المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الزكاة: قاعدة: كل حق مالي وجب بسببين يختصان به فإنه - الأشباه والنظائر - السبكي - جـ ١

[تاج الدين ابن السبكي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌كتاب الزكاة: قاعدة: كل حق مالي وجب بسببين يختصان به فإنه

‌كتاب الزكاة:

قاعدة: كل حق مالي وجب بسببين يختصان به فإنه جائز تعجيله

قاعدة: كل حق مالي وجب بسببين -يختصمان به؛ فإنه جائز تعجيله بعد وجود أحدهما، وعبر الإمام في "النهاية" في الحج، في باب صوم المتمتع -عن هذا بقوله: "كل كفارة مالية نيطت بسببين فيجوز تقديمها على السبب الثاني إذا تقدم الأول، قياسا على كفارة اليمين؛ فإنها إذا كانت مالية، جاز تقديمها على الحنث. انتهى.

وإن وجب بسبب وشرط، جاز تعجيله بعد وجود السبب.

وهذا أوضح، فإنه إذا قدم على السبب الثاني -وهو سبب- فإن تقدم على الشرط أولى وأحرى.

وما وجب بثلاثة أسباب؛ فلا يجوز تقديمه على اثنين منها بل لا بد من اثنين ثم جائز له تقديمه على الثالث.

وما وجب بسبب واحد، لا يجوز تقديمه عليه.

فهذه ثلاث قواعد نتكلم عنها في شرح الرابطة الأولى.

فنقول: خرج بقولنا: ما لي الحق البدني؛ فإنه إما مؤقت كالصلاة فلا يقدم على وقته، وجمع التقديم ليس بتقديم على الوقت، بل هو الوقت في تلك الحالة.

والصبي إذا بلغ في أثناء الوقت بعدما صلى تجزيه الصلاة، وليس فعله تقديما وتعجيلا.

وإما غير مؤقت، كالصيام في الكفارات، والصحيح أنه لا يجوز تقديمه على سببه، وفي وجه أنه يجوز التكفير بالصوم قبل الحنث، قال الإمام في الأساليب:

وهو الذي يليق بطريق الأسلوب.

ص: 222

وقولنا يختصان به احتراز عن الإسلام والحرية؛ فإنهما لا يختصان بما يجب فيه، كزكاة الفطر ليس للإسلام والحرية بهما خصوصية والزكوات كذلك قبل الحج، وأمور كثيرة.

القول في ذي السببين أو السبب والشرط:

فيه صور:

منها: كفارة اليمين وقد قدمناها عن الإمام، وهي أم المسائل؛ فيجوز إخراجها بعد اليميمن وقبل الحنث؛ لأنها وجبت باليمين والحنث، ولا تجوز قبل اليمين، لتقديهما على السببين.

ومنها: زكاة الفطر يجوز تعجيلها في جميع رمضان؛ لأنها وجبت بأمرين يختصان بها، وهما: إدراك رمضان والفطر، ولا يجوز قبل رمضان، التقديم على السببين.

ومنها زكاة المواشي، والنقدين، والعروض؛ فإنها تجب بسببين يختصان بها، وهما: الحول والنصاب، فيجوز تعجيلها قبل الحول، ولا يجوز قبل كمال النصاب، والأصح أنه لا يجوز تعجيل زكاة عامين؛ لأنه لم يتحقق وجود واحد من السببين بالنسبة إلى العام الثاني.

ومنها: إراقة دم التمتع بعد الشروع في الحج وقبل العيد جائز عندنا خلافا لأبي حنيفة حيث قضى بأنه يتأقت بأيام النحر.

وفي جواز الإراقة بعد التحلل من العمرة وقبل الشروع في الحج قولان أو وجهان: أصحهما الجواز؛ لأنه حق مالي تعلق بسببين، وهما، الفراغ من العمرة، والشروع في الحج؛ فإذا وجد أحدهما جاز إخراجه، كالزكاة والكفارة.

ومنها: كفارة القتل تجوز بعد الجرح وقبل الموت، وإن لم يكن جرحه لم يجز بلا خلاف.

القول في ذي الأسباب:

وفيه صور:

منها: على قول ابن أبي هريرة: الظهار؛ وذلك أن الكفارة بالظهار إذا وجد العود يجب بالعود والظهار شرط، أو الظهار والعود شرط أو بهما فيه وجوه. وعلى القول بأن

ص: 223

العود سبب، والظهار شرط قال ابن الرفعة، ينبغي أن لا يجزئ التكفير قبله قال: وقد حكاه البندنيجي وجها.

وعلى القول بأنهما سببان، لا يجوز تقديمها على الظهار، ويجوز على العود وذهب ابن أبي هريرة، إلى أنها تجب بثلاثة أسباب: عقد النكاح، الظهار والعود، ووافق على أنه لا يجوز تقديمها على الظهار. قال: ولا يجوز تقديمها على الظهار قال: وإن كان بعد النكاح لبقاء سببين من ثلاثة أسباب.

وحكى صاحب البحر في باب تعجيل الصدقة وجها أنه يجوز تقديمها على الظهار قال: ولا يجوز تقديم كفارة الجماع في صوم رمضان على الجماع بلا خلاف.

القول في ذي السبب الواحد:

وله صور؛ منها: تقديم -الشيخ الهرم، والحامل، والمريض، الفدية على رمضان.

ومنها: لو أراد بالحج تقديم الجزاء على قتل الصيد؛ فإن كان جرحه فالمذهب الجواز لوجود سبب القتل؛ وإلا فالمذهب أنه لا يجوز؛ لأنه لم يوجد شيء من أسبابه، والإحرام ليس سبب لوجوب الجزاء، ومن أصحابنا ومن وجد فيه وجها آخر، وهو ضعيف.

هذا كلام صاحب البحر بنصه.

وأمثلة هذا الفصل تكثر، ويستثنى منه مسألة واحدة: وهي إذا اضطر المحرم إلى صيد فقد الجزاء؛ فإن الشافعي جوزه قبل الجرح، ليس لأنه جعل الإحرام أحد سببيه؛ إذ لو كان كذلك قبل الجرح، إذا لم يضطر إليه، وهذا لا يجوز.

قاعدة: قال الشيخ أبو حامد: المبادلة توجب استئناف الحول في الزكاة إلا في أربع مسائل:

إحداها: إذا باع سلعة للتجارة، بسلعة للتجارة.

والثانية: إذا باع سلعة للتجارة بأحد النقدين وكان نصابا.

والثالثة: إذا باع سهما من سلعة للتجارة بأحد النقدين [وكان] 1 نصابا.

1 في "ب" وذلك.

ص: 224

والرابعة: إذا بادل دراهم بدنانير، أو دنانير بدراهم على الصحيح.

قاعدة: قال الشيخ أبو حامد: "لا يجب في عين واحدة زكاتان"1 إلا في ثلاث مسائل:

منها: العبد المسلم للتجارة، تجب في زكاة التجارة والفطر.

قلت: هنا من الزكاة نوعان مختلفان.

ومنها: من له نصاب وعليه دين بمثله يعني؛ فأظهر الأقوال وجوب الزكاة.

قلت: لكن الذي وجبت فيه الزكاة على المدين هو النصاب الذي في يده، والذي وجبت فيه الزكاة على رب الدين والنصاب الذي في ذمة المدين؛ فلا عين واحدة فيها زكاتان، بل عين ودين، ولذلك كان الصحيح -تفريعا على أن الدين يمنع الزكاة- أن سببه ضعف ملك المدين، لا التأدية إلى تثنية الزكاة.

ومنها: واجد اللقطة إذا تملكها بعد التعريف ممن عليه زكاتها -على الأصح، وعلى صاحبها -أيضا- زكاتها.

قلت: ليس على صاحبها زكاتها إذا تملكها الملتقط؛ لكن قال الأصحاب إنه يستحق قيمتها على الملتقط -قالوا: ففي وجوب زكاة القيمة عليه خلاف من وجهين:

أحدهما كونه دينا.

والثاني: كونه مالا ضالا.

وزاد الرافعي: كونه معرضا للسقوط؛ لأن الملتقط لو رد اللقطة يعين على المالك القبول، وفي تمكن المالك من استردادها -قهرا- خلاف، الأصح له ذلك.

قلت: فظهر أن العين الواحدة ليس فيها زكاتان؛ إلا في عبد التجارة حيث تجب فيه -مع زكاة التجارة- زكاة الفطر، وموردهما مختلف وهما نوعان.

قاعدة: يعتبر الحول في الزكاة إلا في مسائل:

منها2:

1 الأشباه والنظائر للسيوطي ص444.

2 بياض في النسختين "أ""ب" وتكميلا للفائدة قلت ومنها نتاج النصاب؛ فإنه يزكي بحول أمه بشروط ثلاثة:

أحدها: أن يكون الأصل نصابا.

الثاني: أن يكون متولدا منها.

الثالث: أن يوجد قبل الحول؛ فإن فقد شرط منها لم يزل بحول الأصل، وتؤخذ زكاتها منها صغيرة كالمريضة من المراض فيؤخذ من خمس =

ص: 225

فائدة: تكون الأرض خراجية في صورتين.

إحداهما: أن يفتح الإمام بلدا -قهرا- ويقسمها بين الغانمين، ثم يعوضهم عنها، ثم يقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجا.

والثانية: إن فتح بلدا -صلحا- على أن تكون الأرض للمسلمين، ويسكنها الكفار بخراج معلوم؛ فالأرض تكون فيئا للمسلمين، والخراج عليها أجرة، لا تسقط بإسلامهم.

وكذا: إذا انجلى الكفار عن بلدة، وقلنا: إن الأرض تصير وقفا على مصالح المسلمين، فيضرب عليها خراج، يؤديه كل من يسكنها، مسلما كان أم ذميا؛ فأما إذا فتحت -صلحا ولم يشترط كون الأرض للمسلمين، ولكن تسكن بخراج، فهذه جزية -تسقط بالإسلام.

وأما البلاد التي فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين وثبتت في أيديهم وكذا التي أسلم أهلها عليها، والأرض التي أحياها المسلمون؛ فكلها عشرية وأخذ الخراج منها ظلم لا يقوم مقام العشر؛ فإن أخذه الإمام على أن يكون بدلا عن العشر فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد، والأصح سقوط الفرض به.

قاعدة: من وجبت عليه فطرته كل من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم إلا في مسائل1.

منها: زوجة أبيه التي تلزمه نفقتها، ومستولدته لا يلزمه فطرتها على الأصح.

ومنها: زوجة الابن لا تجب فطرتها وإن أوجبنا نفقتها.

= وعشرين فصيل ومن ست وثلاثين فصيل ومن أربعين فصيل بالنسبة إلى المخرج منه.

ومنها: ربح مال التجارة إن لم ينص ومنها المعدن؛ سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة له، ولو ملك منه دون نصاب وعنده من جنسه نصاب أو دونه ولم يتم حول فيما عنده؛ فالأصح الضم حتى يخرج واجب المعدن في الحال لتشابه الزكاتين في اتحاد المتعلق، ومنها الركاز الذي ملك منه نصابا وجب خمسة في الحال.

انظر الشرح الكبير 5/ 381-6/ 96 الروضة 2/ 269.

1 الأشباه للسيوطي 444، الاعتناء/ باب زكاة الفطر.

ص: 226

ومنها: البائن الحامل، إذا قلنا: النفقة للحمل، لا تجب فطرته1.

ومنها: خادم الزوجة إذا كانت ممن تخدم، صحح الإمام أنه لا تجب فطرتها وإن كانت نفقتها واجبة.

قاعدة: من وجبت نفقته على غيره وجبت عليه فطرته وإلا فلا.

قاعدة: قال الشيخ أبو حامد: لا تؤخذ القيمة في الزكاة إلا في أربع مسائل:

إحداها: أموال التجارة.

الثانية: في الجبران في الشاتين، أو العشرين درهما.

الثالثة: في أصناف الثمار بالقيمة، نعني إذا اختلف أنواع الزروع والثمار، وفي المسألة أقوال أربعة.

الرابعة: في الشاة عن خمس من الأبل.

قلت: يعني إذا لم توجد قيمتها، وكذلك لو وجبت بنت مخاض أو ابن لبون ولم يجدهما -لا في ماله، ولا الثمن- فإنه يعدل إلى القيمة.

قلت: وبقيت صور.

منها: إذا اجتمع في ماله فرضان:

كالمائتين فيها أربع حقائق، أو خمس بنات لبون، وكانا عنده بصفة الإجزاء؛ فالمذهب أنه يجب إخراج الأغبط للمساكين -فإن أخرج غير الأغبط كان الفصل يسيرا، لا يمكنه أن يشتري به جزءا، تصدق بالدراهم، وكذا إن أمكنه في الأصح، لسوء المشاركة.

ومنها: لو قطعت الثمار رطبة، للخوف من العطش، وقلنا بالأصح أنه لا يجوز قسمها مقطوعة- جاز أخذ قيمة العشر في وجه.

ومنها: لو ضمن الزكاة بتلفها بعد التمكن أو إتلافها، فقضية كلام الرافعي

1 الشرح الكبير 6/ 140 قال النووي في الروضة، الذي قطع به الأكثرون أن وجوب الفطرة مبني على الخلاف في أن النفقة للحامل أو للحمل إن قلنا للحامل وجبت؛ وإلا فلا، وهذا مبني على ما إذا كانت الزوجة حرة؛ فإن كانت أمة وقلنا النفقة للحمل فلا فطرة لأنه ملك للسيد وإن قلنا للحامل وجبت سواء رجحنا الطريق الأول أو الثاني؛ فالمذهب الوجوب لأن النفقة للحامل على الأظهر. شرح المهذب 6/ 117، الشرح الكبير 6/ 141-142.

ص: 227

والنووي إيجاب القيمة في المتقوم، كقيمة شاة في خمس من الإبل وصحح الشيخ الإمام الوالد رحمه الله أن الواجب كما كان قبل التلف، فيضمن شاة.

ومنها: قال الإمام -في آخر باب النية، في الصدقة: لو وجبت شاة ثم تلف الأربعون بعد الإمكان وعسر الوصول إلى الشاة ومشت حاجة المساكين.

فالظاهر عندي أنه يخرج القيمة للضرورة الداعية، كما لو أتلف مثليا ثم أعوزه.

قاعدة: ذكرها الأصحاب في كتاب الصيام الحقوق المالية الواجبة لله تعالى ثلاثة أضرب:

ضرب يجب لا بسبب من العبد؛ فإذا عجز عنه، وقت الوجوب لا يثبت في الذمة؛ بل يسقط وذلك كزكاة الفطر.

وضرب: يجب بسبب من جهته -على سبيل البدل- فيثبت في الذمة، تغليبا لمعنى الغرامة، كجزاء الصيد، ولم يستثن صاحب التقريب جزاء الصيد.

قال الإمام: وترك استثنائه منه غفلة.

قال: ولا ينبغي أن يعتقد فيه خلاف.

قلت: وكذلك فدية الحلق في الحج.

وضرب: يجب بسبه -لا على وجه البدن- فقولان:

أصحهما: أنه يثبت في الذمة إلحاقا بجزاء الصيد لأنها مؤاخذة على فعله، قال الرافعي: فعلى هذا متى قدر على إحدى الخصال لزمته.

والثاني: أنه يسقط عند العجز كزكاة الفطر، واحتج له بأنه صلى الله عليه وسلم لما أمر الأعرابي [أن] 1 يطعمه أهله وعياله في حديث2 المجامع لم يأمره بالإخراج في ثاني الحال، ولو وجب ذلك لأشبه أن يبين [له]3.

1 في "ب" بأن.

2 انظر البخاري 4/ 163 في الصوم/ باب إذا جامع في رمضان "1936"، وفي 10/ 503 في كتاب الأدب/ باب التبسم والضحك "6087" وفي 11/ 595-596 في كتاب كفارات الأيمان حديث "6709" وحديث "6710" وحديث "6711" ومسلم 2/ 781-782 في الصيام/ باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان "81/ 111".

3 سقط في "ب".

ص: 228

قال الرافعي: ولمن رجح الثاني أن يقول: لم قلت أن المصروف إلى الأهل لم يقع تكفيرا؛ فإنا روينا وجها مجوزا له عند الفقر.

وإن سلمنا ذلك، ولكن يحمل أن يكون الفرض باقيا في ذمته، ولم يبين له ذلك؛ لأن حاجته إلى معرفة الوجوب؛ إنما تمس عند القدرة، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز.

قلت: وأوضح من دعوى تأخير البيان إلى وقت الحاجة، أن يقال لم يؤخر البيان، بل بين حيث أمر بالصدقة.

ومن ثم قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: في الحديث ما يدل للوجه الصحيح؛ لأن الرجل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعجزه عن الثلاث، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرق من تمر؛ فقال: خذ هذا، فتصدق به ولو لم تكن استقرت في ذمته لما أمره بالصدقة.

وكلام الشيخ الإمام رحمه الله هذ- متين، وبه يقع الانفصال على أمرين.

أحدهما: أن الرافعي قال: إنه لا يمكن الاستدلال بخبر الأعرابي على الجمع في هذه الصورة -يعني على السقوط- وفي صورة صرف الكفارة إلى الأهل والعيال على الجواز؛ وإنما يمكن الاستدلال به في أحدهما لأن المأمور بصرفه إلى الأهل والعيال إما أن يكون كفارة أو لا يكون.

إن كان: لم يصح الاستدلال به في هذه الصورة.

وإن لم يكن: لم يصح في الصورة السابقة.

قال الشيخ الإمام: قول الرافعي -إن كان كفارة ل يصح الاستدلال به في هذه الصورة ممنوع؛ لأن وقت الوجوب كان قد تقدم؛ فلو سقطت بالعجز حال الوجوب لما صرفت بعد ذلك، فالمأمور بصرفه إلى العيال إن كان كفارة صح الاستدلال بصرفه، والأصح الاستدلال بالأمر -قبل ذلك- بالتصدق به انتهى.

وأقول: هذا -على حسنه- لا يلاقي كلام الرافعي؛ لأن مراد الرافعي بتقدير كونه كفارة -أنه لا يصح الاستدلال به في الصورة على عدم السقوط؛ فإن الرافعي لم يذكر أن في الحديث دلالة على البتة؛ وإنما ذكر ذلك الشيخ الإمام ولا شك أنه متى كان كفارة دل على عدم السقوط، ومتى دل على عدم السقوط لم يستدل به على السقوط لأن بينهما تنافيا".

ص: 229

فكلام الشيخ الإمام صحيح؛ ولكن على طريقته، وهي أن الحديث أن الحديث يدل على عدم السقوط: وكلام الرافعي صحيح ولكن على طريقته، وهي أن بعضهم احتج به للسقوط ولم يتحدث الرافعي في دلالته على عدم السقوط البتة؛ بل غايته أنه دفع الاحتجاج به على السقوط، أما أنه بقيمه دليلا للثبوت فلا.

الأمر الثاني:

أن الإمام قال: بعدما حكى تردد الإصحاب في أن العلة إذا أفرطت تكون عذرا في ترك الصيام، أي الصيام الكفارة، وفي جواز صرفها إلى العيال الرأي عندنا إلحاق قصة الإعرابي برخصة خص الشارع بها معينا، وكثيرا ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وهذا نحو قوله1 صلى الله عليه وسلم في قصة الأضحية "تجزئ عنك، ولا تجزئ عن أحد بعدك"، وجرى مثل ذلك في إرضاع الكبير2؛ وهذا -وإن كان على بعد- فهو أهون من تشويش أصول الشريعة، لقصة نقلها آحاد وأفراد- انتهى.

وحكاه عنه الرافعي، ثم اعترضه بأن مثل هذا التأويل؛ إنما يصار إليه عند الاضطرار، ولنا عنه مندوحة.

ونعني فنقول: [من] 3 أفسد يوما بالجماع يجب عليه -مع الكفارة- قضاء اليوم قلنا: روي أنه عليه السلام قال للرجل: "واقض يوما مكانه"4.

1 البخاري 10/ 22 في الأضاحي/ باب الذبح بعد الصلاة "5560" مسلم 3/ 1552-1553 في كتاب الأضاحي/ باب وقتها "5/ 1961" 7/ 1961 "8/ 1961""9/ 1961".

2 وهو من حديث عائشة رضي الله عنها أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع أبي حذيفة وأهله من بيتهم؛ فأتت وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة"، فرجعت فقالت إني أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة -مسلم 2/ 1076 في كتاب الرضاع/ باب رضاعة الكبير "27/ 1453""26/ 1453".

3 في "ب" فيمن.

4 أبو داود من حديث هشام بن سعد عن الزهري، عن ابن مسلمة، عن أبي هريرة وأعله ابن جزم بهشام وقد تابعه إبراهيم بن سعد، كما رواه أبو عوانة في صحيحه والدارقطني من حديث أبي أويس وعبد الجبار بن عمر، عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وهو وهم منهما في إسناده، وقد اختلف في توثيقهما وتخريجهما وله طريق آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومن طريق مالك عن عطاء عن سعيد بن المسيب مرسلا ومن حديث ابن جريج عن نافع بن جبير مرسلا، ومن حديث أبي معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي مرسلا، وقال سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد عن ابن عجلان عن المطلب بن أبي وداعة عن سعيد بن المسيب جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أصبت امرأتي في رمضان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تب إلى الله واستغفره وتصدق واقض يومًا مكانه".

ص: 230

ولا تصرف الكفارة للعيال، ويعتذر عن الحديث بمثل التأويلات المنقولة عن الإمام، وتستقر في الذمة عند العجز ويعتذر بما أوردناه -آنفا- عن الرافعي. وأما العدول إلى الإطعام بعذر شدة الغلمة؛ فهو الأصح جريا على ظاهر الخبر، فاستغنينا فيه عن التأويل.

هذا حاصل كلام الرافعي، وفيه نظر من وجوه.

أحدها: أن غاية معارضة تأويل الإمام؛ حيث قال: يحتمل ويكون مخصوصا بصاحب الواقعة -بتأويلات أبداها، وليس أحد التأويلين أولى من الآخر ما لم يظهر ترجيحه ولم يظهر.

والثاني: إن كلامه كالصريح في أن الحديث يستدل به على الصور الأربع، ومنها الصورتان المتنافيتان اللتان قدم هو أنه لا يمكن الاستدلال به إلا في إحداهما.

والثالث: أن قوله في اشتداد الغلمة: الصحيح الجريان على ظاهر الخبر لا حاجة إلى تأويل. لا يفيد جوابا عن دعوى الإمام -أنه مشوش لأصول الشريعة، وأن تأويل الحديث وصرفه عن ظاهره أولى من هدم القواعد؛ إذ لا جواب لهذا الكلام إلا بأن نبين أنه غير مشوش، لا أن يقال: إذا كان الأصح الإجراء على ظاهر الحديث؛ فلا حاجة إلى التأويل؛ فطريق الجواب، أن نبين أن القول بظاهر الحديث جار على منهج قياسي، لا يشوش أصول الشريعة- ولم يبين ذلك:

فإن قلت: فبقى كلام الإمام شديدًا، لم يقع عنه انفصال، وقد قدمتم وقوع الانفصال عنه.

قلت: إنما قدمنا وقوع الانفصال عنه في مسألة الاستقراء في الذمة عند العجز، ووجهه أن الحديث دال على الاستقرار على خلاف ما فهمه المخالفون.

وأما في مسألة الغلمة فلا وجه إلى التأويل الذي أبداه الإمام، والتزم أنه لا يجوز

ص: 231