الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالإشارة المفهمة أو [قرئ] 1 كتاب الوصية فأشار برأسه أن نعم صحت؛ لكن هذا ليس بأخرس.
ومن الفروع حل ذبيحته قال الرافعي نقلا عن التهذيب: إن كانت له إشارة مفهمة حلت ذبيحته؛ وإلا فهو كالمجنون. أي ففي حل ذبيحته قولان.
قال: ولتكن سائر التصرفات على هذا القياس.
قلت: وفي المسألة كلامان.
أحدهما: تحريم ذبيحة الأخرس، ولا يظهر له وجه، والصواب الحل سواء كانت إشارته مفهمة أو لم [تكن] 2 وعلى ذلك نص الشافعي في باب الضحايا من "المختصر" فقال رضي الله عنه: ولا بأس بذبيحة الأخرس، وصححه النووي، وأرجو ألا يتأتي فيه خلاف ممن يحلل متروك التسمية، وأي مدخل للنطق في قطع الحلقوم والمريء.
والثاني: قول الرافعي: [ولتكن] 3 سائر تصرفاته على هذا [يالقياس] 4 لا أدري ما يعني به، إن أراد تصرفاته الفعلية فلا يظهر البتة، أو القولية فلا يخفي أن من لا تفهم إشارته لا بيع له ولا إقرار ولا هبة ونحوها؛ فكيف يجري فيه قولان؟
1 في ب قرأ.
2 في ب يكن.
3 في ب وليكن.
4 في ب القياس.
الكلام في مباحث تتعلق بالكناية:
المبحث الأول:
في موضوع الكناية من العقود وما جرى مجراها. اعلم أن الأصحاب لما ذكروا الخلاف في انعقاد البيع في [الكنايات] 1 قصروا التمثيل على كنايات الإيجاب والقبول، ولم يذكروا المعقود عليه؛ فاحتمل أن يقال وضع الخلاف صفة العقد لا العوض والمعوض، فإن الكناية تصح عنهما بلا خلاف لأن نقل الإنسان ملكه إلى غيره لا حجر فيه، فيصرح إن شاء الله أو ليكن مع النية؛ إنما الحجر في الطريق الموصلة إلى الملك وهي الصيغة فتلك التي جعل الشارع بإزائها ألفاظ منحصرة منها صريح ومنها كناية. وإلى هذا الاحتمال ذهب ابن الرفعة، واعترض به كلمات للرافعي سنذكرها. وقال الشيخ الإمام الوالد: إنه الظاهر واحتمل أن يقال: موضع الخلاف
1 في ب بالكنايات
الصيغة، ولا تصح الكناية في العوض والمعوض بلا خلاف.
وهذا الاحتمال للشيخ الإمام، ويمكن توجيهه بأن مورد العقد [هو] 1 موضع غرض المتعاقدين؛ إذ لا غرض لهما في الصيغة، وإنما يأتيان بها للدلالة على مرادهما وليتوقف تحصيله شرعا عليها، فيحتاط لموضع الغرض ولا يكتفي فيه إلا بالصريح.
وقد توافق ابن الرفعة والوالد على قصر موضع الخلاف. ويحتمل عندي أن يقال: بأن الخلاف جار فيه العوض والمعوض والشروط الواقعة في العقود ذات الكنايات كجهاته في الصيغة وعليه يدل صنيع كثير من الأصحاب في مسائل:
منها: إذا تبايع، وفي البلد نقول ولا غالب قال -في الخلع- سبق في البيع أنه لا يصح. ولا يكفي أن ينويا.
ولك أن تقول: وجب أن يجعل على الخلاف في انعقاد البيع بالكناية.
واعترضه ابن الرفعة بأن موضع الخلاف في الكناية الصيغة لا العوض، وقد عرفت ما فيه.
ومنها: قال الرافعي في "الخلع" أيضا: فيما إذا قال أنت طالق ولي عليك ألف وتصادقا على إرادة الإلزام [وقبلت] 2 إن أصح الوجهين اللزوم؛ فإن قضية انعقاد البيع إذا قال: بعتك ولي عليك كذا إذا قلنا: البيع ينعقد بالكناية: واعترضه ابن الرفعة باعتراضه السابق إذ الكناية هنا في العوض لا في الصيغة.
ومنها: إذ قال يعني ولك على ألف فقبل؛ فوجهان قال الرافعي في الخلع: يشبه أن يكونا في صراحته، أما كونه كناية، فلا ينبغي أن يكون في خلاف.
قلت: وحق ابن الرفعة أن نعيد عليه اعتراضه؛ لأن الكناية هنا أيضا في الصيغة.
إذا عرفت هذا فقد استشهد ابن الرفعة لما ذكره بقول العراقيين والبغوي إذا كان للرجل بنات فقال للخاطب: زوجتك بنتي. ونويا واحدة بعينها أن النكاح يصح.
قال: وإذا كان هذا الغموض في عقد يشترط في الإشهاد فكيف بالعوض في الكناية ولا إشهاد فيه.
قال الوالد رحمه الله: ويحتمل الفرق بأن بنتي معرفة بالإضافة، فتحمل على
1 سقط من أوالمثبت من ب.
2 في ب وقلت.
العهد، والبنت المخطوبة قد عرفت فاكتفى بذلك، والصيغة المذكورة تستعمل في المعهود لغة؛ بحيث أنها تصير كالصريح.
قلت: ولا سيما على قول الشيخ أبي محمد في الخلف بألف ونحوها إذا نويا به نوعا أن التغبير بالنية؛ إنما يؤثر إذا تواطآ قبل العقد على ما يقصدان باللفظ المبهم؛ فإن هناك معهودا ولا بد، وإذا كان هذا كالصريح فليس مما نحن فيه.
وما استشهد به من الفرع الذي قد لا يوافق عليه الرافعي؛ فإن لصاحب الذخائر نزاعا فيه، ولابن الصباغ أيضا احتمال فيما لو قال: زوجتك فاطمة ونوى ابنته أنه لا يصح.
ذكر ابن الرفعة نفسه أن يطرق هذه المسألة؛ فهذه المواضع من صيغ الرافعي دالة على تعميم الكناية، وقد سبق إلى نظائرها في مسائل.
فمنها: إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا، وكانت الصيعان معلومة وأراد هبته فسد العقد وإن أراد إدخاله في العقد صح إن كانت معلومة الصيعان دون ما إذا كانت مجهولة.
قال الغزالي في الوسيط فإن قيل إذا تردد اللفظ بين الاحتمالات فكيف يصح العقد بمجرد إرادة صورة الصحة؟
قلنا: يلتفت هذا على الأصح في انعقاد البيع بالكتابة انتهى.
ولم يعترضه ابن الرفعه في "المطلب" بما اعترض به الرافعي في نظائره من أن الكناية هنا ليست في صيغة العقد، وكان حقه ذلك؛ فإن هذا من الغزالي مثل صنيع الرافعي.
ولم يزد ابن الرفعة على أن الإمام روى عن صاحب التقريب أن العقد لا يصح.
قال: لكنه لم ينقل عنه توجيهه بذلك، قال: ووجهه الإمام بأن العبارة لا تنبئ عن المقصود إلا على بعد في المحل، فضاهى اللغز.
ومنها: نكاح الشغار باطل، ومن صوره المختلفة فيها: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك.
قال صاحب التتمة: إن قصد تعليق الانعقاد. ووجد ما يدل عليه صريحا أو كناية
فالعقد باطل، وإن قصد المواصلة أو إخلاء النكاح من الصداق. فصحيح وهو كالمسألة قبلها.
ومنها: قال بعتك هذا على أن لي عليك درهما؛ ففي صحته وجهان حكمهما في الخلع.
وشبه ابن الرفعة في البيع المسألة الصبرة التي حكينا فيها بحث الغزالي ومنها: إذا قال الولي في خطبة النكاح: زوجتك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فالأصح الصحة وإن قيد الوالي الإيجاب وفصل الإمام بين أن يجريا، شرطا ملزما فيفسد الوعظ فلا يضر أو يطلق فيحتمل ويحتمل، والقرينة تدل على الوعظ.
فانظر كيف لم يجعل التردد مبطلا؛ بل دار مع النية وجودا وعدما.
المبحث الثاني: في معنى الكناية
اعلم أن الكناية تقابل الصريح، ولسنا نشترط في الكناية أن تكون مجازا؛ بل قد تكون حقيقة وقد تكون مجازا.
ولا في الصريح أن يكون حقيقة؛ وإنما مأخذ الصراحة الشياع والشهرة في الشرع على ما حرر في مكانه.
ومأخذ الكناية الإشعار بالمكني عنه، ومن ثم ضعف الشيخ الإمام [الوالد] 1 رحمه الله قول الرافعي في الخلف فيما إذا قال: بعتك بألف. ونويا نوعا وجب أن يجعل على الخلاف في انعقاد اليبع بالكناية؛ لأن التعبير عن المقيد بالمطلق شائع في اللسان.
فقال: هو شائع، لكن بطريق المجاز، لا بطريق الكناية؛ فإن الكناية شرطها الإشعار بالمكني عنه، والمطلق لا يشعر بالمقيد ولذلك ضعف قول صاحب الذخائر أن ملكتك إذا نوى بها العوض كناية في البيع، قال: لأن لفظ التمليك لا إشعار له بالعوض، وشرط الكناية الإشعار.
المبحث الثالث في الكناية:
أن تكون كناية أم صريحا، أم غير شيء منهما، وهل يجب أن يمتنع الاعتماد
1 سقط في أوالمثبت من ب.
عليها؟ قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل كتبه إلى الآفاق ويعتمد عليها؛ غير أن الاعتماد عليها بمجردها أو مع ما انضمت إليه من الرسول الحامل لها والقرائن الدالة على مضمونها هذا موضع النظر.
وبين الشافعي رضي الله عنه وإسحاق بن راهويه مناظرة في ذلك -حكاه البيهقي وغيره- مضمونها: أن الشافعي حكم بأن جلد الميتة بطهر بالدباغ فطالبه إسحاق بالدليل؛ فقال: حديث ميمونة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هلا انتفعتم بإهابها1.
فاعترضه إسحاق بحديث ابن عكيم2: كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر -أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب3، وقال: هذا يشبه أن يكون ناسخا لحديث ميمونة؛ لأنه قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر.
قال الشافعي: هذا كتاب، وذاك سماع.
فقال إسحاق: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر4 وكتبه حجة عليهم عند الله، فسكت الشافعي.
1 أخرجه البخاري 3/ 355 في كتاب الزكاة/ باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حديث "1492"، وفي 4/ 413 في البيوع/ باب جلود الميتة قبل أن تدبغ الحديث "2221" ومسلم 1/ 276 في كتاب الحيض/ باب طهارة جلود الميتة بالدباغ "100/ 363".
2 عبد الله بن عكيم بضم أوله وفتح الكاف أبو معيد الكوفي مخضرم عن أبي بكر وعمر عنه ابن أبي ليلى والقاسم بن مخيمرة، مات في إمارة الحجاج.
3 أخرجه أبو داود في السنن 4/ 67 في كتاب اللباس باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة حديث "4127"، "4128" والترمذي 4/ 222 في اللباس باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت حديث 1729 وقال حديث حسن.
وأخرجه النسائي 7/ 175 في كتاب الفرع والعتيرة/ باب ما يدبغ به جلود الميتة وابن ماجة 2/ 1194
4 فعن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصري ليدفعه إلى قيصر فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم الأريسيين و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح 1/ 31 – كتاب بدء الوحي أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1393-1397 كتاب الجهاد والسير باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل واللفظ له الحديث "7". وقال أنس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي –صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم في الصحيح 3/ 1397 كتاب الجهاد والسير "32" باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم "27" الحديث "75/ 1774".
قيل: وكانت المناظرة، بمحضر أحمد بن حنبل فمن ثم رجع إلى حديث ابن عكيم وأفتى به، ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي.
اعلم: أن حجة الشافعي باقية؛ فإن هذا الكتاب عارضه سماع، ولم يتيقن أنه مسبوق بالسماع، وإنما ظن ذلك ظنا لقرب التاريخ، فأنى ينهض بالنسخ. أما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر فلم يعارضها شيء بل عضدتها القرائن وساعدها التواتر الدال على أن هذا النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالدعوة إلى ما في هذا الكتاب، ولعل السكوت من الشافعي تسجيل على إسحاق بأن اعتراضه فاسد الوضع فلم يستحق عنده جوابا ورب سكوت أبلغ من نطق ومن ثم رجع إليه إسحاق؛ وإلا فلو كان السكوت لقيام الحجة لأكد ذلك ما عند إسحاق إذا عرفت ذلك ففي الخط مسائل:
منها: أصح الوجهين عند الرافعي في باب القضاء أن الراوي يعتمد الخط المحفوظ.
ومنها: أصح الوجهين أن الشاهد لا يعتمده، والحاكم أولى.
ومنها: يجوز خلف الولد على أخط أبيه عند غلبة الظن.
ومنها: عمل الناس اليوم على النقل من الكتب ونسبة ما فيها إلى مصنفيها وقال ابن الصلاح1: لا يقول: قال فلان إلا إذا وثق بصحة النسخة وإلا فليقل: بلغني عن فلان.
قلت: ومن ثم بعث القاضي بكار2 شاهدين إلى المزني ليشهدا عليه أن هذا
1 هو الشيخ تقي الدين أبو عمر وعثمان بن عبد الرحمن الكردي الشهرزوري المعروف بابن الصلاح كان إماما في الفقه والحديث عارفا بالتفسير والأصول والنحو ورعا زاهدا وكان والد شيخ دمشق فتفقه هو عليه، ثم رحل إلى الموصل ولازم عماد الدين بن يونس مدة، ثم رحل إلى عراق العجم فلازم الرافعي حتى برع في العلم، توفي صبيحة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وفيات الأعيان 2/ 408، طبقات ابن السبكي 5/ 137، مفتاح السعادة 1/ 397 ابن هداية الله.
2 هو الحافظ بكار بن قتيبة الثقفي حنفي المذهب وتولى القضاء في مصر وتوفي داخل السجن مرآة الجنان 2/ 285.
كلام الشافعي في كلام رواه في "المخصص"؛ فلما شهدا قال: الآن يعني وثقت نفسي.
قلت: وهذا كان منه ورع وكان في أوائل الحال؛ حيث لم ينتشر كلام الشافعي انتشاره الآن.
وأما الآن: فالتحرير في مثل ذلك وسومة، وإني لقاطع بأن الرافعي -فضلا عن الشافعي- قال: ما أجده في كتابه مما لا يختلف النسخ فيه.
ومنها: إذا ولى الإمام رجلا كتب له عهدا وأشهد عليه عدلين؛ فإن لم يشهد لم يلزم الناس طاعته إلا أن يصدقوه على أحد الوجهين في "الحاوي" وقيل يكتفي بالكتاب.
قال الإمام: يكتفي بشرط ظهور الصدق في مخايله.
وقال الإصطخري: الاستفاضة تكفي.
قلت الأرجح الاكتفاء إن حصل به ظن الولاية لا ظن الكتابة، وعدمه إن لم يحصل.
ومنها: الولاية، والعزل بالكتابة نقل الرافعي عن الأحكام السلطانية الاكتفاء بالخط في الولاية، وقال: في العزل ببلوغ الخبر الخلاف فيما إذا عزله لفظا أو كتب إليه عزلتك. المسألة.
ومنها: إذا كتب الطلاق فقيل: صريح، وقيل لغو والصحيح كتابة؛ فإن نوى وقع.
ومنها: شهادة الشهود على ما كتب في وصية لم يطلعا عليها، قال جماهير الأصحاب: لا يكفي، وخالفهم محمد بن نصر والشيخ الإمام.
ومنها: إذا وجد مع اللقيط رقعة فيها إن تحته دفينا وأنه له؛ ففي اعتمادها وجهان.
ومنها: قال الماوردي والروياني في آخر الضمان:
إذا كتب سفتجة بلفظ الحوالة ووردت على المكتوب إليه لزمه أداؤها إذا اعترف بدين الكاتب وأنه كتابة أراد به الحوالة، ويدين المكتوب له فإن أنكر شيئا من ذلك لم يلزمه.
ومن أصحابنا من ألزمه إذا اعترف بالكتاب والدين اعتمادا على العرف ولتعذر الوصول إلى الإرادة.
ومنها: قال النووي في "الأذكار" من كتب سلاما في كتاب وجب عل المكتوب إليه رد السلام إذا بلغه الكتاب.
قال المتولي والواحدي1 وغيرهما، وزاد في شرح المهذب أنه يجب الرد على الفور وعزاه إلى المتولي والواحدي والرافعي.
فأما الفورية بعد أصل الوجوب فظاهرة؛ وإلا لم يكن ردا، وأما أصل وجوب الرد بالكتابة فرأيت من يشعر بها لأن الكتاب ليست صريحة.
قلت: والظاهر الوجوب لاطراد العرف بذلك.
ومنها: يجوز الاعتماد على خط المفتي، قاله القاضي الحسين في فتاويه.
ومنها: يجوز اعتماد الراوي على سماع جزء وجد اسمه مكتوبا فيه أنه سمعه إذا ظن ذلك بالمعاصر واللقي ونحوهما مما يغلب على الظن وإن لم يتذكر وعليه العمل.
وتوقف في القاضي الحسين في فتاويه، ولا وجه للتوقف؛ فهذه ظنون معتضدة بالقرائن ربما انتهت إلى القطع.
المبحث الرابع: أن الكتابة هل يكون لها كتابة؟
ذكر الرافعي في كتاب الطلاق في أواخر مسألة -أنت على حرام- فيما لو قال: أنت علي كالميتة أو الدم وقال أرد أنها حرام. على أن الشيخ أبا حامد قال: إن جعلناه صريحا وجبت الكفارة، أو الكناية فلا؛ لأنه لا يكون للكناية كناية.
قال الرافعي: وتبعه على هذا جماعة. قال: لكن لا يكاد يتحقق هذا التصوير لأنه ينوي باللفظ معنى لفظ آخر -لا صورة اللفظ- وإذا كان المنوي المعنى فلا فرق بين أن يقال: نوى التحريم أو نوى أنت علي حرام.
قلت: وقد يقال: من نوى باللفظ معنى آخر فلا بد أن يكون يجوز به عن لفظه، وإلا فلا تعلق للفظ بالمعنى البتة وتصير النية متجردة مع لفظ غير صالح فلا يؤثر،
1 هو أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد النيسابوري الواحدي أصله من ساوة كان إماما في النحو واللغة وغيرها وأستاذ الفقه والتفسير في عصره وله تصانيف معروفة في التفسير منها البسيط والوسيط والوجيز ومنه أخذ الغزالي هذه الأسماء، مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة، ابن هداية الله 168، ابن السبكي 5/ 240، غاية النهاية 1/ 523 وفيات الأعيان 2/ 464، إنباه الرواة 2/ 223.
ومتى يجوز به عنه كان هو الكناية عن الكناية وكان المانع للكناية عن الكناية نقل بضعفها؛ فهي كالمجاز عن المجاز والمجاز لا يكون له مجاز.
منها: لو قال: أنا منك بائن ونوى الطلاق قال بعضهم: لا يقع لأنه كناية عن ونوى، قال الرافعي: فهو كما لو كتب الصريح.
قلت: فهذا كناية عن الكتابة.
فصل:
نجز الكلام على قاعدة "إنما الأعمال بالنيات".
وأكثر تأثيرها في أبواب العبادات، ومن ثم أدخل بعضهم فيها تقسيما في العبادات معزوا إلى المادوردي والبندنيجي وهو أن العبادات ثلاثة أضرب.
ما يشترط فيه الفعل دون الوجوب والتعيين، كالطهارة والحج والعمرة.
ما يشترط فيه الفعل والوجوب دون التعيين، كالكفارة والزكاة.
وما يشترط فيه الفعل والتعيين دون الوجوب، كالصلاة والصيام.
وهذا تقسيم وليس بقاعدة فلا ينبغي عدة من القواعد وسنبين في آخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى أن عد التقسيم من القواعد خطأ.
وينجاز الكلام على هذا نجز الكلام على القواعد الخمس، وكنا بسبيل من بسط القول فيها أزيد مما ذكرناه؛ غير أنا رمنا الاختصار ولنذكر بعدها ما يحضرنا من القواعد، وما عقدنا له هذا الكتاب من الزوائد، والتتمات والتنبيهات والخواتيم.
والرأي أن نبتدئ بالقواعد التي لا تخص بابا دون باب ونسميها "القواعد العامة"؛ فإذا نجزت ذكرنا القواعد المخصوصة بالأبواب، ونلقبها بالقواعد الخاصة. وقد نذكر في كل من القسمين ما هو من الآخر لغرض يدعو إلى ذلك من تقدم المسائل للوصول إلى سره.
فإذا نجزت تم بنجازها قواعد الفقه بجملته فنعقد بعدها بابا لمسائل كلامية