الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - الأفكار التي تضمنتها المناظرة
تقوم المناظرة على دعوى من أبي بشر متى بن يونس وأنصاره من المناطقة الذين اطلعوا على الثقافة اليونانية، والمنطق اليوناني - بعد ترجمة كتابي الشعر والخطابة لأرسطو، وعدد من كتب المنطق اليوناني.
وهذه الدعوة تقوم على ما يأتي:
1 -
أن المنطق كاف للإنسان، في معرفة الحق من الباطل، والصدق من الكذب، والشك من اليقين، فلا حاجة له إلى تعلم علم النحو بمسائله، وفروعه، وعويص قضاياه، ويكفي المنطقي من علم النحو: معرفة الاسم والفعل، والحرف.
2 -
أن المنطقي ليس في حاجة إلى علم النحو بينما النحوي في حاجة ماسة إلى المنطق.
3 -
أن المنطقي يبحث في المعنى، والنحوي يبحث في اللفظ، فالمناطقة مع المعاني، والنحويون مع الألفاظ، والمعنى أشرف من اللفظ
ويقوم رد أبي سعيد السيرفي على ما يلي:
1 -
أن صحيح الكلام من سقيمه يعرف بالنظم المألوف والإعراب المعروف، لأنه لا يعرف بميزان المنطق بل بمعيار النظم والإعراب، لأن الإعراب هو مفتاح مغاليق الكلام، فتعرف به حقائق المعاني، ومعادنها، وجواهرها. لأن الأمر ليس مقصوراً على الوزن الظاهري في الأجسام المرئية، لأنه يكون - أيضاً - في المعقولات الخفية، إذ الإحساسات ظلال العقول، تحكيها بالتقريب والتبعيد مع الشبه المحفوظ، والمماتلة الظاهرة.
2 -
وإذا كان المنطق يبحث عن الأغراض المعقولة، والمعاني المدركة، فإنها لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء، والأفعال، والحروف، فلا بد من معرفة اللغة، فأنت لو فرغت بالك، وصرفت عنايتك إلى معرفة هذه اللغة التي تجاورنا بها، وتجارينا فيها، وتدارس أصحابك بمفهوم أهلها، وتشرح كتب يونان بعامة أصحابها، لعلمت أنك غني عن معاني يونان، كما أنك غني عن لغة يونان.
3 -
إذا كنت محتاجاً، إلى قليل هذه اللغة من أجل الترجمة، فلا بد لك - أيضاً - من كثيرها. لتحقيق الترجمة والوثوق منها، والوقاية من الخلل الذي يمكن أن يلحق بها.
4 -
وإذا كنت محتاجاً من اللغة العربية إلى الاسم والفعل والحرف فأنت محتاج إلى رصفها، وبنائها على الترتيب الواقع في غرائز أهلها، وأنت محتاج - بعد هذا - إلى حركات هذه الأسماء، والأفعال، والحروف، لأن الخطأ في الحركات، كالخطأ في المتحركات، كما أنك محتاج إلى معرفة مواقع الحروف حقيقية كانت أو مجازية.
5 -
معرفة المعاني ليست قاصرة على علم المنطق، بل أنها - أيضاً تعرف بعلم النحو، و (معاني النحو) منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته، وبين وضع الحروف في مواضعها المقتضية لها، وبين الكلام بالتقديم والتأخير، وتوخي الصواب في ذلك، وتجنب الخطأ من ذلك، وهذه المعاني تعرف من خلال معرفة النظم، وإنما دخل العجب على المنطقيين، لظنهم أن المعاني لا تعرف إلا بطريقتهم، فترجموا لغة هم فيها ضعفاء "وجعلوا تلك الترجمة صناعة وادعوا على النحويين أنهم مع اللفظ لا مع المعنى.
6 -
فنظم الكلام اسم واقع على أشياء قد ائتلفت بمراتب، وهو
كنسج الثوب. إذ تقول: هذا ثوب والثوب اسم واقع على أشياء. بها صار ثوباً. لأنه نسج بعد أن غزل، وسداته لا تكفي دون لحمته، ولحمته لا تكفي دون سداته. ثم تأليفه كنسجه. وبلاغته كقصارته، ورقة سلكه كرقة لفظه، وغلظ غزله ككثافة حروفه، ومجموع هذا كله: ثوب، ولكن بعد تقدمه كل ما يحتاج إليه فيه.
7 -
أنتم في منطقكم على نقص ظاهر، لأنكم لا تحيطون بما في الكتب، فتدعون "الشعر"، ولا تعرفونه وتذكرون "الخطابة" ولا تعرفون منها شيئاً، ثم تتطلعون إلى معرفة كتاب (البرهان) في المنطق لأرسطو؛ مع أنه لا حاجة تدعو إليه، لأنه يمكن الاستغناء عنه، ولكنكم تريدون بذلك شغل جاهل؛ واستذلال عزيز، والتهويل بمصطلحات المنطق مع أن من جاء عقله، وحسن تمييزه، ولطف نظرة "وثقب رأيه. وأتارت نفسه استغنى عن هذا كله بعون الله وفضله.
فهذا الناشئ أبو العباس قد نقض عليكم، وتتبع طريقتكم، وبين خطأكم، وأبرز ضعفكم، ولم تقدروا، إلى اليوم أن تردوا عليه كلمة واحدة مما قال.
8 -
أنت إذا قلت لإنسان: (كن منطقياً) فإنما تريد منه: كن عقلياً أو عاقلاً، أو أعقل ما تقول، لأنكم تزعمون أن المنطق هو العقل، وهذا خطأ لأن النطق على وجوه أنتم عنها ساهون، فإذا قال لك آخر:(كن نحوياً، لغوياً، فصيحاً) فإنما يقصد: أفهم عن نفسك ما تقول، ثم حاول أن يفهم عنك غيرك.
فإذا أردت الإخبار عن حقائق الأشياء، فقدر اللفظ على المعنى، فلا يزيد عليه، وقدر المعنى على اللفظ، فلا ينقص عنه.
وإذا أردت أشباه الحقائق والاتساع بالمعنى: فأجل اللفظ بالروادف
الموضحة، والأشباه المقربة، والاستعارات الممتعة؛ وبين المعاني بالبلاغة وتتلخص هذه النظرية في عبارة قصيرة في البيان هي:(حقائق الأشباه، وأشباه الحقائق)، وهذا باب إن استقصيته خرج بنا عن نمط ما نحن عليه في هذا المجلس.
9 -
هل فصلتم - قط - بالمنطق بين مختلفين؟ أو رفعتم الخلاف بين اثنين؟ وهل بقوة المنطق وبرهانه اعتقدت أن الله ثالث ثلاثة؟ ! وأن الواحد أكثر من واحد؟ ! وأن الذي أكثر من واحد هو واحد؟ ! وأن الشرع هو ما تذهب إليه؟ والحق ما تقوله؟ هيهات!
10 -
إنك لو عرفت تصرف العلماء والفقهاء - في مسائلهم - ووقفت على غورهم في نظرهم وغوصهم في استنباطهم، وحسن تأويلهم لما يرد عليهم، وسعة تشقيقهم للوجوه المحتملة، والكنايات المفيدة، والجهات القريبة والبعيدة، لحقرت نفسك، وازدريت أصحابك.
فالكندي - وهو علم في أصحابك - قد وضعوا له مسائل غالطوه بها، وأروه أنها من باب الفلسفة الداخلة، فذهب عليه ذلك الوضع، فاعتقد أنه صحيح، وهو مريض العقل، فاسد المزاج، حائل الغريزة، مشوش اللب!
على أننا - إذا ما تتبعنا الأفكار التي قامت عليها "المناظرة" والأفكار التي قام عليها "الدلائل" لوجدنا أفكار الدلائل قد رتبت على حسب ترتيب أفكار المناظرة، على النحو التالي:
1 -
كان أبو سعيد يرد على المناطقة الذين ادعوا على النحويين أنهم مع اللفظ، لا مع المعنى، وأن علم النحو لا جدوى منه.
…
1 - وبدأ عبد القاهر - في الدلائل - بالرد على من زهد في علم النحو من المعتزلة الذين حاولوا تفسير القرآن وتأويله. مع ادعائهم أن المزية في الفصاحة ترجع إلى اللفظ لا إلى المعنى.
2 -
صحيح الكلام من سقيمه يعرف بالإعراب، فهو كالمعيار.
2 -
صحيح الكلام من سقيمه يعرف بالنظم المألوف والإعراب المعروف، فهو كالميزان.
…
3 - المدخل إلى الدلائل هو أن الكلام ينقسم إلى: اسم، فعل، وحرف.
3 -
المناطقة محتاجون إلى اللغة المكونة من الاسم والفعل والحرف.
…
4 - عملية النظم تتم بانتقاء الألفاظ ثم ترتيبها في النطق على حسب ترتيبها في النفس.
4 -
احتياجهم إلى رصفها وبنائها على الترتيب الواقع في غرائز أبنائها.
…
5 - النظم هو توخي معاني النحو فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يساق لها الكلام.
5 -
إنما دخل العجب على المنطقيين لظنهم أن المعاني لا تعرف إلا عن طريق المنطق مع أن معاني النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته، وبين وضع الحروف في مواضعها المقتضية لها وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير وتوخي الصواب في ذلك وتجنب الخطأ من ذلك.
…
6 - تشبيه النظم بالنسج،
…
6 - معاني النحو كالأصباغ
(7 - دلائل الإعجاز)
ففيه تخير وإعمال فكر، إذ الكلام كالثوب، والنظم كالنسج، والمعاني كالسدى، والألفاظ كاللحمة ورقة اللفظ كرقة سلكة وغلظه ككثافة غزله، وبلاغته كقصارته.
…
التي تعمل منها الصور والنقوش في الثوب بالتخير والتدبر فيها وفي مواقعها ومقاريرها، وكيفية مزجه لها.
7 -
نظرية البيان هي حقائق الأشباه، وأشباه الحقائق).
…
8 - قال أبو سعيد لمتى بن يونس: (أترك بقوة المنطق وبرهانه اعتقدت أن الله ثالث ثلاثة؟ ! ).
…
7 - نظرية البيان هي (المعنى ومعنى المعنى).
8 -
قد تزل قدم المفسر - إذا لم يكن على دراية بعلم النحو - لأن من الآيات ما يحتمل أكثر من تأويل كما في قوله تعالى {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} [النساء: 171].
وبقية "دلائل لإعجاز" تطبيق لنظرية النظم، وتأكيد على صحتها، بالأدلة تلو الأخرى.