الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناظرة أبي سعيد السيرافي. ويعرف أنها: (توخي معاني النحو فيما بين الكلم) بل إنها كانت في ذهنه عبارة عن ترتيب الألفاظ في النطق على حسب ترتيبها في النفس، وكفى، أي إنها كانت فكرة، لا ترقى إلى أن تسمى نظرية وكذلك كانت نظرية البيان لأنها كان ينقصها إحدى صور البيان الكبرى، وهي: الكناية!
وقد سبق أن عرفت أن الفارق الزمني بين الأسرار والدلائل هو: واحد وثلاثون عاماً، إذ ألف الأسرار في 422 هـ، وألف الدلائل بعد سنة 454 هـ.
وأما سر عدم وجود مصطلحي: (الفصاحة) و (البلاغة) - في الأسرار
- على الرغم من تكرار كل منهما - في الدلائل - أكثر من ثلاثين مرة، فهو - في رأيي - أن عبد القاهر - في الأسرار - لم يكن يتحدث عن "علم البلاغة" ولا عن "علم الفصاحة"، وإنما كان يتحدث عن نقد الأساليب العربية على أسس بلاغية، إذ الأسرار - كما كان يريده عبد القاهر - بيان للمعايير التي على أساسها يتفاضل الأدباء والشعراء، في شعرهم ونثرهم.
فلما ألف ابن سنان كتابه (سر الفصاحة في 454 هـ، مبيناً فيه ملامح كل من الفصاحة والبلاغة، بل ومفرقاً بينهما، أراد عبد القاهر أن يذكر أن مصطلحات: (الفصاحة) و (البلاغة) و (البيان) و (البراعة) إنما هي روافد متفرعة عن نظرية تشملها جميعها، وهي (نظرية النظم) التي هي المحور الذي تدور حوله سائر المصطلحات الأخرى، وأنه منذ خدم العلم، وهو ينظر فيما قاله العلماء في معنى كل منها، وفي بيان المغزى من تلك العبارات، وتفسير المراد بها، فيجد بعض ذلك كالرمز والإيماء، والإشارة في خفاء، وبعضه كالتنبيه على مكان المخبئ ليطلب .. مع أنهم لم يعرفوا مكان المزية في الكلام، ولا يكفي - في معرفة (علم الفصاحة)
أن تنصب لها قياساً ما، وأن تصفها وصفاً مجملاً، وتقول فيها قولاً مرسلاً بل لا تكون من معرفتها في شيء حتى تفصل القول وتحصل، وتضع يدك على الخصائص التي تعرض في نظم الكلم، وتعدها واحدة واحدة، وتسميها شيئاً شيئاً" (1).
رابعاً: أن عبد القاهر - وهو يكتب الدلائل - قد أفاد من شرح أبي سعيد السيرافي (2) لكتاب سيبويه، ورفض رأياً لأبي سعيد، ولكنه لم يشر إليه إمعاناً في إخفاء اسمه، حتى لا يظهر أخذه لنظرية النظم من مناظرته واعتماده عليها في إبراز أفكاره التي رد بها على المعتزلة، وقد كان أبو سعيد يعتنق الاعتزال (3).
وبعد:
"الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله"
وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم،
حسن إسماعيل عبد الرازق
رئيس قسم البلاغة بكلية اللغة العربية
بالزقازيق
في: 27 من رجب 1411 هـ
الموافق: 12/ 2/ 1991 م.
(1) الدلائل 30، 31، 32.
(2)
تاريخ علوم البلاغة 54، 55 والكتاب لسيبويه 1/ 169.
(3)
المدارس النحوية 145.