المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قاعدة: لا يثبت حكم الشيء قبل وجوده - الأشباه والنظائر - السبكي - جـ ١

[تاج الدين ابن السبكي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌قاعدة: لا يثبت حكم الشيء قبل وجوده

ينعقد الفرض، ثم إن علم تحريمه فالأظهر البطلان، وإلا فالأظهر الانعقاد.

ومنها: لو أحرم بفريضة منفردا ثم أقيمت جماعة فسلم من ركعتين ليدركها الأظهر صحتها نفلا.

ومنها: لو وجد قاعدا المصلى خفة في صلاته فلم يقم، أو أحرم –القادر على القيام- بالغرض قاعدا، أو قلب المصلى فرضه نفلا بلا سبب، فالأظهر البطلان في الثلاثة [والله أعلم]1.

يقع

1 سقط من الأصل.

ص: 97

‌قاعدة: لا يثبت حكم الشيء قبل وجوده

وإن شئت قل: لا يثبت حكم المعلوم قبل وقوعه، ليشمل الموجود والمعدوم. وهذا أصل مقرر قد ينقض بنحو: ما إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فإنه يحنث إذا أتلفه قبل الغد وكذا إذا أتلف بنفسه أو أتلفه أجنبي على قول:

وهل الحنث في الحال بحصول اليأس أو بعد مجيء الغد؟

فيه قولان أو وجهان: فعلى القول بأنه يحنث في الحال يقال: ثبت حكم الغد قبل وجوده.

وطريق الجواب أن نقول: لما حصل اليأس الآن كنا على قطع بفوات المحلوف عليه غدا؛ فلم يكن لانتظار غدا معنى.

هذا على هذا القول، والأرجح عندنا -وبه قطع ابن كج1- تأخر الحنث إلى الغد. وتظهر فائدته فيما لو كان معسرا يكفر الصوم؛ فيجوز له أن ينوي صوم الغد عن كفارته إن قلنا: يحنث قبل الغد ولو مات الحالف قبل الغد أو أعسر وقلنا يعتبر في الكفارة حال الوجوب.

إذا [عرفت] 2 هذا فنقولِ: لهذا الفرع وأشباهه التفات على أصل آخر يقع

1 يوسف بن أحمد بن كج القاضي أبو القاسم الدنيوري أحد الأئمة المشهورين وحفاظ المذهب المصنفين وأصحاب الوجوه المتقنين تفقه بأبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي وانتهت إليه الرئاسة ببلاده في المذهب وكج بكاف مفتوحة وجيم مشدودة وهي في اللغة للجص الذي تبيض به الحيطان ومن تصانيفه التجريد وهو مطول. توفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان سنة خمس وأربعمائة قتيلا قتله العيارون، وفيات الأعيان 6/ 63، شذرات الذهب 3/ 177، ابن قاضي شهبة 1/ 198.

2 وفي ب عرف.

ص: 97

كالمستثنى عن هذا الأصل، وهو أن ما قارب الشيء هل يعطى حكمه؟

وقريب من هذه العبارة قولهم: المتوقع هل يجعل كالواقع؟

وكذلك قولهم: المشرف على الزوال هل يعطى حكم الزائل؟

وكذلك قولهم: هل العبرة بالحال أو المآل.

وكذلك قولهم: هل النظر إلى حال التعلق أو حال وجود الصفة.

ولا بد من عقد فصول لهذه العبارات نرى قبل ذكرها أن نشرح ونميز ما التفاوت بينها.

فنقول: غير الواقع إن كان مما1 علم أنه سيقع: فهو مسألة الطعام التألف قبل الغد المحلوف على آكله فيه.

وإلا فإن لم يكن قريبا من الوقوع فلا يعطي حكم الواقع، وإن كان قريبا فهو مسألة ما قارب الشيء هل يعطي حكمه؟ وهي أعم من قولنا: المتوقع هل يكون كالواقع؟ والمشرف على الزوال هل يكون كالزائل؟ لشمولها الأمرين؛ غير أن قولنا: المتوقع كالواقع يشبه أن يختص بما سيوجد، وقولنا: المشرف على الزوال كالزائل يشبه أن يختص بما سيعدم.

فيعطي هناك المعدوم الذي سيوجد حكم الموجود [وهنا الموجود] 2 الذي سيعدم حكم المعدوم.

وقولنا: هل العبرة بالحال أو المآل بينه وبين قولنا: ما قارب الشيء أعطي حكمه عموم وخصوص.

فإنه أعم من حيث أنا نعطي الشيء في كل من حالتي الحال والمآل حكم الأمرين معا؛ سواء كان أحدهما مقارنا للآخر أم لا.

وأخص، من حيث إن مقاربة الشيء يعطي حكمه وإن لم يكن موضوعا لأن يؤول إليه.

وأما قولنا: هل النظر إلى التعليق أو إلى الحال وجود الصفة؟ هل هو أخص من قولنا: هل النظر إلى الحال أو المآل، لأن النظر إلى الحال أو المآل لا يختص بصيغ التعليقات؛ بل يجري في التعليقات وغيرها.

1 في ب إن كان مما علم.

2 سقط من أوالمثبت من ب.

ص: 98

فصل:

إذا تحققنا أن الفعل المأمور به أو الذي يحاول المكلف وقوعه لغرض ما أو الذي علق على وقوعه أمرا ما لا يقع لمانع تحققنا أن يقع في أثنائه أو قبله أو غير ذلك؛ فهل نعطيه الآن حكم الفائت وترتب مقتضى فواته. أو لا نعطيه ذلك بل يجري عليه حكم عدم فواته إلى أن يقع فواته وقد تختص هذه العبارات ويقال أعطي الشيء حكم الفائت هل يستدعي وقوع فواته أو يكتفي بتحقيق ذلك، وقد علمت أن هذا غير قولنا: هل العبرة بالحل أو المآل لاختصاص هذا بأن ما هو متحقق الفوات مستقلا هل يعطي حكم الفوات قبل حصوله وفيه مسائل.

أجدرها بالتقديم: ما إذا حلف ليأكلن هذا الرغيف غدا فتلف قبل الغد وقد قدمناها.

ومنها: لو كان القميص؛ بحيث تظهر منه العورة عند الركوع ولا تظهر عند القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا ركع تبطل، أو لا تنعقد أصلا؟

فيه وجهان تظهر فائدتهما فيما لو اقتدى به غيره قبل الركول، وفيما [إذا] 1 ألقي ثوبا على عاتقه قبل الركوع.

ومنها: من عليه عشرة أيام من رمضان فلم يقضها حتى بقي من شعبان خمسة أيام؛ فهل يجب عليه فدية ما لا يسعه الوقت في الحال، أو لا يجب إلى أن يدخل رمضان؟

فيه وجهان شبههما الرافعي وغيره بما إذا حلف ليشربن ماء هذا الكوز غدا فانصب قبل الغد.

قال الشيخ [الإمام] 2 وفي هذه العبارة نظر؛ لأن الصحيح فيما إذا انصب نفسه عدم الحنث.

ونظيره هنا: إذا لم يزل عذره إلا ذلك الوقت، ولا شك أنه لا يجب عليه شيء إلا [على] 3 ما يقوله أبو يحيى البلخي، فيجب فرض المسألة فيما إذا كان التمكن سابقا وحينئذ يشبه بما إذا صب هو الماء فإنه يحنث.

1 في ب لو.

2 سقط من أوالمثبت من ب.

3 سقط في ب.

ص: 99

وفي وقت حنثه الوجهان، ولم يصح الرافعي منهما، في كتاب الأيمان شيئا؛ وإنما قال: الذي أورده بن كج هو الثاني، يعني أنه لا يحنث إلا عند مجيء الغد. وعلى قياسه هنا: لا يلزم إلا عند مجيء رمضان.

وللوالد رحمه الله على المسألة كلام نفيس أزيد من هذا في تفاريقها ذكره في كتاب الصوم لا بد من معادوته.

ومنها: لو أسلم فيما يعم وجوده عند المحل فعرضت آفة علم بها انقطاع الجنس عن المحل؛ فقيل ينتجز حكم الانقطاع في الحال -والأصح يتأخر إلى المحل ومنها لو نوى في الركعة الأولى الخروج من الصلاة في الثانية أو علق الخروج بشيء يوجد لا محالة في صلاته بطلت في الحال على الصحيح، وكذا لو علق بما يحتمل حصوله على الأصح والثاني لا تبطل في الحال وعليه فالأصح أنها تبطل إذا وجدت الصفة وهو ذاهل عن التعليق كما لو كان ذاكرا.

ومنها: على وجه ليس لمن عليه دين مؤ جل السفر بعيد إذن الدائن إن كان الدين يحل قبل رجوعه، وقيل: مطلقا إلا أن يقيم كفيلا، وقيل: إلا أن يحلف وفاء، وقيل: إلا أن يكون من المرتزقة، والصحيح ليس له منعه مطلقا؛ إذ لا مطالبة له في الحال.

فصل:

قريب المآخذ من هذه المسائل ما عرف تطرق البطلان إليه لو وقع؛ فهل يمتنع إيقاعه ويكون باطلا من [أوله] 1 أو لا يبطل مجيء سبب البطلان؟

ولك أن تقول: هل يصح ثم يفسد، أو لا يصح أصلا؟ فيه خلاف في صور.

منها: إذا فرق الإمام الناس في صلاة الخوف الرباعية أربع فرق فصلى بكل فرقة ركعة صحت صلاة الجميع في [الأظهر]2.

وفي قول: تصح صلاة الإمام والطائفة الرابعة.

وفي ثالث تبطل صلاة الإمام بالانتظار الواقع في الركعة الثالثة، وتصح صلاة الطائفة الأولى والثانية؛ لأنهما فارقتا قبل طريان المبطل، والفرق في الثالثة والرابعة بين أن يعلموا بطلان صلاة الإمام أو لا.

1 سقط في ب.

2 في ب الظهر.

ص: 100

وفي رابع: بطلان صلاة الإمام بالانتظار الثالث الواقع في الركعة وبطلان الصلاة الرابعة إن علمت.

والخامس: بطلان صلاة الجميع.

ومنها: إذا كانت عورته لا ترى في حالة القيام في الصلاة ولكن ترى في الركوع كما لو كان على إزاره ثقبة فجمع الثوب عليها بيده؛ ففي انعقاد الصلاة وجهان أصحهما الانعقاد، ثم انتهى إلى الركوع ولم يحصل ذلك بطلت، وتظهر فائدة الخلاف فيما [إذا] 1 اقتدى به غيره قبل الركوع، وفيما إذا لو ألقى ثوبا على عاتقه قبل الركوع.

قال الأصبحي في كتاب المعين: ويحتمل فائدة أخرى، إذا صلى على جنازة.

قال: ويحتمل القطع بالصحة في صلاة الجنازة؛ إذ لا ركوع فيها.

ومنها: إذا قصر حتى فرغت مدة الخف وهو في الصلاة بطلت، ولم يتخرج على القولين في سبق الحدث.

كذا أطلقه الأصحاب، وقيده الشيخ الإمام الوالد رحمه الله بما إذا لم يكن عالما حين الدخول في الصلاة بأن المدة تنقضي في أثنائها. قال أما إذا علم فيتجه أن يقال: إن الصلاة لا تنعقد؛ لأن انعقادها -مع القطع بأن البطلان يعرض لها- بعيد.

قال: وليس كمن تنكشف عورته عند الركوع؛ لأن هناك لا يقطع بالبطلان بل الصحة ممكنة بأن يسترها عند الركوع.

ومنها: قال الرافعي على مساق هذه المسألة: قضيتها أن يقال: لو شرع في الصلاة على مدافعة الأخبثين وهو يعلم أنه لا تبقي له قوة التماسك في أثنائها ووقع ما علمه تبطل صلاته، ولا يخرج على قول سبق الحدث وتبعه النووي.

قال الشيخ الإمام والدي: ينبغي أن يقال ما قلناه من التفصيل.

ومنها: من علمت أنها تحيض في أثناء النهار وجب عليها افتتاح اليوم بالصوم وهذا لا خلاف فيه؛ لأن المانع لم يوجد، وكل جزء من أجزاء النهار مطلوب فيه الصوم، ما لم يكن المانع قائمًا.

ومنها: استأجر امرأة –أشرفت على الحيض- لكنس المسجد جاز وإن ظن طروء الحيض.

1 في ب لو.

ص: 101

وللقاضي الحسين احتمال فيه كالسن والوجعة إذا احتمل زوال الألم. والفرق أن الكنس في الجملة جائز، والأصل عدم طرو الحيض.

تنبيه:

هذه المسائل قريبة المأخذ من المسألة الكلامية، وهي التكليف بما علم الآمر أو المأمور انتفاء شرط وقوعه عند وقته.

ولنا في شرح المختصر كلام نفيس على المسألة وتخريجات لطيفة.

فصل:

قريب المأخذ من قولنا: ما لا يستمر صحته لو قوع فهل يصح ثم يفسد؟

أولا: يصح رأسا؟ قولنا: ما لا قرار لوجوبه إذا حضر سبب وجوده؛ فهل نقول: وجب ثم سقط أو لم يجب أصلا؟

فيه خلاف في مسائل.

منها: [إذا وجب القصاص على رجل فورث القصاص ولده. فيه وجهان]1.

ومنها: إذا زوج عبد بأمته؛ فهل يجب المهر ثم يسقط أو لا يجب أصلا.

ومنها: إذا لم يدرك من الوقت قدر الفرض.

قال أبو يحيى البلخي: تجب الصلاة إذا أدرك بعض الفرض كما في آخر الوقت. والصحيح لا.

وفرق الأصحاب بأنه في آخر الوقت يمكنه البناء على ما أدرك بعد الوقت، وهنا لا يمكن التقديم على الوقت؛

غير أنهم ترددوا في أنه هل سقط الوجوب بعد ثبوته، أو تبين عدم الوجوب رأسا والذي صرح به النووي -في شرح المهذب- الثاني، قال الشيخ الإمام [الوالد] 2 رحمه الله وكلام الأصحاب يقتضي الأول، وجعلوا الوجوب بأول الوقت والاستقرار بالتمكن كما في الزكاة.

ومنها: الفاتحة متعينة إلا في ركعة المسبوق، وهل نقول: إن القراءة تجب على المأموم المسبوق ويتحملها الإمام عنه أو لا تجب أصلا؟

1 هذا الفرع سقط في ب.

2 سقط من ب.

ص: 102