج، ينويها ظهرا، ويعيدون السجود.
واعترضوا على صاحب التلخيص بأنه لم يكن السجود فيها جائزا؛ وإنما هو صورة السجود. انتهى.
والشيخ الإمام رحمه الله قال: فذلك يقتضي سجود سهو على الإمام على الأصح لزيادته سجدتين سهوا.
فإن قلنا بذلك لم يخرج سهو الإمام عن اقتضائه السجود في حق المأموم.
وإن قلنا: بأن الإمام لا يسجد لمثل ذلك فلا حاجة إلى استثنائها؛ لأن الإمام لم يحصل منه سهو مقتضى السجود "انتهى".
وهذا حق، فإن ما وجد من الإمام ليس بسجود سهو؛ وإنما هو على صورته كما قيل في الرد على صاحب التلخيص -وكأنه لم يرد بهذه الصورة إلا أن المأموم يتابع الإمام1 لسهو -ظنه- والمأموم يعلم خطأ ظنه.
1 في "ب" يتابع الإمام في سجوده لسهو ظنه.