الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
تاريخ وفاة شيخه أبي الحسين بن عبد الوارث وهو سنة 421 هـ، لأن عبد القاهر إذا ذكره في الأسرار قال عنه رحمه الله.
3 -
تاريخ الإنتهاء من كتاب المغنى في النحو، والمقتصد الذي اختصر به المغنى في سنة 454 هـ، وقد أمضى في هذا العمل أكثر من ثلاثين عاماً.
4 -
تاريخ لعن الأشاعرة من فوق المنابر، لأن في الدلائل إشارة إلى هذا الزمن الذي انتهى سنة 458 هـ.
5 -
تاريخ انتهاء ابن سنان الخفاجى من كتابه (سر الفصاحة) وهو سنة 454 هـ، لأن عبد القاهر يرد على ابن سنان في كيفية فهمه للإحتذاء، الذي ذكره في هذا الكتاب.
ثانياً: التاريخ الحقيقي لتأليف كل من الكتابين:
باختصار شديد نقول: إن الكتاب صورة لعصره. أو مرآة لزمنه:
1 -
فأسرار البلاغة: قد نقل فيه عبد القاهر ما يقرب من ستين شاهداً من الشعر، من كتاب "يتيمة الدهر" للثعالبي المتوفى سنة 429 هـ، والذي انتهى منه في سنة 403 هـ، وليس في أسرار البلاغة شيء من كتاب "تتمة اليتيمة" الذي يعطى الجزء الخامس لليتيمة، والذي صنفه الثعالبي في سنة 428 هـ.
ومعنى ذلك أن عبد القاهر قد ألف الأسرار قبل سنة 428 هـ، ولكنه يقول عن شيخه -في الأسرار- رحمه الله مما يدل عل أنه قد ألف الأسرار بعد وفاة شيخه، وقد كانت وفاة شيخه أبي الحسين بن
محمد بن الحسين بن عبد الوارث النحوي سنة 421 هـ -كما ذكر ياقوت- فقد ألف الأسرار- إذن بعد سنة 421 هـ.
فإذا ما عرفنا أن عبد القاهر قد أتم كتابه "المقتصد" في النحو سنة 454 هـ، وأن هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء، وهو بدوره تلخيص لكتاب قبله هو "المغنى" الذي شرح به عبد القاهر "الإيضاح" لأبي علي الفارسي في ثلاثين جزءاً وأن كتاب "المقتصد"، لكونه تلخيصاً للمغنى قد أخذ منه سنة واحدة، وأن المغنى قد أخذ منه ثلاثين عاماً، فإنه يكون قد بدأ تصنيف المغنى في سنة 423 هـ، وتكون سنة 422 هـ -وهي السنة التي تلت وفاة شيخه أبي الحسين- هي السنة التي صنفت فيها "أسرار البلاغة".
2 -
وأما "دلائل الإعجاز": فإن عبد القاهر -في مقدمته- يشكو من أنه يصنفه في زمان ليس للعلماء فيه إلا الشر والأذى، وقد كان عبد القاهر أشعرياً، وكان الأشاعرة في عهد الوزير "عميد الملك" -أي من سنة 433 هـ إلى سنة 455 هـ -يلعنون من فوق المنابر، إلى أن أزال ذلك "نظام الملك" وأنشأ المدارس النظامية في أنحاء البلاد سنة 458 هـ، فمدحه عبد القاهر بقصيدة منها:
لو جاود الغيث غدا
…
بالجود منه أجدرا
أو قيس عرف عرفه
…
بالمسك كان أعطرا
ذو شيم، لو أنها
…
... في الماء ما تغيرا
…
وهمة لو أنها .......
…
النجم، ما تغورا ..
لو مس عوداً يابساً
…
أورق ثم أثمرا ....
وقال فيه الحسين بن جعفر بن محمد الفارسي:
أحيا البلاد بعدله، وأسهامهم
…
من ظله في الروح والريحان.
وبنى القبات بأرض فارس مغرماً
…
بحماية اللاجى، وفك المعاني
فالناس في أمن بعز ظلاله
…
والشاة في ورد مع السرحان
ولحب دين الله يكرم أهله
…
ويخصهم بالعدل والإحسان
ومعنى ذلك أن عبد القاهر قد ألف الدلائل بعد سنة 454 هـ، وهي السنة التي انتهى فيها من التأليف في النحو؛ بإتمام كتابه "المقتصد" وقبل سنة 458 هـ؛ وهي السنة التي أزال فيها "نظام الملك" لعن الأشاعرة من فوق المنابر؛ وأنشأ المدارس النظامية لتدريس المذهب السني بها.
أضف إلى هذا: أن عبد القاهر قد رد على ابن سنان في فهمه للاحتذاء كتابه (سر الفصاحة) وقد ألف ابن سنان كتابه هذا سنة 464 هـ؛ أي أن عبد القاهر قد ألف "الدلائل" بعد سنة 454 بالتأكيد.
3 -
فالفارق الزمني بين "الأسرار" و "الدلائلي" هو من سنة 422 هـ -وهي سنة تأليف "الأسرار"- إلى سنة 455 هـ- وهي سنة تأليف "الدلائل"؛ أي بداية التأليف فيها؛ وهذا الفارق الزمني مقداره: واحد وثلاثون عاماً.
وهذا تفسير لقول عبد القاهر -في الدلائل-: "وهذه مسألة كنت قد عملتها قديماً .. "(1) وقوله: "ومن ذلك: أنك ترى من العلماء من قد تأول في الشيء تأويلاً، وقضى فيه بأمر؛ فتعتقده إتباعا له،
(1) الدلائل 235 والأسرار 336
وتبقى على ذلك الاعتقاد الزمان الطويل، ثم يلوح لك ما تعلم به أن الأمر على خلاف ما قدر .. " (1).
وقوله: "وإنك لتنظر في البيت دهراً طويلاً، وتفسره؛ ثم يبدو لك فيه أمر خفي
…
" (2).
فالمقصود بقول عبد القاهر: قديماً" و "الزمان الطويل" و "الدهر الطويل" هو ذلك الفارق الزمني الذي ذكرته وهو: واحد وثلاثون عاماً.
وقد بحثت عن معنى قولهم: "قديماً" فوجدت: أن القديم عند العرب هو: زمان مجهول المبدأ؛ لطول العهد به -كما يفهم من قول أبي سعيد السيرافي، في كتاب:"الإمتاع والمؤانسة"(1/ 25)؛ وهذا المعنى منطبق تماماً على الفارق الزمني الذي رأيته بين الكتابين.
4 -
وإذا كان "أسرار البلاغة" لم يعلق به أثر من آثار كتاب "تتمة اليتيمة"، لأنه صنف قبلها؛ فإن كتاب "دلائل الإعجاز" لأنه صنف بعدها -به أثران منها؛ وهما:
(أ) قول عبد القاهر -في الدلائل- "فإذا رأيتهم يجعلون الألفاظ زينة المعاني، وحلية عليها؛ أو يجعلون المعاني كالجواري، والألفاظ كالمعارض لها
…
(الدلائل 171، 172)
فهو إشارة: إلى ما قاله الثعالبي -في تتمة اليتيمة- عن أبي محمد
(1) الدلائل 425 والأسرار 252 (هـ- ريتر).
(2)
الأسرار 261 والدلائل 423.
عبد الله بن محمد: "وجرى في طريق المفلقين المبدعين، وكسا المعاني البديعة الخفية، معارض الألفاظ الرشيقة الجلية
…
" (تتمة اليتيمة 137).
(ب) قول عبد القاهر -في الدلائل-: "ومن الصفات التي تجدهم يجرونها على اللفظ قولهم: "يدخل في الأذن بلا إذن" (الدلائل 174)(1):
ولقد كان لهذا الفارق الزمني الكبير -وهو واحد وثلاثون عاماً- بين الأسرار، والدلائل، أثر كبير ف تطور أفكار عبد القاهر بين الأسرار والدلائل؛ فقد كانت الملابسات التي صاحبت تأليف كل من الكتابين مختلفة عن الملابسات التي صاحبت تأليف الآخر؛ وقد اعتمد في الدلائل على كتب لم تتح له وهو يؤلف الأسرار؛ كنقد الشعر؛ لقدامة بن جعفر، ومناظرة أبي سعيد السيرافي، التي أوردها أبو حيان التوحيدي في كتابيه: الإمتاع والمؤانسة، والمقابسات.
وإذا كان أبو سعيد السيرافي، قد غمط حفه من البلاغيين؛ لأنهم لم يعترفوا، له بالفضل في إبراز نظرية النظم التي أداروا عليها كتبهم؛ فإن قدامة بن جعفر؛ الذي كان معاصراً، لأبي سعيد، وحضر مناظرته في مجلس الوزير أبي الفتح الفضل بن الفرات، لم يكن أسعد حظاً منه؛ فقد ظل كتابه، نقد الشعر مورداً، لكل من أطلع عليه من البلاغيين؛ دون أن يشير إليه أحد، وقد نقل منه عبد القاهر "المعاني العقل" التي رددها في الدلائل. وقال: إن البصير بشأن البلاغة
(1) نقد الشعر 14، والدلائل 324.
وإحداث الصور فيها، يعمد إليها؛ فيصنع فيها ما يصنع الصانع الحاذق؛ كما نقل منه "الإرداف" الذي أعطاه في الدلائل اسم الكناية؛ وكذلك "التمثيل على حد الاستعارة؛ ولم يشر إليه، كما لم يشر إلى أبي سعيد السيرافي، الذي بنى الدلائل على مناظرته!
يقول الدكتور طه حسين عن قدامة وكتابه "نقد الشعر": "وقد استغل كتابه (نقد الشعر) كل مؤلف جاء بعده، دون أن يقول كلمة واحدة، يقر له فيها بالفضل"(1).
وههنا أمران على درجة كبيرة من الأهمية، يظهر أن تطور أفكار عبد القاهر من الأسرار إلى الدلائل ولهما صلة وثيقة بمناظرة أبي سعيد السيرافي، "ونقد الشعر" لقدامة، وهما:
أولاً: أن نظرية النظم لم تكن في الأسرار -إلا ضربا خاصا من التأليف، يعمد فيه إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب، وهذا الاختصاص في الترتيب، يقع في الألفاظ مرتباً على المعاني المرتبة في النفس، وقد وقفت عند هذا الحد الذي لم تتجاوزه إلى:(معاني النحو) بل إن مصطلحات (النظم) و (معاني النحو) بل و (الفصاحة) و (البلاغة) تكاد لا توجد أصلاً في أسرار البلاغة -إذا استثنينا عنوان الكتاب!
ولهذا فإن الأبيات التي شرحها عبد القاهر -في الأسرار- قبل أن يعرف أن النظم هو توخي معاني النحو، قد أعادها -في الدلائل- ليطبق عليها (توخي معاني النحو فيما بين الكلمة)
ثانياً: أن نظرية البيان -في الأسرار- كان ينقصا، إحدى
(1) نقد النثر 17 (ط دار الكتب 1933)
صور البيان الكبرى، وهي (الكناية) فلما اطلع عبد القاهر على مناظرة أبي سعيد، ونقد الشعر لقدامة، أخذ الأرداف الذي شرحه قدامة، وأزاح عنه رداء الإرداف، وألبسه ثوب الكناية، لتكمل بها نظرية البيان.
كما أنه -في الأسرار- كان يعد الأمثال من قبيل التشبيه التمثيلي، ولكنه -في الدلائل- جعلها من قبيل التمثيل على حد الاستعارة، وهو الذي أسماه البلاغيون من بعده: الاستعارة التمثيلية.