الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: الاعتدال ركن قصير فلو أطاله.
ومنها: الموالاة بين صلاتي الجمع.
ومنها: الموالاة في أشواط الطواف.
قاعدة: الدفع أسهل من الرفع1.
ومن فروعها: السمائل التي يغتفر فيها في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء؛ فإنا ندفعه ابتداء، ولا نرفعه دواما، لصعوبة الرفع، وسيأتي إن شاء الله في ربع البيوع -تلك المسائل.
ومن مسائل الدفع والرفع -غير مسائل المغتفر في الدوام- أنا لا نعقد الإمامة إلا بالشروط المعتبرة، ولو فسق الإمام لم نعزله، لصعوبة الرفع.
ويعجبني من "الأرجوزة الصلاحية" للشيخ الحموي -قوله. في أن الإمام لا يعزل بالفسق، ثم اللبيب لا يهد مصرا مستوطنا ليبني قصرا.
1 انظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص138، المنثور للزركشي 2/ 155.
القول في المشرف على الزوال:
القول في المشرف على الزوال هل يعطي حكم الزائل؟
ولا يخفى أنه حيث لا يعطي فهو القاعدة فلا تسأل عن سببه وذلك كبيع العبد المريض والجاني؛ فإنه صحيح مع الإشراف على الزوال.
وحيث يعطي أو يتردد النظر فهو موضع الكلام وفيه مسائل.
منها: تحريم وطء المشتري الجارية المبيعة بعد التحالف وقبل الفسخ وفيه وجهان مرتبان على الوجهين في تحريم الوطء بعد الترافع إلى مجلس الحكم وقبل التحالف والمصحح من هذين الحل والتحريم بعد التحالف أولى.
ومنها: لو ضاعت العين المرهوبة من الابن والتقطها ملتقط وقصد التملك بعد التعريف فحضر المالك قبل أن يتملك وسلمت إليه؛ فهل يمكن أبوه من الرجوع فيها؟ خرجه ابن الرفعة على الخلاف في المشرف على الزوال.
ومنها: إذا دفع الابن ما اتهبه لمن غصب منه شيئا لأجل الحيلولة وقلنا إن المغصوب منه لا يملكه؛ فإذا قدم الشيء قبل التصرف فإنه يسترد المال وهل يرجع فيه أبوه؟
خرجه ابن الرفعة أيضا على الخلاف.
ومنها: إذا أقرضه شيئا وقلنا: لا يملكه المقترض إلا بالتصرف ثم رده قبل التصرف.
خرجه الشيخ الإمام االوالد رحمه الله على الخلاف قال: وهو أولى من المسألة قبله؛ لأن له سطلنة الاسترجاع قبل التصرف، بخلاف الدافع القيمة لأجل الحيلولة.
ومنها لو باع الابن العين المرهوبة وقلنا لا يزول الملك إلا بانقضاء الخيار فهل للأب الرجوع؟ خرجه الإمام أيضا على الخلاف.
ومنها: لو حدث في المغصوب نقص -يسري إلى التلف- بأن جعل الحنطة هريسة؛ فقد صحح النووي جعله، كالتالف، لأشرافه على التلاف وهو قول العراقيين، وخالفه الشيخ الإمام، وفي المسألة وجوه شهيرة.
القول في الزائل العائد هو هو كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟
قد تكلم الإمام -في باب التفليس في "النهاية" على ذلك، وعدد منها مسائل، وقد يستأنس -بهذه المسائل- بمسألة السعادة والشقاوة؛ هل يتبدلان؟ وسنذكرها إن شاء الله تعالى في أصول الديانات.
والخلاف في أن العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد ينتزع الأصل من قولين منصوصين. فيما إذا قال لعبده: إذا جاء رأس الشهر؛ فأنت حر ثم باعه ثم اشتراه ثم جاء رأس الشهر. ففي العتق قولان، وهما يشبهان الخلاف أيضا فيما إذا علق طلاق زوجته بصفة ثم أبانها ثم جدد نكاحها ثم وجدت الصفة.
ومن مسائله: لو أفلس بالثمن، وقد زال ملكه عن المبيع وعاد هل للبائع الفسخ؟
ومنها: من موانع الرد بالعيب زوال الملك فلو زال ثم عاد فوجهان، قال في الوسيط: منشأهما الخلاف في الزائل العائد.
ومنها: اشترى نصابا زكويا ثم اطلع على عيب بعد الحول وأدى الزكاة من مال آخر.
قال "في الوسيط": له الرد إلا على قول الشركة إذا قلنا: الزائل العائد كالذي لم يعد.
ومنها: إذا قلنا: تجب الفطرة بغروب الشمس وطلوع الفجر فزال الملك، ثم عاد ليلا فوجهان قاله في النهاية.
ومنها: للمقرض الرجوع ما دام القرض باقيا في يد المستقرض؛ فإن زال ثم عاد فهل يرجع في عينه أو بدله؟ وجهان في "الحاوي".
ومنها: قلع مثغور سن مثغور وجب القصاص؛ فلو نبت سن المجني عليه ففي سقوط القصاص وجهان أحدهما السقوط لأن ما عاد قام مقام الأول فكأنه لم يسقط، الثاني: وهذه نعمة جديدة.
ولو نبت اللسان فقيل على الخلاف، والأصح القطع بعدم السقوط.
قاعدة: تكرر ذكرها على ألسنة الفقهاء: "القادر على اليقين لا يعمل بالظن"، ثم نقضوها بمن معه ماء قليل وهو على شاطيء البحر؛ فإنه يجوز له التوضؤ به مع قدرته على الوضوء بما البحر.
وهذا غفلة عن أصل آخر، وهو أن الاحتمال في الماء القليل إذا لم يستند إلى سبب لا وقع له في نظر الشارع، والتحرز عنه وسوسة وخزي لا ورع وزهد.
ثم ضربوا القاعدة مثالا؛ فقالوا: المجتهد إذا وجد النص والمكي إذا شاهد الكعبة لا يعملان بالظن. وهذا أيضا غفلة عن قولنا: القادر على اليقين؛ فإن من ذكروه متيقن لا قادر على اليقين، فليس مما نحن فيه. إذا القادر على اليقين لا يقين عنده غير أنه بسبيل من أن ينتهي إليه.
وإذا علمت خطأهم -نقدا وتمثيلا- فأقول: الصور ثلاث: واصل إلى اليقين وقادر على اليقين، ويجوز توصيله إلى اليقين.
الصورة الأولى: الواصل إلى اليقين، ولا يقول عاقل: أنه يعمل بالظن؛ لأن الظن في معارضة القطع مضمحل ومستحيل أيضا عند ذي اليقين إذ لا يتقين عاقل شيئا يظن خلافه، والظن مع معارضة اليقين لا يعقل؛ فإذا لا ظن مع اليقين، فلا يقال: الواصل إلى اليقين لا يعمل بالظن.
الصورة الثانية: القادر على اليقين، وهو نص القاعدة، وقد نراه -في بعض الصور- يعمل بالظن جزما، وفي بعضها لا يعمل به جزما، وفي بعضها يختلف فيه.
والضابط عندي -في ذلك- أن الظن إن عارضه احتمال مجرد لا وقع له في نظر الشارع لم يلتفت إلى ذلك الاحتمال وكان بمنزلة القطع؛ فلا يجب العدول عنه إلى السالم عن ذلك الاحتمال جزما. وهذا كالماء القليل على شاطي البحر؛ فاحتمال النجاسة فيه لا وقع له؛ فيجوز التوضؤ به جزما، ولا يتحرز عنه إلا موسوس.
وإن عارضه احتمال قوي جرى خلاف يقوى باعتبار قوته وضعفه، وربما ترقى إلى أن يدرأ له الظن جزما؛ وذلك عند انتهاضه قاطعا أو ظنا راجحا على الظن المثار من الأول؛ فإذا الاحتمال المعارض للظن درجات كثيرة.
وفيها مسائل:
منها: الشاك في نجاسة أحد الإناءين أو الثوبين ومعه طاهر بيقين الأصح جواز الاجتهاد له.
وهو الأصح في من معه إناءان تنجس أحدهما وفي كل منهما قلة هل يخلطهما ليصيرا قلتين أو يجتهد؟.
وفيمن اجتهد في دخول الوقت هل يجوز له الدخول في الصلاة مع المقدرة على تمكين الوقت؟ ورجحان العمل بالاجتهاد هنا أقوى منه فيما قبله وإن اشتركا في القوة؛ لاختصاص هذه الصورة بأنه لو لم يعمل في هذه الصورة [بمقتضى] 1 اجتهاده، لفات عليه مطلوب شرعي، وهو أول الوقت. وهو الأصح فيمن كان في مطمورة [وهو] 2 قادر على الخروج ورؤية الشمس؛ إلا أن القول للخروج ورؤية الشمس أرجح من العمل بالاجتهاد في جميع ما تقدم؛ لأنه لا يفوت الوقت، إذ زمانه يسير.
ولا يضيع أحد الماءين اللذين لعله لا يجب [خلطهما] 3 ولا يتباطأ زمانه بخلاف الاجتهاد في الثوبين والإناءين؛ فإنه ربما يتباطأ ثم الاحتراز في الصور كلها ورع، بخلاف الأول.
وليس في الأصح في مستقبل حجر الكعبة دون البيت؛ بل الأصح فيه أنه لا تصح صلاته، وسببه -مع صحة الحديث فيه- اضطراب لفظ الرواة؛ ففي لفظ:"الحجر من البيت"، وفي لفظ آخر:"سبعة سبعة أذرع منه"، وفي آخر:"سنة أذرع" وفي آخر: "خمسة".
1 سقط في ب.
2 زيادة يستقيم بها الكلام.
3 وفي "ب" ولا يجب خلطهما بالخلط.
والكل في صحيح مسلم؛ فلم تكن على يقين ولا ظن قائم من مروي هذا الحديث؛ فعدلنا إلى اليقين، وهو الكعبة.
الصورة الثالثة:
من جوز توصله إلى اليقين كمن أشبه عليه إناءان وجوز أن يكون في داره ماء طاهر بيقين؛ فلا يجب عليه الكشف عن ذلك، وهذه نظير مسألة الأصوليين في الاجتهاد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم للغائب والحاضر عنه فقط، وهي مسألة ذات خلاف مشهور ذكر الإمام الرازي في "الحصول" أنه لا ثمرة له في الفقه، اعترضه الشيخ صدر الدين بن المرحل بنحو ما أوردت من الصور؛ فزعم أن ثمرة الخلاف تظهر فيها وتبعته أنا في "شرح المنهاج".
ثم لاح لي أنه وهم، فإن القادر على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتقين أنه قادر على اليقين حتى يتيقن أنه أنزل عليه في مسألته وحي؛ وإلا فما لم ينزل الوحي لا حكم، فلا قطع ولا ظن؛ فغاية القادر على سؤاله. عليه أفضل الصلاة والسلام- وأنه يجوز نزول الوحي فيكون مجوزا لليقين.
فإن قلت: لم جرى الخلاف الأصولي؟
قلت: مأخذه باقي الاجتهاد مع وجود سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم من التحري وما فيه من سلوك طريق لا يأمن فيه الخطأ مع التمكن من طريق يؤمن فيها الخطأ؛ فوضح ما قاله الإمام فخر الدين1 -من أنه ثمرة للمسألة الأصولية- صحيح.
نعم: اختلف في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم -خلافا يظهر ثمرته- كما ذكرنا في "شرح المختصر" فيما ذكرناه من الصور؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قادر على اليقين. بسؤال ربه تعالى.
قاعدة: الموجود المقترن بالمانع الحسي أن الشرعي كالعدم وبيانه بصور.
1 محمد بن عمر بن الحسين بن حسن بن علي العلامة سلطان المتكلمين في زمانه فخر الدين أبو عبد الله القرشي البكري التيمي الطبرستان الأصل ثم الرازي ابن خطيبها المفسر المتكلم إمام وفقيه في العلوم العقلية وأحد الأئمة في علوم الشريعة صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة ثلاث وتوفي بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة. ابن قاضي شهبة 2/ 366، وفيات الأعيان 3/ 381، لسان الميزان 4/ 426، البداية والنهاية 13/ 55، النجوم الزاهرة 6/ 197، مرآة الجنان 4/ 7.
منها: إذا وجد الماء وحال دونه حائل يعجز عن دفعه، أو احتيج إليه لحيوان محترم، أو كان به مرض يمنعه من استعماله.
ومنها: لو عتق المسلم عبدا كافرا أو الكافر مسلما ثبت له الولاء؛ ولكن لا يتوارثان، لاختلاف الملتين، كما ثبتت علقة النكاح والنسب بين الكافر والمسلم وإن لم يتوارثا، وعن مالك لا يثبت له الولاء، لاختلاف الدين وعن أحمد يثبت ويتوارثان.
فعلى مذهبنا وجد المقتضي للولاء مقترنا بالمانع الشرعي من الإرث.
ومنها: وجود من واجبه الإعتاق في الظهار عبدا فاضلا عن حاجته؛ لكن يحتاج إلى خدمته لمرض أو زمانه كالعدم، وكذا كل واجب مالي متعلق بحق الله كالحج على الصحيح، أما المفلس فالمذهب أن المسكن والخادم يباعان وإن احتيج إليها.
ومنها: الأصح جواز نكاح الأمة لمن له مسكن وخادم ولا يلزم بيعهما وصرفهما في طول حرة.
والوجهان حكاهما القاضي ابن كج كما ذكر الرافعي في النكاح وفي الظهار وزاد في الظهار ابن كج حكى وجهين أيضا في أنهما هل يباعان عليه إذا اعتق شركاء له في عبد، وإن أبا الحسين -وهو ابن القطان، قال: لا يجب العريان بيعهما. قال ابن كج: وعندي يجب قال: وقول أبي الحسين غلط.
ومنها: من وجد حرة ولكن رتقاء أو قرناء أو رضيعة أو معتدة عن غيره؛ فله نكاح الأمة على الأصح.
قلت: وينبغي أن يقيد في المعتدة بما إذا طال زمانها، أما إذا كان انقضاؤها قد قرب؛ فلا ينبغي أن يجوز بل ينتظر انقضاؤها، كما لو قدر على حرة غائبة لا تلحقه مشقة بالخروج إليها؛ فإنه يجب الخروج إليها، بخلاف ما إذا لحقته المشقة.
ومنها: [في] 1 الغصب إذا وجد المثل بأكثر من ثمن المثل فوجهان:
رجح الشيخ الإمام وجوب تحصيله ورجح صاحب التنبيه والنووي العدول إلى القيمة مباحثة على هذه القاعدة أنشأها الشيخ الإمام رحمه الله نافعة في آية القتل، وآية الظهار وآية الصيام، وآية الوضوء، وغيرها.
1 سقط في أوالمثبت من ب.
المانع الحسي: مانع من تعلق التكليف لأنه ما لا يطاق. وأما الحكمي: فليس في التكليف به تكليف ما لا يطاق؛ فلا بد من دليل عليه.
فمن قام به مانع حسي لا نقول: إنه مخصص؛ بل هو غير داخل في اللفظ للعلم بأنه غير مكلف.
وأما الحكمي -ويتضح بالمثال- فنقول: إذا قال تعالى في المظاهر {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} شمل عدم الوجدان الحسي، ولا شك في أن صاحبه غير مكلف بالإعتاق؛ فلا يقال: إنه المخصص؛ لأنه لم يكلف بالكلية وإنما قصد بيان حكمه؛ وإن حكمه الخصلة المنتقل إليها.
وعدم الوجدان الحكمي كواجد رقبة يحتاجها للخدمة، وهذا يقصد فيه أمران: بين الخصلة المنتقل إليها، وإخراجه من العموم؛ غير أن إخراجه إما بأن يقال: بأنه غير مأمور بالعتق أصلاً. والمقصود بالعموم غيره أو أن العتق غير محتم عليه بل هو مخير بينه وبين الصيام.
وإلى كل من الاحتمالين ذهب بعض الفقهاء؛ فذهب بعضهم إلى الأول وقال لا يجوز للعاجز الإعتااق، وذهب أكثرهم إلى الثاني، وهو الصحيح، ويكون مقصود الآية التسهيل على من له عذر أن ينتقل من الإعتاق إلى الصيام فإن تكلف وأتى بالأعلى أجزأ.
وعلى هذا هو نقول: الواجب مخير أو معين؟ وهو الصيام الأقرب.
الثاني: ولكن الإعتاق يجزيء عنه؛ لأن المقصود والكفارة والإعتاق أكمل في مقصودها.
والواجب هو الذي لا يجوز تركه مطلقا، والصيام إنما جاز تركه إلى بدل فلم يخرج عن كونه واجبا.
ولا ينكر كون الشيء مرتبا في الذمة مقصودا ويقوم مقامه شيء أعلى منه -من جنسه أو من غير جنسه- إذا كان في معناه سادا مسده.
وهذا البحث ينتفع به في آية الوضوء وغيرها، كما لا يخفي على المتأمل وينتفع به في وجوب القضاء على المتيمم في بعض الأحوال؛ لاندراجه تحت الأمر بالوضوء. ولو
قلنا: إنه لم يندرج أصلا لأشكل إيجاب القضاء، ولكانت كفارة الظهار بالنسبة إلى القادر المعتق واحدة، على العاجز -إلا عن الصوم- واحدة، وإلى العاجز عن العتق والصوم واحدة؛ فتكون خصلة واحدة لا ترتيب فيها.
والمعلوم من الشرع أنها ثلاث خصال مرتبة، وظاهر ذلك أنها لكل أحد وهذا يشهد؛ لأن المعتبر في الكفارات حال الأداء، والأول يشهد لاعتبار حال الوجوب: انتهى كلام الوالد.
ولقائل أن يقول: قولكم فيمن قام به مانع حسي -أنه غير داخل فلا يقال: إنه مخصص مبني على إنكار التخصيص بالعقل، والأكثر على جوازه، ولم ينقل فيه إلا خلاف لفظي عن الشافعي رضي الله عنه فلعل الشيخ الإمام جرى على مقتضاه.
وقولكم في الحكمي -لا بد من دليل عليه- حق غير أن للمعترض أن يقول: بعد اعترافكم بأن الحكم أخرجه كيف تبطلون دليلا؟ ومرادكم ما ادعى أن الشرع أخرجه يحتاج مدعيه إلى دليل، وهذا لا بد منه، ولا ينكره واحد ودليله قياس أو غيره؛ غير أن الاستدلال عليه بالقياس يستدعى جواز القياس على الخارج المستثنى وهو الصحيح.
وتردد الشيخ الإمام في العاجز، هل هو غير مأمور بالعتق أصلا أو مخير بينه وبين الصيام.
ولعل مادته من الخلاف الذي حكاه أصحابنا في كتاب الصوم أن الشيخ الهرم هل يتوجه عليه الخطاب بالصوم ثم ينتقل للفدية للعجز؟ أم يخاطب بالفدية ابتداء؟
وهو على الوجهين في انعقاد نذره إذا نذر في خلال العجز صوما؟ وصحح النووي أنه لا ينعقد، وقوله: إن بعضهم ذهب إلى أنه لا يجوز للعاجز الإعتاق غريب. وقريب منه قول الغزالي في "المستصفى" فيمن يجهده الصوم ويحرمه عليه أنه إذا تكلف وفعله لا يصح.
وقوله الأقرب أن الواجب معين ثم يجزي عنه الإعتاق، وأنه لا ينكر الانتقال إلى غير الجنس إذا كان أعلى يشهد له جواز الانتقال في الفطرة إلى أعلى.
خلافا لوجه حكاه الماوردي، وهو قوي في غير الجنس؛ ألا ترى أنه لا يجوز إخراج الذهب عن الفضة في الزكاة وإن أخرج ما هو أكثر قيمة.
قاعدة: الرخص لا تناط بالمعاصي1
وفيه مسائل:
منها: رجح الشيخ الإمام رحمه الله أن العاصي بسفره لا يتم، بل عليه أن يعود إذا أمكنه الرجوع والصلاة بالماء قبل خروج الوقت.
ومنها: لا يجوز للعاصي بالسفر الترخص؛ فلا تقصر الصلاة ولا يفطر ولا يستبيح قطعا، ولا يستبيح المقيم على وجه.
ومنها: لو استنجي بمحترم -من مطعوم وغيره- فالأصح لا يجزيه؛ لأن الاقتصار على الأحجار رخصة، والرخص، لا تناط بالمعاصي.
ومنها: زوال عقله بسبب محرم كشرب مسكر لم تسقط عنه الصلاة ويستثنى مسائل: منها:
الأصح صحة المسح على الخف المغصوب والمسروق وخف الذهب الفضة.
والثاني: لا؛ لأن المسح رخصة والرخص لا تناط بالمعاصي.
ومنها: يجوز الاستنجاء بقطعة ذهب وفضة وحرير نفيس خشنة على الصحيح كما يجوز بالديباج قطعا.
فائدة: إن شئت جعلتها مفتتح قاعدة، وقع في كلام الشيخ الإمام رحمه الله في باب المسح على الخفين: الرخص لا تناط بالشك2.
ذكر ذلك تعليلا لمذهبه أن ابتداء مدة المسح من حين لبس الخف، وهو مذهب الحسن البصري يذكر الشيخ الإمام أن النووي صرح في "شرح المهذب" أن لابس الخف له أن يحدد الوضوء قبل الحدث. قال: فإن صح هذا صح مذهب الحسن؛ لأنه وقت جواز الرخصة، وإذا احتمل لفظ الشاعر تعيين الحمل عليه وترك ما زاد عليه؛ لأن الرخص لا تناط بالشك.
قلت: لكن في صحته نظر، ومقتضى الاستدلال الرافعي وغيره من الأصحاب -أن
1 المنثور 2/ 167، الأشباه والنظائر للسيوطي ص138 ومعنى قول الأئمة أن الرخص لا تناط بالمعاصي أن فعل الرخصة متى توقف على وجود شيء نظر في ذلك الشي؛ فإن كان تعاطيه في نفسه حراما امتنع معه فعل الرخصة وبهذا يظهر الفرق بين المعصية بالسفر والمعصية فيه.
2 الأشباه والنظائر للسيوطي ص141.
ابتداء المدة من حين الحدث بعد اللبس بأن ذلك وقت الترخص -أنه لا يحوز، ووقع في "الكفاية" لابن الرفعة عقيب هذا الاستدلال أنه مكروه.
ثم فرع الشيخ الإمام على هذه القاعدة أيضا أنه إذا غسل واحدة وأدخلها الخف، ثم الأخرى وأدخلها لا يستبيح، لأنه لم يدخلهما طاهرتين.
أصل مستنبط.
إذا قوبل مجموع أمرين فصاعدا بشيء من خارج مقابلة أحد ذينك الأمرين ببعض ذلك الشيء؛ فهل يلزم أن يكون الزائد في مقابلة الشيء الآخر أو يجوز أن يكون في مقابلته، وأن يكون المجموع في مقابلة المجموع، أو يجوز أن يكون المجموع عند حصول الزائد في مقابلة الثاني وحده؟
فيه نظر تظهر فائدته فيما إذا انفرد الشيء الثاني عن الأول فهل يقابل بالكل أو بالزائد أولا؛ لأنه إنما ثبت مضموما: إلى الأول عند وجود الأمرين؟
ولهذا أمثلة.
منها: ما في صحيح مسلم1 من قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة؛ فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله". فيحتمل أن يكون من صلى الصبح في جماعة كان كأنما قام الليل وإن لم يصل العشاء في جماعة.
وحينئذ فمن صلى الصبح في جماعة والعشاء في جماعة كمن قام ليلة ونصف ليلة، ويحتمل أنه إنما يكون كمن قام كل الليل إذا كان قد صلى العشاء في جماعة.
وعلى هذا الاحتمالان.
أحدهما أن يكون من صلى الصبح في جماعة، ولم يصل العشاء في جماعة كمن قام نصف الليل.
الثاني: أن لا يحكم له بذلك؛ لأن شرط كونه إذا جمع في الصبح يكون كمن قام نصف الليل أو يكون قد جمع في العشاء.
فهذه الاحتمالات أظهرها أن قوله عليه السلام: "من صلى العشاء في جماعة"
1 1/ 454 في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة "260/ 656".
يريد به والصبح، وأن صلاتهما في جماعة تعدل قيام ليلة، وهذا هو الراجح عند المحدثين، ويدل له ما رواه أبو داود1 والترمذي2 من قوله صلى الله عليه وسلم:"من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف الليل ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة"، قالوا: وطرق الحديث كلها صريحة في أن كل واحدة منهما تقوم مقام نصف ليلة واجتماعهما يقوم مقام ليلة.
قلت: لكن بقي انفراد الصبح فأين التصريح بكونه يقوم مقام نصف ليلة؛ لأنه لا بد لهذا من دليل.
ومن المحدثين من حمل الحديث الأول على ظاهره، وقال: جماعة العتمة تعدل نصف ليلة وجماعة الصبح تعدل ليلة.
فهذه ليلة ونصف لمن صلاهما جماعة، ووجهه أن المشقة في جماعة الصبح أكثر منها في العشاء فناسب أن تضاعف.
ومنها: في الصحيحين3: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان
…
" الحديث.
وفي لفظ4، ومن صلى على جنازة فله قيراط، من اتبعه حتى يوضع في القبر فله قيراطان
…
الحديث.
فلو اتبعه حتى وضع في القبر ولكن ولم يصل عليه احتمل أن لا يحصل له شيء من القيراطين؛ إذ يحتمل أن يكون القيراط الثاني المزيد مرتبا على وجود الصلاة قبله، ويحتمل أن يحصل له القيراط المزيد.
وأما احتمال أن القيراطين يحصلان بالاتباع حتى يوضع في القبر وإن لم يصل عليه، فهو هنا بعيد.
1 1/ 152 في كتاب الصلاة/ باب في فضل صلاة الجماعة حديث "555".
2 1/ 433 في أبواب الصلاة/ باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة حديث "221".
3 البخاري 3/ 333 في الجنائز/ باب من انتظر حتى تدفن "1325" ومسلم 2/ 652 في الجنائز/ باب فضل الصلاة على الجنائز وابتاعها حديث "52-945" وأحمد في المسند 2/ 401، والنسائي 4/ 67-77 وابن ماجة 1/ 491 حديث "1539".
4 انظر صحيح مسلم 1/ 653، حديث "54/ 945".
وأما احتمال أن من صلى واتبع حتى يدفن، يحصل له ثلاث قراريط؛ فمرتب على هذا الاحتمال الثالث إن قلنا: من اتبع ولم يصل فله قيراطان؛ فلا شك أن من صلى يزداد قيراطا ثالثا.
وقد سأل الشيخ أبو الحسن ابن القزويني1 الفقيه الشافعي الرجل الصالح صاحب الكرامات أبا نصر بن الصباغ عن هذا فقال: لا يحصل لمن صلى واتبع إلا قيراطان، قال له ابن القزويني: جيد بالغ، وطولب ابن الصباغ بالدليل فاستدل بقوله تعالى2:
{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ
…
} قال: فاليومان جملة الأربعة بلا شك.
ومنها: ما في صحيح البخاري3 من قوله صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد؛ فإن استيقظ وذكر الله تعالى: انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإذا صلى انحلت عقده كلها
…
" الحديث.
فلو استيقظ ولم يذكر الله غير أنه توضأ وصلى فهل تنحل عقدتان، أو شرط انحلالها تقدم ذكر الله؟
أو يقال: تنحل الثلاث، لإطلاق قوله:"فإن صلى انحلت عقده كلها"؛ وذلك بقوله: "وكلها" هذا موضع نظرة واحتمال.
1 علي بن عمر بن محمد بن الحسن البغدادي المعروف بالقزويني ولد في المحرم سنة ستين وثلاثمائة، وكان عارفا بالفقه والقراءات والحديث تفقه على الداركي وقرأ النحو على ابن جني. توفي في شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة.
ابن قاضي شهبة ج1 ص229، ص230.
تاريخ بغداد 12/ 43، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 299، مرآة الجنان 3/ 61، البداية والنهاية 12/ 62، النجوم الزاهرة 5/ 49.
2 فصلت "9-10".
3 متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، البخاري في 3/ 24 في التهجد/ باب عقد الشيطان على قافية الرأس حديث "1142" ومسلم 1/ 538 في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح 207/ 776.
ومنها: في سنن أبي داود1 والترمذي2 والنسائي3 من حديث عمران بن حصين قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: السلام عليكم فرد عليه ثم جلس؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر، ثم جاء رجل آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس؛ فقال: عشرون ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: "ثلاثون".
وفي رواية لأبي داود4 زيادة من حديث معاذ بن أنس وهي "ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال: أربعون"؛ غير أن في إسناد هذه الرواية مقالا5.
وقد يعارض بما في الموطأ6 من أن رجلا سلم على أبن عباس على قوله: وبركاته فقال ابن عباس: السلام المنتهي إلى البركة.
إذا علم هذا فلا يمكن إفرادها بعد السلام عنه؛ غير أنا نقول: هل العشر المزيدة لقوله: ومغفرته مشروطة بسبق قوله: وبركاته؟ وهل العشر المزيدة لقوله: وبركاته مشروط بسبق لفظ الرحمة؟
كما أن ذلك كله مشروط بسبق لفظ السلام، أو لا يشترط هذين؟ بل لكل لفظ من الألفاظ الثلاثة عشر -وإن انفرد- حتى لو قال: السلام عليكم ورحمة الله ومغفرته، ونحو ذلك يحصل أربعون؟ هذا أيضا موضع نظر واحتمال.
ومنها: لو هشم فلم يوضح فوجهان.
1 4/ 350 في كتاب الأدب/ باب كيف السلام حديث "5195".
2 5/ 52-53 في الاستئذان/ باب ما ذكر في فضل السلام [2689] ، وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
3 من طريق أبي داود في عمل اليوم والليلة ص287 باب ثواب السلام حديث "327".
وأحمد في المسند 4/ 439 والدارمي في السنن 2/ 277 في الاستئذان.
4 أبو داود في المصدر السابق حديث "5196".
5 قال المنذري رحمه الله في إسناده أبو مرحوم عبد الرحمن بن ميمون وسهل بن معاذ لا يحتج بهما، وقال فيه سعيد بن أبي مريم أظن أني سمعت نافع بن يزيد.
عود المعبود 14/ 103.
6 2/ 959 في كتاب السلام/ باب العمل في السلام حديث "2".
أحدهما: تجب الحكومة؛ لأنه كسر عظم بلا إيضاح فأشبه كسر سائر العظام. وأصحهما وجوب خمس من الإبل؛ لأنه لو أوضح وهشم وجب عشر، ولو تجرد الإيضاح لم يجب إلا خمس؛ فيكون الخمس في مقابلة الهشم. ووقع في معاياة الجرجاني1 أن الوجهين في أنه هل يجب عشر أو الحكومة؟ ولعل لفظ العشر غلط من ناسخ.
فصل:
قريب المأخذ من هذا الأصل "إذا تعقب شيء جملة مركبة من أجزاء أو جزئيات؛ فهل يكون المؤثر فيه هو الجزء الأخير منها أو المجموع؟ فيه للعلماء تردد، وقد يظهر في باديء الأمر أنه لفظي؛ لأن الجزء الأخير متوقف الوجود على ما سبقه؛ فلما سبقه فدخل قطعا بهذا الاعتبار، والتحقيق أنه ليس بلفظي بل معنوي يترتب عليه فوائد.
والذي يظهر أن المؤثر المجموع، وفي حفظي أنه المعزو إلى مذهب الشافعي، وأن المعزو إلى أبي حنيفة مقابله، ولعل ذلك مأخوذ من اختلافهما في مسألة السكر بالقدح العاشر. كما سنذكره في عد فوائد الخلاف، وهذا الأصل مذكور في الرافعي في باب الخلع في المسألة التي سنذكرها بن المزني والأصحاب فمنها حكم الشافعي رضي الله عنه بأن السكر لا يحصل بالقدح الأخير؛ بل به وبما قبله وليفرض فيمن سكر بعشرة أقداح، ومن ثم قال: حكم ما قبله في التحريم وإيجاب الحد حكمه.
والمعزو إلى أبي حنيفة خلافه، ومن ثم لم يجب الحد على شارب النبيذ إذا لم يسكر.
والحاصل أن المفسدة إنما تتحقق عند انضمامه إلى غيره.
ومنها: وهو على عكسه -إذا أراد النظر إلى الأجنبية لتحمل الشهادة، وهو يعلم أن المعرفة لا تحصل له بنظرة واحدة بل لا بد من نظرتين؛ فاقتصر على واحدة فهل يفسق؛ لأن التحمل لا يقع بها فصارت لغرض غير صحيح أو لا، لأن لهذه تأثيرا في شهادته؟
1 أحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس الجرجاني قاضي البصرة وشيخ الشافعية، تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وكان من أعيان الأدباء له النظم والنثر وسمع من جماعات وحدث. مات راجعا من أصبهان إلى البصرة سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 31.
وطبقات الشافعية لابن هداية الله 3/ 31، ابن قاضي شهبة ج1 ص260.
فيه احتمالان للروياني؛ ذكرهما في "البحر" قبيل كتاب الشهادات.
ومنها: من قفأ عين الأعور لم يجب عليه إلا نصف الدية؛ لأن العمي لا يحصل بهذا الفقء وحده؛ بل به وبما قبله.
ومنها: لو قالت: طلقني ثلاثا بألف وهو لا يملك إلى طلقة فطلقها تلك الواحدة فقد نص في "المختصر" أنه لا يستحق تمام الألف، لحصول مقصود الثلاث، وهو البينونة الكبرى بتلك الطلقة.
قال المزني -معترضا- لا يستحق إلا ثلث الألف توزيعا للمسمى على العدد المسؤول، كما لو كان يملك الثلاث؛ فطلق واحدة قال: والحرمة لا تثبت بتلك الطلقة؛ وإنما تثبت بها وبما قبلها، فيكون حكمها حكم الأولى والثانية وقاس هذا على مسألتي السكر وفقء عين الأعور.
وفرق ابن سريج وابن إسحاق بين أن تكون المرأة عالمة بأن لم يبق إلا واحدة فيستحق الألف أو جاهلة فالثلث.
والصحيح الجريان على ظاهر النص -علمت أو جهلت- وأجيب عما احتج به المزني بأن العقل يستتر على التدريج؛ فكل قدح يزيل شيئا من التمييز وزوال البصر كما أثر فيه الفقء. والثاني: أثر فيه ما قبله، والحرمة الموصوفة بالكبرى لا يثبت منها شيء بالطلقتين الأولتين.
قال الرافعي: وقد يقال المراد م الحرمة الكبرى توقف الحل على أن تكح زوجا آخر، وهذه خصلة واحدة -لا تتبعض- حتى يتأثر بعضها بالطلقة الثالثة وبعضها بما قبلها. وتوقف الشيخ الإمام رحمه الله في هذا البحث، وقال: هذا محل نظر، يحتمل أن يقال: بكل طلقة يتشعب النكاح وينقض حق الزوجة، وبالثالثة يتكمل النقص، وبطلان الحق بالكلية.
ومنها: لو ضرب في الخمر أحد وأربعين فمات؛ هل يجب كل الضمان أو نصفه أو جزء من أحد وأربعين جزءا؟
فيه أقوال: أظهرها -عند الرافعي والنووي- الثالث.
ولو جلد في القذف أحدا وثمانين؛ فهل يجب نصف الدية أو جزء من أحد وثمانين جزءا؟ فيه القولان.
ومنها: لو جوع من به بعض الجوع حتى مات، ففي القصاص أقوال؛ أظهرها إن علم المجموع جوعه السابق وجب، وإلا فلا، وعلى عدم القصاص. قيل: يجب الدية بأكملها، والأظهر نصفها.
ومنها: العتق في الكتابة، هل ينسب إلى النجم الأخير حتى لا يثبت برجل وامرأتين ويثبت بهما ما قبله أو إلى المجموع؟
ومنها: لو جرح اثنين صيدا جرحين مترتبين وحصل الإزمان بهما وكل منهما لو انفرد لم يزمن؛ فهل الصيد بينهما أو الثاني؟ به وجهان.
ومنها: لو اكترى اثنان دابة فارتدفها ثالث بغير إذنهما فهلكت؛ فهل على المرتدف النصف أو الثلث أو التقسيط بحسب الوزن؟ أوجه.
ومنها: لو كانت السفينة مثقلة بتسعة أعدال فوضع آخر فيها عدلا آخر عدوانا فهل يغرم جميع الأعدال التسعة؟
والأصح بعضها؛ فقيل النصف، وقيل بالقسط، قال في "الروضة" وهو كخلاف الجلاد.
وله نظائر متقدمة ومتأخرة؛ ذكره في مسألة اصطدام السفينتين ومنها: استأجره لحمل مائة؛ فحمل مائة وعشرة، فتلفت الدابة وصاحبها معها ضمن قسط الزيادة، وقيل: النصف، وقيل: الجميع، وهو قول غريب وإن لم يكن معها فالجمهور قالوا يضمن الكل، وعللوه بأنه انفرد باليد، وصار يحمل الزيادة غاصبا.
وخالفهم ابن كج -قال الشيخ الإمام: ولقوله اتجاهه- قال: وفي كونه غاصبا نظر؛ لأن تعديه بالزيادة لا يوضع باليد.
قلت: وقول ابن كج قياس نظائره في هذه القاعدة ومنازعة الشيخ الإمام في كونه غاصبا، عندي فيه وقفة.
ومنها: إذا شهدا بالطلقة الثالثة بعد الدخول ثم رجعا رجع عليهم بالمهر. قال الماوردي: ولكن في قدر ما يغرمان وجهان.
أحدهما: ما كانوا يغرمون لو كانت الشهادة بالثلاث؛ لأنهم منعوه بها من جميع البضع كالثلاث.
والثاني: ثلاثة لأنه ممنوع من بعضها بثلاث طلقات، اختص الشاهدان بواحدة منها: فكان ثلث المنع منها فوجب ثلث الغرم عليهم.
وعلى هذا لو كان الزوج طلقها واحدة، وشهدوا عليه بطلقتين لزمهم الثلثان، قال ابن الرفعة في "الكفاية" ولم يظهر لي فرق بين هذه الصورة، وبين ما إذا طلقها واحدة قبل الدخول، وقد جزم بأن حكمها حكم الثلاث.
قلت: وهذا عجيب، والفرق أوضح من أن يخفي مثله على ابن الرفعة، فإن الواحدة قبل الدخول تستقل بالبينونة فهي كالثلاث بعده.
فصل:
عرفت الكلام فيما إذا تعقب مجموع أمور أمر هل ينسب إلى الأخير منها أو إلى مجموعها، وقلنا: إن الخلاف ليس بلفظي؛ بل ترتب عليه فوائد وانفصلنا عن ذلك الفصل.
والذي ننبه عليه في هذا الفصل -أن أثر الخلاف في مسائل أخر على نوع آخر له بعض القرب من هذا المأخذ.
منها: لو باع الوكيل بأقل من ثمن المثل بقدر لا يتغابن الناس بمثله؛ فهل يضمن الزائد على ما لا يتغابن أو الجميع؟
فيه وجهان، ووجه قرب مأخذهما من هذا أنا هل نجعل العدوان مقصورا على القدر الأخير، أو عاما في كل جزء؛ لأن ما كان قبله إنما كان يغتفر عند انفراده لا عند انضمامه؟
وبهذا يظهر في مسألة الأقداح باب من الكلام للخصوم؛ فلقائلهم أن يقول: هب أن السكر واقع بالمجموع، وأن لكل قدح مدخلا غير أني أغتفر القدح منفردا فلا أحد شاربه، لانتفاء السكر عنه، ولكن أحده مجموعا مضموما إلى غيره، لحصول المفسدة حينئذ تعين ما قلتم أنتم في بيع الوكيل على أحد الوجهين أنه يضمن الكل.
وطريق جوابنا عن هذا -في مسألة ما لا يسكر من النبيذ- السنة الصحيحة القاطعة لتشكيك المشككين، وترهات المجادلين.
ومن حيث المعنى أن مسألة الأقداح وقع الشرب فيها مترتبا على كل قدح منفصل عن صاحبه؛ فأمكن أن يفرد بحكم نفسه بخلاف البيع بأقل مما يتغابن بمثله؛ فإنه وقع دفعة واحدة.
ومنها: إذا ادعى على الخارجي غلطا بأكثر مما يتفاوت بين الكيلين فهل يقبل "بالنسبة إلى ما يتفاوت بين الكيلين" الذي يقبل عند الاقتصار عليه؟ فيه وجهان.
ومنها: لو أكل من الأضحية.
ومنها: لو دفع جميع السهم إلى اثنين، هل يغرم -للثالث- الثلث أو أقل جزء.
ومنها: إذا أقام عند الثيب سبعا؛ فهل يقضي أربعا أو جميع السبع؟
ومنها: إذا صب الماء في الوقت وصلى بالتيمم، هل يقضي صلاة واحدة؛ لأنه بالنسبة إلى الصلاة الثانية كمن صب الماء قبل الوقت، أو كل صلاة صلاها بالتيمم ما لم يحدث أو يغلب على الظن إمكان أدائه بوضوء واحد؟ فيه وجوه.
ومنها: وقع في واحد من ثلاثة أوان نجاسة ولم يعرف عينه فاجتهد فيها ثلاثة، أدى اجتهاد كل منهم إلى طهارة واحد وأم كل بصاحبه؛ فصلاته التي أم فيه صحيحة، وكذا أول صلاة ائتم فيها بغيره إذا اقتصر عليها؛ فإن لم يقتصر فهل يقتصر العشاء على الأخيرة؛ لأن بها يتعين فقدان الشرط أو يفسدان جميعا؟ فيه وجهان.
ومنها: لو أمن مائة ألف من المسلمين مائة ألف من الكفار، قال الإمام: فأمان الكل مردود، وحاول الرافعي فيما إذا صدر هذا التعاقب على الصحة إلى ظهور الخلل.
ووافقه النووي وأطلق، وابن الرفعة قيده بما إذا عرف الأول. ولك أن تقول: لم لا يصح، وإن جهل ثم يستعمل القرعة ولي عليه كلام ذكرته في كتاب "التوشيح".
ومنها: إذا زاد الأمان على المدة هل تبطل في الزائد أم في الكل؟ فيه خلاف وإذا حققت القدر المشترك بين هذه المآخذ آل بك الذكر خلاف الصفقة وانفتح لك باب لعد مسائلها في هذه القاعدة ما دام الكلام مقصورا على المعيشة؛ فإن عممته في المعية والتعاقب أنجز ذلك الكلام على مسائل انعطاف الحاضر على الذاهب وتذكرت مسائل انعطاف النية ومسألة انعطاف ثواب من نوى في أثناء النهار على أوله ونظائرها.
فصل:
قدمنا الكلام فيما إذا تعقب أمر مجموع أمور لو لم تجمع لما كان، وقد يتعقب أمر أمورا هو غني عن مجموعها، ونعني بغناه عن المجموع أن بعضها كان كافيا في إثارة ذلك الأمر الذي يعقبها.
وذلك يعرض في المأمورات كمسح قدر زائد على الواجب في الرأس، والمنبهات كمن شرب من النبيذ قدرا يسكره منه بعضه؛ فهل الحاصل له كائن من مجموعها أو من القدر الذي لو انفرد لأثر؟ فيه نظر واحتمال، ولذلك إذا شهد أربعة بحق يثبت بشهادة اثنين منهم؛ فهل نقول: ثبت الحق بالكل أو باثنين على الإبهام؟
يظهر فيه هذا التردد، وتظهر فائدته في مسائل:
منها: لو رجع اثنان هل يتعلق بهما غرم؟
وفيه وجهان أصحهما -وبه قال ابن سريج والإصطخري وابن الحداد- لا غرم عليهما.
والثاني، وبه قال المزني وأبو إسحاق -عليهما الغرم بالحصة؛ لكن إذا كان في القصاص فلا قصاص، خلافا للقفال فيما إذا تعمد.
ومنها: الأوقاص التي بين النصب أصح القولين أنها عفو، والثاني أن الواجب يبسط على الكل.
وتظهر فائدة فيما لو ملك تسعا من الإبل وحال عليها الحول ثم تلف -قبل التمكن- أربع وقلنا: الإمكان شرط الضمان لا الوجوب؛ فإن قلنا: الوقص عفو فعليه شاة، وإلا فالأصح أن عليه خمسة اتساع شاة لا شاة، ومنها لو حضر ابنان للزوج وابنان للزوجة انعقد النكاح، قال الإمام: باتفاق الأصحاب، وقال في "زيادة الروضة" بلا خلاف.
ورأى ابن الرفعة تخريج خلاف فيها من مسألة الشهود قبلها، قال: "إن قلنا: لا غرم، فما ذاك إلا لثبوت الحق لاثنين على الإبهام، فيكون الانعقاد -هنا- مضافا إلى اثنين من أربعة؛ فيعود الخلاف.
وإن قلنا بالغرم فما ذاك إلا لأن الحق ثبت بالجميع، وقياسه إضافة الانعقاد هنا
إلى الجميع وإذا جرد النظر إلى واحد واحد كان متصفا بما يمنع الانعقاد.
قلت: ولمنازع في الأول أن يقول: لم قلت إن عدم الغرم لا يكون عند الثبوت الأربعة؟ وجاز أن ينتفي الغرم -وإن ثبت الحق بالأربعة- لبقاء من تنهض به الحجة.
وبذلك وجه ابن الصباغ -كما نقله الرافعي عنه في الزكاة- قول أبي إسحاق فيما إذا تلف أربع من التسع قبل التمكن -المسألة المتقدمة- أن عليه شاة؛ فقال الزيادة على الخمس ليست شرطا في الوجوب فلا يؤثر تلفها -وإن تعلق بها الواجب- كما لو شهد خمسة بالزنا ورجع الخامس بعد الرجم فلا ضمان.
وإن كنت -أنا- لا أرتضي هذا التوجيه؛ لأن المنقول عن أبي إسحاق في هذه المسألة- أن على الراجح الضمان فكيف يوجه مذهبه في الزكاة بخلاف ما يعتقده في الشهادة.
ثم قول ابن الرفعة: أنه ثبت باثنين -على الإبهام- محتمل لكن جعله ذلك أصلا لعدم الغرم يقتضي أنه لما رجع الاثنان تبين ثبوت الحق باللذين لم يرجعا، وليس كذلك؛ لأن الحكم إنما وقع بمبهم فكيف يعود بمعين وليس كمن طلق -مبهما- ثم عين، فإن ذلك له أن يعين ما أبهم.
وهذا حكم مستند إلى مبهم، فاعتقاد أنه استند إلى معين -بعد ذلك- مكابرة في المحسوس؛ وإنما كان يمكن هذا لو كان رجوع الراجعين يخدش في الحكم المستند إلى شهادتهما لكنه لا يخدش؛ إذ لا ينقض الحكم برجوعهما.
نعم يمكن أن يوجه عدم الغرم بأنه لما وقع الحكم بالمبهم لم يكن إلزام هذين بغرم، إذ لا يتعين أن يكون الحكم بهما.
فإن قلت: أفصح لي عما تعتقد في الشهود الأربعة، أتعتقد ثبوت الحق بالمجموع؟ أم باثنين مبهمين؟ أم ماذا؟
قلت: إن شهدوا دفعة واحدة؛ فالأظهر ثبوته بالمجموع ويحتمل أن يقال ثبت "باثنين" واجتماعهما كاجتماع دليلين على مدلول واحد -عند من يقول به- ويحتمل [أن يقال] ثبت باثنين مبهمين؛ لكن لا يصيران معينين أبدا، لأن الحكم إنما وقع هكذا. وإن شهدوا مرتبين فقد يقال: ثبت بالمجموع وقد يقال: ثبت بالأولين ولا ينبغي أن يقال
هنا بالإبهام لأن المقتضي لحكم القاضي قد حصل بشهادة الأولين. قبل شهادة الآخرين -وإن لم يكن المانع منه إلا عدم سؤال المدعي- إذ لو سأل قبل شهادة الأخيرين لتعين الحكم، وبهذا يظهر لك أن الواقعة فيها شهود ليست أرجح من الواقعة فيها شاهدان، وأنه لا ترجيح بكثرة الشهود -كما هو مذهبنا- بل أن الكثرة قد تضر؛ فإن استناد الحكم يبقى على ما ذكرنا من التفصيل والاحتمال وسيزداد هذا بيانا.
فأقول: وحيث قلنا: إن الحق ثبت بالمجموع؛ فقد يقال: إذا رجع اثنان وبقي النصاب المعتبر -ولنفرض ذلك في العقوبات قبل الاستيفاء- فينبغي ألا يستوفي؛ حتى يعود الأولان ويعيدان شهادة جديدة؛ لأن شهادتهما الأولى لم يكن الحكم بها مجردة، بل بها مع غيرها فيصير رجوع البعض مبطلا للمجموع الذي هو الحجة، ورجوع الحجة قبل استيفاء العقوبة يمنع من استيفائها فليكن هذا مثله أو هو هو، فتأمل ما أجربته لك من البحث.
أما قول ابن الرفعة في الثاني -لو جردنا النظر إلى كل واحد لكان متصفا بما يمنع الانقعاد
…
فممنوع على القول بأن الشاهد لأبيه وأجنبي يقبل، وهو الصحيح.
ثم لمنازع أن ينازع ابن الرفعة في أصل التنظير، ويقول: ليست مسألة ابني الزوج وابني الزوجة كمسألة الأربعة في الحق الذي ثبت باثنين، ولا مما نحن فيه؛ لأن كلامنا في مجموع ينشأ عنه ما ينشأ عن بعضه، كما في الأربعة ينشأ عنها ما ينشأ عن الاثنين لو تجرد، أما ابنا الزوج وابنا الزوجة فليس بعضهم بكاف؛ ألا ترى أنه لو شهد ابن الزوج وابن الزوجة أو ابنا الزوج وابنا الزوجة، ففيه وجوه شهيرة.
فإن قلت: أتقطع بانتفاء الخلاف عن ابني الزوج وابني الزوجة، كما نفاه النووي قلت: لا، ولكني لم أره، وما ذكره ابن الرفعة من التخريج فيه ما عرفت.
فإن قلت: هل لا يصح أن يخرج فيها خلاف من وجهين حكاهما الرافعي في كتاب الطلاق فيما إذا قلنا بصحة النكاح بالكتب؛ فكتب.
هل يشترط أن يحضر القبول شاهد الإيجاب؟ وقال: أصحهما ألا يشترط وبه جزم في كتاب النكاح، ووجه التخريج أنه لا يثبت بابني الزوج إيجاب النكاح ولا بابني الزوجة إلا قبوله.
قلت: وقد يفرق بأن كلا من الأبناء يشهد على النكاح بجملته؛ وإنما وقع الرد في حق أصله، وليس هو بمردود على الإطلاق؛ ألا ترى أنه لو شهد خشية ابتداء، قيل كما
قال الأصحاب في الأب يشهد بنكاح ابنه إن شهد ضمن دعواه لم يقبل، وإن شهد خشية ابتداء قبل. فإن قلت: لو كان كل الأبناء يشهد بجملة النكاح لجرى فيه الخلاف فيمن شهد لأبيه وأجنبي.
قلت: قد بينا بأنه يعرف أنهم لم يشهدوا؛ وإنما حضروا عقد النكاح ولسنا على جزم بالاحتياج إلى شهادتهم لأصلهم لأنه قد لا تقع شهادة، وبتقدير وقوعها قد تقع مقبولة فيما إذا أخرجوها مخرج الحسبة؛ فليس كمن بت شهادته لأبيه وأجنبي.
أنه جاء بشهادة بعضها مردود، وهذا لم يأت إلى الآن بشيء فكيف تبطل؟
فإن قلت: المعتبر في شهود النكاح أن يكونا بصفة القبول وقت الأداء، ولذلك لم تنعقد بالفاسقين.
قلت: هذا على إطلاقه غير مسلم، ولذلك ينعقد بالمستورين، ثم قلت: إنهما ليسا بصفة القبول عند الأداء، وقد قلنا: إنه جاز أن تكون شهادتهما عند الأداء مقبولة.
ومن ثم امتنع بعض الأصحاب في إجراء الخلاف في الانعقاد في العدوين، قال: لأن العدواة قد تزول.
فصل:
يقرب من هذه المآخذ: إذا تولد الشيء بين مضمون وغير مضمون؛ فهل يعطى جميعه حكم الضمان.
وفيه صور:
منها: إذا أوجبنا الضمان بالختان -كما في الحر والبرد المفرطين- فالواجب جميع الضمان للتعدي أو نصفه؛ لأن أصل الختان واجب والهلاك حصل من مستحق وغير مستحق؟ فيه وجهان: قال الرافعي: أظهرهما الثاني.
ومنها: وجهان كذلك في إقامة الجلد في الحر أو البرد المفرطين.
ومنها: إذا ضربه -في الجلد- فأنهر دمه فلا ضمان عليه؛ لأنه قد يكون ذلك من رقة الجلد، فإن عاد فضربه في موضع انهار الدم ففي الضمان وجهان.
فإن أوجبناه ففي قدره وجهان: أحدهما: جميع الدية، والثاني: نصفها ذكره القاضي مجلى في "الذخائر" في كتاب موجبات الضمان.
أصل مستنبط:
كل من يتوقف صحة الشيء على إذنه لم يؤثر منعه فيه بخلاف من يتوقف وجود الشيء على إذنه فإن منعه مؤثر في إبطاله.
ومن ثم لو نهت غير المجبر عن أن يوكل في تزويجها لم يكن له التوكيل ادعى الإمام البغوي أنه لا خلاف، وقال الماوردي: إن قلنا: لا يعتبر إذنها لتوكيل لم يؤثر منعها منه.
ومن هنا أثبت ابن الرفعة خلاف، وشكك به على دعوى الإمام البغوي نفي الخلاف، ونازعه الشيخ الإمام وقال: الأشبه القطع بنفي الخلاف.
قاعدة: "ما ثبت بالشرع أولى مما يثبت بالشرط"1
قاله الأصحاب ووجهوا به القول الصحيح في أنه إذا قال طلقتك بألف على أن لي الرجعة يسقط قوله بألف ويقع رجعيا؛ لأن المال ثبت بالشرط والرجعة ثبتت بالشرع فكانت أقوى.
غير أن لك أن تقول: الماء ثبت في الخلف بالشرع أيضا فينبغي أن يكون الساقط -هنا المال المعين لا مطلق المال، لأن الشرع يثبته فليس دفع المال أولى من دفع الرجعة.
وسيجيء في هذا البحث تتمة من حرف الباء من قسم النحو في أواخر هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى- والقاعدة صحيحة؛ وإنما الكلام في تخريج هذا الفرع عليها وأوضح منه تدبير المستولدة فإنه لا يصح؛ لأن عتق المتولدة عند الموت ثابت بالشرع فلا يحتاج وقت الموت إلى تدبير.
ونظيره الشرط الذي يقتضيه العقد: الصواب عندنا أنه لا يضر ولا ينفع ومقتضى العقد مستفاد من العقد بجعل الشارع لا من الشرط، وهو رأي الإمام الغزالي والرافعي وغيرهم.
1 المنثور 3/ 134، الأشباه للسيوطي 149.
قال الزركشي: أشار الرافعي لهذه القاعدة في فروع التعليقات.
وقول المحاملي: "إن شرط مقتضى العقد صحيح" - إن عني به أنه لا يفسد فحق، وإن عني به أنه يؤثر شيئا فلا نوافقه عليه.
وقد يقال: يكون المعلول علتان -على رأي من يجوز اجتماع علتين- وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله في مسائل أصول الدين عند الكلام على التعليل بعلتين.
وكل هذه الفروع تدل؛ لأنه [إذا اجتمع خيار المجلس وخيار الشرط يكون ابتداء خيار الشرط من حين التفرق] 1، وهو وجه؛ لأن ما قبله ثابت بالشرع، فلا يحتاج إلى الشرط.
وقد يقال: لا تعارض بينهما عند من يجوز اجتماع علتين وتشبه هذه القاعدة نذر الفرائض فإنه لا يصح؛ لأنها ثابتة بالشرع وورود الالتزام عليها لا يفيد شيئا، وذلك مما يوضح أنه لا يجتمع علتان.
قاعدة: "الإكراه يسقط أثر التصرف فعلا كان أم قولا".
وسنتكلم على هذه القاعدة في أصول الدين، ونقتصر -هنا- على المستثنى منها، وهو مسائل: ذكر الغزالي منها في كتاب الطلاق خمسا.
منها: الإسلام، وفي استثنائه نظر؛ فإنه إذا كان المكره عليه ذميا فالأصح عدم صحته وإن كان حربيا أو مرتدا فالإكراه هنا بحق.
وقولنا: الإكراه يسقط أثر التصرف بخصوص الإكراه بغير حق ما سنبين في أصول الدين إن لم نجعل صفة الإكراه منافية للتكليف وهو الحق وإن جعلناها منافية فلا فرق بين الإكراه بحق وباطل فليقع الاستثناء2.
ومنها: الرضاع والاستقبال والحدث؛ فيصح عن إكراه لتحققها في أنفسها. وحكى الرافعي عن الحناطي في مس الذكر ناسيا وجهين لا يبعد جريانهما في الإكراه.
ومنها: الأصح بطلان صلاة المتكلم في الصلاة مكرها، ولا خلاف في بطلانها بالأفعال الكثيرة وإن صدرت عن إكراه، واختلفوا في فطر المكره.
ومنها: الإكراه على القتل لا يتجه إجماعا، ولا يسقط القصاص على الصحيح،
1 سقط من أوالمثبت من ب.
2 في "ب" فليقع الاستثناء على هذا.
ولا يصح استثناء القتل؛ لأن ما من شيء يكره به عليه إلا وهو أشق منه، وقد يعرض في قول القائل -اقتل هذا وإلا قتلتك قبله- تعذيب بكيفيات يصعب على النفوس ويسقط مطلق القتل في مقابلتها.
ومنها الزنا: إن قيل: يتصور الإكراه عليه وهو الصحيح؛ فإنه لا يباح بالإكراه.
ومنها: إذا علق الطلاق على صفة فأكره عليها ففيه قولان.
ومنها: إذا تبايعا في عقد الصرف وتفرقا مكرهين قبل القبض، نقل صاحب الاستقصاء عن صاحب الإفصاح أنه يبطل.
وقد يعترض على هذا بأن الإكراه لا يبطل خيار المجلس على الصحيح. ويجاب بضيق باب الربا، وللوالد رحمه الله كلام مبسوط في شرح المهذب والمنهاج.
ومنها: الحلف بالله مكرها ينعقد يمينه -على وجه حكاه ابن الرفعة- ولعله أخذه من تعليقة القاضي أبي الطيب فإنه حكاه فيها.
ومنها: الوكيل في الطلاق إذا أكره ففي صحته احتمالان لأبي العباس الروياني أحدهما: الوقوع لحصول اختيار المالك، وأصحهما عنده أنه لا يقع لأنه المباشر.
قاعدة: "معزوة إلى الأودني".
"ما يسقط بالتوبة يسقط حكمه بالإكراه وما لا فلا".
ويرد شرب الخمر؛ فإنه يباح بل يجب بالإكراه وحده لا يسقط بالتوبة على الأصح والقذف مثله أيضا.
قاعدة: الاشتغال بغير المقصود. إعراض عن المقصود1.
في صور منها: لو حلف لا يسكن هذه الدار ولا يقيم فيها فتردد فيها ساعة من غير غلط حنث، وفيه بحث للرافعي.
ومنها لو قال طالب الشفعة للمشتري عند لقائه: بكم اشتريت أو اشتريت رخيصا بطل حقه.
1 الأشباه للسيوطي ص158.
ومنها: لو كتب أنت طالق ثم استمر فكتب إذا جاءك كتابي فإن لم يحتج إلى الاستمرار طلقت وإلا فلا؟ إذ لا إعراض.
قاعدة: "الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه1 واعتراف بصحته".
في مسائل منها:
رضا أحد الزوجين بعيب صاحبه؛ فازداد العيب فلا خيار على الصحيح لأن رضاه به رضا بما يتولد منه.
ومنها: ادعت المنكوحة برضاها -حيث يعتبر إذنها- أن بينها وبين الزوج محرمية لم يقبل؛ لأن رضاها بالنكاح يتضمن اعترافها بحكمه؛ فلا يقبل منها نقضه إلا إذا ذكرت عذرا، كنسيان ونحوه فتصدق لتحليفه.
ومنها: علمت بإعساره عن المهر وأمسكت عن المحاكمة بعد طلب المهر كان رضاه بالإعسار مسقطا للخيار؛ بخلاف ما إذا كان قبل الطلب لاحتمال أن التأخير لتوقع النسيان.
ومنها: لو ادعت بعد الدخول -وهي معتبرة الإذن- أنها زوجت بغير إذنها، قال البغوي: لا يقبل، قال الرافعي كأنه نزل الدخول منزلة الرضا.
ومنها: لو قال رشيد: اقطعني ففعل فسرى فهدر، وفي قول: تجب الدية.
ومثل علماؤنا لذلك بالقيمة من إيجاب الزكاة في الشاة.
وأنا متوقف في صحة التمثيل به، وأقول لمن أجاز القيمة أن يقول: أنا مستنبط معنى معمم لا بيطل؛ لأني لا أمنع أجزاء الشاة، وهي شيء ذكرته في شرح المختصر، وأنا باق عليه؛ غير أني هنا أقول: قد يقول أصحابنا: هب أنك تقول أجزاء الشاة إلا أنك من حيث لم تحصر الأجزاء فيها مبطل للفظها في قول النبي صلى الله عليه وسلم "في أربعين شاة شاة2
1 وقريب منها قاعدة المتولد من مأذون فيه لا أثر له.
انظر المنثور 2/ 176، الأشباه للسيوطي ص141.
2 أبو داود في السنن 2/ 99 في الزكاة/ باب في زكاة السائمة "1572" وفيه الحارث الأعور وعاصم بن ضمرة.
وليست القيمة أعم من الشاة بل هي قيمة لها فما لذكر الشاة فائدة؛ إذ لا تنبيه فيها بالأخص على الأعم؛ إذ لا أعم هنا كما بيناه، ولا هي نفس الواجب على ما زعمت الخصوم، ولكني لا أرتضي هذا كل الرضا.
وأقول: قد يقول الخصم: جاء ذكر الشاة من قبل مقابلته لمثله؛ فإنه لما كان الموجب فيه شياها حسن في اللسان أن يذكر لفظ المقابل بإزائه؛ ألا ترى أن أحدا لم يقل بأن القيمة لا تجزئ في الإبل والبقر وتجزئ في الغنم؛ بل إنها ما تجزئ في الكل فلم يكن لفظ الشاة واردا لتعينه فافهم ذلك فيه يضمحل التمثيل.
وأنا أرى أن نمثل لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم "ذكاة الجنين ذكاة أمه" 1 فلقد اقتحم الخصوم فيه أمر عظيما وقدروا لفظ المثل فقالوا المعنى مثل ذكاة أمه وهذا التقدير مع كونه غير محتاج إليه لإمكان صحة الكلام دونه باطل لأنه عائد على الكلام بالإبطال وتصييره لغوا؛ فإن الجنين إن احتيج إلى ذكاته فذكاته كذكاة سائر الحيوانات -لا خصوصية لأمه- ثم إن كل عاقل يعرف أن ذكاته كذكاتها وذكاة غيرها بلا تفاوت فلا يكون اللفظ مقيدا، البتة.
ونظيره تقدير بعض المالكية "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال"2، أن المعنى بست من الفطر إلى أيام الفطر؛ فلا فرق بين شوال وغيره ثم قال: ينبغي تفريقهما ولا يأتي بها متتابعة؛ فانظر كيف محقوا اللفظ محقا.
فصل:
ويجوز استنباط معنى يعمم، كمشوش الفكر من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يقضي القاضي وهو غضبان" 3؛ فلقد عممنا الغضب، ونقل القاضي أبو الطيب الإجماع على ذلك.
وخصصناه بالغضب إلا الله؛ إذ لا كراهة على ما ذكر الإمام البغوي فيما إذا كان الغضب لله، واستنباط معنى يعمم هو باب القياس.
1 أبو داود 3/ 103 الأضاحي/ باب في المبالغة في الذبح "2826"، والحاكم في المستدرك 4/ 114 في كتاب الأطعمة باب ذكاة الجنين، وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي.
2 مسلم من حيث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه 2/ 822 في الصيام/ باب استحباب صوم ستة أيام من شوال "204/ 1164".
3 البخاري 13/ 136 في الأحكام/ باب هل يقضي القاضي
…
حديث "7158" ومسلم 3/ 1342-1343 في الأقضية/ باب كراهية قضاء القاضي وهو غضبان "16/ 1717".
فصل:
وفي استنباط معنى يخصص قولان.
قال ابن الرفعة في الصداق من "المطلب" يظهر أثرهما في مسائل:
منها: قوله صلى الله عليه وسلم "لا تتلقوا الجلب" 1 وقوله صلى الله عليه وسلم "من اشترى ما لم يره" 2، ونهيه صلى الله عليه سلم عن بيع اللحم بالحيوان3، وغير ذلك قال: فمن نظر إلى اللفظ أثبت الخيار عند صدق تلقي الجلب وإن لم يحصل غبن وعند موافقة المبيع لما وصف عند رؤيته، وصنع بيع اللحم بحيوان غير مأكول، ومن نظر إلى المعنى عكس الحكم".
قلت: وكذلك "ليس للقاتل من الإرث شيء"، من تعليق بلفظه عمم القاتل - خطأ وبحق وغيرهما من نظر إلى المعنى خصصه.
وكذلك قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 4 من اعتبر تجرد اللفظ نقض الوضوء بمجرد لمس المحارم، ومن نظر إلى المعنى خصصهن.
وقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} 5.
من اعتبر اللفظ منع فرار عشرين ضعفاء من المسلمين من تسعة وثلاثين من اعتبر المعنى جوزه.
1 مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 3/ 1157 في كتاب البيوع/ باب تحريم تلقي الجلب "17/ 1519".
2 أخرجه الدارقطني في سنته عن زاهر بن نوح، ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي، ثنا وهب اليشكري عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه
…
" وزاهر بن نوح لا يعرف.
3 أخرجه أبو داود 3/ 250 في كتاب البيوع/ باب في الحيوان بالحيوان نسيئة حديث "3356" والترمذي 3/ 538 في البيوع / باب من جاء في كراهية بيع الحيوان الحيوان نسيئة "1237"، وقال: حسن صحيح، بيع الحيوان بالحيوان نسيئة "2270"، وأحمد في المسند 5/ 12-19-21 والدارمي في السنن 2/ 254 في البيوع/ باب في النهي عن بيع الحيوان بالحيوان.
4 النساء "43".
5 الأنفال "66".
وقوله صلى الله عليه وسلم "من احتكر فهو خاطيء"1.
ومن اعتبر اللفظ حرم الاحتكار في كل موضع وفي كل سلعة -وإن لم يضر- وهو المنقول عن مالك، ومن اعتبر المعنى خصصه بوقت الغلاء، وعليه مذهبنا.
تنبيه:
لا يخفى عليك أن الممتنع على أحد القولين؛ إنما هو [إسقاط] 2 معنى -من نص وغيره- يعود عليه بالتخصيص، لاعتقاد أنه مبطل.
أما استنباط معنى -من نص وغيره- يعود عليه بالتخصيص فلا يمتنع ثم يتعارض. وهو وإن كان مستبطا من نص آخر قدم عليه، أو من قياس فالكلام فيه كالكلام في التخصيص بالأقيسة؛ فإياك أن تبحث على كل عام أخرجت منه صور لمعان استنبطت وتقول لم لا جرى فيها قولان؛ بل ليس لك هذا السؤال إلا أن وجد المعنى استنبط من اللفظ نفسه لا من سواه.
وإلا فكم من عام خصص بالمعاني وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} 3 مخصوص بالمسلمين إجماعا.
وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} 4 خص من ذوي القربى الكفار بلا خلاف وخص أبو حنيفة الأغنياء واشترط الشافعي الفقر في أبناء السبيل، وتردد في اليتامى؛ فأما تخصيصهم الكفار فليس من معنى مستنبط من النص، بل لأن المأخوذ منهم لا يرد عليهم، وغير ذلك من أمور خارجية.
قاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور
ومن أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
1 مسلم من حديث معمر بن عبد الله العدوي 3/ 1227 في كتاب المساقاة/ باب تحريم الاحتكار في الأقوات "129/ 1605".
2 سقط في ب.
3 سورة: التوبة آية: 60.
4 سورة: الأنفال آية: 41.
وبها رد أصحابنا على أبي حنيفة قوله: "إن العريان يصلي قاعدا"؛ فقالوا إذا لم يتيسر ستر العورة فلم يسقط القيام المفروض؟
وذكر الإمام في أواخر الغياثي ومن خطه نقلت أن هذه القاعدة من الأصول الشائعة التي لا تكاد تنسى ما أقيمت أصول الشريعة.
وقد ذكر الشيخ الإمام في باب التيمم من "شرح المنهاج" وأكثر من عد مسائلها.
فمنها: إذا كان مقطوع بعض الأطراف يجب غسل الباقي جزما.
ومنها: إذا قدر على بعض السترة فعليه ستر القدر الممكن.
ومنها: إذا قدر على بعض الفاتحة أتى بها.
ومنها: إذا لم يمكن المصلي رفع اليدين إلا بالزيادة على المشروع أو نقص أتى بالممكن.
ومنها: إذا انتهى المظاهر إلى المرتبة الأخيرة؛ فلم يجد إلا إطعام ثلاثين.
قال الإمام: يتعين عندي إطعامهم قطعا.
ومنها: إذا وصى بإعتاق عبد فلم يخرج كله من الثلث عتق ما يخرج منه قطعا.
ومنها: إذا وجد من الماء ما لا يكفيه فالأظهر وجوب استعماله، والقولان جاريان فيما إذا لم يكن معه ماء ولكن معه ما يشتري به ماء.
ومنها: إذا قدر على بعض الماء ولا تراب معه فطريقان: أصحهما يجب استعماله والثانية طرد القولين.
ومنها: الأصح -في القدرة على بعض التراب- الوجوب وقيل: على القولين.
ومنها: إذا كان في بعض بدنه ما يمنع استعمال الماء غسل الصحيح وتيمم على الجريح، وقيل: على القولين.
ومنها: إذا قدر على بعض الصاع من الفطرة لزمه إخراجه - على الأصح.
ومنها: إذا قدر على بعض الرقبة في الظهار لم يقدر على الصيام ولا الإطعام؛ فأوجه خرجها ابن القطان.
أحدها: الاكتفاء به.
والثاني: إخراجه، ويبقى الباقي في ذمته.
والثالث: لا يخرجه.
ومنها: عتق بعض الرقبة وهو موسر ببعض قيمة الباقي فالأصح السريان إلى القدر الذي هو موسر به.
ومنها: أوصى بشراء عبد بألف وعتقه فلم يخرج الألف من الثلث وأمكن شراؤه بما يخرج منها وجب.
ومنها: عليه نجاسات ووجد ما يغسل بعضها غسله قطعا، وقيل: على القولين.
ومنها: لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لزمه القيام خلافا لأبي حنيفة.
ومنها: لو لم يقدر على الانتصاب بأن تقوس ظهره وصار في حد الراكعين فقال الغزالي -تبعا لإمامه- يقعد.
والأصح لا؛ بل يقف راكعا.
ومنها: لو اطلع على عيب المبيع ولم يتيسر له المبادرة بالرد ولا الإشهاد من وجوب التلفظ بالفسخ وجهان جاريان فيه وفي الشفعة.
ومنها: اشترى الشقص بثمن مؤجل فالشفيع مخير بين أن يعجل ويأخذ الشقص في الحال وأن يصير إلى حيلولة الأجل -على أصح الأوجه- وهل بنيه المشتري على المطلب؛ فيه وجهان.
ومنها: ملك مائة نقدا أو مائة مؤجلة على مليء فكيف تزكي؟ والتفريع على الأوجه وهو أنه تجب الزكاة في المؤجل ولا يجب الإخراج في الحال ولكن بعد الاستيفاء الأصح أنه يلزمه الإخراج عما في يده؛ لأن الميسور لا يتأخر بالمعسور.
ومنها: ذكر العراقيون -عن نص الشافعي- أن الأخرس يلزمه أن يحرك لسانه بدلا من تحريكه إياه في قراءة الفاتحة، قالوا: والتحريك من غير قراءة كالإيماء بالركوع والسجود.
وقال الإمام في "النهاية" وهذا مشكل عندي؛ فإن التحريك بمجرد لا يناسب القراءة ولا يدانيها، فإن إقامته -بدلا- بعيد.
قال "ثم يلزم -على قياس ما ذكروه- أن يلزموا التصويت من غير حروف مع تحريك اللسان، وهذا أقرب من التحريك المجرد.