الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قواعد باب الإقرار:
وخص بالتبويب لكثرة قواعده، وفيها ما هو منصوص أصل منصوص؛ قال الشافعي رضي الله عنه: أصل ما أبني عليه الإقرار أني لا ألزم إلا اليقين وأطرح الشك ولا أستعمل الغلبة.
وهذه العبارة المنصوصة أجود من كل العبارات الشارحة لها وأوضح، وأقصى ما ذكروا فيها أن مراده باليقين أعم من الظن الغالب، وادعى ابن القاص استثناء مسألتين من هذا الأصل، واستثنى غيره غيرهما، ونحن نورد المستثنيات.
قاعدة: قال صاحب التلخيص: كل سكران يصح إقراره إلا اثنين.
أحدهما: المكره على الشرب.
والثاني: من ظن المسكر غير مسكر.
قال أصحابنا في ما حكاه القفال عنهم ونقله عن صاحب البحر ساكتا عليه هذا إذا ظن جنس المشروب غير مسكر، أما من عرف أن جنسه مسكر؛ ولكن ظن أن ذلك القدر لقلته لا يسكر فإقراره صحيح.
قلت: وهذا بعض ما في الرافعي وكتب المتأخرين؛ إذ الذي فيها أن من لم يعلم أن المشروب من جنس ما يسكر معذور، ومن لم يعلم أن المشروب من جنس المسكر أعم من أن يظنه غير مسكر، أو يكون ساذج أقدم على شرب شيء مجهول ولا يلزم من مسامحة من ظنه غير مسكر مسامحة من لا ظن له البتة.
والذي اعتقده أن إطلاق الرافعي محمول على تقييد ما نقله القفال عن الأصحاب؛ فلا يسامح إلا من ظن الجنس غير مسكر أما من لا ظن له أصلا فحقه البحث ولا يسامح.
قاعدة: قال صاحب التلخيص -في باب الإقرار- ما نصه، "وإذا كان له على رجل في ذمته مال، فأقر به لغيره.
جاز في الحكم إلا في ثلاثة".
- إذا أقرت المرأة بصداق على زوجها.
- وإذا أقر الزوج بما خالع عليه امرأته.
- أو أقر بما وجب له من أرش الجناية عليه في بدنه. انتهى.
والعلة في ذلك أنه يختص بمن وجب له، ولا يجوز أن يثبت في الابتداء لغيره- بخلاف سائر الديون.
قلت: وكلام صاحب التلخيص -كما رأيت- صريح في أن محله الديون؛ فيقر بدين ثبت له في ذمة الغير؛ إلا في هذه المسائل، وعلى هذا جرى الجرجاني فقال -في المعاياة بعد ذكر هذه المسائل:"هذا إذا قلنا لا يصح بيع الدين في الذمة، وأن الحوالة تفتقر إلى رضى المحال عليه؛ فإن قلنا يصح بيع الدين، وأن الحوالة تصح من غير رضا؛ فأقر به لغيره في هذه المسائل وعزاه إلى بيع أو حوالة، وصح [وإذا] 1 أطلق فعلى قولين -بناء على القولين فيمن أقر للحمل بمال غير منسوب إلى جهة". انتهى.
وما قاله "من تخريج ذلك على الإقرار بالدين -سبقه إليه الإمام الحرمين، وظن ابن أبي الدم أن الإمام تبع الجرجاني في ذلك، ويشبه أن يكون الأمر بالعكس؛ فإن الجرجاني -صاحب المعاياة- متأخر عن الإمام، وما ذكره من الجزم بالصحة فيما إذا أسنده إلى جهة حوالة أو بيع [صححناه] 2 وحكاية القولين فيما إذا أطلق، وأنهما مبنيان على الإقرار المطلق للحمل، هو ما نقله الرافعي عنه، واقتصار الرافعي على نقله عن الجرجاني عجيب؛ فإن الأكثرين من الأصحاب ذكروه كما ذكر الجرجاني، والجرجاني متبع لهم، منهم القفال -في شرح التلخيص- وغيره.
نعم: بقيت مسألة مليحة، وهي [ما] 3 إذا لم يطلق ولم يسند إلى جهة معينة؛ بل قال: صار ذلك إليه وقد صر بها الماوردي، فقال:"يصح قوله: صار ذلك إليه في الصداق والخلع، ويكون في أرش الجناية على حالين، وإن كان دراهم ودنانير، صح، وإن كان إبلا، فلا".
واعلم: أن الراجح -فيما إذا أطلق الإقرار للحمل- الصحة، فيخرج من ذلك أن ما ذكره صاحب التلخيص لا يجيء إلا على الضعيف؛ فمن ثم حمل الأئمة ما ذكره -كما قال الرافعي- على ما إذا أقر بها عقيب ثبوتها، بحيث لا يحتمل جريان ناقل، ثم اعترض الرافعي ذلك. بأن سائر الديون -أيضا- كذلك فلا ينتظم الاستثناء بل الأعيان بهذه المثابة؛ حتى لو أعتق عبده ثم أقر له السيد أو غيره -عقيب الإعتاق- بعين أو دين، لم يصح؛ لأن أهلية الملك لم تثبت له إلا في الحال. ولم يجر بينهما ما يوجب المال.
1 في "ب" ان.
2 في "ب" ان صححناه.
3 سقط في "ب".
قلت: ولي بحث مع الرافعي، ومع الأكثرين، ومع الأئمة.
فأقول: قول الرافعي رحمه الله: "سائر الديون كذلك" غير مسلم؛ لأن سائر الديون ممكن ثبوتها ابتداء للمقر له، بخلاف هذه الثلاثة، وكلام ابن القاص فيما لا يجوز أن يبت في الابتداء لغي المقر، كذا فهمه القفال وغيره -من الأئمة-[عنه] 1؛ ومن ثم أقول: جعل الأكثرين في هذه الديون الثلاثة إذا أطلق الإقرار بها على القولين فيمن أقر للحمل وأطلق، مستدرك من قبل أن لابن القاص أن يقول لا يلزم من صحة الإقرار المطلق للحمل، صحة الإقرار المطلق بهذه الديون؛ لأن الحمل يصح أن يثبت له ابتداء ما أقر به له بميراث ونحوه، وأما هذه الديون فلا يصح ثبوتها -ابتداء- لغير المقر؛ فقد يقال لا يصح الإقرار المطلق بها لأن الأصل عدم الناقل، ومجرد الاحتمال لا يصلح دفعا لهذا الأصل، بخلاف الحمل فإن الاحتمال فيه أقوى لكونه يصح أن يثبت له ابتداء؛ فلسنا على ثقة من [أن] 2 المقر له ثبت له ذلك، ثم انتقل عنه بل جاز أن لا يكون ثبت له البتة. يكون الحكم به للمقر له مستندا إلى احتمال الناقل وحده، ولست أدعي أن الصحيح عدم صحة الإقرار المطلق بهذه الديون؛ بل أقول: هو أولى بعد الصحة من الإقرار للحمل -وإن اشتركا في الصحة.
وأقول -أيضا- قد يقول ابن القاص بهذه التفرقة؛ فلا يصح الإقرار المطلق لهذه الديون كما هو ظاهر كلامه، وإن صححه في الحمل.
وإذا عرفت هذا، عرفت أن حمل الأئمة كلامه على ما إذا أقر بها عقب ثبوتها؛ بحيث لا يحتمل جريان ناقل، فيه نظر، لأنه -كما عرفناك- يقول:"وإن طال المدى بعد ثبوتها" فاحتمال الناقل فيها أضعف منه في الحمل.
فهذا تمام الكلام على قول الرافعي: "سائر الديون كذلك" وأما قوله: "بل الأعيان بهذه المثابة
…
" إلى آخره، فهو -أيضا- مبني على ما حمل الأئمة كلام ابن القاص [عليه، وقد قلنا: أن لابن القاص] 3 أن يجري كلامه على إطلاقه؛ فلا يتعين حملهم، ولا تكون الأعيان بهذه المثابة نعم: قد يقال: كما لنا ديون لا يقر الإنسان بها لغيره، كذلك لنا أعيان بهذه المثابة، وهذه إلحاق وزيادة، لا إيراد، وكان -حينئذ- ذكر ما ألحقه الماوردي بهذه الصور أولى؛ إذ ألحق بهذه الصور الثلاث ما إذا أقر مالك البهمة
1 سقط في "ب".
2 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
3 سقط من "ب".
بحلها لغيره قال: ولو قال في هذه الصور: "صار ذلك إليه" لم يصح أيضا؛ فإن أراد الماوردي الاعتراض عل ابن القاص؛ فليس بجيد؛ لأن كلامه في الديون لاقى الأعيان، وإن أراد إلحاق العين بالدين فهي فائدة جديدة -لا تعلق لها بابن القاص، ثم لك أن تقول: يصح ثبوت الحمل ابتداء للغير كحامل أو وصي مالكها بحملها لزيد ثم مات، وقبل الموصى له الوصية؛ فالوارث المالك [الحمل] 1 يقر بالحمل لزيد، وهو مالك بهيمة صح إقراره بحملها لغيره، والحمل لم يثبت له ابتداء.
فإن قلت: هب أنه لم يثبت [له] 2 ابتداء؛ إلا أنه -أيضا- لم يثبت للمقر له ابتداء، بل للميت الموصي، وتنزيل وارثه منزلته، أولى من تنزيل الموصي له؛ فإما أن نقدر أنه ثبت للوارث ثم انتقل عنه، فيتجه كلام الماوردي، وإما أن لا نقدر ذلك؛ فلا يصح الاعتراض -أيضا- لعدم [صحة] 3 ثبوته للمقر ابتداء.
قلت: نفرض ذلك في رجل أوصى بما ستحمله هذه الجارية فإن الصحيح صحته فإذا حملت، وأقر به الوارث للموصى له؛ فقد أقر بما يثبت للمقر له ابتداء؛ فلا يتأتى كلام الماوردي في هذه الصورة، ولا ينبغي أن نورد على ابن القاص إلا دين -غير هذه الصور الثلاث- لا يمكن ثبوته ابتداء للمقر.
وقد خطرت لي صورة، وهي الفقراء إذا انحصروا في بلد، ووجبت الزكاة في مال بعض أهل البلد، وفرعنا على القول بتعليقها بالذمة؛ فإنهم إذا أقروا بذلك القدر الواجب لمن ليس من أهل الزكاة؛ فقد أقروا بما لا يصح ثبوته ابتداء للغير؛ فينبغي -على قول ابن القاص- أن لا يصح، بل قد يقال بذلك على كل الأقوال، لأن الذمة ليست خلوا -وإن قلنا- بتعلق الشركة أو الرهن.
وصورة ثانية: وهي الحر المؤجر نفسه إذا أقر بما له من الأجرة في ذمة المستأجر؛ إلا أنه قد يقال: جاز أن يكون المقر له استأجر نفس هذا الحر قبل أن يستأجره المستأجر الثاني، وأذن له أن يؤجر نفسه عنه، فأجر نفسه عنه، فالأجرة ثابتة للمستأجر الأول، والحر واسطة، فلم يمتنع ثبوت المقر به للغير.
فائدة: كثيرا ما يقع أن شخصًا يقر بأنه لا حق له في هذا الوقف، أو أن زيدا هو المستحق دونه، ويخرج شرط الوقف مكذبا للمقر، ومقتضيًا لاستحقاقه، فيظن بعض
1 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
2 سقط من "ب".
3 سقط من "ب".
الأغبياء أن المقر يؤاخذ بإقراره والصواب أنه لا يؤاخذ؛ سواء علم شرط الواقف، وكذب في إقراره، [أو] 1 لم يعلم، فإن ثبوت هذه الحق له لا ينتقل بكذبه [والله أعلم]2.
قاعدة: قال الشيخ الإمام رحمه الله في شرح المنهاج: "ما لا يدخل في البيع لا يدخل في الإقرار، وما يدخل في البيع يدخل في الإقرار إلا الثمار غير المؤبرة فإنها على الصحيح -تدخل في البيع- ولا تدخل في الإقرار.
قلت: وإلا خاتم فيه فص؛ فإنه يدخل في البيع وفي الإقرار.
ظاهر نص الشافعي -وهو الأصح عند البغوي- لا يدخل الفص.
مسائل أخرى فيها كثيرة:
واعلم أن التعبير عن هذه القاعدة بهذه العبارة هو الصواب، وعبر بعض الأصحاب بعبارة أخرى مدخولة، وقد بين الوالد رحمه الله ذلك في شرح المنهاج.
وذكر الرافعي -بعدما رأى انتشار المسائل- أن الضابط "أن ما لا يتبع [في] 3 البيع ولا يتناوله الاسم فهو غير داخل، وما يتبع ويتناوله فهو داخل وما يتبع ولا يتناوله الاسم فوجهان، وقصد بهذا القسم الأخير - الثمار غير المؤبرة.
قال الوالد رحمه الله: ولكنه يرد عليه ثياب العبيد؛ فإنها لا يتناولها الاسم وفي دخولها في البيع خلاف، ولا نعرف أحدًا قال بدخولها في الإقرار من جهة التبعية، نعم في دخولها فيه خلاف من جهة اليد قال: ولا جرم أن الإمام قيد الضابط المذكور بأن تكون العين التي لا يتناولها الاسم متصلة بما يتناوله الاسم، وثياب العبيد منفصلة عنه.
وأورد ابن الرفعة على الرافعي ما حكى ابن سريج أنه إذا أقر لرجل بجارية، رحمه الله: "وقد يجاب عن هذا بأنه ليس لأجل التبعية في الإقرار بل لأن ملك الأم يقتضي ملك الولد حتى يثبت خلافه
…
".
قاعدة: قال القاضي أبو سعد: ضمني كل إقرار مثل صريحه، واستشهد بمسألتين:
1 في "ب" أم.
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
إحداهما: قال الزوج: أخبرتني الرجعية بانقضاء عدتها -وهي لم تدع ذلك- فرجعتها، صحت المراجعة، ولأن الخبر ينقسم إلى صدق وكذب ولم يعين خبرها في جانب الصدق إذا لم يصدقها في ذلك؛ فصار كما لو صرح بأنها أقرت كاذبة، فإن ادعت انقضاءها وكذبها وراجعها في تلك الساعة -قبل تحليفها- فإن حلفت تبين بطلان الرجعة، وإن نكلت وحلف هو، تبين صحة الرجعة على ظاهر المذهب. انتهى ملخصا.
وفيه كلامان:
أحدهما، أنه لم يتبين لي صحة الاستشهاد منه؛ فإن قوله: "أخبرتني بقضاء العدة، إذا لم يتضمن التصديق، لا يتضمن التكذيب؛ وإنما اقتضى التكذيب مراجعته إياها بعد ذلك، ومراجعته ليست إقرارا، بل هي إنشاء الرجعة.
ولو جعل هذه المسألة مستثناة من القاعدة، لكان متجها، ووجهه أن اعترافه بإخبارها بانقضاء العدة يتضمن أن لا رجعة له؛ لأنه اعترف بإقرارها بما جعلها الشارع مؤتمنة عليه، لكنا جعلنا له الرجعة؛ فلم يعط ضمني الإقرار حكم صريحه.
والثاني: أن حكم المسألة فيه إشكال، ونقلها فيه إشكال، وبيان إشكال الحكم ما ذكرناه من أن الخبر وإن لم يستلزم الصدق لكن اعترافه بأنها أخبرت اعتراف بأن لا رجعة له، وليس له عليها غير اليمين على ما ائتمنها عليه الشارع؛ فكيف نمكنه من الرجعة.
ولعل صورة المسألة: أن تكذبه في أنها أخبرته، أو أن تقول: أخبرته؛ ولكني كنت كاذبة، والواقع أن عدتي لم تنقض.
وعلى هذا الوجه: نقل المسألة الرافعي في آخر باب الرجعة -فقال وعن نصه- في الأم لو قال: أخبرتني بانقضاء العدة، ثم راجعها مكذبا لها؛ فقالت -بعد ذلك- ما كانت عدتي منقضية، وكذبت نفسها، فالرجعة صحيحة، لأنه لم يقر بانقضاء العدة، وإنما أخبر عنها. انتهى.
وكشفت عن هذا النص؛ فوجدت -في مبسوط البيهقي- ولو طلق امرأته ثم قال: أعلمتني بأن عدتها قد انقضت [ثم راجعها، لم يكن هذا إقرارا بأن عدتها قد
انقضت] 1؛ لأنها قد تكذبه فيما أعلمته، وتثبت الرجعة إذا قالت المرأة، لم تنقض عدتي، وفي رواية البويطي وقد قيل ولا رجعة له، لإقراره بانقضاء العدة. انتهى.
وعزاه إلى الجديد، وفيه تأييد لنقل الرافعي، لتقييده ثبوت الرجعة بما إذا قالت المرأة: "لم تنقض عدتي؛ غير أن لفظه -كما رأيت- أعلمتني، لا أخبرتني، وما أرى أن مراده بالإعلام إلا الإخبار، فهما سواء، ولو أراد حقيقة الإعلام -وهو تحصيل العلم الذي هو الاعتقاد الجازم المطابق- لما أثبت له الرجعة بعد ذلك بحال لا2 يكون قد صدقها في انقضاء العدة؛ فلا يسمع بعد ذلك منه- أنها لم تنقض وإن وافقته المرأة.
ويدل عليه نص الشافعي رضي الله عنه عقب- هذا؛ إذ قال البيهقي: "وقال الشافعي رضي الله عنه في الكتاب" وإن قال: قد انقضت عدتها، وقالت هي: انقضت، ثم قالت: كذبت، لم يكن له عليها رجعة؛ لأنه أقر بانقضاء عدتها، وكذلك لو صدقها بانقضاء العدة ثم كذبها، لم يكن له عليها رجعة. انتهى.
ثم قال القاضي أبو سعد:
والمسألة الثانية: مسلم تحته مسلمة وكتابية بالنكاح؛ فقال للمسلمة: ارتديت وللكتابية أسلمت، وأنكرتا جميعا، بطل نكاحهما، لزعمه أن الكتابية ارتدت بإنكارها الإسلام، وضمني الإقرار3.
قلت: وصورة المسألة أن يكون ذلك قبل الدخول، وقد نقل الرافعي الفرع قبيل كتاب الصداق عن فتاوي البغوي، وهو شاهد جيد، وفي ظني أن الشواهد على هذه القاعدة كثيرة، وينبغي أن يقال ضمني كل إقرار معتبر مثل صحيحه، وأما الإقرار الذي لم يعتبر فهل يثبت ما تضمنه، فيه نظر؛ وذلك كما إذا أقر بطلاقها واحدة وارتجعها، وادعت أنه طلقها ثلاثا، ثم اعترفت بصدقه وكذبت نفسها؛ فقد نص الشافعي، رضي الله عنه على أنها يحل [بها] 4 الاجتماع معه نقله ابن الرفعة في المطلب عن الماوردي في آخر باب الرجعة -فإذا مات هذا الزوج؛ فالأقرب -على ما ذكره الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في فتاويه أنها ترثه، وإن كان قد سبق منها الاعتراف بأنه أبانها ثلاثا؛ لأن ذلك الاعتراف لم يعتبر، بل ألغاه الشارع.
1 سقط في "ب".
2 في "ب" لأنه.
3 وفي "ب" وضمني الإقرار لصريحه.
4 في "ب" لها.
بل قال الشيخ الإمام: "فيما لو طلقها طلقة خلعا، وادعت هي أنها ثالثة -تحتاج إلى محلل- ثم رجعت عن ذلك وزوجت منه بغير محلل، أن الأقرب ثبوت الزوجية والميراث" ذكره -أيضا- في الفتاوي.
وكذلك لو كان له على رجل ألف؛ فقال اشتريت منك دارك بتلك الألف وقبضته وأنكر من عليه وحلف، يجوز له مطالبته بالألف، ولا مبالاة بما تضمنته دعواه من صدور عقد الشراء والقبض؛ لأن العوض لم يسلم له، وهو بخلاف ما إذا قالت: اختلعت نفسي منك على صداقي فخالعتني، وأنكر؛ فلا رجوع لها بالصداق؛ لأن الفرقة التي حصلت بالخلع لا ترتفع بزعمها -ذكره البغوي في الفتاوى وأطال في الفرق- وذكر بعده بقليل "أنها إذا قالت: خالعتني على الصداق؛ فأنكر، فالقول قول بيمينه ثم للمرأة مطالبته بالصداق" انتهى.
وكان صورة الأولى أن تقول: التمست منك الخلع على الصداق فأجبت التماسي، وحصلت لي1 البينونة، والانطلاق من حبالك، فينكر؛ فلا طلبة لها بالصداق لأنها -فيما تزعم- قد حصلت على غرضها.
وصورة الثانية: أن يقول التمست مني فأجبتك إلى الصداق فتنكر، فلها صداق، لأنها لم تعترف بحصول القصد من الانطلاق من حبالاته وفي القاعدة -كيف صورتها- مسائل:
منها: لو قال: عقدنا بشهادة فاسقين فأنكت؛ فلا يقبل قوله بالنسبة إلى إسقاط المهر ولا خلاف أنه لا يرثها إذا ماتت لأن قوله عقدنا بفاسقين يتضمن ذلك.
ومنها: ما ذكره أبو سعد الهروي في هذه الكتاب لو قال طلقتها من سنة قبل قوله بالنسبة إلى الطلاق دون إسقاط النفقة والكسوة، وكان ينبغي له أن يستشهد على هذه القاعدة بهذا الفرع؛ فإن قوله طلقها من سنة- إقرار بطلاقها، يتضمن الإقرار بأن لا نفقة ولا كسوة؛ فهو كصريح قوله: لا نفقة علي ولا كسوة، ثم ذلك لا يقبل منه لو صرح به؛ فكذلك إذا جاء ضمنيا، وقد نازعناه في حكم هذا الفرع بحثا في قاعدة- "من كان القول قوله في شيء، كان القول قوله في صفة ذلك الشيء-" المتقدمة في أوائل البيع،
1 في "ب" زيادة منك.
غير أن قول الأصحاب فيما إذا قال: "عقدنا بشهادة فاسقين" لا يقبل قوله بالنسبة إلى إسقاط المهر، ليشهد له، ولذلك مسائل كثيرة.
قاعدة: قال أبو عاصم: "كل قول في عقد إيجاب أو إقرار، إذا عقب1 بالتخصيص من الاستثناء ونحوه صح إلا إذا قال: يا زانية طلقتك إن شاء الله -[يكمل من الأشراف للهروي ويحرر]2.
قاعدة: قال الدبيلي3 -في أدب القضاء- إذا أقر بشيء4 صريحا، ثم أنكر ما صرح به، أو أثبت خلافه بالبينة، لا يقبل، وإن أطلق ثم ادعى صفة توجب5 بطلان ذلك المطلق -من بيع أو نكاح ونحوه- لم تقبل دعواه بمجردها ولكن ببينة".
ولك أن تختصر هذه العبارة فتقول: "إذا أقر بالشيء صريحًا، ثم أنكره لم يقبل -وإن أقام [عليه] 6 بينة -[وإن أقر به مطلقا ثم ادعى قيدا يبطل الإطلاق، لم يقبل إلا ببينة".
مثاله: أحال بدين، ثم قال: لم تصح الحوالة؛ لأنها كانت عن بيع فاسد، لم يقبل منه، ولو أقام بينة بذلك، قبلت، وبطلت الحوالة؛ لأنه لم يعترف- أولا: بصحة البيع؛ بل أثبت فساد أصل الحوالة، فلم يكذب اعترافه ببينة، وفالبينة -في الحوالة- إنما كانت في اختلاف الصفات، لا في نفي الاصل.
بخلاف ما لو اعترف بصحة الحوالة، ثم ادعى فسادها، لا يقبل- وإن أقام البينة] 7. ولو طلق امرأته ثلاثا، ثم قال: لم يقع لأن العقد كان فاسدا، وأقام بينة بالمفسد،
1 في "ب" عقد.
2 سقط في "ب".
3 علي بن أحمد أبو الحسن الدبيلي صاحب أدب القضاء أكثر ابن الرفعة النقل عنه ويعبر عنه بالزبيلي بفتح الزاي، ثم باء موحدة مكسورة، قال السبكي: إنه الذي اشتهر على الألسنة قال الأذرعي: الصواب دبيلي ومن قال الزبيلي فقد صحف. ابن قاضي شهبة 1/ 268، ابن السبكي 3/ 290، هداية العارفين 1/ 680.
4 في "ب" بالشيء.
5 في "ب" البطلان.
6 سقط في "ب".
7 من قوله وإن أقر به مطلقا إلي وإن أقام البينة سقط في "ب".
فإن كان قد أقر -قبل الطلاق- بصحة النكاح، لم تسمع دعواه، ولا بينته، وإلا سمعنا؛ لأنه إذا ادعى الزوجية، فإقامة البينة -بعدم الولي أو غيره- من المفسدات، لا يكذب ما سبق، بل يثبت، وصفا آخر يلزم منه الفساد، وصار كما لو أقر أن في ذمته -لفلان- قفيز حنطة سلما ووصفه وذكر محل تسليمه، ثم قال: كان سلما باطلا؛ لأن الثمن كان دينا في ذمتي، فجعله رأس مال السلم؛ فإن [كان] 1 ذلك، لا يقبل، لأنه يطلب إبطال عقد السلم الذي أقر بصحته؛ فلو أقام بينة بذلك، قبلت، لأنها لم تناقض ما ذكره، بل زادت وصفا.
هذا كلام الدبيلي، وقد زاد الإمام هذه القاعدة بيانا، فقال:"من أقر صريحا بما جاز استناده إلى يقين ثم رجع، لم يقبل رجوعه، وكذا إذا لم يتصور استناده إلى يقين إذا كان ابتداء من غير خصومة، وإن كان في أثناء خصومة؛ ففي مؤاخذته خلاف".
واحترزنا بقولنا: "صريحا" عن بائع يدعي -بعد البيع- أن المبيع موقوف فالمنصوص سماع دعواه وبينته -وهو المحكي في باب الدعاوي من الروضة عن حكاية القفال عن العراقيين- وقد نصره الشيخ الإمام في شرح المنهاج قبيل باب الشركة، وقال: ليس الإقدام على العقود كالإقرار الصريح؛ لأن الإنسان قد يعقد بأدنى ظن، ولا يقر إلا بظن قوي2؛ فليس الفعل في رتبة صريح القول.
قال: "وقد رأيت -من الحكام وأكابر الفقهاء- من3 يغلط في ذلك، ويلزم الناس بمقتضى عقود تقع منهم -مع غلبة الظن وصدقهم وعذرهم ولم يقم على ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا قياس". انتهى.
قلت: ويؤيده ما قاله الروياني -فيمن باع شيئا، ثم ادعى أنه لم يكن ملكه: أنه إن لم يقل -عند البيع- هو ملكي؛ بل اقتصر على البيع سمعت دعواه" وعزاه إلى النص.
قلت: ورأيت الشيخ أبا حامد نقله عن الشافعي رضي الله عنه في كتاب الغصب فقال: "قال الشافعي رضي الله عنه": إن كان ذكر -حين البيع- أنه ملكه وجرى ذلك في عرض كلامه، لم تسمع بينته؛ وإلا4 سمعت لأن مجرد البيع ليس تكذيبا لبينته، لأنه قد يبيع ملكه وملك غيره".
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 سقط في "أ" والمثبت من "ب".
4 في "أ" ولا.
وهنا مسائل:
منها: باع عبدا وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان والمحتال في1 حريته أو ثبتت بيينة:
قال البغوي والروياني: "لا يتصور أن يقيم المتبايعان البينة؛ لأنهما كذباها بعقد البيع". واعتمده النووي في باب الحوالة من الروضة وهو يخالف ما ذكره في الدعاوى.
ومنها: اثنان على كل منهما خمسة، ضمن كل منهما الآخر، ثم أدى أحدهما خمسة، واختلف هو ورب الدين -هل هي عن الضمان أو الأصالة فالقول قول المؤدي، ثم قيل، لا يطالبه بالضمان؛ لأنه يناقض قوله الأول، والأصح يطالبه، ثم له توجيهان.
أحدهما: أن صاحب الدين يقول: بتقدير الصدق عليك خمسة الأصالة، وبتقدير عدمه خمسة الضمان، فالخمسة ثابتة على التقديرين.
والثاني: أنه بنى على خيال انكشف له؛ فلا يبطل حقه كما لو ادعى أن ما اشتراه مغصوب؛ فقال: هو ملكي وملك من اشتريت منه، فأقيمت البينة؛ فإنه يرجع على البائع بالثمن على الأصح -إن كان قد اعترف له بملكه -لكونه بناه على ظاهر، وصح -بالبينة- خلافه.
ومنها: مسألة الغصب هذه.
ومنها: ادعى على زيد، وعلى غائب ألفا من ثمن مبيع مقبوض ونحوه، وأن كلا منهما ضمن ما على الآخر وأقام بينة، وأخذ الألف من زيد. نص أنه يرجع على الغائب بنصف الألف، قال الجمهور:"هذا إذا لم يكن من زيد تكذيب البينة، وإلا فلا يرجع" وهذا هو الأصل، وقال وقال ابن خيران:"يرجع" وقال الإمام: "إن دام على الإنكار فلا".
ومنها: إذا ادعى الضامن الأداء ولم يقم بينة، وحلف رب المال أنه لم يؤد، بقيت مطالبته بحالها؛ فإن أخذ، فقيل: لا يرجع، والأصح أنه يرجع، وهل يرجع بالمغروم أولا: لأنه مظلوم بالثاني، أو بالثاني؛ لأنه المسقط للمطالبة؟ وجهان، قال النووي ينبغي أن يرجع بأولهما.
1 في "ب" على.
ومنها: إذا قال: لا بينة لي حاضرة ولا غائبة، أو كل بينة أقمتها فهي زور، ثم جاء ببينة، سمعت في الأصح.
ومنها: إذا قال الضامن للمضمون له أبرأت الأصيل فحلف وغرم الضامن؛ فله مطالبة الأصيل، في الأصح وكذا لو قال: كنت أبرأته قبل ضماني ويجري الوجهان في كل دعوى محتملة يناقضها عقد سابق.
ومنها: غصب1 العين المستأجرة، ثم أقر بها المكري للغاصب من المستأجر الآخر؛ ففي قبول إقراره في الرقبة قولان، فإن قبلنا؛ ففي بطلان حق مستأجر أوجه، يفرق -في الثالث- بين كون المال في يد المكري أو المقر له، ولا ينزع من هو في يده، والأظهر- من الخلاف أنه يقبل إقراره في الرقبة دون المنفعة.
ومنها: قال البغوي في الفتاوى: "لو قالت أنا موطوءة أبيك لم يقبل قولها -إن كان بعد التمكين أو زوجت منه بإذنها- فلو خالعها ثم أراد نكاحها لم يجز، لأن نكاحها يكون بإذنها، ولا يجوز لها أن تأذن بعد الإقرار -بأنها موطوءة الأب. انتهى. وهي مسألة حسنة.
ومنها: قال: لا حق لي على فلان، ثم أقام بينة بحق؛ ففي قبولها وجهان- حكاهما شريح الروياني في أدب القضاء عن جده.
ومنها: قال لا حق لي في هذا العبد، ثم أقام بينة على الشراء قال العبادي:"لا يقبل حتى يقول: إنه اشتراه منه بعد الإقرار"، وقال شريح -في أدب القضاء:"وعندي أنها تقبل إذا كان بعد احتمال تلقي الملك منه".
ومنها: إذا اعترف بعد الدافع، ثم جاء بدافع، يسمع.
ومنها: إذا قال: اشتريته بمائة، ثم قال: بل بمائة وعشرة، ولم يبين -للغلط- وجها محتملا، والمسألة مشهورة.
ومنها: إذا طلق امرأته ثانية؛ فقالت: هي ثالثة، فكذبها، أو كذبت هي نفسها وزوجت منه بغير محلل، ثم مات عنها وطلبت ميراثها منه؛ فبين ابن الرفعة والشيخ الإمام نزاع طويل في المسألة مذكور في فتاوى الشيخ الإمام، وفيها نص الشافعي رضي الله عنه، قال الشيخ الإمام: والأقرب ثبوت الزوجية والميراث.
1 في "ب" غصبت.
ومنها: وهو ما تعم به البلوى- يعترف بأنه لا حق له في هذا الوقف ثم يتبين -بعد تأمل شرائط الوقف أو غيره- أنه مستحق؛ فلا شك عندي في أنه لا يؤاخذ باعترافه السابق، ويشهد له ما تقدم من الفروع؛ بل هو أوضح منها فإن الشروط ومدلول ألفاظ الواقفين تخفي كثيرا على العلماء؛ فضلا عن غيرهم وهو كمن يعترف ببنوة شخص -مع احتمال السن- فإن تكذيب الحس والشرع سواء في دفع الإقرار، وجعله لغوا.
ومنها: لو ادعى على شخص أنه منفرد بالقتل ثم على آخر أنه شريك فيه أو منفرد به، لم تسمع الدعوى الثانية، غير أن الثاني لو صدقه في دعواه؛ فالأصح يؤاخذ به، لأن الحق لا يعدوهما.
ومنها: لو ادعى القتل على رجل، وأقسم عليه، وأخذ المال؛ فجاء آخر وقال: إن المأخوذ منه المال مظلوم؛ فإني أنا القاتل، فإن لم يصدقه الوارث لم يقبل، وإن صدقه فعليه رد ما أخذ، وهل الدعوى على الثاني؟ لا، ربما بني الدعوى الأولى على ظن حصل له زال عنه بإقرار الثاني، وتجدد له يقين أو ظن -أقوى من الأول- أن الثاني هو القاتل، أو ليس له الدعوى عليه لأن الدعوى على الأول اعترف ببراءة غيره؟ في المسألة قولان.
ومنها: إذا تزوجت ثم ادعت [أن] 1 بينها وبين الزوج محرمية، فإن تزوجت برضاها، لم يقبل، لتضمن إذنها حلها، لكن إن ذكرت عذرا لغلط أو نسيان سمعت دعواها على المذهب.
ومنها: أنكر الوديعة فقامت عليه بينة بها فقال: أودعني ولكن تلفت أو رددتها؛ فأظهر الوجهين سماع بينته على تلفها.
قال الرافعي: "وينبغي أن نفرق بين أن نبين للغلط وجها محتملا أو لا - كما قيل في ألفاظ المرابحة" قال ابن الرفعة: "والفرق من وجهين، أحدهما أن ما ادعاه المودع ثانيا- وإن خالف قوله أولا: ما أودعتني، فرب المال يوافقه، والحق لا يعدوهما؛ فإذا صدقه، سلمت البينة من تكذيب؛ فعمل بموجب قولها في الرد والتلف، ولا كذلك في مسألة المرابحة؛ فإن القول الثاني المخالف للقول الأول لم يصدقه الخصم عليه، لو صدقه عليه لألزم بموجبه من غير بينة.
1 سقط من "أ" والمثبت في "ب".
والثاني: أن المقر به في المرابحة إثبات بينة إلى محسوس، بقوى المرتب عليه لبعد خلافه، وما ذكره في مسألة الوديعة نفي محض- يجوز أن يكون مستندا إلى العدم الأصلي وتكون البينة حاصلة، ويجوز خلافه فضعف المرتب عليه فلم يؤثر".
ومنها: لو تزوج امرأة ثم اعترف الزوج بفسق الشاهدين، وأنكرت المرأة فرق بينهما، وهل الفرقة طلاق أو فسخ، فيه وجهان.
قال ابن الرفعة: "وينبغي -إذا كان بعد الدخول- أن لا يقبل قوله كما قلنا فيما إذا ادعت المرأة أن بينهما رضاعا محرما بعد التزويج، وكانت مجبرة؛ بل مقتضى قولهم، أنها إذا كانت قد تزوجت بإذنها أن لا يقبل قولها في التحريم بالرضاع ونحوه أن لا يقبل قول الزوج في ذلك إذا كان قد قبل نكاحها بنفسه.
قلت: وفيه نظر؛ فإن النكاح حق الزوج، فقيل قوله في إسقاطه، وإن تبع إسقاطه كون ذلك فسخا -على وجه، وفارق المرأة لا يقبل.
منها: إذا تقدم منها ما يقتضي الاعتراف؛ لأنه حق الزوج عليها وقد اعترفت به فلا يقبل منها ما يقتضي سقوطه.
ومنها: قال القفال في فتاويه: "إذا رأينا ضيعة في يد رجل يدعي أنها وقف عليه، ولا تصير وقفا، ونقرها في يده، لحق اليد لا لقوله: هذا وقف؛ لأنها لا تصير وقفا بذلك؛ لأن الإنسان لا يقدر أن يقف على نفسه، فلو أراد بيعها فله ذلك، بخلاف ما لو قال وقفها علي فلان فإنه لا يجوز له بيعها.
قلت: وما ذكره من جواز البيع مشكل، ثم فيه تأييد لفتوى ابن الصلاح فيمن أقر بملك في يده أنه وقف عليه ثم على جهات أنه لا يثبت الوقف بذلك لكن لا يلزم من عدم الثبوت عدم المؤاخذة بالإقرار؛ فهذا مشكل، والذي ينبغي أن يؤاخذ بمقتضى اعترافه توقيفها، نعم له فيما بينه وبين الله تعالى -إذا كان يعرف كذب نفسه- أن يقدم على بيعها.
وأما مسألة الوديعة؛ فقد يقال: لا يمنع من الإقدام على ما اعترف بأنه وديعة، لإمكان إذن له من المودع، والقول قول متعاطي العقود كما رأينا عينا في يد شخص يعترف أنها لغيره، ويدعي أنه وكيل في بيعها؛ فإنه يجوز شراؤها منه -وإن لم تثبت وكالته- فالأمر في مسألة الوديعة يمكن أن تكون على ما قال القفال، بخلاف مسألة الوقف؛ فإن قوله فيها لا يظهر.
تنبيه: قد يعبر عن هذه القاعدة بغير هذه العبارة؛ فيقال: من ذكر لفظا ظاهرًا في الدلالة على شيء ثم تأوله، لم يقبل تأويله في الظاهر.
وهذه عبارة شيخ الإسلام -عز الدين بن عبد السلام- رحمه الله تعالى وقال: إنه يستثنى منها صور يكون أقراره فيها مثبتا.
أصل: ذكره القاضي أبو عاصم "من باشر عقدا أو باشره عنه من له ذلك، ثم ادعى ما ينقضه، لم يقبل" كما باع عبدا من إنسان، ثم قال: لم يكن ملكي أو طلق امرأة ثلاثا بمشهد الحاكم، ثم أراد بتزوجها بولاية الحاكم فامتنع الحاكم، لإيقاعه الثلاث بين يديه فقال: المطلق، لم يكن الطلاق وقفا: لأنها لم تكن زوجتي؛ لأنه أراد إلغاء عقد وقع بإنشائه- وهو عند التطليق.
قلت: أما من باع عبدا ثم قال: لم يكن ملكي -فهي مسألة التي قدمناها فيمن باع شيئا، ثم قال: لم يكن ملكي عن الروياني، وهذه القاعدة نظير القاعدة المتقدمة عن الدبيلي، وقد أطلنا القول فيها؛ غير أن تلك فيمن أقر لفظا، وهذه فيمن أقر فعلا.
وقد قال القاضي أبو عاصم: إن هذه تطرد في جميع المسائل إلا في مسألتين:
إحداهما: رهن عبدا ثم ادعى أنه باعه قبل الرهن، أو أعتقه أو رقفه أو لم يكن مملوكا لي؛ بل كنت غصبته من زيد، ففيه قولان:
أحدهما: لا يقبل لمناقضته؛ فصار كما إذا باع عبدا ثم قال: كنت أعتقته أو وقفته.
والثاني: لا يقبل، لأن الإقرار لا في ملكه؛ بخلاف البيع قال:"وإذا أجر عبدا ثم ادعى فساد الإجارة بهذه المعاني؛ فهو أيضا- على القولين، وعلى أن القول قول المالك فهل عليه يمين؟ فيه قولان"....
قال: "والمسألة الثانية: باع القاضي على الغائب عبده في دينه، ثم حضر الغائب، وقال: كنت أعتقته قبل ذلك، ففي قبول قوله قولان.
أحدهما: لا؛ لأن العقد صدر من نائبه؛ فصار كما لو باع وكيله ثم قال: كنت أعتقته قبل البيع.
والثاني: يقبل، لأن نيابة الوكيل -عنه- اختيارية، ونيابة القاضي شرعية.
قاعدة: في مسائل التقديم والتأخير، وهل النظر إلى أول الكلام أو إلى آخره".
منها: إذا قال: أعتقت هذا العبد عن كفارتي بألف عليك، لم يجزئه ولا فرق بين أن يقدم في الجواب ذكر الكفارة، بأن يقول: أعتقت هذا العبد عن كفارتي بألف عليك
أو يقدم ذكر العوض؛ فيقول: أعتقته على أن لي عليك ألفا عن كفارتي.
وعن أبي إسحاق وجه: "إنه إذا قدم ذكر الكفارة أجزأه وسقط العوض" قال الرافعي -وقرب هذا الوجه في التتمة بما قيل: "إنه لو سمع المتيمم إنسانا يقول: عندي ماء أودعنيه فلان، بطل تيممه، ولو قال: أودعني فلان ماء لا يبطل".
قلت: كذا حكاه الرافعي في كتاب الظهار ولم يذكره في باب التيمم، ويمكن الفرق بين المسألتين بأنه في التيمم إذا سمع عندي ماء توهمه، والتيمم يبطل بمجرد توهم الماء.
ومنها: مسألة التيمم هذه.
ومنها: إذا قال: أزيد أن أقر بما ليس علي لفلان على ألف. أو قال ما طلقت امرأتي وأريد أن أقر بطلانها قد طلقت امرأتي ثلاثًا؛ قال الشيخ أبو عاصم "لا يصح إقراره، ولا شيء عليه"، وقال صاحب التتمة:"الصحيح أنه تلزمه كقوله: له علي ألف لا تلزمني".
ومنها: لو قال: له علي ألف من ثمن خمر لزمه الألف -في الأظهر، ولو قدم الخمر فقال: من ثمن خمر له علي ألف، لم يلزمه شيء قطعا، كذا في الرافعي والروضة.
ومنها: إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فعلى ألف، لم يلزمه شيء قطعا.
وإن قدم المقر به؛ فقال: علي ألف إذا جاء رأس الشهر؛ فالمذهب أنه كذلك.
ومنها: لو قال: علي ألف مؤجل، قبل على المذهب، وقيل: يلغي التأجيل. وهذا إذا كان موصولا؛ فإن ذكر الأجل مفصولا، لم يقبل قطعا.
ومنها: لو قال: له علي ألف لا تلزمني؛ فهو إقرار.
ومنها: لو قال: أنت طالق الطلقة الرابعة؛ ففي وقوع الطلاق وجهان حكاهما الرافعي في فروع الطلاق.
ومنها: لو قال: هذا العبد لفلان، ثم ادعى أنه اشتراه منه، لم يصح للمضادة -وعن ابن سريج أنه يسمع، ولو قال: هذا العبد لفلان وقد اشتريته منه -متصلا- كان مسموعا؛ لأن العادة جرت أنه يراد به- كان لفلان، ذكر ذلك شريح في أدب القضاء.
ومنها: إذا قال: كل امرأة لي طالق غيرك، قال الشيخ الإمام رحمه الله في باب
الإقرار من شرح المنهاج: "لا تقل فيها والذي استقر رأيي عليه أنه إن قدم غيرًا فقال: كل امرأة لي غيرك طالق، لم تطلق، وإن أخر قال: كل امرأة لي طالق غيرك -ولا امرأة له غيرها- طلقت، وهكذا أقول في إلا" انتهى.
ونقل -أعني الشيخ الإمام- في فتاويه عن القاضي الحسين أنه قال في فتاويه غير المشهورة، في كل امرأة لي غيرك طالق، ولا امرأة له غيرها -أن هذا- على سبيل الشرط لم يقع؛ لأنه استثناء منها، فيصير كأنه قال: أنت طالق، إلا أنت ثم قال:"قلت -أنا- كيف ينبغي أن لا يقع".
قلت: ونقل الرافعي عن فتاوي القفال أنه لو قال: كل امرأة لي طالق إلا عمرة، ولا امرأة له غيرها، طلقت، لأنه مستغرق.
وهذا يؤيد الشيخ الإمام، وليست هذه المسألة مسألة منهاج النووي وغيره من المختصرات، وهي: ما إذا خاصمته زوجته فقالت: تزوجت؛ فقال كل امرأة لي طالق، وقال: أردت غير المخاصمة -حيث يقبل ذلك منه لأنه لم يدخل امرأته في هذا الكلام حتى يقال: إنه بإخراجها -بعد إدخالها- صار الاستثناء مستغرقا، بل أطلق لفظا مريدا به من لا يقع عليه، وساعدته قرينة الحال فصدق.
ومنها: قال: يا زانية، أنت طالق ثلاثا، كان له أن يلاعن، وإن قال أنت طالق ثلاثا يا زانية، لم يكن له لعان، وفرق الجرجاني وغيره بأنه في الأولى قذف زوجته، وفي الثانية قذف أجنبية.
ومنها: لو قال أحد الاثنين: مات أبي كافرا؛ لأنه كان يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير.
قال الرافعي في باب الردة: فقد حكى -في التهذيب- فيه قولين أحدهما: لا يورث منه، لإقراره بكفره، والثاني: يورث لأنه فسره بما يبين خطأ اعتقاده وهذا أظهر.
قلت: وترجيح التوريث مشكل؛ فإن الأصح، في ألف من ثمن خمر- لزوم الألف، ومؤاخذته -هنا- أولى؛ لأن بعض الناس قد يعتقد الخمر ثمنا ولا يعتقد أحد أن شرب الخمر وأكل الخنزير يوجب الكفر إلا أن يكون قريب عهد الإسلام.
ومنها: لو قال لغريمه: أحللتك من مالي، وأبرأتك منه في الدنيا دون الآخرة.
قال الحناطي -في فتاويه: "يبرأ في الدارين" قال: "والساقط في حكم الدنيا، لا
بقاء له في الآخرة" قال: ولا يرد الإبراء بهذا الشرط؛ لأن السقوط في العقبى يتبع السقوط في الدنيا.
قلت: ولا يبعد أن يقول قائل: إن هذا القيد يبطل الإبراء إلى آخر الكلام.
ومنها: لو خالع بمائة على أن له الرجعة فرجعي بلا مال. وقيل بائن بمهر المثل: ويشبه أن يخرج وجه أنه يلغو، أو لا يقع شيء من القول في "له علي ألف من ثمن خمر"؛ فإن شرط الرجعة في الخلع فاسد للمضادة فيفسد، كما قلنا إن شرط الخيار في النكاح يبطله، ونحوه
…
قاعدة: "من أنكر حقا لغيره ثم أقربه قبل" إلا في مسائل:
منها: إذا أنكرت المرأة الزوجية، ثم أقرب فلا يقبل في الأصح.
قاعدة: "من ملك الإنشاء ملك الإقرار، ومن لا، فلا".
قاعدتان: ذكرهما الأصحاب -في باب القراض- عن أبي العباس بن سريج رحمه الله تعالى.
القاعدة الأولى: "كل لفظة كانت خالصة لعقد، حمل إطلاقها عليه؛ فإن وصل بها ما ينافي مقتضاه، بطل".
فمن هذه القاعدة: إذا قال قارضتك على أن الربح كله لك فالصحيح أنه قراض فاسد؛ لأنها لفظة خالصة لعقد القراض الذي مقتضاه الاشتراك في الربح؛ فإذا وصل بها قوله: على الربح كله لك -فسد لمنافاة ذلك لمقتضاه، وقيل: قراض صحيح نظرأ إلى المعنى.
ومنها: إذا قال: أبضعتك على أن الربح كله لك، ففيه الوجهان، لأن معنى الأبضاع أن يكون الربح كله للمالك، ولا حق للعامل فيه، بل هو وكيل متبرع فقوله في هذه الصيغة: على أن الربح كله لك- زيادة تنافي معنى الأبضاع.
ومنها: إذا قال: بعتك بلا ثمن، وكذا إذا قال: أسلمت إليك هذا الدرهم في هذا الثوب ونظائرهما من مسائل اللفظ والمعنى. لك -هنا- أن تبحث فتقول: لا نسلم أن نحو -بعتك بلا ثمن- من هذا القبيل؛ فإن بعتك ليس -بمجرد- خالصا للعقد؛ إذ ذكر الثمن ركن في البيع، والمعنى باللفظة الخالصة، ما تعمل عملها لولا انضمام ما انضم إليها.
ويمكن الجواب عن هذا، بأن يقال: ليس هذا هو المراد بالخلوص، بل المراد
أن تكون اللفظة يفهم منها عقد خاص، وأن يوقف وجود أثره على أمر وراءها وهب يفهم منها البيع، وتوقف حصوله على ذكر الثمن لا يمنع من هذا الفهم، كما أن حصوله متوقف -أيضا- على القبول وأشياء آخر.
وإذا تأملت هذا البحث الذي حركته لك -سؤالا وجوابا- ترددت في أن القول بالبطلان في قوله: بعتك بلا ثمن -هل منشاه تجرد اللفظة عن ذكر الثمن، أو نفي الثمن عنها؟ فيحتمل أن يقال بالأول، والأقرب الثاني، ويشهد له أن التعليل بالوصف الوجودي أولى من العدمي، وذكر نفي الثمن وجودي، والتجرد عن إثباته عدمي.
وأن من قال بالصحة، وجعلها هبة -نظرا إلى المعنى- إنما أخذ ذلك من قوله: بلا ثمن- لا من التجرد؛ فدل على أن النزاع في أنها بيع فاسد أو هبة ناشيء عن نفي الثمن لا عن التجرد؛ فدل أن -بعتك- يفهم منها البيع لولا انضمام عدم الثمن؛ فكانت من قبيل القاعدة.
فإن قلت: لا فرق بين بعتك بلا ثمن وقارضتك على أن الربح لك؛ فإن تجرد "قارضتك" عن ذكر الربح كتجرد "بعتك" عن ذكر الثمن.
قلت: ليس كذلك، بل تجرد "بعتك" لا صحة للبيع معه؛ إذ "البيع بلا ثمن" غير معقول، ولا يعرف الثمن إلا بذكره، فما لم يذكر لم يكن، بخلاف القراض، فإنه -وإن أطلق- يمكن أن يقال: أن له مرادا -وهو جعل الربح نصفين- كما هو أحد الوجهين فيما إذا قال: هذه الدار لزيد وعمرو حيث يجعلها بينهما نصفين، ولذلك لا يختلف الأصحاب في بطلان البيع المجرد عن الثمن واختلفوا في القراض.
القاعدة الثانية:
قال أبو العباس رضي الله عنه: كل لفظة وضعت لعقدين فأكثر، لم ينصرف إطلاقها إلى شيء؛ فإن عقبها ببعض ما يصلح1 لتلك العقود أخلصها له.
واستشكل الشيخ الإمام رحمه الله[قوله] 2 "وضعت لعقدين"، وقال: إن أراد الاشتراك اللفظي لم تطابق المسألة التي ذكر فيها هذه القاعدة وهي قول رب المال للعامل: تصرف والربح كله لك؛ فإنه تصرف متواطئ لا مشترك -وإن حمل على أنه
1 في "ب" لتلاف.
2 سقط من "ب".
بالتواطؤ أشكل قوله: لم ينصرف إطلاقها إلى شيء؛ إلا أن يحمل على شيء بعينه، فيصح.
قلت: إنما أراد التواطؤ، ومعناه- أنه لا يتعين له واحد من محامله وفي القاعدة مسائل:
منها: المسألة التي ذكر فيها أبو العباس هذه القاعدة، وهي إذا قال: تصرف والربح كله لك؛ فهو قرض؛ لأنه تصرف محتمل، وقد وصله ببعض ما يصلح للقرض، فيخلص له.
ومنها: إذا قال: تصرف بالبيع والشراء وجهان حكاهما صاحب البحر في أنه إبضاع أو قراض فاسد.
وتنازع الشيخ الإمام وشيخه ابن الرفعة؛ فقال الشيخ الإمام: "أرجحهما" الأول، وقال ابن الرفعة مقتضى القاعدة أن لا ينصرف إلى شيء معين1 قال الشيخ الإمام "إنما لا ينصرف إلى شيء معين، أما المعنى المشترك بينهما فمحقق.
قاعدة:
ذكر الشيخ أبو علي رحمه الله أن من الأصول المطردة في المسائل "كل ما ضمن كله بالقيمة، ضمن بعضه ببعضها" إلا في مسألة واحدة، وهي: إذا عجل زكاة ماله ثم تلف ماله قبل الحول، وكان ما عجل تالفا، يغرم المسكين قيمته، وإن كان معينا ففي الأرش وجهان.
وحكى الرافعي في هذا الباب التحالف، عن الشيخ أبي علي عند ذكره أن البيع إذا كان بعد التحالف قائما ولكن معيبا، يرد مع الأرش وهو قدر الناقص من القيمة؛ لأن الكل مضمون على البائع بالثمن؛ فكذلك البعض وقال: هذه المسألة قدمناها في موضعها وميل الشيخ [الإمام] 2 إلى اطراد الأصل فيها".
قلت: ولكن الصحيح خلافه، وقد ضم إليها الشيخ الإمام مسألة أخرى ذكرها في باب التحالف -من شرح المهذب- وهي: المستعار إذا تلف كله في يد المستعير في غير الوجه المأذون -ضمنه على المشهور، وكذا إذا تلف جزؤه على الأصح؛ فعلى الأوجه الأول. تستثنى هذه المسألة.
1 سقط من "ب".
2 سقط من "ب".
قلت: ومسألة ثالثة -إذا اطلع على عيب المبيع فرده، وقد تلف الثمن في يد البائع والثمن متقوم، ضمنه بقيمته وإن لم يتلف ولكن نقصت صفته -كالشكك المشكك ونحوه- فالأصح لا غرم وفي هذه الصورة يتعين الرجوع بالناقص من غير أرش ولا يمكن المالك من طلب البدل.
ومن ثم مسائل أخر -يضمن فيها الكل بالقيمة ولا يضمن البعض ببعضها؛ ولكن لا يتعين فيها أخذ الناقص؛ بل يتخير بينه وبين البدل -وقد عدها الشيخ الإمام في كتاب الزكاة من شرح المنهاج، شيخه ابن الرفعة في التحالف وقالا -جميعا- ما حاصله: أنها لا ترد لوقوع التخيير فيها وقصرا القاعدة على ما يتعين الرجوع فيه إلى الناقص؛ ولكن كلام الإمام في النهاية يقتضي تعميم القاعدة؛ فمن تلك المسائل:
الصداق إذا تعيب في يد الزوجة، ثم طلق قبل الدخول، ل يلزمها الأرش؛ بل الزوج مخير بين الرجوع في الشطر ناقصا أو الانتقال إلى البدل.
ومنها: اللقطة إذا حضر مالكها وقد تعييت، تخير -على أحد الوجهين- بين أن يقنع [بها] 1 ولا أرش، وأن يأخذ بدلها.
ومنها: إذا رد المبيع وقد تعيب في يد البائع كذلك.
ومنها: إذا جرى التحالف، وقد تعيب المبيع، فتشبث الشيخ أبو علي بخلاف في التخيير بين البدل وبين أن يقع به بلا أرش.
ومنها: القرض إذا تعيب في يد المقرض، وقال الماوردي: إن كان الواجب المثل تخير المقرض بينه وبين مثله سليما ولا أرش، وإن كان الواجب القيمة رجع فيه بالأرش.
هذا ما استثناه ابن الرفعة، ودفع الشيخ [الإمام] 2 هذه الصورة بأن القاعدة في المتقومات لا المثليات -فلا تورد صورة المثلي في القرض، وأما المتقوم فهي جارية على الأصل.
قال الشيخ الإمام: "ومنها: غريم المفلس إذا وجد العين ناقصة نقصانا غير مضمون؛ فإن شاء رجع فيها بلا أرش، وإن شاء ضارب. هذا منتهى الكلام على طرد هذه القاعدة.
1 في "ب" به.
2 سقط في "ب".
قال الإمام: "وهي منعكسة أيضا؛ فإن المبيع إذا غاب في يد البائع لا يلزم البائع للمشتري أرش العيب؛ لأن المبيع لو تلف في يده لم تلزمه قيمته، بل الحكم الانفساح""قال ابن الرفعة" والعكس لا يخرج منه شيء يعلمه الآن، نعم: المشتري من الغاصب إذا تلفت العين في يده وغرم قيمتها لا يرجع بها على الغاصب ولو تعييت في يده وغرم الأرش يرجع بها على الغاصب على قول، ومع هذا يصح أن يقال: يد ضامنه يستقر عليها ضمان الكل، ولا يستقر عليها ضمان البعض "قال الشيخ الإمام رحمه الله [يعني]1.
قلت: ثم مسألة أحسن من هذه تخرج من العكس، وهي وطء الراهن الجارية المرهونة إذا أحبلها ونقص قيمتها بالولادة يلزمه الأرش، وفي وجوب قيمتها -إذا ماتت في الولادة- وجهان: والكلام حيث ينفذ الاستيلاد.
ضابط: يضبط العين التي يرد عليها عقد الإجارة "كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة مملوكة معلومة مقصودة تضمن بالبدل، وتباح بالإباحة فإيراد عقد الإجارة عليها جائز قطعا، ومتى انتفى بعض هذه الأمور؛ فقد يبطل قطعا وقد يجيء خلاف".
واحترزنا بقولنا -يضمن بالبدل- عن الكلب وجلد الميتة، وبقولنا: تباح بالإباحة- عن منفعة البضع، وبقولنا: مملوكة عن منفعة الكلب؛ فإنها مباحة -غير مملوكة- على ما قاله الشيخ أبو حامد، وشبهه بالمستعار، وفي وجه آخر -أن منفعته مملوكة حكاه الماوردي، وخرج عليها جواز إجارته للصيد. وقد نظمت شرائط المنفعة في الإجارة في قولي:
شرط المنافع في الإجارة أن تكو
…
ن مباحة معلومة في الحال
ذا قيمة يتمكن استيفاؤها
…
بالعقد واقعة لباذل مال
مقصودة التسليم لا تتضمن اسـ
…
ـتهلاك عين مقصدا بمقال
وقبل شرح هذه الأبيات نقول: قال الجرجاني: منفعة الكلب مباحة غير مملوكة، ومنفعة [التزين] 2 بالدراهم مملوكة غير مقصودة، ومنفعة الثوب ونحوه مملوكة مقصودة والثلاثة مباحة، ومنفعة الغناء والزمر وحمل الخمر -لا للإراقة- محرمة في الأصح في المسألتين، ثم نقول في شرح الأبيات....
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
قاعدة: "الحر لا يدخل تحت اليد"1.
صرح به الأصحاب في مواضع كثيرة، ولم أجد في كلام الأصحاب ولا في الشريعة دليلا عليه، والغزالي [رحمه الله] 2 لما حكى في باب الغصب -الوجهين في أن منفعة بدل الحر هل يضمن بالفوات كما يضمن بالتفويت؟ قال في "الوجيز" وهو تردد في ثبوت يد غيره عليه حتى ينبني عليه جواز إجارة الحر -عند استئجاره- إن قلنا تثبت اليد، وأنه بتسليم نفسه [إليه] 3 هل تتقرر أجرته.
واعترضه الرافعي "بأن من قال: تضمن بالفوات وجهه بأن منافعه تضمن بالعقد الفاسد، فأشبهت منافع الأموال "قال" ويحكي هذا -يعني القول بأنها تضمن عن [ابن] 4 أبي هريرة، وأن من قال: لا تضمن وهو الصحيح ووجهه بأن الحر لا يدخل تحت اليد فمنافعه تفوت تحت يده بخلاف الأموال، من قال: ليس لمستأجره أن يؤجره ولا تقرر أجرته بالتسليم -وهو القفال-[ووجهه] 5 بأن منافعه لا تدخل تحت اليد، ولا تدخل منافعه في يد المستأجر وضمانه إلا عند وجودها قال: هكذا أورد النقلة توجيه الخلاف في المسائل الثلاث ولم [يجعلوا] 6 دخول الحر تحت اليد مختلفا فيه؛ ولكن القائلين بجواز إجارة المستأجر وتقرير الأجرة، كأنهم بنوا الأمر على الحاجة والمصلحة، والغزالي جعله مختلفا فيه، وبنى الخلاف في المسائل على التردد في دخوله تحت اليد ولم أعثر على ذلك لغيره" انتهى ملخصًا.
وقد يؤيده أنه لو كان مبينًا [على] 7 ما ذكر الغزالي لكان الأكثر، على أن مستأجره لا يؤجره، وإن أجرته لا تتقرر؛ لأن الأكثر على أنه لا يدخل تحت اليد أو الكل، لكن الأكثر على أن له أن يؤجره، وأن أجرته تتقرر كما نقل الرافعي فيهما.
واعلم أن الشيخين الكبيرين -ابن الرفعة والوالد- رحمهما الله جريا على كلام الرافعي ولم ينازعاه، زاد الشيخ الإمام الوالد بعدما ذكر جزم الأصحاب هنا بأن أحد المتداعيين زوجية امرأة، لا يدعي على صاحبها بل عليها -"أن الرافعي حكى في كتاب
1 المنثور للزركشي 2/ 43.
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
4 سقط في "ب".
5 في "ب" وجها.
6 في "ب" يحطوا.
7 في "ب" كما.
النكاح وفي باب الرجعة وجها أن أحد المتداعيين يدعي على الآخر، وقال ما معناه: لا يقال: إن هذا الوجه يقتضي دخولها تحت يده؛ إنما الدعوى لكونه حائلا بينه وبينها.
وهذا منه مبالغة في تأييد قول الرافعي: أن الحر لا يدخل تحت اليد وأقول: لا دليل على هذا، ولم يعلل ابن أبي هريرة، الذي عزا إليه الرافعي القول بأن منافعه تضمن بالفوات -بما ذكر الرافعي؛ بل بما يؤيد الغزالي وهذه عبارته في شرح مختصر المزني، قال: "وقد قال الشافعي [رضي الله عنه] 1 في كتاب السير: لو أكره الإمام مشركا على أن يخرج معه
…
" أجرة مثله من يوم أكرهه على الخروج إلى يوم جاهد".
فمن أصحابنا من قال: "إن الحر تضمن منافعه -أيضا- بالمنع كما تضمن منافع العبد" ومنهم من قال -وهو الصحيح- "أن منافعه لا تضمن إلا بالتناول؛ فأما بالمنع منها فلا تضمن، وتأول المسألة على أنه إنما ضمن أجرة المثل من يوم أكرهه؛ لأنه اتصل يعمل تناوله منه -وهو الجهاد- ولو انفرد ذلك عن العمل لم يحكم له بشيء" انتهى.
وقد تضمن أن ابن أبي هريرة صحح ما صححه الرافعي، فليحمل قول الرافعي، وحكي عن ابن أبي هريرة2 أنه يحكي عنه حكاية الوجه لا القول به.
غير أن الذي رأيته -في البحر للروياني، وفي الشامل لابن الصباغ أن ابن أبي هريرة يختار أنها تضمن -كما هو ظاهر نقل الرافعي، ولعل هؤلاء اطلعوا على نقل ابن أبي هريرة؛ غير الذي في تعليقه، وعلل -في- البحر التضمين بمثل ما علل ابن أبي هريرة؛ فقال: منافعه تضمن بالإجارة؛ فتضمن بالغصب كمنفعة العبد".
ولم أجد من اعتل بعلة الرافعي -وهي: أن منافعه تضمن بالعقد الفاسد إلا صاحب التتمة؛ فقد علل بذلك، وذكر نص الشافعي في السير، وأنه يدل لهذا الوجه، ولعل الرافعي -من صاحب التتمة- أخذ هذه العلة؛ فإنها ليست في كلام الإمام، وباقي كلام الرافعي في كلام الإمام، وإذا وقفت على ما علل به ابن أبي هريرة، من تشبيهه بالعبد، ومعه صاحب البحر، ولعله أيضا في حاوي الماوردي؛ فإن صاحب البحر كثيرا ما يتبعه -علمت أن ما أشار إليه الغزالي -من دخول الحر تحت اليد على هذا الوجه-
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
صحيح، وهذا موضع غرضنا من كلام ابن أبي هريرة رحمه الله.
فنقول: أن فيه تأييدا للغزالي، وقول الرافعي:"إن الغزالي جعل دخوله تحت اليد مختلفا فيه" عليه فيه مناقشة من قبل أن الغزالي لم يجعل ذلك؛ وإنما قال: "وهو تردد في ثبوت يد غيره عليه" وهذا منه بحث لا نقل، وقد أيدناه بالمنقول، وقوله:"كأنهم بنوا الأمر على الحاجة والمصلحة" قلنا هذه العلة غير كافية في الحكم؛ فليس من الحاجات أن مستأجر الحر يؤجره، ولا تقرر أجرته، ورب مستأجر لا يؤجر؛ فالأرجح عندي -والعلم عند الله- أن الحر يدخل تحت اليد، ولذلك نقول فيمن حبس رجلا ومنعه الطعام والشراب حتى مات أنه قاتله.
فإن قلت: فيلزمكم إيجاب أجرته عليه مدة الحبس.
قلت: قد قيل بذلك، وعلى هذا يسقط السؤال، وعلى القول بعدم الوجوب -وهو الأرجح- فسببه أن فوات المنفعة وقع هنا تابعا، ومن ثم أجد نفسي تميل إلى ترجيح دعوى أحد المتداعيين نكاح امرأة على صاحبه، كما يدعي عليها، وإن1 لم أجسر على ترجيحه.
ومما يدل على دخول الحر تحت اليد هذا النص الذي حكاه ابن أبي هريرة وصاحب التتمة، وبمقتضاه جزم الأصحاب في كتاب السير؛ إذ صرحوا بأن الإمام إذا أكره أهل الذمة وأخرجهم قهرا، وحملهم على الجهاد، وجبت لهم أجرة المثل؛ فكيف يخرج [عنه ولا] 2 موجب.
وقوله: "أنه أول على أنه اتصل بالعمل" يقال عليه: أليس قد ضمنه الأيام التي قبل العمل فيلزم أن من حبس حرا شهرا، واستعمله في اليوم الآخر منه، تجب عليه أجرة الشهر، وما أظن القائلين بأن منفعته لا تضمن بالفوات يقولون ذلك، وإن قالوا به كان حجة لنا عليهم في دخوله تحت اليد، وصاحب التتمة لم يقدم على تأويل النص بشيء.
فائدة: كلام ابن أبي هريرة الذي حكيته [لك] 3 سمى فيه ما يسميه الرافعي بالفوات منها وما يسميه بالتفويت تناولا، وهو -لعمري- حسن؛ فإن الفوات -نفسه- لا يضمن [إلا] 4 أنا نقدر أن الغاصب منعه، [وكذلك] 5 التفويت يقدر أن يتناول تلك
1 سقط في "ب".
2 في "ب" عنهم بلا.
3 سقط في "ب".
4 في "ب" إلا لأنا.
5 في "ب" وذلك.
المنفعة فالتعبير بهذا أحسن مما عبر به الغزالي والرافعي من الفوات، والتفويت، وبعض أصحابنا -أظنه الماوردي- عبر بالتفويت عما يعنيه الغزالي والرافعي بالفوات، وعبر بالاستهلاك عما يعنيانه بالتفويت، هو أيضا حسن؛ ولكن تعبير ابن أبي هريرة أحسن.
فائدة أخرى: اليد تستعمل لمعان: أحدها: الجارحة كما1 في قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ} 2 {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} 3، {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 4، وهذا المعنى هو الذي يستعمله الفقهاء في باب الوضوء، وباب صفة الصلاة عند ذكر رفع اليدين ووضعهما ونحو ذلك، وباب السرقة، وثانيها: القوة والقدرة، نحو:{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} 5، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} 6، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 7، {أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 8، {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 9 وهذا المعنى هو المراد من قولهم:"القبض فيما يتناول باليد التناول" وهو المراد بقولهم: "يد العبد يد سيده" وبنوا عليه أن المرتهن لا يستنيبه في قبض الرهن، وهو المراد بدخول المضمونات تحت اليد، ولا يخفى أنه يمكن في الحر؛ فمن صار حرا تحت قبضته وقهره لم لا يقال: إنه تحت يده، أما قوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} 10.
فجاز "أن يراد الأول، حتى لا يعطى إلا بجارحته صغارا له.
ومن ثم قال بعض أصحابنا: "إن الذمي لا يوكل في إقباض الجزية" وجاز أن يراد الثاني، وحسن أن يرادا جميعا- ويحمل اللفظ على حقيقته ومجازه.
وثالثها: ابتداء النعمة: نحو "بل يداه مبسوطتان11، وكقولنا لفلان عند فلان يده".
ورابعها: جملة الإنسان، كقوله تعالى:{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} 12، {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} 13، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} 14.
1 في "ب" مما.
2 الأعراف 195.
3 المائدة "7".
4 المائدة "38".
5 يس "71".
6 الملك "1".
7 سورة ص "75".
8 البقرة "237".
9 البقرة "237".
10 التوبة "29".
11 المائدة "64".
12 التوبة "10".
13 الشورى "30".
14 البقرة "95".
وإذا علمت موارد اليد -وأنه لا يصح أن يعني منها في باب الغصب ونحوه غير المعنى الثاني، وأنه لا ينافي الحرية -ظهر لك أن الحر لا يدخل تحت اليد؛ فإن قلت: أنت فيما تختاره من دخول الحر تحت اليد خارج إما عن الأصحاب كلهم، كما ذكره الرافعي -وإما عن جماهيرهم- كما اعترفت.
قلت: أما الخروج عن جمهورهم؛ فلا أستطيع إنكاره، ولكن حسبنا يص صاحب المهذب1 رضي الله عنه بعدما أفسدنا تأويل من أول نصه.
فإن قلت: فما تقول في الحر، أيقطع سارقه؟
قلت: لا، ولكن لا لكونه لا يدخل تحت اليد بل لكونه غير مال، وكذلك لو غصب صغيرا أو كبيرا، لم تجب قيمته؛ إذ لا قيمة له. فإن قلت: لو كان معه مال، أو عليه ثياب، أو في عنقه قلادة.
قلت: حكوا -في باب الغصب- وجهين في صغير عليه ثياب أو حلي هل يدخل تحت يد الغاصب؟
قال ابن الرفعة: [محلهما صبي] 2 لا قدرة له على الحفظ".
ويؤيده من السرقة ما سنحكيه. وقالوا -في السرقة- لو كان مع الصبي مال، أو في عنقه قلادة تبلغ نصابا فلا قطع3 على الأصح لأنه في يد الصبي، وأطلق الجمهور الوجهين وصورهما الإمام في نائم أو مربوط عند الحمل.
فإن قلنا: بالضمان -فواضح؛ وإلا فسببه أن هذه الأمور تابعه غير مقصودة بالغصب والسرقة -كما تدخل ثياب العبد في بيعه- على الخلاف [فيه] 4 وإن لم تكن من مسماه.
والوجه -عندي تخصيص الخلاف بمن5 قصد بأخذ الصبي "ذاته" أما إذا قصد "ثيابه"؛ فينبغي أن يكون غاصبًا وسارقا لها قطعا.
ولو نام على بعير -على أمتعة- فأخذ السارق بزمامه وأخرجه عن القافلة وجعله في
1 في "ب" المذهب.
2 في "ب" محلها.
3 في "ب" زيادة "على الصبي".
4 سقط في "ب".
5 في "ب" فمن.
مضيعة؛ فالأصح عندهم أنه إن كان حرا فلا قطع؛ لأن المتاع والبعير في يده، أو عبدا فالقطع، لأن العبد -في نفسه- مسروق، والثاني: القطع مطلقا، الثالث: عدم القطع، الرابع: التفرقة بين أن يكون الراكب قويا -لا يبالي بالسارق- أو ضعيفا- يبالي به- ولعله أرجح، وهو يؤيد تخصيص ابن الرفعة محل الوجهين المتقدمين.
تنبيه: كثيرا ما يسأل عن موت الزوجة في الطلق، لم لا توجب الدية على زوجها؟ وللناس فيه كلام.
والجواب: عندي أن الوطء كان مستحقا لمن لا يدخل تحت اليد وهي الحرة، وقولنا: لمن لا يدخل تحت اليد يجري على طريقة الجمهور في ذلك وهو قيد يخرج.
قاعدة: "لا يجتمع على عين واحدة عقدان لازمان".
من ثم ضعف قول أبي إسحاق المروزي: "أن مورد الإجارة العين" ولم يمتنع بيع العين المستأجرة، وهو الصحيح، لاختلاف المورد.
فإن قلت: أليس -يجوز للسيد إيجار جارحته المزوجة، ثم لا يجوز للزوج منعها من المستأجر؛ لأن يده يد السيد في الانتفاع، وهذا الإيجار عقد لازم ورد على عقد التزويج اللازم من جهته؛ فقد اجتمع عقدان لازمان.
قلت: حكى صاحب المحيط -وهو محمد بن يحيى تلميذ الغزالي- خلافا في أن المعقود عليه -في النكاح- منافع البضع، أو ذات المرأة؟ وبنى عليه استقرار المهر بالوطء في دبرها.
وعلى القول بأن المعقود عليه منافع البضع، لم يتوارد عقد الإجارة والتزويج على محل واحد؛ فيشابه بيع العين المستأجرة، واستئجار المزوجة للإرضاع حيث يجوز بإذن الزوج قطعا، وبغير إذنه -على وجه- وإنما امتنع بغير إذنه -على الأصح- لاستغراق1 أوقاتها بحقه، لا لورود عقدين لازمين فإن موردهما مختلف، ولا حق للزوج في لبنها.
وعلى القول بأن المعقود عليه -في النكاح- ذات المرأة؛ فالمقصود مختلف، ولا مزاحمة بين مقصود العقدين.
1 في "ب" باستغراق.
ولو أجرت نفسها -ولا زوج لها- ثم نكحت في المدة، صح قطعا، والإجارة بحالها، والأصح جواز استئجار الزوج امرأته لإرضاع ولده منها، كما يستأجرها بعد البينونة، كما يستأجرها لغير ذلك.
وقد عرف وجه خروج هذه المسائل [من] 1 القاعدة -وهو اختلاف المورد والغرض- فلم يتزاحم العقدان.
والخلاف الذي حكاه محمد بن يحيى [حكى] 2 ابن السمعاني ثلاثة أوجه، في أصحابنا اختلفوا في المعقود عليه -في النكاح فقيل:"هو الحل" والأصح "أنه عقد على عين لاستيفاء نوع منفعة مخصوصة" انتهى، وصحح الشيخ الإمام في -شرح المنهاج، في باب الإجارة -أنه حل، وأن المهر في مقابلة الحل.
من مسائل القاعدة: ذكر الشيخ الإمام في -شرح المنهاج- في مسألة إكراء العقب "لو أراد المالك أن يؤجر الدابة لآخر الزمان الذي لا يستحقه الأول "قال": يحتمل المنع؛ لأن العين الواحدة لا يرد عليها متجانسان، والأقرب الجواز؛ لأن المعقود عليه المنافع، ومنفعة ذلك الزمان إذا لم تكن مستحقة، جاز ورود العقد عليها.
ومن مسائل القاعدة: في باب المسابقة -لو مر مار بجماعة يتناضلون فقال لواحد: إن أصبت بهذا السهم فلك دينار، نص الشافعي أنه يستحق بالإصابة.
قال الإمام: "وهذا يدل على انقطاع هذه المعاملة عن الإجارة إلى أجرة قد يفهم به اجتماع عقدين الذي إليه يستحق الدينار بجعل الجاعل، ويستحق في المعاملة الأصلية ما كان يستحقه".
ومنها: منع الوالد استئجار العكامية للحج، وقد ترد عليه المسألة السابقة؛ إلا أن ينفصل عنها بكلام الإمام.
قاعدة: الصحيح -من القولين3 أن العارية مضمونة" قال ابن القاص في "التلخيص" إلا واحدة.
1 في "ب" عن.
2 سقط في "ب".
3 من قوله في الاصطلام إلى قوله الصحيح من القولين سقط من "أ" والمثبت "ب".
وقال الجرجاني في "المعاياة" والروياني في "الفروق" إلا في مسألتين إحداهما: إذا أحرم وفي ملكه صيد وقلنا: زال ملكه بالإحرام؛ فإذا أعاره لم يضمنه المستعير؛ لأنه لا ملك له.
قلت: ولا يصح استثناء هذه؛ فإنه لا معير في الحقيقة. والثانية: وهي التي اقتصر على ذكرها ابن القاص -إذا استعار عينا ليرهنها فتلفت في يد المرتهن؛ فإن المستعير لا يضمنها على الأصح؛ لأن سبيله سبيل الضمان.
قلت: وفاتهما مسائل:
منها: المستعير من المستأجر؛ فلا ضمان عليه، وكذا المستعير من الموصي له بالمنفعة.
ومنها: العارية التالفة بالاستعمال: كما إذا انمحق الثوب، فلا ضمان في الأصح.
ومنها: لو تلفت بإعارة المالك في شغله كما إذا أرسله في حاجته وأعاره دابة ليركبها في هذه الحاجة، وكذا لو لقيه في الطريق ومع دواب فأركبه دابة ليحفظها.
فائدة: الوقف منزلة بين العتق والبيع -شابه العتق من حيث القربة، ومن ثم كان الصحيح أنه ينتقل إلى الله تعالى، وشابه التمليك، ومن ثم قبل بانتقاله إلى الموقوف عليه.
وإذا عرفت أنه منزلة بين المنزلتين عرفت أنه لا سبيل إلى تقديمه على العتق؛ فمن ثم ضعف قول ابن الضباغ في تصرفات المفلس. لو وقف وعتق، أن العتق يفسخ قبل الوقف، وكان الأصح قول صاحب البيان أن [المفسوخ] 1 [أولا] 2- الوقف لقوة العتق وسرايته.
على أن هذا القول عن ابن الصباغ لم ينقله إلا صاحب البيان فتبعه النووي، وزاد فعزاه إلى الشامل، وليس في الشامل إلا جعل العتق والوقف في قرن واحد -نبه على ذلك إسماعيل الحضرمي -وذكره الوالد في "شرح المهذب" وبسط الكلام عليه، وبين ما به يعرف أن هذا الكلام لم يقل به ابن الصباغ ولا غيره".
ومن3 أيضا -كان لنا قول: أن العتق يقدم في تبرعات الموصي المزدحمة
1 في "ب" الموسوع.
2 في "ب" إنما هو.
3 في "ب" من ثم لنا.
على غيره ولم يجئ في الوقف نظيره. وقد أثارت منزلة الوقف بين المنزلتين- ترددا في مسائل:
منها: البيع بشرط العتق صحيح على الصحيح، وبشرط الوقف فيه وجهان:"قال الرافعي: أصحهما لا".
ومنها: الصحيح -في عتق الراهن- الفرق بين الموسر والمعسر، وفي وقفه طريقان: أحدهما كالعتق، وأظهرهما: القطع بالمنع.
ومنها: بيع المبيع قبل قبضه باطل، وعتقه الأصح صحته، ولو وقفه ففي التتمة:"إن قلنا: يفتقر إلى القبول، فكالبيع؛ وإلا فكالعتق".
وقال الماوردي: "إنه كالعتق" وكذلك قال في الصدقة، وخالفه الشيخ الإمام فيها -إذا لم تصل بالقبض، ولم يكن بإذن بائع له حق الحبس، ولم تتلف في يد المتصدق عليه.
ومنها: عتق أحد العبدين صحيح، وفي وقفه وجهان: أصحهما الصحة.
فائدة: هل الصدقة مثل الوقف لأنه صدقة، أو دونه؟ "
لا أحفظ فيه؛ إلا أن الماوردي قال: "لو تصدق بالمبيع -قبل قبضه كان كما لو وقفه" ووافقه الشيخ الإمام "إذا اتصلت الصدقة بالقبض وكانت بإذن البائع، أو حيث لم يبق له حق الحبس، أو تلفت في يد المتصدق عليه. قال: "أما بدون ذلك فلا" قال: "وإباحة الطعام للفقراء كالصدقة".
قلت: فأفهم قوله: "للفقراء" أن مسألة الماوردي مختصة بالصدقة على الفقراء، وهو محتمل.
ويحتمل أن يقال: إذا كان من أصلنا الصدقة على الغنى وأنها قوية؛ فلا فرق، والصدقة على الغنى كالوقف، فينبغي إباحة الطعام؛ فإن إطعام الطعام من حيث هو- قربة.
أصل: اختلف الأصحاب في أن الوديعة عقد أو إذن مجرد: قال الإمام "ليس له فائدة حكمية" وقال ابن الرفعة: "بل له فوائد" ذكر الإمام- نفسه منها فائدتين في باب الزيادة في الرهن".
قلت: ونحن نجمع ما يحضرنا منها.
[منها] 1: في كون ولد الوديعة وديعة وجهان: قال الإمام -في باب الزيادة- "ينبنيان على أن الوديعة عقد أم لا"؟
ومنها: لو أودع وشرط شرطا فاسدا قال الإمام: "فمن جعلها عقدا أفسدها، ولا بد من أئتمان جديد؛ وإلا كان كما لو طيرت الربح ثوبا إلى داره، ومن لم يجعلها عقدا ألغي الشرط الفاسد، وأبقى موجب الإيداع.
ومنها: بانعزال المودع بعزلة نفسه في غيبة المودع وجهان:
إن قلنا: "الوديعة عقد" انعزل وتبقى أمانة، وإن قلنا:"ليست بعقد" فلا ينعزل؛ لأن ابتداءه بالفعل، فكذا رفعه.
ومنها: إذا أكره صاحب المال شخصًا على قبول الوديعة.
فإن قلنا: "عقد"، لم يثبت حكم الإيداع، وإن قلنا: "إذن مجرد ثبت حكمها، وهو المروي عن ابن أبي هريرة.
ومنها: لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا.
قال الرافعي: "فجواب الروياني في -الحلية- قال: "والقياس تخريجه على الخلاف في تعليق الوكالة "قال ابن الرفعة"، ولعله فرعه على أن الوديعة ليست بعقد" -كذا في المطلب، وقال في "الكفاية" نقلا عن الروياني- إذا قال: أودعتك هذا -بعد شهر- صح، صرح به في "البحر" وفي حليته- انتهى.
وفرق بين العبارتين، فإن "إذا جاء رأس الشهر؛ فقد أودعتك" نص في التعليق، بخلاف "أودعتك بعد شهر" فإنه يشبه تنجيز العقد، وتعليق التصرف.
والذي رأيته -في "البحر" للروياني- العبارة التي نقلها الرافعي، ولم أجد التي نقلها ابن الرفعة.
قاعدة: "كل أمين فالقول قوله في الرد على من ائتمنه".
ومن ثم يصدق المودع والوكيل بغير جعل، وأمثلته كثيرة، وكذا الوكيل بجعل وعامل القراض -على الصحيح فيهما. وقولنا:"على من ائتمنه" يخرج به دعواه الرد على من لم يأتمنه؛ فلا يقبل، ومن ثم لو ادعى قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ، أو ادعى الوكيل الرد على رسول المالك؛ فلا يقبل -على الصحيح- في الكل،
1 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
ولا يقبل دعوى من طيرت الربح ثوبا إلى داره، والملتقط الرد على المالك، ولا دعوى المودع الرد على وارث المودع.
ثم يستثنى من القاعدة: المستأجر والمرتهن؛ فالأصح أنه لا تقبل دعواهما الرد؛ لأنهما قبضا المنفعة [لمصلحة نفسهما] 1؛ فأشبها المستعير ولك أن توضح القاعدة بتقسيم فتقول:
القابض لمجرد المقبوض منه تقبل دعواه الرد قطعا، وهو أمين، كالوكيل بلا جعل.
والقابض لمحض مصلحة نفسه لا تقبل دعواه الرد جزما، وهو ضامن.
والقابض لمصلحة المقبوض منه ومصلحة نفسه، فيه خلاف، والترجيح فيه بحسب ترجيح ذكروه.
قاعدة: "كل من ضمن الوديعة بالإتلاف ضمنها بالتفريط في الحفظ" إلا الصبي فإنه يضمن بالإتلاف -على الأصح- ولا يضمن بالتفريط -وجها واحدا- لأن عقد الوديعة لا ينعقد معه كذا قال الجرجاني.
قاعدة: "كل إيجاب يفتقر إلى القبول لا يجوز وقوع القبول فيه بعد الموت. قال الجرجاني: "إلا الوصية" قال "وكل من ثبت له القبول بطل بموته إلا الموصى له؛ فإنه إذا مات قبل القبول قام وارثه مقامه.
قاعدة: قال صاحب التلخيص: "كل ما كان يمتنع من صغار السباع؛ فليس لواحد أن يتعرض لها" ومن أخذها فهو ضامن حتى يسلمها إلى السلطان، أو يردها على صاحبها، إلا واحدة: وهي ضالة الهدي يجدها أيام مني أو قبلها، يأخذها ويعرفها أيام مني، فإذا خاف أن يفوته وقت النحر نحر، قال الشافعي:"واجب إلى بعد تعريفها -أن يرفعها إلى حاكم حتى يؤمر بنحرها"، وفي المسألة قول آخر:"أنه لا يأخذها بناء على أنه لا يجوز التعرض لكبار البهائم في الصحراء"، واعترض الرافعي بأن الاستثناء غير منتظم -وإن جوزنا الأخذ- لأن الأخذ الممنوع هو الأخذ للتملك، وهذا لا يؤخذ للتملك.
فائدة: قال ابن الرفعة في " الكفاية" في باب إحياء الموات: "أسباب الملك
1 سقط في "ب".
ثمانية: الميراث، والمعاوضات، والهبات، والوصايا والوقف، والغنيمة، والإحياء، والصدقات".
قلت: بقيت عليه أسباب أخر.
منها: تملك اللقطة بشرطه.
ومنها: دية القتيل يملكها أولا: وكذلك يوفي منها دينه.
ومنها: الجنين، الأصح أنه يملك الغرة.
ومنها: خلط الغاصب المغصوب بماله، أو بمال آخر -لا يتميز- موجب لملكه إياه- على الصحيح عند1 الرافعي والنووي.
ومنها: الصحيح أن الضيف يملك ما يأكله، وهو يملك بالوضع بين يديه أو في الفم، أو بالأخذ، أو بالازدراد يتبين حصول الملك قبيله؟ وجوه وقد يجاب بدخولها في الهبة.
ومنها: ما ذكره الجرجاني في "المعاياة".
والروياني في "الفروق" من أن السابي إذا وطيء المسبية، كان متملكا لها" وهو [غريب] 2 عجيب.
ومنها: الوضع بين يدي الزوج المخالع على الإعطاء؛ فإذا قال: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، كفى الوضع بين يديه على الصحيح والصحيح أنه يملك به، وقال الشيخ أبو علي:"يبدل بمهر المثل" وفي كلام الماوردي ما يخرج منه وجه ثالث -"أنه يستحق بالوضع ووقوع الطلاق بتلك الألف. أو ألفا أخرى"، وقد يجاب عن هذه الصورة بدخولها في المعاوضات.
فصل في حقيقة الذمة:
نتبين به أن ذمة الميت خربت- أي لا ذمة له.
قال علماؤنا: "الذمة معنى مقدر في المكلف قابل للالتزام واللزوم".
وطريق من يقول: "هي معنى في حامل المكلف له -بالشغل والفراغ- دناءة وشرف؛ فإن نظف -وقد تكدر- نظف، وإن بقي ألقي على الحيف. وهذا المعنى جعله الشرع مبنيا على أمور:
1 سقط في "ب".
2 في "ب" عجيب غريب.
منها: البلوغ، فلا ذمة للصغير.
منها: الرشد؛ فمن بلغ سفيها لا ذمة له.
ومنها: عدم الحجر؛ فمن اجتمعت له هذه الشروط رتب الشرع عليها تقدير معنى فيه، يقبل إلزامه أو روش الجنايات، وأجر الإجارات، وأثمان المعاملات، ونحو ذلك من التصرفات، ويقبل التزامه؛ فإذا التزم شيئا مختارا من قبل نفسه لزمه. وإذا فقد واحدا من هذه الشروط لم يقدر الشرع فيه معنى.
وأما أهلية التصرف: فحقيقتها قبول يقدره صاحب الشرع في المحل وسبب هذا القبول المقدر التكليف والرشد.
قاعدة: "فيما ينتقل من الحقوق إلى الوارث وما لا ينتقل".
كل ما كان متعلقا بالمال، أو يدفع [به] 1 ضررا عن الوارث في عرضه؛ فإنه ينتقل إلى الوارث، وما كان متعلقا بنفس الموروث وشهوته وعقله لا ينتقل إلى الوارث. والسر في الفرق: أن الورثة يرثون المال، فيرثون ما يتعلق به تبعا له وكذلك العرض بين الوارث والموروث فيهما مناسبة.
وأما عقل الميت وشهوته نفسه فأمور لا تورث، فلا يورث ما يتعلق بها.
فمن القسم الأول:
خيار الشرط، وخيار المجلس، خيار الإقالة، وخيار التصرية، والرد بالعيب وخيار الخلف، وخيار الشفعة، وحق القصاص، وحق الراهن، وقبول الوصية، وإذا مات واحد من الغانمين انتقل حقه إلى ورثته [لأنه ثبت له الملك أو حق الملك، وإذا مات المتحجر انتقل حقه إلى ورثته] 2 وحكم الإقالة والتحالف مع الوارث كحكمها مع المورث.
وأما حد القذف، وقصاص الأطراف والجراح ومنافع الأعضاء فتنتقل -أيضا- إلى الوارث وإن لم تكن مالا، لأجل شفاء غليل الوارث بما دخل على عرضه من قذف مورثه، أو الجناية عليه.
وأما القصاص النفس؛ فإن قلنا: "العلة مع المعلول" فهو من هذا القبيل -يورث، لأنه يثبت للمجني عليه قبل موته، ثم ينتقل عنه.
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
وإن قلنا: "سابقة" فليس من هذا؛ لأنه لا يثبت للوارث ابتداء لأن استحقاقه فرع زهوق النفس، فلا يقع للوارث إلا عقب موت المورث.
ومن القسم الثاني:
وهو ما لا ينتقل للوارث: اللعان، وقد كان يختلج في الذهن أنه ينبغي ثبوته له دفعا عن النسب الذي اشترك الوارث والموروث فيه؛ غير أنه لما رجع إلى أمر يعتقده المورث لا يشاركه فيه غيره، لم ينتقل.
وكذلك: الفيئة بعد الإيلاء لا تورث لتعلقه بشهوته، والعود بعد الظهار، واختيار أربع من خمس فصاعدا -أسلم عليهن- ومن ثم لا يجوز التوكيل فيه، وفي سائر ما يتعلق بالشهوة.
وكذلك لا ينتقل إلى الوارث قضاؤه على متبايعين جعلا له الخيار في الإمضاء أو الفسخ.
وكذلك ما بيده من قضاء ومناصب، كما لا ينتقل اجتهاده وعلمه ودينه لا ينتقل شيء منها إلى الوارث؛ لأنه لم يرث [سيده] 1 وأصله لو قال لزوجتيه: إحداكما طالق؛ ففي قيام وارثه مقامه -في التعيين- خلاف شهير.
وهنا مسائل:
منها: قال المتولي: لو ذهب لوالده شيئا فمات الواهب، لا ينتقل حق الرجوع إلى الورثة؛ لأنهم لا يرثون العين، فلا يرثون الخيار فيها، كما لا يرث حق النكاح، ولا الولاء.
واستدل الحنفية بهذا على عدم إرث خيار المجلس، وأجاب الغزالي بأنها سلطنة لا تثبت إلا للأب -على قياس الولايات- لأنه لا يسقط بقوله:"أسقطت" كولاية التزويج؛ فهو من لوازم الأبوة والخيار يقبل السقوط بالإسقاط قلت.
فائدة: قال المتولي -في باب الخيار في تعريف ما يورث وما لا يورث: "كل حق لازم متعلق بالمال يورث بوراثة المال" واعترضه النووي بخروج حد القذف والقصاص والنجاسات المنتفع بها كالكلبب والسرجين.
1 في "ب" مستنده.
فائدة: إذا تعدد الوراث؛ فهل يتعدد الحق المتنتقل إليهم عن مورثهم اعتبارا بهم، أو يتحد اعتبارا به؟ ثم إما أن يتوزع عليهم وإما أن يسلك سبيل آخر.
فيه تردد في مسائل:
منها: إذا ورثوا خيار المجلس لم ينقطع خيار بعضهم بمفارقة الآخر -على الأصح- فكل منهم في هذا بمنزلته، ولو فسخ بعضهم انفسخ العقد في الكل علي الأصح، ولو فسخ بعضهم في نصيبه، واختار الآخر في نصيبه قال مجلي: "لم يكن لهم ذلك -وجها واحدا- وفي الحاوي وجه.
ومنها: إذا ورثا العبد المبيع فوجدا به عيبا؛ فالأصح لا ينفرد أحدهما بالرد، ولو سلم أحدهما نصف الثمن لم يلزم البائع تسليمه النصف.
ومنها: لو قضى أحد الوارثين حصته من الدين المرهون به رهن؛ ففي انفكاك نصيبه قولان.
ولو مات المديون فقضى بعض الورثة نصيبه، قال الإمام:"لا يبعد تخرجه على الرهن".
ومنها: أقر بعضهم بالدين وأنكر البعض.
ومنها: لو عفا بعضهم عن حد القذف.
فائدة: [قال الجرجاني1: يورث بالقرابة من الطرفين إلا في أربع مسائل:
ابن الأخ يرث العمة، ولا ترثه العمة2.
والعم يرث بنت الأخ - ولا ترثه هي3
وابن العم يرث بنت العم، ولا ترثه هي4.
والجدة ترث ولد ابنتها، ولا يرثها هو5.
قال الجرجاني: "ويورث النكاح من الطرفين إلا في المبتوتة في المرض؛ فإنها ترث المطلق -في قول- ولا يرثها هو".
1 من قوله قال الجرجاني. إلى قوله ثبت الولاء من الطرفين سقط من "أ" والمثبت من "ب".
2 مختصر العلائي 1/ 394، الأشباه والنظائر "500"؟
3 المصدران السابقان.
4 المصدران السابقان.
5 المصدران السابقان.