الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدول إلى الإطعام لغير ذلك المجامع، وهي طريقة الغزالي التي صححها في كتاب "الكفارات".
أو أن يقال: هب أن الحديث معارض بالقياس لكن العمل بظاهر الحديث أولى من القياس، وهو الأصح في الأصول....
فائدة: كل1 من أتى بأفعال العمرة سقطت عنه عمرة الإسلام، قال الجرجاني: إلا في مسألتين.
قاعدة: كل دم يتعلق بالإحرام، يجب إراقته في الحرم إلا دم المحصر في الحل، والدماء اللازمة بارتكاب المحظورات؛ فإنه يجوز ذبحها في الحل؛ لأنه موضع تحلله؛ فهو كالحرم في حقه.
قاعدة: "كل جملة مضمونة بالمثل يكون النقص الداخل عليها باجلناية مضمونا بالأرش من القيمة دون المثل".
وفيه مسائل:
منها: لو جرح صيدا "له مثل" عشر قيمته لزمه عشر قيمة المثل، لا عشر المثل، وقيل: يجب عشر المثل إلا أن يتعذر.
ومنها: الطعام المغضوب إذا بله بالماء أو قلاه بالنار؛ فإن عليه أرش نقصه من المثل.
1 سقط في "ب".
القول في قواعد ربع البيع
وما لعلنا نورده فيه من غيرها:
فقد أشكلت حقيقة الملك على طوائف من النظار، وزل من قال منهم "إنه التصرف"؛ لأن المحجور عليه يملك ولا يتصرف، كما أن الولي يتصرف ولا يملك والمختار في تعريفه: أنه أمر معنوي، وإن شئت قل: حكم شرعي مقدر في عين أو منفعة يقتضي تمكن من ينسب إليه انتفاعه به والعوض عنه من حيث هو كذلك.
أما قولنا: "حكم شرعي" فالإجماع عليه، ولأنه تبع الأسباب الشرعية فيكون حكما شرعيا.
وأما "أنه مقدر؛ فلأنه يرجع إلى تعلق إذن الشرع، والتعلق عدمي ليس وصفا حقيقيا؛ بل يقدر في العين أو المنفعة عند تحقق الأسباب المقيدة للملك.
وقلنا: وفي عين أو منفعة لأن المنافع تملك كالأعيان ويورد عليها عقد الإجارة.
وقولنا: يقتضي انتفاعة ليخرج تصرف القضاة والأوصياء؛ فإنه في أعيان أو منافع لا يقتضي انتفاعهم1؛ لأنهم لا يتصرفون لانتفاع أنفسهم، بل لانتفاع المالكين.
وقولنا: "والعوض عنه" يخرج الإباحات في الضيافات؛ فإن الضيافة مأذون فيها، ولا يملك عوضا عنها.
ويخرج أيضا: الاختصاص بالمساجد، والربط مقاعد الأسواق؛ إذ لا ملك فيها مع التمكن من التصرف.
وقولنا: من حيث هو كذلك "إشارة إلى أنه قد يتخلف لمانع يعرض للمحجور عليهم. لهم الملك، وليس لهم التمكن من التصرف لأمر خارجي؛ فالقبول الذاتي حاصل؛ فلا ينافيه العارض الخارجي.
واعلم أن هذا مختص بالملك المقيد، الذي لا يطلق عليه الملك إلا توسعا وهو ملك العباد لما ينسب إليهم، والمالك في الحقيقة هو الله تعالى.
وقد قال أئمتنا: والعبارة لإمام الحرمين في الشامل: لا يتقرر في حق العباد ملك الرقاب -وإن أطلق توسعا، وتجوزا بعد أن ذكر أن المرتضي عنده في معنى الملك أن المالك للشيء، ومن يجوز له فعله إذا كان مقتدرا عليه، ويندرج في ذلك -على ما ذكر- ملك الله، وملك البشر ذكره في أثناء مسألة خلق الأفعال.
فصل:
إذا عرفت حقيقة الملك فنذكر حقائق ألفاظ يكثر ترددها في ربع البياعات.
منها: الذمة، وستعرفها في باب الفرائض؛ لأنه بها أمس.
ومنها: الصحة، وقد أغنانا الأصوليون عن تعريفها؛ غير أنا نعرفك. هنا أن الانعقاد والصحة في هذا الباب عبارتان عن معبر واحد ولا شك أن الانعقاد أثرها؛ فكأنه
1 في "ب" زيادة وإن شئت قلت.
عبر بالمؤثر عن الأثر وعكسه؛ فكل صحيح منعقد، وكل منعقد صحيح، ولا يقال في الفاسد: أنه منعقد، إلا مجازا، فيقال: هذا عقد فاسد؛ حيث لا عقد حقيقي، ولكن صورة عقد.
ومنها: النفوذ وهو عبارة عن انعقاده مؤثرا في المحل مبينا لحكمه والباطل والفاسد بمعنى واحد عندنا لا ينفذ له حكم. ولا يثبت.
ومنها: اللازم وهو ما لا يقبل الفسخ، أو ما لا يتمكن من إبطاله قد يكون من جانبين، وقد يكون من جانب واحد ومنها: الجائز عكس اللازم.
ومنها: الفسخ، حل ارتباط العقد.
ومنها: الاستقرار، عبارة عن الأمن من سقوط الملك بسبب انفساخ العقد، أو فسخه؛ فإن الملك مستقر في كل من العوضين بعد قبضه، وإن لم يؤمن زوال الملك بسبب الفسخ بالعيب.
وفي تعليق البندنيجي أن المستقر ما لا يخشى سقوطه بزوال سببه كثمن المبيع بعد قبض المبيع -على وجه الصحة- والأجرة بعد انقضاء المدة، والمهر بعد الدخول، والعوض في الخلع، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات.
فائدة: الإيجاب والقبول هل هما أصلان في العقد، أو الإيجاب هو الأصل والقبول فرع؟
ورأيت في كلام الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن عدلان1 رحمه الله حكاية خلاف في ذلك، ولم أر ذلك في كلام غيره، وقد كان رحمه الله عمدة من عمد المذهب يرجع إليه نقلا وتصرفا.
قال -وعليه بني بعضهم: ما إذا قال المشتري: يعني -فقال البائع: بعتك، هل
1 محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق بن داود وشيخ الشافعية شمس الدين الكناني المصري المعروف بابن عدلان، ولد في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة، قال الإسنوي كان فقيها إماما يضرب به المثل في الفقه عارفا بالأصلين والنحو والقراءات ذكيا نظارا فصيحا يعبر عن الأمور الدقيقة بعبارة وجيزة مع السرعة والاسترسال دينا سليم الصدر كثير المروءة.
ابن قاضي شهبة 3/ 54، الإسنوي 340، الوافي 2/ 168، حسن المحاضرة 15/ 341، الدرر الكامنة 3/ 333، شذرات الذهب 6/ 164.
ينعقد؟ إن قلنا: بالأول صح، وإن قلنا بالثاني لم يصح؛ لأن الفرع لا يتقدم على أصله.
قلت: قاعدة مستنبطة:
كل قبول جائز أن يكون بلفظ قبلت، وباللفظ المحاكي للفظ الإيجاب أو المرادف للفظ الإيجاب.
فتقول في جواب بعتك، قبلت، أو ابتعت، أو اشتريت، وفي جواب أنكحتك: قبلت، أو نكحت، أو تزوجت، ونحو ذلك على ما تحرر في الفقهيات.
ولا يتعين اللفظ المحاكي إلا في مسألة واحدة، وفي غيرها على خلاف فيه أما المسألة المجزوم بها؛ فإذا قال لها: إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق فلا بد أن تقول: ضمنت -على ما اقتضاه كلام الإمام والغزالي- ولا يكفي شئت بدل ضمنت -صرح به الأصحاب، ولا قبلت، صرح بن ابن الرفعة، وناقش فيه الرافعي زاعما أن كلامه اقتضى أنه يكفي.
والرافعي لم يقتض كلامه ذلك؛ وإنما قال: المراد بالضمان، هنا القبول والالتزام دون المفتقر إلى أصل فمراده بالقبول الالتزام -غير معترض على لفظه- نبه عليه الوالد.
وأقول: القول بأن لفظ قبلت لا يكفي، فيه نظر؛ فإن المعلق عليه هذا الضمان لا لفظه؛ فلم لا يكفي قبلت؟
وأما المختلف فيها.
فمنها: إذا قال: خالعتك بألف: فقالت قبلت الألف، صح.
قال الرافعي: وفي فتاوي القفال، أن أبا يعقوب غلط؛ فقال في حق المرأة: لا بد أن نقول: اختلعت والأجنبي لا يحتاج إليه.
هذا كلام الرافعي، وأبو يعقوب هو الأبيوردي1 وقد وقفت على فتاوى
1 يوسف بن محمد أبو يعقوب الأبيوردي، قال المطاوعي تخرج بأبي طاهر الزيادي وصنف التصانيف السائرة والكتب الفاتنة الساحرة، وما زالت به حرارة ذهنه وسلاطة وهمه وذكاء قلبه حتى احترق جسده ومن تصانيفه المسائل تفرغ إليه الفقهاء وتنافس فيه العلماء، قال السبكي: أحسبه توفي في حدود الأربعمائة ابن قاضي شهبة 1/ 199، السبكي 5/ 392، العبادي ص109 معجم المؤلفين 13/ 328.
القفال، وليس فيها زيادة على هذا، وقد فهم منه الوالد أن أبا يعقوب يشترط لفظ اختلعت ليوافق لفظ خالعت، وهذا يدل عليه قوله في حق المرأة: لا بد أن تقول: اختلعت؛ غير أنه يدفعه شيئان.
أحدهما: لفظ الألف في قول الرافعي: قبلت الألف؛ فإنه لو كان المراد اشتراط لفظ اختلعت دون قبلت لم يحتج إلى ذكر الألف.
والثاني: أنه لو كان المراد توافق اللفظين لم نفرق بين المرأة والأجنبي؛ فالذي أفهمه من هذا ما فهمه ابن الرفعة في "المطالب"، وفرق بين المرأة والأجنبي بأن الأجنبي لا يحتاج أن يقول: اختلعت؛ لأن حظه منه قبول المال فكفى، ولا كذلك الزوجة، يعني: فإن الطلاق من حيث كونه واقعا عليها لها فيه حظ؛ فاشترط لفظ من قبلها يدل على قبول العقد، بأن يطلق -قبلت مطلقا غير مسند إلى المال، أو اختلعت.
وهذا الذي فهمته، هو الذي فهمه شيخنا الأخ أبو حامد "شيخ الإسلام" سلمه الله وأطل بقاءه فقال فيما كتبه إلي:
القول في شرائط المبيع:
ولهم في عدها اختلاف، والمشهور أنها خمس: أن يكون طاهرا منتفعا به، مقدورا على تسليمه مملوكا للعاقد أو لمن يقع له العقد، معلوما.
ومنهم من اكتفى الشروط كانت القدرة زائلة، هذا يؤول إلى الدور.
فإن الغرض تعريف تلك الشروط الشرعية، ولنا هنا لتحقيق العبارة عن شرائط المبيع؛ فإنا مكتفون بفهمها، متكلمون -بعدها- على فصول أخر.
فصل:
لا يلزم من حصول الشرط حصول المشروط؛ وإنما اللازم انتفاء المشروط عند انتفائه؛ فلا يلزم من اجتماع شروط البيع صحة البيع، بل لا بد من صفات في العاقد والمعقود عليه، ومع ذلك قد يمتنع البيع لأسباب أخر؛ إلا أن تلك الأسباب خارجة عن صفات المبيع والبائع والمشتري والصيغة؛ فلا تلزم اعتمادها عند ذكر أركان العقد وشروطه.
ويظهر هذا بأنه رب مستجمع لهذه الشروط لا يصح بيعه، وهو في مسائل:
منها: الأضحية إذا أهدى من لحمها إلى غني أو تصدق على فقير فهو يملكه، وله التصرف فيه بالهبة والهدية، ولا يجوز البيع.
فصل:
قد يجوز البيع، ولكن من شخص دون شخص. وهو في مسائل:
منها: بيع رقبة الموصي بمنفعته، ثالث الأوجه وهو الأصح، يصح من الموصي له دون غيره.
ومنها: بيع المشتري المبيع قبل انقضاء الخيار من البائع صحيح ومن غيره باطل على خلاف فيه.
ومنها: بيع المفلس -المحجور عليه- من الغرماء، قيل: يصح، وقيل لا يصح إلا بإذن القاضي، وهو الصحيح.
ومنها: بيع المغصوب من قادر على انتزاعه صحيح على الصحيح، ومن غيره باطل.
ومنها: بيع الثمرة قبل بدو الصلاح - من مالك الشجرة.
قبل: يصح من غير شرط القطع، والصحيح لا، كما لو باعها من غيره.
ومنها: لو اختلط حمام مملوك بغيره، وعسر التمميز فليس لواحد منهما التصرف بيع أو هبة من ثالث، أما من الآخر فوجهان:
ومنها: المستعير للغراس والبناء له أن يبيع من المعير وبالعكس، وللمعير بيع الأرض من ثالث، وفي المستعير وجهان: أضحهما كذلك.
ومنها: بيع المكاتب باطل -على الجديد- إلا أن يبيعه من نفسه فيصح على [الصحيح]1.
فصل:
نتكلم فيه على وقف العقود.
1 سقط في "ب".
إذا تحقق انتفاء شرط تحقيق انتفاء الصحة، وإن شك فيه [يحتمل] 1 القطع بانتفاء الصحة، ويحتمل الشك والوقف فيها إلى البيان.
مثال الأول: بيع الفضولي يحقق انتفاء الملكية فالجديد بطلانه.
ومثال الثاني: بيع مال الأب على ظن أنه حي فإذا هو ميت، وأكثر المسائل أنه هل يعتبر الظاهر، أو ما في نفس الأمر؟ وقد قدمناه في القواعد المطلقة.
غير أنا نقول -هنا- أن القولين فيها وفي بيع الفضولي -يعبر عنهما بقولي: وقف العقود، ويقال: الوقف وقفان: وقف صحة، كما في بيع الفضولي على القول به -فالموقوف منه كون العقد صحيحا. وفاقا للشيخ الإمام، وخلافا للإمام؛ حيث قال: الصحة ناجزة، والموقوف على الإجازة؛ إنما هو الملك ونقله عن الرافعي ساكتا عليه.
وقد تكلم الشيخ الإمام [الوالد] 2 رحمه الله في باب التفليس من تكملة شرح المهذب -على وقف العقود كلاما مبسوطا، أنا ألخصه هنا مع زيادات.
[فأقول] 3: جعل الإمام -على ما تحصل من كلامه في بيع الغرر، وفي الكلام على عتق الراهن- الوقف أصنافا بيع الفضولي، وبيع مال الأب الحي المظنون الحياة، وبيع الغاصب، وبيع الراهن والمرهون، ويقرب منه بيع المفلس، المريض.
ويظهر أن يقال: إذا أورد العقد على غير قابل لمقصوده فهو باطل قطعا، ولا وقف فيه كما لو باع خمرا، أو نكح معتدة؛ فلا يقال: إنه متوقف على تخلله أو انقضاء عدتها، بل يجزم ببطلانه.
وإن كان المعقود عليه قابلا للمورد؛ فهو الذي يدخل فيه الموقف والتحقيق: أن الوقف وقفان؛ وقف صحة، ووقف تبيين، ولا يلزم من فساد الأول فساد الثاني؛ إذ الأول أجدر بالفساد.
أما وقف الصحة:
فهو الذي لم يصدر العقد فيه من أهله، أو صدر من أهله؛ ولكن مع قيام مانع.
ولك أن نقول: هو الموقف على أمر يوجد في المستقبل.
1 في "ب" فيحتمل.
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
ثم هو درجات:
[أبعدها عن الصحة ما صدر من غير أهله، وسهل نقضه، وهو بيع الفضولي والثاني]1.
ما صدر من غير أهله؛ غير أن نقض صعب كتصرف الغاصب بالبيع والشراء تصرفات كثيرة عسر تتبعها، والأول أولى بالفساد من الثاني؛ لأن الضرورة قد تلجئ إلى تصحيح الثاني.
ومن ثم كان لنا قولان: في الجديد في الثاني وليس لنا في بيع الفضولي؛ إلا قول قديم؛ غير أن الصحيح في البطلان؛ لأن القول فيه الصحة، مع القول في الفضولي بالبطلان، يفضي إلى اعتبار الشرط بعد المشروط، وقد أجمع العقلاء على أن الشرط مقدم أو مقارن.
الثالثة:
ما صدر من أهله غير أن في مانعا يمنع نفوذه كتعلقه برقبة مورد العقد، وكذا بذمته مع الرقبة على وجه، وهو بيع العبد الجاني، فالصحيح بطلانه وإن اختار السيد الفداء وفاقا للشيخ الإمام، وخلافا للبغوي؛ حيث قال: إن اختار الفداء صح.
ولم يذكر الرافعي والنووي سواه، وهو ضعيف؛ لأن اختيار الفداء لا يلزمه وله الرجوع عنه، ولا ينبغي أن يبطل حق المجني عليه بالتزامه أن يفرق بين الموسر والمعسر؛ فإن تعلق الحق أن منع فلا يدفعه اليسار.
وفي التتمة قول: أن بيع الجاني موقوف -كذا عزاه الرافعي إلى التتمة [وربما قال بعض الناس: لا حاجة إلى عزوة إلى التتمة] 2 وهو القول القديم في بيع الفضولي.
قلت: وقد عرفناك ما تعرف به أن هذا جديد -لا قديم- وأنه مقول به مع القول ببطلان بيع الفضولي.
الرابعة:
صادر من أهله مع المانع إلا أن المانع فيه دون الجناية؛ وذلك كبيع المرهون،
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
ففيه ما قدمناه من احتمال الإمام، وفي هبته وجهان في الجديد وفي عنقه الأقوال المعروفة أصحها الفرق بين المعسر والموسر:
الخامسة:
صادر من أهله غير أن المانع في غير قوي قوة المانع قبله؛ وذلك لاحتمال أن يتبين بالآخرة اندفاع الموجب له، وهو كتصرف المفلس؛ فإنه قد تبين بالآخرة أنه لم يمنع حق الغرماء، وليس كالرهن؛ فإنه يتعلق بكل المرهون ومن ثم قال ابن الرفعة في المفلس: إذا تبين بالآخرة فاضل عن دينه فتبين أن الحجر لم يشمل القدر الفاضل وخالفه الشيخ الإمام، وقال: بل شمل الكل وهو الارجح ويشهد بخلافهما اختلاف الأصحاب. في أنه هل ينقض من تصرفاته الأضعف فالأضعف وهو الصحيح. وفيه دلالة للشيخ الإمام -فالآخر.
السادسة: تصرف المريض فهو أقرب التصرفات إلى الصحة؛ لأنه لا يحل له الإقدام على التصرف اعتمادا على بقاء الحياة، والمفلس ممنوع، لمراغمته بالتصرف ما شرع الحجر لأجله.
وهذه فروع مما يلحق بموقف العقود.
منها: إذا قسم الحاكم مال المفلس، ثم ظهر غريم؛ فالظاهر أن القسمة لا تنقض، ويشارك من ظهر بالحصة، وقيل: تنقض.
فعلى الأول: لو أعسر بعض الآخذين قدر كالعدم وجعل الغريم الآخر كأنه أخذ كل المال، وقيل: إنما يؤخذ بالحصة.
[ويظهر] 1 هذا الخلاف في بعض الورثة يقر بدين وينكر البعض، هل يؤخذ من المقر الكل أو بالحصة؟
ومنها: إذا أعتق عبيدا -لا يحتملهم الثلث- فأخرجنا الثلث بالقرعة ثم ظهر للميت دفين -يخرج جميعهم من الثلث- فيحكم بعتقهم جميعا، ومن يوم إعتاقهم ترجع إليهم اكسابهم، ولا يرجع الوارث، بما أنفق عليهم، كمن نكح فاسدا -على ظن الصحة- لا يرجع بالنفقة ولو ظهر دين مستغرق فالعتق بالقرعة باطل.
1 في "ب" ونظير.
ومنها: إذا باع العدل الرهن بثمن المثل، ثم زاد راغب قبل التفرق انفسخ البيع -على ما صححه الرافعي وغيره- فلو بدأ الراغب قبل التمكن من بيعه فالبيع الأول بحاله، أو بعده؛ فقد ارتفع العقد، فلا بد من عقد جديد، وفي طريقة الصيد لا في أنا نتبين أن البيع بحاله.
ومنها: جنى على المرهون فعفا على مال فليس للراهن العفو لحق المرتهن وفي قول: العفو موقوف ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن؛ فإن انفك الرهن رد إلى الجاني وبان صحة العفو؛ وإلا بان بطلانه.
ومنها: نكاح المرتابة، وسيأتي.
ومنها: لو قال -عند خوف غرق السفينة: ألق متاعك وأنا الركبان ضامنون، وقال: أردت إنشاء الضمان عنهم؛ فعن بعض الأصحاب أنهم إن رضوا به ثبت المال. ونازع فيه الرافعي، وقال: العقود لا توقف.
ولينظر كلام الإمام في ذلك في باب عقود الضمان.
ومنها: من أسلم من الوثنيين بعد الوطء، انتظرنا إسلام الآخر [في العدة] 1؛ فإن أسلم فيها استمر النكاح، وإلا تبين حصول الفرقة من حين إسلامه؛ فلو طلقها قبل تمام العدة فالطلاق موقوف.
ومنها: أسلمت تحت عبد وثني وعتقت وهي مدخول بها.
ومنها: أسلم من أربع، وتخلف أربع وثنيات تعين الأوليات للفسخ2.
ومنها: عتقت تحت عبد؛ فلها الخيار، والمسألة فيها تخريج -للإمام- على وقف العقود.
ومنها: خلع المرتدة موقوف إن أسلمت قبل تبين صحته.
ومنها: ذبح أجنبي أضحية معينة بالنذر أو هديا معينا، بعد بلوغ النسك، وقع الموقع.
وفيه قول قديم أن لصاحب الأضحية أن يجعلها عن الذابح ويغرمه كمال القيمة، بناء على وقف العقود.
1 في "أ" وبعد المثبت من "ب".
2 وفي "ب" للفسخ على الفور.
فصل:
أما وقف التبين: فهو الذي يصدر العقد فيه من أهله باطنا لا ظاهرا. وإن شئت. قل: هو الموقوف على أمر تبين وجوده فيما مضى.
ولا يخفى أنه أقرب إلى الصحة من القسم قبله ولذلك كان صحيحا؛ إما جزما وإما على الصحيح.
وفيه مسائل:
منها: بيع مال الأب الميت المظنون الحياة، الصحيح الصحة.
وقد تقدم الكلام في وفي نظائره -في القواعد المطلقة- في قاعدة: هل العمل بالظاهر أو بما في نفس الأمر؟
ومنها: الطلاق المبهم؛ فإن تزوج يمنع من قربان زوجته إلى أن يتبين وكذلك في مسألة الغراب.
ثم التعيين إن لم يكن طلاقا -وهو الصحيح- فالوقف وقف تبين.
ومنها: لو قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة كل صاع بدرهم ولا يدري أنها عشرة آصع؛ فالصحيح الفساد، للجهل بالمقابلة.
وعلى القول بالصحة فهو موقوف لتحقق المقابلة وهو من وقف البيان.
ومنها: في الربا لو باع صبرة بصيرة متساوية وخرجتا متساويتين صح؛ وإلا فالأصح البطلان وعلى الصحة يوقف لبيان المماثلة.
ومنها: إذا قال أحد الشريكين المعسرين: إن كان هذا الطائر غرابا فنصيبي حر، وقال الآخر: إن لم يكن فنصيبي حر، ولم يعرف -لا يحكم عتق نصيب واحد منهما، والولاء موقوف1، أو بان حكم بعتق النصف.
ولنا بحث سنذكره عند ذكر المسألة -إن شاء الله تعالى- في قسم أصول الدين في مسألة لازم النقيضين في أن هذا الوقف، هل هو وقف تبين؟
ومنها: أصح الأقوال في مال المرتد أنه موقوف.
1 في "ب" زيادة فإن اشتراه أحدهما.
ومنها: ملك المبيع في زمن الخيار: الصحيح أنه موقوف.
ومنها: نكاح المرتابة بالجمل: قبل على وقف العقود، وقيل بالتبين.
ومنها: لو عين المريض عينا تباع، ويوفي منها دينه؛ فقيل: للورثة إمساكها والوفاء من غيرها، وقيل: لا فعلى هذا، لو باعها الوصي قبل استئذان الورثة؛ فقيل: باطل، وقيل: موقوف -فإن وفوا فلهم نقض المبيع وإلا انبرم.
وقد يقال: ليس هذا وقف تبين، بل وقف صحة.
ومنها: إذا نجز المريض عتق أمته التي لا يملك سواها. ملك قريبة تزويجها؛ فإن ظهر أن ذلك1 العتق يشمل جميعها، تبين بطلان النكاح إن لم يجز للوارث، وكذا إن أجاز وقلنا: إنه ابتداء عطية، وإن قلنا: يتقيد ثبتت الصحة.
ومنع ابن الحداد التزويج؛ لأن عتقها موقوف وربما لا تعتق كلها -وهو ظاهر الحال-
فعلى هذا لو كانت جميعها تخرج من الثلث؛ فهل تزوج أم لا؟
- لاحتمال تلف المال- للإمام فيه احتمالان والقائلون بالصحة قاسوا التزويج على جواز التصرف في المتبرع به.
وعن الشيخ أبي علي أن من وافق ابن الحداد يحتمل أن يطرد ذلك في هبة - الجارية، حتى لا ينفذ تصرف المتهب القابض، إذا كان ذلك التصرف لا يحتمل الوقف ولا يحل له الوطء.
قلت: ووقع في البحر -للروياني- في باب عتق العبيد لا يخرجون من الثلث فيمن أعتق ستة أعبد -لا يملك غيرهم- أنه لا يحكم بعتقهم، لجواز أن يظهر دين، ولا برقهم؛ لجواز أن يستفيد مالا وأكسابهم موقوفة أيضا.
ولو كان للمعتق مال -يخرجون من ثلثه- لا يحكم بعتقهم قبل موته لجواز أن يتلف ماله؛ فلا يصل إلى ورثته.
وهذا يوافق ما نقل ابن الحداد، وأحد احتمالي الإمام.
ونزيد عليهما؛ فإن ذلك مخصوص بالنكاح لما فيه من الاحتياط، وهذا عام؛ فالوجه تأويله على أنا لا نحكم بعتقهم، ولا برقهم -عتقا، ورقا يستقر قراره. وتوافق
1 سقط من "ب".
عبارته قول الرافعي- لما تكلم على المرض المخوف.
أنا نحجر على المريض في التبرع بالزائد على الثلث ولا ننفذه؛ لكنه لو فعل ثم بريء، تبين صحة التبرع؛ فإن ذلك لم يكن مخوفا.
فظاهر: أنا لا ننفذه، يوافق قول ابن الحداد، والوجه تأويله على ما ذكرناه؛ وإلا فهو موقوف على إجازة الورثة إن أدى الحال إلى الموت وإلا فالتصرف نافذ من كل وجه.
إذا عرفت هذا تبين لك به تردد في تصرف المريض، وموقوف هو حتى يجيء في بيعه القولان في وقف العقود ويلحق بالقسم الأول، وهو وقف الصحة، وقد قدمنا ذلك- أو صحيح بناء على تمام السبب حال التصرف.
وإن كان ماله إلى إجازة الورثة؟ ويكون رد الوارث بمثابة أخذ الشفيع من حينه، وليس مستندا إلى وقت البيع.
لا فارق بينهما إلا أن الشفيع يقرر عقد البيع، وهذا يرد؛ فيكون كالرد بالعيب يرفع من حينه.
وقد يقال في الرد بالعيب تقدير ما؛ ألا ترى أن إمام الحرمين حكى في "الفروع المنثورة" في كتاب العتق قولين فيما إذا رد الوارث الزيادة على الثلث هو نقول: الزيادة ثبتت ثم ردت، أو تبين أنها لم تنفذ.
ومنها: إذا اكتفينا بظاهر الصبرة فتبين تحته دكة: قال "في الوسيط" فهل تبين بطلان العقد.
ومنها: قال في الوسيط: إذا منعنا بيع الغائب فالرؤية السابقة كالمقارنة -إذا كان مما لا يتغير- فلو تغير على الندور؛ فهل يتبين بطلان العقد، أو يكتفي بالخيار؟ فيه خلاف صحح النووي الثاني.
ومنها: ظاهر كلامهم أن اللعان يقع في الردة، ويمكن أن يكون ذلك في مدة الإمهال.
ومنها: إذا طلق رجعيا أو بائنا. ثم وطئها أجنبي في العدة -بشبهة- ثم حملت منه، فإنها تعتد بالحمل.
فصل:
في الإقدام على العقود الفاسدة.
وقد تردد كثير من المتأخرين أهو حرام، أم حلال؟ وذكر الوالد رحمه الله في باب الوصية -عند الكلام على الوصية1 بأكثر من الثلث: "أنه ينبغي أن يقال: إن قلنا: الوصية بأكثر من الثلث باطلة، أو إن الإجازة ابتداء عطية فهي حرام؛ لأنها عقد فاسد، قصد به تحقيق حكم غير مشروع انتهى.
فهذا ضابط جيد في تحريم فاسد التصرفات، وأنه لا يحرم منها ما صدر تلاعبا، ولا قصد فيه، لم يثبت مقتضاه عليه وهو قضية كلام الغزالي. ثم ذكر في كتاب النكاح نظيره [فقال] 2 عند الكلام فيما إذا جمع بين الأختين، بعدما ذكر أن ابن الرفعة أخذ من قوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} . أن الإقدام على العقد الفاسد حرام؛ لأن حقيقة الجمع بالوطء غير ممكنة؛ إنما الممكن بالعقد.
إن الحق ما قاله الغزالي إنه متى قصد تحقيق المعنى الشرعي فهو حرام وإن قصد تحقيق اللفظ -من غير تحقيق معناه؛ فهذا لغو -ليس بعقد، ومع ذلك إن كان له محمل- من ملاعبة الزوجة ونحوه، فلا يحرم، وإلا فيحرم، إذ لا محمل غير الحق الشرعي، أو التلاعب وكلاهما حرام.
قاعدة: كل عين ثبت لمن هي تحت يده حق حبسها ليستوفي ما وجب برهنها، أو بسبب العمل فيها، لا يجوز لمالكها بيعها بغير إذن صاحب اليد إلا بعد وفاء الحق.
وفيه نظائر:
منها: المرهون.
ومنها: الصباغ إذا صبغ الثوب؛ فإنه لا يصح بيعه قبل توفية الأجرة.
ومنهاك القصار إذا قصر الثوب، لا يجوز بيعه، قبل توفية الأجرة.
إن قلنا: القصارة عين - وإن قلنا: أثر؛ فلا حق له في حبسها.
ومنها: لو استأجر صباغا ليصبغ له ثوبا، وسلمه إليه أو صائغا على عمل ذهب
1 في "ب" الموصي.
2 سقط في "ب".
ونحوه فليس له بيعه ما لم يقبضه -صرح به المتولي وغيره- لأن له حبسه إلى أن يعمل فيه ما يستحق به العوض.
وعليه يخرج ما قبل -في بيع الأشجار المساقي عليها- أنه لا يصح؛ لأن المساقاة عقد لازم، وقد استحق العامل أن يعمل فيها ما يستحق به أجرا. ومن خرجها على بيع العين المستأجرة؛ فقد غفل عن ملاحظة هذا الأصل.
سؤال:
لعلك تقول: هذه القاعدة ترد نقضا على قولنا: "شرط المبيع أن يكون طاهرا منتفعا به، مقدورا على تسليمه. مملوكا لمن وقع العقد له "فإن هذه الشروط موجودة في الثابت حق حبسها، ثم لا يجوز بيعها، فالتعريف -إذن- غير مطرد.
والجواب: أنا ذكرناه خارجا عن1 شرط القدرة على التسليم؛ فإن عدم القدرة قد يكون حسيا، وقد يكون شرعيا، كالمرهون.
واعلم أنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، وهذه الأوصاف ليست تعريفا للمبيع، ولكن شرائط له ولذلك تجتمع.
ثم لا يجوز البيع في صور.
منها: الأضحية إذا أهدى لحمها إلى غني، أو تصدق به على فقير فإنه يملكه، وله التصرف فيه بالهبة والهدية - دون البيع.
أصل مستنبط:
إذا تعلق بشيء واحد حق اثنين فصاعدا؛ فهل نقول: كل منهما يستحقه على التمام والكمال -ولكن ضرورة الازدحام أدت إلى التناصف، أو إنما يستحقه بقسطه منه؟
وكان الشيخ الإمام رحمه الله يتردد فيه، ويرجح الأول وينصره، وقد ذكره في باب الوقف، وفي أماكن من نظائره حتى انتهى إليه بصره، وأطنب في تقريره في كتاب موقف الرماة.
1 في "ب" خارجا بشرط.
ورأيت -أنا- بعد وفاته رحمه الله من كلام ابن سريج ما يشهد له في كتاب "النهاية" في باب الأقضية واليمين مع الشاهد عندما ذكره ما إذا وقف على أولاده1، ثم أولاد أولاده وكانوا ثلاثة الوقف يصرف أثلاثا؛ فتجدد ولد وولد فصار أرباعا؛ فإن حلفوا وقفنا ربع الوقف من حين ولادته وبقينا في يد الحالفين ثلاثة أرباعه كما كان؛ فإن بلغ ونكل عن اليمين، قال الإمام: فالمنصوص للشافعي أن ما وقفناه مردود على الأولين، فتعود القسمة أثلاثا كما كانت ويخرج هذا الجديد من البين.
وقال المزني: "الربع الموقوف يصرف إلى الأولين؛ فإنهم لا يدعونه بل هم معترفون أنه للولد الجديد، وقد تعذر الصرف إليه بسبب نكوله".
إلى أن قال: "والمقدار الذي ذكره الأصحاب لنصرة النص ما حكوه عن ابن سريج؛ فإنه قال: كان الأولون مستحقين جميع الوقف قبل وجود هذا المولود فإذا وجد دخل استحقاقه على الأولين دخول العول وكل استحقاق يطرأ على استغراق فهكذا يكون ثم استحقاق العول يوجبه التصرف إلى المستغرقين إذا [تعذرت] 2 جهة العول، وهذا يناظر الديون والتركة إذا كانت التركة ألفا والدين ألف؛ فهي مصروفة إلى الدين؛ فلو ظهر ألف آخر التركة بينهم؛ فلو أسقط صاحب الدين الظاهر حقه، فصاحب الأول يستغرق حقه "انتهى".
وهو نص في مذهب الشيخ الإمام، ورددت لو وقفت عليه في حياته؛ لأدخل على قلبه سرورا بإيقافه عليه. على أنه نقل في كتاب موقف الرماة يقرب منه.
وفي القاعدة فروع:
منها: إذا حمى الإمام أرضا، فدخل واحد من الرعية فرعاه ومنع غيره قال القاضي أبو حامد: "لا يعزر والناس يسشكلون هذا، وحمله الوالد رحمه الله على أن موضع انتفاء التعزير كونه استيفاء، ووجهه أنه إنما استوفى حقه قال: ولا تقول بأنه مشترك حتى يكون كالتصرف في العين المشتركة فيعزر بل هو يستحقه وغيره أيضا يستحقه.
قال: وأما منعه الغير فيعزر عليه.
ومنها: لو زال ملك المشتري ثم عاد بعوض وأفلس؛ فهل حق الرجوع في عين المبيع للبائع الأول -بسبقه- أو للثاني- لقرب حقه- أم يشتركان ويضارب كل بنصف
1 في "ب" أولاد أولاده.
2 في "ب" تعددت.
الثمن؟ فيه أوجه لا تصحح للمشايخ الثلاثة -الرافعي والنووي والوالد- فيها، والأرجح عندي الثاني، وذكر الإمام في النهاية أنه لقياس، وعلى الثالث إنما اشتركا لثبوت الحق لكل منهما على التمام بدليل أنه لو عفى الأول كان الحق للثاني -وجها واحدا- صرح به الإمام "في النهاية".
قال: لو عفا الثاني فهل للأول الرجوع؟ فيه وجهان مبنيان على ما لو زال، وعاد بلا عوض.
قلت: والقول بأن الحق للأول إنما هو بناء على ذلك، كما هو مصرح به في الرافعي وغيره.
فخرج من هذا أن الأول -أيضا عند عفو الثاني الأخذ؛ لأنا إنما نفرع على ثبوت أصل الرجوع له.
ومنها: في الشفعة.
قاعدة: "كل تصرف يستقل به الشخص ينعقد بالكناية مع النية" كالطلاق والعتاق والإبراء والظهار والنذر.
وكل تصرف يحتاج إلى الإشهاد كالنكاح والبيع المشروط فيه الإشهاد والرجعة، على الخلاف في احتياجها إلى الإشهاد وحكم الحاكم لا يحتاج إلى1 الكناية إلا إذا توفرت القرائن في البيع المشروط في الإشهاد على الظاهر -عند الغزالي- وإليه مال الرافعي حيث توقف في قول الأصحاب:
الشهود لا اطلاع على النيات -معتلا بأن القرائن ربما تتوفر فتفيد الاطلاع على ما باطن الغير.
وعندي أن الجريان على كلام الأصحاب أصح؛ فإنه لا انضباط للقرائن وبهذا صرح الإمام في كنايات الطلاق قائلا: ليس من قواعد الفقه فتح أمثال هذا، وهو في القصود عسر جدا، فحسمنا هذا الباب حسما. ولا يعارضه ما نقله عنه الرافعي1 من أن الخلاف في انعقاد البيع بالكناية مع النية محله إذا عدمت القرائن فإن توفرت وأفادت
1 في "ب" زيادة في البيع.
التفاهم، وجب القطع بالصحة؛ لأن هذا في غير البيع المقيد بالإشهاد، فإن في الإشهاد تقييدا ليس فيما بين المتخاطبين.
ولا يؤيده ما نقله عند الرافعي -أيضا- في البيع من أن النكاح لا يصح بالكناية -وإن توفرت القرائن- فإن النكاح تقييدا واحتياطا- يزيد على ما في البيع المقيد بالإشهاد.
فالصور ثلاث.
النكاح: ولا ينعقد وإن توفرت القرائن، لما فيه من الإشهاد ومن الاحتياط له.
والبيع المقيد بالإشهاد: يشابه النكاح -من حيث اشتراط الإشهاد- وينحط عنه من حيث أنه لا يطلب فيه من الاحتياط ما يطلب في النكاح؛ ففيه يقول الغزالي: الظاهر -عند توافر القرائن- الصحة والظاهر- عندنا- خلاف ما يقوله:
ومطلق البيع: وفيه يقول الإمام: "إذا توفرت القرائن قطع بالصحة؛ إذ لا إشهاد، ولا احتياط والمتخاطبان أعرف بما يدور بينهما".
قاعدة: مترددة في كلام الأصحاب وبسط الإمام القول فيها في أوائل كتاب الطلاق": كل ما كان صريحا في بابه، ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية في غيره ولا صريحا فيه1.
وهذه الزيادة -وهو قولنا: ولا صريحا فيه- زيادة لم يصرح بها الإمام؛ ولكن اقتضاها كلامه، وسبب كون الشيء لا يكون صريحا نافذا في مكان- ثم يكون صريحا أو كناية -في آخر- أنه مع الصراحة ووجود النفاذ، عامل عمله لا سبيل إلى دفاعه.
قال الإمام: "وإذا كان كذلك؛ فيستحيل أن يكون كناية منوية في وجه آخر"، ثم أورد على نفسه أنه لم لا يجمع بين المعنيين، وأجاب بأن صلاحية [اللفظ] 2 لمعنيين لا يقتضي اجتماعهما، قال:"وكذلك القول في لفظ مشترك".
وقرر الإمام رحمه الله هذا في النهاية؛ فذكره في باب الوصية وغيرها وذكره أيضا في الطلاق -بعد هذا المكان بأوراق- فقال: "لا مطمع في تحصيل معنيين
1 الأشباه والنظائر ص295، المنثور 3/ 146، 2/ 311.
2 في "ب" اللفظة.
بلفظ واحد، هذا ما لا سبيل إليه -وإن جرد القاصد قصده إليهما جميعا- لأن اللفظ الواحد لا يصلح لمعنيين جميعا إذا لم يوضع في وضع اللسان1 انتهى.
قلت: وقد جرى بيني وبين الشيخ الإمام رحمه الله بحث طويل في هذا عندما قرأت عليه مسألة ما إذا أوصى بعود من عيدانه في باب الوصية -فقلت له: لعل هذا من الإمام بناء على أن المشترك لا يحمل على معنييه؛ وإلا فكيف يقال: لا يصلح؟
فكان من جوابه ما لا يحضرني تفصيله؛ غير أني على يقين بأنه انتصر لكلام الإمام وزعم أنه ليس من مسألة الحمل في شيء، ولا يتبين لي الآن ذلك.
والأولى -عندي- أن يتوجه كون: اللفظ لا يكون صريحا في شيئين مما ذكره الإمام في "النهاية" بعد ذلك.
وحاصله أن الصراحة تتلقى من الشيوع، قال: والشيوع أن لا يستعمل في اطراد العادة إلا في معنى، ومتى شاع في معنى لم يتصور أن يشيع في آخر مع اتحاد الزمان والمكان.
قال: وهو بمثابة إطلاق الغلبة في النفوذ؛ فالغالب هو الذي يندر التعامل بغيره، ويستحيل تقدير الغلبة في نوعين؛ فإن قصاراه يجر تناقضا -وهو أن يكون كل منهما أغلب من صاحبه.
قلت: وقوله: "يستحيل تقرير الغلبة في نوعين" لا ينازع فيه قول الأصحاب: إذا غلب نوعان من نقد.
فهذا [تقرير] 2 كون اللفظة لا تكون صريحة في موضعين.
ومن ثم قال بعض مشايخنا: "والصريح اللفظ الموضوع، لمعنى لا يفهم منه غيره عند الإطلاق".
وأما كونها لا تكون صريحة في موضع كناية في آخر إذا قصد الأمران [معا فلا] 3 يتبين لي وجه استحالته، وليفرض ذلك في زوج أمه وكله مولاه في عتقها؛ فقال: أنت طالق، وأراد مع الفراق حريتها وطلاقها من وثاق الرق.
وقد احتج الإمام في كتاب المساقاة -لقولنا، إنه لا تصح المساقاة بلفظ الإجارة
1 في "ب" زيادة للجمع.
2 في "ب" تقرر.
3 في "ب" متغافلا.
ولا عكسه- "بأن كل لفظ صريح استعمل في مكان إمكان استعماله، لم يجز أن يصرف بالنية إلى غيره، كالطلاق، لا يصرف إلى الظهار؛ إذ [لا يمكن] 1 تنفيذه طلاقا وعكسه".
وسأل عليه الشيخ الإمام رحمه الله فقال لم لا ينفذ في الآخر بالنية إذا تعذر حمله على موضوعه لعدم شرطه؟
ثم أجاب بأن بين الإجارة والمساقاة تنافيا، أو تغايرا، وما كان كذلك لا يصح أحدهما بلفظ الآخر، كالبيع بلفظ السلم؛ فإن الإجارة على العمل في الشجر غير مرتبطة بشيء آخر، والمساقاة على صلاح الثمرة بواسطة العمل في الشجر.
قال: وكذلك رجح الأصحاب اعتبارا اللفظ -وإن أجروا الخلاف- نظرا إلى أنه هل يعتبر اللفظ أو المعنى؟
ومثال ذلك لفظ الطلاق؛ فإنه صريح في بابه، فإذا خاطب به امرأته وقال: أردت الظهار، لم يقبل لصراحته في إزالة قيد النكاح -مع وجود نفاذا في موضوعه- فلا يكون صريحا في الظهار، ولا كناية. واحترزنا بقولنا:"وجد نفاذا" عن مثل قوله لزوجته: "أنت حرة"، إذا نوى به الطلاق، فإنه يقبل، ويقع عليه الطلاق؛ لأن "حرة" صريح في إزالة قيد الملك ولكن لم يجد -هنا- نفاذا لأن الزوج لا يملك زوجته فجعل كناية في الطلاق إذا لم يجد نفاذا في بابه وهو إزالة قيد الملك.
ثم يتسثنى من [هذه] 2 القاعدة مسائل:
منها: إذا قال: "أنت حرام" ونوى به الطلاق أو الظهار؛ فإنه يقع ما نوى -على المذهب- مع أن المذهب أن لفظ الحرام صريح في إيجاب الكفارة.
ومنها: لو أسلم على أكثر من أربع؛ فقال لبعضهن فسخت نكاحك -ونوى الطلاق- قبل: وإن وجد نفاذا -بدليل أنه لو أطلق- حمل على الفسخ.
ومنها لو أسلم على أكثر من أربع؛ فقال لإحداهن "فارقتك" فالذي رجحه الرافعي، والنووي، والوالد أنه فسخ -وإن كان لفظ الفراق من صرائح الطلاق- وهو الذي قاله الشيخ أبو حامد، ونصره ابن الصباغ. وقال القاضي أبو الطيب: "بل هو
1 في "ب" امكن.
2 سقط في "ب".
اختيار للزوجية لم يقع به الطلاق، [لاستلزامه] 1 إياه".
ورده عليه بالحديث؛ ففيه "وفارق سائرهن".
والحق -عندي- ما قاله الأولون من أنه فسخ، ولا يرد أنه صريح في الطلاق ووجد نفاذا في موضوعه؛ بل أنا أمنع صراحته في هذا المكان في خصوصه وأظن أن ابن الصباغ أشار إلى هذا بقوله:"فيكون حقيقة فيهما، ولكن يخصص بالموضع" وهو كلام حسن، والقصد يذكر في قسم أصول الفقه في حمل المشترك على معنييه المتضادين.
ومنها: إذا قال: "أنت حرام كظهر أمي" ونوى الطلاق بالمجموع كان طلاقا -على المذهب- مع أن المذهب أنه إذا أطلق كان ظهارا.
ومنها: لو أسلم على أكثر من أربع، وقال لإحداهن:"أمسكتك"؛ فإنه صريح في اختيارها -مع صراحته في الرجعة.
ومنها: لو قال أحلتك على فلان بكذا، ثم اختلفا؛ فقال المحيل وكلتك، وقال المحتال بل أحلتني، فالصحيح أن القول قول المحيل -مع أنهما اتفقا على جريان لفظ الحوالة.
قاعدة: قال النووي في زيادة الروضة -قبيل باب حكم المبيع قبل القبض وبعده.
قال أصحابنا: إذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب خيار المجلس، والشرط، والعيب، وخلف المشروط المقصود، والإقالة والتحالف، وهلاك المبيع قبل القبض -قال الشيخ الإمام رحمه الله في تكملة شرح المهذب: وبقي عليه رجوع البائع عند إفلاس المشتري قال وله أن يلحقه بالبيع2 قال: ولكن مثل هذا التكليف يقتضي عد العيب والخلف شيئا واحدا؛ فالوجه جعل ذلك قسما آخر "قال: وبقي أيضا تعذر إمضاء البيع، كما في اختلاط الثمار، وبيع الصبرة بالصبرة المخالفة لها -مكايلة- على خلاف فيهما قال: وأما التصرية فملحقة -عند الأكثرين- بالعيب، عند بعضهم بالخلف فلم تكن خارجة عنهما، وأما الخيار الحاصل بسبب الأخيار في المرابحة فهو راجع إلى العيب؛ لأنه كالعيب في المبيع".
قلت: ويدخل في خيار العيب خيار تفريق الصفقة، وفي خلف المشروط المقصود خيار الامتناع من العتق المشروط.
1 في "ب" لا يستلزم.
2 في "ب" البيع.
وبقي عليهما مسائل:
منها: إذا اشترى غائبا -رآه قبل العقد- وهو مما لا يتغير؛ فوجده متغيرا فالمذهب: أن العقد صحيح وله الخيار.
قال الإمام: وليس المراد بتغييره حدوث عيب؛ فإن خيار العيب لا يختص بهذه الصورة، بل الرؤية بمنزلة الشرط في الصفات الكائنة عند الرؤية فكل ما فات منها؛ فهو كتبين الخلف في الشرط.
قلت: وقد يقال: هذا الخيار راجع إلى الخلف.
ومنها: إذا أجبر المشتري على تسليم الثمن وكان غائبا فوق مسافة القصر، والصحيح أن للبائع فسخ البيع، لتعذر تحصيل الثمن.
ومنها: الخيار الثابت في البيع الغائب عند رؤيته على القول ببيع الغائب.
قاعدة: القول قول مدعي صحة العقد دون فساده خلافا للبغوي.
وقد يقال: الأصل في العقود الصحة.
ونعني بالأصل -هنا- الظاهر.
وتردد الشيخ الإمام والدي رحمه الله في كتابه "التحقيق" أن تصرفات الشخص في العقود هل الأصل فيها الصحة إلا ما دل الشرع على فساده بمعنى أن الشارع أقر معاملات الناس على ما يتعارفون ومنعهم من بعضها، أو الأصل الفساد إلا ما دل على صحته؟
قال: وهذا هو الراجح؛ لأن الصحة حكم شرعي فمن ادعى [ورودها] 1 من الشرع في التصرفات كلها، ثم استثنى بعضها فعليه الدليل، أيضا يلزمه التخصيص وهو خلاف الأصل.
نعم: لا يقال: إنه فاسد؛ لأن الفساد حكم شرعي؛ فلا بد من دليله، بل نقول: باق على حكم الأصل.
1 سقط من "ب".
انتهى ملخصا.
وقد يقال: إنه معارض لقول الأصحاب: "الأصل الصحة" وجنوح إلى اختيار صاحب التهذيب الذي سنحكيه.
وليس كذلك: فإن مورد الكلامين مختلف؛ فما قاله "في التحقيق" معناه أن العقود الجارية بين الناس -وإن لم يجر فيها تنازع بين المتعاقدين- أصلها الصحة أو الفساد؟
فنقول: دعوى كل واحد من هذين الأمرين يحتاج إلى دليل.
فإن قلت: فلم ترددتم في قول القائل "والله لا بعت هذا" هل يحمل على الصحيح، أو على أعم منه ومن الفاسد.
قلت: المأخذ غير ما نحن فيه؛ فالتحنيث بالفساد لكونه يسمى بيعا وعدم التحنيث به لأن الإطلاق محمول على ما يتبادر إلى الذهن عرفا، وهو الصحيح. ومعنى قولهم في باب اختلاف المتبايعين: "القول قول مدعي صحة العقد -إذا تنازع المتعاقدان في العقد الواقع بينهما- أوقع على وجه صحيح، أو فاسد؟
والصحيح -فيما علمت- من أن القول لمدعي الصحة، وفيه كلامان:
- أحدهما، أن مدعي الصحة، قد يجزم بقوله كما إذا اختلفا في صفة المعقود عليه؛ فقال أحدهما هو حر الأصل، وأنكر الآخر، لأن قول مدعي الفساد لم يعتضد بأصل، ولا ظاهر.
وقد يختلف فيه، كما إذا تنازعا في صفة العقد فادعى أحدهما انضمام شرط مفسد -كخيار مجهول- قال الشيخ الإمام: فهذا محل الخلاف.
وقد يكون الاختلاف في وجود شيء -وقوعه شرط لصحة العقد- كالرؤية فمنهم من جعله على الخلاف- وهي طريقة النووي- ومنهم من قال: -هنا- القول قول من نفاه لاعتضاده بالأصل- وهي طريقة القاضي الحسين؛ فإنه يقول: القول قول نافي الرؤية- مع قوله في أصل القاعدة: إن القول قول مدعي الصحة.
والشيخ الإمام الوالد رحمه الله ذكر المسألة في أوائل البيع، ولم يذكر لنفسه اختيارا ثم ادعاها في أواخر اختلاف المتبايعين، وجرى مع النووي في باب اختلاف
المتبايعين على ما صححه على ما يظهر من كلامه، ثم أفصح في باب الصلح بأن الذي يظهر أن القول قول منكر الرؤية.
قلت: وبه جزم الروياني في البحر -في أوائل البيع من تفاريع قول الغائب.
قال الوالد: رحمه الله؛ وإنما يقوي قول مدعي الصحة إذا تعارضا، وليس مع أحدهما مرجح.
فصارت المراتب عنده ثلاثا، وفي الثالثة منهما لا يقبل قول مدعي الصحة والذي قاله هو الأرجح عندي.
غير أني أقول للاختلاف صورة رابعة، وهي أن يقول أحدهما: وقع بيننا عقد صحيح -ولا بينة- ويقول الآخر: بل فاسد.
وفي هذه أيضا يظهر ترجيح قول مدعي الصحة، وأرجو أن لا يكون فيه خلاف.
وهنا مسائل قد يعتقد أنها مستثناه من قولنا: إن القول لمدعي الصحة ذكرتها في التوشيح.
منها: مسألة الرؤية هذه.
ومنها: عكسها -قال المشتري رأيت، وقال البائع لم تر. أفتى صاحب البيان بأن القول للبائع، وخالفه بعض أهل عصره.
ومنها: إذا باع ذراعا من أرض -يعلمان ذرعانها- وادعى البائع أنه أراد معينا؛ فالعقد فاسد وقال المشتري: بل مشاعا؛ فالعقد صحيح فأصح الاحتمالين في "الروضة" تصديق البائع.
ومنها: إذا اختلفا هل وقع الصلح على الإنكار أو الاعتراف؛ فالصواب في "الروضة" تبعا لابن كج تصديق مدعي الإنكار لأنه الغالب.
ومنها: قال الجرجاني فيما إذا قال المشتري يعني بهذا العصير -وهو خمر- "أن القول لمدعي الفساد" وخرجه الرافعي على الخلاف؛ فعلى الترجيح لا استثناء.
ومنها: إذا باع عبدا، وقال: كنت اغتصبه ولم يكن جرى في كلامه أنه ملكه، وأقام بينة، سمعت على النص ورجح الشيخ الإمام إذا كان للبائع عذر.
ومنها: وهب الغاصب المغضوب من إنسان، ثم قال: أعلمتك أنه مغصوب وأنكر.
قال الماوردي: يقبل قول الغاصب؛ لأنه أنكر عقد الهبة - على الصحة.
قال الوالد: رحمه الله: والمختار أنه لا يقبل وهي مسألة الاختلاف في الصحة والفساد.
قلت: إذا كانت هي فلا استثناء، ويكون الماوردي قائلا بأن القول لمدعي الفساد.
غير أني أقول: قد يقول هنا -بالفساد من يقول بالصحة ثم؛ فإنها من غاصب؛ فهي فاسدة بكل تقدير، فتصديقه في أنه أعلم مخالفة للأصل بلا سبب.
ومنها: إذا قال السيد: كاتبتك على نجم واحد، وقال العبد: بل على نجمين قال في "التهذيب" القول قول السيد مع يمينه؛ لأنه يدعي الفساد العقد وسكت عليه الرافعي، وخرجه النووي على الخلاف في الصحة والفساد.
قلت: والأمر كذلك.
وقد علل البغوي - في "التهذيب" ما قاله، بأنه يدعي الفساد فجرى على أصله؛ فلا استثناء لهذه المسألة إلا من قبل سكوت الرافعي عليها، مع موافقته في أصل القاعدة على أن القول لمدعي الصحة، واعتراضه به من عدل عنه مرات.
ونحن لا [نذكره] 1 في هذه؛ إلا ما نظن أنه مستثنى منها، لا ما هو جار على طردها، وإلا لذكرنا ما لو قال: بعتك بألف وزق خمر، أو قال: شرطنا شرطا فاسدا، وأنكر الآخر "فإن خلاف الصحة والفساد".
ولو اشترى مائعا، وجاء بظرف فصبه البائع فيه ووجدت فيه فأرة ميتة فقال المشتري أنها كانت في المبيع، وقال البائع: كانت في ظرفك؛ فقد قال الرافعي -في آخر الرهن: هذا اختلاف في أن العقد جرى فاسدا أو صحيحا.
قلت: ومسائله تكثر؛ فلا تطيل بعدها، فلنعد لك عد ما نظن من المستثنيات فنقول.
ومنها: قال السيد: كاتبتك وأنا مجنون، أو أنا محجور وأنكر العبد، جزم الرافعي -تبعا لصاحب التهذيب بأنه إن عرف له جنون، أو حجر سابق قبل قوله، وإلا، فلا.
قلت: وهو [يوافق] 2 المجزوم به في الإقرار، فيما إذا:
1 في "ب" نذكر.
2 في "ب" موافق.
قال المقر: كنت صغيرا، أو مجنونا، وفي القصاص، فيما إذا قال: كنت صغيرا، وفي الكناية، إذا اختلف السيد والعبد، هكذا.
ومنها: قالت المرأة: "وقع العقد بغير ولي ولا شهود" وأنكر الزوج.
قال القاضي مجلي: "فالقول قولها؛ لأن ذلك إنكار لأصل العقد وصوبه الشيخ الإمام وقال:
إنه الحق، وإنه لا يخرج على الاختلاف في الصحة والفساد.
قال: لأن إنكارها الولي إنكار1 لأصل العقد بالكلية.
ومنها: زوج أخته. ومات الزوج؛ فادعى ورثته أن أخاها زوجها بغير إذنها، وقالت: زوجني بإذني فالقول قولها، وحاول الرافعي تخريجها على الصحة والفساد، وتبعه النووي وصححه الشيخ الإمام؛ فهذا مما جزم فيه بالصحة وليس من مسائل النزاع.
ومنها: اعتراف الراهن بأنه مرهون [بعشرين] 2، ثم ادعى أنه مرهون بعشرة بعد عشرة، وقلنا -بالصحيح- إنه لا يرهن المرهون عند المرتهن بدين آخر، وقال المرتهن:[بل] 3 فسخنا واستأنفنا رهنا بعشرين.
قال الشيخ الإمام: "المختار" أن القول قول المرتهن خلافا للبغوي ورتب البغوي على هذا أنه لو شهد شاهدان أنه رهن بألف ثم بألفين، لم يحكم بأنه رهن، ما لم يصرحا بأن الثاني كان بعد فسخ الأول، قال الشيخ الإمام:"والوجه تخريجه على دعوى الصحة والفساد".
قاعدة: كل دين ثابت في الذمة -ليس بثمن- يجوز الاعتياض عنه، إن كان ثمنا في الأصح، وإن لم يكن ثمنا قطعا.
ادعى نفي الخلاف فيه الرافعي، والنووي -والشيخ الإمام رحمهم الله ومثلوا له بدين القرض والإتلاف، ثم قالوا جميعا -بعد سطرين- وفي الشامل أن القرض إنما يستبدل عنه إذا استهلكه، أما إذا بقي في يده، فلا؟ لأنا إن قلنا: إن القرض يملك بالقبض فبدله غير مستقر في الذمة؛ لأن للمقرض أن يرجع في عينه.
وإن قلنا: يملك بالتصرف، فالمستقرض مسلط عليه، وكذلك يوجب ضعف ملك القرض، فلا يجوز الاعتياض عنه انتهى.
1 في "ب" زيادة الأصل.
2 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
3 سقط من "ب".
وحذف في الروضة التعليل، والصحيح أن القرض يملك بالقبض، قال الشيخ الإمام:"ودعواه عدم استقراره -حنيئذ- ممنوعة، واستدلاله بغرض الرجوع منقوضة بهبة الولد".
قلت: ثم دعوى الرافعي ومن بعده: نفي الخلاف عما ليس بثمن ولا مثمن منقوضة بمسائل غير القرض، منها وجهان حكاهما الماوردي في جواز أخذ القيمة -مع وجود المثل- عند ضمان المثل بالتراضي- وبناهما على أخذ الأرض عن العيب مع القدرة على الرد، قال الوالد رحمه الله وفيه نظر؛ لأن مأخذ المنع -هناك- أنه أخذ عوضا عما ليس بمال، وهو سلطنة الرد.
"وهنا: إن كان الثابت المثل؛ فهو مال وليس، بثمن ولا مثمن فيجوز الاعتياض عنه قطعا.
فلما جرى الخلاف وإن كان الثابت سلطنة طلب المثل، فلا دين في الذمة.
ومنها: في جواز الاعتياض عن الإبل الواجبة في الدية بلفظ الصلح، وبلفظ البيع وجهان، ويقال قولان، أصحهما المنع.
تنبيه: إطلاقنا أن الثمن يجوز الاعتياض عنه، تبعنا في الرافعي والنووي؛ فقد عزيا إلى الجديد جواز الاعتياض عنه، واقتضى كلامهما أنه مطلق -سواء فيه العرض والنقد.
هذا قضية كلامهما. في اليبع وقضية كلامهما في باب الكناية، تقييده بالنقد، وأن العرض لا يجوز الاعتياض عنه.
وهذا ما رجحه الوالد رحمه الله كما دل عليه كلامه في باب الشفعة، وقال "العوض خمسة".
معين: لا يجوز الاستبدال عنه ثمنا كان أو مثمنا -قبل قبضه؛ لأن عينه مقصودة.
وثمن في الذمة -نقد: يجوز الاستبدال عنه في الأصح، والمعنى فيه أن المقصود ماليته، لا عينه، وعليه دل حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ومسلم فيه، لا يجوز الاعتياض عنه، ودليله، حديث ضعيف، وعموم النهي عن بيع ما لا يقبض.
ومبيع في الذمة ليس سلما كاشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم إذا جعلناه بيعا؛ ففي جواز الاعتياض عنه طريقتان مذكورتان في السلم والقطع بالمنع هي الصحيحة عندي؛ لأنه مقصود الجنس، فأشبه المبيع المقصود العين. انتهى ملخصا.
قاعدة: "كل عقد تعاقد عنه مقصوده، بطل من أصله" وإلى هذه.
قاعدة: الفعل والفاعل، والمفعول: أشياء متباينة -لا يمكن اتحادها وكذلك الخطاب والمخاطب" والمخاطب.
ومن ثم لا يبيع من نفسه، لئلا يتحد الموجب والقابل؛ فليس يتحد موجب وقابل ولا مقرض ومقترض، ولا مطلق ومطلق، ولا معتق ومعتق، ولا متصدق ومتصدق عليه، ولا مستوف ومستوفي منه، ولا ساتر ومستور، ولا سواك ومستاك، ولا ساجد ومسجد -بفتح الجيم- أي موضع السجود ولا قابض ومقبض.
وهذه -في الحقيقة- قواعد، لا قاعدة واحدة نقدم الأخيرة منها لتكررها على ألسنة الفقهاء، فنقول:
قاعدة: "لا يتحد القابض والمقبض".
ومن ثم لا يبيع الوكيل من نفسه -ولو كان أبا للموكل- على الصحيح ومسائله كثيرة.
وفي القاعدة تنبيهان:
أحدهما: أنه يستثنى منها مسائل.
منها: الأب والجد في حق الصغير.
ومنها: المبيع إذا كان في يد المشتري، استثناه الرافعي.
ومنها: أجر دارا، وأذن للمستأجر صرف أجرتها في عمارتها والدار -وقت العمارة- منتفع بها؛ فهو شرط صحيح؛ صرح به الرافعي في أوائل الإجارة، وقال ابن الرفعة: "لم يخرجوا ذلك على اتحاد القابض والمقبض1. وكأنهم جعلوا القابض المستأجر يتسلط على التصرف فيما قبضه لنفسه، فإن قدرنا مع ذلك وكيلا عن الآخر في القبض وقابضا لنفسه، لزم اتحاد القابض من المستأجر وإن لم يكن معينا كالوكيل عن الآخر وكالة ضمنية.
1 في "ب" زيادة قال.
قلت: لكن القابض من المستأجر يتسلط على التصرف فيما قبضه لنفسه؛ فإذا قدرناه مع ذلك وكيلا عن الآخر في القبض وقابضا لنفسه لزم اتحاد القابض والمقبض.
ومنها: يجوز تسلف الإمام الزكاة، وإذا تسلفها -بسؤال المالك والمساكين فتلفت في يده؛ فالأصح تتلف من ضمان المساكين، ولا وجه لصحة قبض الإمام -في هذه الصورة- وجعلها من ضمان المساكين إلا بالبناء على جواز اتحاد القابض والمقبض.
التنبيه الثاني: المانع من اتحاد القابض والمقبض ونظائره، أنه لا يعقل كون المرء طالبا ومطلوبا، وقريب منه: إن المرء لا يكون مأمورا بشيء، أو محكوما فيه بشيء، ثم يكون هو ذلك الشيء، أو بعضه، لئلا يتحد المأمور، والمأمور به أو يكون بعض المأمور هو المأمور به، أو المنهي، أو نحو ذلك؛ وذلك محال وإليه الإشارة بقولنا: لا يتحد ساتر ومستور، وسواك ومستاك، وساجد ومسجد، ونحوه، ومن ثم لا يؤمر المرء يقطع عضو من أعضاء نفسه ونحو ذلك، وقد يفترق الحال بين ما يتعاطاه المرء بنفسه وبين ما يتعاطاه بغيرهن؛ فيجعل الغير بالنسبة إليه كالآلة وذلك في مسائل:
منها: لا يجوز استياك المرء بأصبع نفسه، ويجوز بأصبع [الغير] 1 الخشن على الأصح.
ومنها: لا فدية على المحرم إذا غطى رأسه بكف نفسه، وفي كف غيره وجهان؛ أصحهما لا فدية، ووجه الفدية أن كف غيره كالآلة له؛ بخلاف كف نفسه؟ [لأنها] 2 بعضه فتكون بعض المحرم عليه؛ فلا تكون محكوما [بها] 3 لئلا يتحد المحكوم به وعليه.
ومنها: يجوز أن يسجد على كف غيره؛ ذكره الرافعي في الحج في الإحرام وهذا بخلاف كف نفسه.
فروع الموجب والقابل:
منها: الوكيل في البيع، لا يبيع من نفسه على الصحيح -ولو قال: بع من نفسك- وثالثها الفرق، ولا يشتري من نفسه، وفيه الأوجه.
ومنها: لو وكل في طرفي النكاح فقيل: بالمنع: وقيل: على الخلاف.
1 في "ب" بغيره.
2 في "ب" فإنها.
3 في "ب" به.
ومنها: الخلع: وفيه خلاف في البيع، وأولى بالمنع.
ومنها: لا يزوج الولي المرأة من نفسه؛ خلافا لأبي يحيى البلخي.
ومنها: هل له تزويج أمته من عبده الصغير، إذا جوزنا أن له إجباره فيه وجهان.
ومنها: إذا وكله أن يصالح من نفسه؛ فوجهان -في البحر إذا عين له ما يصالح به؛ فإن أطلق لم يجز له أن يصالح إلا على شيء تبلغ قيمته قدر الدين.
ومنها: قال المحاملي: لو قال كاتب نفسك على نجمين فعلى هذين الوجهين.
فروع المقرض المقترض في مؤنة الرهن، وعامل المساقاة وهرب الجمال وناظر الوقف، ومؤنة اللقظة ومؤنة تعريفها في مؤنة الرهن، وعامل المساقاة وهرب الجمال وناظر الوديعة، ونفقة الأم على الولد، وكذلك1، الجدة، وأجرة سكنى المعتدة، وأكل الطعام في المخمصة، وكل ذلك للضرورة. واختصاصه بالضرورة ينبهك على خروجه عن القواعد.
قال الشيخ عز الدين في أكل طعام الغير في المخمصة: "أقام الشرع المضطر في المخمصة مقام مقرض ومقترض ولك أن تقول: أو جعل هذا الإتلاف، وألزمه -بسببه- الضمان ولا حاجة إلى تقدير فرض، وبالجملة. الموضع موضع ضرورة -فليغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره.
فروع المطلق والمطلق، والمعتق والمعتق.
فروع المتصدق والمتصدق عليه.
فروع المستوفي المستوفى منه.
مسألة: أذن المؤجر للمستأجر في صرف الأجرة في العمارة، توكيل الدائن المديون في استيفائه، ومستحق القصاص من عليه القود -نفسا أو طرفا- والإمام السارق في قطع اليد.
وفي الكل وجهان؛ حكى الإمام آخرهما في توكيل الجاني ليجلد نفسه، واستبعده -من جهة أنه متهم في إيلام نفسه- قال الرافعي: والمذهب في الكل المنع.
قلت: وأقرب الكل إلى الصحة استيفاء الدين؛ إذ لا محذور فيه والصور مشتركة في اتجاه المستوفي والمستوفى منه غير أن بعضها ليس فيه زيادة على ذلك فيسهل
1 في "ب" وكذا الجد.
أمرها؛ وذلك كاستيفاء الدين، وبعضها فيه زيادة على ذلك، وهي إذن المؤجر للمستأجر في العمارة؛ ففيه -مع اتحاد المستوفي والمتسوفى منه- يمكنه من الصرف وهي زيادة سهلة -قد تحتمل- وأما قطع الطرف فأشد من ذلك، وأشد منه قتل النفس؛ فإن الشرع فيما يظهر لنا -يأبى ذلك، وينبغي أن يقال: لا يصح التوكيل، ولا يجوز لمن عليه القود أن يفعل ذلك بنفسه، وبتقدير الصحة هل نقول: إنه [يملك] 1 أن يقبض من نفسه بعدما كان ممنوعا منه؟ فيه بحث يتخرج، أن توكيله فيه [هل] 2 تفويض يقتضى تمليكه هذا الفعل، ونعني بتمليكه إياه جعله مستحقا أن الفعل ذلك بنفسه، وبتقدير جعله تمليكا هل نقول يسقط القصاص عنه؟ فإنه لا يملك على نفسه إزهاقها. وملكه ذلك يقتضي سقوط الحق، وبتقدير كونه كذلك هل نقول: إن التوكيل فيه -وإن بطل؛ فلا يبطل عموم كونه أباح له ذلك؛ فليسقط القود، ويكون هذا التوكيل فيه كالعفو في كل ذلك نظر يجر إلى سقوط القود عمن وكل في استيفائه من نفسه وإن لم يصح التوكيل.
وإلى وقوع عتق من وكله مولاه في أن يعتق نفسه، والأقرب إلى كلام الأصحاب أنه لا يعتق، وأن القود لا يسقط. وفي كتاب الوكالة من شرح المنهاج للوالد رحمه الله، لو قال وكلت من شاء في عتق عبدي صح وكذا أفتى فيمن قالت أذنت لمن شاء من عقاد البلد في تزويجي وفرق بينه وبين توكيل من شاء في البيع: فإن البيع يتعلق الفرض فيه بعين البائع.
ولو تم ما قلته -أنا- من البحث، لكان يمكن أن يقال: توكيل من شاء -بالعتق- إعتاق، وما أظن أصحابنا يسمحون بذلك، ولم يتعرض الأصحاب للتفريع على بطلان الوكالة في القصاص، أنه هل يقع قصاصا والظاهر أنه لا يقع.
وفي باب استيفاء القود إلى أن المستحق لا يستقل بالقطع والإذن دون إذن الإمام -فلو فعل وقع الموقع وأنه لو استقل المقذوف باستيفاء الحد -بإذن القاذف أو دونه- ففي الاحتساب وجهان فإن لم يحتسب.
[فإن] 3 مات منه، وكان بغير إذنه، وجب القصاص أو بإذنه فلا قصاص وفي
1 في "ب" ملك.
2 في "ب" هو.
3 في "ب" فلو.
الدية خلاف كذا في الرافعي، ولك أن تقول: قوله إن كان بغير إذنه وجب القصاص إن كان الضرب كما أمر الشارع فهو لا يقبل، وإن قبل فهو شبه عمد فلا قصاص.
ومنها: لو وكله في إبراء نفسه؛ ففي الصحة وجهان، قال في البحر وإذا صح فليبرأ على الفور؛ فإن أخر لم يصح.
قلت: كأن ألحقه بتفويض الطلاق، وفي الروضة إذا قلنا: إنه تمليك فإنه يشترط إيقاعه على الفور.
فروع السابر والمستور، والسواك والمستاك، والساجد [والمسجد] 1 تقدمت الإشارة إليها.
وهذه فروع منها:
"مطالب هو المطالب، وعاقد هو المعقود عليه ومدع هي المدعي عليه" منها قد يكون مطالبا ومطالبا، فيما لو أجر لمؤجره العين المؤجرة؛ فالأصح الصحة، ثم يطالبه بتسليم العين ويطالب بذلك.
ومنها: قد يتحد العاقد والمعقود عليه، فيما لو وكل عبدا أن يشتري له نفسه من مولاه؛ فإنه يصح على الصحيح مطلقا، وقال الماوردي: ظاهر المذهب أنه لا يصح، وفصل القاضي الحسين بين أن يأذن له مولاه. أو، لا.
ومنها: لو وكل السيد عبده في بيع نفسه، أو هبتها أو رهنها، أو وقفها. قال الرافعي في باب مداينة العبيد: إن له إجارة نفسه بإذن مولاه وكذا بيعها ورهنها -في الأصح- وفي الكتابة خلاف.
ومنها: مدع ومدعي عليه، فيما لو توكلا في الخصومة من الجانبين، قال الرافعي:"الأصح المنع".
والمسائل كلها من آثار اتحاد القابض والمقبض، وقد تقدم ذكر ما يستثنى منها.
وأما طردها: أعني الصور التي لا يتحد فيها القابض والمقبض، وقد ذكر اتحاد القابض والمقبض في شراء الأب لابنه من مال نفسه وبالعكس، وفيما لو وكل الموهوب منه الغاصب، أو المستعير، أو المستأجر بقبض ما في يده من نفسه.
1 في "أ" المسجود والمثبت من "ب".
وهنا ذكر الشيخ أبو حامد وغيره أنه يصح.
وإذا مضت مدة يتأتى فيها القبض بريء الغاصب والمستعبر من الضمان. وفي مؤنة الرهن. إذا قال: كان الراهن غائبا ولا مال له، وقال المرتهن: أنا أنفق وأرجع.
وفي عامل المساقاة وفي هرب الجمال.
وفيما إذا انهدم الوقف الرافعي: يجوز للإمام أن يأذن للناظر في الاستقراض، أو الإنفاق على العمارة -من مال نفسه، وليس له الاستقراض دون إذن.
قلت: ويحتاج إلى الفرق بينه، وبين ولي اليتيم؛ إذ له أن يقترض له.
ومنها: مؤنة التعريف في اللقطة:
ومنها: نفقة اللقيط.
ومنها: إذا احتاجت الوديعة إلى نفقة؛ فأنفق من غير إذن الحاكم إذا لم يقدر على إذنه؛ ففي الرجوع أوجه في "الحاوي" ثالثها يرجع إن أشهد.
ومنها: لو خالع بحضانة ولده -وصححناه- فله أن يأمرها بصرف الطعام والشراب لولده.
وفي "الشامل" أنه ينبغي جريان خلاف فيه من الملتقظ إذا أذن له في الإنفاق على اللقيط من ماله بشرط الرجوع.
ومنها: الطفل إذا امتنع الأب من الإنفاق عليه فأنفقت الأم من مالها -على قصد الرجوع- وأشهدت، رجعت، وإلا. فوجهان؛ كذا قال الرافعي ولعل ذلك إذا لم يكن قاض.
ومنها: في نفقة القريب إذا امتنع القريب، في كلام الرافعي أن القريب يستقرض على قريبه، وينفق على نفسه؛ فهذا مستقرض لنفسه على غيره.
وقد ذكروا الإشهاد في هذه الصور، ولم يتكلموا على [أنه ما] 1 يشهد -لوضوحه- إلا في المساقاة.
قال الرافعي: يشهد على العمل: أو [على] 2 الاستئجار، ويدل الأجرة بشرط الرجوع؛ فإن لم يتعرض للرجوع فهو كترك الإشهاد قاله في الشامل.
1 في "ب" ماذا.
2 سقط في "ب".
قلت: فليأت نظيره في كل إشهاد، وفي الذخائر -في مسألة الوديعة أنه يشهد في كل نفقة.
ومنها: قال القاضي أبو سعد: إذا التقط هريسة فله الخيار بين الأكل والبيع، ثم يعزل القدر مدة التعريف، ثم يتصرف فيها، وقيل: لا يعزلها بل يعرفها بدون ذلك، وهذا قبض من نفسه لغيره.
ونظيره من اختلط له درهم بدرهم غيره؛ فيقسم بنفسه -حكى عن ابن عبد السلام وفي المغصوب إذا غصبه مثله.
ومنها: في المعتدة المستحقة للسكنى -إذا غاب الزوج ولا مسكن له.
قال الرافعي: إن أذن لها الحاكم أن [تكري] 1 المسكن من مالها، أو تستقرض عليه، جاز.
ومنها: أجره بقدر من الدراهم، ثم أذن له في صرفها إلى العمارة تقدمت.
ومنها: أذن لها الزوج في النفقة من دين له عليها -وهي موسرة- صح، أو معسرة فلها الفسخ؛ لأنها منظرة.
ومنها: إذا ظفر بجنس حقه، أوبعوضه جاز له أخذه وبيعه، واستيفاء حقه من ثمنه لمسيس الحاجة، قال ابن عبد السلام: فقد قام في حقه مقام قابض ومقبض، وفي بيعه مقام وكيل وموكل.
ومنها: لو أراد أخراج زكاة الفطر عن الصبي ليعود عليه.
قاعدة: الاستثناء الشرعي قد يلحق بالاستثناء اللفظي أو الحسي، وقد لا يلحق.
والفروع فيه متبددة، ولصاحب التهذيب في الحديثة المساقاة عليها الكلام -سنذكره- استحسنه النووي، واعترضه ابن الرفعة بكلام طويل.
ولوالدي رحمه الله تصنيف في قسمة الحديقة عمله [بالديار] 2 المصرية، ثم أملى علي -في الشام- تصنيفا سماه "الرياضة الأنيقة في قسمة الحديقة" اعترض في كل منهما كلام البغوي، وكلام ابن الرفعة، وارتضى لنفسه طريقة نفيسة، وأتى ببديع من القول.
1 في "ب" تكتري.
2 في "ب" في الديار.
حاصلة: أن الاستثناء الشرعي لا يضر؛ سواء كان المستثنى عينا أو منفعة بخلاف اللفظي.
وفي كلام الإمام والغزالي والبغوي ما يقتضي إلحاق الشرعي باللفظي، وقد نازعه الشيخ الإمام فيه، وبيانه بصور ذكر -هو- رحمه الله تعالى فيما أملاه علي كثيرا منها، وضممت أنا إليها غيرها.
منها: بيع الأمة المزوجة صحيح، ولو باعها فاستثنى1 منفعة بضعها لم يصح.
ومنها: "بيع العين المستأجرة صحيح" ولو باع دارا واستثنى منفعتها شهرا، ولم يصح على الصحيح فيهما.
ومنها: إذا باع نخله [مؤبرة] 2 وبقيت الثمرة للبائع، ثم حدث طلع جديد في تلك السنة؛ فالأصح أنه للبائع لا للمشتري -مع الاتفاق على صحة البيع.
ومنها: إذا باع ما يجز مرارا [كالعنب] 3 والقصب، فجزتها -الظاهرة عند البيع- للبائع، وما يحدث بعد، هل هو للبائع. أو للمشتري؟ وجهان حكاهما الماوردي، مع الاتفاق على صحة البيع.
وجزم الرافعي بأن الظاهرة للبائع، والحادثة للمشتري وفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة بوجهين.
أحدهما: أن الطلع له حد ينتهي إليه، ولا حد للرطبة.
والثاني: أنه لا منفعة للمشتري في قطع الثمرة. وللبائع منفعة في ترك قطعها.
والرطبة في قطعها فائدة للمشتري وفي ترك قطعها فائدة للبائع، وبذلك يندفع عن الرافعي الاختلاف في كلامه.
ومنها: إذا باع حاملا بولدين، بعد وضع أحدهما وبقاء الآخر مختبأ؛ ففي كون المجتز للبائع أو للمشتري، قولان.
نعم: [قال الإمام] : إذا حكمنا بأن الولد للبائع؛ فيجب الحكم بفساد البيع في الأم - على ظاهر المذهب".
1وفي "ب" واستثنى.
2 في "ب" زيادة وعليها ثمرة.
3 في "ب" كالقط.
وهذا جار على ما اقتضته طريقته من أن الاستثناء الشرعي كاللفظي.
ومنها: ذكر صاحب التهذيب، وسبقه إليه صاحب المهذب أن التين والعنب إن ظهر بعضه، فالظاهر للبائع، وغير الظاهر للمشتري وتوقف الرافعي والنووي في هذه الصورة.
قال صاحب الوافي: ولم أجد للأصحاب في المسألة غير ما ذكره الشيخ يعني صاحب المهذب.
ومنها: لو باع العبد إلا يده أو رجله مثلا لم يصح، ولو كان مستثنى شرعا- كما لو استحق قطع اليد عن قصاص أو سرقة صح، ولا خيار للمشتري إن علم؛ لكن ينظر -هنا- أن المبيع هل ورد على هذا المستحق فلا يكون من قبيل ما نحن فيه، أو لم يرد؟ الذي يظهر الأول، وأنه مع ذلك يستحق القطع.
ومنها: لو باع الماشية إلا شاة الزكاة، لم يصح. للجهل بالمستثنى المؤدي إلى الجهل بالمبيع، ولو باعها كلها -وقد وجبت فيها الزكاة- صح، ويد الساعي ممتدة إلى أخذ شاة الزكاة؛ فهي مستثناة شرعا وقد نص عليهما الشافعي في الأم في أبواب البيع، في باب [النقباء] 1 في البيع والمبحث هنا -عن شاة الزكاة- والحالة هذه، هل ورد العقد عليها ثم الساعي يفسخه، أو لم يرد العقد ثم على البائع ضمانها للمشتري، وكذلك إذا بيع من عليه حد فزمان استيفاء الحد منه مستثنى شرعا، وإن كان لو استثنى هذا الزمان -لفظا- لأبطل.
ومنها: لو باع دارا عليها حق، ووضع جذعا أو أجرا ما صح، ولصاحب الحق استيفاؤه وهي منفعة مجهولة مدتها مستثناة شرعا، ولو استثناها بلفظه لم يصح.
قاعدتان:
قال الأصحاب في باب الصلح: "الأجل لا يلحق ولا يسقط".
أما قولهم: "لا يلحق" فإشارة إلى القاعدة الأولى، وهي أن الحال لا يتأجل".
1 في "أ" المستثنى والمثبت من "ب".
قال الشافعي رضي الله عنه في مختصر المزني في باب النهي عن بيع وسلف وهي آخر مسألة في هذا الباب: "ولو كان له على رجل حق -من بيع غيره- حال فأخره به مدة كان له أن يرجع متى شاء؛ وذلك لأنه ليس بإخراج شيء من ملكه، ولا أخذ منه عوضا، فيلزمه، وهذا معروف له [لا يجب] 1 أن يرجع فيه" انتهى.
وهنا صور يقع فيها وجوب تأخير الطلب لأمر خارجي -ليس لذات الدين- فيعتقد أن الحال [يؤجل] 2 وليس كذلك.
منها: قال الرافعي في باب العقود المنهية -بعدما ذكر أن الحال [لا يؤجل] 3: "لو أوصى من له دين حال على إنسان بإمهاله مدة فعلى ورثته إمهاله تلك المدة لأن التبرعات بعد الموت تلزم؛ قاله في التتمة، وسكت الرافعي عن هذا.
وضم الناس إلى هذه الصورة، ما إذا أنذر أن لا يطالبه إلى شهر؛ فإنه طاعة، يلزمه الوفاء به.
واعلم أن هذه الصورة في التتمة أيضا، والعجب عدم ذكر الرافعي لها، وهي التي قبلها في التتمة، في موضع واحد.
وهذا لفظ التتمة، قال عقيب4 ذكر ما نقله الرافعي عنه: "الثامنة: إذا كان له حق حل أجله فقال: إن شفى الله مريضي، أو رجع غائبي، فلله علي أن لا أطالبه شهرا؛ فالحكم فيه كما لو نذر عيادة المرضى وتشييع الجنائز. انتهى.
ولا فرق بين الحال ابتداء وبأجل5 بعدما كان موجلا، في أن كلا منهما لا يتأجل، وقد قال الرافعي -قبل هذا- ولو حل الأجل، فأجل البائع المشتري مدة، أو زاد في الأجل- قبل حلول الأجل المغصوب- فهو وعد لا يلزم، كما أن بدل الإتلاف لا يتأجل -وإن أجله. انتهى بلفظ الروضة.
1 في "ب" لا يجب له.
2 في "ب" تأجل فيها.
3 في "ب" لا يتأجل.
4 في "ب" عقب.
5 في "ب" فاضل.
وأقول: هاتان الصورتان -الوصية والنذر- ليس فيهما تأجيل حال؛ بل تأخير الطلب مع الحلول، فلا ينقضان القاعدة.
ونظيرهما: المديون المعسر، يجب إنظاره، وليس هناك تأجيل، وكذلك إذا حل الدين، وجب تأخير الطلب به إلى فتح الصندوق وإحضار القفل أو المال من البيت، وكذا من دون مسافة القصر، وكذا إلى بيع سلعة على ما ذكر الأصحاب في باب الكتابة وليس في شيء من هذا تأجيل الحال، ولا فرق بين هذه الصور ومسألة الوصية والنذر؛ إلا أن الأجل فيهما معلوم، ولا أثر لذلك، ولو أن الناذر - في هذه المسألة مات؛ فهل لورثته المطالبة، لأن الدين حال والناذر قد مات -وهم لم ينذروا- أو عليهم الإمهال؛ لأن الحق انتقل إليهم؟ هكذا فيه نظر واحتمال.
فصل:
وأما قولهم: "ولا يسقط فإشارة إلى القاعدة الثانية، وهي أن المؤجل لا يصير حالا".
ومن ثم أسقط من عليه المؤجل الأجل لم يسقط - على الصحيح واستخرج الأصحاب في باب الصلح من كون الأجل لا يلحق ولا يسقط أنه لا يصح الصلح من حال على مؤجل وعكسه.
فإن قلت: فقد قالوا -فيمن صالح من مؤجل على حال، وعجل المؤجل: أن الأداء صحيح "وكيف يصح الأداء ولم يحل المؤجل".
قلت: لا تعلق لصحة الأداء بحلول الأجل فإن من عليه دين مؤجل أن يؤديه حالا -ولا يخرجه ذلك عن كونه مؤجلا؛ لأنه متبرع: بخلاف ما يلزمه.
واعلم أن المطلقين لصحة الأداء -في هذه الصورة- الإمام والرافعي ومن تبعه.
وقد قيده الشيخ الإمام رحمه الله بما إذا عرف بطلان الصلح؛ فإن ظن صحته استرد قطعا، قال: ولا يخرج على الخلاف فيما لو رهن معتقدا أو وجوب الرهن لأن الرهن عقد، بخلاف الدفع، والقصد معتبر في الدفع دون العقد.
وهذا الذي قاله الوالد متعين، يجب أن يكون الفتيا عليه. وهذه صور يضطر فيها إلى الحكم على المؤجل بحكم الحلول، وإن شئت قل: يضطر فيها إلى صيرورة المؤجل حالا، وتقع -حينئذ- مستثناة من هذا الأصل.
منهاك الموت يحل به الدين المؤجل لخراب الذمة.
ومنها: إذا استرق الحربي، حل عليه المؤجل نص عليه؛ فيقضي من ماله -الذي يغنمه القائمون- دينه.
ومنها: إسقاط من عليه الدين الأجل -على وجه- وقد صدرنا [به] 1 القاعدة.
ومنها: حلول الدين بالفلس- على قول.
ومنها: حلوله بالجنون- على قول.
قاعدة: "الشرط الذي يقتضيه العقد لا يضر".
كالبيع بشرط الإقباض، وكما إذا شرط في الرهن أن يباع المرهون في الحق، وعبارة المحاملي أنه يصح، وقد تكلمنا عليها في شرح المختصر في مسألة التعليل بعلتين، وقلنا: إن الصواب ما ذكره الإمام والغزالي والرافعي وغيرهم من أن شرط مقتضي العقد لا يضر، ولا ينفع، استشهدنا له بأن تدبير المستولدة لا يصح.
ومن غرائب مسائل القاعدة قول البغوي في فتاويه: لو تزوج من وقع اليأس من احتمالها الجماع بشرط إلا يطأها، صح الشرط؛ لأنه يقتضيه العقد.
قال: وكذلك إذا كانت لا تحمل في الحال، وشرط أن لا يطأها إلى مدة الاحتمال.
ثم يستثنى من هذه القاعدة الأمة إذا خالعت زوجها بمال، وشرطته إلى وقت العتق؛ فإنه يفسد، ويرجع بمهر المثل- بعد العتق- مع كون هذا الشرط مقتضي العقد؛ فإنه لو خالعها على مال [ثبت] 2، ولم يطالبها الآن بشيء وإنما يطالبها عند العتق.
1 سقط من "ب".
2 في "ب" ثبت.
قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب الخلع: "وهذا عجيب، شرط يوافق مقتضى العقد يبطله، ولذلك لو شرط في البيع الإنظار بالثمن إلى اليسار؛ لكن ذلك ليس من مقتضيات العقد، بل من مقتضى الشرع، ولا فرق، لأن الشرط الموافق للشرع لا يفسد".
قلت: وكذلك إذا استأجر اليهودي [شهرا] 1 على عمل؛ فالثبوت تقع مستثناة من الاستيفاء، أو المسلم فأوقات الصلوات تقع مستثناة وكذلك أوقات القيلولة والراحة بالنسبة إليهما؛ فلو صرح بمقتضى ذلك في أصل العقد كان مبطلا -على ما حرره الشيخ الإمام رحمه الله غير أنه يقول: هذه الأوقات ليست متخللة بين أوقات الإجارة حتى تكون كإجارة العقب -ويجري فيها ما في تلك من الخلاف- بل المنفعة كلها للمستأجر مستحقة بمقتضى العقد ثم عليه توفيره عن العمل تلك الأوقات، ويظهر أثر ذلك فيما لو استعمله في تلك الأوقات؛ فلا يجب عليه أجرة زائدة -كما أشار إليه البغوي وصرح به الشيخ الإمام.
والحاصل أن ما [بقي] 2 مستثنى لو صرح به لأبطل؛ إنما المبطل ما إذا أراد خروج هذه الأوقات من العقد -بالكلية- قال: فهذا ينبغي أن يبطل العقد.
[وأقول] 3: قول الأصحاب: إنه يجوز الاستثناء للخدمة نهارا -دون الليل- أما إذا أراد أن هذه الأوقات يقع توفيره فيها على العمل -مع كون عقد الإجارة واردا عليها؛ فهذا تصريح بمقتضى العقد. فلا يضر، وبهذا يتبين أن ذكر مقتضى العقد لم يضر، وأن هذه الصورة لا ترد عليه، ولا يقال: أغفل ذكرها؛ لأنه حقق في شرح المنهاج أن هذه الأوقات مستثناة من الاستيفاء لا من الاستحقاق، وإن شئت [قل] 4 من استيفاء المملوك، لا من الملك، وليست متخللة بين أوقات الإجارة، حتى تكون كإجارة العقب، ولا يطرقها الخلاف الذي في إجارة العقب؛ فيظهر أثر ذلك فيما لو استعمله في تلك الأوقات، [ولا] 5 يجب عليه أجره زائدة وبه صرح البغوي في القيلولة، وفيما لو
1 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
2 في "ب" تقع.
3 وفي "ب" وأول.
4 في "ب" قلت.
5 في "ب" فلا.
أسلم الذمي، وأتى عليه بعد إسلامه يوم السبت فيقول الشيخ الإمام: إنه يجب عليه العمل فيه، وأنه يتجدد له بالإسلام استحقاق توفيره أوقات الصلوات وفيما لو استأجر حائضًا؛ فلا يستثنى أوقات الصلوات في حقها.
لكن إذا تقرر هذا؛ فأقول: ينبغي أن يقال مثله فيما إذا خالعت الأمة وشرطت المال إلى العتق فيقال: إن أرادت أن الاستحقاق موقوف على زمان مجهول قيبطل، وليس ذلك مقتضي العقد، وإن أرادت أن عليه إمهالها؛ فهذا لا يبطل، وهو الذي اقتضاه الشرع في هذا العقد فلا استثناء.
ونظير ذلك إذا قال: أنكحتكها على ما أمر الله به عز وجل، من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، مقيدا الإيجاب به، قال الشيخ أبو محمد: يبطل لأنه نكاح بشرط.
والأصح الصحة: لأنه مقتضي العقد، وفصل الإمام فقال: إن أجراه.
[شرطا] 1 ملزما، فالوجه البطلان وإن قصد الوعظ، لم يضر، وإن أطلق احتمل، واحتمل.
قلت: وهذا الذي قاله الإمام يشبه2، ما قاله الشيخ الإمام في الأوقات المستثناة إذا صرح بها في أصل العقد؛ غير أن في تفصيل الإمام رحمة الله نظر لأن صورة مسألة النكاح أن يقيد الولي الإيجاب بهذا الشرط -ويقبل الزوج مطلقا- أو مكررا له، وإذا ذكره على سبيل الوعظ لم يكن مقيدا؛ إلا أن يعني بالتقييد مجرد ذكره في اللفظ، لا قبله وهذا هو المعنى - على ما يدل عليه سياق الرافعي.
فصل:
أما الشرط الذي لا يقتضيه العقد فيصح، إن كان من مصلحته؛ سواء مصلحة البائع -كالرهن والكفيل- والمشتري ككونه كاتبا، وضمان الدرك ومصلحتهما - كالخيار لهما.
وقضية هذا أنه إذا أجره أرضا ليزرع القمح، ولا يزرع غيره، يصح العقد
1 في "ب" لفظ.
2 في "ب" زيادة الذي.
والشرط، وهو ما صححه الوالد رحمه الله بعد أن حكى في المسألة ثلاثة أوجه عن مجرد القاضي أبي الطيب.
وإن لم يكن من مصلحته؛ فإن لم يتعلق به غرض يورث تنازعا، كشرط أن لا يلبس إلا الخز، ولا يأكل إلا الهريسة؛ فالذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه أنه لا يصح.
وأما ما قطع به الإمام الغزالي -من أنه لا يفسد- محجوج بما حكيناه من النص، وقد اقتضى كلام الرافعي والنووي أنهما لم يجدا في المسألة غير كلام الإمام الغزالي؛ لأنهما اقتصرا عليه، وذكر الرافعي الفساد بحثا من قبله -معتضدا بكلام صاحب التتمة، وقال ابن أبي الدم: سمعت بعض الفقهاء يذكر أن الفساد وجه.
قلت: وقد أغنانا الله بما ذكرناه من النص عن تحقيق البحث: والوجه وأما ابن الصلاح؛ فإنه استشكل ما ذكره الغزالي؛ فقال: الأجود أن يقرأ قوله: بشرط أن لا يأكل إلا الهريسة بالثاء [ثالثة] 1 الحروف خطابا للمشتري، كيلا ينازع منازع في عدم الغرض -على تقدير تصويره- فيما إذا اشترط للعبد المبيع.
قلت: وفي كلام النهاية والبسيط تأييد له وعبارة الإمام بشرط أن لا يلبس بعده إلا الخز، أو ما ضاهى ذلك من الاقتراحات، وفي نسخة معتمدة رأيتها -من البسيط- بما ذكره ابن الصلاح؛ لكن قد ينازع منازع في حكمه- ولو كان خطابا للمشتري.
ويقول: قد يتعلق به غرض، ولذلك أصل وهو ما إذا أعطاه درهما، قال ادخل به الحمام؛ فقد قال القفال: إن كان غرضه تحصيل ما عينه لما رآه به من الشعث والوسخ، لم يجز صرفه إلى غير ما عينه، وسكت عليه الرافعي، وحكى النووي في التعيين -عن فتاوي القاضي الحسين- وجهين، وقريب منها مسألة أبي زيد في الكفن، وإذا صح تعلق الغرض به فلم لا يفسد كالمسألة المنصوصة.
وأما ما تعلق به غرض لأحدهما، وليس من مصلحة العقد، كشرط أن لا يقبض ما اشتراه، فيبطل.
1 في أ، ب ثانية.
ويستثنى شرط عتق العبد؛ فالمذهب صحة البيع والشرط جميعا.
فائدة: إذا عرفت أن شرط مقتضى العقد لا يضر ولا ينفع، علمت أن ما هو حاصل وإن تلفظ به اللافظ؛ فلا يضر ذكره، وهذا ليس على إطلاقه، بل قد لا يضر، كما مثل، وقد يضر، كما إذا نوى المتوضئ رفع الحدث والتبرد؛ فإنه يبطل على وجه مع أن التبرد المنوي حاصل -وإن لن ينوه- ولكن المذهب الصحة.
ونظير المسألة: الإمام إذا كبر ورفع صوته ونوى إعلام المأمومين جاز وإن كان لو رفع الصوت ولم ينو الإعلام، حصل، فنيته لا تؤثر ويقرب من ذلك بعتك إن شئت فالمذهب الصحة، ولا يضر لفظ التعليق على المشيئة؛ لأنه لو لم يشأ لم يشتر.
تنبيه: قد يتردد في أن الشيء مقتضى العقد أو لا فيورث ذلك ترددا في أن شرطه هل يبطل أو لا؟
وبيانه بصور.
منها: إذا كان العلو والسفل لواحد، فباع العلو وحده صح وهل للمشتري أن يبني فوق العلو؟ وجهان في الحاوي، قال الشيخ الإمام: ينبغي أن يكون أصحهما المنع؛ لأن الهواء حق لصاحب السفل؛ وإنما خرج عنه البناء عن الهيئة الموجودة عند البيع -ذكره في باب الصلح- وإن شرط أن لا يبني، صح، وليس له البناء قاله الماوردي.
قلت: فهذا بيع بشرط لم يضر، وكان يتجه أن يقال: إن كان من مقتضى العقد صح، وإلا فلا، وإن شرط أن يبني صح- خلافا للمزني.
قاعدة: الاعتبار في تصرفات الكفار باعتقادنا لا باعتقادهم. خلافا لمالك -ومن ثم إذا أتونا بما نتيقن أنه من ثمن خمر لا نأخذه في الجزية- خلافا لمالك وإذا ذبحوا حيوانا وفتشوا كبده؛ فوجدوه ممنوا- أي ملصوق الكبد بالأضلاع -نأكله- خلافا لمالك- حيث حرمه، لكونه حراما عندهم.
قاعدة: حمل اللفظ إلى ما يتبادر إلى الذهن أولى.
ومن ثم يحمل على الحقيقة ما لم يترجح المجاز بشهرة أو غيرها كما لو قال: لا آكل من الشجرة فإنه يحمل على ثمرها، وإن كان خلاف الحقيقة لترجحه.
وهذا في شهرة تصير الحقيقة مرجوحة بالكلية، أما شهرة لا تمنع استعمال الحقيقة فهي مسألة المجاز الراجح، والحقيقة المرجوحة، وفيها المذاهب المعروفة.
قاعدة: اللفظ موضوع -عندي- لأعم من الصحيح والفاسد ولا يحمل عند الإطلاق إلا على الصحيح.
وهذه قاعدة حققتها في باب المناهي من شرح المختصر، وأغرب الرافعي؛ فقال في كتاب الإيمان -عند الكلام على قول الوجيز- ولو قال: لا أبيع الخمر من النوع الثالث ما نصه "وسيأتي خلاف في أن لفظ العبادات، هل يحمل على الصحيح؟ كما إذا حلف لا يصوم، ولا يصلي" انتهى.
والخلاف غريب، لم أره حكاه قبل ولا بعد.
قاعدة: اللفظ إذا أطلق -اسما- على شيئين، وجود أحدهما يعقب وجود الآخر؛ فإنه يحمل على الأول ولا يجعله الإطلاق مجهولا1 على الأصح، "ومن ثم لو وقت السلم بجمادي أو ربيع، أو العبد، ينزل على الأول.
قاعدة: لا يثبت حكم الشيء قبل وجوده.
هذا هو الأصل، ولكن اختلف الأصحاب في المشرف على الزوال، هل يعطي حكم الزائل؟ وربما قالوا: "المتوقع هل يجعل كالواقع؟ أو ما قارب الشيء هل يعطي حكمه؟
وهي عبارات عن معبر واحد، وربما جزموا بإعطائه حكمه؛ وذلك نقض على الأصل، لقوة أصل آخر عليه، اجتذب ذلك الفرع، وانتزعه، وهذا شأن كل المستثنيات من القواعد -كما حررناه في الأصل- وإليه [أشار] 2 بقول الشافعي رضي الله عنه: "والقياس قياسان: أحدهما في معنى الأصل؛ فذلك الذي3 لا يحل لأحد خلافه، ثم قياس أن يشبه الشيء بالشيء وموضع الصواب عندنا -والله أعلم- أن ينظر فأيهما كان أولى لشبهه؛ صيره إليه إن أشبه أحدهما في خصلتين والآخرة في خصلة، ألحقه بالذي هو أشبه في خصلتين. انتهى.
1 في "ب" محمولا.
2 في "ب" الإشارة.
3 سقط في "ب".
مثال إعطاء المشرف حكم الزائل، تحريم وطء المشتري الجارية المبيعة بعد التحالف وقبل الفسخ -وفيه وجهان مرتبان على الوجهين في تحريم الوطء بعد الترافع إلى مجلس الحكم [والتحالف] 1 والمصحح من هذين -الحل والتحريم- بعد التحالف أولى، وربما لم يعطوه حكمه كبيع العبد المريض والجاني؛ فإنه صحيح مع الإشراف على الزوال - وذلك هو الجادة؛ فلا يطلب له علة تخصه.
قاعدة: الزائل العائد، كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد" 2.
في أكثر صوره خلاف منتزع الأصل من قولين منصوصين فيما إذا قال لعبده: إذا جاء رأس الشهر فأنت حر، ثم باعه، ثم اشتراه- ثم جاء رأس الشهر ففي العتق قولان وهما يشبهان الخلاف، أيضا -فيما إذا علق طلاق زوجته بصفة ثم أبانها، ثم جدد نكاحها، ثم وجدت الصفة.
ومن مسائله:
لو أفلس بالثمن، وقد زال عن المبيع وعاد، هل للبائع الفسخ؟
ومنها: لو وهب لولده وزال ملك الولد وعاد، هل للأب الرجوع؟
ومنها: لو عاد التبذير بعد ما بلغ رشيدا؛ فالأصح يعيد القاضي الحجر ولا يعود بنفس التبذير.
ومنها: لو بيع شقص، فارتد الشريك، وقلنا: الردة تزيل الملك؛ فإن عاد إلى الإسلام، وعاد ملكه، ففي ثبوت ذلك3 تردد عن الشيخ أبي علي، يتجه تخريجه على الزائل العائد، والظاهر المنع.
ومنها: إذا نقص بعض الأربعين في الخطبة وعادوا -وقد مضى ركن- فهذا الزائل العائد كالذي لم يعد قطعا، وتبطل الخطبة، وإن سكت ولم يطل الفصل إلى أن عادوا؛ فهو كالذي لم يزل وتصح وإن طال فقولان، أصحهما البطلان، وإن نقصوا في الصلاة: بطلت مطلقا على أظهر الأقوال، وهو كثير، ومن أماكن الجزم، القاضي إذا سمع البينة، ثم عزل، ثم ولي؛ فلا بد من استعادتها، أما إذا خرج عن محل ولايته ثم عاد؛ ففي استعادتها وجهان.
1 في "ب" قبل التحالف.
2 المنثور 2/ 178، الأشباه للسيوطي 176.
3 في "ب" الشفعة.
ولو باع النصاب في أثناء الحول، ثم استرده بسبب جديد، لم يقل أحد بأنه كالذي لم يزل حتى تجب الزكاة في ذلك الحول؛ فلذلك قضى الشيخ الإمام [بعدم] 1 اطراد القاعدة، ولم يرها أصلا يعتمد، وخرج ابن الرفعة عليها الوجهين فيما لو أدى الضامن الدين ثم وهبه رب الدين منه، هل يرجع على الأصيل [المضمون] 2 عنه؛ فإن قلنا: كالذي لم يزل، لم يرجع على الأصيل المضمون عنه وإلا رجع.
وضعف بناء [الرافعي] 3 أياهما على القولين، فيما لو وهبت الصداق من الزوج، ثم طلقها قبل الدخول، من حيث إن الهبة لو فقدت ووقع الطلاق؛ لكان الشطر عائدا: للزوج بعينه، قال: فهبته منه تعجيل ما4 سيجب، وهذا المعنى لا يتحقق فيما نحن فيه.
قلت: وتخريج القولين -في هبة الصداق- على القاعدة ظاهرة، ولهذا يظهر تخريج مسألة الضمان عليهما.
فإن قلت: فلم احتجب إلى الواسطة.
قلت: لعله لما ذكره ابن الرفعة.
قاعدة: لا فرق في ضمان المتلف بين العلم والجهل.
ولا يرد ما إذا استعمل العارية -بعد الرجوع- جاهلا به؛ حيث لا تجب عليه الأجرة فيما إذا ذكر القفال: "وإذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل -بغير حق- والمأمور لا يعلم؛ حيث لا دية على القاتل.
وإذا جن المحرم، ثم قتل صيدا؛ حيث لا جزاء واجب في الأظهر من القولين.
وإذا قتل مسلما -ظن كفره- بدار الحرب؛ فالأصح لا تجب الدية. وإذا رمى إلى مسلم تترس به المشركون؛ حيث لا دية إذا جهل إسلامه.
وإذا باشر الولي [القصاص] 5 من الحامل جاهلا بحملها فالأصح أن الدية على السلطان.
1 في "ب" بعد.
2 في "ب" المعتمد.
3 سقط من "ب".
4 في "ب" لما.
5 في "ب" الاقتصاص.
وإذا أباح له ثمرة بستان، ثم [رجع؛ فأكل بعد الرجوع قبل العلم حيث لا يغرم في أحد الوجهين وإنما] 1 ذلك لما ذكرناه في الأصل.
قاعدة: كل ما لا يعلم إلا من جهة الشخص، يقبل قوله فيه ومن ثم مسائل:
منها: يقبل قولها في الولادة والحيض وشكك بعضهم في كون هذين لا يعلمان إلا من جهتها، وادعى إمكان إقامة البينة عليهما، وهو في الحيض متعذر، وفي الولادة غير متعذر.
ومنها: إذا علق طلاقها بالمشيئة أو الرضا، أو الإرادة [أو إضمارها] 2 بعضه، ونحو ذلك. ومنها تصديق الأب في دعوى الاحتياج إلى النكاح - على الصحيح.
ومنها: إذا ادعت أنها حامل وقف الميراث.
ومنها: يكف عن قتل مدعيه الحمل إذا وجب عليها القصاص.
ومنها: إذا قال: أخرج يدك؛ فأخرج اليسار، فقطع ثم اختلفا، فقال المخرج: قصدت بأخراجها قطعها عن اليمين. وقال القاطع: بل أبحتها، صدق المخرج.
ومنها: إذا باعه صاعا من صيعان مجهولة الجملة ثم اختلفا؛ فقال المشتري أردت الإشاعة، وقال البائع:[بل] 3 أردت معينا؛ فالأرجح أن القول قول البائع.
وأمثلة كثيرة وعد منها بعض الطلبة إذا قال لزوجته: إن علمت كذا فأنت طالق -متوهما أن علمها لا يعلم إلا من جهتها، وأن قولها فيه مقبول فتطلق إذا قالت: علمت.
والفرع لا أعرفه مسطورا، ومما حفظته وعلقته من فوائد أخي الإمام المحقق بهاء الدين أبي حامد شيخنا وبركتنا أطال بقاءه "أنه ينبغي أن لا تطلق بقولها علمت؛ لأن [إحدى] 4 قيدي العلم المطابقة الخارجية، ولا يقبل قولها فيه؛ لإمكان إقامة البينة عليه؛ فلا بد أن يعلم من خارج وقوع ذلك الشيء.
قلت: وهذا حق، ويشهد له أن الرجل لو قال لآخر: أنت تعلم [أن] 5 العبد الذي في يدي حر، حكم بعتقه، نقله الرافعي عن خط الروياني، عن بعض الأئمة،
1 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
2 في "ب" اختيارها.
3 سقط في "ب".
4 في "ب" أحد.
5 في "ب" زيادة هذا.
محتجا بأنه لو لم يكن حرا، لم يكن المقول له عالما بحريته، وقد اعترف السيد بعلمه.
وهذا بخلاف ما لو قال: أنت تظن، ويشبهه، ما رأيته في أدب القضاء لشريح الروياني "أنه لو قال: علي ألف -فيما أظن أو أحسب- لم يلزمه، وإن قال: فيم أعلم أو أشهد، لزمه. ويستثنى من هذه القاعدة مسائل:
منها: لا يصدق السفيه في دعوى توقان نفسه واحتياجه للنكاح.
ومنها: لا تصدق1 في دعوى الحمل حتى يدفع إليها النفقة.
ومنها: إذا اختلف الزوجان في أنه نوى الطلاق إذا أتى بلفظ الكناية؛ فإن القول قول الزوج2.
قاعدة: قال أبو عاصم العبادي في أدب القضاء، وتبعه أبو سعيد الهروي في أواخر كتاب الإشراف:"لا يقتص من نفسه لغيره إلا في مسألتين".
إذا أكل اللقظة، وأخذ الثمن من نفسه وصار أمانة، قال أبو سعيد: "يعني إذا أخذ قيمته من نفسها وعرفها -فهي أمانة- في أحد الوجهين.
والثانية: إذا قال [اقبض ما لي] 3 عليك من الدين؛ فأسلم في كذا، صح قال ابن سريج4: والمذهب أنه لا يصح - انتهى.
قلت: أما مسألة اللقطة إذا أكلها؛ فالأصح -على ما ذكر الرافعي [ووقف] 5 فيه الشيخ الإمام -وجوب التعريف بعد ذلك، قال الإمام: إلا أن يكون في الصحراء.
والأصح أنه لا يجب - بعد ذلك [الإقرار] 6 القيمة لأن ما في الذمة، لا يخشى هلاكه وإذا أفرز كان أمانة في يده، ولعل الوجهين اللذين أشار أبو عاصم إليهما بقوله: فهي أمانة -في الوجهين هما هذان، ولا يريد أن الخلاف في كونه أمانة؛ بل في أنه هل يفرز، أو لا.
فإن قيل: بالإفراز، كان أمانة، ثم على القول بوجوب الإفراز - قول أبي عاصم أنه يقبض لغيره من نفسه - غريب، والمحفوظ أنه يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبض عن صاحبه، وللإمام احتمال في أن الملتقط يقيم نائبا عن المالك.
1 في "ب" زيادة السفيه.
2 في "ب" فإن الزوج لا يصدق.
3 سقط في "ب".
4 في "ب" قاله ابن سريج.
5 في "ب" وتوقف.
6 في "ب" إفراز.
هذا ما في الرافعي، والذي في تعليق القاضي الحسين، أنها على وجه الإفراز - توضع عند عدل؛ فلا أعرف من قال بأن الملتقط يقبض من نفسه لغيره، غير أبي عاصم.
وأما مسألة السلم: فمقالة ابن سريج غريبة وما أراها إلا المسألة التي ذكرها الرافعي في باب الوكالة؛ حيث قال: إذا قال لرجل أسلم في كذا وأد رأس المال من مالك، ثم ارجع علي: "قال ابن سريج: يصح ويكون رأس المال قرضا -على الأمر- وقيل: لا يصح؛ لأن الإقراض لا يتم إلا بالإقباض، قال النووي.
قلت: الأصح -عند الشيخ أبي حامد وصاحب العدة- أنه لا يصح وهو نص الشافعي في الصرف.
قال الشيخ أبو حامد: وما ذكره أبو العباس سهو وبقيت مسائل:
منها: قول الرافعي فيما [إذا] 1 أجره داره بدراهم معلومة، ثم أذن له في الصرف إلى العمارة [أنه يجوز] 2، وقد قدمناه في قاعدة:"اتحاد القابض والمقبض"، وذكرنا بحث ابن الرفعة فيه وما فيه من النظر.
أقول - هنا: إن مقالة ابن سريج، تؤيد قول الرافعي، وفي قول أبي عاصم:"المذهب أنه لا يصح ما يرد عليه" وهو القياس.
ومنها: إذا باع مال نفسه لولده -المحجور- فإنه يقبض من نفسه لولده.
قاعدة: كل ما أنقص العين أو القيمة - نقصا يفوت به غرض صحيح ويغلب في أمثاله عدمه؛ فهو عيب يرد به المبيع".
قال الرافعي: إنما اعتبر نقصان العين للخصاء؛ فإنه يرد به -وإن لم ينقص القيمة-[لكونه] 3 أنقص العين إنما لم نكتف بنقص العين واشترط فوات غرض صحيح؛ لأنه لو قطع من فخذه أو ساقه - قطعة يسيرة، ولا تورث شيئا، ولا تفوت غرضا، لا يثبت الرد.
واعترضه ابن الرفعة، بأن في تصويره عسرا؛ فإن آثار الجرح تثبت الخيار - كما نقله في الإشراف.
1 في "ب" لو.
2 سقط في "أ" والمثبت من "ب".
3 في "ب" لأنه.
وفيه نظر: فإنه هذا لا يسمى جرحا، وإن فرض أنه يسمى -ولم يندمل فذاك ينقص القيمة، ويفوت به غرض.
ثم قال الرافعي: ولهذا قال صاحب التقريب: إن قطع من أذن شاة ما يمنع التضحية، ثبت الرد، وإلا؛ فلا.
واعترضه ابن الرفعة بأنه تبع في ذلك الإمام، وأن بعضهم اعترض الإمام فيه -بأن الإمام نفسه خطأ من يعتبر العيب بالضحايا؛ إذ مقصود العيب المال، ومقصود الضحايا حسن النظر وكمال الصورة- ولك أن تدعي تلازمهما غالبا، ثم قوله: إن قطع من أذنها بما يمنع التضحية يقتضي أن قطع بعض الأدن- منه ما يمنع من التضحية، ومنه ما لا يمنع والأصح أن إبانة جزء من الأدن يمنع الأجزاء، وفي التعريف أيضا احتراز عما إذا وجد العبد والجارية مختونين؛ فإن فات جزء من أصل الخلقة بالختان، لكن فواته مقصود دون بقائه؛ فلا رد به -إذا كان قد اندمل- وإنما اشترط كون الغالب، في أمثاله عدمه، لأن الثيابة -مثلا- في الإماء معنى ينقص القيمة، لكن لا رد به إذا كانت كبيرة، في سن -لا تغلب فيه البكارة- لأنه ليس الغالب فيهن عدم الثيابة.
ومن مسائل القاعدة:
عدم نبات عانة الجارية - حدث ذلك في زمن القاضي أبي عمر المالكين وقضى بأنه عيب. وذكر اثنان من أصحابنا وهما الهروي "في الإشراف" والقاضي شريح الروياني في كتاب "أدب القضاء"[قالا] 1: إنه عيب وفيه -عندي- نظر، وأقصى ما يشبه به الحيض، فإن من لا تحيض ترد بهذا العيب، لدلالته على ضعف في الخلقة؛ فإن كان يقال: إن عدم إنبات العانة يدل على فساد المنبت فهو عيب، لكنني لا أعتقد ذلك وكون المبيع مما قيل إنه موقوف وإن لم يثبت ذلك فائدة: عرفت الضابط في عيب المبيع، وقال النووي في تهذيب اللغات، العيب ستة أقسام، عيب المبيع، ورقبة الكفارة والغرة، والأضحية، والهدي، والعقيقة، وفي أحد الزوجين، وفي الإجارة. وحدودها مختلفة.
- ففي البيع ما ينقص المالية، أو الرغبة، أو العين.
- وفي الكفارة ما يضر بالعمل إضرارا بينا.
- وفي [الأضحية والهدي2 والعقيقة] ما ينقص اللحم.
1 في "ب" وقالا.
2 في "ب" تقديم وتأخير.
- وفي النكاح ما ينفر عن الوطء، ويكسر سورة التوقان.
- وفي الإجارة ما يؤثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت في قيمة الرقبة؛ لأن العقد على المنفعة وعيب الغرة كالمبيع.
قلت: ولم يذكر عيبًا بل الدية، وعيب الزكاة وعيب الصيد في الإحرام وعيب الصداق إذا طلقها قبل الدخول لدخولها فيما ذكره فليتأمل.
قاعدة: كل عيب يوجب الرد على البائع، يمنع الرد إذا حدث عنه المشتري.
قال الرافعي: إلا في الإبل، قال ابن الرفعة والوالد رحمهما الله، ولعله احترز به عما ذكره ابن الصباغ، من أنه لو اشترى عبدا له أصبع زائدة، فقطعه؛ فإنه يمنع الرد، أي: وإن كان قطع الأصبع الزائدة، إذا وجد في يد البائع، واندمل، لا يرد به المشتري، كما قاله المتولي والبغوي.
قاعدة: ذكرها الإمام في كتاب البيع، وأشار إليها الرافعي في باب التفليس "الحمل يندرج في كل عقد معاوضة صدر بالاختيار" كبيع الجارية المرهونة والرد بالعيب، والرجوع بسبب الفلس، أو انتفاء العوض كالرهن والهبة - ففي التبيعة قولان.
فإن قلت: قضية هذا أن يجري قولان في العتق لانتفاء [العوض] 1 ولا خلاف أنه إذا أعتق حاملا، تبعها الحمل.
قلت: ليس العتق من العقود، والكلام فيما هو عقد، على أن الرافعي.
قال في مكان: إن الوصية عقد، وإذا كانت عقدا، كان العتق عقدا؛ ولكن ذلك غير مسلم.
قاعدة: ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح.
وهذه القاعدة قد تنقض بما نقله الرافعي عن صاحب التتمة -ساكتا عليه- أن الزوج المختلع إذا وكل محجورا في قبض المال من الزوجة؛ ففعل كان مضيعا له وتبرأ المرأة بالدفع -مع أن توكيل المحجور في القبض لا يصح لكن الشيخ الإمام قال: هذا إذا كان العوض معينا أو كان الطلاق معلقا بدفعه، أما إن كان الخلف على مال. في ذمتها - فينبغي أن لا يصح القبض وإذا أتلف ضاع على المرأة.
1 في "أ" الفرض والمثبت من "ب".
قاعدة: متلقاة عن شيخ أبي إسحاق الشيرازي رحمه الله: كل خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال؛ فهو على الفور.
قال المتكلمون على احترازاته:
إنه احترز بقوله: "ثبت بالشرع" عن خيار الشرط في المبيع.
وبقوله: لدفع الضرر عن المال عن خيار الأمة إذا أعتقت تحت عبد إذا قلنا: ليس الخيار على الفور - وعن خيار المرأة في المطالبة بالفيئة أو الطلاق في الإيلاء والخيار بين القصاص والدية، وعن خيار المجلس؛ فإنه ليس لدفع الضرر، بل قد لا يكون ضرر أصلا وعن خيار العنة أيضا.
فاشتملت هذه القاعدة على خيار العيب؛ فإنه على الفور ولذلك قال في المهذب: فيما إذا وجد بالمشتري عيبا؛ فأراد الرد لم يؤخره، فإن أخره من [عذر] 1 سقط الخيار؛ لأنه خيار ثبت -بالشرع- لدفع الضرر عن المال، فكان على الفور كخيار الشفعة.
واشتملت -أيضا- على الشفعة- ولذلك قال في باب الشفعة- من المهذب أيضا إن أخر الطلب -من غير عذر- سقط؛ لأنه على الفور، فسقط بالتأخير من غير عذر كالرد بالعيب. وهو موضع معروف بالإشكال عندهم -والمحققون يبحثون- عند الانتهاء إلى هذا الإشكال- علما منهم أن هذا الشيخ - الذي هو أستاذ أرباب الجدل- لا يفعل ذلك سدى، وأقصى ما انتهوا إليه - قولهم: قاس العيب على الشفعة، لورود الخبر فيها، وعكس في الشفعة؛ لاتفاق أكثر العلماء على أن الرد بالعيب -على الفور- بخلاف الشفعة ونظيره قياس القراض على المساقاة لورود الخبر فيها، وعكسه الإجماع على القراض.
وقال الشيخ الإمام، في تكملة شرح المهذب: إن من تأمل كلام الشيخ في باب الشفعة، حكم بعدم صحة السؤال؛ فإنه لم يقس كونها فورية على الرد بالعيب؛ وإنما قاس سقوطها -بالتأخير عليه وهما غيران ثم اعترض على نفسه، بأن الفورية إن لزمها
1 في "ب" من غير عذر.
السقوط بالتأخير، لم يحتج في الشفعة إلى قياسه على الرد بالعيب؛ وإلا فلا يكفي، في الرد بالعيب- القياس على الشفعة.
قال: "وقد خطر لي -في الجواب عن ذلك والاعتذار عن المصنف في جعله سقوط الشفعة بالتأخير، بعد تقدير كونه على الفور مقيسا على الرد بالعيب- مسألة غريبة، نقلها أبو سعد الهروي عن تعليق البندنيجي، إن الشافعي نص -في اختلاف العراقييين- على القول الصحيح، إن الشفعة على الفور، أن للشفيع خيار المجلس.
فلعل الشيخ أبا إسحاق، اطلع على النص القائل "بأن الشفعة لا تبطل بالعفو، ما دام في المجلس" -على قول الفور- ولا شك أن التأخير. أولى بعد البطلان؛ فأراد أن يدفع ذلك بالقياس على الرد بالعيب، وبهذا ينتفي السؤال عنه.
قال الشيخ الإمام: على أني نظرت باب الشفعة -من اختلاف العراقيين نظرا؛ فلم أر هذا النص فيه، وهو غريب مشكل ولكنه في نصوص الشافعي لأحمد بن بشرى. وهو قضية اختلاف الأصحاب في ثبوت خيار المجلس في الشفعة".
قلت: وهو وجه مصرح به.
ثم يستثنى من هذه القاعدة خيار التصرية فإنه يمتد ثلاثة أيام -على ما صححه [الشيخ] 1 الإمام -خلافا للرافعي والنووي، وهو خيار ثبت بالشرع، لدفع الضرر عن المال لكن الشيخ الإمام أجاب عن إيراده على القاعدة "بأنه خيار شرع، لا خيار عيب أي ثابت بالحديث؛ ولذلك يثبته مع العلم، وإذا كان كذلك فلا يكون لدفع الضرر عن المال".
قاعدة: ذكرها الإمام في باب الرد بالعيب في فصل التدليس وجعلها ضابطا لما يحرم من التدليس وما لا يحرم.
من علم شيئا يثبت الخيار فأخفاه، أو سعى في تدليس فيه فقد فعل محرما؛ فإن لم يكن السبب مثبتا للخيار فترك التعرض له لا يكون من التدليس المحرم.
قلت: ولك أن تختصر هذه العبارة فتقول: "يحرم إخفاء ما يثبت الخيار دون ما لا يثبت"، وقد كان يختلج في الذهن أن ما لا يثبت الخيار أولى بالتحريم؛ إذ لا استدراك لفارطه بخلاف مثبت الخيار.
1 سقط في "ب".
ونص الشافعي رضي الله عنه -حيث قال: "وكذلك المدلس قد عصي الله تعالى والبيع لازم الثمن حلال" يدل التحريم كل تدليس.
وهذا نص حكاه الماوردي في الحاوي: قبيل فصل تلقي الركبان، وحكى أن أبا علي بن أبي هريرة رحمه الله تعالى كان يقول:"إن ثمن التدليس حرام لا ثمن المبيع؛ ألا ترى أن المبيع إذا فات رجع على البائع بأرش عيب التدليس؛ فدل على أنه أخد منه بغير استحقاق" انتهى.
وهذا الذي حكاه عن ابن أبي هريرة1 غريب، ومعناه أن الزيادة بسبب التدليس محرمة لا جملة الثمن.
ولم يذكر صاحب البحر هذا -مع كثرة استقصائه لكلام الحاوي- ثم إن الإمام رحمه الله قال- بعد ذكر هذه القاعدة: "ومما لا يجب التعرض له ذكر القيمة؛ فليس البائع مقيدا -في الشرع- بأن يبيع الشيء بثمن مثله قال: وهذا ينبني على ما ذكرناه؛ فإن الغبن بمجرده -إذا- اطلع على المشتري لا يثبت له خيار - انتهى.
وقد حكى الشيخ الإمام رحمه الله هذا كله عن الإمام في أوائل باب الرد بالعيب من تكلملة شرح المهذب - ساكتا عليه.
وأقول: إن أراد الإمام أنه لا يجب على البائع ذكر قيمة المبيع -في نفسه- فهو حق، وليس عدمه تدليسا البتة، وإن أراد ما إذا اشترى بغبن، ثم أراد البيع -في باب المرابحة- فالصحيح وجوب ذكر الغبن؛ لكن صحح الإمام والغزالي عدم وجوبه؛ فالإمام جار على أصله غير أنه أشار إلى هذه المسألة بقوله:"إذ الغبن -بمجرده- إذا اطلع عليه المشتري لا يثبت له خيار"، إن أراد به الغبن في المبيع من حيث هو إذا اشتراه بدون قيمته ولم يبعه مرابحة ولا أخبر بالثمن فصحيح وليس مما نحن فيه.
1 الحسن بن الحسين القاضي أبو علي بن أبي هريرة البغدادي أحد الأئمة من أصحاب الوجوه تفقه على ابن سريج وأبي إسحاق المروزي ودرس ببغداد وروى عنه الدارقطني وغيره وتخرج به جماعة من الأصحاب مات ببغداد في رجب سنة خمس وأربعين وثلاثمائة -ابن قاضي شهبة 1/ 126، تاريخ بغداد 7/ 98، وفيات الأعيان 1/ 358، شذرات الذهب 2/ 370، البداية والنهاية 11/ 304، ابن السبكي 3/ 256.
وإن أراد الغبن في المرابحة -حيث يخبر بالثمن- ففيه إشارة إلى أنا إن وجبنا الإخبار عند ذكر الثمن فلم يخبر لا يثبت الخيار.
ويمكن تخريج وجهين في ذلك -مما إذا صاحبه- فإن1 في ثبوت الخيار للمشتري وجهين أصحهما -عند النووي- ثبوته.
وفي القاعدة طردا وعكسا مسائل:
منها: من علم بالسلعة عيبا لم يجز له أن يبيعها حتى يبين عيبها. وشذ المحاملي والروياني فقالا: إن ذلك يستحب.
قال الشيخ الإمام -في تكملة شرح المهذب: "وهي عبارة رديئة موهمة"؛ فلا يقول أحد -له علم- بعدم الوجوب وإن باع- ولم يبين العيب، ثبت الخيار.
ومنها: لو اشتراه بدين -من مماطل- وجب الإخبار عنه في بيع المرابحة.
ومنها: لو اشتراه من ابنه الطفل وجب الإخبار.
ومنها: يجب على البائع الصدق في قدر الثمن، وفي الأجل والشراء بالعرض وبيان العيب حادث عنده؛ فلو قال: بمائة فبان بتسعين فالأظهر أنه يحط الزيادة وربحها وأنه لا خيار للمشتري.
قاعدة: من كان القول قوله في شيء، كان القول في صفته وعبارة أبي سعد الهروي عن هذا -في الإشراف- "من قبل قوله في أصل؛ غير أنه الظاهر أن المراد واحد فلا تقف في ذلك.
ومن ثم لو قال: بعتك الشجرة -بعد التأبير- فالثمرة لي، وقال المشتري: بل قبله فلي فالقول قول البائع، ومسائل يطرد عدها. وذكر القاضي أبو سعد: أنه استثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل:
إحدها: مسألة الخياط - إذا قال المالك: أذنت في قطع الثوب قميصًا. وقال الخياط: بل قباء - على القول [بتصديق] 2 الخياط:
1 في "ب" ولكن.
2 سقط في "ب".
والثانية: دفع إليه ألفا ليتصرف فيها فقال القابض: كانت قراضًا فلي قسط من الربح، وقال الدافع: بل مضاربة.
قال الثقفي1: القول قول الدافع الجرجاني: القول قول القابض، وقال المحاملي الكبير: يتحالفان. قلت: والمجزوم به -في شرح المنهاج للوالد رحمه الله قول الثقفي جريا على أصل القاعدة. وهو ما في الشرح والروضة فيما إذا قال: وقعت وكالة قفال العامل: بل قراضا.
وحكى النووي -في زيادة الروضة- وجهين في أيهما تقدم بينة العامل إذا ادعى أن المدفوع قراض أو المالك إذا قال: بل هو قرض وفي الرافعي وغيره فيما إذا قال: على عقد وهذا فارق مسألة أبي سعد وشريح؛ فإن الأبضاع والقراض عقد واحد فالتحالف فيه أظهر. والثاني: أن القول لمدعي الهبة. والثالث: التحالف. وهذه الأوجه: التي حكاها أبو سعد - حكاها شريح في "أدب القضاء"، ولعله من أبي سعد تلقاها. وفي نسختي -من "أدب القضاء" لشريح- موضع، وقال المحاملي الكبير: يتحالفان ما نصه، وقال في الكبير: يتحالفان وكنت أحسب أنه يعني "بالكبير" النهاية -على اصطلاح أهل خراسان- فكشفت "النهاية"؛ فلم أجد فيها تصريحا بذلك وذكرت هذا كله في كتابي "التوشيح"؛ فلما وقفت الآن -على كتاب أبي سعد ووجدت فيه ما رأيت غلب على ظني أن نسختي -من كتاب شريح- سقط منها لفظ " المحاملي" وزيدت لفظة "في"؛ وإنما قال "قال المحاملي الكبير كما قال أبو سعد".
والمحاملي الكبير -هو الشيخ أبو الحسن- إمام قديم في زمان الإصطخري ذكرناه في كتاب الطبقات. والثالثة: غاب الزوج سنة وادعى أنه طلق -بائنا- في صدر مدة الغيبة وكذبته وطالبته بالنفقة. قال أبو سعد: القول قولها في حقها، وقوله في أصل الطلاق. قلت: كلام الأصحاب يشهد له، ويتجه أن يقال: لا تجب النفقة - تبعا لقوله في الطلاق -وقد قدم أبو سعد- قبل هذا بقريب من ثلاث أوراق في المرتدة بعد الدخول تقول: أسلمت
1 محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب أبو علي الثقفي الحجاجي النيسابوي الفقيه الإمام الزاهد الواعظ تفقه على محمد بن نصر ويقول ابن خزيمة رحمه الله عنه ما يحل لأحد منا بخراسان يفتي وأنت حي ولد سنة أربع وأربعين ومائتين ومات في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، النجوم الزاهرة 3/ 267، ابن قاضي شهبة 1/ 118، شذرات الذهب 2/ 315، العبادي ص63، ابن السبكي 3/ 192.
وفي وقت كذا في النفقة -حكاية قولين: أصحهما: القول للزوج لأن الأصل عدم الرجوع إلى الإسلام. والثاني: قول المرأة لأن القول في أصل الإسلام مقبول منها فليكن كذلك.
وفيه "ولا بد من مجيء هذا الخلاف في هذه الصورة - أيضا" وما حكاه من القولين نظيره إذا قال: أسلمت أولا؛ فلا نفقة لك وادعت العكس. وأصح الوجهين في أواخر نكاح المشركات -من الرافعي وغيره- أنها المصدقة لأن النفقة كانت واجبة -وهو يدعي مسقطا؛ لكن هذه العلة تصلح أن تكون فرقا بين المسألتين، والمسألة موضع النظر.
وليت شعري إذا كان أبو سعد يستثنى -على وجه أو قول- فلم لا ذكر مسألة ما إذا قال: أكريتك؛ فقال: بل أعرتني ونظائرها -مما صح فيه أن القول قول المالك- وقد بقيت على أبي سعد مسائل- أهمل استثناءها- ولعل بعضها أحق مما ذكره- بالذكر.
منها: الأصح أن القول قول مدعي صحة البيع دون فساده -مع أنهما لو اختلفا في أصل البيع فالقول قول البائع.
ومنها: لو اختلفا في النقصان، وتغيير المبيع عما كان عليه؛ فالقول قول المشتري.
ومنها: لو قال الغاصب: كان العبد أقطع وأنكر المالك؛ فالقول قول المالك في الأصح.
ومنها: قد ملفوفا وادعاه ميتا وأنكر الولي، صدق الولي في الأظهر.
ومنها: قطع طرفه وادعى أنه كان أشل، صدق المجني عليه.
ومنها: قال الراكب أعرتني وقال المالك: بل أجرتك، صدق المالك على المذهب.
ومنها: عمل له عملا وقال: "شرطت لي عوضا"، وأنكر فالقول قول المعمول له ومنها: إذا قال: "كانت الألف المدفوعة -إلى وديعة- وقد تلفت، وقال المالك: بل قرض" قال البغوي: القول قول المدفوع إليه.
ومنها: دفع إليه دراهم واختلف في ذكر البدل؛ فالقول قول الآخذ -قاله الرافعي، وفيه وجه قال النووي- أول القرض "إنه متجه".
ومنها: قال "هي قراض" فقال "بل قرض" صدق العامل -في أحد الوجهين- في "الروضة" و"شرح المنهاج".
ومنها: قال: "قراض" فقال: "بل ابضاع" ذكرها شريح، وفيها أوجه.
ومنها: قال "وهبتك بعوض"؛ فقال: "بلا عوض" رجح النووي أن القول قول من نفاه.
ومنها: بعت أشياء، وقال:"بعوض" فأنكر المبعوث إليه صدق وفيه للرافعي بحث، يظهر أن يقال: إن اختلفا في أصل شغل الذمة مع الاتفاق على ثبوت اليد؛ فإن [اختلفا] 1 في أن ثبوتها بحق أو لا فالقول قول المالك لأن الأصل لم يصدر منه ما يقتضي -[حينئذ هذا]2.
وإن اتفقا على أنها بحق، ثم اختلفا في شغل الذمة فالقول قول من ينفي الشغل لاعتضاده بالأصل. وإن اتفقا على الشغل ثم اختلفا في صفته؛ فالذي يظهر أن القول أيضا قول من لو أنكره لقبل إنكاره لأن من كان القول قوله في شيء كان القول قوله في صفته وإن اتفقا على الشغل ولكن اختلفا في ارتفاعه فالقول قول من يدعي بقاءه.
قاعدة: تتصل بالقاعدة قبلها أنا ضبطتها بعد ما تبددت عليها فروعها وانتشرت؛ فإن كانت كما فهمت ورتبت فالله المسؤول أن ينفع بها؛ وإلا فهو المسؤول أن يوضح لي الحق إذا اختلف الآخذ والمأخوذ منه فإن كان اختلافهما في أصل شغل الذمة مع الاتفاق على ثبوت اليد فلا يخلو إما إن يختلفا في أن ثبوتها هل هو بحق أو لا فإن كان الأول؛ فالقول قول المأخوذ منه لأن الأصل أنه لم يصدر منه ما يقتضي ثبوت هذه اليد ويدل على هذا أن الصحيح فيما إذا قال المالك غصبتني، وقال ذو اليد أعرتني أن القول قول المالك، وإن كان الثاني وهو ما إذا اتفقا على أنها تثبت بحق ثم اختلفا في شغل الذمة؛ فإما أن يكون ثبوتها لغرض المأخوذ منه أو لغرض الآخذ. أو لغرضهما جميعا أو يقع الخلاف في ذلك.
قاعدة: قال القاضي أبو عاصم وشرحه أبو سعد الهروي في الأشراف كل عقد فيه عوض علق بصفة لا يقتضي إطلاق العقد تلك الصفة فسد بالتعليق إلا في مسألة واحدة.
قاعدة: ذكر الإمام رحمه الله -في باب معاملات العبيد- أنه لا احتكام للسادة على ذمم العبيد؛ فلا يملك السيد إلزام ذمة العبد مالا ولو أجبره على ضمان [لم يصح] 3 ولو أجبره على أن يشتري له متاعا لم يصح الشراء. وإن كان محل الديوان -التي تلزم العبد بالإذن- الكسب، وهو ملك السيد ولكن لا استقلال للاكتساب في هذا.
1 في "أ" تفقا والمثبت من "ب".
2 في "ب" حقيقة يد هذا.
3 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
الباب ما لم يتحقق تعلق الدين بأصل الذمة. ولو أقر السيد عليه بجناية قصاص، وأنكر العبد وآل الأمر إلى مال؛ فلا تعلق له في الذمة ونقل الشيخ الإمام هذا كله في شرح "المنهاج" ساكتا عليه.
قاعدة: لا يدخل عبد مسلم في ملك كافر أبدا. واستثنى الشيخ أبو حامد -"في الرونق" وتبعه تلميذه المحاملي في اللباب- ست صور ونحن بلغنا بالمستثنى نيفا وأربعين.
فمنها: الإرث.
ومنها: يسترجعه بالإفلاس.
ومنها: يرجع في هبته لولده.
ومنها: إذا رد عليه بعيب.
ومنها: إذا قال: أعتق عبدك عني فأعتقه وصححناه.
ومنها: إذا كاتب عبده الكافر فأسلم العبد ثم عجز عن النجوم فله تعجيزه. وهنا وقف الشيخ أبو حامد والمحاملي وشكك النووي في هذه، بأن المكاتب لا يزول ملكه؛ فيقال:"تجدد بالتعجيز"- وعبارة الشيخ أبي حامد "لا يجوز ترك مسلم في ملك كافر ولم يقل: لا يدخل- وبه يندفع الإيراد؛ ولكن هذا الترك ليس مطلقا فإنا نأمره بعد التعجيز بالإزالة. وأجاب الشيخ صدر الدين بن المرحل بأن لنا خلافا في إلحاق المكاتب بالحر أو بالعبد في مسائل؛ فلعل المحاملي جرى على قول من يجعله كالحر ثم لعل مسألته؛ إنما فرضها فيما لو [ملك] 1 المكاتب عبدا مسلما ثم عجز المكاتب؛ فإنه يدخل في ملك السيد ما كان للمكاتب؛ فلعل المحاملي أشار إلى أن هذا العبد يدخل في ملك السيد لحصوله تبعا كالرد بالعيب ولم يرد المكاتب نفسه.
قلت: هذه صورة أخرى ولكنها غير مراد المحاملي وشيخه أبي حامد فإن لفظهما صريح في إرادة المكاتب نفسه.
ومنها: إذا اشترى من يعتق عليه زادها النووي.
ومنها: أن يبيع عبدا مسلما ثم تقابل المشتري؛ فإنه لا يجوز -إن جعلنا الإقالة بيعا؛ فإن جعلناها فسخا وهو الصحيح فعلى الوجهين في الرد بالعيب كما قاله الرافعي.
1 في "ب" ملك.
ومنها: إذا كان بين كافر ومسلم عبد مسلم مشترك؛ فأعتق الكافر نصيبه وهو موسر سرى عليه؛ ذكره البغوي وهاتان زادهما ابن المرحل.
ومنها: عاشرة -زادها ابن أخيه الشيخ زين الدين [محمد] 1 مدرس الشامية البرانية بدمشق رحمه الله، وهي إذا جاز له نكاح الأمة وكانت لكافر فالأصح الجواز وينعقد الولد مسلما- على ملك الكافر.
ومنها: أن يرجع إليه بتلف مقابلة -قبل القبض.
ومنها: أن يبيع الكافر مسلما بثوب، ثم يجد بالثوب عيبا؛ فله رد الثوب واسترداد العبد على الصحيح.
ومنها: [إذا] 2 تبايع كافران عبدا كافرا فأسلم العبد قبل القبض - ثبت للمشتري الخيار [إن] 3 قلنا يمتنع عليه قبضه. كذا قاله الإمام وامتناع قبضه صححه الرافعي والنووي؛ فإذا فسخ فقد دخل العبد المسلم في ملك البائع الكافر.
ومنها: إذا باع الكافر عبدا مسلما لمسلم -بشرط الخيار للمشتري- فإن الصحيح أن الملك لمن له الخيار، وبالفسخ يملكه الكافر.
ومنها: أن يرده عليه -لا بالعيب، بل لفوات شرط كالكتابة ونحوها.
ومنها: إذا اشترى ثمارا بعبد كافر فأسلم ثم اختلطت، وفسخ العقد.
ومنها: إذا باع ثوبا على أنه هروي مثلا بعبد كافر؛ فلم يكن هروبا فإن له الرد على قياس ما تقدم.
ومنها: إذا باع الكافر عبده المسلم، وكان مغصوبا من قادر على انتزاعه فعجز، أو غصب قبل قبضه فللمشتري الخيار، ويفسخ البيع ويعود إلى ملك الكافر.
ومنها: إذا باع الكافر عبده [الذي أسلم عنده] 4 من مسلم رآه قبل العقد دون حالة العقد؛ فالأصح الصحة - تفريعا على قول بيع الغائب ثم إذا وجد العبد متغيرا واختار الفسخ ملكه الكافر.
ومنها: باع عبده المسلم لمسلم ثم تشاحا في التسليم ومال المشتري غائب إلى مسافة القصر، لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره والأصح أن له الفسخ. فيفسخ ويملكه.
1 سقط من "ب".
2 سقط من "ب".
3 في "ب""إذا".
4 سقط من "ب".
ومنها: إذا اشترى بعبده المسلم صبرة فظنها على السواء، ثم بان تحتها دكة ففي تبين بطلان العقد وجهان أصحهما: لا ولكن للمشتري الخيار كالعيب والتدليس.
ومنهاك إذا جعل الكافر عبده الكافر رأس مال السلم في شيء؛ فانقطع ذلك الشيء -بعد أن أسلم العبد المذكور- فإن للذي جعله رأس مال السلم فسخ العقد وإذا فسخ العقد انقلب العبد إليه ضرورة.
ومنها: إذا أقرض عبده الكافر فأسلم في يد المقترض يجوز المقرض -الكافر- أن يرجع فيه كما جوزنا له بالرجوع في الهبة.
ومنها: في القراض إذا اشترى العامل الكافر عبيدا كفارا للقراض؛ فأسلموا وفسخ عقد القراض ثم قسم هو والمالك العبيد؛ فإن قضية المذهب صحة ذلك، وإذا تميزت حصة العامل عبيدا ملكها بجريان سبب الملك، والمذهب أن العامل لا يملك حصته من الربح إلا بالقسمة.
ومنها: إذا التقط كافرا بشرطه وهو إما عدم التمييز أو في وقت النهب والغارة وأسلم ثم أثبت الكافر أنه كان ملكه؛ فإنه يرجع فيه لأن التمليك بالالتقاط كالتمليك بالقرض.
ومنها: إذا التقط عبدا صغيرا لا يميز في موضع لا مسلم فيه وعرفه وتملكه ثم بلغ وأسلم وظهر مالكه ينبغي أن يرجع فيه -كما يرجع فيما وهبه لولده.
ومنها: إذا وقف على كافر أمة فأسلمت، ثم حملت وأتت بولد، بعد الإسلام؛ فإنه يكون مسلما تبعا لأمه، ويدخل في ملكه فإن نتاج الجارية الموقوفة ملك الموقوف عليه - على الصحيح.
ومنها: إذا أوصى بمنافع الجارية الكافرة ونتاجها؛ فأسلمت ثم حملت وأتت بولد فإنه يكون ملكا له.
ومنها: إذا اشترى مسلما بشرط العتق -على وجه.
ومنها: إذا أقر بحرية عبد، ثم اشتراه لكنها داخلة في قول النووي: إذا اشترى من يعتق عليه.
ومنها: إذا أتت مكاتبة بولد من نكاح أو زنا -بعد أن أسلمت- ثم عجز السيد مكاتبة؛ فإن الجارية وولدها ينقلبان إلى ملك السيد وهذه داخلة فيما ذكره الشيخ صدر الدين في بحثه مع النووي.
ومنها: إذا نكح عبد كتابي أمة لكتابي ثم أسلم ثم وطئها فالولد مسلم مملوك لسيدها. وهي نظير الصورة التي زادها الشيخ زين الدين -ولد أخي الشيخ صدر الدين- وزين الدين هو جامع "الأشباه والنظائر" المنسوبة إلى عمه وله فيها زيادات يسيرة، مميزة عن كلام عمه بلفظ "قلت".
ومنها: إذا أسلمت مستولدة الكافرة ثم حملت وأتت بولد -من نكاح أو زنا؛ فإنه يكون مملوكا له، ويثبت للولد المذكور حكم الاستيلاد.
ومنها: إذا أسلمت جارية ثم حملت من غيره بنكاح أو زنا، ثم استولد قبل زوال ملكه عنها؛ فإنه يكون ملكه.
ومنها: إذا وطئ الأب الذمي جارية الابن المسلمة فاستولدها فإنه يقدر دخولها في ملكه قهرا.
ومنها: إذا جعل العبد صداقا لكافرة فأسلم في يدها، ثم اقتضى الحال رجوعه إلى الزوج -قبل الدخول- بإسلام وغيره من الأسباب.
ومنها: إذا تزوجها على عبد فأسلم في يدها ثم اطلع على عيب بها.
ومنها: إذا اطلعت على عيب به فلكل الفسخ، ويرجع العبد إليه.
ومنها: إذا فسخ الصداق بالتحالف بعد إسلامه.
ومنها: إذا أصدقها عبدا كافرا [وشرط وصفا] 1 من نسب أو غيره -أو شرطت- هي- فيه وصفا فخرج خلافه بعد إسلام العبد، ثم فسخ النكاح فالقياس انقلابه إلى الزوج.
ومنها: إذا طلقها قبل الدخول -بعد ما أسلم العبد في يدها؛ فإنه [يرجع] 2 نصفه إليه ويؤمر بالإزالة.
ومنها: إذا أسلمت المرأة قبل الدخول وقد أسلم العبد في يدها؛ فإنه يرجع إلى ملك الزوج، لسقوط مهرها لحصول الفرقة من جهتها.
ومنها: إذا حضر الكفار الجهاد -بإذن الإمام- وحصلت الغنيمة، وكانت نسوة فأسلمن، أو عبيدا كفارا فأسلموا بعد الغنيمة - فاختار الغانمون التملك فالمذهب أن الغنيمة - تملك بالاختيار.
وقضيته: أن للإمام أن يرضخ للكافرين -من النسوة والعبيد- وأنه إذا رضخ له
1 في "ب" وشرطت الزوجة وصفا.
2 في "ب" رجع.
جارية ملكها أو عبدا ملكه؛ فإنه جرى سبب الاستحقاق بحضور الوقعة، ويحتمل أن يقال: يعوضه ما لا يرضخ له شيئا من ذلك، وهذا هو الأظهر رأيا ونظرا.
ومنها: إذا كان بين كافرين عبيد من نوع واحد -بعضهم مسلمون، وبعضهم كفار فاقتسماها وانحصر المسلمون في حصة أحدهما، وقلنا [القسمة] 1 إفراز فقضية المذهب صحة القسمة، ومعلوم شيوع الملك قبل ذلك، وإنما بالقسمة انحصر؛ فقد دخل بعض عبد مسلم في ملك كافر، كما قلنا فيما إذا أعتق الموسر الكافر نصيبه من عبد مسلم مشترك، ولا فرق بين دخول البعض والكل.
قاعدة: كل ما صح الرهن به صح ضمانه وما لا فلا إلا2 ضمان العهدة ورد الأعيان المضمونة يصح ضمانها، لا الرهن بهما على الأصح فيهما وهنا مسائل:
منها: ضمان المجهول باطل -في الجديد- والرهن بالمجهول لا أعرفه مسطورا.
ومنها: إذا منعنا ضمان المجهول؛ فضمن الدراهم التي على فلان جاهلا بمبلغها فهل يصح في ثلاثة؟ لدخولها في اللفظ، أو يأتي في الرهن مثله تردد فيه الشيخ برهان الدين بن الفركاح.
ومنها: في ضمان إبل الدية خلاف فليكن الرهن بها مثله، وجزم الرافعي بجواز رهن العاقلة بالدية بعد تمام الحول.
ومنها: اختلفوا في ضمان الزكاة عمن هي عليه فليجر الخلاف في الرهن بها، وجزم الرافعي بجواز رهن الملاك بالزكاة بعد تمام الحول.
ومنها: اختلفوا في ضمان نجوم الكتابة ولا أعرف مسطورا في الرهن بها.
ومنها: اختلفوا في ضمان الثمن في مدة الخيار؛ فليجر هذا الخلاف في الرهن.
قاعدة: من لم يجن لا يطالب بجناية من جنى. ويستثنى ضمان العاقلة الدية، وأن الأصح في المحرر الضمان.
قاعدة: كل تصرف يقع من المشتري شراء فاسدا فهو كتصرف الغاصب والعين في يده كالمغصوب عند الغاصب إلا في مسائل:
منها: أن الغاصب إذا وطئ المغصوبة عالما وجب عليه الحد. وفي الشراء
1 في "ب" الحصة.
2 الأشباه والنظائر للسيوطي 461.
الفاسد لا يجب إذا استند الفساد إلى شرط فاسد أو كون الثمن خمرا إلا على احتمال الإمام؛ وإنما يجب إذا اشترى بميتة أو دم.
ومنها: إذا استولد الغاصب عالما بالتحريم لم ينعقد الولد حرا بخلاف المشتري شراء فاسدا.
ومنها: ثبوت كونها أم ولد في أحد القولين إذا ملكها يوما من الدهر. بخلاف الغاصب، وقد اقتصر الروياني في الفروق والجرجاني في المعاياة على استثناء هذه الصور الثلاث.
ومنها: أن الولد -في الشراء الفاسد- تجب قيمته يوم الولادة -تلف أم بقي لانعقاده حرا، وفي الغصب- إذا تلف- يضمن بالأقصى. والفرق أنه لما انعقد حرا، لم يكن متقوما بعد ذلك.
ومنها: المقبوض بعقد المعاطاة على المذهب له حكم المقبوض بعقد فاسد على الصحيح؛ فيطالب كل من المتعاطيين صاحبه. بما دفعه إن كان بقايا وبضمانه عند التلف فإن ماثل الثمن القيمة خرجه الغزالي على مسألة الظفر، وقال الشيخ أو حامد: لا مطالبة لواحد منهما وتبرأ ذمتهما بالتراضي واستشكله الرافعي بسائر العقود الفاسدة؛ فإنه لا براءة وإن وجد التراضي.
ومنها: قال الماوردي -في الصلح: لو باع عبدا بيعا فاسدا، وقال لمشتريه: أذنت لك في عتقه، فأعتقه المشتري بإذنه لم يعتق قال؛ لأنه إذنه إنما كان مضمونا بملك العوض، فلما لم يملكه بالعقد الفاسد، لم يعتق عليه بالإذن. وقاس عليه: ما إذا صالحه من ألف -قد أنكرها- على خمسمائة، وأبرأه من الباقي لزمه -في الحكم- رد الخمسمائة، ولم يبرأ منها؛ حتى لو أقام بينة الألف، كان له استيفاء جميعها. انتهى كلامه في أوائل الصلح، ونقله عنه الشيخ الإمام في باب الصلح، وقال: إنه لا شك فيه يعني -بالنسبة إلى مسألة الصلح، وسكت على مسألة البيع.
وحاصله: أن العتق لم ينفذ؛ لأن المشتري إنما يعتقه، بناء على أنه ملكه وأنه يعتقه عن نفسه والمالك؛ إنما أذن ظانا ذلك. فإن سلم هذا للماوردي فنظيره في الغصب قول المالك للغاصب أعتق هذا العبد -مشيرا إلى المغصوب- وهو يظنه غير عبده المغصوب. وقد أطلق الأصحاب -في باب الغصب- أن المالك إذا قال للغاصب أعتق عني أو مطلقا فأعتقه عتق، وبرئ الغاصب.
ومنها: المذهب أن المشتري شراء فاسدا، لا يجوز له حبس المبيع إلى استرداد الثمن؛ كذا أطلقوه، وحكوا عن الإصطخري خلافا، واقتضى كلام الرافعي -في موضعين من باب الضمان- ترجيح الحبس، وسمعت الشيخ الإمام يقول- ومسألته عن ذلك: إن فسد بشرط فله الحبس، وإن فسد بخروجه عن ملك الغير فلا؛ هذا حكم البيع الفاسد.
وقالوا: للغاصب أن يحبس المغصوب لاسترداد القيمة المأخوذة -للحيلولة- وحكاه القاضي الحسين عن النص، ورجع الرافعي التسوية بين البابين وهو اختيار الإمام فلا استثناء على هذا.
ومنها: لو باع ماشيته السائمة بيعا فاسدا فعلقها المشتري، قال في التهذيب: فهو كعلف الغاصب، وصححه الشيخ الوالد رحمه الله في شرح المنهاج؛ فعلى هذا يجري في قطعه الحول الأوجه في علف الغاصب، وأصحها أنه يقطع؛ ولكن قال ابن كج: عندي أنه يقطع يعني -ولا يجري فيه خلاف الغاصب قال: لأنه مأذون له؛ فهو كالوكيل بخلاف الغاصب.
فعلى طريقة ابن كج افترق البيع الفاسد والغصب، ولم يصحح الرافعي والنووي من الطريقتين شيئا، كأنهما اكتفيا بأن الفتيا على أنه كالغاصب؛ سواء ثبت الخلاف أم لا، والشيخ الإمام صحح طريقة التهذيب كما عرفناك.
ومنها: أن غرس الغاصب وزرعه، غير محترم مطلقا، وأما المشتري شراء فاسدا ففرق بين أن يكون عالما فيكون غير محترم أو جاهلا فلا يقلع مجانا على ما جزم به الرافعي والنووي في كتاب الرهن.
ومنها: لا يصح بيع السيد عبده المكاتب، ولا النجوم التي عليه على المذهب؛ فلو باعه أو باعها فأدى النجوم إلى المشتري بعد البيع فأصح القولين أنه لا يعتق، والقول الثاني -هو منصوص [المختصر] 1 أنه يعتق لأن السيد سلطه على القبض فأشبه الوكيل وقيل هذا: لا يجيء في المشتري من الغاصب عبدا مكاتبا أو النجوم التي عليه، بل لا يعتد بقبض المشتري جزما وهو أيضا بيع فاسد- إلا أن المشتري غاصب أيضا- لبناء يده
1 في "ب" في المختصر.
على يد الغاصب، ولهذا الخلاف أصل، وهو أن ما استتبع الصحيح هل يستتبع الفاسد.
قال ابن الرفعة في باب الوضوء من المطلب: وفيه خلاف أصله بيع السيد نجوم الكتابة -إذا قبضها المشتري- فوجه صحة العتق يضمن البيع والإذن في القبض ووجه عدمه أن تبع للبيع؛ فلما لم يصح البيع لم يتبعه الإذن. ولمثل ذلك ثار الخلاف فيما إذا باع المشتري ما اشتراه في زمن الخيار ولم يصححه منه هل يكون ذلك مبطلا لخياره كما لو صح البيع أو لا؟
قال ابن الرفعة: ومثله يجوز أن يقال: فيما إذا غلط من حدث إلى حدث فنواه؛ فإن اعتبرنا اللازم ارتفع حدثه، وإن اعتبرنا الأصل لم تصح نيته. قلت: وهي قاعدة يعبر عنها بأن "من كان مالكا لتصرف يصح منه فعله، إذا فعل فعلا يتضمن ذلك التصرف المملوك لكن بطريق فاسد، هل يصح؟ وفيه خلاف في صور:
منها: الحوالة بالثمن وعليه في مدة الخيار- والأصح يصح؛ فإن قلنا لا يصح ففي انقطاع الخيار وجهان.
ومنها: الأب إذا باع العين التي وهبها لابنه -من غير تصريح بلفظ الرجوع هل يكون رجوعا؟ وجهان.
قاعدة: تقرب من القاعدة، قبلها: ما يفيد الاستحقاق إذا وقع لا على وجه التعدي هل يفيده إذا وقع على وجه التعدي؟ وفيه خلاف في صور جمع بعضها النووي في زيادة الروضة في باب إحياء الموات، وقال: سبقت مسائل تتعلق بها في الصيد قلت: والذي جمعه في مسائل غيره ذكره في أصل الروضة -تبعا للرافعي- في باب الوليمة وفي المسائل كثرة.
[ومنها] 1: إذا دخل الماء المباح دار إنسان، لم يكن لغيره أخذه من داره؛ لامتناع دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه؛ فلو فعله؛ فهلك يملك؟ فيه وجهان أصحهما أنه يملك. وكذا لو دخل السمك مع الماء حوضه ذكره الرافعي في باب الوليمة.
1 سقط في "ب".
ومنها: لو أحيا واحد أرضا -حماها الإمام- لم يجز؛ ولكن يملكها بالإحياء على الصحيح.
ومنها: إذا تحجر مواتا؛ فجاء آخر وأخياه، ملكه على الأصح المنصوص لكونه حقق سبب الملك -وإن كان ظالما- كما لو دخل في سوم أخيه واشترى.
والثاني: لا يملك.
والثالث: إن انضم إلى التحجر إقطاع السلطان لم يملك.
والرابع: إن أخذ المتحجر في العمارة لم يملك.
ومنها: إذا عشش الطائر في ملكه، وأخذ الفرخ غيره؛ فالأصح أيضا أنه يملكه.
قال النووي: وكذا لو توحل ظبي في أرضه، وأو وقع البلح فيها ونحو ذلك.
ومنها: إذا أذن جماعة على الترتيب؛ فالأول أولى بالإقامة إذا لم يكن مؤذن راتب أو كان [السابق] 1 هو المؤذن -فإن سبق غير المؤذن الراتب فهل يستحق ولاية الإقامة فيه وجهان:
أحدهما: نعم لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: [من أذن فهو يقيم] 2 وأظهرهما: لا لأنه مسيء بالتقديم.
ومنها: لو وقع في حجره شيء من الثمار، لم يكن لغيره أخذه؛ فلو أخذه ففي ملكه وجهان قال في: أصل الروضة: وميلهم إلى منع الملك أكثر. يعني في هذه المسألة، وفي دخول السمك مع الماء حوضه، وفيما إذا عشش الطائر في ملكه فأخذ فرخه غيره، وفيما إذا وقع البلح في ملكه فأخذه غيره -قال: والأصح أن المحيي يملك والفرق أن المتحجر غير مالك؛ فليس الإحياء تصرفا في ملك غيره بخلاف هذه الصور.
قاعدة: قال الشيخ أبو الحسين الفناكي3- من قدماء أصحابنا من تلامذة الشيخ
1 سقط في "ب".
2 أخرجه أحمد في المسند 4/ 169 ضمن مسند زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه وأبو داود 1/ 514 في الصلاة/ باب الرجل يقيم والترمذي 1/ 383 في الصلاة/ باب من أذن؛ فهو يقيم حديث "199" وابن ماجة 1/ 237 في الأذان/ باب السنة في الأذان حديث 717 والبيهقي في السنن الكبرى 1/ 339.
3 أحمد بن الحسين أبو الحسين الرازي الفناكي بفاء مفتوحة ونون مشددة وكاف مكسورة ولد بالري، وتفقه على أبي حامد الإسفراييني وأبي عبد الله الحليمي وأبي طاهر الزيادي وسهل الصعلوكي ودرس ببروجرد ومات بها سنة ثمان وأربعين عن نيف وتسعين سنة.
قال ابن الصلاح رحمه الله: رأيت له كتابا سماه المناقضات مضمونه الحصر والاستثناء منه قريب من
أبي حامد في كتاب له يسمى المناقضات: من اشترى شيئا شراء صحيحا لزمه الثمن؛ إلا في مسألة واحدة وهي المضطر يشتري الطعام بثمن معلوم فإنه لا يلزم الثمن؛ وإنما تلزم قيمته، ذكره أبو علي الطبري، واحتج له بأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع المضطر"1 قلت: وهذا فيه نظر، فإن المضطر إن تمكن من أخذ الطعام قهرا والحالة هذه -فعدل إلى الشراء لزمه المسمى- ولو زاد على ثمن المثل بلا خلاف كذا صرح بنفي الخلاف فيه الرافعي.
ويتجه أن يخرج [فيه] 2 خلاف من الخاف في الإكراه على قتل أحد الرجلين.
وأيضا فقد أجرى البغوي الخلاف في وجوب المسمى، أو ثمن المثل، فيما إذا وجد ميته، وطعام الغير فاشتراه بالزيادة إمكان عدوله إلى الميتة بأن عجز -فالأقيس عند الرافعي، النووي وصححه القاضي أبو الطيب- لزوم الثمن المسمى أيضا؛ لأنه التزمه بعقد لازم، وصحح الروياني أنه لا يلزمه قال: لأنه كالمكره. قال الرافعي: وهو أقرب إلى المصلحة. وفرق الماوردي بين زيادة تشق على المضطر لإعساره فلا يلزمه، وزيادة لا تشق فلا يأتي ما قاله أبو علي إلا على ما صححه الروياني بشرط أن يقول بصحة البيع، وقد قال الرافعي أنه الذي يفهم من إيرادهم قال؛ ولكن الوجه نصب الخلاف في صحة العقد لمعنى الإكراه. وفي تعليق الشيخ أبي حامد ما يبينه وبه صرح الإمام فقال:"الشراء بالثمن الغالي هل يجعله مكرها حتى لا يصح الشراء منه، فيه وجهان أقيسهما المنع. انتهى كلام الرافعي مختصرا، وقوله: أقيسهما المنع تابع في الإمام فإنه قال هكذا. قال في النهاية ولعله في ذلك حال عند لا حاكم بأنه أقيس [وهكذا] 3 كلام الفناكي، وقوله: "إن هذا الشراء صحيح" صريح في الرد على الرافعي؛ لأنه قال بصحة الشراء -مع إلزام القيمة- وعزاه إلى أبي علي الطبري، وكلام الرافعي يقتضي أنه من يلزم القيمة يجعل المشتري مكرها والبيع فاسدا، ولو كان كذلك لقيل لأبي علي
1 تلخيض ابن القاضي في المعنى ابن قاضي شهبة 1/ 222، ابن السبكي 3/ 7، هداية العارفين 1/ 77، معجم المؤلفين 1/ 207.
1 أحمد في المسند 1/ 116، أبو داود في السنن 3/ 255 في كتاب البيوع/ باب في بيع المضطر حديث "3382".
2 سقط في "ب".
3 في "ب" وهذا.
الطبري: ما ذكرت من الاستثناء غير مستقيم؛ لأن صحة البيع مع عدم لزوم الثمن -مما لا يجتمعان، وما ذكره من الحديث -رواه أبو داود من حديث علي كرم الله وجهه، وفي سنده مقال وبتقدير ثبوته. قال الخطابي:"يحتمل أن يعني -بالمضطر- المكره"، وهذا يؤيد ما ذكره الإمام والرافعي، قال:"ويحتمل أن يعني به من باع في ضرورة من دين ركبه أو نحو ذلك -فلا يباع- من حيث المروءة؛ لكن يعان، أو يقرض ويستمهل، وفي هذه الحالة إن بيع صح، وكان مكروها" قلت: ويكون بيع المضطر، مصدرًا مضافًا إلى المفعول، أي لا يباع المضطر بل يبذل له الطعام مجانا -كما هو وجه لأصحابنا- لأن البذل واجب فلا يؤخذ عليه عوض أو يقرض ويستمهل كما قال. أو يقال: المضطر من لا يتحمل حالة التأخير إلى مماكسة البيع، لمسيس [الجوع] 1؛ فلا يجوز أن يباع -ويؤخر الطعام عنه إلى تقرير الثمن- بل يبادر إلى إطعامه [أو] 2 حاله لا تتحمل التأخير، ثم إذا أطعمه تجب القيمة، وقال القاضي أبو الطيب: لا يجب العوض هنا؛ سواء وجب العوض أم لا؛ فالقول بهذا الاحتمال فيه أخذ للحديث على ظاهره، وفي الحديث إرشاد إليه؛ فإن لفظه أن عليا رضي الله عنه قال: سيأتي على الناس زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يديه -ولم يؤمر بذلك قال الله تعالى {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر؛ هذا لفظ أبي دواد عن علي كرم الله وجهه وسياقه يشهد لتحريم أن يباع المضطر -كما أولناه- فإن ضم إليه عدم لزوم العوض -كما قال القاضي أبو الطيب- كان أوفق للظاهر وللسياق.
[قاعدة] 3: لا يتوالي ضمان عقدين في شيء واحد. وهذه القاعدة ذكرها الأصحاب -عند الكلام على بيع المبيع قبل القبض؛ فاتهم عللوا منعه من حيث المعنى بشيئين؛ هذا أحدهما ووجهوه بأن المبيع مضمون على البائع للمشتري وإذا نفذ المبيع منه، صار مضمونا عليه للمشتري. الثاني: فيكون الشيء الواحد مضمونا له وعليه في عقدين، قال إمام الحرمين في "النهاية" ولا حاجة إلى هذا -مع الخبر- يعني أن الاعتماد في منع بيع ما لم يقبض -على الأخبار لا المعنى. وقال بعد ذلك بيسير:"الغالب على هذا الأصل [التعبد] 4 وتبعه الرافعي -حيث قال: "والاعتماد على الأخبار واختاره الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب الرهن من شرح المهذب. واعترض على هذا
1 في "ب" للجوع.
2 في "ب" إذ.
3 سقط في "ب".
4 في "ب" البعيد.
المعنى بأن المعنى بكونه من ضمان البائع -أنه لو تلف انفسخ البيع وسقط الثمن- فلم لا يجوز أن يصح البيع ثم لو تلف عند البائع ينفسخ البيعان، ويسقط الثمنان، وتبين أنه هلك على ملك من هلك في يده. ورده ابن الرفعة: بأن مراد الأصحاب بتوالي الضمانين أنه لو هلك لانقلب إلى ملكه قبل التلف.
قلت: وهذا أشار إليه الإمام في النهاية قال ابن الرفعة: وحينئذ يكون قبل ملكه منقلبا إلى ملكه وملك بائعه في آن واحد؛ وذلك محال وإلى هذا الإشارة بقول الشيخ الإمام في شرح المنهاج في توضيح هذه القاعدة ما نصه: "وقد يتلف قبل القبض؛ فيقدر انقلابه من ملك المشتري الثاني، إلى [ملك] 1 المشتري الأول، ومنه إلى البائع -قبل التلف- ويستحيل ملك الشخصين في زمن واحد.
قلت: وقد يقال أن انقلابه إلى ملك البائع الأول، يسبق إلى ملك البائع الثاني؛ لأن ملك الثاني مرتب على ملك الأول؛ فلم يلزم اجتماع مالكين في آن واحد، ثم ما ذكره ابن الرفعة والشيخ الإمام -من أن منع توالي الضمانين لكونه يؤول إلى اجتماع مالكين في آن واحد، لم أر التصريح به لغيرهما والذي اقتصر عليه، أكثر من وقفت على كلامه من الأصحاب ما ذكرناه من كونه يصير مضمونا له، وعليه عبارة الإمام في "النهاية"، وذكر الفقهاء -في ضبط المذهب- أن الضمانين لا يتواليان وعنوا به أنا لو قدرنا نفوذ بيع المشتري قبل القبض -لكان مضمونا على الباشع الأول للمشتري، ثم يكون مضمونا على المشتري الأول للمشتري الثاني. انتهى.
فالذي أفهمه من توالي الضمانين، أنه لا يورد عقد ضمان، على عقد ضمان -قبل لزومه واستقراره- لما يؤدي إليه من صيرورته مطالبا ومطالبا في شيء واحد.
ثم ينشأ التردد في إجارة المبيع قبل القبض؛ فالراجح -عند الغزالي- الصحة؛ لأن مورد عقد الإجارة [عين] 2 مورد عقد البيع؛ فلا يكون مطالبا مطالبا في شيء واحد، لأنه في البيع مطالب بتسليم الرقبة وفي الإجارة بالمنفعة فلم يتحدا؛ فلم يتوالى ضمانا عقدين في شيء واحد.
وبتقدير القول: بأن المعقود عليه في الإجارة الرقبة - كما هو رأي أبي إسحاق
1 سقط في "ب".
2 في "ب" غير.
فليست الإجارة عقد ضمان، والمحدود كونه طالبا ومطالبا في عقد ضمان والراجح -عند المعظم- عدم الصحة لضعف الملك- ولأن التسليم فيها مستحق كما في البيع، ومن ثم أيضا منع ابن سريج -فيما نقله الرافعي عنه أن يؤجر المستأجرالعين المستأجرة من آجرها؛ محتجا بأن المكري مطالب بالتسليم -مدة الإجارة- فإذا اكترى ما اكترى، كان مطالبا ومطالبا في عقد واحد؛ وذلك لا يحتمل إلا في حق الأب والجد في مال الصغير، والأصح الجواز -لا لمنع هذه العلة، بل القياس على بيع المبيع من بائعه -قبل قبضه- فإنا نقدر أن المستأجر ملك كل المنفعة دفعة على الصحيح.
وصورة المسألة: الإجارة بعد تسلميه العين المأجورة، أما قبله فقال القاضي أبو الطيب في التعليقة: المذهب منعه من المكري والأجنبي، وصحح النووي صحة أجارته للمؤجر، ثم الذي نقله القاضي أبو الطيب في التعليقة عن ابن سريج أنه يجوز [اكتراؤها] 1 من المكري وغيره قبل التسليم، وقد يقال كيف يجوز ابن سريج اكتراؤها من المكري قبل قبضها2، وهو ما نقله عنه الرافعي، وقد تكلمت على هذا السؤال في كتابي المسمى "منع المشاجرة في بيع العين المستأجرة".
إذا عرفت هذا فقد قال [ابن الرفعة] 3 في مسألة الإجارة من الآجر: لو علل المنع بتوالي الضمانين لكان أقوى من كونه مطالبا ومطالبا. قال: وإنما قلت ذلك بناء على أن المتسأجر يملك كل المنفعة دفعة على الصحيح؛ فإنه إذا كان كذلك اقتضى أن العين لو تلفت لعادت إلى ملك الآجر -قبل التلف- وإذا استأجرها وتلفت، اقتضى أن تعود المنافع إلى ملك آجرها وحينئذ تصير مملوكة له، ومملوكة لمؤجره أو منتقلة وعائدة إليه وهو محال "انتهى".
وهو كلام قويم -على أصله- في تفسير توالي الضمانينن مما فسره؛ إلا أن دعواه في استحالة كونها منتقلة وعائدة إليه -ممنوعة، ثم يقال له: أين الضمان في الإجارة وكأنه لا يعني بالضمان كونها عقد ضمان؛ بل نحو ما ذكره القاضي أبو الطيب في "التعليقة" حيث قال: وقال أبو العباس بن سريج: يجوز أن يكريها من المكري وغيره لأن قبض الدار المستأجرة لا تنقل الضمان بدليل أنها إذا انهدمت في يد المكتري، كان الضمان على المكري -دونه- انتهى.
ومن فروع القاعدة -على ما فهمه ابن الرفعة والشيخ الإمام- المسألة التي
1 في "ب" اقراؤها.
2 في "ب" زيادة القاضي أبو الطيب ويمنعه بعده.
3 سقط في "ب".
[قبلها] 1 ونقلها الرافعي -في الباب الثاني من الضمان- عن الأستاذ أبي منصور، وهي: ما إذا قال [للمضمون له] 2 بعت منك هذا العبد بما ضمنته عن فلان. قال الرافعي: ففي صحة البيع وجهان -حكاهما الأستاذ أبو منصور البغدادي. انتهى.
وقد يستشكل وجه المنع؛ قال ابن الرفعة: ولعل مأخذه تناقض الأحكام؛ فإن مقتضى الصحة دخوله في ملك المشتري، الذي هو رب الدين؛ بدلا عن دينه، الذي هو في ذمة الضامن، وعند ذلك يحكم ببراءة الأصيل، وعند الحكم بها يقدر أن ما حصلت به البراءة؛ فقد دخل في ملك المضمون عنه -قبل دخوله في ملك رب الدين، وملك المضمون عند بمجرد البيع، والشيء الواحد لا يقتضي إثبات ملكين على مملوك واحد - باعتبار كله لا باعتبار بعضه. انتهى.
قلت: والصواب أن دخوله في ملك الأصيل، يسبق دخوله في ملك رب الدين؛ فلم يجتمع مالكان على شيء واحد.
ومنها: الرهن والهبة قبل القبض، رجح الشيخ الإمام صحتهما، ورجح الرافعي والنووي فسادهما ومن الأصحاب من فرق بين أن يكونا مع البائع أو غيره، ومن فرق بين ما قبل نقد الثمن وبعده، وادعى الشيخ الإمام، في باب الرهن من "شرح المهذب" أن تصحيحه لهما ناشئ عن اختياره [البعيد] 3 واعتماد الخبر دون المعنى. في بيع المبيع قبل القبض، وقد يقال: لو كان ما علل به -من اجتماع مالكين- صحيحا لما جازت الهبة، ولا امتنع الرهن؛ لأن الهبة تنقل الملك، والرهن لا ينقله ولا قائل بذلك، فإن من جوز الرهن قبل القبض جوز الهبة ومن منع منع فلا يفصل [بينهما4.
قاعدة: المثلي مضمون بمثله، والمتقوم بالقيمة5. واستثنى من المثلي مسائل:
منها: لبن المصراة. واعتذر الشيخ الإمام رحمه الله بأن إعطاء الثمن ليس من باب المعاوضات فلا استثناء.
ومنها: الماء فإنه مثلي -على جزم به الرافعي في النصب- ولا اعتبار بإيهام عبارته في باب إحياء الموات أنه متقوم. ثم إذا تلف الماء في مفازة وظفر به صاحبه في
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 في "ب" تعبد.
4 في "ب" فيهما.
5 روضة الطالبين 5/ 8، الأشباه والنظائر 200/ 180.
موضع لا قيمة للماء فيه؛ فإنه يطالبه بقيمة [الماء في] 1 المفازة؛ فإذا اجتمعا في تلك المفازة أو مثلها ففي وجوب رد المثل، واسترداد القيمة وجهان فعلى القول بعدم الوجوب يقع الاستثناء، وعلى القول بالوجوب هو ما جزم به صاحب التتمة -لا استثناء والقيمة [إنما هي] 2 للحيلولة.
ومنها: [إذا] 3 تراضيا على أخذ قيمة المثلي -مع وجوده- فوجهان أصحهما -عند الوالد رحمه الله الجواز لكنه أشار إلى أنه لا يستثنى؛ لأن يعلل الجواز بأنه اعتياض عما ثبت في الذمة من المثل.
ومنها: لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل، فالمرجح -عند النووي- وبه جزم الشيخ أبو إسحاق -العدول إلى القيمة؛ لكن رجح الوالد رحمه الله أنه لا يعدل.
ومنها: اللحم فإنه يضمن بالقيمة -كما صححه الرافعي وغيره في باب الأضحية- مع أنه مثلي.
ومنها: الفاكهة -فإنها مثلية- على ما اقتضاه تصحيح المشايخ الثلاثة: الرافعي والنووي والوالد -في باب الغصب، والأصح أنها تضمن بالقيمة.
ومنها: المقبوض بالبيع الفاسد.
أطلق أكثر الأصحاب -منهم الرافعي- أنه يضمن بالقيمة، وحكى الماوردي وجها فيما إذا كان مثليا أنه يضمن بالمثل، قال: ولكن الأصح أنه يضمن بالقيمة وإن كان مثليا؛ لأنه لم يضمنه وقت القبض بالمثل؛ بل بالعوض، بخلاف الغصب. وطرده في المقبوض بالسوم، والتحالف بعد هلاك المبيع، وكل عقد مفسوخ؛ فزعم أن المثلي يضمن -في الكل- بالقيمة. لكن ذكر الشيخ الإمام رحمه الله في "شرح المنهاج" في باب حكم المبيع قبل القبض أن الصحيح -الذي نص عليه الشافعي في مواضع [من] 4 الأم وغيرها، واقتضاه القياس -خلاف ما؛ قاله الماوردي وأجاب عما قاله الماوردي [بأن الضمان] 5 بالعوض زال بالفسخ، وصار كما لو لم يرد عليه عقد.
ومنها: المستعار -إذ قلنا بالأصح وهو أنه يضمن بقيمة يوم التلف- وكان مثليا ضمن بالقيمة، صرح به صاحب المهذب والماوردي؛ ولكنه منعه الشيخ الإمام.
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 في "ب" لو.
4 في "ب" في.
5 في "ب" في أن الضمان.
فصل:
ويستثنى من المتقوم مسائل:
منها: إذا اقترض متقوما؛ فالأصح أنه يرد مثله في الصورة، إلا في نحو الجوهر والحنطة المختلطة بالشعير -إن جوزنا قرضهما؛ فإنهما يضمنان بالقيمة صرح به الماوردي، ونقله عنه الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج" وصوبه.
ومنها: من عجل الزكاة، وثبت الاسترداد إلى آخر الحول، والمعجل تالف، ضمنه بالمثل -وإن كان متقوما- صححه الشيخ الإمام ورد جزم الرافعي بأن المتقوم يضمن بالقيمة.
ومنها: لو صار المتقوم مثليا كمن غصب رطبا -وقلنا: إنه متقوم- فصار تمرا وتلف.
وقال العراقيون: يضمن مثل التمر، وقال الغزالي: يتخير بين مثل الثمن وقيمة الرطب وقال البغوي: إن كان الرطب أكثر قيمة لزمه قيمته وإلا لزمه المثل قال الوالد رحمه الله: وهو أشبه.
قاعدة: قال ابن القاص: كل ما جاز بيعه فعلى متلفه القيمة1. واستثنى المرتد ووافقه القفال، وضم -إلى المرتد- المتسحق قتله في المحاربة. قلت: والذي أفهمه من لفظ القيمة -هنا- الضمان، والمعنى أن متلف ما يجوز بيعه يضمنه بقيمته إن كان متقوما وبمثله إن كان مثليا -لا خصوص القيمة المقابلة للمثل- والإلزام أن يضمن متلف المثل المتقوم، ولا يقول بهذا أحد، وسنحكي عن ابن الرفعة ما يقتضي أنه قد فهم خلاف هذا.
فصل:
وما لا يجوز بيعه فلا قيمة على متلفه.
قاله ابن القاص، والقفال أيضا وعزاه ابن الرفعة في البيع من المطلب إلى الجمهور ولمعترض أن يورد على القفال حبة الحنطة؛ فإنه أوجب على متلفها مثلها -مع أن بيعها لا يجوز وهذا الاعتراض جار على ما فهمناه من أن المعنى بالقيمة هنا عوض المتلف، قيمة إن كان متقوما، ومثلا إن كان مثليا. ومنع ابن الرفعة وورد هذا على
1 المنثور 3/ 107.
القفال- زاعما أنه وافق على عدم إيجاب القيمة لعدم إمكانها بخلاف المثل.
يعني فاستمر قوله: لا قيمة على متلفه؛ لأن الواجب -هنا- المثل لا القيمة إذ لا قيمة. وهذا يقتضي أنه فهم أن المعنى بالقيمة مقابل المثل، وقد قلنا: أنه لا يستمر ويلزم عليه أن يضمن -ما يجوز بيعه من المتلفات
…
بالقيمة ولا قائل به والذي أعتقده أن المراد بالقيمة هنا العوض، وحبه الحنطة لا تضمن -عند الجمهور- لأنها لاتباع فلا عوض لها، وهي جارية على القاعدة وخلاف القفال -فيها- لا يرد على ابن القاص. واتباع القفال له "شرح التلخيص" لكونه يجري معه على كلام الأصحاب، وليس له أن ينقض عليه اجتهاده في نفسه.
قاعدة: الرهن أمانة في يد المرتهن [غير مضمون]1.
قال الشيخ أبو حامد: والمحاملي: إلا في ثمان مسائل: قلت: وهي أكثر.
فمنها: إذا رهن المغصوب من الغاصب الأصح أن حكم الضمان باق.
ومنها: المرهون إذا تحول غصبا.
ومنها: المقبوض على السوم إذا تحول رهنا.
ومنها: المقبوض بالبيع الفاسد [إذا تحول رهنا]2.
ومنها: المبيع المقابل فيه، إذا رهنه منه قبل القبض.
ومنها: إذا خالعها على شيء ثم رهنه منها قبل القبض.
قاعدة: كل مرهون لا يسقط الدين بتلفه.
قال الإمام في "النهاية" إلا في مسألة واحدة -على وجه- وهي:
ما إذا شرط كون المبيع نفسه رهنا بالثمن، وقلنا: يصح الشرط، فإن المبيع على هذا يكون مرهونا عند البائع، مضمونا عليه بحكم العقد؛ فإن ضمان العقد لا يزول إلا بالقبض.
قال الإمام: ولا يتصور -على مذهبنا- مرهون يسقط الدين بتلفه إلا هذا ولكن لا يسقط بسبب تلف الرهن -من حيث كان رهنا- بل بتلف المبيع من حيث كان مضمونا على البائع. انتهى.
وتبعه الغزالي في البسيط.
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
قاعدة: فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه1. قال القاضي الحسين: إلا ما شذ عن ذلك وهو عقد الشركة إذا كانت صحيحة؛ فعمل كل واحد منهما في مال صاحبه. لا يكون عمله مضمونا وإذا كانت فاسدة يكون مضمونا وعكس هذا المسابقة على الخيل أو الرمي صحيحها يكون مضمونا بخلاف فاسدها.
قال ابن الرفعة: والمقبوض في الهبة الفاسدة مضمون -على وجه- بخلاف الصحيحة.
قلت: ومسائل أخرى:
منها: صحيح الوديعة لا ضمان فيه على المودع، ولو أخذها من صبي أو مجنون ضمن.
ومنها: إذا قال: قارضتك على أن جميع الربح لي -وقلنا: هو قراض فاسد، لا يستحق شيئا على الأصح -وإن ربح- وفي القراض الصحيح يستحق المسمى فصحيحها مضمون بخلاف فاسدها في هذه الصورة.
ومنها: لو عرض العين المستأجرة على المستأجر، فامتنع من [تسلمها] 2 إلى أن انقضت المدة، استقرت الأجرة، ولو كانت الإجارة فاسد لم تستقر صرح به صاحب التهذيب.
ومنها: إذا نكح امرأة نكاحا صحيحا، وماتت من الولادة، لم يضمنها -بلا خلاف- ولعله إجماع- ولو كان النكاح فاسدا؛ ففي ضمانها قولان في البحر.
فائدة: ليس مرادنا -من قولنا: الفاسد كالصحيح في الضمان أنه يجب فيه المسمى كما في الصحيح؛ بل أنه مثله في أصل الضمان؛ فيجب -في الإجارة الفاسدة- أجرة المثل ونحو ذلك، لا خصوص المسمى.
فلا يجب المسمى في شيء من العقود الفاسدة إلا في مسألة واحدة وهي ما إذا بذل الكافر مالا على الدخول في حرم مكة فإن الإمام لا يجيبه فإن فعل فالصلح فاسد؛ فإن فعل أخرج وثبت العوض المسمى بخلاف الإجارة الفاسدة فإنه إنما ثبتت فيها أجرة المثل، فإنه هنا استوفى في العوض، وليس لمثله أجره وإن دخل -ولم ينته إلى الموضع المشروط- وجبت الحصة من المسمى.
1 الأشباه والنظائر 283، نختصر قواعد العلائي 1/ 315.
2 في "ب" تسليمها.
قاعدة: المفلس لا يلزم بتحصيل ما ليس بحاصل، ولا يمكن من تفويت ما هو حاصل ويستثنى من الأول: ما إذا لزمه دين -وهو عاصي بسببه- فإنه يلزمه الاكتساب لوفائه، على ما ذكره أبو عبد الله العزاوي.
قاعدة: قال ابن الصباغ في الشامل في باب التفليس بعدما ذكر أن المفلس إذا باع نخلا وأطلعت وأفلس المشتري قبل تأبير النخل؛ فرجع البائع في الأصول هل يتبعها الطلع فيه قولان: أحدهما يتبع كما يتبع في المبيع والثاني: لا والفرق أن البيع يصدر بالاختيار؛ بخلاف فسخ البيع ما نصه قال أصحابنا كل موضع أزال ملكه باختياره على سبيل العوض تبع الطلع، وكل موضع أزال ملكه بغير اختياره؛ فهل يتبع فيه قولان كالرد بالعيب وقد ذكر الرافعي والمتأخرون معنى هذا أيضا.
فائدة: كل دين مستقر ثابت في الذمة تجوز الحوالة عليه إلا الإبل الثابتة في الذمة بالجناية. وكل دين غير مستقر لا تجوز الحوالة عليه إلا الثمن في مدة الخيار.
قاعدة: أصح القولين أن حجر المفلس حجر مرض لا سفه ولا رهن، والقول بأنه حجر رهن: استنبطه الوالد رحمه الله وخرجه وليس منصوصًا ولا نعني -بقولنا: إنه حجر مرض ثبوت أحكام حجر المرض كلها، وكذلك في كل ما يغلب فيه أحد الجانبين على الآخر كقولنا: الظهار طلاق أو يمين واليمين المردودة إقرار أو بينة وأشباه ذلك.
ولو صح لك هذا -هنا- أن المريض يسوغ له الإقدام على التصرف ويحكم بصحة تصرفه ظاهرا ولا خلاف أن المفلس ممنوع من التصرف، وإن قيل بتنفيذه فيما بعد. فإن قلت: فإذا كان كذلك، فلا فائدة في هذه القاعدة وأمثالها؛ إذ لا فائدة غير إجراء الأحكام على قضية قاعدتها.
قلت: قال الشيخ الإمام -فيما عمله من تكملة شرح المهذب: بل فائدته معرفة حقيقة ذلك الشيء، وسره والمقصود به. قال: والفقيه يعلم أن الشيئين المتساويين -في الحقيقة وأصل المعنى- قد تعرض لكل منهما عوارض تفارقه عن صاحبه، وإن لم تغير حقيقته الأصلية؛ فالفقيه الحاذق يحتاج إلى [تيقن] 1 القاعدة الكلية في كل باب، ثم ينظر نظرًا خاصًا في كل مسألة ولا يقطع شوقه عن تلك القاعدة حتى يعلم "هل تلك المسألة يجب سحب القاعدة عليها أو تمتاز بما [ثبت] 2 له تخصيص حكم - في زيادة
1 في "ب" أن ينص.
2 في "ب" يثبت.
أو نقص -وفي هذا تتفاوت رتب الفقهاء؛ فكم من واحد متمسك بالقواعد -قليل الممارسة للفروع ومآخذها يزل في أدنى المسائل، وكم [من] 1 آخر مستكثر في الفروع ومداركها قد أفرغ جمام ذهنه فيها -غفل عن قاعدة كلية، فتخبطت عليه تلك المدارك وصار حيران، ومن وفقه الله بمزيد [من2] العناية- جمع له بين الأمرين؛ فيرى الأمر -رأي العين- انتهى كلامه ذكره في باب التفليس.
قاعدة: [كل] 3 ما لو صرح به أبطل فإذا أضمره كره. ومن ثم يكره تزويج امرأة بقصد الطلاق -عند الإحلال لزوج آخر وهل قصد إقراض -المشهور أنه يرد بأكثر مما اقترض فيه وجهان.
تنبيه: ذكر الشيخ الإمام الوالد رحمه الله هذه القاعدة في شرح المنهاج في مسألة التحليل، وقال: ينبغي أن لا تؤخذ على إطلاقها؛ فإن مثل بيع الجمع بالدراهم وشراء الخبيث بها لا يكره".
قال: وقد يقال: إذا احتج الأصحاب بأن الله تجاوز عن حديث النفس4 لعدم البطلان؛ فينبغي أن لا تثبت الكراهة أيضا؛ لكنا نقول: هذه الحديث -وإن احتج به الأصحاب ففيه ما لم يتكلم أو يعمل فإن كان المقصود- ما لم يتكلم بالذي حدثت به نفسها أو يعمل به- فيصح الاحتجاج به.
وإن أخذ مطلقا؛ فقد يقال: إن هذا حديث نفس -قارنه عمل- كما إذا التقى المسلمان بسيفهما أثم القاتل لصدور حرصه على القتل، وإن لم يحصل ما حرص عليه؛ ولكن قارن حرصه عمل وهو وسيلة إليه، وهنا قارن حديث النفس عمل؛ لكنه ليس وسيلة إلى الحرام بل إلى الخلاص عنه فلم يحرم وأما الكراهة: فإن قصد بتلك الحيلة معنى المفسدة المنهي عنها شرعا فتقوى الكراهة؛ وإلا فلا، ومسألة الخبيث من القسم الثاني. هذا كلام الوالد رحمه الله.
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
4 يشير إلى ما أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تتكلم.
البخاري 5/ 160 في العتق/ باب الخطأ والنسيان "2528".
قاعدة: كل خيار يرجع إلى الحظ والمصلحة، يجوز التوكيل فيه، وكل خيار يرجع إلى الإرادة والشهوة لا يوكل فيه وفيما تردد بينهما تردد فمن الأول: خيار الشرط والعيب والخلف، ومن الثاني: خيار من أسلم على أختين أو أكثر من أربع، ومن الثالث: خيار الرؤية- على القول بتجويز بيع الغائب.
قاعدة: كل متصرف عن الغير فعليه أن يتصرف بالمصلحة، وفي وجه -حكاه الإمام، والغزالي، والروياني- أن الواجب عدم المفسدة؛ فإذا استوت المصلحة والمفسدة لم يتصرف على الأول، ويتصرف على الثاني وفيها مسائل:
منها: إذا استوى في نظره المصلحة والمفسدة في أخذ الشقص المشفوع وتركه لليتيم؛ ففي أخذه الوجوب وهو أغربها - والجواز، والتحريم.
ومنها: وهي مما يرد نقضا -إذا شرط في البيع الخيار لأجنبي لم يلزم الأجنبي رعاية الحظ، قال الرافعي: هكذا ذكروه، ولناظر أن يجعل شرط الخيار إنما ما إذا جعلناه نائبا عن العاقد.
ومنها: إذا جن المكاتب -وله مال- قال الأصحاب: يؤدي الحاكم عنه بالنجوم وقيده الغزالي بما إذا كانت الحرية مصلحته؛ بخلاف ما إذا كان يضيع بالعتق وحاول الرافعي وابن الرفعة تبقية كلام الأصحاب على إطلاقه، وإبقاؤه على إطلاقه تكون صور كون العتق مفسدة واردة نقضًا على القاعدة.
والرافعي قال: إن القيد قليل الفائدة -مع قولنا: إن السيد إذا وجد له ما لا يستقل بأخذه؛ إلا أن يقال: إن للحاكم منعه من الأخذ- والحالة هذه وقال ابن الرفعة: لو قيل: للحاكم منعه لكان قليل الفائدة أيضا لأن السيد حينئذ يتمكن من الفسخ. فيسترجع المال والعبد، ويتمكن من عتقه يعني عتقا يصادفه لا مال معه؛ وإلا فهو يتمكن من العتق دائما فيقع منه فررنا قال: فيصح إذا ما قاله الأصحاب، قلت: ولمانع أن يمنع جواز عتقه -والحالة هذه- ويقول: إذا منعه الحاكم من الأخذ لم يقدر على غير الفسخ الموجب لبقاء العبودية التي هي الآن مصلحة أما العتق- حيث لا ضرر- فلا، ولكن هذا لا نجد في كلام أكثر الأئمة مساعدا عليه غير ما في حفظي عن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام:[إن] 1 من أعتق العبد -في زمن الغلاء المفرط- إذا أدى إلى ضيعته- لا
1 في "ب" من أن أعتق.
يجوز ولا أعرف للشيخ عز الدين سلفا في ذلك؛ إلا أن يكون هذا القيد الذي ذكره الغزالي هنا.
ومنها: إذا اتفق في ماله فرضان في نصاب -كالمائتين- فيها أربع حقائق وخمس بنات لبون، وهما موجودان عند المالك؛ فالمذهب وجوب الأغبط المساكين، وقال ابن سريج: لا يجب، بل يستحب قال:"إلا أن يكون ولي يتيم فيراعي حظه".
قلت: فعلى هذا يأخذ المتصرف للمساكين غير الأغبط -وهو خلاف مصلحتهم- لمعارضة مصلحة يتيم معين؛ فكان وجوب التصرف بالمصلحة مقيدًا بعدم المعارض.
قاعدة: ما لا يستحق بالشيء، لا يستحق به ذلك الشيء؛ ذكرها القاضي الحسين، والرافعي، وغيرهما في باب الشفعة، ومن ثم لو كان بعض الدار وقفًا؛ فباع صاحب الطلق منها نصيبه، لم يكن للموقف عليه الشفعة على الأصح، وإن قلنا: إن الموقوف عليه يملك الموقوف، وأنه يقبل القسمة.
ومن أصحابنا من علل المنع بأن الموقوف عليه لا يملك، وأن الوقف لا يفرز بالقسمة عن الطلق؛ ولكن قضية إيراد الرافعي ترجيح العلة التي جعلناها قاعدة.
ولما ذكر القاضي القاعدة، خرج عليها فرعا -في جارية نصفها قن، ونصفها أم ولد- نقله عنه الشيخ الإمام في شرح المنهاج وتكلم عليه.
ومن فروع القاعدة -أيضا دار ثلثها ملك لزيد وثلثها ملك لعمرو، وثلثها وقف على خالد، فباع أحد المالكين نصيبه. هل تثبت للآخر الشفعة، قال الوالد رحمه الله: ينبغي أن يقال إن جوزنا قسمة الوقف عن المالك وهو اختيار النووي -ثبت لانتفاء العلة التي ذكرها القاضي؛ ولأنه ملك وإن لم تجوزه -وهو المشهور- فلا شفعة لعدم توقع الضرر بالمقاسمة.
قلت: وإن أثبتنا الشفعة فيحتمل أن تثبت له الشفعة في الثلث كله، ويحتمل أن تثبت في السدس.
وقد نازع ابن الصباغ في صحة العلة ونقضها ابن الرفعة؛ فصاحب الجزء الكبير يأخذ بالشفعة -دون صاحب الجزء الصغير- بالعكس.
قاعدة: قال الشيخ أبو محمد -فيما نقله عنه ولده الإمام في النهاية: "كل ما لا
يؤخذ في مقابلة الدين إلا [معارضة] 1؛ فلا تجوز الحوالة عليه وكل ما يؤخذ استيفاء -من غير احتياج إلى الرضى- تجوز الحوالة عليه [إن] 2 كان دينا، وكل ما يجوز استيفاؤه؛ ولكن يشترط فيه الرضى ففي جواز الإحالة غير خلاف والظاهر المنع.
وقال العراقيون: كل ما هو ذوات الأمثال [يجوز إحالة الدين فيه على مثله، وما ليس من ذوات الأمثال] 3- إذا فرض دينا مع اتحاد الجنس والنوع فهل تصح الإحالة عليه؟ فيه وجهان.
قاعدة: كل ما لو قارن لمنع فإذا طرأ فعلى قولين، كما لو أسلم فيما يعم، فانقطع في محله ففي الانفساخ قولان، وكالفسق فإنه يمنع ولاية الإمامة ابتداء، وإذا طرأ. لم يعزل على الصحيح وتستثنى مسائل:
منها: الرضاع: لو قارن ابتداء النكاح لمنعه، ولو [طرأ] 4 لقطعه أيضًا ولا خلاف فيه.
ومنها: العدة، لو قارنت ابتداء النكاح لمنعته، ولو طرأت في أثنائه في وطء الشبهة لم تقطعه، ولا خلاف فيه.
فصل:
هذه القاعدة ينقضها شيء، يعده العادون في القواعد، ويندرج فيها شيء يعده آخرون في القواعد.
أما الذي ينقضها فقولهم: كل تصرف يمنع ابتداء الرهن، يفسخه إذا طرأ عليه قبل القبض -ولم يحكوا- في ذلك قولان؛ فلم يطرد دعوى القولين، قال الوالد [رحمه الله] 5 في "شرح المهذب" وهذا مطرد -لا ينقضه شيء- ولا يرد أن الأصح عدم الانفساخ بتخمير العصير، وجناية العبد، وإباقة، وكذا بموت العاقد عند الرافعي والنووي خلافا للشيخ الإمام. قال الشيخ الإمام: وإنما لم ينقض الرهن لأن كلامنا في التصرفات، لا في كل ما يمنع الرهن.
قال: وأما عكس هذا الضابط فيستثنى منه الرهن من غير قبض- على المنصوص
1 في "ب" بمعاوضة.
2 في "ب" إذا.
3 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
4 في "ب" لو طرأت.
5 ساقط في "ب".
وأمور أخر على وجه. وأما الذي يندرج في القاعد؛ فإنه قد يغتفر في الدوام، ما لا يغتفر في الابتداء ومسائلها كثيرة وهي من أصلها خارجة عن القواعد، وانظر كيف أتينا بلفظ "قد" التي لا تستعمل غالبا إلا للتقليل وفهمه ابن مالك1 من قول سيبويه2، وتكون قد بمنزلة ربما قال الهذلي، وقد أترك القرن مصفرا أنامله: كأن أثوابه محت بفرصاد كأنه قال: ربما هذا نص سيبويه.
قال ابن مالك: فإطلاقه أنها بمنزلة ربما موجب للتسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المعنى. انتهى وهو الصحيح عندي.
واعترض شيخنا أبي حيان3 رضي الله عنه بأن سيبويه لم يبين الجهة التي فيها "قد" بمنزلة "ربما"؛ فلا يدل ذلك على التسوية في الأحكام -فيه نظر؛ فإن ظاهرة كون الشيء بمنزلة الشيء، والمساواة في الأحكام كلها إلا ما تعين خروجه.
ثم اعترض شيخنا ثانيا بأنه قد يستدل بكلام سيبويه على نقيض التقليل، وهو التكثير؛ لأن الإنسان لا يفخر بشيء يقع منه على سبيل التقليل والندرة؛ وإنما يفخر بما
1 محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك العلامة الأوحد جمال الدين أبو عبد الله الطائي الحياني نزيل دمشق ولد سنة ستمائة أو سنة إحدى وستمائة، قال الذهبي: وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاء قصب السبق وأربى على المتقدمين، وكان إماما في القراءات وعللها وصنف فيها، وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها واطلع على حواشيها، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرًا لا يجاري وحبرًا لا يباري توفي رحمه الله في شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة، ودفن بالصالحية بتربة ابن الصائغ.
- ابن قاضي شهبة 2/ 149، فوات الأعيان 2/ 227، النجوم الزاهرة 7/ 243، شذرات الذهب 5/ 339، الوافي بالوفيات 3/ 359.
2 وهو عمر بن عثمان بن قنبر وسيبويه كلمة فارسية معناها رائحة التفاح ولد سنة 148هـ في إحدى قرى شيراز، ثم انتقل إلى البصرة وأخذ عن الخليل ويونس وأبي الحطاب الأخفش؛ فكان إمام البصريين وله مناظرات مع الكسائي ومن مصنفاته كتابه الشهير المسمى بسيبويه في النحو لم يضع قبله ولا بعد مثله. بغية الوعاة 2/ 229، وفيات الأعيان 3/ 462.
3 محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الإمام أثير الدين أبو حيان الأندلسي الغرناطي النفري نسبة إلى نفرة قبيلة من البربر نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقرئه ومؤرخه وأدبيه كذا وصفه السيوطي في البغية.
ولد بمطخشارش مدينة بغرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة، وله من التصانيف البحر المحيط؛ غير ذلك بغية الوعاة 1/ 280 "516"، شذرات الذهب 10/ 111، حسن المحاضرة 1/ 534، الدرر الكامنة 5/ 70. ابن السبكي 6/ 31.
يقع منه على سبيل الكثرة؛ فتكون "قد" هنا بمنزلة "ربما" في الكثرة انتهى؛ ففهم أن "قد" -في البيت- للتكثير، وهذا ما فهمة الزمخشري1 من البيت، وتابعهما الشيخ جمال الدين عبد الله بن هشام2، وزاد فقال في كتابه -المغني- ما نصه: "الرابع -يعني من معاني التكثير- قال سيبويه في قول الهذلي: قد أترك القرن مصفرا أنامله
…
وقاله الزمخشري في {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} .
قال: أي ربما نراه، ومعناه تكثير الرؤية ثم استشهد بالبيت "انتهى".
قلت: وهذا لم يقله سيبويه؛ وإنما فهمه عنه أبو حيان وليس جازما به -كما رأيت- كلامه؛ بل قاله معارضة لفهم ابن مالك، وهو معارض بفهم ابن مالك وغاية الأمر أن فهم أبي حيان، طابق فهم الزمخشري من البيت وهذا لا يكفي في تسويغ النقل عن سيبويه -أنه قال: إن "قد" في البيت للتكثير- مع كون كلامه محتملا، وفهم منه آخر المجتهدين في النحو وهو ابن مالك- التقليل.
ثم أقول: الحق ما فهمه ابن مالك؛ فإن الفخر يقع بترك الإنسان قرنه كأنه أنامله محت بفرصاد - ولو في وقت واحد.
وقول شيخنا الإنسان لا يفخر إلا بما يصدر منه إلا على سبيل الكثرة -جوابه: أن ذلك فيما يمكن جريانه قليلا وكثيرا؛ فلا يفخر بقليله بل بكثيرة. وأما ما لا يتفق إلا نادرا ذلك فيما يمكن جريانه قليلا وكثيرا؛ فلا يفخر بقليله بل بكثيره. وما ما لا يتقن إلا نادرا فإنه يقع الافتخار منه بالقليل؛ لاستحالة الكثرة وترك الإنسان قرنه -بهذه الصفة- لا
1 محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري أبو القاسم جار الله كان واسع العلم كثير الفضل غاية الذكاء وجودة القريحة متفننا في كل علم معتزليا قريا في مذهبه مجاهرا به ولد في رجب سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وله من التصانيف الكشاف في التفسير والفائق في غريب الحديث وغير ذلك. بغية الوعاة 2/ 279-280، إنباه الرواة 3/ 265، البداية والنهاية 12/ 219، الجواهر المضيئة 2/ 160، لسان الميزان 6/ 4، النجوم الزاهرة 5/ 274، وفيات الأعيان 4/ 254.
2 عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن يوسف أبو محمد جمال الدين بن هشام من أئمة العربية ولد سنة ثمان وسبعمائة، قال ابن خلدون: ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له: ابن هشام أنحى من سيبويه ومن تصانيفه المغني وعمدة الطالب، رفع الخصاصة عن قراءة الخلاصة وغير ذلك.
توفي في ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة.
شذرات الذهب 6/ 190، الأعلام للزركلي 4/ 147، الدرر الكامنة 2/ 308، مفتاح السعادة 1/ 159، النجوم الزاهرة 10/ 336.
يستحيل كونه كثيرا؛ وإنما يتفق نادرا فلذلك يفتخر به لأن القرن هو المقاوم للشخص؛ فلو فرض مغلوبا -معه- في الغالب، لم يكن قرنا له؛ [فلا] 1 المرء قرنا إلا عند المقاومة غالبا ثم يفتخر بأنه غلب قرنه.
فتقول: لما كان قوله: القرن يقتضي أنه لا يغلب قرينة؛ لأن هذا شأن القرينين غالبا. موهما التعارض ثم قضى بأنه قد يغلبه -حملنا ذلك على الندرة، صونا للكلام عن التدافع والتناقض.
وقلنا: المراد تركه تركا لا يخرجه عن كونه قرنا -وذلك هو الترك النادر لئلا يكذب آخر الكلام أوله.
ونحو هذا: قول بعض النحاة -في الرد على من ادعى أن "قد" ترد للتقليل مستشهدا بقولهم: "قد يصدق الكذوب، وقد يجود البخيل" إنما "قد" هنا - للتحقيق، لا للتقليل، والتقليل لم يستفد -في المثالين- من "قد" بل من قولك: الكذوب يصدق، والبخيل يجود؛ فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك -منهما- قليل، كان فاسدا، إذ آخر الكلام يناقض أوله؛ فنقول -كذلك- في قوله "قد أترك القرن
…
"؛ إنما المراد التقليل لأنه إن لم يحمل على التقليل [كذب آخر الكلام أوله] 2 وهو إثبات أنه قرن -وعند ذلك أقول: قد أطلت الكلام في "قد" وغرضي حاصل بدونها؛ فإن لفظ "الاغتفار" - في قولهم: "يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" مبني [على] 3 أن أصل المؤاخذة به، لولا ورود المغفرة عليه؛ فمن أدخل في القواعد -قولهم: "قد يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء" وقولهم: "قد يغتفر الشيء تابعا، ولا يغتفر أصل"؛ فليس على بصيرة من فهمه، وهو كمن يدخل المعفو عنه -في باب النجاسة- في أقسام الطهارات.
والتحقيق: أن وجود الشيء في الدوام بمنزلة وجوده في الاتبداء؛ إلا ما استثنى والمستثنى لا يكون هو القاعدة. وهنا قسمان: أحدهما: أن يستوي وجود الشيء ابتداء ودواما، وهو الأصل وذلك على ضربين: أحدهما: أن يكون ذلك جزما، نحو قطع نجاسة الماء القليل بطريان الكثرة عليه وقطع النكاح بطريان الرضاع المحرم، وكذا وطء أبيه، أو ابنه زوجته بشبهة، وبوطئه هو أمها أو ابنتها بشبهة، وطريان ملك الزوج للزوجة أو بعضها. وبالعكس وهو كثيرا جدا. والثاني: أن يكون كذلك ولكن على الأصح من
1 في "ب" فلا يكون.
2 ف "ب" أول الكلام.
3 في "ب" غير.
الخلاف مثل طريان الكثرة على الماء القليل المستعمل، وطريان الشفاء على المستحاضة في أثناء الصلاة، وطريان الردة -والعياذ بالله تعالى- على المحرم فيبطل نسكه، وطريان قصد المعصية على سفر الطاعة حتى لا يترخص، وعكسه حتى يترخص، وطريان نقصان عدد الجمعة في أثنائها -كما لو انفضوا- فتبطل الصلاة، وإذا طولب المولى بالفيئة أو الطلاق؛ فوطئ ولم ينزع، كما غيب، بل مكث؛ فالصحيح لاحد لأن الابتداء كان مباحًا وهو أيضًا كثير.
القسم الثاني: أن لا ينزل منزلة الابتداء: وهذا هو الخارج، وهو أيضا على ضربين أحدهما: أن يكون ذلك جزما -وهو قليل- مثل طريان الإحرام والردة وعدة الشبهة على النكاح، وطريان الإسلام على السبي فإنه لا يزيل الملك وطريان اليسار، ونكاح الحرة، والأمن من العنت على حر نكح أمة بالشروط؛ خلافا للمزني في اليسار، ونكاح الحرة، وطريان إباق العبد؛ فإنه لا يفسخ البيع؛ مع كون الإباق يمنع صحة البيع ابتداء، ولو ابتلت الحنطة المرهونة وتعرضت للفساد لم ينفسخ عقد الرهن. وإن قلنا: رهن ما يتسارع إليه الفساد باطل، ولو رأى المتيمم الماء في أثناء الصلاة أتمها، إن كانت مما يسقط فرضها بالتيمم، وهو مانع في ابتداء الصلاة ولو أسلم عبدا لكافر لم ينفسخ عقد البيع، بخلاف ما لو كان مسلما ابتداء.
وثانيهما: أن يكون فيه خلاف، والأصح أنه لا يترك، وهو أكثر من القسم قبله مثل: القدرة على الماء في أثناء الصلاة، ونية التجارة بعد الشراء، وطريان ملك الابن على زوجة الأب؛ فإنه لا يفسخ به النكاح وإن كان ملك الابن مانعا من عقد الأب، ومثله إذا تزوج العبد بجارية ولده ثم أعتق، وإذا بنى جدارًا ملاصقًا للشارع -مائلًا؛ فسقط ضمن ما يتولد من سقوطه، وإن مال -بعد أن بناه مستويًا وقبل التمكن من الهدم أو الإصلاح- فالأصح لا يضمن، ولو سفه في الدين -دون المال لم يحجر عليه في الأصح، وإن قلنا: لو قارن ذلك البلوغ اقتضى دوام الحجر، ولو جرت قسمة ثم استحق جزء شائع لم يبطل في غيره على الأصح، لو أراد بعض الشركاء -في الابتداء- أن ينفرد بالقسمة لم يمكن.
إذا عرفت هذا: فكل من عد الاعتقاد في الدوام أصلا من أصول القواعد فقد أساء الفهم عن الأئمة وأسوأ منه فهما وأسفه رأيًا، ونظرًا من يعد في القواعد المسائل القليلة التي وقع فيها عكس هذه المسائل، وهو ما دعت إليه الضرورة من اغتفار الشيء في
الابتداء دون الدوام؛ فإن ذلك مستثنى من القاعدة المشهورة التي أشار إليها الإمام في باب التفليس. وهي أن "ما منع الدوام منع الابتداء". وقد ذكرها الشيخ الإمام رحمه الله في باب التفليس من "شرح المهذب"؛ [فقال] 1: لم أر أحد من الفقهاء استثنى من هذه القاعدة شيئا إلا ابن الرفعة؛ فإني سمعته يقول إلا لقرابة تمنع دوام الملك دون ابتدائه.
قال الشيخ الإمام: وهي مسألة مليحة تستفاد في نقض القاعدة على المذهب قال: وألحقت أنا بها الجنون، يمنع دوام أجل الدين على قول ولا يمنع ابتداءه. على ما قاله الإمام، ومثله يأتي في باب الفلس2 والتحقيق عدم الاستثناء، أما الجنون والفلس، فالقاطع طريانهما. وأما القرابة فليست مانعة من الملك بل موجبة للعتق بدليل قوله صلى الله عليه وسلم $"فيشتريه فيعتقه" فملك القريب كإعتاقه قاطع لا مانع. انتهى كلام الوالد.
وقد ذكرت -أنا- في كتاب "التوشيح" مسائل غير هاتين، وأنا أسردها ثم أعقبها بذكر مسائل -توهم بعض الطلبة أنها من ذلك- وليس كما توهم.
فمنها: هاتان الصورتان.
ومنها: إذا زوج عبد بأمته لم يجب مهر، وقيل: يجب ثم يسقط؛ فعلى هذا يفتقر في الابتداء ما لا يفتقر في الدوام.
ومنها: لو وجب القصاص على رجل، فورث القصاص ولده، قيل: يجب ثم يسقط وقيل: لا.
ومنها: لو أحرم زال ملكه عن الصيد على الأصح ولو اشترى المحرم صح في وجه.
ومنها: لو تكفل ببدن ميت، صح، أو حي فمات انقطعت الكفالة في وجه.
ومنها: على وجه -لو أحرم مجامعا، انعقد إحرامه صحيحًا، ثم إن نزع -في الحال- صح؛ وإلا فسد، ولو صدر الجماع في أثناء الإحرام أفسد النسك.
ومنها: إذا أذن لجارية ثم استولدها؛ ففي بطلان الإذن اختلاف بين أصحابنا.
قال الرافعي: واتفقوا على أنه يجوز أن يأذن -ابتداء- للمستولدة فهذا ما أحفظه وأما ما أظن أنه منها، وليس منها فصور.
1 سقط في "ب".
2 في "ب" المفلس.
ومنها: كان شيخنا الحافظ تقي الدين أبو الفتح السبكي يعد منها ما لو تناديا بالبيع متباعدين فإنه يصح.
قال إمام الحرمين: ويحتمل أن لا يثبت لهما خيار المجلس؛ لأن طريان التفرق قاطع للخيار، فالمقارن يمنع ثبوته قال: ويحتمل أن يقال: يثبت ما داما في موضعهما.
قال ابن العم رحمه الله: فعلى هذا اغتفر في الابتداء ما لو وقع في الدوام لم يغتفر.
قلت: الاحتمال الثاني هو الحق، وفيما ذكره أبو الفتح نظر، فإن هذا ليس بتفريق بل هو مجلسهما، والتفرق عندنا الانفصال عن مجلس العقد. نعم قد يركب منه لغز؛ فيقال اثنان تعاقدا البيع، فثبت لهما خيار المجلس -وهما متباعدان- فلما تقاربا وضمهما مجلس مختصر، زال، أو يقال متفارقان، ثبت لهما الخيار؛ فلما اجتمعا زال.
ومنها: إذا طلع الفجر على الصائم -وهو مجامع- فنزع، صح صومه [ولو جامع] 1 في أثناء الصوم بطل.
قلت: ولا يصح عد هذه الصورة؛ فإن المغتفر في الابتداء - النزع فلم يحصل به فطر، وفي الدوام الفطر لا يحصل بالنزع بل بالإيلاج فلم تتحد الصورة؛ وإنما يصح التنظير لو وجدت صورة يغتفر في الابتداء ثم توجد بعينها في الدوام ولا تغتفر.
ومنها: وطء من علق الثلاث على الوطء؛ فإن الطلاق يقع في أول الإيلاج، فاغتفر في الإيلاج ابتداء، ومن البينونة، ولم يغتفر دوامه بل يجب النزع ولباحث أن يمنع كون ابتداء الإيلاج محرمًا؛ إذ لا يصادف طلبه ولذلك التفات على أن العلة هل هي مع المعلول.
بل أقول: ولو قلنا: إنها مع المعلول، فالعلة نفس الإيلاج لا ابتداؤه إلا أن يقال ذات الإيلاج لا ابتداء لها ولا انتهاء وللبحث في ذلك مجال - لسنا الآن.
قاعدة: قال ابن القاص: كل من وجب عليه الحبس بدين فقال صاحب الدين لا
1 سقط في "ب".
يحبس -وأنا ألازمه كانت الملازمة أحق إلا أن يقول المديون: احبسني وامنعه من ملازمتي؛ فينظر.
إن كان لا يريد الملازمة خوف الشهرة -بلا ضرر يدخل عليه [في ذلك لم يمنع من ملازمته. وإن كان يمتنع من ذلك لضرر يدخل عليه] 1 في وضوئه وطهوره رد إلى الحبس؛ لأن الملازمة تكون في المسجد فإذا طال ذلك ضربه البزاز والطهور واستدل على أنه لا يمنع -في القسم الأول- بقوله صلى الله عليه وسلم: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته"2.
وبتسميته أسيرًا قال الشيخ الإمام رحمه الله في باب التفليس من شرح المهذب.
وفي هذا الاستدلال إشارة إلى أن صورة المسألة في حبس العقوبة أما حبس الاستكشاف: فينبغي إذا طلب المديون الحبس وترك الملازمة يجاب من غير تفصيل.
والرافعي رحمه الله نقل هذا الفرع عن ابن القاص، وقال: إن الملازمة أخف ويمكن إلا أن يقول أنه تشق عليه الطهارة والصلاة؛ فقد يتوهم من كلامه أن الطهارة على سبيل المثال وأن مشقة الشهرة مثلها. قال الشيخ الإمام: وقد عرفت أن كلام ابن القاص يدفع هذا أو يوهم ويبين أن الملازمة قد تكون أثقل.
قال: وكلام ابن القاص هذا يشعر بأن المراد من الملازمة ملازمته في مكان واحد كالمسجد ونحوه وهي قريبة من معنى الحبس وكلام غيره يقتضي أن معناها. أن يكون معه؛ حيث كان -من غير منع من التردد في حاجته- وهي أخف- وإن كان فيها إضجار. والصيمري3 قال: ولرب الدين ملازمته بنفسه وبوكيله، وهذا مطلق وكلام ابن القاص مفصل.
1 سقط في "ب".
2 أخرجه أحمد في المسند 4/ 222-388-389 وأبو داود 4/ 313 في الأقضية/ باب الحبس في الدين "3628" والنسائي 7/ 316 في البيوع/ باب مطل الغني وابن ماجة 2/ 811 في الصدقات/ باب الحبس في الدين والملازمة "2427" والبخاري تعليقا 5/ 62 في كتاب الاستقراض/ باب لصاحب الحق مقال وأورده الهيثمي في موارد الظمآن ص283 في البيوع/ باب في المطل "1164" والحاكم في المستدرك 4/ 102 في الأحكام/ باب لي الواجد، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
3 عبد الواجد بن الحسين أبو القاسم الصيمري البصري أحد أئمة الشافعية، وأصحاب الوجوه حضر مجلس.
وقال القفال الكبير1: إذا طلب الحبس ورضي الطالب بالملازمة ولم يحبس؛ لأن الحبس إن كان للاستيثاق وكشف الحال فهو إلى رأي الإمام -يحتفظ به وإن كان للعقوبة فلا حق للمطلوب فيه، وأنه إذا لزم منع الاضطراب في أموره ولا يمنع مما لا بد منه -من دخول الخلاء ونحوه- ولا يمنع في الحبس أو موضع الملازمة من أن يبيع ويشتري. ويصلي تطوعا ويعمل العمل من خياطة ثوب أو غيرها.
قاعدة: قال أبو الحسن الفناكي: كل من غصب شيئا لزمه رده أو رد قيمته إلا مسألة واحدة وهي: أن يسجر التنور ليخبز فيه قيمة آخر من الخبز فيلزمه قيمة الحطب، [وليس ما غصب] 2 ولا قيمة ما غصب؛ لأنه غصب خبزا وعليه قيمة الحطب ومن أصحابنا من قال: عليه الخبز. ومنهم من قال: إن عليه أن يسحر التنور ويحميه كما كان.
قلت: وصور الزبيري -في كتاب المسكت- المسألة بأن يصيب عليه آخر ماء فيطفيه، وحكى الأقوال إلا أنه حكى بدل القول: بأن عليه الخبز قولا: أن عليه قيمة الجمر، واستشكل الأقوال الثلاثة. أما القول بأن عليه قيمة الجمر، قال فلأنه لا قيمة له معروفة، ولا يكال، ولا يوزن وأما القول بأنه يحميه، كما كان فلأنه لا ضابط له.
القاضي أبي حامد المروذي وتفقه بصاحبه أبي الفياض البصري أخذ عنه الماوردي، قال إسحاق: ارتحل الناس إليه من البلاد وكان حافظا للمذهب حسن التصانيف ومن تصانيفه الإيضاح والكفاية والإرشاد شرح الكفاية، قال ابن الصلاح: كانت وفاته سنة ست وثمانين وثلاثمائة.
والصيمري بصاد مهملة مفتوحة ثم ياء ساكنة بعدما ميم مفتوحة ضمها بعضهم منسوب إلى صيمرة نهر من أنهار البصرة عليه عدة قرى ابن قاضي شهبة 1/ 184-185، الشيرازي ص104، الأسماء واللغات 2/ 265.
1 محمد بن علي بن إسماعيل أبو بكر الشاشي القفال أحد أعلام المذهب وأئمة المسلمين مولده سنة إحدى وتسعين ومائتين وسمع من أبي بكر بن خزيمة وابن جرير والبغوي وغيرهم وهو أول من صنف في الجدل الحسن من الفقهاء، وقال الحاكم: كان أعلم أهل ما وراء النهر "يعني في عصره" بالأصول وأكثرهم رحلة في طلب الحديث.
توفي في ذي الحجة سنة خمس وستين وثلاثمائة، ابن قاضي شهبة 1/ 148، الشيرازي 91-92، وفيات الأعيان 3/ 338، الأسماء واللغات 2/ 282، النجوم الزاهرة 4/ 111، شذرات الذهب 3/ 51.
2 في "ب" وليس هو ما غصب.
وأما القول بأن عليه قيمة الحطب [فإن المطفي لم يستهلك الحطب] 1؛ وإنما أتلف الجمر بعد خروجه عن الحطبية. قال: كما أن من أحرق ثوبا ليتخذ رماده حراقا فأتلفه رجل، لا تجب عليه قيمة الثوب قبل الإحراق.
ثم قال الزبيري: أقرب ما يقال وجوب قيمة الجمر فإن له قيمة؛ فإن قلت: فإذا انتهى إلى حد لا قيمة له فلا شيء عليه إلا الإثم، وإن بقي بعد الإطفاء فحم ينتفع به، نظر إلى قيمته حاميًا وإلى نقصه حين صار فحما ووجب ما بينهما من التفاوت.
وذكر الزبيري أيضا -في المسكت أنه لو برد ماء في يوم صائف؛ فألقى فيه رجل حجارة محماة أذهبت برده، فقال قوم: لا شيء عليه لأن هذا ماء على هيئته، وتبريده ممكن.
وقيل: يأخذ هذا المعتدي ما أسخنه، ويضمن مثله باردا.
وقيل: ينظر إلى ما بين القيمتين في هذه الحالة فيضمن به.
قال: "وقول الأولين مشكل؛ لأن هذا أتلف بمنفعة مقصودة، فصار كما لو نسج ثوبا، أو ضرب لبنا فأعادهما إلى حالهما الأول" قال: على أن بعضهم ارتكب في هذين أيضا أنه لا يضمن ما نقص، وهو بعيد، ومنهم من قال يضمن مثل الثوب منسوجا، ومثل اللبن مضروبا ويرد على هؤلاء أن فيه إزالة الملك عن المالك، ودخوله في ملك الآخر بمجرد التعدي، ويرد على من قال: يضمن ما بين القيمتين باردا أو مسخنا أن الماء ربوي؛ فإذا أخذ ماءه ومعه دراهم لما نقص وقع في محذور الربا، كما قيل فيمن كسر درهما مضروبا لغيره ثم نقصت قيمته بقيراط من الذهب يحكم عليه به، وشنعوا على قائله بأنه ربا؛ والحق أنه لا محذور لأن مالك الدراهم والماء لم يزل ملكه عنهما، ثم يعود إليه مع غيره؛ حتى يقع في الربا فلا شناعة في نفس الأمر.
قال: ولو ألقى في ماء أسخنه رجل قطعة ثلج لينتفع به، فيه كالمسألة قبلها.
قال: ولو بل خيشا ونصبه ليتبرد به، فجاء رجل وأوقد عنده نارا حتى نشف وحمى، قال بعضهم: عليه قيمة الماء الذي بل به، وقال غيره عليه قيمة الانتفاع به مدة بقائه باردا.
وقال آخرون: لا شيء عليه إلا الإثم.
1 سقط في "ب".
قال: وأعدلها القول الثاني؛ لأنه أتلف منفعة مقصودة.
قاعدة: قال الأصحاب في باب الغصب: كل يد ترتبت على يد الغاصب فهي يد ضمان فيتخير المالك -عند التلف- بين مطالبة الغاصب وبين ما ترتبت يده على يده سواء على الغصب أم لا ثم إن علم الغصب، فهو غاصب من الغاصب، وإن جهل فسنذكر حكمه في القاعدة الثالثة لهذه القاعدة.
وفي هذه القاعدة تنبيهات: أحدها: أن محلها اليد المقصود بها الاستيلاء لواضعها، أما التي يقصد بها واضعها الحفظ للمالك فلم يقصدها. وقد علم من ترجيح الرافعي والنووي أنه ليس لآحاد الناس انتزاع المغصوب وعلى هذا فمنتزعه غاصب؛ ولكن الذي نص علي الشافعي رضي الله عنه أن لآحاد الناس انتزاع المغصوب، وقال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: إنه الحق. والراجح عندي الفصل بين من ظهر منه أنه لو وجد سبيلا إلى الرد لرد؛ فلا ينتزع منه لئلا يكون المنتزع ناقلا للعين من الضمان إلى الأمانة بلا نص.
فائدة: ومن لم يظهر من ذلك فيجب الانتزاع، وذكرت هذا التفصيل في التوشيح وقلت: إنه ينبغي تنزيل النص عليه.
التنبيه الثاني: محل القاعدة يد ترتبت، أما تصرف غير ذي اليد ممن هو كالآلة فلا يضمن إذ لا يد في الحقيقة، وذلك كمن رفع كتاب شخص من بين يديه قاصدا أن ينظره ويرده في الحال؛ فإنه لا يضمن. قاله القاضي الحسين وطرد الإمام ذلك في الدنانير المغصوبة التي تمر بأيدي النقاد، وليس من فعل هذا توكيل الغاصب لأن التوكيل منفرد باليد، والنقاد لا ينفرد باليد بل هو بلحاظ من الدافع فلا يد له البتة.
فإن قلت: قد قالوا فيمن غصب شاة وأمر قصابا فذبحها جاهلا بالحال، وكذا كل من استعان به الغاصب كطحن الحنطة وخبز العجين أن القرار على الغاصب، وفي هذا شاهد لما ذكرتم؛ غير أن تضمين هؤلاء -وإن لم يكن القرار عليهم- يرد على قولكم: أنهم كالآلة، ولما ذكر في النقاد، ومن رفع كتابا.
قلت: قال الوالد رحمه الله الضمان -هنا- بطريق الجناية- لا بطريق الغصب فلا يرد البتة.
التنبيه الثالث: قولهم: "غاصب من الغاصب" فيه مناقشة لفظية، فإن الغاصب هو
المستولي على حق الغير عدوانا والآخذ من الغاصب لم يستول على حقه ولا تعدي عليه؛ وإنما هو غاصب من المالك باستيلائه على المال الذي كان عند الغاصب وليس بخصوص الأخذ من الغاصب مدخل في الغصب، وقد يبنى على هذا أن الغاصب هل يخاصم؟ والمعروف أنه لا يخاصم سواء قلنا: يخاصم المرتهن والمستأجر أم لا إذ لا حق له البتة، وعن الماوردي أنه يخاصم، وأنا أميل إليه، ويشهد له أن للضامن حبس الأصيل إذا حبس -وإن لم يثبت له عليه علقة على وجه صححه الشيخ الإمام- ليرهقه إلى تخليصه، وهكذا الغاصب إذا كان مقصده إرهاق الآخذ منه إلى تخليصه ورأيت بعد ذكري لهذه المناقشة -في كتاب الأشراف للقاضي أبو سعد الهروي- حكايتهما.
التنبيه الرابع: قولكم أن المالك. عند التلف يتخير بين مطالبة الغاصب، وغاصب الغاصب لم تبينوا حاله عند بقاء العين، وقد يفهم من هذا الإطلاق أنه لا يطالبهما إذا كانت العين باقية؛ وإنما يطالب من هي عنده، لانحصار حقه فيها، والذي يظهر أنه يطالب غاصب الغاصب بالعين ويطالب الغاصب بقيمة الحيلولة وهل يطالبه بنفس العين مع العلم بأنها ليس عنده، وأنه ليس له أن ينتزعها من غاصبه؛ إذ لا حق له فيها ولا ولاية عليها.
فيه نظر واحتمال يجر إلى أنه طالبه المالك بها هل يجعل مطالبته إياه بها إذنًا له في مطالبة الغاصب منه، وهل يجعل هذا الإذن ناقلًا له -إذا قبضها- من حكم الضمان إلى الأمانة؛ فلينظر في هذه الخواطر.
قاعدة: ذكرها الأصحاب ضابطا للمكان الذي يضمن فيه الذي أثبت يده على يد الغاصب عن جهل: "من أثبت يده على يد الغاصب جاهلا فإن دخل على أن يضمنه لم يرجع أو على أن لا يضمنه؛ فإن لم يستوف مقابلة كالمستودع من الغاصب فيرجع به والقرار على الغاصب، وفي وجه لا يطالب المودع أصلا، وفي ثالث يستقر عليه الضمان وإن استوفاه، كأكل طعام مغصوب قدمه إليه الغاصب فقولان: أصحهما -وهو الجديد- أن القرار عليه لا على الغاصب؛ إلا أن يقول الغاصب -مع التقديم هو لي، ثم يغرم المغصوب منه الغاصب؛ فإنه لا يرجع على الآكل خلافا للمزني لأنه يقوله "هو لي" اعترف بأنه مظلوم، والمظلوم لا يرجع على غير من ظلمه.
قاعدة: من صح تصرفه في شيء تدخله النيابة صحت وكالته فيه وعبارة التنبيه: "ومن لا يجوز".
مأخذ من مآخذ باب الوكالة. "هل الاعتبار بحال التوكيل أو بحال إنشاء التصرف، فيه خلاف يشبه الخلاف الذي قدمناه في أوائل القواعد في أنه "هل الاعتبار بحال التعليق أو بحال وجود الصفة؟ غير أنه لا تعليق فيما نحن فيه. وفيه مسائل:
منها: وكله بطلاق امرأة سينكحها، أو بيع عبد سيملكه؛ ففي صحته وجهان وعند ذكرهما أشار الرافعي إلى هذا المأخذ.
ومنها: وكل المحرم حلالا في أن يقبل له نكاح امرأة؛ فهل يصح ويقبل له بعد التحلل إن اعتبرنا حال التوكيل لم يصح في الأصح.
ومنها: إذ قال: وكلتك في مخاصمة كل خصم يحدث له وفيه وجهان حكاهما الماوردي.
ومنها: لو وكل الولي في التزويج قبل استئذان المرأة المعتبر إذنها.
قال صاحب التهذيب: لا يصح مع قوله -في التوكيل بطلاق زوجة سينكحها- "أنه يصح" وهذه منه مناقضة حاول ابن الرفعة الاعتذار عنها في المطلب في باب الوكالة بما يطول ذكره.
ومنها: لو وكله في طلاق امرأته فلم يطلقها حتى مرض الموكل فهل يكون كالطلاق في المرض فيه وجهان: قال صاحب الذخائر: "مآخذهما أنه هل ينظر إلى وقت التوكيل أو الإيقاع؟
ومنها: قال: أعتقوا عني عبدا فكان هناك خنثى مشكل لم يجز إعتاقه [عنه] 1 فإن زال إشكاله فوجهان في البيان.
فائدة: لا يفارق الصلح البيع إلا في مسائل: قال صاحب التلخيص هي اثنتان، وقال الغزالي [ثلاث] 2 وهي أكثر.
منها: صلح الحطيطة لا يصح بلفظ البيع ويصح بلفظ الصلح على الأصح.
ومنها: قال ابن القاص: لو صالح أهل الحرب من أموالهم على شيء جاز ولو صالح مسلما من ماله على [شيء] 3 لم يجز.
ومنها قال -أيضا- يجوز الصلح عن أرش الجناية لا بلفظ البيع وأنكره الشيخ
1 سقط في "ب".
2 في "ب" زيادة فقط.
3 في "ب" على شيء مما يليه.
أبو علي وقال: إن كان ملعوم القدر والصفة. جار باللفظين وإلا امتنع بهما، وإن علم القدر دون الوصف ففيه خلاف.
وهو في الحقيقة منع لا تفصيل؛ وذلك لأن صاحب التلخيص إنما تكلم في معلوم القدر والصفة ومن ثم قال الشيخ الإمام: "من وقف على كلام صاحب التلخيص عرف أن كلام الشيخ أبي علي ليس تفصيلا لما أجمله؛ بل إفادة لأحكام مسائل.
ومنها: قال البويطي -من قبل نفسه لا من عند الشافعي- "إذا وجب لرجل على رجل يمين، فافتدى منه بمال جاز، ووافقه النووي وقال الوالد رحمه الله: يشهد له ما في البخاري في القسامة في الجاهلية وافتداء رجل يمينه ببعيرين.
قال: فإن صح ما قاله فهي صورة أخرى يستعمل فيها لفظ الصلح دون البيع لكن في الحاوي ما يخالفه.
قال الوالد رحمه الله: وهو الذي يظهر.
فائدة: قال الوالد رحمه الله: ما يبذل العوض بسببه إن كان مالا؛ فهو البيع وإلا فالافتداء بحق كالخلع أو بباطل كفك الأسير وكل من البيع والافتداء إن جرى بعد منازعة سمى صلحا وإلا فلا.
قاعدة: قال صاحب التنبيه: "من لا يجوز تصرفه لا يجوز توكيله ولا وكالته إلا الصبي المميز؛ فإنه يصح وكالته في الإذن في دخول الدار وحمل الهدية".
قلت: أما التوكيل فقد ذكرت في التوشيح أنه يستثنى منه مسائل:
منها:......
فصل:
وأما الوكالة فقد اقتصر الشيخ على استثناء الصبي [المميز] 1 فيما [ذكرت] 2 وبقيت مسائل بعضها في التوشيح.
منها: السفيه فإنه لا يقبل النكاح لنفسه -بلا إذن- ويقبل لغيره في الأصح.
ومنها: السفيه -أيضا- فإنه يجوز أن يكون وكيلا عن المرأة في اختلاعها من زوجها ويصح، وتبين إذا أضاف المال إليها؛ لأن الحجر على السفيه لدفع الضرر عنه ولا ضرر عليه في قبول هذا الخلع.
1 سقط في "ب".
2 في "ب" ذكر.
نقله الرافعي في الخلع عن صاحب التتمة. وقيد به قول صاحب التهذيب أن السفيه لا يتوكل عن المرأة في الخلع فقال: [هذا] 1 فيما إذا أطلق لا فيما أضاف إليها وهو واضح، ولا يخفى أنه لا يخالع عن نفسه فقد خاز كونه وكيلا فيما لا يمكنه أن يتولاه عن نفسه.
ومنها: الكافر في شراء المسلم والمصحف لمسلم وكذا في طلاق المسلمة ذكرها الرافعي في الخلف. هذا كلامي في التوشيح وأشرت بما ذكره الرافعي -في الخلع- إلى قوله يجوز أن يكون وكيل الزوج الزوجة -يعني في الخلع- ذميا لأن الذمي قد يخالع المسلمة ويطلقها؛ ألا ترى أنه لو أسلمت المرأة وتخلف الزوج فخالعها في العدة ثم أسلم يحكم بصحة بصحة الخلع. انتهى وتبعه عليه النووي وابن الرفعة والوالد رحمهم الله تعالى.
وقد يقال: قوله "ألا ترى" إلى آخره يدفع الاستثناء؛ فإن جعله إياه ممن يطلق المسلمة يدفع كونه لا يملك طلاقها؛ فإنه -حينئذ ما صار وكيلا إلا فيما له -على الجملة- أن يفعله غير أنا نقول: توقف صحة الخلع إسلامه تنبئك على أنه لا يصح مع كفره وقوله: "ذميا" ليس للاحتراز عن الحربي، ولو قال كافرا كان أحسن وبلفظ الكافر صرح الماوردي في الحاوي وعليه دل الشافعي وهو واضح.
ويستثنى أيضا لو وكل حلال محرما في أن يوكل حلالا بالتزويج على الأصح عند الرافعي والنووي لكن الأصح عند الوالد رحمه الله خلافه وفيما لو توكلت المرأة في طلاق غيرها أو في أن توكل من يزوج.
أصل مستنبط: ما لا تدخله النيابة من التصرفات هل يكون التوكيل فيه فعلا له يؤاخذ به الموكل فيه خلاف لا على الاطراد والعموم بل في صور:
منها: الأصح أنه لا يصح التوكيل في الإقرار فإن وكل -على هذا- لم يكن مقرا على الأصح.
ومنها: التوكيل بالحوالة لا يصح وهو يصير محيلا بالتوكيل فيه وجهان؛ قاله القاضي الحسين وخالف فيه صاحب التهذيب.
ومنها: المشهور صحة التوكيل في عقد الضمان، وقال القاضي لا يجوز وهي يصير بذلك ضامنا فيه وجهان.
1 سقط في "ب".
ومنها: يجوز التوكيل بعقد الوصية ومنعه القاضي الحسين، قال لأنها قربة قال: وهل يصير بذلك موصيا يحتمل وجهين.
فصل:
يقرب من هذه النظائر -على العكس- القادر على رفع الشيء هل يكون جحوده إياه رفعا له فيه خلاف في صور:
منها: لو جحد الوكيل كونه وكيلا؛ فهل يكون ردا لها فيه أوجه أحدها: وهو ما أطلق الرافعي في باب النذر تصحيحه - ارتفاع الوكالة بالإنكار.
[قاعدة: اختلف الأصحاب في أنه "هل الاعتبار بحال التوكيل أو بمال إنشاء التصرف اختلاف جعل بعضهم أصله من مسائل أصول الديانات أن التكليف هو يتوجه حال المباشرة أو قبلها؟ "وليس رد هذه القاعدة على هذا الأصل -عندي- بمرض؛ فأنا أسرد فروعها ليتبين ذلك فمن فروعها: لو وكله بطلاق زوجة سينكحها، ولو وكل المحرم حلالا في قبول النكاح، هل يصلح ويقبل له بعد التحلل؟ ولو وكله في مخاصمة كل خصم يحدث له، [وهذه فيها وجه في الحاوي]1.
قاعدة: قال القاضي الحسين رحمه الله: "ما لا يستحق بالشفعة لا يستحق به الشفعة"، وجعل هذا علة قولهم في أرض نصفها وقف ونصفها طلق أنه لا يثبت للموقوف [عليه] 2 الشفعة وهو الصحيح وتبعه الرافعي فقال:"إن الوقف لا يستحق الشفعة فلا تستحق به الشفعة"، والأصح عند الوالد رحمه الله أن علة كون الموقوف عليه لا يملك الوقف على المذهب؛ فليس بشريك في الملك والشفعة إنما تثبت لشريك الملك، وهذه هي التي اختارها ابن الصباغ".
ولو قلنا: بأن الموقوف عليه يملك؛ فشرط الشفعة قبول القسمة، والوقف لا يفرز بالقسمة عن الملك على أشهر الوجهين.
وهنا تنبيهان: أحدهما: يتخرج على ما تعلق به الوالد من العلة وما تعلق به الرافعي وتبعه النووي إذا قلنا الموقوف عليه يملك، وقلنا بما اختاره النووي من أن الوقف يقسم عن الملك فالوالد يقول تثبت الشفعة حينئذ؛ لانتفاء العلة والرافعي والنووي يقولان لا تثبت لما رجحاه من العلة؛ فإن الوقف لا يؤخذ بالشفعة فلا يؤخذ به. وكذلك
1 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
2 في "ب" على.
إذا كانت درا ثلاثا، ثلثها وقف، وثلثاها لاثنين فباع أحدهما نصيبه هل يثبت للآخر الشفعة؟
قال الشيخ الإمام: ينبغي أن يقال بالجواز إن جوزنا القسمة لانتفاء العلة التي ذكرها القاضي، وبالمنع إن لم نجوز لعدم توقع الضرر بالمقاسمة، [ولذلك] 1 أطلق صاحب التنبيه وغيره أن ما ملك بشركة الوقف لا شفعة فيه.
التنبيه الثاني: هذه القاعدة ضعفها ابن الصباغ ونقضها ابن الرفعة بصاحب الجزء الكبير؛ فإنه لا يأخذ الجزء الصغير -الذي لا ينقسم- منه، لعدم توقع القسمة ولا عكس ومن الغريب أن القاضي الحسين قال: بعد أن ذكر [هذه] 2 القاعدة: "وعلى هذا نقول الجارية التي نصفها قن ونصفها أم ولد فإن استولدها معسر فوقفنا الاستيلاء على حصته لو أعتق صاحب النصف الذي هو أم ولد نصيبه لم يسر إلى ما هو قن؛ لأن صاحب النصف القن إذا أعتق نصيبه لم يسر إلى ما هو أم ولد منها: [كما] 3 لا يسري إلى الغير.
قاعدة: ما يبذله الشفيع من الثمن للمشتري مقابل لما [يبذله] 4 المشتري "على ما ذكر ابن الدم أنه المفهوم من كلام الأصحاب وهو قول القفال، وقال القاضي الحسين: "إنه في مقابلة الشقص"؛ فالمشتري عند القفال كأنه ناب عن الشفيع في الشراء أو أقرضه الثمن وأحوجه إلى هذا دلالة الحديث؛ على أن الشريك أحق بالشفعة. فكأن الشفيع نازل منزلة المشتري قال ابن أبي الدم: "وهذا الخلاف ينبغي أن يكون قاعدة باب الشفعة" وعلى هذه القاعدة يتخرج مسائل:
منها: خيار المجلس للشفيع وجواز التصرف قبل القبض وأخذ ما لم يره والملك نقضًا للقاضي عند قوله تملكت وبالإشهاد ولخوف الزيادة والحط وانحطاط مقدار الأرش، وغير ذلك من مسائل كثيرة. من أهمها إذا كان الشفيع وارثا، والبائع مريض وفي الثمن محاباة وقبض الشقص إذا كان عليه صفائح من ذهب، والثمن فضة -على ما تفقه ابن الرفعة، وإن كان المنقول اشتراط القبض فيه. والتصحيح مختلف في هذه الفروع لسبب يخص الفروع في نفسها.
1 في "ب" كذلك.
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
4 في "ب" يعدله.
تنبيه: قال الوالد رحمه الله: مما يشكل على القفال في تقديره أن المشتري أقرض الشفيع الثمن أنه لو كان كذلك لكان الواجب -فيما إذا اشترى الشقص بمتقوم- المثل الصوري كالقرض، لا القيمة؛ فالأشبه على قاعدته أن يقدر أن الشفيع أتلفه عليه، وعلى قاعدة القاضي يجعل معيارا لا غير قلت: لا شك أن القفال يقدر كأنه أتلف؛ فإن الأصحاب صرحوا بأن المتقولم لا يؤخذ بالمثل الصوري -هنا- وإن أخذ في القرض كذلك. فقال صاحب التتمة: الشفيع لا يؤخذ بالمثل صورة، بخلاف ما قلناه في القرض على أحد القولين -لأن القرض مشروع للإرفاق؛ فلو لم نوجب الجنس امتنع الناس عن القرض فيفوت الرفق المطلوب.
وأما الأخذ بالشفعة فسببه الإتلاف "والمقومات -عند الإتلاف- تضمن بالقيمة". انتهى.
وقال أعني صاحب التتمة بعد ذلك إذا استقرض شقصًا فالشفيع يأخذ الشقص بقيمته بلا خلاف لأن المستقرض يضمنه بالقيمة على المذهب الصحيح، وعلى القول الآخر يجب عليه رد المثل على سبيل الإرفاق والشفعة ملحقة بالإتلافات. انتهى.
وهذا الفرع نقله عنه الرافعي وهو بناء منه على جواز قرض الشقص من دار وقد نقله [عنه] 1 قبل ذلك، وصرح به أيضا في كتاب التتمة قبل ذلك جازما به وخرج من هذا أن للقفال أن يقول إنما يلزمه رد المثل صورة أن لو كان قرضا حقيقيا وهذا ملحق بالقرض وليس هو إياه فلا يلزم.
قاعدة: قال القاضي حسين كل يد كانت يد ضمان وجب على صاحبها مؤنة الرد، وإن كانت يد أمانة فلا.
قلت: وأغرب أبو إسحاق العراقي شارح المهذب فزعم أن مؤنة رد المبيع بعد الفسخ بالعيب على المشتري، ويستثنى من العكس الإجارة على ما صحح النووي في تصحيح التنبيه أنه يجب مؤونة ردها على المستأجر وهي أمانة، ومن الطرد إذا غصبها من ذمي على ما صححه الرافعي والنووي يجب ردها ثم في وجوب مؤونة الرد خلاف؛ لكنهما صححا وجوبها.
1 في "ب" زيادة الرافعي.