الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
385 - بَابُ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
2307 -
حَدِيثُ بُسْرَةَ:
◼ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الوُضُوءُ. فَقَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ هَذَا. فَقَالَ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ (فَرْجَهُ) فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه:
فصَحَّحَهُ: الإمامُ الشافعيُّ، والإمامُ أحمدُ -في أحد قوليه-، وابنُ مَعِينٍ -في أحد قوليه-، والترمذيُّ، وابنُ خُزيمةَ، وابنُ حِبَّانَ، والدارقطنيُّ، ومحمد بنُ وضَّاحٍ المالكيُّ، وابنُ القَصَّار المالكيُّ، والحاكمُ، وابنُ السكنِ، وأبو حامدٍ ابنُ الشرقي، وابنُ حَزمٍ، والبيهقيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، والبغويُّ، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وابنُ الحَصَّارِ المالكيُّ، وابنُ الجوزيِّ، وأبو السعاداتِ ابنُ الأثيرِ، والحازميُّ، والضياءُ المقدسيُّ، وابنُ الصَّلاحِ، وابنُ القيمِ، وابنُ سيدِ النَّاسِ، وابنُ المُلقِّنِ، وابنُ حَجرٍ، وابنُ الهمامِ، والسيوطيُّ، والمناويُّ، والحسينُ المغربيُّ، والزُّرْقانيُّ، والصنعانيُّ، والشوكانيُّ، والألبانيُّ.
وقال إسحاق بن راهويه: ((وأما مَسُّ الذَّكَر فإنا نَرى منه الوضوءَ؛ لما
صَحَّ ذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم).
وقال أيضًا: ((حديثُ بُسْرة أثبتُ الأحاديثِ في الوضوءِ من مَسِّ الذَّكَر)).
وقال البخاريُّ: ((أصحُّ شيءٍ عندي في مَسِّ الذكرِ حديثُ بُسرة ابنة صفوان)).
بينما قال الإمامُ أحمدُ في قوله الآخر: ((فيه شيء)).
وتَوَقَّف فيه ابنُ مَعِينٍ في قوله الآخر.
وضَعَّفَهُ: ربيعةُ الرأي شيخ مالك، ومحمدُ بنُ الحسنِ الشيبانيُّ، وابنُ قتيبةَ الدِّينَوَرِيُّ، والنسائيُّ، وابنُ المنذرِ، وإبراهيمُ الحربيُّ، والطحاويُّ، وأبو بكرٍ أحمدُ بنُ إسحاقَ النيسابوريُّ، وأبو عليٍّ النيسابوريُّ الحافظُ، وأبو بكرٍ الجَصَّاصُ، والقُدُوريُّ، والبزدويُّ، والسَّرَخْسِيُّ، والخزرجيُّ، وبدرُ الدينِ العينيُّ.
وحُكِي تضعيفه عن الإمامِ سعيدِ بنِ منصورٍ.
ونُقِلَ عن يحيى بنِ مَعِينٍ ومسلمٍ أنهما قالا: ((لا يصحُّ في الوضوءِ من مَسِّ الذَّكَر حديثٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم).
وقال عليُّ بنُ المدينيِّ وعمرٌو الفلاسُ: إن حديثَ طَلْق في ترك الوضوء
(1)
أثبتُ وأحسنُ من حديثِ بسرة.
[التخريج]:
[د 180/ ن 168/ كن 203/ طا 100 (واللفظ له) / حب 1107/ طب (24/ 196/ 496) / مدونة (1/ 188) / شف 57/ أم 50/ تخث
(1)
وهو حديث مختلف فيه كذلك، وسيأتي تخريجه والكلام عليه في الباب التالي.
(السِّفْر الثالث 3068) / مث 3229، 3230/ منذ 89/ عق (1/ 498) / مطغ 495/ علقط (9/ 338) / هقخ 502/ هق 620/ هقع 1005/ تمهيد (17/ 186) / متشابه 1414/ بغ 165/ بغت (2/ 224) / عتب (صـ 41) / تد (3/ 329)].
[التحقيق]:
انظره عقب الرواية الآتية.
رِوَايَةٌ مُخْتَصَرةٌ:
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرةٍ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ (فَرْجَهُ) فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه.
[التخريج]:
[ت 83 (واللفظ له) - 85/ ن 450 (والروايةُ لَهُ ولغيره)، 453 / جه 482/ حم 27295/ مي 743/ خز 35/ حب 1108، 1109/ ك 478 - 481/ أم 3612/ جا 17، 18/ طب (24/ 193 - 194/ 486، 488، 489)، (24/ 196 - 198/ 494، 495، 497، 501، 502، 504، 505)، (24/ 199/ 508)، (24/ 202/ 517، 518، 520) / طص 1113/ قط 527، 537/ علقط (9/ 328 - 330)، (9/ 341 - 332)(9/ 349، 352، 355) / طح (1/ 73) / حق 2173/ ضحة (طهارة ق 11/أ) / علحم 3744/ تخث (السِّفر الثاني 3386) / حرب (طهارة 222) / مث 3220، 3221، 3232، 3233، 3235/ طوسي
69/ مجر (1/ 314) / شاموخ 23/ خط (10/ 451) / خطل (1/ 347) / ناسخ 120/ هق 622، 624 - 629/ هقغ 32/ هقع 1011/ هقخ 507 - 509، 511 - 517/ طبك 74/ مخلص 563، 619، 2377/ صحا 7529/ كر (45/ 302)، (53/ 354 - 355) / معكر 837/ شبيل (1/ 427) / معقر 1125/ تحقيق 174، 183/ تمهيد (17/ 190) / محلى (1/ 240) / سعد (10/ 233 - 234) / جواليقي (ق 183/أ) / شذا (الأول ق 120/ أ، 123/ب) / شذا (مشيخة كبرى 2 ق/ 134 أ) / قز (رواية الدِّينَوَري ق 7/ ب) / دبيثي (1/ 213) / أجوبة (2/ 137)].
[السند]:
رواه مالكٌ في (الموطأ) -وعنه الشافعيُّ في (الأم، والمسند)، ومن طريقه أبو داود، والنسائيُّ في (الصغرى، والكبرى)، وغيرُهُم- عن عبد الله بن أبي بكر بن
(1)
محمد بن عمرو بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير
(1)
((تصحفت ((بن)) على يحيى بن يحيى -راوي الموطأ- إلى ((عن)).
قال ابن عبد البر: ((في نسخة يحيى في (الموطأ) في إسناد هذا الحديث وهم وخطأ غير مشكل، وقد يجوز أن يكون من خطأ اليد، فهو من قبيح الخطأ في الأسانيد؛ وذلك أن في كتابه في هذا الحديث:(مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن محمد بن عمرو بن حزم) فجَعَل في موضع ((ابن)) ((عن))، فأفسد الإسناد، وجعل الحديث لمحمد بن عمرو بن حزم. وهكذا حَدَّث به عنه ابنه عبيد الله بن يحيى.
وأما ابن وضاح، فلم يُحَدِّث به هكذا، وحَدَّثَ به على الصحة، فقال:(مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم).
وهذا الذي لا شك فيه عند جماعة أهل العلم، وليس الحديث لمحمد بن عمرو بن حزم عند أحد من أهل العلم بالحديث، ولا رواه محمد بن عمرو بن حزم بوجه من الوجوه، ومحمد بن عمرو بن حزم لا يَروي مثله عن عروة.
(التمهيد 17/ 183)، وانظر (الإيماء إلى أطراف الموطأ لأبي العباس الداني 4/ 248)، و (الإمام لابن دقيق العيد 2/ 298 - 299).
يقول: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوانُ: ومِن مَسِّ الذَّكَرِ الوُضُوءُ. فَقَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ هَذَا. فَقَالَ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ،
…
الحديث.
وله طرقٌ أُخَرُ سنذكرها خلال التحقيق.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ اختلفَ أهلُ العلمِ في قبولِهِ ورَدِّهِ اختلافًا شديدًا؛ وذلك لأُمورٍ:
الأمر الأول: الكلام في عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم:
فقال الطحاويُّ: ((فصارَ هذا الأثرُ إنما هو عن الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروةَ. فقد حطَّ بذلك درجة لأن عبد الله بن أبي بكر ليس حديثُه عن عروةَ كحديثِ الزهريِّ عن عروةَ، ولا عبد الله بن أبي بكر عندهم في حديثِهِ بالمتقنِ)) (شرح معاني الآثار 1/ 72).
واستدل لذلك بما أسندَهُ إلى الشافعيِّ، قال: سمعتُ ابنَ عيينةَ يقول: ((كُنَّا إِذَا رَأَيْنَا الرَّجُلَ يَكْتُبُ الحَدِيثَ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ نَفَرٍ سَمَّاهُمْ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، سَخِرْنَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الحَدِيثَ)).
قال الطحاويُّ: ((وأنتم فقد تُضعِّفون ما هو مثل هذا بأقل من كلام مثل ابن عيينة)). وانظر (التجريد للقدوري 1/ 187 - 188).
وقال أبو العباسِ الدَّانيُّ: ((وعبد الله قد تُكلِّم فيه
…
)) وذَكَر كلامَ ابنِ عيينةَ
السابق (الإيماء إلى أطراف الموطأ 4/ 249).
وقال بدرُ الدينِ العينيُّ: ((هذا الطحاويُّ -وهو إمامٌ في الحديثِ- قد استضعفه بالإسناد الأول. وروى بإسنادِهِ عن ابنِ عيينةَ أنه عَدَّ جماعة لم يكونوا يعرفون الحديث، ومَن رأيناه يُحَدِّثُ عنهم سخرنا منه، فذَكَر منهم عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم)) (شرح أبي داود 1/ 419).
قلنا: وما ذهبَ إليه الطحاويُّ، ووافقه عليه القُدُوريُّ والعينيُّ، في الطعن على عبد الله- لم يُتابَعوا عليه، بل خالفهم جمهورُ أهلِ العلمِ، فوَثَّقُوا عبد الله بن أبي بكر. انظر (تهذيب الكمال 14/ 349 - 350).
وقال الحازميُّ: ((وحديثُ مالكٍ الذي مَرَّ سندُهُ لا يُختلَف في عدالة رواته)) (الاعتبار، صـ 44).
ولكن لا يَسْلَمُ له هذا القول فإن مروانَ كما سيأتي مختلفٌ في عدالته.
وقال مُغلطَاي: ((لإن كان ما قاله أبو جعفرٍ صحيحًا فلا وجهَ لإعلالِ الحديثِ به؛ لأن عبد الله ممن خَرَّج الشيخان حديثَه في صحيحيهما. وقال مالك النجم فيه: (كان رجلَ صِدْق)، وقال أحمدُ بنُ حَنبلٍ:(حديثُه شفاء)، وقال ابنُ سعدٍ:(كان ثقةً كثيرَ الحديثِ عالمًا)، ووَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، وأبو حَاتمٍ الرازيُّ، وابنُ حِبَّانَ، والعِجْليُّ، والبَرْقيُّ
…
وغيرُهُم.
فعلى هذا يُتأول ما نقله عن ابن عيينة، وأنه ليس بطعن يُرَد به حديثه)) (شرح ابن ماجه 1/ 539).
قلنا: وما أسندَه الطحاويُّ إلى الشافعيِّ عن ابن عيينة في إسنادِهِ كلام.
ففيه أحمد بن يحيى بن الوزير المصري، وَثَّقَهُ النسائيُّ، بينما قال مَسْلَمةُ بنُ قاسمٍ: ((كان لا بأس به، وكان كثير الحديث والأخبار، وكان عنده مناكير،
وتفقه للشافعيِّ وصحبه)). انظر (ذيل ميزان الاعتدال، صـ 44).
والراوي عنه: يحيى بن عثمان بن صالح المصري.
قال ابنُ أبي حَاتمٍ: ((تكلَّموا فيه)) (الجرح والتعديل 9/ 157).
وقال ابنُ يونس: ((كان عالمًا بأخبارِ البلدِ وبموتِ العلماءِ، وكان حافظًا للحديثِ، وحَدَّثَ بما لم يكن يوجد عند غيرِهِ)) (تاريخه 1/ 506 - 507).
وقال مَسْلَمةُ بنُ قاسمٍ: ((يتشيعُ، وكان صاحب وراقة، يُحَدِّثُ من غير كتبه، فطُعِن فيه لأجل ذلك)) (تهذيب التهذيب 11/ 257).
وقال المعلميُّ اليمانيُّ: ((فيه كلامٌ يوجبُ التوقفَ عما ينفردُ به)) (تحقيق الفوائد المجموعة، صـ 405).
وسيأتي عما قليل رواية لابن عيينة عن عبد الله مُوافِقة لرواية مالك عنه، فلو كان ضعيفًا عنده ما روى عنه، إلا أن يَقصد بذلك الحكايةَ لا الرواية كما قال أبو العباس الداني (الإيماء 4/ 249).
قلنا: ولم يعبأِ البيهقيُّ بما نُقِلَ عن الشافعيِّ، فتعقب الطحاويَّ قائلًا:((ولم يخطرْ ببالي أن يكون إنسان يَدعي معرفة الآثار والرواية، ثم يَطعن في أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وابنه عبد الله)).
ونَقَلَ عن الزهريِّ قوله: ((ما أعلمُ بالمدينةِ مثل عبد الله بن أبي بكر، ولكن إنما منعه أن يرتفع ذكره مكانُ أبيه أنه حي)) (معرفة السنن 1/ 399).
ولكن تَعَقَّب البيهقيَّ العينيُّ؛ فقال:
((فإن قيلَ: عبد الله بن أبي بكر قد أخرجَ له الجماعةُ، حتى قال النسائيُّ فيه: ثَبْتٌ.
قلت: لا يلزمُ من إخراجِ الجماعةِ له ولا من قولِ النسائيِّ أنه ثبتٌ- أن
يُنفَى عنه ما تكلم فيه غيره ممن هو أكبر منهم! وكفى في ذلك قول الشافعي عن شيخه سفيان بن عيينة، ولا يُعادِل أحد منهم ابن عيينة!
ولقد سقطَ بذلك أيضًا ما ذكره البيهقيُّ من حطه على الطحاويِّ في تضعيفه هذا الحديث، وقوله أيضًا: ولم يخطرْ ببالي أن يكون إنسان يَدَّعي معرفة الآثار والرواية ثم يطعن في أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وابنه عبد الله.
وليت شِعْري، لِمَ لَمْ يخطرْ ببال البيهقيِّ ما نقله إمامه الشافعي عن ابن عيينة؟ ! )) (نخب الأفكار شرح معاني الآثار 2/ 86).
وهذا يكفي في رده ضعف الإسناد إلى الشافعي كما تقدم.
قلنا: ولكن يُقوِّي ما ذهبَ إليه الطحاويُّ الاختلافُ على عبد الله في متنه، كما سيأتي قريبًا.
الأمر الثاني: الطعنُ في مَرْوان بن الحَكَم، وذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: قال يحيى بنُ مَعِينٍ فيما حكاه عنه أبو زرعةَ الدمشقيُّ: ((أيُّ إسنادٍ رواية مالك في حديث بسرة، لولا أنَّ قاتلَ طلحةَ في الطريقِ! )) (الاستذكار 3/ 38).
وسيأتي عن ابنِ مَعِينٍ تصحيح الحديث من طريقِ مالكٍ هذا بعد قليل.
وسألَ النسائيَّ ابنُ شراحيل، فقال:((سألتُ النسائيَّ: ما الذي تأخذُ به في مسِّ الذكرِ؟ فقال: تَرْك الوضوء، وحديث قيس بن طَلْق عن أبيه أَحَبُّ إليَّ. قلتُ له: وقيسٌ تقومُ به حجة؟ قال: لا، ولكنه خير من الشيخ الذي قَتَلَ طلحة بن عبيد الله -يعني مَرْوانَ بنَ الحَكَمِ-، قَتَله يوم الجمل)) (أطراف الموطأ للداني 4/ 281).
وقال ابنُ قتيبةَ -في بحثٍ له في تضعيف الحديث-: ((ومروان ليس كغيره)) (المسائل والأجوبة، صـ 92).
وقال ابنُ خُزيمةَ: ((وبقولِ الشافعيِّ أقولُ؛ لأن عروةَ سمعَ حديث بسرة منها، لا كما يتوهمه بعضُ الناس أن الخبرَ واهٍ؛ لطعنه في مَرْوان بن الحكم)) (الصحيح 1/ 136).
وقال ابنُ حِبَّانَ: ((عائذٌ باللهِ أن نحتجَّ بخبرٍ رواه مَرْوانُ بنُ الحكمِ وذووه في شيءٍ من كتبنا؛ لأنا لا نستحلُّ الاحتجاجُ بغيرِ الصحيحِ من سائرِ الأخبارِ وإن وافقَ ذلك مذهبنا، ولا نعتمد من المذاهب إلا على المنتزع من الآثار وإن خالف ذلك قول أئمتنا.
وأما خبرُ بُسرةَ الذي ذكرناه، فإن عروةَ بنَ الزبيرِ سمعه من مَرْوان بن الحكم عن بسرةَ. فلم يقنعه ذلك حتى بَعَثَ مَرْوانُ شرطيًّا له إلى بُسرةَ فسألها، ثم أتاهم فأخبرهم بمثل ما قالت بُسرة، فسمعه عروةُ ثانيًا عن الشرطيِّ عن بُسرةَ. ثم لم يقنعه ذلك حتى ذهب إلى بسرةَ فسمع منها. فالخبرُ عن عروةَ عن بسرةَ متصلٌ ليس بمنقطع، وصارَ مروان والشرطي كأنهما عاريتان يسقطان من الإسناد)) (الصحيح 2/ 286).
وقال الدارقطنيُّ: ((فحَكَمَ قومٌ مِنْ أهلِ العلمِ بضعفِ الحديثِ؛ لطَعْنهم على مَرْوانَ)) (العلل 9/ 315).
وهذا إقرارٌ منه للطعن؛ ولذا سيصحح الحديث من وجهٍ آخرَ كما سيأتي.
قال ابنُ سَيدِ النَّاسِ: ((وفيه قوله: (فحَكَمَ قومٌ مِنْ أهلِ العلمِ بضعفِ الحديثِ لطعنهم على مروانَ)، ولم يَعْرِض بعد ذلك لإقرارِ هذا الطعن ولا رَدِّه حتى يُعلم رأيه في مروانَ)) (النفح الشذي 2/ 271).
وقال الحاكمُ: ((فظَنَّ جماعةٌ ممن لم يُنْعِمِ النظرَ في هذا الاختلافِ أن الخبرَ واهٍ؛ لطَعْن أئمة الحديث على مَرْوانَ)) (المستدرك 1/ 469). وهذا أيضًا إقرارٌ منه للطعن.
وقال أبو العباس الدَّاني مبينًا أوجهَ الطعنِ في الحديثِ: ((وقد طَعَنَ فيه قومٌ من ثلاثةِ أوجهٍ
…
والثاني: روايته عن مَرْوانَ مع ما كان عليه وما نُسِبَ إليه من المناكيرِ)) (أطراف الموطأ 4/ 262).
وقال القرافيُّ: ((وأورَدَ الحنفيةُ على حديثِ بُسرةَ عَشَرة أسئلة: أحدها: أن راويه عنها مروان بن الحكم، وهو كان يحدث في زمانه مناكير؛ ولذلك لم يَقبل عروة
(1)
منه الرواية وقال: لا أعرفه)) (الذخيرة 1/ 221).
وقال المغربيُّ: ((ومَرْوانُ متكلَّمٌ فيه)) (البدر التمام شرح بلوغ المرام - 2/ 33).
الوجه الثاني: أن عروةَ لم يقنعْ بروايتِهِ، وأنكرها ولم يَرفعْ بذلك رأسًا.
وذلك لما رواه شعيبٌ، عنِ الزهريِّ قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري، أنه سمعَ عروةَ بنَ الزبيرِ يقول: ذَكَر مَرْوانُ في إمارته على المدينة أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إذَا أَفْضَى إليه الرَّجُلُ بيدِهِ، فأَنْكرتُ ذَلكَ عليه فَقُلْتُ: لَا وُضُوءَ عَلى مَنْ مَسَّهُ. فقال مَرْوانُ: أخبرتني بُسْرةُ بنتُ صفوانَ
…
الحديث.
رواه عبد الله في (وجادات أبيه في المسند - 27296) من طريقِ شُعيبٍ به.
(1)
وقع في المطبوع: ((طلحة)) وليس له وجه، والصواب هو المثبت.
ورواه عَبدُ الرَّزَّاقِ في (المصنف 414) عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ قال: تَذَاكَرَ هُوَ وَمَرْوَانُ الوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ فَقَالَ مَرْوَانُ: حَدَّثَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ، فَكَأَنَّ عُرْوَةُ لَمْ يَقْنَعْ بِحَدِيثِهِ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَيْهَا شُرْطِيًّا، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ.
وسيأتي الاختلافُ على الزهريِّ قريبًا.
قال الطحاويُّ: ((وإن كان إنما تَرَكَ أن يرفعَ بذلك رأسًا لأن مروانَ، عنده ليسَ في حالِ مَن يَجبُ القَبولُ عن مثله؛ فإن خبرَ شرطي مروان عن بُسْرةَ دون خبره هو عنها! فإن كان مروانُ خبرُهُ في نفسِهِ عند عروةَ غير مقبول، فخبر شرطيه إيَّاه عنها كذلك أحرى أن لا يكون مقبولًا)) (شرح معاني الآثار 1/ 71)، وبنحوه قال ابنُ حِبَّانَ، وقد تقدَّمَ. وانظر (شرح مختصر الطحاوي للجصاص 1/ 394).
وقال القُدُروي: ((والجوابُ: أن مَرْوانَ ذَكَرَ هذا الحديثَ لعروةَ فلم يرفعْ به رأْسًا، فأرسلَ مروانُ إليها شُرطيًّا ورجعَ فأخبرهم أنها قالتْ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأْمرُ بالوُضُوءِ من مَسِّ الفرجِ. فإذا كان عروةُ لم يرفعْ به رأسًا لأنه لم يقبلْ خبرها، فهو حجة في الردِّ، وإن كان لرواية مروان، فشرطيه دونه)) (التجريد للقدوري 1/ 185).
قلنا: وما قالوه منَ القدحِ في مَرْوانَ حَقٌّ.
فقد قال الذهبيُّ: ((وله أعمالٌ موبقة! نسألُ اللهَ السلامةَ، رَمَى طلحةَ بسهمٍ، وفَعَلَ وفَعَلَ)) (ميزان الاعتدال 4/ 89).
وقال: ((وسارَ مع طلحةَ والزبيرِ للطلبِ بدمِ عثمانَ، فقَتَلَ طلحةَ يومَ الجملِ،
ونجا -لا نُجي-)) (سير أعلام النبلاء 3/ 477).
وقال ابنُ الوزيرِ اليمني -في رَدِّهِ على من جعلَ مروان من أهلِ التَّقْوَى والصَّلاحِ-: ((ليس كذلك؛ فإنهم لا يجهلون ما له من الأفعالِ القبيحةِ والمعاصي المُهلِكة، وأنا أورد من كلامهم ما يدلُّ على ذلك .... )).
ثم ذَكَر كلامَ الذهبيِّ المتقدم، ثم قال:((فلو كان عنده من أهلِ الصَّلاحِ ما تَمَنَّى له الهلاكَ، وكَرِه له النجاة. وقد نَصَّ في (الميزان) على أن له أعمالًا مُوبِقة. وهذا تصريحٌ بفسقه
…
)). وقال: ((وقال ابنُ قدامةَ الحنبليُّ في كتابه (الكافي) على مذهب أحمد بن حنبل في باب صفة الأئمة: في إمامة الفاسق بالأفعال روايتان: إحداهما: تصحُّ؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: ((كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ
…
)) الحديث، إلى قوله في الاحتجاج على ذلك: وكان الحسنُ والحسينُ يصليان وراء مَرْوان. انتهى. وفيه بيان معرفتهم مقدار أهل البيت عليهم السلام في الفضل ولموضع أعدائهم من الفسقِ، ونحن محتاجون من بيان الأمرين كليهما في هذا المقام
…
)) إلى أن قال: هذه الجملة تدلك على معرفتهم بسوءِ حاله وقبح أفعاله)) (العواصم والقواصم 3/ 245).
وقال أيضًا -في (تنقيح الأنظار 2/ 43، طُبِع مع توضيح الأفكار) -: ((مجروحٌ عند أهلِ البيتِ وعند غيرِهِم، بل لا يُعلمُ في ذلك خلافٌ)).
ولكن أهل العلم لم يتفقوا على طرحِ حديثِهِ، فقد احتجَّ به البخاريُّ في (صحيحه) في مواضع.
ولكن عِيب على البخاريِّ ذلك، قال ابنُ حَجرٍ: ((وعابَ الإسماعيليُّ على البخاريِّ تخريج حديثه، وعَدَّ من موبقاته أنه رَمَى طلحةَ أحدَ العَشَرة يومَ
الجملِ، وهما جميعًا مع عائشةَ، فقُتِلَ، ثم وثبَ على الخلافةِ بالسيفِ)) (تهذيب التهذيب 10/ 92).
ومع هذا ألزمَ الإسماعيليُّ في (صحيحه)، في أواخر تفسير سورة آل عمران- البخاريَّ في إخراج حديث مروان، فقال:((إنه يَلزمُ البخاريُّ إخراجَه، فقد أخرجَ نظيره)) (التلخيص الحبير 1/ 214).
واعتذرَ ابنُ حَجرٍ على تخريجِ البخاريِّ له، فقال: ((له رؤيةٌ، فإن ثبتت فلا يُعرج على مَن تكلَّم فيه. وقال عروةُ بنُ الزبيرِ: كان مَرْوانُ لا يُتَّهمُ في الحديثِ
(1)
، وقد رَوى عنه سهلُ بنُ سعدٍ الساعديُّ الصحابيُّ اعتمادًا على صدقه.
وإنما نَقَموا عليه أنه رَمَى طلحةَ يومَ الجملِ بسهمٍ فقتله، ثم شَهَر السيفَ في طلبِ الخلافةِ، حتى جرى ما جرى.
فأما قَتْل طلحة فكان مُتأوِّلًا فيه، كما قرَّره الإسماعيليُّ وغيرُهُ.
وأما ما بعد ذلك فإنما حَمَل عنه سهل بن سعد، وعروة، وعلي بن الحسين، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. وهؤلاء أخرجَ البخاريُّ أحاديثَهم عنه في (صحيحه) لَمَّا كان أميرًا عندهم بالمدينةِ قبل أن يبدو منه في الخلافِ على ابنِ الزبيرِ ما بَدا. والله أعلم.
وقد اعتَمدَ مالكٌ على حديثِهِ ورأيه والباقون سوى مسلم)) (هدي الساري،
(1)
هكذا ذكره ابنُ حجر بلفظ يفيد العموم! ولعله أَخَذه من ابن عبد البر في (الاستيعاب 3/ 1390) حيث ذكره معلقًا بلا سند عن عروة.
والمحفوظ في هذا اللفظة عن عروة: ((لا إخاله يُتهم علينا))، وثَم فرق بين اللفظين، كما سيأتي.
صـ 443).
ولكن أجابَ الصنعانيُّ عن هذا الاعتذار، فقال: ((أما هذا العذرُ الذي ذكره المصنِّفُ عن الحافظِ ابنِ حَجرٍ- فعذرٌ باطلٌ وإن أقرَّهُ المصنِّفُ! !
فإن أعظمَ ما قدحوا به على مَرْوانَ قَتْله لطلحة أحد العشرة، وقَتْله له كان يوم الجمل اتِّفَاقًا، قال الذهبيُّ: وحَضَرَ الوقعة يوم الجمل، وقَتَل طلحة ونجا، فليته ما نجا! ! وكذلك ذَكَره في (النبلاء).
ومعلوم أنه لم يتولَّ المدينة في عصر أحد من الخلفاء، إنما ولاه إيَّاها معاوية، فلم يلها إلا بعد قتله لطلحة، قال الذهبيُّ في (النبلاء): إن مَرْوانَ قَتَل طلحة. ثم قال: قَاتِلُ طلحة في الوزر بمنزلة قاتل علي)) (توضيح الأفكار 2/ 44).
واعتذر المعلميُّ اليمانيُّ بقوله: ((اعتبر البخاريُّ أحاديثَ مروانَ فوجدها مستقيمة معروفة لها متابعات وشواهد، ووجدَ أن أهلَ عصر مروان كانوا يثقون بصدقه في الحديثِ، حتى رَوى عنه سهلُ بنُ سعدٍ الساعديُّ وهو صحابيٌّ، وروى عنه زينُ العابدين عليُّ بنُ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ.
بقي عدالته في سيرته، فلعلَّ البخاريَّ لم يَثبتْ عنده ما يقطع بأن مروانَ ارتكبَ ما يخل بها غير متأول
…
ومَن تَتَبَّع أحاديث مروان الثابتة عنه، عَلِم أن البخاريَّ لم يَبْنِ شيئًا من الدينِ على روايةٍ تفرَّدَ بها لفظًا ومعنى)) (الأنوار الكاشفة، صـ 281).
وأجاب مغلطاي عن رميه طلحة بسهم فقتله- بقوله: ((فمَرْوانُ ليس ممن تُرَد به الأحاديث؛ لأنه ممن ذكره في الصحابة جماعة منَ الأَئمةِ، وروى له البخاريُّ في (صحيحه) حديثًا محتجًّا به عن علي بن أبي طالب وفاطمة،
وآخَرَ مقرونًا بالمِسْوَر بنِ مَخْرَمة.
وأما ما قُذِف به مِن قتلِ طلحة فشيءٌ لم يَثبتْ عليه، ولم يأْتِ إلا على لسان مؤرخ مقدوح في عدالته؛ كأيي مِخْنَف وهشام وغيرِهما. والله أعلم)) (شرح سنن ابن ماجه 1/ 540).
قلنا: ما ذكره مغلطاي من ذكر مروان في الصحابةِ لا يصحُّ:
قال أبو زرعة: ((لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، كَانَ مَرْوَانُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابن خَمْسِ سِنِينَ أَوْ نَحْوَهُ)) (المراسيل 728، وجامع التحصيل صـ 276).
وقال الذهبيُّ: ((ولم يصح له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن له رؤية إن شاء الله)) (تاريخ الإسلام 2/ 706).
وقال في (السير 3/ 476): ((وقيل: له رؤية، وذلك محتمل)).
وقال ابنُ حَجرٍ: ((ولكن لا يُدرى أسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا أم لا
…
فلم يَثبتْ له أَزْيَد من الرؤية
…
)) (الإصابة 10/ 388).
قلنا: وما ذكروه من الرؤية أيضًا لا يصحُّ؛ وذلك أن مستندَ مَن قالَ ذلك قول الواقدي: ((رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَحفظْ عنه شيئًا، وتُوفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثمان سنين)) (رجال صحيح البخاري للكلاباذي 2/ 715). والواقديُّ لا يُعتمدُ عليه.
وقد أنكرَ البخاريُّ أنه رَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
قال الترمذيُّ: ((سألتُ محمدًا -يعني البخاريَّ- قلتُ له: مَرْوانُ بنُ الحكمِ رَأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا)) (تحفة التحصيل، صـ 298).
وذَكَر ابنُ عبدِ البرِّ أنه لا رؤيةَ له تعتبر أيضًا، وقال: ((لأنه خرجَ صغيرًا مع
أبيه إلى الطائف لَمَّا نفاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم) (الاستيعاب 3/ 1387)، و (تحفة التحصيل، صـ 298).
قلنا: أما قوله: ((وأما ما قُذِفَ به من قتل طلحة فشيءٌ لم يَثبتْ عليه، ولم يأتِ إلا على لسان مؤرخ مقدوح في عدالته؛ كأبي مِخْنَف وهشام وغيرهما)) فكلامٌ غيرُ صحيحٍ.
فقد قال ابنُ عبدِ البرِّ -في (الاستيعاب 2/ 766) في ترجمة طلحة بن عبيد الله-: ((يقال: إن السهمَ أصابَ ثُغْرة نحره، وإن الذي رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله. فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم. وذلك أن طلحةَ -فيما زعموا- كان ممن حاصرَ عثمان واستبدَّ عليه.
ولا يختلف العلماء الثقات في أن مروانَ قتلَ طلحةَ يومئذٍ، وكان في حزبه)).
قال الخَلَّالُ: ((أخبرني محمد بن علي قال: ثنا مُهنا قال: سألتُ أحمدَ عن طلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ، مَن قتله؟ قال: يقولون: مروان. قلت: كيف؟ قال: إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ، عن قيسِ بنِ أبي حازمٍ قَالَ: نَظَرَ مَرْوانُ إلى طلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ يومَ الجملِ، فقال: لا أطلبُ بثأْرِي بعدَ اليومِ! ! قال: فرَمَى بسهمٍ فقتله. قلت: مَن يقولُ هذا؟ فقال: وكيعٌ، عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ. قلت: حَدَّثوني عن عمرو بن مرزوق، عن عمران القطان، عن قتادة، عن الجارود بن أبي سبرة قال: نَظَر مروان إلى طلحة بن عبيد الله يوم الجمل، فقال: لا أطلبُ بثأْري بعد اليوم! ! فرماه بسهم فقتله. فقال: ما أدري)) (السنة للخلال 1/ 409 - 410/ 837 - 839).
وأسندَ ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 12222، 38925)، وابنُ سعدٍ في
(الطبقات 3/ 204)، وغيرُهُما، عن أبي أسامةَ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: أخبرني قيس بن أبي حازم قال: ((رَمَى مروانُ طلحةَ يومَ الجملِ بسهمٍ في رُكْبَتِهِ، فمَاتَ فدفنَّاه على شاطئ الكَلَّاءِ
…
)). وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
ورواه ابنُ أبي شيبة في (المصنف 31219، 38958) عن وكيعٍ، عن إسماعيلَ قَالَ:((كَانَ مَرْوانُ مع طلحةَ يومَ الجملِ، فلما اشتبكت الحرب قال مروان: لا أطلبُ بثأري بعد اليوم! ! قال: ثم رَمَاهُ بسهمٍ فأصابَ ركبته، فما رقأ الدمُ حتى ماتَ. قال: وقال طلحةُ: دعوه فإنه سهمٌ أرسلَه اللهُ)).
وروى ابنُ سعدٍ في (الطبقات 3/ 204): أخبرنا رَوْح بن عُبَادة قال: أخبرنا ابن عون، عن نافع قال: كان مَرْوانُ مع طلحةَ في الخيلِ، فرأى فرجةً في درع طلحة فرمَاه بسهمٍ فقتله.
وهذا أيضًا إسنادٌ صحيحٌ إلى نافعٍ لا إشكالَ فيه.
وروى ابنُ سعدٍ في (الطبقات 3/ 204) قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: أخبرنا حماد بن زيد، عن قُرَّة بن خالد، عن محمد بن سيرين: أن مروانَ اعترضَ طلحةَ لما جال الناس بسهمٍ، فأصابه فقتله.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابنِ سيرينَ.
قلنا: وما نقلوه عن عُرْوةَ في إنكاره على مروان بسبب ضَعْفِهِ- قد جاءَ عنه خلافُه.
فأسندَ أحمدُ في (العلل، رواية ابنه عبد الله 4892) قال: حدثنا أبو أسامة قال: أخبرنا هشام قال: أخبرنا أبي قال: سمعتُ مروانَ بنَ الحكمِ، ولا إخاله يُتَّهم علينا.
ورواه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 7/ 368) من طريق علي بن مُسْهِر،
به.
قلنا: ولكن حَمَل بعضُهم قوله: ((ولا إخاله يُتَّهم علينا)) على أنه في قضية خاصة بين آل الزبير ومروان، وليس عمومًا.
وقال ابنُ حزم: ((مروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، ولم يلقه عروة قط إلا قبل خروجه على أخيه لا بعد خروجه، هذا ما لا شك فيه)) (المحلى 1/ 236).
فتَعَقَّبَه بدرُ الدينِ العينيُّ فقال: ((لا دليلَ على هذه الدعوى، فإذا قامَ دليلٌ يُنظر فيه)) (البناية شرح الهداية 1/ 299)، وانظر (نخب الأفكار شرح معاني الآثار 2/ 84).
وكذا المغربي، فقال:((وأجيبَ عن الجهةِ الأُولى بأن عروةَ سمعه من مروان قبل خروجه على أخيه، وجَرْحه إنما هو بذلك، وفيه نظر)) (البدر التمام شرح بلوغ المرام 2/ 33).
وقال البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 233): ((واحتجَّ البخاريُّ برواية مروان بن الحكم في حديثه متعة الحج، وحديث القراءة في المغرب، وحديث الجهاد، وحديث الشِّعْرِ
…
وغير ذلك، فهو صحيح على شرط البخاري بكلِّ حالٍ)) (معرفة السنن والآثار 1/ 413).
وقال الحازميُّ: ((وحديثُ بُسرةَ وإن لم يخرجاه لاختلافٍ وقعَ في سماع عروة من بُسرةَ، أو هو عن مروان، عن بُسرةَ؛ فقد احتجا بسائر رواة حديثها: مروان فمَن دونه)) (الاعتبار، صـ 45).
قلنا: وهذا من الحازميِّ بلا شكٍّ خطأ؛ وذلك أن مسلمًا لم يُخرج لمروان.
قال ابنُ دَقيقِ العيدِ: ((فهذا يقتضي أن الشيخين احتجا برواية مروان، وليس
كذلك؛ فإنه مذكور فيمن انفردَ به البخاريُّ رحمه الله تعالى)) (الإمام 2/ 294).
وبنحوه قال ابنُ سَيدِ النَّاسِ في (الأجوبة 2/ 137).
وأجابَ أبو العباسِ الدَّاني على طعنهم على مروانَ، فقال:((وكان مالكٌ يُحْسِنُ الظنَّ بمروانَ لميله إلى بني أمية، وخَرَّج في الصحيح عن مروان أحاديث)) (الإيماء 4/ 263).
وقال القرافيُّ: ((مروانُ كان عدلًا؛ ولذلك كانت الصحابة تَأْتمُ به وتَغْشَى طعامَه. وما فَعَلَ شيئًا إلا عن اجتهادٍ. وإنكارُ عروة لعدم اطلاعه)) (الذخيرة 1/ 222).
قلنا: والكلام المنقول عن ابنِ مَعِينٍ جاء عنه خلافه.
فأخرج ابنُ عبدِ البرِّ بسنده إلى مُضَر بن محمد، قال: سألتُ يحيى بنَ مَعِينٍ: ((أي حديث يصح في مسِّ الذَّكَر؟ فقال يحيى: لولا حديث جاء عن عبد الله بن أبي بكر، لقلت: لا يصحُّ فيه شيء؛ فإن مالكًا يقول: حدثنا عبد الله بن أبي بكر قال: حدثنا عروة قال: حدثنا مروان قال: حدثتني بسرة)) (الاستذكار 3/ 28). وهذا منه قَبول لمروان.
قال ابنُ عبدِ البرِّ: ((فهذا يحيى بنُ مَعِينٍ موضعه من هذا الشأن الموضع المعلوم، وقد صَحَّحَ حديث بسرة من رواية مالك)) (الاستذكار 3/ 28).
قلنا: نعم، ابنُ مَعِينٍ له موضعه من هذا الشأن، ولكن الإسناد إليه يحتاج إلى الكشف عن حاله لتثبيته، فقد أسندَ ابنُ عبدِ البرِّ هذا الكلام عن شيخه خَلَف بن القاسم، قال: حدثنا محمد بن زكريا المقدسيُّ ببيت المقدس، قال: حدثنا مضر بن محمد، به.
وفيه ابن زكريا المقدسي، لم نقفْ له على ترجمةٍ.
ورُوي عن مُضَر من وجهٍ آخرَ، ذَكَره ابن دقيق العيد في (الإمام 2/ 302) قال: وروى علي بن عبد الله بن الفضل البغدادي، ثنا إبراهيم بن محمد بن خالد الحربي، ثنا مضر بن محمد، قال:((سألتُ يحيى بنَ مَعِينٍ عن مسِّ الذَّكر، أي شيء أصح فيه من الحديث؟ قال يحيى بنُ مَعِينٍ: لولا حديث مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بسرة، فإنه يقول فيه: ((سمعت، قال: سمعت))، لقلتُ: لا يصحُّ فيه شيءٌ
…
)). قال: "نقلته من الجزء الثاني من منتقى أبي الحسنِ الدارقطنيِّ على ابنِ الفضل)).
وهذا أيضًا إلى مُضَر لا يصحُّ؛ فيه إبراهيم بن محمد بن خالد الحربي، لم نجدْ لَهُ ترجمةً، وفي سياقته هذه مخالفة لسياقة المقدسي سيأتي التنبيه عليها في حديث أم حبيبة رضي الله عنها.
وقال الحازميُّ: ((وحديث مالك الذي مَرَّ سندُه لا يُختلَف في عدالة رواته)) (الاعتبار، صـ 44).
وقال ابنُ سَيدِ النَّاسِ عن طريقِ مالكٍ هذا: ((وهذه الطريق من أجود طرق هذا الحديثِ الذي هو أصح أحاديث هذا الباب، أو من أصحها)) (النفح الشذي 2/ 286).
الوجه الثالث: أن مروانَ لو كان حافظًا للحديثِ ضابطًا له، ما احتاجَ إلى إرسالِ شرطي ليَتثبت من بسرة، فلما أرسله دلَّ على عدم ضبطه له، والشرطي مجهولٌ لا يُعْرَفُ.
قلنا: خبر الشرطي إذ أرسله مروان ليتثبت من بسرة- لم يأتِ في رواية مالك إلا عند سحنون في (المدونة 1/ 118) فقال: قال ابنُ القاسمِ، وعلي بن زياد، وابن وهب، وابن نافع: عن مالك، عن عبد الله بن بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلتُ على مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومِن مَسِّ الذَّكَر الوضوء. فقال عروةُ: ما علمتُ ذلك. فقال مروانُ: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
قال عروةُ: ثم أرسلَ مروانُ إلى بسرةَ رسولًا يسألها عن ذلك، فأتاه عنها بمثل الذي قال.
ورجاله ثقات، ولكن قول عروة الأخير في ذكر الرسول لا يصحُّ عن مالكٍ؛ إذ إن الحديثَ محفوظٌ في (الموطأ) عند جميعِ رواته ليس فيه هذا القول.
ولكنه ثابتٌ عن غيرِ مالكٍ:
فرواه أحمدُ في (المسند 27293) قال: حدثنا إسماعيل ابن عُلَيَّة، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: سمعتُ عروةَ بنَ الزبيرِ يُحَدِّثُ أبي قال: ذاكرني مروانُ مس الذكر، فقلتُ: ليسَ فيه وُضُوءٌ. فقال: إن بسرةَ بنتَ صفوان تُحَدِّثُ فيه! فأرسلَ إليها رسولًا، فذكرَ الرسولُ أنها تُحَدِّثُ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
وليس في روايةِ ابنِ عُلَيَّة هذه تصريح مروان بالسماع من بسرةَ، كما في رواية مالك، وزاد:((فأرسلَ إليها رسولًا)).
وتابعه على ذكر الرسول: ابنُ عيينة، كما عند الحُميديِّ في (مسنده 355) قال: ثنا سفيان قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر قال: تذاكر أبي وعروة بن الزبير ما يُتوضَّأُ منه، فذَكَر عروةُ مَسَّ الذكرِ، فقال أبي: إن هذا لشيء ما سمعتُ به! قال عروةُ: بلى، أخبرني مروانُ بنُ الحكمِ أنه سمعَ بسرةَ بنتَ
صفوان تقولُ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)) فقلتُ لمروانَ: فإني أشتهي أن تُرْسِلَ إليها! فأرسلَ إليها -وأنا شاهد- رجلًا -أو قال: حرسيًّا- فجاءَ الرسولُ من عندها فقالَ: إنها قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
ورواه أحمدُ في (المسند 27294) عن ابن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أنه سمعه من عروة بن الزبير وهو مع أبيه يُحَدِّثُ، أن مروانَ أخبره، عن بسرةَ بنتِ صفوان، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، قال: فأرسلَ إليها رسولًا وأنا حاضرٌ فقالتْ: نعم. فجاء من عندها بذاك.
ورواية ابن عيينة هذه تخالف رواية مالك في ذكر المذاكرة، حيث جعلها ابن عيينة بين أبي بكر بن محمد بن حزم وبين عروة، بخلاف رواية مالك حيث جعله بين عروة ومروان.
وكذا زاد ابن عيينة فيه: ((وأنا شاهد)) أي أن الرسولَ جاءَ بالخبرِ وعروةُ عند مروانَ لم يذهبْ.
وقد أشرنا إلى هذا الخلاف على عبد الله، عند ذكر الأمر الأول من الطعون.
وذَكَر والحرسِيَّ غير هؤلاء: الزهريُّ وهشامٌ، كما سنبينُ قريبًا.
قلنا: فاختلفَ أهلُ العلمِ في قَبولِ الحديثِ ورَدِّه؛ لدخولِ الشرطي فيه.
قال أبو داود: ((قلتُ لأحمدَ: حديثُ بُسرةَ ليسَ بصحيحٍ في مَسِّ الذَّكرِ؟ قال: بلى، هو صحيح؛ وذلك أن مروانَ حدَّثَهم، ثم جاءهم الرسولُ عنها بذلك)) (سؤالات أبي داود لأحمد 1966).
قال أبو العباسِ الدَّاني: ((وهذا الذي آثر أحمد بن حنبل من سائر طرقه
…
)) ثم ذَكَر ما تقدَّم، وقال:((فعَضَّد ابنُ حنبلٍ حديث مروان بتصديق الرسول إيَّاه)) (الإيماء 4/ 257).
بينما ذهبَ آخرون إلى رَدِّ الحديثِ؛ لأنه لو كان عند مروان ما احتاج إلى الشرطي، وهو مجهولٌ لا تُعْرَفُ عدالته.
فأسندَ الدارقطنيُّ في (السنن 545) قال: حدثنا محمد بن الحسن النقاش، نا عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، نا رجاء بن مُرَجًّى الحافظ، قال:((اجتمعنا في مسجدِ الخَيْفِ أنا، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وعليُّ بنُ المدينيِّ، ويحيى بنُ مَعِينٍ، فتناظروا في مَسِّ الذكرِ، فقال يحيى: يُتَوَضَّأُ منه. وقال عليُّ بنُ المدينيِّ بقولِ الكوفيين وتقلَّدَ قولهم. واحتجَّ يحيى بنُ مَعِينٍ بحديثِ بُسرةَ بنتِ صفوان. واحتجَّ عليُّ بنُ المدينيِّ بحديثِ قيسِ بنِ طَلْق، وقال ليحيى: كيف تتقلَّد إسناد بسرة، ومروان أرسلَ شرطيًّا حتى رَدَّ جوابها إليه؟ ! فقال يحيى: وقد أكثر الناس في قيس بن طَلْق، ولا يُحتجُّ بحديثه! فقال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: كلا الأمرين على ما قلتما)).
ورواه الحاكمُ في (المستدرك 488) -وعنه البيهقيُّ في (السنن الكبير 655) -، وغيرُهُما، من طريق النقاش، به.
ففي هذه الحكاية أن ابنَ مَعِينٍ رَدَّ حديث بسرة لكون مروان أرسل شرطيًّا.
وقال إبراهيمُ الحربيُّ: ((حديث بسرة إنما هو عن شرطي)) (شرح مختصر الطحاوي للجصاص 1/ 398) و (التجريد للقدوري 1/ 186)، وغيرهما.
وقال الطحاويُّ: ((فإن كان مروان خبره في نفسه عند عروة غير مقبول فخبر
شرطيه إيَّاه عنها كذلك أحرى أن لا يكون مقبولًا)) (شرح معاني الآثار 1/ 71).
وقال أبو بكرٍ الجصاصُ: ((وأما ما رُوي منَ الأخبارِ في الوضوء من مسِّ الذكرِ، فإنها كلها واهية ضعيفة لا يَثبتُ بمثلها حكم
…
)) إلى أن قال: ((وحديث الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ عن بسرة رضي الله عنها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا أصله عن شرطي عن بسرة؛ لأن مروان رواه لعروة، فلم يرفع عروة بحديثه رأسًا، فبعثوا شرطيًّا إلى بُسرةَ، فأخبر عنها الشرطي بذلك، كذلك رُوي في الحديث)) (شرح مختصر الطحاوي 1/ 394)، وبنحوه قال القدوري في (التجريد 1/ 185).
وقد اعترضَ الإسماعيليُّ رحمه الله تعالى على البخاريِّ في إخراجِ حديث ابن أبي مُليكة، أن علقمة بن وقاص أخبره أن مَرْوَانَ قال لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ- مُعَذَّبًا، لنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ
…
الحديث.
فقال ما نصُّه: ((رحمَ اللهُ أبا عبد الله، فإنه أخرجَ هذا الحديث في (الصحيح) مع الاختلاف فيه على ابنِ جُريجٍ، فقال عَبْدُ الرَّزَّاقِ وهشامٌ: عنه، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة. وقال حجاج: عنه، عن ابن أبي مليكة، عن حميد بن عبد الرحمن)).
قال: ((ثم إن مرجعَ الحديثِ إلى بوَّابِ مروانَ عنِ ابنِ عباسٍ. وبوَّابُ مروانَ وحرسيه بمنزلة واحدة، ثم لم يَذكر -يعني البخاريَّ- حديث عروة
عن مروان عن بسرة بنت صفوان في مَسِّ الذَّكرِ، ولا فَرْقَ بينهما، إلا أن البوَّابَ مسمّى والحرسي غير مسمى، وكلاهما غير معروف. فاللهُ يغفرُ لنَا ولَهُ)).
(مراسلة البُلقيني لابنِ حَجرٍ- ضمن الجواهر والدرر في ترجمة شيخِ الإسلامِ ابنِ حَجرٍ 1/ 341).
وقال البيهقيُّ: ((والذي يخالفه يَطعنُ فيه بأنَّ عروةَ بنَ الزبيرِ جعلَ يماري مروان بن الحكم في ذلك، حتى دعا رجلًا من حرسه فأرسله إلى بسرة يسألها عما حدَّثتْ من ذلك، فأرسلتْ إليه بسرةُ بمثل الذي حَدَّثَه عنها مروانُ)) (معرفة السنن 1/ 385).
وقال أبو العباسِ الدَّاني: ((وهكذا رسولُهُ، لأنه كان شرطيًّا له، مع كونه مجهولًا غير معروف)) (الإيماء 4/ 262).
وقال القرافيُّ: ((إنه -أي: مروان- أرسلَ رجلًا من الشُّرَط لينقل له ما أنكره عليه عروة
(1)
والرجلُ مجهولٌ)) (الذخيرة 1/ 221).
وقال ابنُ سَيدِ النَّاسِ -تعقيبًا على تصحيحِ أحمدَ المتقدم-: ((وتصحيحه بما سيأتي ذكره أَوْلى من تصحيحه بهذا؛ لِما فيه من الاعتراض بالشرطي الذي هو واسطة بين مروان وبسرة
…
))
وقال: ((وإذا صَحَّ الحديثُ بالطرقِ التي ذكرناها، وبتصحيح منَ الأَئمةِ الذين ذكرناهم؛ فغير مُجْدٍ بعد ذلك الطعن فيه بالخلاف الواقع في الطرق الخارجة عنه هذه، أو دخول الشرطي في إبلاغه بين عروة وبسرة، أو بين
(1)
وقع في المطبوع: ((طلحة)) وليس له وجه، والمثبت هو الصواب.
مروان وبسرة، وما أشبه ذلك من الاعتلال، فالضعيفُ لا يُعِلُّ الصحيح، وقد ثبتَ استغناء الخبر عن الشرطي المجهول، وعمن أرسل الشرطي الذي طعن به يحيى بنُ مَعِينٍ على الحديثِ، وقد ذُكِرَ عنه أنه قال: أيُّ حديثٍ حديث بسرة! ! لولا قاتل طلحة في الطريق)) (النفح الشذي 2/ 270، 273).
وقال في (الأجوبة 2/ 136): ((أَعَلَّ قومٌ حديثَ بسرةَ هذا بالحرسي رسول مروان وما يحتمله من الجهالة)).
ولكنه قال في موضعٍ آخرَ: ((ذكرنا أن عروةَ رضي قولَ الحرسي وقَبِله ورجع إليه)) (النفح 2/ 300).
وقال المغربي: ((وقد قيل: إن مروانَ حَدَّثَ به عروة، فاستراب في ذلك عروة، فأرسلَ مروانُ رجلًا من حرسه إلى بُسْرةَ، فعادَ إليه بأنها ذكرتْ ذلك. وهذا أيضًا لا يفيدُ فإن ذلك الحَرَسِي مجهولٌ)) (البدر التمام شرح بلوغ المرام 2/ 33).
قلنا: ولكن أجابَ ابنُ القصَّار على هذه العلةِ، فقال:
((فإن قيل: هذا حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنه رُوِي عن رجلٍ حرسي.
قيل: قد ذكرنا أن عروةَ لقيها فسألها بعد الحرسي. على أن هذا الحرسي كان قاضيًا ولم يكن شرطيًّا. وعلى أن الشرطيَّ في ذلك الوقت لم يكن يلي الشرطة إلا وهو ممن يجوزُ أن يلي الأحكام، ويَروي الحديثَ ويُقبل منه، ولو لم يكن ثقة لم يَرْضَ به عروة ومروان.
على أنه رُوِي أن الواسطةَ كان حرسيًّا، ورُوِي مطلقًا بلا واسطة، ولا سيما حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ عن مروان)) (عيون الأدلة 1/ 447).
وقال الماورديُّ الشافعيُّ: ((فإن قيل: فلما رواه مروان لعروة قال له عروة: إني أشتهي أن تُرْسِلَ إليها وأنا شاهد. فأرسلَ إليها حرسيًّا فأتى من عندها فقال: قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، والحرسي شرطي لا يُقبل له حديث ولا يُحتجُّ عنه برواية لشهرة فسقه.
قيل: قد كان أهل الحرس في ذلك الزمان أهل عدالة وأمانة. ولولا أنه كان بهذه الحال لم يقنعْ عروةُ بخبره ويَستظهر به على مروان)) (الحاوي 1/ 192).
وقال البيهقيُّ: ((ومعروفٌ عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ أنه صارَ إلى هذا الحديثِ. ولولا ثقة الحرسي عنده لما صارَ إليه)) (معرفة السنن 1/ 386).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((ومن قال في حديث بسرة: (إنه عن حَرَسِيٍّ)، جاهلٌ مُتَعَسِّفٌ لا يدري؛ وذلك أنه اعتلَّ بعلةٍ لو تدبرها أمسك عنها
…
)).
وقال: ((وإرسالُ من أرسلا إلى بسرة -حرسيًّا كان أو شرطيًّا- لا يقدحُ فيما صحَّ من سماعِ مروانَ له من بسرةَ، بل يَزيده قوة. وهذا ما لا خفاءَ به على من له أدنى علم ومعرفة)) (الاستذكار 3/ 28 - 29).
وقال الحازميُّ: ((وأما ما رُوِي بأن عروةَ جعل يماري مروان في ذلك، حتى دعا رجلًا من حرسه فأرسله إلى بسرة يسألها- فغير قادح في المقصود؛ لصيرورة عروة إلى هذا الحديثِ، ولولا ثقة الحرسي عنده لما صار إليه)) (الاعتبار، صـ 45).
وقال النوويُّ: ((فإن قالوا: حديث بسرة رواه شرطي لمروان عن بسرة، وهو مجهولٌ. فالجواب أن هذا وقع في بعض الروايات وثبتَ من غير رواية الشرطي)) (المجموع 2/ 42).
وقال القرافيُّ: ((الرجلُ معلومٌ عند عروةَ، وإلا لما حَسُنت إقامة الحجة عليه به)) (الذخيرة 1/ 222).
قلنا: قد أجاب مُغَلْطَايْ عن قول مَن تقدَّم، فقال:((ولسنا ممن يَعتمدُ على قولِ البيهقيِّ في المعرفة، ولولا ثقة الحرسي عند عروة لما قَبِله لعدم صحة هذا الكلام؛ لأنا لا نقبل ذلك إلا بعد معرفة عينه وحاله أو ما يقوم مقامهما)) (شرح ابن ماجه 1/ 540).
وقال العينيُّ: ((وأما شرطي مروان فإنه مجهولٌ. وقول البيهقيِّ في كتاب (المعرفة): ولولا ثقة الحَرَسِيِّ عنده -أي: عند عروة بن الزبير- لما صارَ إليه -أي: إلى حديث بسرة- غير مُسَلَّم؛ لأن عروةَ لم يقنعْ بخبره، ولو كان ثقة عنده لاكتفى بمجرد خبره، ولا كان يسأل عن بسرة بنفسه. ثم هو لم يقنعْ بخبرِ مروانَ الذي هو أقوى من خبرِ شرطيه، فكيف يقنع بخبر وهو أدنى من خبر مروان؟ ! )) (نخب الأفكار 2/ 84).
قلنا: وما أسندَهُ الدارقطنيُّ والحاكمُ وغيرُهُما إلى عليِّ بنِ المدينيِّ ويحيى بنِ مَعِينٍ- لا يصحُّ؛ إذ في إسنادِهِ محمد بن الحسن النقاش، المقرئ والمفسر المشهور، فإنه متَّهمٌ.
قال طلحة بن محمد الشاهد: ((كان النقاشُ يَكذبُ في الحديثِ، والغالبُ عليه القصص)).
وقال البَرْقاني: ((كلُّ حديثِ النقاشِ منكرٌ)).
وقال أيضًا: ((ليس في تفسيره حديث صحيح. ووهاه الدارقطنيُّ)).
وقال أبو القاسم اللالكائي: ((تفسير النقاش إشْفَى
(1)
الصُّدور، وليس بشفاء
(1)
الإشفى: إبرةُ الخيَّاط.
الصُّدور)).
وقال الخطيبُ: ((في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة)). انظر (لسان الميزان 7/ 78).
وقال الذهبيُّ: ((مع جلالته ونبله فهو متروكُ الحديثِ)) (تذكرة الحفاظ 3/ 83).
وكذا شيخه السرخسي، مُتَّهمٌ، قال ابنُ عَدِيٍّ:((ولي قضاء جرجان قديمًا، ثم قضاء طبرستان بعد ذلك، وحَدَّثَ بأحاديثَ لم يتابعوه عليها، وكان مُتَّهمًا في روايته عن قوم أنه لم يلحقهم؛ مثل علي بن حجرٍ وغيره)) (الكامل 7/ 106).
ولذا قال ابنُ عبدِ الهادِي: ((وهذه الحكاية بعيدة من الصحة من وجوه عديدة، وقد تفرَّدَ بها عبد الله بن يحيى السرخسي، وهو مُتَّهمٌ، قال أبو أحمدَ بنُ عَدِيٍّ في كتاب (الكامل): عبد الله بن يحيى بن موسى أبو محمد السرخسي، ولي قضاء جرجان قديمًا، ثم قضاء طبرستان بعد ذلك، وحَدَّثَ بأحاديثَ لم يتابعوه عليها، وكان مُتَّهمًا في روايته عن قومٍ أنه لم يلحقهم؛ مثل علي بن حجرٍ وغيره)) (تعليقه على العلل، صـ 94).
وقال الذهبيُّ: ((هذا في سندِهِ محمد بن الحسن النقاش، وهو هالكٌ)) (المهذب 1/ 142).
وقال ابنُ التركماني عن سندِهِا: ((ذَكَر البيهقيُّ ذلك بسندٍ فيه محمد بن الحسن النقاش المفسر، وهو من المتهمين بالكذبِ. وقال البَرْقانيُّ: كلُّ حديثِهِ مناكيرُ، وليس في تفسيره حديث صحيح. وروى النقاشُ كلامَ ابنِ مَعِينٍ هذا عن عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، وعبد الله هذا قال فيه ابنُ عَدِيٍّ: كان مُتَّهمًا في روايته عن قوم أنه لم يلحقهم. وقد ذكرنا عن
ابنِ مَعِينٍ أنه وَثَّق قيسًا، بخلاف ما ذُكِر عنه في هذا السندِ الساقطِ)) (الجوهر النقي 1/ 135).
قلنا: وقد أجابَ ابنُ دقيقِ العيدِ على من اعتلَّ بالشرطي بجوابٍ آخرَ، فقال:((وقد تقدَّمَ على إخبار الشرطي إخبار مروان عن بسرة. هذا ما في الرواياتِ المشهورة، وأقرب الروايات لفظًا لأن يعتل به أمر الشرطي، على ما ذكره الطبرانيُّ من رواية أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، عن عثمان بن عمر، عن هشام بن حسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَسَأَلَنِي عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الوُضُوءِ، فَدَعَا مَرْوَانُ بَعْضَ شُرْطَتِهِ فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)). فليس في هذه الرواية ذكر إخبار مروان عن بسرة، لكن قد صَحَّ ذلك من غير هذا الوجه في هذه الرواية، كما ذكرناه من حديث مالك. والحديث إذا جُمِع بين طرقه تبين فيه صوابه)) (الإمام 2/ 294 - 295).
وما ذَكَره من روايةِ الطبرانيِّ لا تصحُّ، وسيأتي تخريجُها قريبًا.
وقوله بتقدم رواية مروان عن بسرة لا يصلحُ لطعن مَن تقدم في مروان نفسه.
قلنا: وثَمَّ وجهٌ آخرُ أُجيبَ به على مَن اعتلَّ بمروان والشرطي، وهو أن عروةَ بنَ الزبيرِ ذهبَ إلى بُسرةَ بنتِ صفوان حتى شافهته بالحديثِ. فسقطَ الاحتجاج بمروانَ والشرطيِّ.
واستدلوا لذلك بما رواه ابنُ الجارودِ في (المنتقى 18) قال: حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر قال: ثنا ابن أبي فُدَيْك، عن ربيعة بن عثمان،
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، قال عروةُ: سألتُ بسرةَ فصَدَّقته.
ورواه ابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1108) من طريق شعيب بن إسحاق، عن هشام، به. ولكن قال:((فأنكر ذلك عروة، فَسَأَلَ بُسْرةَ فصدَّقته)).
قلنا: وهذا اللفظُ محتمل-أي: في ضمير (سأل) - أن يكون الذي سأل هو مروان أو عروة، بخلاف رواية ربيعة المتقدمة. وتقدَّمَ أن الذي سأل هو ((الشرطي)) بأمر مروان. ولكن فَهِم غَيرُ واحدٍ من رواية شعيب أن الذي سَأَلَ هو عروة، كما سيأتي.
وثَمَّ طرق أخرى وخلافات كثيرة على هشام، سيأتي تخريجها والكلام عليها قريبًا.
قلنا: فأبانتْ روايةُ ابنِ الجارودِ أن عروةَ سمعه مِن مروانَ أولًا ثم سمعه بَعْدُ من بُسْرةَ مشافهة، وذلك قوله:((سِأَلْتُ بُسرةَ فصدَّقته)).
فذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى تصحيحِ الحديثِ بذلك:
قال ابنُ خُزيمةَ: ((وبقول الشافعيِّ أقولُ؛ لأن عروةَ قد سمعَ خبرَ بسرة منها، لا كما توهم بعضُ علمائنا أن الخبرَ واهٍ لطعنه في مروانَ)) (الصحيح 1/ 136).
وقال ابنُ حِبَّانَ: ((وأما خبر بسرة الذي ذكرناه، فإن عروة بن الزبير سمعه من مروان بن الحكم عن بسرة. فلم يقنعه ذلك حتى بَعَثَ مروانُ شرطيًّا له إلى بُسْرةَ فسألها، ثم أتاهم فأخبرهم بمثل ما قالتْ بسرة، فسمعه عروةُ ثانيًا عن الشرطي عن بسرة. ثم لم يقنعه ذلك حتى ذهب إلى بسرة فسمع منها. فالخبرُ عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ متصلٌ ليس بمنقطعٍ، وصارَ مروانُ والشرطيُّ
كأنهما عاريتان يسقطان من الإسناد)) (الصحيح 2/ 286).
وقال في (المجروحين 1/ 107): ((إنما عروةُ سَمِعَ الخبرَ من مروانَ ثم من شرطيٍّ له، ثم ذَهَبَ إلى بُسْرةَ، فَسَمِعَ منها)).
وقال الدارقطنيُّ: ((فلما نظرنا في ذلك وبحثنا عنه، وجدنا جماعةً من الثقاتِ الحفاظِ؛ منهم شُعيب بن إسحاق الدمشقي، وربيعة بن عثمان التيمي، والمنذر بن عبد الله الحِزَامي، وعنبسة بن عبد الواحد الكوفي، وعلي بن مُسْهِر القاضي الكوفي، وحُميد بن الأسود أبو الأسود البصري، وزُهير بن معاوية الجُعْفي، فرووا هذا الحديثَ عن هشامٍ، عن أبيه، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، ذكروا في روايتهم في آخر الحديث أن عروةَ قال: ثم لقيتُ بسرة بعد فسألتها عن الحديث، فحدثتني به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدَّثني مروانُ عنها.
فدلَّ ذلك من رواية هؤلاء النفر على صحة الروايتين الأوليين جميعًا، وزال الاختلافُ والحمد لله، وصَحَّ الخبرُ وثبتَ أن عروةَ سمعه من بُسْرةَ، شافهته به بعد أن أخبره مروانُ عنها بعد إرساله الشرطي إليها)) (العلل 9/ 316 - 317).
وقال ابنُ القصار: ((فإن قيلَ: هذا حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنه رُوِي عن رجلٍ حَرَسِي. قيل: قد ذكرنا أن عروةَ لقيها فسألها بعد الحرسي)) (عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار 1/ 447).
وقال الحاكمُ -بعد ذكر الخلاف فيه-: ((فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَا جَمَاعَةً مِنَ الثِّقَاتِ الحُفَّاظِ رَوَوْا هَذَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ. ثُمَّ ذَكَرُوا فِي رِوَايَاتِهِمْ أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ: ثُمَّ لَقِيتُ بَعْدَ ذَلِكَ بُسْرَةَ فَحَدَّثَتْنِي
بالحديثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَدَّثَنِي مَرْوَانُ عَنْهَا. فَدَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الحَدِيثِ وَثُبُوتِهِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَزَالَ عَنْهُ الخِلَافُ وَالشُّبْهَةُ، وَثَبَتَ سَمَاعُ عُرْوَةَ مِنْ بُسْرَةَ)) (المستدرك 1/ 469 - 470).
ووافقه البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 233 - 234).
وقال البيهقيُّ في (معرفة السنن 1/ 413): ((وإذا ثبتَ سؤالُ عروة بسرة عن هذا الحديثِ، كان الحديثُ صحيحًا على شرطِ البخاريِّ، ومسلمٍ جميعًا)).
وصَحَّحَهُ بهذه القرينة -أيضًا-: ابنُ حزمٍ في (المحلى 1/ 240)، وابنُ سَيدِ النَّاسِ في (الأجوبة 2/ 136)، والنفح الشذي (2/ 272 - 273)، وابنُ القيمِ (حاشية على سنن أبي داود 1/ 308)، والألبانيُّ (صحيح أبي داود - الأم 1/ 328)، وغيرُهُم.
قلنا: وما ذكروه يكادُ يصحُّ لهم، لولا علة فيما استدلوا به تَحُول دون تصحيحه، وهي ما سنبينه في الأمر الثالث.
الأمر الثالث: كثرة الخلاف في إسنادِهِ ومتنه على عروةَ، حتى نُسِبَ إلى الاضطرابِ.
وذلك أن الحديثَ رواه عن عُرْوةَ جماعة، منهم عبد الله بن أبي بكر، وهشام بن عروة، وغيرُهُما:
أما عبد الله بن أبي بكر، فرواه عنه جماعةٌ، وهم:
مالك بن أنس، كما في روايتنا هذه، فرواه عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ قال: دَخَلْتُ على مروانَ بنِ الحكمِ، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء
…
الحديث، وفيه ذَكَرَ سماعَ مروان من بسرة الحديث. كما هو مبين في خانة السند.
وقد جاءتْ رواية عن مالكٍ، بإسقاطِ مروانَ، ولكنها لا تصحُّ لكثرة من رواه عن مالكٍ بإثبات مروان. وانظر (العلل للدارقطني 9/ 318).
وتابع مالكًا على سنده محمدُ بنُ إسحاقَ، كما عند الدارميِّ في (مسنده 743) قال: أخبرنا أحمد بن خالد الوَهْبي، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان بن الحكم، عن بسرة بنت صفوان، أنها سمعتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
ورواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 502)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 341) من طريقين عن ابنِ إسحاقَ، به.
ولكن ابن إسحاق اختصرَ الحديث فلم يذكر المذاكرة.
قال أبو محمدٍ الدارميُّ: "هذا أوثقُ في مَسِّ الفرجِ. أو قال: الوضوءُ أثبتُ".
وتابعه أيضًا عمرو بن الحارث، كما عند الطبرانيِّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 499).
واختصرَ الحديثَ فلم يذكرِ المذاكرة.
وخالفَ لفظُه لفظَ مالك وابن إسحاق، حيث قال:((وَمَنْ مَسَّ الذَّكَرَ يَتَوَضَّأُ)).
وهذا يختلف عن لفظ مالك ومن تابعه، حيثُ جعلَ المسَّ عامًّا، يشملُ مَن مَسَّ ذَكَره ومَن مَسَّ ذَكَر غيره.
وتابع عَمْرًا على هذا المتنِ عمر بن محمد بن زيد العمري، كما عند الطبرانيِّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 498)، والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 340).
وفي السندِ إليه ضعف.
وعثمان بن الضحاك، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 340). وفي السندِ إليه ضعف.
وكلاهما (عمر وعثمان) خالف الجميع في الإسناد فأسقطا ((مروان)).
ورواه الضحاك بن عثمان، واختُلف عليه:
فرواه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3229)، والطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 501) من طريقِ يعقوبَ بنِ حُميدٍ، عن ابنِ أبي فُدَيْك، عن الضحاك بن عثمان، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بسرةَ بنتِ صفوان، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
فوافق لفظَ مالك وابن إسحاق في إسنادِهِ ومتنه.
بينما رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 340)، من طريق إبراهيم بن حمزة، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، قال: حدثني الضحاك بن عثمان، عن عبد الله بن أبي بكر، عن محمد بن عروة بن الزبير، أنه دخل على أبيه وهو أمير المدينة
(1)
فذكروا ما يجب منه الوضوء، فقال عروةُ: أخبرتني بسرة بنت صفوان، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
هكذا وقعَ في العللِ، ورواه البيهقيُّ في (الخلافيات 509)، من طريقِ إبراهيم بن حمزة، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن الضحاك بن عثمان،
(1)
قال المحقق: ((هكذا قرأت العبارة في الأصل، وقد يكون الصواب: وهو عند أمير المدينة)).
عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ أنه دخل على ابنه محمد -وهو أمير المدينة- فسأله: ما يجبُ منه الوضوء؟ فقال عروة
…
الحديث.
ولعلَّ ما في (العلل) هو الصوابُ لكثرةِ الأخطاءِ في نسخةِ (الخلافياتِ).
فخالفَ مالكًا سندًا ومتنًا، فأسقط مروان، وجعل المذاكرة بين عروة وابنه محمد.
ورواه إسماعيلُ ابنُ عُليَّة، فوافقَ مالكًا في إسنادِهِ، وخالفه في المتنِ، فقال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: سمعتُ عروةَ بنَ الزبيرِ يُحَدِّثُ أبي قال: ذَاكَرَنِي مَرْوَانُ مَسَّ الذَّكَرِ، فَقُلْتُ: لَيْسَ فِيهِ وُضُوءٌ. فَقَالَ: إِنَّ بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ تُحَدِّثُ فِيهِ. فأَرْسَلَ إليها رَسُولًا، فذَكَر الرَّسُولُ أَنَّها تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
رواه أحمدُ في (المسند 27293)، وابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 1737)، وغيرُهُما.
فزادَ في المتنِ: ((فأَرْسَلَ إليها رَسُولًا، فذَكَر الرَّسُولُ أنها تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ)).
وليس في روايته تصريح مروان بسماع الحديث من بسرة، إنما قال:((إن بسرة بنت صفوان تُحَدِّثُ فيه)).
وهذا محتملٌ؛ لأن يكون سمعه من بسرة أو ممن سمعه من بسرة، فحكى مروانُ أنها تُحَدِّثُ فيه؛ ولذا أَرْسَلَ إليها الرسولُ ليتأكد من قولها.
وراه ابنُ عيينةَ، واختُلف عليه في إسنادِهِ:
فرواه عنه أحمدُ في (المسند 27294).
والحميديُّ في (المسند 355).
وزهيرُ بنُ حربٍ، كما عند ابنِهِ أحمدَ في (التاريخ - السِّفر الثالث 3067).
وابنُ المقرئ، كما عندَ ابنِ الجارودِ في (المنتقى 16).
ومحمد بنُ زنجويه كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 339).
خمستُهُم رووه عن ابنِ عيينةَ (واللفظ للحميدي) قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر قال: تذاكر أبي وعروة بن الزبير ما يُتَوَضَّأُ منه، فذَكَرَ عروةُ مَسَّ الذَّكرِ، فقال أبي: إن هذا لشيء ما سمعتُ به! قال عروةُ: بَلَى، أخبرني مروانُ بنُ الحكمِ أنه سمعَ بُسْرةَ بنتَ صفوان تقولُ: سمعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)) فقلتُ لمروانَ: فإني أشتهي أن تُرْسِلَ إليها! فأَرْسَلَ إليها -وأنا شاهدٌ- رجلًا -أو قال: حرسيًّا- فجاءَ الرَّسُولُ من عندها فقال: إنها قالتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
فوافق مالكًا في إسنادِهِ، وخالفه في المتنِ:
حيث زادَ إرسال الحرسي.
وجَعَل المذاكرة بين أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعروة، بخلاف رواية مالك حيث فيها المناظرة بين عروة ومروان.
وخالفَ (الخمسةَ) في سندِهِ إسحاق بن راهويه، فقال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر قال: التقى أبي وعروة فذكرا مَسَّ الذكر، فقال أبي: لم أسمعْ بشيءٍ! قال عروة: وأنا لم، أسمع فيه بشيءٍ! فأَرْسَلَ إلى بُسْرةَ فأخبرتْ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). رواه إسحاقُ في (مسنده 2171).
فلم يذكر مروان، وليس في روايته سماع عروة من بسرة، وإنما فيه إرسال الرسول، دون تعيين من أرسله.
وتابع إسحاقَ على عدم ذكر مروان: قتيبة بن سعيد، كما عند النسائيِّ في (السنن 450). ولكن روايته مختصرة ليس فيه ذكر المذاكرة.
وكذا تابعهما: أبو عُبَيْد القاسم بن سَلَّام، كما عند ابنِ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 187).
قال ابنُ عبدِ البرِّ: ((وفي رواية ابنِ عيينةَ لهذا الحديثِ ما يدلُّ على أنه جائزٌ أن يَروي عروة هذا الحديثَ عن بُسْرةَ، وقد رواه عنه كذلك قوم، وكذلك حَدَّثَ به أبو عُبَيْد)).
ورواه سفيانُ الثوريُّ، واختُلفَ عليه:
فرواه أبو حذيفةَ النهديُّ عنه، فقال: عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن بسرة، به مختصرًا، لم يذكر مروان. رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 497). والنهديُّ ضعيفٌ.
[تنبيه]:
ذَكَر الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 318) أن روايةَ أبي حذيفة فيها ذِكر (مروان) ولم نقفْ عليها.
ورواه قَبيصةُ، واختُلفَ عليه:
فرواه إبراهيمُ بنُ هانئ، عن قَبيصةَ، عن سفيانَ، به، كما رواه أبو حذيفةَ ليس فيه (مروان). رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 139).
وخالف إبراهيمَ غَيرُ واحدٍ، فرووه عن قَبيصةَ عن سفيانَ، به. وقالوا:((عَمْرة)) بدل: ((عروة)) ولم يذكروا ((مروان)). رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 139)
من طرقٍ عن قَبيصةَ، به.
قال الدارقطنيُّ: ((وأصحابُ قَبيصةَ يروونه عن قَبيصةَ، عن الثوريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عَمْرة، عن بُسْرةَ. ولم يُتابَعْ قبيصةُ على هذا القولِ، وهو وهم منه)) (العلل 9/ 319).
ورواه عَبَّاد بن موسى أبو عقبة القرشي، عن الثوري، عن هشام، وعبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن عائشة.
هكذا عَلَّقَهُ الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 319)، ثم أسندَهُ في (العلل 9/ 339) من طريق محمد بن صالح الزارع، قال: حدثنا عبد الله
(1)
بن موسى القرشي، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، وعبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، به، مختصرًا.
قلنا: وستأتي روايةُ الثوريِّ عن هشامٍ وحده، ليس فيها عبد الله، قريبًا.
ورواه شعبة بن الحَجاج، واختُلف عليه:
فرواه أبو داود الطيالسيُّ في (مسنده 1762) قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله، أو محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، أن مَرْوانَ أرسلَ إلى بُسْرةَ بنتِ صفوان يسألها، فحَدَّثتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
فليس في روايته هذه سماع مروان أو عروة من بُسْرةَ، إنما اقتصرَ على إرسالِ الشرطي.
وخالفَ أبا داود أبو عَتَّاب الدَّلَّال، فرواه عن شُعْبةَ، عن عبد الله بن
(1)
هكذا جاء، والصواب (عَبَّاد) كما في الموضع الأول.
أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ بنتِ صفوان، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). رواه أبو علي بن شاذان في (الأول من حديثه، انتقاء أبي القاسم الأزجي، ق 123/ب).
وتابع أبا عتَّاب عبدُ الصمدِ بنُ عبدِ الوارثِ، ولكن قال: عن شُعْبةَ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ. قال ذلك أبو قِلابةَ عنه. ذَكَره الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 319).
وخالفهم سعيد بن سفيان الجَحْدَري: فرواه عن شُعْبةَ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: سمعتُ عروةَ يقولُ: أرسلَ مروانُ إلى بُسْرةَ، فسألها
…
الحديث، كما ذكره أبو داود الطيالسيُّ، ولكن بلا شك في سنده. رواه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ رقم 503).
وخالف الجميعَ غُنْدَرٌ ومعاذٌ وغيرُهُما، فقالوا: عن شُعْبةَ، عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، سَمِعَ عروةُ بنُ الزبيرِ يقولُ: بَعَثَ مَرْوانُ إلى بُسْرةَ بنتِ صفوان
…
الحديث بلفظ أبي داود الطيالسيِّ، ولكن بلا شَكٍّ في سندِهِ.
رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 342) من طريق غُنْدرٍ، به.
ورواه أبو عليِّ بنِ شَاذان في (الأول من حديثه، انتقاء أبي القاسم الأزجي، ق 120/أ) من طريقِ معاذٍ، به.
فاقْتَصَرَ في هذه الروايةِ على إرسالِ الشرطيِّ.
قال الدارقطنيُّ: ((ورواه معاذ بن معاذ، وغندر، والنضر بن شُمَيْل، عن شُعْبةَ، عن محمد بن أبي بكر، بغير شك)) (العلل 9/ 319).
ورواه الزهري، واختُلف عليه:
فرواه شعيب بن أبي حمزة عنه، قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ذَكَر مروان في إمارته على المدينة أنه يُتوضأ من مسِّ الذَّكَر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرتُ ذلك، فقلتُ: لا وضوءَ على مَن مَسَّهُ! فقال مروانُ: أخبرتني بُسْرةَ بنتُ صفوان أنها سمعتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكرَ ما يُتوضَّأُ منه، فقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
قال عروةُ: ((فلم أزل أماري مروان حتى دَعَا رجلًا من حرسه، فأرسله إلى بُسْرةَ، فسألها عما حَدَّثتْ مروان، فأرسلتْ إليه بُسْرةَ بمثل الذي حدَّثني عنها مروانُ)).
رواه النسائيُّ في (السنن 169، والكبرى 204)، وأحمدُ في (المسند 27296)، وغيرُهُما، من طرقٍ عن شعيبٍ، به.
فوافقتْ رواية شعيب عنِ الزهريِّ مالكًا في الإسناد، ولكن خالفه في المتن:
حيث زاد (الحرسي)، وقال:((وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)) وهذا لفظ عام يشمل ذكر الرجل أو ذكر غيره.
كما أن في هذه الرواية تصديقًا لمن يقول: إن عروة أنكره، ولا يقالُ: قَبل أن يُخْبِر مروان عن بُسْرةَ؛ إذ إن عروةَ لو كان قَبِله لمجرد تحديث مروان به، ما قال:((فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلًا من حرسه)).
وتابع شعيبًا على الإسنادِ والمتنِ:
يونس بن يزيد، كما عند ابنِ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3227)، والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 342 - 343)، وغيرهما.
وعُقيل بن خالد، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 344).
وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، كما عند الطبرانيِّ في (الكبير 24/ رقم 492)، والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 345).
وهَبَّار بن عقيل، وعبيد الله بن أبي زياد الرُّصَافي، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم.
ثلاثتهم، أخرجَ روايتهم الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 346 - 347).
وتابعهم أيضًا إسحاق بن راشد، كما عند ابنِ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 188) من طريق عمرو بن قُسَيْط أبي علي الرَّقِّي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن راشد، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر
…
فذكر الحديثَ مثله سواء بمعناه إلى آخره، وزاد قال:((وكانت بُسْرةَ خالة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان)).
ورواه أحدُ الضعفاءِ وهو عمرو بن عثمان الكِلَابي الرَّقِّي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي بإسنادِهِ، ومتنه، فقال:((عن أبي بكر بن عمرو بن حزم)) بدل: ((عبد الله بن أبي بكر)).
رواه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3221)، والطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 489) من طريقين عن عمرو بن عثمان الكلابي، به.
وهذا خطأٌ؛ ولذا جزمَ الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 320) برواية ابن راشد مع شعيب ومَن تابعه على قول: ((عبد الله بن أبي بكر)).
ورواه الليث بن سعد، عنِ الزهريِّ، واختُلف عليه:
فرواه عنه:
شعيب بن الليث، كما عند الطحاويِّ في (شرح معاني الآثار 1/ 72).
وعبد الله بن صالح، كما عند الطبرانيِّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 490)، وغيره.
وشعيب بن يحيى، كما عند الطبرانيِّ في (الكبير 24/ 490)، وغيره.
وموسى بن داود، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 345).
أربعتهم رووه عن الليث عنِ الزهريِّ عن عبد الله بن أبي بكر بإسنادِهِ. كما رواه الجماعةُ عنِ الزهريِّ، ولكن بلفظ:((ذَكَر رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما يُتوضَّأُ منه، فذَكَرَ مَسَّ الذَّكرِ)). وهذا عام يشملُ ذَكَرَ الرجلِ وذَكَرَ غيرِهِ.
وخالفهم قتيبةُ بنُ سعيدٍ: فرواه عن الليث، عن ابن شهاب، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن مروان بن الحكم أنه قال: الوضوءُ من مَسِّ الذَّكرِ. قال مروانُ: أَخْبَرَتْنيه بُسْرةَ بنتُ صفوان. فأَرْسَلَ عروةُ قالتْ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما يُتوضَّأُ منه؟ فقال: ((مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
ورواه معمر بن راشد عنِ الزهريِّ، واختُلف عليه:
فرواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنه، واختُلف عليه:
فرواه يعقوب بن حميد، عن عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم نحو حديث شعيب بن أبي حمزة. رواه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3224).
وتابع عَبْدَ الرَّزَّاقِ على هذا الوجهِ الواقديُّ، كما عندَ ابنِ سعدٍ في (الطبقات 10/ 233).
وخالف يعقوبَ: إسحاقُ بنُ إبراهيمَ الدَّبَريُّ -راوي المصنف- كما في
(المصنف 414) -ومن طريقه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ رقم 485)، وغيرُهُ-.
والحسينُ بنُ مهديٍّ، كما عند الطحاويِّ في (شرح معاني الآثار 1/ 71).
وأحمد بن منصور، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 348).
ثلاثتهم رووه عن عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ قال: تذاكرتُ أنا ومروانُ الوُضُوءَ من مَسِّ الفرجِ، فقال مروانُ: حدَّثتني بُسْرةُ بنتُ صفوان أنها سمعتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمرُ بالوضوءِ من مَسِّ الفَرْجِ. فكأنَّ عروة لم يقنعْ بحديثِهِ، فأَرْسَلَ مروانُ إليها شرطيًّا، فرجعَ فأخبرهم أنَّها سمعتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمرُ بالوضوءِ من مَسِّ الفَرْجِ.
فخالفَ رواية من تقدَّمَ -إلا رواية قتيبة عن الليث- في إسقاط عبد الله بن أبي بكر. وكذا في المتنِ ذَكَره بلفظ الأمر والعموم في قوله: ((مَس الفَرْجِ)) وهذا يَشْملُ فرج الرجل نفسه أو غيره.
قلنا: وهذا الوجهُ هو الأرجحُ على معمرٍ، فقد تابعه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، كما ذكر الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 321).
وكذا تابعهما: عبد الواحد بن زياد، كما عند الضياءِ المقدسيِّ في (المنتقى من مسموعات مرو، ق 31/ ب-32/أ)، ولكن ذكره بلفظ:((تَوَضَّئُوا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
ورواه سعيدُ بنُ أبي عروبةَ، وقيل: عن شُعْبةَ، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ بلفظ:((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ)) فأسقطَ عبد الله بن أبي بكر ومروان.
رواه النسائيُّ في (السنن 451 - واللفظ له)، والطبرانيُّ في (المعجم
الصغير 1113)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 348 - 349)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 506).
قلنا: ولكن رواية عَبْدِ الرَّزَّاقِ ومَن تابعه هي الأرجح.
ورواه الأوزاعيُّ فقال: عنِ الزهريِّ، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ بنتِ صفوان، أنها سمعتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:((يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
رواه الدارميُّ في (مسنده 742)، وابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3220)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 72)، والطبرانيُّ في (الكبير 24/ رقم 487)، وغيرُهُم.
ورُوي عن الأوزاعيِّ على وجوه أُخَر:
فقيل: عنه، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ. رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 447)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 507) من طريق محمد بن مصعب، عنه، به.
وقيل: عنه، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ. رواه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3223) من طريق عبد الملك بن محمد، عنه، وقَرَن ابن أبي ذئب به.
وقيل: عنه، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ. رواه ابنُ البَخْتَري في (مجموع له 524)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 347) من طريق محمد بن كثير. والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 347) من طريق الوليد بن مسلم. كلاهما عن الأوزاعي، به.
وكُلُّ هذه الأوجه شاذةٌ لا تصحُّ، والصحيحُ عن الأوزاعيِّ ما ذُكِر أولًا.
قال الدارقطنيُّ: ((ورواه الوليد بن مَزْيَد، وإسماعيل بن عبد الله بن سَمَاعة، وعمر بن عبد الواحد، وأبو المغيرة، وابن أبي العشرين، وشعيب بن إسحاق، وعمرو بن أبي سلمة، ورَوَّاد بن الجَرَّاح، ويحيى البابلتي، ومحمد بن بِشْر السّيني. رووه عن الأوزاعي، عنِ الزهريِّ، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ)) (العلل 9/ 321).
ورواه عبد الرحمن بن نمر اليَحْصُبي، رواه عنه الوليد بن مسلم، واختُلف عليه:
فقيل: عن الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن نمر، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، أنه سمع مروان يقول: أخبرتني بُسْرةَ بنتُ صفوان الأسدية، أنها سمعتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمرُ بالوُضُوءِ من مَسِّ الذَّكرِ. والمرأةُ مثل ذلك.
رواه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3231)، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 7/ 162) -ومن طريقه البيهقيُّ في (السنن الكبير 640) - من طريق هشام بن عمار، عن الوليد، به.
ورواه الطبرانيُّ في (مسند الشاميين 2877) -ومن طريقه ابن عساكر- من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي. والبيهقيُّ في (معرفة السنن 1059) من طريق صفوان بن صالح. كلاهما عن الوليد، به.
وقيل: عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن نمر، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ، بمثل ما تقدَّم.
رواه ابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1112) من طريق عبد الله بن أحمد بن ذَكْوان الدمشقي، عن الوليد، به.
وذَكَر الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 321) متابعة محمود بن خالد لابن ذكوان.
وقيل: عن ابن نمر، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ،
عن مروان، عن بُسْرةَ، به.
رواه البيهقيُّ في (السنن الكبير 642) من طريق أبي موسى الأنصاري، عن الوليد، به.
قلنا: وسيأتي تحقيق هذه الروايات في تخريج مستقل إذ فيها لفظة منكرة انفرد بها عبد الرحمن بن نمر، وهي قوله:((والمرأة مثل ذلك)).
ورواه ابنُ أخي الزهري، فقال: حدثنا عمي قال: أخبرني عروة أنه سمع بُسْرةَ بنت صفوان تقول: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)) رواه الخطيبُ في (تاريخ بغداد 10/ 451).
وقوله: ((أخبرني عروة)) وهم، قال الدارقطنيُّ:((ووهم في قوله: (عنِ الزهريِّ)؛ لأن الزهريَّ إنما سمعه من عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ)) (العلل 9/ 321).
ورواه يزيد بن أبي حيبيب عنِ الزهريِّ، فقال: كتبَ إليَّ الزهريُّ أن عروةَ سَأَلَ مروانَ عن الوُضُوءِ من مَسِّ الفَرْجِ، فأخبره مروان بحديثِ بُسْرةَ بنت صفوان فيه، فأنكر ذلك عروة. ثم إن مَرْوانَ أرسلَ إلى بُسْرةَ فجاءته، فحدثته بذلك الحديث، وعنده عروةُ، قالتْ: ذُكِر لرسولِ اللهِ مَسُّ الفَرْجِ فقال: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). رواه ابنُ سَيدِ النَّاسِ في (أجوبته 2/ 136) من طريق يزيد، به.
وهذه الروايةُ شاذةٌ إذِ انفردَ يزيدُ عنِ الزهريِّ في قوله: ((فجَاءتْهُ، وعنده عروةُ)) وهذا ظاهره أن بُسْرةَ أتت مجلس مروان فحَدَّثتْ به في حضور عروة. وهذا لم يقلْه أحدٌ ممن روى الحديثَ عنِ الزهريِّ، فضلًا عن مالكٍ ومَن تابعه.
قلنا: وثَمَّ خلافاتٌ أخرى على الزهريِّ، ولكنا نراها شاذةٌ لا تصحُّ؛ ولذا أعرضنا عن ذكرها.
قال العُقيليُّ: ((الصواب: رواية يونس وعقيل ومَن تابعهما)) (الضعفاء الكبير 3/ 24 - 25).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((وقد روى ابنُ شهابٍ حديثَ مَسِّ الذكرِ عن عُرْوةَ عن مروانَ عن بُسْرةَ. هكذا يرويه أهلُ الحفظِ والإتقانِ عن ابنِ شهابٍ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ. وقد اختُلف فيه عن ابنِ شهابٍ، ولا يصحُّ عنه فيه إلا ما ذكرتُ)).
وقال: ((هذا هو الصحيحُ في حديثِ بُسْرةَ: عروة عن مروان عن بُسْرةَ.
وكلُّ مَن قال خلاف هذا فقد أخطأ فيه عند أهل العلم. والاختلاف فيه كثير على هشام وعلى ابن شهاب، والصحيح فيه عنهما)) (التمهيد 17/ 120، 156).
والذي يتلخص لنا ممن رووا الحديث عن عبد الله بن أبي بكر- أن الحديثَ رُوي عنه على أحوال، وهي:
الأول: عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ.
الثاني: عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ أن مَرْوانَ أرسلَ حارسًا إلى بُسْرةَ.
الثالث: عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ. فأسقط مروان.
الرابع: عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بُسْرةَ. فأنكر عروة فأرسلَ مروان حارسًا يسألها.
وسيأتي عقب ذكر الخلافات على هشام بن عروة أقوال العلماء جملة
حول هذه الخلافات، وما يترجح منها.
أما رواية هشام بن عروة، فاختُلف عليه على أوجه:
الوجه الأول: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بُسْرةَ، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأْ)).
رواه الترمذيُّ في (جامعه 83)، والنسائيُّ في (الكبرى 453)، من طريق يحيى بن سعيد القطان.
ورواه أحمدُ في (المسند 27295) عن يحيى.
ورواه أبو علي الطوسيُّ في (مستخرجه 69)، وغيرُهُ، من طريقِ أيوبَ السَّختياني.
والطحاويُّ في (معاني الآثار 1/ 73) من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي.
وابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1110)، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 8/ 79)، وغيرُهُما من طريقِ علي بن المبارك.
وابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3235)، والطبرانيُّ في (الكبير 24/ 511)، وغيرُهُما، من طريق عبد الحميد بن جعفر.
ومحمد بنُ مَخْلَد العطار في (أحاديث له عن شيوخه 74)، وغيرُهُ، من طريق أبي علقمة الفَرْوي.
والدارقطنيُّ في (السنن 530) من طريقِ ابنِ عيينةَ.
والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 328، 329) من طريق حماد بن سلمة، ومحمد بن عبد الرحمن الطُّفَاوي، وأبي معمر المدني.
والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 329، 331) من طريق أبي معشر يوسف بن يزيد، وعَبَّاد بن صهيب، وهشام بن حسان.
والمخلص في (فوائده 563) من طريق جُنَادة بن مَرْوان.
وابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث 120)، والمخلص في (فوائده 2377) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم.
والطبراني في (المعجم الكبير 24/ رقم 516) من طريق محمد بن دينار.
ستة عشرتهم رووه عن هشام بن عروة، به.
ورجاله ثقات.
ولذا قال الترمذيُّ: ((هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)).
وقال ابنُ الجوزيِّ: ((هذا الإسنادُ لا مطعنَ فيه)) (التحقيق 1/ 176).
قلنا: ولكنه أُعِلَّ بعلتين:
العلة الأُولى: أن هشام بن عروة لم يسمعه من أبيه.
قال شعبة بن الحَجاج: ((لم يسمع هشام بن عروة حديثَ أبيه في مَسِّ الذَّكرِ)). رواه أحمدُ في (العلل 3745)، والفسويُّ في (المعرفة التاريخ 2/ 819).
وقد مالَ الإمامُ أحمدُ لهذا القولِ، فأسندَ الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 337) من طريق هارون الحَمَّال، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بُسْرةَ بنت صفوان -وكانت قد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
قال هارون: فذكرتُ هذا لأحمدَ بنِ حنبلٍ فقال: أرى لقولِ شعبةَ أصلًا. قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: هشام بن عروة لم يسمعْ حديثَ مَسِّ الذَّكَرِ من أبيه.
وسيأتي الكلامُ على هذا الطريقِ قريبًا.
وقال النسائيُّ: ((هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث)) (السنن 1/ 545).
وقال الطحاويُّ: ((إن هشام بن عروة أيضًا لم يسمعْ هذا من أبيه؛ وإنما أخذه من أبي بكر، فدلَّسَ به عن أبيه)) (معاني الآثار 1/ 73).
قلنا: وقد أجابَ بعضُ العلماءِ على هذه العلةِ بما أسندَهُ الإمامُ أحمدُ في (المسند 27295، والعلل 3744)، وغيرُهُ عن يحيى بنِ سعيد القطان قال: حدثنا يحيى بنُ سعيد، عن هشامٍ قال: حدثني أبي، أن بُسْرةَ بنتَ صفوان أخبرته، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
وقال الإمامُ أحمدُ -عقبه في (العلل 3745) -: "حدثنا يحيى بن سعيد قال: قال شعبة: لم يسمع هشام حديث أبيه في مَسِّ الذَّكرِ. قال يحيى: فسألتُ هشامًا فقال: أخبرني أبي".
قالوا: فهذا يحيى القطان -وهو إمامٌ- نَقَلَ الحديثَ عن هشامٍ، وفيه تحديث عروة لهشام، وسؤال يحيى لهشام على قول شعبة، فأجابه هشام بقوله: أخبرني أبي.
ممن أجاب بهذا: البيهقيُّ في (معرفة السنن 1/ 401 - 402)، والضياءُ المقدسيُّ في (السنن والأحكام 1/ 144)، وابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 299)، وابنُ سَيدِ النَّاسِ في (النفح الشذي 2/ 272 - 273)، و (الأجوبة
2/ 139 - 140)، وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 268)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 55)، وابنُ المُلقِّنِ في (البدر المنير 2/ 462 - 463)، وابنُ حَجرٍ في (التلخيص الحبير 1/ 215)، والمغربيُّ في (البدر التمام شرح بلوغ المرام 2/ 34)، والألبانيُّ في (سلسلة الأحاديث الصحيحة 1235).
قلنا: ما أجاب به هؤلاء لا يَسْلَم لهم؛ لأمرين:
الأمر الأول: أن هشامًا وإن جزمَ بسماعه من أبيه في رواية القطان- محتمل لأن يكون قاله بما ظَنَّ هو في نفسِهِ من صدقه، والواقع خلافه؛ وذلك أنه قد رُوي عنه بإسنادٍ صحيحٍ أنه أخذه عن آخَرَ عن أبيه، كما سيأتي؛ ولذا جزمَ شعبةُ ومَن تابعه بعدم سماعه. وقد جاء في روايته أيضًا السماع بين عروة وبُسْرةَ. وهذا أيضًا لا يَسْلَم له كما تقدَّم، وسيأتي مزيدُ بَيانٍ.
ولذا قال ابنُ مَعِينٍ: ((الحديثُ الذي يُحَدِّثُ به يحيى القطانُ، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: حدثتني بُسْرةَ- هو خطأ)) (تاريخ ابنُ مَعِينٍ - رواية الدوري 4718).
فهذا ابنُ مَعِينٍ، ومعلومٌ شأنُه في هذا العلم، وكذا شعبةُ، وأحمدُ، والنسائيُّ ومَن تابعهم- على خلاف ما نَقَلَ ابنُ القطان عن هشامٍ.
الأمر الثاني: أن هشامًا متكلَّمٌ في روايته خارج المدينة، في الكوفة وغيرها، وليس قوله:((حدَّثني)) مما سُمع منه بالمدينة؛ ولذا فاحتمال خطئه وارد.
وبهذا أجابَ العينيُّ على البيهقيِّ ومَن تابعه، فقال: ((وقال يعقوب بن شيبة: هشام بن عروة ثقةٌ ثبتٌ، لم يُنكَر عليه شيءٌ إلا بعد ما صارَ إلى
العراقِ، فإنه انبسطَ في الرواية عن أبيه، فأَنْكَر ذلك عليه أهل بلده، وكان تَسَهُّله أنه أرسلَ عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه.
وقال ابنُ خِرَاش: كان مالكٌ لا يرضاه، وكان هشامٌ صدوقًا تَدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكًا نَقم عليه حديثه لأهل العراق)) (نخب الأفكار 2/ 91، والبناية شرح الهداية 1/ 298).
وقال أيضًا: ((شعبةُ صرَّحَ بأن هشامًا لم يسمعْ هذا الحديث من أبيه عروة، فكيف يكون قول يحيى: (سمع من أبيه) مُعارِضًا لقول شعبة أنه لم يسمع أباه؟ ! )) (البناية شرح الهداية 1/ 298، ونخب الأفكار 2/ 92).
العلة الثانية: أن عروةَ لم يسمعْه من بُسْرةَ، بينهما مروان بن الحكم، كما تقدَّمَ من رواية عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ مخالفًا مروان في إسقاطه.
وقد رُوِي عن هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ، كما رواه عبد الله بن أبي بكر، كما في الوجه الثاني.
الوجه الثاني: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ.
رواه الترمذيُّ في (جامعه 84)، وابنُ خُزيمةَ في (الصحيح 35) من طريق أبي أسامة.
ورواه ابنُ ماجه في (السنن 482)، وإسحاقُ بنُ راهويه في (مسنده 482)، وغيرُهُما، من طريق عبد الله بن إدريس.
وأحمدُ في (العلل 3743)، وابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1111)، وغيرُهُما، من طريقِ الثوريِّ.
وابنُ أبي خيثمةَ في (تاريخه- السِّفر الثاني، رقم 3386)، وغيرُهُ، من
طريقِ وُهَيْب بن خالد.
ورواه الطحاويُّ في (معاني الآثار 1/ 4/ 72) من طريقِ حمادِ بنِ سلمةَ.
ورواه الحارثُ بنُ أبي أسامةَ كما في (بغية الباحث 87) عن يحيى بن هاشم.
ورواه الطحاويُّ في (معاني الآثار 1/ 72، 73)، وغيرُهُ، من طريق علي بن مُسْهِر، وابن أبي الزناد.
ورواه البيهقيُّ في (السنن الكبير 624) من طريق أنس بن عياض.
ورواه الدارقطنيُّ في (السنن 530) من طريق يزيد بن سنان.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ رقم 512)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 331) من طريق هشام بن حسان.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ رقم 513)، والدارقطنيُّ في (السنن 539) من طريق ابن جريج.
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 336) من طريق محمد بن إبراهيم بن دينار.
ورواه الدارقطنيُّ في (السنن 533، والعلل 9/ 334) من طريق إسماعيل بن عياش.
رواه أربعة عشرتهم عن هشام بن عروة، به.
فاختلفَ أهلُ العلمِ بين هذين الوجهين، مع ما ذُكر عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ بإثبات مروان، أيهما يقدم؟ أهو الوجه الذي ذُكر فيه مروان؟ أم هو الوجه الذي سقط منه مروان؟ أم أن كليهما محفوظ؟ على
أقوال:
الأول: ذهبَ فريقٌ إلى تصحيحِ الوجهِ الذي ذُكر فيه مروان دون غيره:
وتقدَّمَ قولُ ابنِ مَعِينٍ: ((الحديثُ الذي يُحَدِّثُ به يحيى القطان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: حدثتني بُسْرةَ- هو خطأ)) (تاريخ ابنُ مَعِينٍ - رواية الدوري 4718).
وقال مُضَر بن محمد: ((سألتُ يحيى بنَ مَعِينٍ: أي حديث يصح في مَسِّ الذَّكَرِ؟ فقال يحيى: لولا حديث جاء عن عبد الله بن أبي بكر لقلتُ: لا يصحُّ فيه شيءٌ؛ فإن مالكًا يقول: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، حدثنا عروة، حدثنا مروان، حدثتني بُسْرةَ. فهذا حديثٌ صحيحٌ. فقلتُ له: فبُسْرةَ من غير هذا الطريق؟ فقال: مروان عن حديث بُسْرةَ)) (التمهيد 17/ 192). فهذا ميلٌ منه إلى تصحيحِ طريقِ مروانَ دونَ غيرِهِ.
قلنا: ولكن هذه الحكاية رواها ابنُ عبدِ البرِّ عن شيخِهِ خَلَف بن القاسم، حدثنا محمد بن زكرياء بن يحيى بن أَعْيَن المقدسي، حدثنا مُضَر بن محمد، به. وابن زكرياء لم نجدْ لَهُ ترجمةً.
وتقدَّمَ أنها رويت من وجهٍ آخرَ، فيه كلام.
وقال البخاريُّ: ((والصحيحُ: عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ)) (العلل الكبير للترمذي، صـ 48).
وقال ابنُ منده -بعد ذكر روايات-: ((فالحديثُ راجعٌ إلى مروانَ)) (الإمام 2/ 282).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((وذكرنا ما يصحُّ من ذلك في حديثِ بُسْرةَ، وأنه لا يصحُّ فيه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا ما في (الموطأ) من روايةِ مالكٍ، عن عبد الله بن
أبي بكر، سمع عروة، سمع مروان، سمع بُسْرةَ، سمعت النبي عليه السلام) (الاستذكار 3/ 27).
وقال أيضًا: ((والاختلافُ فيه كثير على هشامٍ وعلى ابنِ شهابٍ. والصحيحُ فيه ما ذكره ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ، على ما وصفتُ لك، والروايةُ الصحيحةُ عن ابنِ شهابٍ مثل رواية مالك قد تقدمتْ من حديثِ ابنِ عيينةَ عن ابنِ شِهابٍ.
وكذلك رواه عُقيل بن خالد، عن ابنِ شِهابٍ.
وكذلك رواه الليثُ، عن عبد الرحمن بن خالد، عنِ ابنِ شِهابٍ، عن عبد الله بن أبي بكر، أنه سمع عروةَ يُحَدِّثُ عن مروانَ أن بُسْرةَ أخبرته)) (الاستذكار 3/ 29).
وقال -في (التمهيد 17/ 185) -: ((والحديثُ الصحيحُ الإسنادِ في هذا عن عُرْوةَ عن مروانَ عن بُسْرةَ)).
وقال أيضًا: ((هذا هو الصحيحُ في حديثِ بُسْرةَ (عروة، عن مروان، عن بُسْرةَ) وكلُّ مَن خالفَ هذا فقد أخطأَ فيه عند أهلِ العلمِ .. والاختلافُ فيه كثير على هشامٍ، وعلى ابنِ شِهابٍ. والصحيحُ فيه عنهما ما ذكرنا في هذا الباب. وقد كان يحيى بنُ مَعِينٍ يقول:(أصح حديث في مَسِّ الذَّكرِ حديث مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ) وكان أحمدُ بنُ حَنبلٍ يقولُ نحو ذلك أيضًا)) (التمهيد 17/ 190 - 191).
قلنا: وذهبَ آخرون إلى تصويبِ كلا الوجهين، وأن هشامًا كان يُحَدِّثُ به مرة عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ، عن السماع الأول، عن عُرْوةَ. وكان يُحَدِّثُ به تارة أخرى عن أبيه، عن بُسْرةَ، على مشافهة عروة لبُسْرةَ. وكان هشام ربما نَشِطَ فحَدَّثَ به على الوجهين جميعًا، كما سيأتي في الوجه
الثالث.
قال الدارقطنيُّ: ((فلما اختُلفَ على هشام بن عروة في إسنادِ هذا الحديثِ:
فرواه عنه جماعةٌ منَ الرُّفعاءِ الثقاتِ؛ منهم أيوب السَّختياني، ويحيى القطان، ومَن قدمنا ذكره معهما؛ فرووه عن هشام، عن أبيه، عن بُسْرةَ.
وخالفهم جماعةٌ منَ الرُّفعاءِ الثقاتِ أيضًا؛ منهم سفيان الثوري، وهشام بن حسان، وعبد الله بن إدريس
…
وغيرُهُم ممن قدمنا ذكره معهم، رووه عن هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ.
فلما وَرَدَ هذا الاختلافُ عن هشامٍ أشكلَ أمرُ هذا الحديث، وظنَّ كثيرٌ من الناسِ ممن لم ينعم النظر في الاختلافِ أن هذا الخبرَ غيرُ ثابتٍ لاختلافهم فيه، ولأن الواجبَ في الحكمِ أن يكون القول قول من زاد في الإسناد؛ لأنهم ثقات فزيادتهم مقبولة، فحَكَمَ قومٌ مِنْ أهلِ العلمِ بضعفِ الحديثِ لطعنهم على مروان.
فلما نظرنا في ذلك وبحثنا عنه، وجدنا جماعة منَ الثقاتِ الحفاظ؛ منهم شعيب بن إسحاق الدمشقي، وربيعة بن عثمان التيمي، والمنذر بن عبد الله الحِزامي، وعنبسة بن عبد الواحد الكوفي، وعلي بن مُسْهِر القاضي الكوفي، وحميد بن الأسود أبو الأسود البصري، وزهير بن معاوية الجُعْفي. فرووا هذا الحديثَ عن هشامٍ، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ. ذكروا في روايتهم في آخر الحديثِ أن عروةَ قال:((ثم لقيتُ بُسْرةَ بعدُ، فسألتُها عن الحديثِ، فحدَّثتني به عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كما حدَّثني مروانُ عنها)).
دلَّ ذلك من رواية هؤلاء النفر على صحة الروايتين الأُوليين جميعًا، وزالَ الاختلافُ والحمد لله، وصَحَّ الخبرُ، وثبتَ أن عروةَ سمعه من بُسْرةَ،
شافهته به بعد أن أخبره مروان عنها بعد إرساله الشرطي إليها.
ومما يقوي ذلك، ويدلُّ على صحته، وأن هشامًا كان يُحَدِّثُ به مرة عن أبيه، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، عن السماع الأول، عن عُرْوةَ. وكان يحدِّثُ به تارة أخرى عن أبيه، عن بُسْرةَ، على مشافهة عروة لبُسْرةَ، وسماعه منها بعد أن سمعه من مروان عنها- ما قدمنا ذكره من رواية ابن جريج، وحماد بن سلمة، وزمعة، وأبي علقمة الفَرْوي، وسعيد الجُمَحي، وابن أبي الزناد، ومعمر، وهشام بن حسان؛ فإنهم رووه عن هشام على الوجهين جميعًا. وكان هشام ربما نشط فحَدَّثَ به على الوجهين جميعًا في وقتٍ آخرَ كما رواه شعيب بن إسحاق ومَن تابعه)) (العلل 9/ 316 - 317).
وقال الحاكمُ: ((هكذا ساقَ حمادُ بنُ زيدٍ هذا الحديثَ، وذَكَر فيه سماع عروة من بُسْرةَ. وخَلَف بن هشام ثقة، وهو أحد أئمة القراء.
ومما يدلُّ على صحةِ رواية الجمهور من أصحاب هشام بن عروة، عن هشام، عن أبيه، عن بُسْرةَ؛ منهم أيوب بن أبي تميمة السَّختياني، وقيس بن سعد المكي، وابن جريج، وابن عيينة، وعبد العزيز بن أبي حازم، ويحيى بن سعيد، وحماد بن سلمة، ومعمر بن راشد، وهشام بن حسان، وعبد الله بن محمد أبو علقمة، وعاصم بن هلال البارقي، ويحيى بن ثعلبة المازني، وسعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي، وعلي بن المبارك الهُنَائي، وأبان بن يزيد العطار، ومحمد بن عبد الرحمن الطُّفَاوي، وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري
…
وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، ويزيد بن سنان الجَزَري، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد الرحمن بن عبد العزيز، وحارثة بن هرمة الفُقَيْمي، وأبو معمر، وعَبَّاد بن صهيب
…
وغيرُهُم.
وقد خالفهم فيه جماعةٌ، فرووه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان،
عن بُسْرةَ. منهم سفيان بن سعيد الثوري، ورواية عن هشام بن حسان، ورواية عن حماد بن سلمة، ومالك بن أنس، ووهيب بن خالد، وسَلَّام بن أبي مطيع، وعمر بن علي المُقَدَّمي، وعبد الله بن إدريس، وعلي بن مُسْهِر، وأبي أسامة
…
وغيرُهُم.
وقد ذكر الخلاف فيه على هشام بن عروة بين أصحابه.
فنظرنا فإذا القومُ الذين أثبتوا سماع عروة من بُسْرةَ أكبر، وبعضهم أحفظ من الذين جعلوه عن مروان، إلا أن جماعةً منَ الأَئمةِ الحفاظ أيضًا ذكروا فيه مروان؛ منهم مالك بن أنس، والثوري، ونظراؤهما، فظَنَّ جماعةٌ ممن لم ينعم النظر في هذا الاختلاف أن الخبرَ واهٍ لطعنِ أئمة الحديث على مروان.
فنظرنا فوجدنا جماعةً من الثقاتِ الحُفَّاظِ رووا هذا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ. ثم ذكروا في رواياتهم أن عروة قال:((ثم لقيتُ -بعدَ ذلكَ- بُسْرةَ، فحدَّثتني بالحديثِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدَّثني مروانُ عنها)) دلَّنَا ذلك على صحةِ الحديثِ وثبوتِهِ على شرطِ الشيخين، وزالَ عنه الخلافُ والشبهةُ، وثبتَ سماعُ عروةَ من بُسْرةَ))
وتابع الدارقطنيَّ جماعةٌ كابنِ خُزيمةَ وابنِ حِبَّانَ كما تقدَّمَ قريبًا.
قلنا: ما ذَكَره الدارقطنيُّ والحاكمُ ومَن تابعهما لا يَسْلَم لهم. وذلك نبينه في الوجه الثالث.
الوجه الثالث: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، به. قال عروةُ:((سألتُ بُسْرةَ فصَدَّقته))، وفي لفظٍ آخرَ:((فأنكرَ عروةُ، فَسَأَلَ بُسْرةَ فصَدَّقته)).
أما اللفظ الأول- ((سألتُ بُسْرةَ فصَدَّقته)) - فرواه ابنُ الجارودِ في (المنتقى 18)، وابنُ خُزيمةَ في (صحيحه) كما في (مراسلة البُلقيني لابنِ حَجرٍ- الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابنِ حَجرٍ، للسخاوي 1/ 347)، وابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1109)، وغيرُهُم، من طريقِ ابنِ أبي فُدَيْك، عن ربيعة بن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). قال عروةُ: ((سألتُ بُسْرةَ فصَدَّقته)).
وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، غير ربيعة بن عثمان، فمختلفٌ فيه؛ فقال وكيعٌ:((نا ربيعة بن عثمان التيمي: وكان فيه عسر، وكان عنده أحاديث حسنة، وكان ثقة)) (تاريخ أسماء الثقات 361)، ووَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ (الجرح والتعديل 3/ 477). وقال ابنُ سعد:((كان ثقةً ثبتًا قليلَ الحديثِ، وكان فيه عسر)) (الطبقات الكبرى 7/ 550). وقال النسائيُّ: ((ليس به بأس)) (تهذيب الكمال 9/ 133). وقال البزارُ: ((مدنيٌّ، لا بأسَ به)) (المسند 15/ 309)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 6/ 301). وقال الحاكمُ:((من ثقات أهل المدينة، ممن يُجْمَع حديثه)) (سؤالات السجزي 192).
بينما قال أبو زرعة: ((إلى الصدق ما هو، وليس بذاك القوي)). وقال أبو حَاتمٍ: ((منكرُ الحديثِ، يُكتبُ حديثُهُ)) (الجرح والتعديل 3/ 477).
ولَخَّص حاله الحافظ بقوله: ((صدوقٌ له أوهامٌ)) (التقريب 1913).
وتابع ربيعةَ: عنبسةُ بنُ عبدِ الواحدِ، كما عند الحاكمِ في (المستدرك 481)، وغيره، من طريق محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، ثنا عبد الله بن عمر بن أبان، ثنا عنبسة بن عبد الواحد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)) قال: فأتيتُ بُسْرةَ فحدَّثتني كما حدَّثني مروانُ
عنها أنها قالتْ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ ذلك. ورجاله ثقات إلابعض الكلام في الحضرمي، ومُشْكُدانة عبد الله بن أبان.
قلنا: أما اللفظُ الآخرُ- وهو قوله: ((فأنكرَ عروةُ، فسألَ بُسْرةَ فصَدَّقته)) - فرواه ابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1108)، والدارقطنيُّ في (السنن 527)، وغيرُهُما، من طرقٍ عن شعيب بن إسحاق، قال: حدَّثني هشام بن عروة، عن أبيه، أن مَرْوانَ بنَ الحكمِ حدَّثه، عن بُسْرةَ بنتِ صفوان، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ))، قال: فأنكرَ ذلك عروةُ فسألَ بُسْرةَ فصَدَّقته.
ورجاله ثقات؛ فإن شعيبًا ثقةٌ مأمونٌ، لم يُنْقَمْ عليه إلا الإرجاء ولم يؤثر في روايته.
قلنا: قد استدلَّ عليُّ بنُ المدينيِّ بهذه الرواية على تصحيح ما قال يحيى القطان عن هشام بن عروة؛ فقال إسماعيل بن إسحاق القاضي: "سمعتُ عليَّ بنَ المدينيِّ، وذَكَر حديث شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة الذي يَذكر فيه سماع عروة من بُسْرةَ، فقال عليٌّ: هذا مما يدلُّك أن يحيى بن سعيد قد حفظ عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: أخبرتني بُسْرةَ".
ثم قال: "قال عليٌّ: فحدَّثني أبو الأسود حميد بن الأسود، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ بنت صفوان -وقد كانت صحبت النبي صلى الله عليه وسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلَا يُصَلِّيَنَّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)) فأنكرَ ذلك عروةُ، وسألَ بُسْرةَ فصَدَّقته. رواه الحاكمُ في (المستدرك 481)، وعنه البيهقيُّ في (السنن الكبير 1/ 384).
قال الحاكمُ: ((ومنهم أبو الأسود حميد بن الأسود البصري، الثقة المأمون)).
وتابعهما: المنذرُ بنُ عبدِ اللهِ الحِزَاميُّ، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 336)، والحاكمِ في (المستدرك 480)، وغيرهما. والمنذرُ:((مقبولٌ)) كما في (التقريب 6888).
وكذا تابعهما: عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي فروةَ، كما عندَ الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 335)، وقال:((مثل حديث شعيب بن إسحاق)).
فاختُلفَ على هشامٍ، أيّ اللفظين هو المحفوظ، هل هو بإثبات ((تاء الفاعل، سألتُ))، أم بإضمار الفاعل، هكذا:((فَسَأَلَ)):
وثَمَّ فرقٌ بينَ اللفظينِ؛ إذ الأول يُثبتُ سؤال عروة لبُسْرةَ، ومشافهته لها. والثاني محتمل لأن يكون مروان هو الذي سأل. وهذا يدلُّ عليه رواية عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ، كما تقدَّمَ في أول الخلاف.
قال ابنُ دقيق العيد: ((ولتعلم أن رواية ربيعة بن عثمان وعنبسة ترجح في الدلالة على ما قصد من إثبات سماع عروة من بُسْرةَ على رواية شعيب والمنذر بن عبد الله. وقد ذكرنا لفظ رواية شعيب. ورواية المنذر ذكرها الحاكمُ بسنده عنه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ بنت صفوان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). فأنكر عروةُ فسأل بُسْرةَ فصَدَّقته)) (الإمام 2/ 297).
قلنا: والذي نَراه راجحًا هو لفظ شعيب بن إسحاق ومَن تابعه، وأن المراد بقوله:((سأل بُسْرةَ فصَدَّقته)) هو مروانُ؛ وذلك لأمور:
الأمر الأول: أن هذا هو المحفوظ في حديث عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ، كما سَبَقَ.
الأمر الثاني: أن اللفظَ الآخرَ رواه أربعة، معظمهم ثقات، بخلاف الأول.
الأمر الثالث: أن هشامًا جاء عنه روايات تبين ذلك:
فروى البغويُّ في (حديث حماد 559)، وابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3234)، وغيرُهُما، من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، ((أن مَرْوانَ قال: يا شرطي، اذهبْ إلى بُسْرةَ فسلها، كيف سمعتْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول في مَسِّ الذَّكرِ
…
)) فذكر الحديث. وهذا هو
الوجه الرابع: عن هشام، عن أبيه، ((أن مَرْوانَ قال: يا شرطي، اذهبْ إلى بُسْرةَ فسلها
…
)) كما تقدَّم.
وتابع حمادًا هشامُ بنُ حسانَ، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 331).
وقد رواه غيرهما، فروى حديثَ عروة عن مروان عن بُسْرةَ، ثم إرسال مروان حارسًا إلى بُسْرةَ ليسألها. وهو الوجه الخامس.
الوجه الخامس: عن هشامٍ، عن أبيه:((أنه كان عند مروان بن الحكم، فسُئل عن مَسِّ الذَّكَرِ، فلم يَرَ به بأسًا. قال: فبَعَثَ مروانُ بعضَ حرسه إلى بُسْرةَ بنتِ صفوان، فقال: ألستِ حدَّثتيني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا مَسَّ الرَّجُلُ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، فَلَا يُصَلِّيَنَّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ))؟ ، فرجعَ، فقال: قالت: نعم)).
رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 507)، والبيهقيُّ في (معرفة السنن 1063)، وغيرُهُما، من طريق محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي، ومحمد بن عبيد (واللفظ له)، قالا: ثنا حماد بن زيد، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، به.
قلنا: ولكن رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 331 - 332)، والحاكمُ في (المستدرك 477)، وغيرُهُما، من طريق سليمان بن حرب، ومحمد بن الفضل عارم، وخلف بن هشام (واللفظ له)، قالوا: ثنا حماد بن زيد، عن
هشام بن عروة، ((أنَّ عُرْوةَ كَانَ عندَ مروانَ بنِ الحَكَمِ، فَسُئِلَ عن مَسِّ الذَّكرِ، فلم يَرَ به بأسًا، فَقَالَ عروةُ: إن بُسْرةَ بنتَ صفوان حدَّثتني أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ إِلَى ذَكَرِهِ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)) فبَعَثَ مروانُ حرسيًّا إلى بُسْرةَ، فَرجَعَ الرَّسُولُ فقال: نعم. قال هشام: قد كان أبي يقولُ: ((إِذَا مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ فَرْجَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
هكذا رواه الدارقطنيُّ والحاكمُ، فجعلا قوله:((حدَّثتني بُسْرةَ)) من قولِ عروةَ. وهذا لا يصحُّ، فقدِ انفردَ بهذا القولِ خلفُ بنُ هشامٍ؛ ولذا قَرَن الحاكمُ روايته برواية سليمان بن حرب وعارم، وقال:(اللفظ له) أي: لخلف، وهو إن كان ثقةً فقد خالفه أربعة أثبات، وقد جاءتْ روايةُ المُقَدَّمي مُوافِقة لرواية محمد بن عُبيد، وعليها يُحمل لفظ ابن حرب وعارم، ويكون خلف هو المنفرد بهذا القول.
إلا أن يكون حمادٌ اضطربَ فيه؛ وذلك أنه ذَكَرَ الحديثَ بلفظٍ مخالفٍ لما رواه الأكثرُ، فقال:((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ إِلَى ذَكَرِهِ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ))، وهذا اللفظُ شاذٌّ؛ ولذا أفردناه بتخريجٍ وتحقيقٍ مستقلٍ، كما سيأتي.
وتابع حماد بن زيدٍ، على لفظ الجماعة: علي بن مسهر، ولكنه قال في روايته: إن بُسْرةَ حدَّثتْ مروان وعروة حاضر. ولم يُتابَع على هذا. وهو
الوجه السادس: رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 506)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 337)، وغيرُهُما، من طريق علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:((أخبرني مروانُ بنُ الحَكمِ، عن بُسْرةَ بنتِ صفوان، قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، قال: فأنكرتُ عليه، فأَرْسَلَ إليها فحَدَّثَتْه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنا حاضرٌ.
وقوله: ((فحدَّثَتْه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنا حاضرٌ)) شاذٌّ لا يصحُّ؛ إذِ انفردَ به ابنُ مُسْهرٍ، وهو وإن كان ثقةً إلَّا أن له غرائبُ كما قال الحافظُ في (التقريب 4800).
الوجه السابع: عن هشام بن عروة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، به.
رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 337) من طريق هارون الحمال، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بُسْرةَ بنت صفوان، وكانت قد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
قال هارونُ: "فذكرتُ هذا لأحمدَ بنِ حنبلٍ فقال: أرى لقولِ شعبةَ أصلًا، قال يحيى بنُ سعيد: قال شعبةُ: هشام بن عروة لم يسمعْ حديثَ مَسِّ الذَّكرِ من أبيه". ورجاله ثقات.
فاستدلَّ بهذه الرواية على عدم سماع هشام من أبيه، كما ذهبَ شعبةُ ومَن تابعه.
وكذا استدلَّ بها القُدُوري، فقال:((فإن قالوا: رواه هشام بن عروة عن أبيه. قلنا: دَلَّسَ به. والصحيحُ: ما رواه هشام عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ)) (التجريد للقدوري 1/ 188).
وتابع داودَ العطار أبو أسامة، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 315)، ولكن قال:((والمحفوظُ: عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن مروانَ، عن بُسْرةَ. وليس فيه عبد الله بن أبي بكر)). وبنحوه قال الدَّاني في (الإيماء
4/ 251).
والاعتماد على طريق العطار، ولكن قال الحاكمُ: ((جئنا الآن إلى من يعلل هذا الحديث الثابت الصحيح بروايات واهية
…
- هشام بن عروة عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ رواية داود العطار، وهو واهمٌ فيه.
- وهشام بن عروة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ فيما رُوِي من وجه غير معتمدٍ عن هشام بن عروة. فجميع هذه الروايات واهية. والحديثُ عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن بُسْرةَ- ثابتٌ صحيحٌ)). رواه البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 238 - 239) عن الحاكمِ، به.
وما ذكره الحاكمُ من رواية هشام عن أبي بكر بن محمد عن عُرْوةَ هو الوجه الثامن.
الوجه الثامن: عن هشام، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ.
رواه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3233)، والطبرانيُّ في (الكبير 24/ رقم 504) من طريق حجاج، ثنا همام بن يحيى، عن هشام بن عروة، حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ، قالتْ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)). ورجاله ثقات.
وبهذا يُتعقب على الحاكم إذ قال: ((فيما رُوي من وجهٍ غير معتمد)).
قال ابنُ دقيق العيد -ردًّا على الحاكم-: ((هذا إبهامٌ وعدمُ إيضاحٍ لجهالةِ
الردِّ. وهذه الرواية أخرجها الطبرانيُّ عن علي بن عبد العزيز، عن حَجاج بن منهال، عن همام بن يحيى، عن هشام. وهؤلاء كلهم مُوثَّقُونَ في الروايةِ)) (الإمام 2/ 300).
وبنحوه قال ابنُ المُلقِّنِ في (البدر المنير 2/ 462).
واستدلَّ الطحاويُّ بهذا الطريقِ على عدمِ سماعِ هشامٍ من أبيه، فقال:((هشام بن عروة أيضًا لم يسمع هذا من أبيه؛ وإنما أخذه من أبي بكرٍ فدلَّس به عن أبيه))، ثم قال حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخَصِيبُ، قال: ثنا همام، عن هشام بن عروة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ، بنحوه. وزاد فيه مروان. (شرح معاني الآثار 1/ 73)، وانظر (نخب الأفكار 2/ 91).
ولكن هذا الطريق فيه الخَصيب بن ناصح ((صدوقٌ يُخطئُ)) (التقريب 1717).
ولعلَّ هذا هو الذي ألجأ الحاكم إلى قوله المتقدم، ولكن الخصيب توبع من إمامٍ ثقةِ كما تقدَّمَ.
وأَعَلَّ هذا الوجه عن هشامٍ ابنُ سَيدِ النَّاسِ، فقال:((لكنها مرجوحة بمخالفة الجَمِّ الغفير إيَّاها عن هشام بن عروة)) (النفح الشذي 2/ 273).
قلنا: وثَمَّ وجوهٌ أخرى عن هشامٍ، ولكنها شاذَّةٌ لا تصحُّ، وما ذُكر أقوى الوجوه عنه؛ ولذا أعرضنا عن غيرها.
وبسبب هذا الخلاف وما قيل فيه، ذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى القولِ باضطرابِ أسانيدِهِ:
قال ابنُ قتيبة الدِّينَوَرِيُّ: "فقد طَعَنَ آخرون في حديثِ بُسْرةَ، وضَعَّفُوهُ
باختلافِ الألفاظِ فيه: فمرة مروانُ يقول: ((حدَّثتني بُسْرةَ))، ومرة:((بَعَثَ إليها شرطيًّا يسألها، فأرسلتْ إليه معه بالجواب))، ومروان ليس كغيره. يقول لنا إسحاقُ:((حديثُ بُسْرةَ أثبتُ الأحاديثِ في الوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكرِ))، وإذا كان مع هذا الاضطراب أثبت الأحاديث، فما ظنُّكَ بغيرِهِ؟ ! " (المسائل والأجوبة، صـ 92).
وقال مسلم بن الحَجاج: ((لا يصحُّ في الوُضُوءِ من مَسِّ الذَّكرِ حديثٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأشارَ بيده مضطربة)). انظر (التجريد للقدوري 1/ 186).
وقال ابنُ المنذرِ: ((وقد اختُلِفَ في إسنادِ حديثِ عُرْوةَ)) وذَكَر الاختلافات في بعض طرقه، ثم قال:((وقد تُكلِّمَ في هذا الإسنادِ)) (الأوسط 1/ 303 - 305).
وقال الطحاويُّ: ((فهذا حديثُ مُلازمٍ
(1)
، صحيح مستقيم الإسناد، غير مضطرب في إسنادِهِ ولا في متنه؛ فهو أَوْلى عندنا مما رويناه، فهو أَوْلى -عندنا- مما رويناه أولًا منَ الآثارِ المضطربة في أسانيدها)) (معاني الآثار 1/ 76).
وقال أبو العباسِ الدَّاني: ((ورواه عن عُرْوةَ أيضًا أبو الأسودِ وغيرُهُ، وهو مستفيضٌ عنه، أُخْبِرَ به على وجوهٍ مختلفةٍ، فكثر الخلاف فيه حتى نُسِب الاضطرابُ إلى ناقليه
…
)) (الإيماء 4/ 254).
(1)
يعني الحديث الذي أورده قائلًا: ((حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا ملازم، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل فقال: يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره، بعدما توضأ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل هو إلا بضعة منك؟ أو مضغة منك»)).
وقال ابنُ التركماني: ((الروايةُ فيه عنِ الزهريِّ مضطربةٌ)) (الجوهر النقي 1/ 128).
وقال بدرُ الدينِ العينيُّ: ((فالحديثُ ضعيفٌ لاضطرابِهِ)) (البناية شرح الهداية 1/ 298)، و (نخب الأفكار 2/ 94).
قلنا: وقد حاولَ الدَّاني دفعَ هذا الاضطرابِ، فقال -بعد ذكر وجوه الاختلاف-:((وليس هذا بخلاف، ولا فيه تناقض، وإنما هو بحسب نشاط المحدث وكسله، أو على ما يراه مِن أغراض سائليه)) (الإيماء 4/ 260).
وفي هذا ما فيه، فلا حاجةَ للتعقيبِ عليه.
قلنا: وقد رُوِي الحديثُ من طرقٍ عن عُرْوةَ من غيرِ طريقِ عبدِ اللهِ وهشامٍ، ولكنها طرقٌ ضعيفةٌ لا تصحُّ:
منها: ما رواه الترمذيُّ في (جامعه 85) قال: حدثنا علي بنُ حَجرٍ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوه.
وإسنادُهُ ضعيفٌ، ابنُ أبي الزنادِ متكلَّمٌ في روايتِهِ خارج المدينة.
قال عليُّ بنُ المدينيِّ: ((ما حَدَّثَ بالمدينةِ فهو صحيحٌ. وما حَدَّثَ ببغدادَ أفسده البغداديون. ورأيتُ عبدَ الرحمنِ -يعني ابنَ مَهديٍّ- خَطَّط على أحاديث عبد الرحمن بن أبي الزناد. وكان يقول فى حديثه عن مشيختهم، ولَقَّنه البغداديون عن فقهائهم، عدهم، فلان وفلان وفلان)).
وقال أيضًا: ((حديثُه بالمدينةِ مقاربٌ، وما حَدَّثَ به بالعراقِ فهو مضطربٌ)).
وقال عمرو بن علي: ((فيه ضَعْفٌ، ما حَدَّثَ بالمدينةِ أصحُّ مما حَدَّثَ
ببغدادَ، كان عبد الرحمن -يعني: ابنَ مَهْديٍّ- يَخُطُّ على حديثِهِ)).
وقال محمد بن سعد: ((قَدِم بغداد في حاجة له، فسمع منه البغداديون، وكان كثير الحديث، وكان يُضَعَّف لروايته عن أبيه)).
وقال زكريا بن يحيى الساجيُّ: ((فيه ضَعْفٌ، وما حَدَّثَ بالمدينةِ أصح مما حَدَّثَ ببغدادَ)). انظر (تهذيب الكمال 17/ 99 - 100).
قلنا: وعليُّ بنُ حَجرٍ الراوي عنه سكن بغداد قديمًا، ثم انتقلَ إلى مرو، فنزلها واشتهر حديثُه بها. كما قال الخطيبُ البغداديُّ (تاريخ بغداد 13/ 362).
ورواه ابنُ أبي الزناد مرة أخرى، فقال: عن هشام، عن أبيه، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مثله. رواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 73)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 333) من طريقين عنه.
ولعلَّ هذا الوجه هو الأرجح؛ فإن أحدَ رواته عنه هو عبد العزيز الأويسي، مدني.
ومنها: ما رواه الطحاويُّ في (معاني الآثار 1/ 73)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 352) من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ، به.
وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ لضَعْفِ ابنِ لهيعةَ وتدليسه وقد عنعن، واضطرابه، كما سيأتي، والخلاف في سماع عروة من بُسْرةَ كما تقدَّم، فالصحيحُ أن بينهما مروانَ بنَ الحَكمِ.
قال الطحاويُّ: ((كيف تحتجون في هذا بابنِ لهيعةَ، وأنتم لا تجعلونه حجة لخَصْمكم فيما يَحتج به عليكم؟ ! )) (معاني الآثار 1/ 73)، وانظر (البناية
شرح الهداية لبدر الدين العيني 1/ 298)، و (نخب الأفكار 2/ 93).
ومنها: ما رواه ابنُ المقرئ في (معجمه 163)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 353) من طريقين عن الليثِ قال: حدَّثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عبد الحميد بن جعفر، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن مروان بن الحكم، عن بُسْرةَ بنت صفوان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ)).
وفي إسنادِهِ عبد الحميد بن جعفر: وإن وَثَّقَهُ جماعةٌ، فقد قال ابنُ حِبَّانَ:((ربما أخطأَ)) (الثقات 7/ 122)، وقال الحافظُ:((صدوق، رُمِي بالقدرِ، وربما وهم)) (التقريب 3756).
قلنا: ولم يسمعْه عبد الحميد من عروة؛ بينهما هشام بن عروة، كما رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 511)، والدارقطنيُّ في (السنن 536)، وغيرُهُ، من طريق محمد بن بكر البُرْساني، عن عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بُسْرةَ، بنحوه. وزاد فيها عبدُ الحميد زيادة سيأتي تحقيقها في تخريج مستقل، وهي قوله:((أو أُنْثَيَيْهِ أو رُفْغَيْهِ)).
قلنا: ورواه أيضًا عن مروان غير عروة:
فرواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 353) من طريق بكر بن سهل، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثنا الهيثم بن حميد، قال: حدثنا ابن وهب، عن سليمان بن موسى، عن مروان بن الحكم، عن بُسْرةَ بنت صفوان، أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه بكر بن سهل الدمياطي، ضَعَّفَهُ النسائيُّ وغيرُهُ (لسان
الميزان 2/ 344).
وسليمان بن موسى مختلفٌ فيه، ولَخَّصَ حالَه الحافظُ فقال:((صدوقٌ فقيهٌ، في حديثِهِ بعض لين، وخولط قبل موته بقليلٍ)) (التقريب 2616).
وروايتُه عن مروانَ مرسلةٌ، قال الدارقطنيُّ:((ورُوِي عن سليمان بن موسى مرسلًا، عن مروان بن الحكم، عن بُسْرةَ)) (العلل 9/ 322).
قلنا: ورُوِي أيضًا عن بُسْرةَ من غيرِ طريقِ مروانَ، ولا يصحُّ:
رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 353) من طريق سليمان التيمي، قال:((بلغني أن مَرْوانَ بنَ الحَكَمِ أَرْسَلَ إلى بُسْرةَ يسألها عن مَسِّ الذَّكرِ، فقالتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأَمَرنَا بالوُضُوءِ)).
وهذا إسنادٌ ضعيف لجهالةِ مَن بَلَّغَ سليمان. وأيضًا فيه جهالة رسول مروان إلى بُسْرةَ.
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 353) من طريق عِمَامَة بن عمرو، عن مِسْوَر بن عبد الملك، عن عثمان بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن بُسْرةَ بنت صفوان، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَالمَرْأَةُ كَذَلِكَ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، ومتنٌ منكرٌ:
أما الإسنادُ، ففيه: مِسْوَر بن عبد الملك، "ليس بالقويِّ". قاله الأزديُّ (لسان الميزان 8/ 65). وشيخه عثمان بن عطاء "ضعيف"(التقريب 4502).
وأما المتنُ: فقوله: ((وَالمَرْأَةُ كَذَلِكَ))، وسيأتي لها تحقيقٌ مستقلٌ.
قلنا: وثَم طرقٌ أُخرى عن بُسْرةَ، سيأتي تحقيقها في الروايات الآتية.
الأمر الرابع مما طُعن به هذا الحديث: الطعن في راوية الحديث، وذلك من ستةٍ أوجهٍ:
الأول: أنها امرأةٌ، وحديثُ النساءِ إلى الضعفِ ما هو، مع عدم استقلال المرأة في الشهادة.
الثاني: عدم اشتهارها.
الثالث: الاختلاف في نسبها، هل هي أسدية أم كنانية؟ مما يدلُّ على جهالتها.
الرابع: أن عروةَ لم يَرفع بحديثها رأسًا.
الخامس: انفرادها بحكم تعمُّ به البلوى، وهذه ريبةٌ توجبُ التوقف في قَبوله.
السادس: مخالفتها أكثر الصحابة، وما رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك الوُضُوءِ من مَسِّ الذَّكَرِ.
ونذكرُ أقوالَ مَن طعنَ على بُسْرةَ بما تقدَّم، ثم نجيبُ عنها بما وقعَ لنا مِن كلامِ أهلِ العلمِ- على النحوِ التالي:
قال ربيعةُ الرأي -شيخ الإمام مالك-: ((وَيْحَكُمْ! مِثل هذا يأخذ به أحد، ونعمل بحديث بُسْرةَ؟ ! واللهِ لو أن بُسْرةَ شهدتْ على هذه النعلِ، لَمَا أجزتُ شهادتها! إنما قِوَام الدين الصلاة، وإنما قِوام الصلاة الطهور! فلم يكن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن يقيم هذا الدين إلا بُسْرةَ؟ ! )).
أسندَهُ الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 71) من طريق ابن وهب، قال: أخبرني ابن زيد، عن ربيعة، به.
قال الخزرجيُّ -معلقًا على كلام ربيعة-: ((ولَعَمْري إنه صادقٌ فيما قال! لأن هذا حُكمٌ (يتعلق) بالرجالِ، فكيف تختص بروايتِهِ امرأةٌ؟ ! هذه تهمة توجب التوقف.
وقَبول الصحابة رضي الله عنهم خبر عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين- لا يناقضُ ما قلناه؛ لأنه حُكْم مشترك بين الرجال والنساء، وحديث التقاء الختانين ثبتَ في الصحيح عن أبي هريرة، وعكسه عن عثمانَ، وحديث عائشة رضي الله عنها كان مُرجِّحًا لا مُثْبِتًا)) (اللباب في الجمع بين السنة والكتاب 1/ 122)، وبنحوه قال العينيُّ في (نخب الأفكار 2/ 83).
وقال محمدُ بنُ الحسنِ الشيبانيُّ: ((والذي لا اختلافَ فيه عندنا أن عليَّ بنَ أبي طالبٍ، وعبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ، وعمَّارَ بنَ ياسرٍ، وحذيفةَ بنَ اليمانِ، وعمرانَ بنَ حُصينٍ رضي الله عنهم لم يَرَوا في مَسِّ الذَّكَرِ وُضُوءًا. فأين هؤلاء من بُسْرةَ بنة صفوان؟ ! وهل ذكرتموه عن أحد غيرها
…
فكيف نترك حديث هؤلاء كلهم واجتماعهم على هذا على حديث بُسْرةَ بنة صفوان، امرأة ليس معها رجل، والنساء إلى الضعف ما هن في الرواية.
وقد أخبرتْ فاطمةُ بنتُ قيسٍ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه أن زوجها طلقها ثلاثًا، فلم يجعلْ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سُكنى ولا نفقة. فأبى عمرُ رضي الله عنه أن يقبلَ قولها، وقال: مَا كُنَّا لنجيز في دِيننا قول امْرَأةٍ، لا نَدْرِي أَحفظتْ أو نَسِيتْ!
فكذلك بُسْرةَ بنة صفوان، لا نُجَوِّز قولها مع مَن خالفها من أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم) (الحجة على أهل المدينة 1/ 60، 64 - 65).
وقال ابنُ قتيبةَ الدِّينَوَريُّ: ((وبُسْرةَ أَوْلى بأن يُضَعَّف الحديث بها؛ لأنها امرأة، وقد جعلَ اللهُ شهادة امرأتين شهادة رجل
…
)) إلى أن قال: ((وحديث
بُسْرةَ ليس عليه إلا ابن عباس وعدد يسير)) (المسائل والأجوبة، صـ 90).
وقال أيضًا: ((لأنا لا نجدُ في وُضُوءِ الصلاةِ من مَسِّ الذَّكرِ حجة من كتابٍ ولا سُنَّةٍ ولا نظرٍ، فنحنُ على الأصلِ، ومعنا جُلة المهاجرين والأنصار والتابعين، وأكثر فقهاء المسلمين المتقدمين.
ولستُ مُستغنيًا بمذهبك إن بَطَل حديث بُسْرةَ عن حديث تشده به أصح منه، ولستَ تجده على ما ذكره إسحاق إلا أوهى وأضعف)) (المسائل والأجوبة (المسائل والأجوبة، صـ 96).
وقال إبراهيمُ الحربيُّ -في كتاب العلل-: ((حديث بُسْرةَ يرويه شرطي
(1)
عن شرطيٍّ عن امرأةٍ)) (التحقيق لابنِ الجوزيِّ 1/ 181)، و (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 535).
وقال الطحاويُّ: ((وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا وضوءَ فيه. واحتجوا في ذلك على أهل المقالة الأُولى، فقالوا: في حديثكم هذا أن عروةَ لم يَرفع بحديثِ بُسْرةَ رَأْسًا. فإن كان ذلك لأنها عنده في حالِ مَن لا يؤخذ ذلك عنها، ففي تضعيف مَن هو أقل من عروة بُسْرةَ ما يَسقط به حديثها، وقد تابعه على ذلك غيره)) (شرح معاني الآثار 1/ 71).
وأسندَ الطحاويُّ عن عباسِ بنِ عبدِ العظيمِ العنبريِّ يقول: سمعتُ عليَّ بنَ المدينيِّ يقول: ((حديثُ ملازمٍ هذا أحسن من حديث بُسْرةَ)).
فإن كان هذا الباب يؤخذُ من طريقِ الإسنادِ واستقامته، فحديثُ ملازم هذا، أحسن إسنادًا)) (شرح معاني الآثار 1/ 76).
(1)
كذا في المطبوع، ولعلَّ الصواب: يرويه مروان عن شرطي عن امرأة.
وذَكَر ابنُ منده في كتابه أن عمرو بن علي الفلاس قال: ((حديثُ قيسٍ أثبتُ من حديثِ بُسْرةَ)) (الإمام لابن دقيق العيد 2/ 267).
وقال أبو بكرٍ الجصاصُ: ((قد بينا أن شرطنا في قَبول الأخبار من طريق الآحاد- أن لا يكون بالناس إليه حاجة عامة، وأن ما عمَّت البلوى به لا يَكِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم علمه إلى الخاصةِ وإلى الأخبارِ الشاذةِ.
وإنما نقبلُ روايات الآحاد في الشيءِ الخاصِّ الذي يُبتلى به خواصٌّ منَ الناسِ، فيجيبُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه على حَسَب ورود الحادثة
…
ولم يَثبتْ عن أحدٍ من علماءِ السلفِ، وعلية الصدر الأول- إيجاب الوضوء من مَسِّ الذَّكرِ.
فإن قيل: قد كان ابنُ عمرَ رضي الله عنه يرى ذلك.
قيل له: قد كان ابنُ عمرَ مُصَعِّبًا على نفسِهِ في أمرِ الطهارةِ، وكان يَتَوضَّأُ لكلِّ صلاةٍ ومما غَيَّرتِ النارُ، ويُدْخِلُ الماءَ في عينيه في الوضوءِ. فجائزٌ أن يكونَ فَعَلَ ذلك على عادتِهِ المعروفة في التشديد في أمر الطهارة، وعلى جهة الاحتياط.
وابنُ عمرَ رضي الله عنه إنما أَخَذَ ذلك عن بُسْرةَ رضي الله عنها.
وقد عَلِمَ ابنُ عباسٍ برواية بُسْرةَ، فلم يلتفتْ إليها. وكذلك عامة مَن حكى عنه من الصحابة نفي الوضوء من مَسِّ الذَّكرِ، قد سمعوا حديث بُسْرةَ فلم يلتفتوا إليه، ولم يعملوا به غير ابن عمر رضي الله عنه) (شرح مختصر الطحاوي 1/ 401).
وقال القدوري: ((وعن سعيد بن منصور قال: حديث بُسْرةَ لا يساوي بعرة. فهذا طَعُن الأئمة عليه. وخبر الواحد لو سَلِم من الطعن لم يُقبل عندنا فيما
تعمُّ به البلوى، فمع الطعن أَوْلى)) (التجريد 1/ 187).
وقال البزدويُّ: ((صارَ المتواترُ يوجبُ علم اليقين. والمشهور عِلْم طُمأنينة. وخبر الواحد علم غالب الرأي. والمستنكر منه يفيد الظن، وإن الظن لا يُغني من الحَقِّ شيئًا. والمستتر منه في حيز الجواز للعمل به دون الوجوب. والله أعلم.
ومثال المستنكر: مثل حديث فاطمة بنت قيس، أن النبيَّ عليه السلام لم يجعل لها نفقة ولا سكنى، فقد ردَّه عمرُ رضي الله عنه فقال: لا نَدَعُ كتاب ربنا ولا سُنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امراة، لا ندري أصدقت أم كذبت، أحفظت أم نسيت! !
قال عيسى بن أبان: فيه أنه أرادَ بالكتابِ والسنةِ: القياس. وقد ردَّه غيره من الصحابة أيضًا.
وكذلك حديث بُسْرةَ بنت صفوان في مَسِّ الذَّكَر)) (أصول البزدوي، صـ 163)، وانظر (كشف الأسرار، لعلاء الدين البخاري 2/ 391).
وقال السرخسيُّ: ((وأما القسم الثالث -وهو الغريبُ فيما يعم به البلوى، ويَحتاج الخاص والعام إلى معرفته للعمل به- فإنه زيف؛ لأن صاحب الشرع كان مأمورًا بأن يبين للناس ما يحتاجون إليه، وقد أَمَرهم بأن ينقلوا عنه ما يَحتاج إليه مَن بعدهم.
فإذا كانت الحادثة مما تعم به البلوى، فالظاهر أن صاحب الشرع لم يترك بيان ذلك للكافة وتعليمهم، وأنهم لم يتركوا نقله على وجه الاستفاضة. فحين لم يشتهر النقل عنهم عَرَفنا أنه سهو أو منسوخ. ألا ترى أن المتأخرين لما نقلوه اشتهر فيهم؟ ! فلو كان ثابتًا في المتقدمين لاشتهر أيضًا وما تفرَّدَ الواحدُ بنقله مع حاجة العامة إلى معرفته
…
وعلى هذا الأصل لم نعمل
بحديث الوضوء من مَسِّ الذكر؛ لأن بُسْرةَ تفرَّدتْ بروايتِهِ مع عموم الحاجة لهم إلى معرفته.
فالقول بأن النبيَّ عليه السلام خصَّها بتعليم هذا الحكم، مع أنها لا تحتاج إليه، ولم يَعلم سائر الصحابة مع شدة حاجتهم إليه- شبه المحال)) (أصول السرخسي 1/ 368).
وانظر (كشف الأسرار لعلاء الدين البخاري 3/ 18)، حيثُ قالَ: ((
…
ومثل حديث مَسِّ الذَّكرِ الذي روته بُسْرةَ؛ فإنه شاذٌّ لانفرادها بروايتِهِ مع عموم الحاجة إلى معرفته؛ فدلَّ ذلك على زيافته؛ إذ القول بأن النبيَّ عليه السلام خصَّها بتعليم هذا الحكم، مع أنها لا تحتاج إليه، ولم يعلم سائر الصحابة مع شدة الحاجة إليه- شبه المحال، كذا ذكر شمس الأئمة رحمه الله).
وقال السرخسي أيضًا: ((وما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقلْ هذا بين يدي كبارِ الصحابةِ حتَّى لم ينقلْه أحدٌ منهم، وإنما قاله بين يدي بُسْرةَ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا؟ ! )) (المبسوط 1/ 66).
وقال المازَري -في عرض الآراء حول خبر الواحد إذا خالف ما تعم به البلوى-: ((فإذا تحققتَ أن من الأقسامِ ما يُقطع بكذبه إذا جاءَ آحادًا، وأردتَ أمثلة لهذا مما يقع الإشكال فيه، هل يلحق بهذه النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم من الأحكام، تعم البلوى به، وتمس الناس حاجة إلى العلم بحكمه، ويتكرر عليهم ما يقتضي السؤال عن حكمه كمس الذكر، فإنه مما يتكرر ويكثر في جملة الناس.
فإذا رَوَى واحدٌ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بالوضوءِ من مَسِّه، ولم يُسمعْ ذلك إلَّا من هذا الواحد؛ لم يُعمل به لكون انفراده بهذا ريبة لعموم حاجة الناس
كلهم إلى معرفة حكم هذا، وكثرة نزوله بهم. فمن حَقِّه أن يعلمه جميعهم أو أكثرهم، وينقلون ما سمعوا به. فإذا لم ينقلوا أو نقله واحد لا أكثر دونهم، استريب خبره ولم يصح العمل به، لا سيما إذا كان الراوي لنا امرأة بخبر مَسِّ الذَّكرِ، فإن الناقلَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالوضوءِ منه بُسْرةَ، وهي امرأةٌ لا حاجةَ لها في معرفة ذلك، ولا يصحُّ أن يخصَّ المرأة بذكرِ أحكام ذكور الرجال دون أن يعلم بذلك الرجال)) (إيضاح المحصول من برهان الأصول، صـ 523).
وقال ابنُ العربي: ((قال أصحابُ أبي حنيفةَ: لا يُقبل خبر بُسْرةَ ونظرائها في هذا الباب لوجهين:
أحدهما: أن هذا حديث يُروى عن امرأةٍ، والحكمُ معلَّق بالرجالِ، فكيفَ يختص برواية النساء؟ ! وهذه تهمةٌ توجب التوقف وريبة ربما أثرت في التحصيل.
وثانيهما: أن هذه مسألة يعم بها البلوى، وما تعم به البلوى فيه دليلٌ على ضَعْفِهِ)) (عارضة الأحوذي 1/ 117).
وقال أبو العباسِ الدَّاني: ((وقد طعنَ فيه قومٌ من ثلاثةِ أوجهٍ
…
والثالث: انفراد بُسْرةَ به من بين سائرِ الصحابةِ على كثرتهم؛ إذ لم يأتِ عن غيرِها من وجهٍ لا مطعنَ فيه، وهو مما تعم به البلوى. قالوا: وما كان كذلك لم تنفردْ به امرأةٌ لا سيما وهو من أحكامِ الرجالِ)) (الإيماء 4/ 262 - 265).
وقال الحازميُّ: ((وقال بعضُ من ذهبَ إلى الرخصة
…
قال: وأما بُسْرةُ فغيرُ مشهورةٍ، واختلافُ الرُّواةِ في نسبها يدلُّ على جهالتها؛ لأن بعضَهم يقول: هي كِنانية. وبعضُهم يقول: أسدية. ثم لو قَدَّرنا انتفاء الجهالة عنها ما كانت
أيضًا توازي طَلْقًا في كثرةِ روايته؛ إذ قلة روايتها تدلُّ على قلةِ صحبتها. ثم اختلاف الرواة في حديثها يدلُّ على ضَعْفِ حديثها، ثم حديثُ النساءِ إلى الضعفِ ما هو!
قالوا: وقد روينا عن عليِّ بنِ المدينيِّ، ومحله من هذا الشأن ما قد عُرِف- أنه قال ليحيى بنِ مَعِينٍ: كيف تتقلدُ إسناد بُسْرةَ، ومروان أرسلَ شرطيًّا حتى ردَّ جوابها إليه؟ !
وروينا عن أبي حفص الفلَّاسِ أنه قال: حديثُ قيسِ بنِ طَلْقٍ عندنا أثبتُ من حديثِ بُسْرةَ)) (الاعتبار، صـ 42 - 43).
وقال القرافيُّ: ((وأورد الحنفيةُ على حديثِ بُسْرةَ عَشَرة أسئلة
…
وثالثها: أن ربيعةَ شيخ مالك رحمه الله قال: لو شَهِدَتْ بُسْرةَ في بَقْلة ما قَبِلْتُها.
وسادسها: أن الرجلَ أَوْلى بنقله من بُسْرةَ.
وسابعها: أنه مما تعم به البلوى، فينبغي أن يُنقل مستفيضًا، ولما لم يكن كذلك دَلَّ على ضَعْفِهِ.
وثامنها: إنكار أكابر الصحابة رضي الله عنهم لحكمه؛ كعليٍّ وابنِ مسعودٍ، فيقولُ عليٌّ: ما أبالي مسستُه أو مسستُ طرف أنفي. ويقولُ ابنُ مسعودٍ: إن كان شيءٌ منك نجسًا فاقطعه.
وعاشرها: أنه مُعارَضٌ بحديثِ طَلْقٍ، والقياسُ على سائرِ الأعضاءِ)) (الذخيرة 1/ 222).
وقال بدرُ الدينِ العينيُّ: ((وقد يقال: إن بُسْرةَ غيرُ مشهورةٍ لاختلافِ الرُّواةِ في نسبها؛ لأن بعضَهم يقولُ: هي كنانية. وبعضُهم يقول: هي أسدية. ولو
سَلِم عدم جهالتها فليستْ تُوازي طَلْقًا في شهرته وكثرة روايته وطول صحبته. وبالجملة فحديثُ النساءِ إلى الضعفِ لا يُوازي حديث الرجال)) (شرح سنن أبي داود 1/ 428).
وقال أيضًا: ((وأيضًا: إن عروةَ لم يرفعْ بحديث بُسْرةَ رأسًا. يعني لم يعتبره ولم يلتفتْ إليه؛ وذلك إما لكون بُسْرةَ عنده ممن لا يوجد مثل ذلك الحكم عنها، وذلك لكونها انفردتْ بهذه الرواية مع عموم الحاجة إلى معرفته، وما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقلْ هذا بين يدي كبار الصحابة، ولم ينقله أحدٌ منهم؟ ! إنما قاله بين يدي بُسْرةَ، وقد كَانَ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا
…
)) (البناية شرح الهداية 1/ 299)، وانظر (نخب الأفكار 2/ 81).
وقال -في (نخب الأفكار 2/ 82) -: ((ومع هذا كله يخالف حديثُ بُسْرةَ ما رُوي عن عمرَ، وعليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عباسٍ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، وعمرانَ بنِ حُصينٍ، وحذيفةَ بنِ اليمانِ، وأبي الدرداءِ، وعمارِ بنِ ياسرٍ، وسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ، وأبي أمامةَ، وسعيدِ بنِ المُسيَّبِ، وسعيدِ بنِ جُبيرٍ، وإبراهيمَ النَّخَعيِّ، وربيعةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، وسفيانَ الثوريِّ، وجماعةٍ أخرى.
فهل يَسَع للمُنْصِفِ في دينه أن يتركَ قولَ هؤلاءِ الأعلامِ منَ الصحابةِ الأجلاء ومِنَ التابعين العظماء، ويعمل بحديثِ بُسْرةَ الذي لما جرى أمره في زمن مروان بن الحكم، وشاورَ مَن بقي من الصحابة في زمانه، قالوا: لا نَدَعُ كتاب ربنا ولا سُنة نبيه بقول امرأة، لا ندري أصدقت أم كذبت؟ ولهذا قال ربيعة: والله لو شَهِدَتْ بُسْرةَ على هذا النعل لما أجزتُ شهادتها)).
قلنا: هذه أهم الطعون التي طُعِن بها على بُسْرةَ، ويجابُ عن هذه الطعون بما يلي:
أما الأمر الأول: فالقولُ بأنها امرأة لا يضرُّ إذ ثبتتْ صحبتها، وهذه لا يختلف أهل العلم فيها، ولم يُنْكِر أحدٌ فيما وقفنا عليه ذلك، ونَقْلُ النساءِ والرجال سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد، وإلا رددنا سننًا كثيرة انفردَ بها أزواجُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وقد احتجَّ الشافعيُّ على من يقول: (حديث امرأة) بقوله: ((فقلتُ: تَرُدُّ حديث بُسْرةَ بنت صفوان مُهاجِرة معروفة بالفضل- بأن تقول: (حديث امرأة) وتحتجُّ بحديثِ امرأة ليست عندك منها معروفة أكثر من أن زوجها روى عنها؟ ! )) (الأم 4/ 74).
قال المازريُّ: ((واعتلالهم بأن بُسْرةَ امرأةٌ لا يَحْسُنُ خصوصها بذكرِ هذا دون الرجال- جوابه أنه من الممكنِ أن يكونَ المخاطبُ رجالًا سمعتِ الخطابَ لهم، ثم افترقوا واندرسوا قبل النقل واختُرِموا دونه، أو لهم عذرٌ مما تقدمتِ الإشارةُ إليه)) (إيضاح المحصول من برهان الأصول، صـ 525 - 526).
وقال ابنُ العربيِّ: ((إن هذا الحكمَ متعلقٌ بالرجالِ فلا يُقبلُ فيه النساء.
فنقول: فإن كان حكم يُقبل فيه النساء كان مختصًّا بهن أو عامًّا، قال الله تعالى:{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} . ...... وقد قبلت الصحابة حديث عائشة في التقاء الختانين، ونُسِخ به ((المَاءُ مِنَ المَاءِ)) وهو حديث امرأة. وهذا أعظم فإنه نُسِخ بحكم مستقر. وحديث مس الذكر لم يَنسخ شيئًا
…
)) (عارضة الأحوذي 1/ 117).
وقال -في (القبس شرح موطأ مالك بن أنس، صـ 165) -: ((وأعجبُ من هذا ما حَكَاهُ الدارقطنيُّ أيضًا عن أحمدَ بنِ حَنبلٍ ويحيى بنِ مَعِينٍ، أنه
ليس في مَسِّ الذَّكرِ حديثٌ صحيحٌ! ! مع أنهم يتلون حديث مالك، رضي الله عنه، عن بُسْرةَ! إلا إن مالوا إلى طريق المعنى وقالوا بقول أبي حنيفة، بأن قولَ بُسْرةَ -وهي امرأةٌ- في مثل هذه النازلة التي تتعلق بالرجال ولا يرويها أحد سواها- بعيدٌ.
وهذا قولٌ ضعيفٌ؛ لأن الله تعالى لم يُرِد أن يُجري السُّنةَ مُجرى القرآن حتى يتولى حفظها كما تولى حفظه. وإنما أرادَ تعالى أن يكون القرآنُ محفوظًا نصًّا معلومًا قطعًا. وأن تكون السنةُ يلتقطها الرواة التقاطًا، ويؤخذ من كلِّ أحد ما سَمِع منه، حتى من النساء والرجال؛ ولذلك قال تعالى. {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} الآية، فما اجتمع من السُّنة اجتمع، وما خفي منها في وقتٍ سيظهر في وقتٍ آخر. بل كان كثير من الصحابة يقبضون أنفسهم عن ذكرها.
فلا تستبعدوا -بَصَّركم اللهُ تعالى- والحالة هذه أن تَضبطَ امرأةٌ ما يفوتُ رجلًا، وأن يَذكر امرؤ ما نَسِي آخر))، وانظر (المسالك 2/ 179 - 180)، و (أحكام القرآن 3/ 572 - 573).
وقال أبو العباسِ الدَّاني عن قول ربيعة: ((ذكره الطحاويُّ في معاني الآثار، وفيه غلوٌ)) (الإيماء 4/ 266).
وقال أيضًا: ((والجواب عن هذا أن يقالَ: إن الصحابةَ كلهم ذَكَرهم وأُنثاهم محمولون على العدالة والصدق؛ لاختيار الله تعالى إياهم، وثناءه عليهم
…
إلى أن قال: فما نقله واحدٌ منهم عنه صلى الله عليه وسلم وجبَ قَبوله. وعلى هذا جمهورُ السلفِ إلا مَن شَذَّ)) (الإيماء 4/ 267 - 270).
وقال ابنُ الجوزيِّ: ((وما حكوه عن الحربيِّ فبعيدٌ؛ لأن قولَه: (عن امرأة)
يدلُّ على وهن، وليس في الصحابيات مغمزٌ)) (التحقيق 1/ 182).
وقال القرافيُّ: ((عدم استقلال المرأة في الشهادة لا يدلُّ على عدمِ قَبولِ روايتها، وإلا لما قُبلتْ رواية عائشة رضي الله عنها (الذخيرة 1/ 222).
وقال ابنُ المُلقِّنِ: ((وقولُ إبراهيمَ الحربيِّ السالف على تقدير ثبوته عنه - ليس بجيدٍ منه؛ لأن قولَه: (عن امرأةٍ) يدلُّ على وهنٍ، وليس في الصحابيات مغمزٌ، ولله الحمد)) (البدر المنير 2/ 460).
أما الأمر الثاني: فالقولُ بجهالةِ بُسْرةَ وعدم اشتهارها قول غير صحيح؛ فإن بُسْرةَ من سيدات قريش، كما قال الحاكمُ في (المستدرك 1/ 473).
ورَوَى من طريقِ أحمد بن زهير أبي خيثمة، وهو عنده في (تاريخه - السِّفر الثاني 3385) قال: أخبرنا مصعب بن عبد الله قال: ((بُسْرةُ بنتُ صفوان بن نوفل بن أسد، من المُبايِعاتِ، ورقةُ بنُ نوفلٍ عمُّها، وليس لصفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قُصَيّ عقب إلا مِن قِبَل بُسْرةَ، وهي أم معاوية بن المغيرة بن أبي العاصي، جدة عائشة بنت معاوية أم أبيها، وعائشة هي أم عبد الملك بن مروان، وبُسْرةَ بنت صفوان هي التي حَدَّثَ عنها مروان بن الحكم أنها سمعتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الوُضُوءُ))، وهي من المبايعاتِ، وما كانتْ تفارقُ منزل مروان بن الحكم)). اللفظ للتاريخ.
وأسندَ الحاكمُ في (المستدرك 483) إلى منصور بن سلمة الخزاعي، قال: قال لنا مالك بن أنس: ((أتدرون مَن بُسْرةُ بنتُ صفوان؟ هي جَدة عبد الملك بن مَرْوان، أم أمه، فاعرفوها)). وسندُهُ صحيحٌ.
وترجمَ ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 3/ 37) لبُسْرةَ، فقال: ((بُسْرةُ بنتُ صفوان بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، من المهاجرات، خديجة امرأة
رسول الله صلى الله عليه وسلم عمة أبيها)).
وانظر: (معرفة الصحابة لأبي نعيم 6/ 3271)، و (السنن الكبير للبيهقي 1/ 384)، و (الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1796)، و (أسد الغابة، ط/ العلمية 7/ 38)، و (تهذيب الأسماء واللغات 2/ 332)، و (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 11/ 271)، و (الإصابة في تمييز الصحابة 13/ 205)، وغيرها.
ولذا قال الشافعيُّ: ((والذي يَعيبُ علينا الرواية عن بُسْرةَ- يَروي عن عائشة بنت عَجْرَد، وأم خِداش، وعِدَّة من النساء لسن بمعروفاتٍ في العامةِ، ويحتجُّ بروايتهن. ويُضَعِّف بُسْرةَ مع سابقتها، وقديم هجرتها، وصحبتها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حَدَّثتْ بهذا في دار المهاجرين والأنصار، وهم متوافرون، فلم يدفعه منهم أحدٌ، بل عَلِمنا بعضهم صارَ إليه عن روايتها، منهم عروة بن الزبير، وقد دَفَع وأَنْكَرَ الوضوء من مَسِّ الذَّكَرِ قبل أن يسمعَ الخبرَ، فلما عَلِم أن بُسْرةَ روتْهُ قال به وتَرَك قولَه)) (معرفة السنن 1/ 394).
وقال ابنُ حزمٍ: ((وبُسْرةُ مشهورةٌ، من صواحبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم المبايعاتِ المهاجراتِ- هي بُسْرةُ بنتُ صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، بنت أخي ورقة بن نوفل، وأبوها ابنُ عَمِّ خديجة أم المؤمنين)).
وقال أيضًا: ((وصَحَّ أن بُسْرةَ مشهورةٌ صاحبة، ولقد كان ينبغي لهم أن ينكروا على أنفسهم شرع الدين وإبطال السنن برواية أبي نصر بن مالك، وعمير، والعالية زوجة أبي إسحاق، وشيخ من بني كنانة، وكل هؤلاء لا يَدرى أحدٌ مِن الناسِ مَن هم؟ (المحلى 1/ 236 - 240).
وقال الحاكمُ: ((وقد ثبتَ بما ذكرناه اشتهار بُسْرةَ بنت صفوان، وارتفع
عنها اسم الجهالة بهذه الروايات)) (المستدرك 1/ 474).
وقال البيهقيُّ: ((فأما ما قال الشافعيُّ في اشتهارِ بُسْرةَ بنت صفوان، فهو كما قال)) (معرفة السنن 1/ 396) ثم أسندَ كلامَ مُصعبٍ ومالكٍ المتقدم.
وقال أيضًا: ((وفيما ذَكَر الشافعيُّ، وذِكْرنا عن غيره من بيان حال بُسْرةَ، ومعرفتها، وتصديق عروة إيَّاها، ورجوعه إلى روايتها- ما يَكشف عن ثقتها، وثقة مَن حَمَل الحديث عنها، مع ما روينا من سؤاله بُسْرةَ عن الحديث وتصديقها مَن حَدَّثه عنها)) (معرفة السنن والآثار 1/ 398).
وقال الحازميُّ: ((أجابَ مَن ذَهبَ إلى الإيجابِ، وقال: لا يُنكِر اشتهار بُسْرةَ بنت صفوان بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومتانة حديثها- إلا مَن جَهِل مذاهب التحديث، ولم يُحِط علمه بأحوال الرواة)) (الاعتبار، صـ 43)، وانظر (الإمام لابن دقيق العيد 2/ 291).
وقال ابنُ القيم: ((وبُسْرةُ هذه من الصحابيات الفضليات. قال مالكٌ: أتدرون مَن بُسْرةُ بنت صفوان؟ هي جدة عبد الملك بن مروان، أم أمه، فاعرفوها. وقال مصعب الزبيري: هي بنت صفوان بن نوفل، من المُبايِعاتِ وورقة بن نوفل عمها. وقد ظَلَم مَن تَكلم في بُسْرةَ وتَعَدى)) (حاشيتة على سنن أبي داود 1/ 308).
وقال ابنُ المُلقِّنِ: ((وأما الجواب عن الثالث: فكَذَبَ وافترى مَن ادَّعى جهالةَ بُسْرةَ؛ فإنها بُسْرةُ بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى
…
)) (البدر المنير 2/ 459).
أما الجواب عن الأمر الثالث -وهو الاختلاف في نسبها- فقد قال ابنُ عبدِ البرِّ: ((وقد اختُلف في بُسْرةَ هذه: فقيل: هي من كنانة. ومَن قال هذا جعلها خالة
مروان لا خالة عبد الملك، وأم مروان بنت علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث الكناني.
فعلى هذا تكون بُسْرةَ عمة أم مروان. وإلى هذا ذهب ابن البرقي، وليسَ بشيءٍ.
والصحيح أنها بُسْرةُ بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، قرشية أسدية. قال الزبير بن بكار: ليس لصفوان بن نوفل عقب إلا من بُسْرةَ هذه. قال: وهي أم معاوية بن المغيرة بن أبي العاصي، جَدة عائشة بنت معاوية، وعائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاصي هي أم عبد الملك بن مروان.
هذا قول الزبير وعمه مصعب، وهو أصحُّ ما قيل في ذلك إن شاء الله)) (التمهيد 17/ 189).
ولكن تَعَقَّبه مُغلطَاي فقال: ((وفيه نظر؛ لأن أسد بن عبد العزى لا مخرج له عن نسب كنانة، فكأن البرقي نسبها إلى الجذر لا إلى الفصيلة. والله أعلم)) (شرح ابن ماجه 1/ 538).
أما الجواب عن الأمر الرابع -وهو أن عروةَ لم يرفعْ بحديثها رأسًا- فالجوابُ عنه من وجهين:
الوجه الأول: أن المحفوظَ في الحديثِ أن عروةَ لم يرفعْ بحديثِ مروان رأسًا وليس بُسْرةَ، كما تقدَّمَ عند الأمر الثاني في الطعون على الحديث عمومًا.
الوجه الثاني: قال مغلطاي: ((قوله: (إن عروة لم يرفع بحديث بُسْرةَ رأسًا، وذلك أنها عنده في حال مَن لا يؤخذ عنها) فغير صحيح لكونها صحابية
معروفة الصحبة، ومَن كانت بهذه المثابة فأَجدر بأن يُرفعَ لحديثها الرءوس! ! قال الحاكمُ: (هي من سيدات قريش
…
) وأيضًا: فقد أسلفنا أنه أَخَذَ عنها هذا الحديث نفسه وحَدَّثَ به عنها بغير واسطة كما سَبَقَ، فدلَّ أنها عنده أهل وموضع للرواية، لا كما زعم، لا سيما عمله بما روته له ورجوعه إليه بعد إنكاره ذلك)) (شرح ابن ماجه 1/ 537 - 539).
أما الجوابُ عن الأمرِ الخامسِ -وهو انفرادها بحكم تعم به البلوى، وهذه ريبة توجب التوقف في قَبوله- فلم تنفردْ به بُسْرةُ، وإنما رُوي عن بضعة عشر صحابيًّا غيرها، بين رجل وامرأة، وإن كانت جميعها معلولة، كما سيأتي.
قال الشافعيُّ: ((قد روينا قولنا عن غير بُسْرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم)(معرفة السنن 1/ 394).
وقال أبو بكرٍ الأثرمُ: ((سُئِلَ أبو عبد الله عن الوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ، فقال: نعم، نَرى الوُضُوءَ مِن مَسِّ الذَّكَرِ. قيلَ له: فمَن لم يره أتعنفه؟ قال: الوُضُوءُ أَقْوَى. قيل له: فمَن قال: (لَا وُضُوءَ)؟ قال: الوُضُوءُ أكثرُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعن أصحابِهِ والتابعين)) بواسطة (التمهيد لابن عبد البر 17/ 199).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((وأما الذين رووا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الصحابة في مَسِّ الذَّكَرِ مثل رواية بُسْرةَ وأم حبيبة؛ فأبو هريرة، وعائشة، وجابر، وزيد بن خالد، ولكن الأسانيد عنهم معلولة)) (التمهيد 17/ 194).
وقال المازريُّ: ((وأُجِيبُوا على هذا بأنه قد رواه أربعة عشر من الصحابة، بين رجل وامرأة. وهذا يوجب انتشاره. ورجحوا أيضًا بأن الأخبارَ الواردةَ معلولةٌ)) (شرح التلقين 1/ 192).
وقال المنذريُّ: ((وقد وقعَ لنا هذا الحديثُ من رواية عبد الله بن عمر،
وعبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله، وزيد بن خالد، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة، وعائشة، وأم حبيبة رضي الله عنهم) (مختصر سنن أبي داود 1/ 70).
وقال القاضي أبو الطيبِ: ((قال أصحابُنَا: رَوَى الوضوءَ مِن مَسِّ الذَّكَرِ بضعة عشر نفسًا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)(المجموع شرح المهذب 2/ 42).
وقال القرافيُّ -في الجواب عن السادس والسابع-: ((إنَّ الخبرَ رواه نحو خمسة عشر من الرجال والنساء)) (الذخيرة 1/ 223).
وقال ابنُ المُلقِّنِ: ((ولم تنفردْ بُسْرةُ -أيضًا- بهذه السُّنَّةِ، بل رواها جماعاتٌ منَ الصحابةِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غيرها: أبو هريرة، وزيد بن خالد
…
فهؤلاء سبعة عشر من الصحابة رووا مثل رواية بُسْرةَ، وذَكَر الترمذيُّ منهم ثمانية، وأَهْمَل (تسعة) وذَكَر الحاكمُ منهم عَشَرة وأَهْمَل سبعة؛ فاستفدهم)) (البدر المنير 2/ 465).
وقال ابنُ حَجرٍ: ((وفي الباب: عن جابر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وزيد بن خالد، وسعد بن أبي وقاص، وأم حبيبة، وعائشة، وأم سلمة، وابن عباس، وابن عمر، وعلي بن طَلْق، والنعمان بن بَشير، وأنس، وأُبَي بن كعب، ومعاوية بن حَيْدة، وقَبيصة، وأَرْوَى بنت أُنيس)). (التلخيص الحبير 1/ 216).
ولذا عَدَّ غَيرُ واحدٍ أحاديثَ الوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ منَ المتواترِ.
فذكره السيوطيُّ في (قطف الأزهار المتناثرة، صـ 61)، وتبعه المناويُّ في (فيض القدير 6/ 228)، والكتانيُّ في (نظم المتناثر، صـ 65).
وقال الزرقانيُّ: ((واعلم أن حديثَ الوضوءِ مِن مَسِّ الفَرْجِ متواترٌ، أخرجه مَن سَبَقَ عن بُسْرةَ. وابنُ ماجه عن جابرٍ وأُمِّ حبيبةَ. والحاكمُ عن سعدٍ، وأبي هريرةَ، وأُمِّ سلمةَ. وأحمدُ عن زيدِ بنِ خالدٍ الجُهَنيِّ، وابنِ عمرٍو. والبزارُ عن ابنِ عمرَ وعائشةَ. والبيهقيُّ عنِ ابنِ عباسٍ وأروى بنتِ أُنيس. وذَكَره ابنُ منده عن أُبيٍّ، وأنسٍ، وقَبيصةَ، ومعاويةَ بنِ حَيْدةَ، والنعمانِ بنِ بَشيرٍ. وأصحها كما قال البخاريُّ حديثُ بُسْرةَ)) (شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 189).
وأما مسألةُ خبرِ الواحدِ إذا خالفَ ما تعمُّ به البلوى، فالجمهورُ على قَبوله، خِلافًا لبعض الأحنافِ.
قال الغزاليُّ: ((مسألةُ خبرِ الواحدِ فيما تعمُّ به البلوى- مقبول، خِلافًا للكَرْخي وبعضِ أصحابِ الرَّأْي؛ لأن كلَّ ما نقله العدلُ وصِدْقه فيه ممكن وجبَ تصديقه.
فمسُّ الذَّكَر مثلًا نقله العدلُ وصِدْقه فيه ممكن، فإنا لا نقطعُ بكذبِ ناقلِهِ.
بخلاف ما لو انفردَ واحدٌ بنقلِ ما تحيلُ العادةُ فيه أن لا يستفيض؛ كقتلِ أميرٍ في السوقِ، وعَزْل وزيرٍ، وهجوم في الجامع مَنَع الناسَ منَ الجمعةِ، أو كخسفٍ أو زلزلةٍ أو انقضاضِ كوكبٍ عظيمٍ
…
وغيره منَ العجائبِ، فإن الدَّواعي تتوفرُ على إشاعة جميع ذلك ويستحيلُ انكتامه)) (المستصفى، 1/ 321)، وانظر (أصول الفقه لابنِ مُفْلحٍ 2/ 616 - 618).
ولذا قال الشافعيُّ: ((وقد حَدَّثَتْ
(1)
بهذا في دار المهاجرين والأنصار، وهم
(1)
الكلام عائد على بسرة بنت صفوان.
متوافرون، فلم يدفعه منهم أحدٌ، بل عَلِمنا بعضَهم صارَ إليه عن روايتها، منهم عروة بن الزبير، وقد دَفَع وأنكرَ الوضوءَ من مَسِّ الذَّكرِ قبل أن يسمعَ الخبرَ، فلما عَلِمَ أن بُسْرةَ رَوتْهُ قال به وتَرَك قولَه)) (معرفة السنن 1/ 394).
وقال ابنُ حزمٍ: ((وقال بعضُهم: هذا مما تعظم به البلوى، فلو كان لما جهله ابنُ مسعودٍ، ولا غيرُهُ منَ العلماءِ! ! وهذه حماقةٌ، وقد غابَ عن جمهورِ الصحابةِ رضي الله عنهم الغُسل من الإيلاج الذي لا إنزال معه، وهو مما تكثر به البلوى. ورأى أبو حنيفةَ الوضوءَ منَ الرُّعافِ -وهو مما تكثر به البلوى-، ولم يَعرفْ ذلك جمهورُ العلماءِ. ورأى الوُضُوءَ من ملء الفم من القَلْس، ولم يره من أقل من ذلك. وهذا تعظم به البلوى، ولم يَعرفْ ذلك أحدٌ من ولد آدم قبله. ومثل هذا لهم كثير جدًّا.
ومثل هذا من التخليط لا يُعارِض به سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مخذول)) (المحلى 1/ 240).
وقال أبو العباسِ الدَّاني: ((وأما قولهم: (إن هذا مما تعم به البلوى، فكيف تنفردُ به امرأةٌ؟ ! ) فلعلَّه قد كان مستفيضًا عند الصحابة إذ كانوا متوافرين، واكتفَوا بشهرته عندهم عن نقله. وإنما وقعَ الخلافُ فيه بعد أن ذهبَ معظمهم، فاحتيج إلى بُسْرةَ لتأخر وفاتها، ولما أَخبرتْ به لم يُنكِر ذلك عليها أحدٌ منَ الصحابةِ)) (الإيماء 4/ 270 - 271).
أما الجواب عن الأمر السادس -وهو مخالفتها لأكثر الصحابة، وما رُوي عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من تركِ الوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكَرِ- فإن عبدَ اللهِ بنَ عمرَ وغيرَهُ ذهبوا إلى حديثِ بُسْرةَ وعملوا به. وقد سَبَقَ عن أحمدَ أن الوضوءَ من مَسِّ الذَّكرِ أكثر عن الصحابة. وما جاءَ من حديثِ طَلْقٍ وغيرِهِ في معارضة حديثها فإن العلماءَ لم يتفقوا على قَبولِهِ، بل الأكثر على تضعيفه، كما
سيأتي.
قال الخَطَّابيُّ: ((قد ذَهَبَ إلى إيجابِ الوضوءِ من مَسِّ الذَّكَرِ جماعةٌ من السَّلفِ، منهم عمر، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، رضوان الله عليهم)) (معالم السنن 1/ 65).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((وأما الصحابة القائلون بإيجاب الوضوء مِن مَسِّ الذَّكَرِ: فعمر بن الخطاب، وابن عمر، وأبو هريرة -على اختلافٍ عنه- والبراء بن عازب، وزيد بن خالد الجُهَني، وجابر بن عبد الله، وسعد بن أبي وقاص -في رواية أهل المدينة عنه-)) (الاستذكار 3/ 32)، وبنحوه قال الحازميُّ في (الاعتبار، صـ 40).
ولذا قال البيهقيُّ: ((فأما ما احتجوا به من أقاويل الصحابة، فقد رجَّحَ الشافعيُّ قولَ مَن أوجبَ منه الوضوء على قول من لم يوجبه، بأن الذي قال: (لا وُضُوءَ فيه) إنما قاله بالرأي. والذي أوجب الوضوء فيه لا يوجبه إلا بالاتباع لأن الرأي لا يوجبه.
هذا، والوُضُوءُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثابتٌ، وما ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يكن في قولِ أحدٍ خالفه حجة على قوله)) (معرفة السنن 1/ 412).
وقال القرافيُّ: ((الحديثُ لم يَثبتْ عندهم وثبتَ عند غيرهم، ولا يجبُ في الصحابيِّ أن يطلعَ على سائرِ الأحاديثِ)) (الذخيرة 1/ 223).
قلنا: ولكن قول أحمد المتقدم عن أكثرِ الصحابةِ يخالفه نقل محمد بن الحسن، وابن قتيبة المتقدم. وقال إسحاقُ بنُ راهويه:((وأكثرُ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على الرخصةِ)) (مسائل أحمد وإسحاق، رواية الكوسج 2/ 405).
ولم يصحَّ في الوضوءِ من مَسِّ الذَّكَرِ قولٌ عن أحدٍ من الصحابةِ، إلا عن
ابنِ عمرَ، وقيل: سعد بن أبي وقاص، وعائشة.
قال البيهقيُّ: ((وقد صَحَّتِ الروايةُ عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وعائشة بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم أنهم كانوا يوجبون الوضوء إذا مَسَّ الذَّكَرَ)) (الخلافيات 2/ 276).
قلنا: هذا أكثر ما ذُكر في هذا الحديثِ من طعون، وما أجابَ به مَن ذَهب إليه، وقد ذكرنا في ثنايا التحقيق كثيرًا من المصححين له ومَن طعنوا فيه، ونذكر منَ المصححين والأقوال ممن لم نذكرهم جملة:
فروى عبدُ الملكِ الميمونيُّ عن ابنِ مَعِينٍ، أنه قال:((إنما يَطعنُ في حديثِ بُسْرةَ مَن لا يذهبُ إليه)) (التحقيق لابنِ الجوزيِّ 1/ 182) و (البدر المنير 2/ 461).
وسياقه عند مغلطاي أتم، فقال:((وفي كتابِ الميمونيِّ: قلتُ لابنِ مَعِينٍ: أيُّ حديثٍ عن النبيِّ عليه السلام أثبتُ في الوُضُوءِ مِن مَسِّ الذَّكرِ؟ قال: حديثُ بُسْرةَ صحيحٌ، مِن أثبتها، وإنما يطعنُ عليه مَن لا يذهبُ إليه. قلتُ: فلِمَ لا تَتَوضَّأُ أنتَ مِنه؟ ! قال: لأني رأيتُ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يَتَوَضَّأُ بعضُهم. قلتُ: فإذا اختلفَ الصحابةُ في شيءٍ وأنتَ تجدُهُ عن النبيِّ عليه السلام تدعه؟ ! )) (شرح ابن ماجه 1/ 531 - 532).
قلنا: وتقدَّمَ عن مُضَر بن محمد أنه قال: سألتُ يحيى بنَ مَعِينٍ: أيُّ حديثٍ يصحُّ في مَسِّ الذَّكَرِ؟ فقال يحيى: لولا حديثٌ جاءَ عن عبد الله بن أبي بكر لقلتُ: لا يصحُّ فيه شيءٌ؛ فإن مالكًا يقول: حدثنا عبد الله بن أبي بكر قال: حدثنا عروة قال: حدثنا مروان قال: حدثتني بُسْرةَ)) (الاستذكار 3/ 27 - 28).
قلنا: هذه الحكايةُ أسندَها ابنُ عبدِ البرِّ عن شيخِهِ خَلَف بن القاسم، قال: حدثنا محمد بن زكريا بن يحيى المقدسي ببيت المقدس، قال: حدثنا مضر بن محمد، به. وابنُ زكريا هذا لم نجدْ لَهُ ترجمةً.
ورُويت عن مُضَر من وجهٍ آخرَ، ذَكَره ابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 302) قال: "ورَوَى علي بن عبد الله بن الفضل البغدادي، ثنا إبراهيم بن محمد بن خالد الحربي، ثنا مضر بن محمد، قال:((سألتُ يحيى بنَ مَعِينٍ عن مَسِّ الذَّكَرِ، أيُّ شيءٍ أصحُّ فيه منَ الحديثِ؟ قال يحيى بنُ مَعِينٍ: لولا حديث مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، فإنه يقول فيه: (سمعت، قال: سمعت)، لقلتُ: لا يصحُّ فيه شيءٌ
…
). قال: نقلته من (الجزء الثاني من منتقى أبي الحسن الدارقطني على ابن الفضل).
وهذا أيضًا إلى مضر لا يصحُّ، فيه: إبراهيم بن محمد بن خالد الحربي، لم نجدْهُ. وفي سياقته هذه مخالفة لسياقة المقدسي، سيأتي التنبيه عليها في حديث أم حبيبة رضي الله عنها.
وقال مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 532): ((ولما سأله مضر بن محمد قال: ما صَحَّ فيه شيءٌ إلا حديث بُسْرةَ، وحديث بُسْرةَ فيه شيء)).
وقال أبو داود: ((قلتُ لأحمدَ: حديثُ بُسْرةَ ليس بصحيح في مَسِّ الذَّكرِ؟ قال: بلى هو صحيح؛ وذلك أن مَرْوانَ حدَّثهم، ثم جاءهم الرسولُ عنها بذلك)) (سؤالات أبي داود لأحمد 1966).
وروى يعقوبُ بنُ سفيانَ عن أحمدَ أنه سُئِلَ عن حديثِ بُسْرةَ فقال: "هو صحيحٌ، وأنا أذهبُ إليه. قِيلَ له: على الاختيارِ أو على الوجوبِ؟ قال: على الاختيارِ"(شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 531).
وصَحَّحَهُ: أبو علي بن السكن، حيثُ ذكره في كتابه الصحيح مصححًا له، كما في (التمهيد 17/ 193)، وقال:((كان أحمدُ بنُ حنبلٍ يذهبُ إلى حديثِ بُسْرةَ ويختارُهُ)).
وقال أيضًا: ((إن صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مَسِّ الذَّكَرِ شيءٌ، فحديثُ بُسْرةَ)) (التمهيد 17/ 194).
وقال ابنُ الصَّلاحِ: ((هذا الحديثُ حسنٌ ثابتٌ من حديثِ بُسْرةَ بنتِ صفوان، أخرجه أصحابُ كتب السنن بأسانيد، ولم يخرج في الصحيحين)) (شرح مشكل الوسيط 1/ 190).
وقال النوويُّ: ((واحتج أصحابنا بحديث بُسْرةَ، وهو صحيح)) (المجموع 2/ 42)، وانظر (خلاصة الأحكام 1/ 133).
وقال ابنُ الأَثيرِ: ((هذا حديثٌ صحيحٌ، أخرجه مالكٌ في (الموطأ)، وأبو داود، والترمذيُّ، والنسائيُّ)) (الشافي شرح مسند الشافعي 1/ 245).
وحكى أبو الحسن محمد بن أحمد النصراباذي الفقيه- قال: ((استقبلني أبو حامد ابن الشرقي وأنا متوجه إلى منزلي، فقلتُ: أيها الشيخ، ما تقول في مَسِّ الذَّكَرِ، أيصح من جهةِ الإسنادِ؟ فقال: بلى، هو حديثٌ صحيحٌ. فقلتُ: إن مشايخَ أصحابك يقولون: لا يصحُّ! قال: مَن يقولُ هذا؟ ! قلتُ: أبو بكر بن إسحاق، وأبو علي الحافظ. فقال: أما أبو بكر بن إسحاق فقد سَبَقَ مني أني لا أقول في (حديثه) شيئًا. وأما أبو علي فلقيط (لا) يدري ما الحديث. وأما أنت فحائك، والحديثُ صحيحٌ! ! )) (البدر المنير 2/ 463).
وقال ابنُ المُلقِّنِ: ((هذا حديثٌ صحيحٌ، أخرجه الأئمةُ الأعلامُ أهلُ الحَلِّ والعَقْدِ والنقلِ والنقدِ: مالكٌ في (الموطأ)، والشافعيُّ في (الأم)، والإمامُ
أحمدُ في (المسند)، وكذا الدارميُّ، وأصحابُ السننِ الأربعة: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وابنُ الجارودِ في (المنتقى)، والبيهقيُّ في كتبه الثلاثة:(السنن الكبير)، و (المعرفة)، و (الخلافيات). وإمامُ الأئمةِ محمدُ بنُ إسحاقَ بنِ خُزيمةَ، وتلميذُهُ أبو حَاتمِ بنُ حِبَّانَ في (صحيحيهما) والحاكمُ أبو عبدِ اللهِ في (مستدركه على الصحيحين)، بالأسانيدِ الصحيحةِ المتصلةِ)) (البدر المنير 2/ 452).
وقال ابنُ الهُمَام: ((وكلا الحديثين
(1)
مع ذلك لم يَسْلَمْ منَ الطعنِ: مرة في بُسْرةَ بالجهالةِ، ومرة بأن عروةَ لم يسمعْ من بُسْرةَ بل من مروانَ بنِ الحكم أو الشرطي-على ما عُرِف في موضعه- ومرة بالتكلم في مُلازمٍ
…
وغير ذلك. والحَقُّ أنهما لا ينزلان عن درجةِ الحسنِ)) (فتح القدير 1/ 55).
وصَحَّحَهُ أيضًا: ابنُ وَضَّاحٍ كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 534)، والبغويُّ في (شرح السنة 1/ 341)، وقال:((حسن))، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الصغرى 1/ 106)، و (الأحكام الوسطى 1/ 139)، وابنُ الحَصَّارِ المالكيُّ في (تقريب المدارك)، انظر (شرح ابن ماجه 1/ 534)، وابنُ سَيدِ النَّاسِ في (الأجوبة الحديثية 2/ 135 - 151)، والسيوطيُّ (الجامع الصغير 9046)، والمناويُّ في (التيسير 2/ 444)، و (فيض القدير 6/ 228)، والزرقانيُّ في (شرح الموطأ 1/ 186)، والصنعانيُّ في (سبل السلام 1/ 96)، والشوكانيُّ في (نيل الأوطار 1/ 249)، والألبانيُّ في
(1)
يعني حديثَ بُسْرةَ، وحديثَ مُلازِمِ بْنِ عَمْرٍو الْحَنَفِيِّ، حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بنُ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: هَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ، أَوْ بَضْعَةٌ مِنْهُ.
(إرواء الغليل 1/ 150)، و (صحيح أبي داود - الأم 1/ 328).
قلنا: بقي التنبيه على أمرين مهمين:
الأمر الأول: أن الترمذيَّ قال: ((وسألتُ محمدًا عن أحاديثِ مَسِّ الذَّكَرِ، فقال: أصحُّ شيءٍ عندِي في مَسِّ الذَّكَرِ حديث بُسْرةَ بنة صفوان)) (العلل الكبير، صـ 48).
قال ابنُ سَيدِ النَّاسِ: ((لا يقتضي هذا الكلام منَ البخاريِّ تصحيح حديث بُسْرةَ، وإنما مراده هو على عِلَّاتِهِ أصح من غيرِهِ من أحاديثِ البابِ)).
ثم قال: ((وقد اغترَّ بهذه العبارةِ القاضي أبو بكر بنُ العربي، فَحَكَى عنِ البخاريِّ تصحيح هذا الحديث
(1)
، وليس كذلك)) (الأجوبة 2/ 137 - 138)، و (النفح الشذي 2/ 269).
وقلَّدَهُ العينيُّ في (البناية شرح الهداية 1/ 299)، و (نخب الأفكار 2/ 82).
وقد قال ابنُ عبدِ البرِّ: ((وكلُّ مَن خَرَّج في الصحيحِ ذَكَر حديثَ بُسْرةَ في هذا البابِ وحديث طلق بن علي، إلا البخاريُّ؛ فإنهما عنده متعارضان معلولان. وعند غيره هما صحيحان. والله المستعان)) (التمهيد 17/ 197).
الأمر الثاني: أكثرَ الأحنافُ منَ النقلِ عن ابنِ مَعِينٍ قوله في (تاريخه): ((لا يصحُّ في الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ شَيءٌ))، انظر (شرح مختصر الطحاوي للجصاص 1/ 392)، و (التجريد للقدوري 1/ 185)، وغيرهما.
وذَكَره السرخسيُّ بلفظ: ((وحديث بُسْرةَ لا يكادُ يصحُّ، فقد قال يحيى بنُ
(1)
عبارة ابن العربي في (عارضة الأحوذي 1/ 116) قال: ((وقال يحيى بن معين والبخاري حديث بسرة صحيح)).
مَعِينٍ: (ثلاثٌ لَا يصحُّ فيهنَّ حديثٌ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
…
) منها هذا)) (المبسوط 1/ 66)، ونَقَله عنه العينيُّ في (نخب الأفكار 2/ 81).
قلنا: هذا النقلُ لم نقفْ عليه في تواريخ ابنِ مَعِينٍ المطبوعة، وإنما وقفنا عليه في (شرح مختصر الطحاوي للجصاص 4/ 268) قال: حدثنا أبو الحسن الكرخي قال: حدثنا أبو عون الفرائضي قال: ثنا العباسُ الدُّوريُّ، عن يحيى بنِ مَعِينٍ قال: ثلاثٌ لا يصحُّ فيها حديثٌ: أحدها: ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِّيٍّ)).
فاقتصرَ على واحدٍ منها فقط، ولكن ذكره ابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 270)، فقال:((وروى أبو بكرٍ الرازيُّ، عن أبي الحسنِ الكرخيِّ، عن أبي عونٍ الفرائضيِّ قال: سمعتُ عباسًا الدُّوريَّ قال: سمعتُ يحيى بنَ مَعِينٍ يقولُ: ((ثلاثةُ أحاديثٍ لا تصحُّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ))، و ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ))، و ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). قال العباسُ: فذكرتُهُ لأحمدَ فقالَ: يصحُّ في مَسِّ الذَّكَرِ حديث مكحول عن عنبسة. قال: فجئتُ إلى يحيى فذكرتُ ذلك له، فقال: مكحولٌ لم يَرَ عنبسةَ)).
قلنا: ورجالُ إسنادِهِ ثقات غير أبي عون الفرائضي، فلم نعرفْه.
ولهذا ذهبَ جماعةٌ إلى تضعيفِ هذه الحكايةِ عن ابنِ مَعِينٍ:
فقال ابنُ الجوزيِّ: ((وما حكوا عن يحيى فإنه لا يَثبتُ)) (التحقيق 1/ 181).
وتبعه الذهبيُّ في (التنقيح 1/ 62)، وابنُ أبي العز في (التنبيه على مشكلات الهداية 5/ 828).
وقال ابنُ المُلقِّنِ: ((الحكايةُ عن يحيى بنِ مَعِينٍ أنه حديثٌ لا يصحُّ، فحكاية لا تَثبتُ عنه البتة كما نبَّه عليه ابنُ الجوزيِّ في (تحقيقه) وتبعه المنذريُّ قالا:
وقد كان مذهبه انتقاض الوضوء بمسِّ الذَّكَرِ، وقد كان يحتجُّ بحديثِ بُسْرةَ كما رواه الدارقطنيُّ عنه. وروى عنه عبدُ الملكِ الميمونيُّ أنه قال: إنما يَطعنُ في حديثِ بُسْرةَ مَن لا يذهب إليه)) (البدر المنير 2/ 461).
وبنحوه قال ابنُ حَجرٍ في (التلخيص الحبير 1/ 215)، والمناويُّ في (فيض القدير 6/ 228).
قلنا: أجابَ العينيُّ عن تضعيفهم بقوله:
((فإن قلتَ: قال بعضُ مَن عنده تعصبًا فاسدًا من أهل هذا الزمان: سُئِلَ بعضُ المخالفين عن يحيى بنِ مَعِينٍ أنه قال: (ثلاثة أحاديث لا تصحُّ: حديثُ مَسِّ الذَّكَرِ، و ((لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ))، و ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)). وقال: يُعرفُ هذا عن سفيانَ، ولا يُعرفُ هذا عن ابنِ مَعِينٍ.
قلتُ: لم يقمِ الدليلُ على ذلك حتى يُنظر فيه، على أن الإثبات مُقدَّم على النفي، وبذلك يجابُ عن قولِ ابنِ الجوزيِّ أيضًا أن هذا لا يَثبتُ عن ابنِ مَعِينٍ)) (البناية شرح الهداية 1/ 299).
قلنا: وكذا نَقَلَ ابنُ القصارِ عن الأحنافِ قولهم: ((قد قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: أربعة أحاديث لا تصحُّ عن النبيِّ عليه السلام، منها: حديثُ مَسِّ الذَّكَرِ، والقهقهة)) (عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار 1/ 464).
وهذا القولُ لم نقفْ عليه مع طولِ بحثنا.
قلنا: وأسندَ الخطابيُّ في (معالم السنن 1/ 66) قال: وحدثنا الحسن بن يحيى، حدثنا أبو بكر بن المنذر قال: ((بلغني عن أحمدَ بنِ حنبلٍ ويحيى بنِ مَعِينٍ أنهما اجتمعا، فتذاكرا الوضوءَ من الذَّكَر، وكان أحمدُ يرى فيه الوضوء، ويحيى لا يرى ذلك، وتكلما في الأخبار التي رُويت في ذلك،
فحصل أمرهما على أن اتفقا على إسقاطِ الاحتجاجِ بالخبرين معًا: خبر بُسْرةَ وخبر طَلْقٍ. ثم صارا إلى الآثارِ المرويةِ عن الصحابةِ في ذلك، فصار أمرهما إلى أن احتجَّ أحمدُ بحديثِ ابنِ عمرَ فلم يمكنْ يحيى دفعه)).
وقال ابنُ كثير: ((قال ابنُ المنذرِ: بلغني عن أحمدَ بنِ حنبلٍ ويحيى بنِ مَعِينٍ أنهما اتفقا على ضَعْفِ هذا الحديثِ)) (إرشاد الفقيه 1/ 50).
وهذا الذي ذكره ابنُ المنذرِ عن أحمدَ وابنِ مَعِينٍ إنما أخذه من رجاء المروزيِّ، فقال في (الأوسط 1/ 309):((وحكى رجاءٌ المروزيُّ عن أحمدَ وابنِ مَعِينٍ أنهما اجتمعا، فتذاكرا الوُضُوءَ من مَسِّ الذَّكَرِ، فكان أحمدُ يرى منه الوضوء، ويحيى لا يرى ذلك، وتكلما في الأخبار التي رُويت في ذلك، فحصل أمرهما على أن اتفقا على إسقاط الاحتجاج بالخبرين معًا خبر بُسْرةَ وخبر قَيْسٍ، ثم صارا إلى الأخبار التي رُويتْ عن الصحابة)).
فرجعَ قولُ ابنِ المنذرِ إلى حكاية النقاش المفسر عن السرخسي عن رجاء المروزي في اجتماعهم في مسجد الخيف، هو، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وعليُّ بنُ المدينيِّ، ويحيى بنُ مَعِينٍ. وتقدَّمَ أن هذه الحكاية شديدة الضعف؛ فإن النقاش والسرخسي كلاهما متهم.
ومع هذا قال مغلطاي: ((وذَكَر الخَطَّابيُّ أن هذه المناظرة كانت بين أحمد ويحيى، وأن أحمدَ احتجَّ بحديثِ ابنِ عمرَ ولم يدفعه يحيى، فلعلهما واقعتان)) (شرح ابن ماجه 1/ 536).
قلنا: ومع ضَعْفِ الحكايةِ، فقد نَقَلَ ابنُ المنذرِ في (الأوسط 1/ 309) قال: ((وحكى محمد
(1)
بن علي الوراق أنه سمع أحمدَ قال: ((وقد رُوي عن
(1)
تصحَّفَ في المطبوع إلى (أحمد). والمثبتُ هو الصوابُ؛ فهو المعروفُ في أصحابِ أحمدَ.
النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، ورُوي عنه أنه قال:((إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ)) وكلا الحديثين فيهما شيء إلا أني أَذْهَبُ إلى الوُضُوءِ منه)).
وهذه الحكايةُ صحيحةٌ، فالوراقُ هو أبو جعفر، المعروف بحمدان، أحد النبلاء الحفاظ، وَثَّقَهُ الدارقطنيُّ، وقال الخطيبُ:((وكان فاضلًا حافظًا عارفًا ثقةً)) (تاريخ بغداد 4/ 102).
وقال أبو بكرٍ الخلالُ: ((رفيعُ القدرِ، كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان، سمعتُ منه حديثًا، وسمعتُ مسائله بنزول)) (طبقات الحنابلة 1/ 308). وقال الذهبيُّ: ((من فضلاء أصحابِ الإمامِ أحمدَ)) (تاريخ الإسلام 6/ 615).
رِوَايَةٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ: تَذَاكَرَ أَبِي وَعُرْوَةُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: تَذَاكَرَ أَبِي وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، فَذَكَرَ عُرْوَةُ مَسَّ الذَّكَرِ، فَقَالَ أَبِي: إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا سَمِعْتُ بِهِ! قَالَ عُرْوَةُ: بَلَى، أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). فقلتُ لمروانَ: فإني أشتهي أن تُرْسِلَ إليها! فأرسلَ إليها وأنا شاهدٌ رجلًا -أو قال: حَرَسِيًّا- فَجَاءَ الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِهَا فَقَالَ: إِنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((
…
فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولًا سَمِعَهُ مِنْهَا، وَأَنَا حَاضِرٌ، فَجَاءَ مِنْ عِنْدِهَا بِذَلِكَ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ، وقوله:((تَذَاكَرَ أَبِي وَعُرْوَةُ)) خطأ، والصوابُ أن المذاكرةَ بين عُرْوةَ ومَرْوانَ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [حم 27294/ حمد 355 (واللفظ له) / تخث (السِّفر الثالث 3067) / جا 16/ تمهيد (17/ 186)].
تخريج السياق الثاني: [علقط (9/ 338) [.
[السند]:
رواه الحميديُّ: عن سفيان بن عيينة قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر قال: تذاكر أبي وعروة بن الزبير ما يُتوضَّأُ منه
…
الحديث.
ورواه أحمدُ: عن سفيان، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم، أنه سمعه من عروة بن الزبير وهو مع أبيه يحدث، أن مروان أخبره، عن بسرة بنت صفوان،
…
نحوه.
ورواه ابنُ أبي خيثمةَ في (تاريخه) قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، بنحوه.
ومداره عند الجميع على ابن عيينة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ اختُلِفَ في تصحيحه وتضعيفه لاختلاف أهل العلم في عدالةِ مَرْوانَ، مع جهالة الشرطي. واختُلف في أسانيدِهِ على عروةَ اختلافًا كثيرًا، كما بَيَّنَّا قريبًا.
قلنا: وقد شَذَّ ابنُ عيينةَ، فجَعَل المذاكرة بين والد عبد الله بن أبي بكر وعروة. والصوابُ ما قال مالك ومَن تابعه أن المذاكرة كانت بين عروة ومروان. وقد تقدَّمَ بيان ذلك في أول رواية.
رِوَايَةُ فَأَرْسَلَ إِلَى بُسْرةَ- لَمْ يَذْكُرْ مَرْوَانَ:
وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: التَقَى أَبِي وَعُرْوَةُ فَذَكَرَا مَسَّ الذَّكَرِ، فَقَالَ أَبِي: لَمْ أَسْمَعْ بشيءٍ! قَالَ عُرْوَةُ: وَأَنَا لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بشيءٍ! فَأَرْسَلَ إِلَى بُسْرةَ، فَأَخْبَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ. وقوله: ((التَقَى أَبِي وَعُرْوَةُ فَذَكَرَا
…
)) خطأ، والصواب أن المذاكرة بين عروة ومروان. وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لجهالةِ المرسل.
[التخريج]:
[حق 2171].
[السند]:
قال إسحاق بن راهويه: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر قال: التقى أبي وعروة، فذكرا مَسَّ الذَّكَرِ
…
الحديث.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ لجهالةِ المرسل، كما سَبَقَ.
قلنا: وقد شَذَّ ابنُ عيينةَ، فجَعَل المذاكرة بين والد عبد الله بن أبي بكر وعروة، كما بينا في الرواية السابقة. والصوابُ ما قال مالك ومَن تابعه أن المذاكرةَ كانت بين عروة ومروان. وقد تقدَّمَ بيانُ ذلك.
رِوَايَةُ: فَجَاءَتْهُ وَأَنَا حَاضِرٌ:
وَفِي رِوَايَةٍ: عن عُرْوةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). قَالَ: فَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَحَدَّثَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا حَاضِرٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ عُرْوَةَ سَأَلَ مَرْوَانَ عَنِ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ، فَأَخْبَرَهُ مَرْوَانُ بِحَدِيثِ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ فِيهِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُرْوَةُ، ثُمَّ إِنَّ مَرْوانَ أَرْسَلَ إِلَى بُسْرةَ، فَجَاءَتْهُ فَحَدَّثَتْهُ بِذَلِكَ الحَدِيثِ، وَعِنْدَهُ عُرْوَةُ، قَالَتْ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ مَسُّ الفَرْجِ، فَقَالَ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)))).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ. وقوله: ((فَحَدَّثَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا حَاضِرٌ)) شَاذٌّ.
[التخريج]:
[طب (24/ 199/ 506) (واللفظ له) / أجوبة ابن سَيدِ النَّاسِ (2/ 135 - 136) (والسياق الثاني له)].
[التحقيق]:
له طريقان:
الطريق الأول:
قال الطبراني في (معجمه الكبير): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَعِيدِ الأَصْبَهَانِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). قَالَ: فَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَحَدَّثَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا حَاضِرٌ.
وهذا إسنادٌ اختُلِفَ في تصحيحه وتضعيفه، كما سَبَقَ؛ للاختلافِ في عدالةِ مروانَ. وكذا اختُلِفَ في سماعِ هشامٍ لهذا الحديثِ من أبيه، فأنكره شعبةُ وغيرُهُ، وأثبته آخرون، كما بينا قريبًا. واختُلف فيه أيضًا على هشامٍ على وجوهٍ كثيرة، كما بينا في أولِ رواية.
قلنا: وشَذَّ عليُّ بنُ مُسْهرٍ في متنه، فذكَرَ فيه:((فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَحَدَّثَتْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا حَاضِرٌ))، ولم يَذكر أحدٌ هذا الحرف عن هشام غير عليٍّ. وقد ذكرنا أن بضعة عشر راويًا رووه عن هشامٍ على هذا الوجه، لم يقلْ أحدٌ منهم ما ذكره عليٌّ، ولعلَّه من غرائب عليٍّ، فقد قال الحافظُ:((ثقة، له غرائب بعد أن أضر)) (التقريب 4800).
الطريق الثاني: رواه ابنُ سَيدِ النَّاسِ في (الأجوبة) من طريق أبي بكر بن المقرئ، عن محمد بن زَبَّان بن حبيب، عن زكريا بن يحيى كاتب العُمَري، قال: حدثني المُفضَّل بن فَضَالة قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: كتبَ إليَّ ابنُ شهابٍ أن عروةَ سألَ مَرْوانَ عن الوُضُوءِ مِن مَسِّ الفرْجِ
…
الحديث بالسياقة الثانية.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه -مع ما ذُكر أن الزهريَّ اختُلف عليه كثيرًا، وكذا الاختلاف في عدالة مروان، مع جهالة حارسه، كما بينا في أول رواية-: الانقطاع بين الزهري ومروان، فلم يسمعْه من مروانَ ولا عروةَ؛ فبينه وبين عروة عبد الله بن أبي بكر، كما جاء في رواية شعيب بن أبي حمزة وغيره، كما بينا في أول رواية.
قلنا: وقد شَذَّ يزيد بن أبي حبيب في متنه، حيث قال:((فحَدَّثَتْهُ بذلك الحديثِ، وعنده عروة))، والصوابُ أن الحارسَ حَدَّثَ مروان وعنده عروة كما يُفْهَم من سياق الأحاديث، كذا رواه شعيب بن أبي حمزة، ويونس، وعَقيل
…
وغيرُهُم من أصحابِ الزهريِّ، وفي روايتهم:((فَلَمْ أَزَلْ أُمَارِي مَرْوَانَ حَتَّى دَعَا رَجُلًا مِنْ حَرَسِهِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرةَ يَسْأَلُهَا عَمَّا حَدَّثَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بُسْرةُ بِمِثْلِ الذِي حَدَّثَنِي عَنْهَا مَرْوَانُ)). ولم يقلْ أحدٌ منهم: (إنها حَدَّثَتْ مروانُ وعروةُ عنده) غير يزيد.
رِوَايَةُ: وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مِسِّ الذَّكَرِ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ قَالَ: ((ذَكَرَ مَرْوَانُ فِي إِمَارَتِهِ عَلَى المَدِينَةِ أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، إِذَا أَفْضَى إِلَيْهِ الرَّجُلُ بِيَدِهِ. فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّهُ. فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)). قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أُمَارِي مَرْوَانَ حَتَّى دَعَا رَجُلًا مِنْ حَرَسِهِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرةَ يَسْأَلُهَا عَمَّا حَدَّثَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بُسْرةُ بِمِثْلِ الذِي حَدَّثَنِي عَنْهَا مَرْوَانُ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: ((يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ.
وقوله: ((وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)) لا يصحُّ. والصوابُ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [ن 169/ كن 204/ حم 27296 (واللفظ له) / مث 3222 - 3225، 3227/ طب (24/ 195، 197/ 492، 493، 499) / علقط (9/ 348 - 342) / هق 623، 641/ هقخ 504، 505/ تمهيد (17/ 188) / أجوبة (2/ 135)].
تخريج السياق الثاني: [طب (24/ 193/ 487)، و (24/ 197/ 498) / مي 742 (واللفظ له) / طح (1/ 72) / علقط (9/ 340، 348) / تمهيد (17/ 187 - 188) / خلدف 38/ الرد على الكرابيسي، للطحاوي
(الجوهر النقي 1/ 128)].
[التحقيق]:
رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 499): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ رِشْدِينَ، وَإِسْمَاعِيلُ بنُ الحَسَنِ الخَفَّافُ، المِصْرِيَّانِ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، ثَنَا ابنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَهُ عن عُرْوةَ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، فَقَالَ:((وَمَنْ مَسَّ الذَّكَرَ يَتَوَضَّأْ)).
وتابع عَمْرًا الزُّهْرِيُّ:
فرواه النسائيُّ في (الصغرى)، و (الكبرى)، وأحمدُ في (المسند) من طريق شعيب بن أبي حمزة.
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 342 - 347)، وغيرُهُ: من طرقٍ عن يونسَ بنِ يزيدَ، وعقيلٍ، والليثِ بنِ سعدٍ، وعبدِ الرحمنِ بنِ مسافرٍ، وهَبَّار بن عقيل، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم.
ورواه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3224) من طريقِ مَعْمَرٍ، به.
فرواه ثمانيتهم عنِ الزهريِّ عن عبد لله بن أبي بكر، بنحو رواية عمرو بن الحارث.
ورواه الأوزاعيُّ عنِ الزهريِّ، واختُلِفَ عليه في سنده.
والصحيح عنه ما رواه أبو المغيرة، كما عند الدارميِّ في (مسنده 742)، وغيره، فقال عن الأوزاعيِّ، عنِ الزهريِّ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ، به.
وتابع أبا المغيرة:
الوليدُ بنُ مَزْيَد، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 348).
ومحمدُ بنُ بِشْر، كما عند الخلديِّ في (فوائده 38).
وبِشر بن بكر، كما عند الطحاويِّ في (معاني الآثار 1/ 72).
فرواه ثلاثتهم وغيرُهُم عن الأوزاعيِّ كما رواه أبو المغيرة عنه.
وثَم اختلافات أخرى عن الأوزاعيِّ، بيناها في أول رواية. والصحيح عنه ما ذكر.
قلنا: وهذا وإن كان صحيحًا عن الأوزاعيِّ فإنه أخطأ في أمرين:
الأول: قوله: ((عن أبي بكر))، والصواب:((عن عبد الله بن أبي بكر)).
الثاني: إسقاط (مروان)، والصواب إثباته كما في رواية الجماعة.
والأوزاعي وإن كان إمامًا، غير أنه متكلَّمٌ في روايته عنِ الزهريِّ.
قال يعقوب بن شيبة: ((في روايته عنِ الزهريِّ خاصة شيء))، وقال ابنُ مَعِينٍ:((الأوزاعيُّ في الزهريِّ ليس بذاك، أَخَذَ كتابَ الزهريِّ من الزبيدي)) انظر (الجزء العاشر من مسند عمر، صـ 682 - 683، 685)، وقال الجوزجانيُّ:((الأوزاعيُّ ربما يهمُ عنِ الزهريِّ)) (شرح علل الترمذي 2/ 674).
قلنا: وقد جاءتْ روايةٌ عن الأوزاعيِّ مُوافِقة لرواية الجماعة.
فأخرجَ ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3223) من طريق عبد الملك بن محمد، عن الأوزاعيِّ، وابنِ أبي ذئب، عنِ الزهريِّ، حدثني عبد الله بن أبي بكر، به.
ولكن إسنادُهُا ضعيف، عبد الملك بن محمد هو الصنعاني ((لين الحديث)) (التقريب 4211).
قلنا: ورواه ابنُ جريج أيضًا عنِ الزهريِّ، فقال: عنِ ابنِ شِهابٍ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، أنه كان يُحَدِّثُ عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوه. رواه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3225).
فأسقط من إسنادِهِ (مروان)، وأخطأ في ذلك. والصوابُ ما رواه الجماعةُ عنِ الزهريِّ.
وابنُ جُريجٍ وإن كان ثقةً ثبتًا غير أنه متكلَّمٌ في روايته عنِ الزهريِّ.
قال ابنُ مُحْرِز: ((سمعتُ يحيى، وقال له عبد الله بن رومي أبو محمد اليمامي: أي شيء بلغني عن يحيى بن سعيد -يعني القطانَ- أنه كان يتكلَّمُ في حديثِ ابنِ جُريجٍ وابنِ أبي ذِئبٍ، عنِ الزهريِّ؟ فقال يحيى بنُ مَعِينٍ وأنا أسمع: نعم، كان لا يوَثِّقُهُما في الزهريِّ. فقال له عبد الله بن رومي اليمامي: ممَّ ذاك؟ ! قال: كانوا يقولون: إن حديثَهما إنما هو مناولة)) (تاريخ ابن مَعِينٍ، رواية ابن محرز 624).
وقال معاوية بن صالح: سمعتُ يحيى بنَ مَعِينٍ يقول: ((كان يحيى بن سعيد لا يرضى حديث ابن أبي ذئب وابن جريج عنِ الزهريِّ، ولا يقبله)) (تهذيب التهذيب 3/ 630).
وقال ابنُ مَعِينٍ: ((ابنُ جُريجٍ ليسَ بشيءٍ في الزهريِّ)) (تاريخ ابن مَعِينٍ، رواية الدارمي 13).
قلنا: وقيل: إن سبب تضعيف رواية ابن جريج عنِ الزهريِّ أنه لم يسمعْ منه، وإنما حَمَل عنه مناولة، كما تقدَّمَ عن ابنِ مَعِينٍ.
وقال عليُّ بنُ المدينيِّ: ((ابنُ جُريجٍ لم يسمعْ من ابنِ شهابٍ شيئًا، إنما عُرِضَ له عليه)) (المعرفة التاريخ 2/ 139).
روى ابنُ أبي خيثمة في (تاريخه- السِّفر الثالث 980) من طريقِ ابنِ عيينةَ، قال:((دخلتُ أنا وابنُ جُريجٍ على ابنِ شهابٍ، ومع ابنِ جُريجٍ صحيفة، فقال ابنُ جُريجٍ: إني أريدُ أن أعرضها عليك)).
وقال محمدُ بنُ عليٍّ الجوزجانيُّ: ((قلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ابنُ أبي ذِئبٍ، سماعه من الزهريِّ عَرْض أو سماع؟ ! قال: لا نبالي كيف كان. قلتُ: ابنُ جُريجٍ؟ قال: ابنُ جُريجٍ عَرْض)) (تاريخ دمشق 59/ 412).
قلنا: وجاءَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ التصريحُ بعدم سماعه منَ الزُّهْريِّ، ولكن في إسنادِهِ شيء.
فأسندَ ابنُ أبي حَاتمٍ في (الجرح والتعديل 5/ 357) قال: نا أبو زرعة قال: أخبرني بعضُ أصحابنا، عن قريش بن أنس، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قال: ما سمعتُ منَ الزُّهْريِّ شيئًا، إنما أعطاني الزهريُّ جُزْأً، فكتبتُهُ وأجازَهُ لي.
وقال الذهبيُّ: ((كان ابنُ جُريجٍ يَروي الرواية بالإجازة وبالمناولة، ويتوسع في ذلك؛ ومِن ثَمَّ دخلَ عليه الداخل في رواياته عن الزهري؛ لأنه حَمَل عنه مناولة، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف، ولا سيما في ذلك العصر، لم يكن حَدَثَ في الخط بعدُ شكل ولا نقط)) (سير أعلام النبلاء 6/ 331).
وفي سنده جهالة في بعض أصحاب أبي زرعة.
قلنا: فالراجحُ عنِ الزهريِّ مما تقدَّمَ ما رواه شعيب ومَن تابعه، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، به.
قلنا: فاتفق عمرو بن الحارث والزهري -في الراجح عنه- على إسنادِهِ ومتنه، ووافقهما على المتن أيضًا - عمر بن محمد بن زيد العُمَري، كما عند الطبرانيِّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 498)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 340)، ولكنه أسقطَ من إسنادِهِ (مروان)، ولا يصحُّ، فالصوابُ إثباتُه كما تقدَّمَ.
وفي الإسنادِ إلى عمرَ: عبدُ الملك بن محمد الصنعاني، ضعيفٌ كما سَبَقَ. ولكنه توبع: تابعه الوليد بن مسلم، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 340 - 341)، وقَرَن الوليدُ بعمر بن محمد مالكَ بنَ أنسٍ، ووَهِم في ذلك؛ وذلك أن المحفوظَ عن مالكٍ ما رواه أصحابُ (الموطأ) وغيرُهُم بإثبات (مروان) كما تقدَّمَ في أول رواية. وكذا المحفوظ عن مالك في متنه، بلفظ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
وثَم فَرْقٌ بين هذا اللفظ ولفظ الزهري وعمرو؛ إذ إن لفظهما يفيدُ العمومِ، بخلاف لفظ مالك، فيفيد خصوص الوضوء بمَن مَسَّ ذَكَر نفسه خاصة. وهذا هو الراجح؛ فإن مالكًا تابعه ابن عيينة وابن عُلية وغيرُهُما كما بينا في أول رواية.
رِوَايَةُ فَإِنَّ بُسْرةَ تُحَدِّثُ فِيهِ:
وَفِي رِوَايَةٍ: عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ قَالَ: ذَاكَرَنِي مَرْوَانُ مَسَّ الذَّكَرِ، فَقُلْتُ: لَيْسَ فِيهِ وُضُوءٌ. فَقَالَ: إِنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ تُحَدِّثُ فِيهِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولًا، فَذَكَرَ الرَّسُولُ أَنَّهَا تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ (فَرْجَهُ) فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حم 27293 (واللفظ له) / طب (24/ 197/ 500) / ش 1737/ حق 2172/ تخث (السِّفر الثالث 3066) / مث 3228/ علقط (9/ 337) / تحقيق 184].
[السند]:
رواه أحمدُ في (المسند)، وابنُ أبي شيبةَ في (المصنف)، وإسحاقُ بنُ راهويه في (مسنده) قالوا -واللفظ لأحمدَ-: حدثنا إسماعيل بن عُلية، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: سمعت عروة بن الزبير يُحَدِّثُ أبي قال: ذَاكَرني مروان مَسَّ الذَّكَرِ، فقلتُ: ليسَ فيه وُضُوءٌ
…
الحديث.
ومداره عند الجميع على ابن عُلية، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ اختُلِفَ فيه للاختلاف في عدالة مروان بن الحكم، مع جهالة الرسول وما وقع فيه من خلاف. أضف إلى ذلك أن هذه الرواية لم يَذكر مروان هل سمعه من بُسْرةَ أم سمع ممن سمعه منها؟
رِوَايَةُ أن مَرْوانَ أَرْسَلَ إِلَى بُسْرةَ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، أنَّ مَرْوانَ أَرْسَلَ إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ يَسْأَلُهَا، فَحَدَّثَتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أنَّ مَرْوانَ قَالَ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُرْوَةُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: يَا شُرْطَيُّ، اذْهَبْ إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ فَسَلْهَا. فَقَالَتْ بُسْرةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ: قَالَ عُرْوَةُ: ((كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ جَالِسًا، فَتَذَاكَرْنَا مَسَّ الذَّكَرِ، فَلَمْ نَرَ عَلَيْهِ وُضُوءًا (فَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الوُضُوءِ)، فَدَعَا مَرْوَانُ بَعْضَ شُرَطِهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ فَرْجَهُ -أَوْ: ذَكَرَهُ- فَلْيَتَوَضَّأْ)))).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ. وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لجهالةِ الشرطيِّ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [طب (24/ 198/ 503) / طي 1762 (واللفظ له) / مث 3234/ علقط (9/ 442)].
تخريج السياق الثاني: [طب (24/ 199/ 509) / مث 3234/ بغح 28 (واللفظ له) / طح (1/ 72) / ناسخ 121/ علقط (9/ 333)].
تخريج السياق الثالث: [علقط (9/ 331 (واللفظ له، مع الرواية) / تمام
141].
[التحقيق]:
له طريقان:
الطريق الأول: رواه الطيالسيُّ في (مسنده) -ومن طريقه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 342) - قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -أَوْ: مُحَمَّدِ- ابْنِ أَبِي بَكْرِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، أن مَرْوانَ أَرْسَلَ إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ يَسْأَلُهَا، فَحَدَّثَتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
هذا إسنادٌ ضعيفٌ لجهالةِ الرسولِ.
وقوله: ((عن عبد الله -أو: محمد- ابن أبي بكر)) خطأ. والصوابُ عن شُعْبةَ ما رواه غندرٌ وغيرُهُ من أصحابِ شعبةَ، عنه عن محمد بن أبي بكر. بلا شك. كما بينا في أول رواية. رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 342)، وغيرُهُ.
قلنا: وأخطأَ سعيد بن سفيان الجَحْدريُّ، فرواه عن شُعْبةَ عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، به. رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ 503).
قلنا: وسعيد الجحدريُّ ((صدوقٌ يُخطئُ)) (التقريب 2323).
قال الدارقطنيُّ: ((ورواه شعبة، واختُلِفَ عنه: فرواه عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شُعْبةَ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ. قال ذلك أبو قِلَابة عنه.
ورواه أبو داود الطيالسيُّ، عن شُعْبةَ، عن عبد الله بن أبي بكر -أو: أخيه محمد بن أبي بكر-، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ. ورواه معاذ بن معاذ، وغندر، والنضر بن شُميل، عن شُعْبةَ، عن محمد بن أبي بكر. بغير
شك)) (العلل 9/ 319).
الطريق الثاني: رواه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3234)، والبغويُّ في (حديث حماد بن سلمة 28)، والطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 509)، وغيرُهُم، مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أن مَرْوانَ قَالَ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عُرْوَةُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: يَا شُرْطِيُّ، اذْهَبْ إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ فَسَلْهَا. فَقَالَتْ بُسْرةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
وتابع حمادَ بن سلمة: هشام بن حسان، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 331).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه -مع جهالة الشرطي- الاختلافُ في سماع هشام بن عروة لهذا الحديثِ من أبيه، وقد اختُلف عليه على وجوهٍ كثيرة كما سَبَقَ وبينا في أول رواية.
من هذا الاختلاف: ما رواه تمام في (فوائده 141) من طريق الخَصِيبِ بنِ نَاصِحٍ، ثَنَا هَمَّامُ بنُ يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بنُ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ مَرْوَانَ، فَتَذَاكَرُوا الوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَرْوَانُ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ شُرْطِيًّا مِنْ شُرَطِهِ إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ. قَالَ: فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
وفيه -أيضًا مع جهالة الرسولِ- الخصيبُ بنُ نَاصحٍ ((صدوقٌ يُخطئُ)) (التقريب 1717).
رِوَايَةُ: الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
• وَفِي رِوَايَةٍ: عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ: الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. قَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِيهِ بُسْرةُ بِنْتُ صَفْوَانَ. فَأَرْسَلَ عُرْوَةُ، قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، فَقَالَ:((مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرًا: ((الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ.
وقوله: ((الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)) لا يصحُّ. والصوابُ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [ن 452 (واللفظ له) / طح (1/ 72) / طب (24/ 194/ 490) / علقط (9/ 345) / صحا 7530].
تخريج السياق الثاني: [جعفر 524/ عد (4/ 71) / علقط (9/ 340، 347) / هقخ 530].
[التحقيق]:
له أربعة طرق:
الطريق الأول: رواه النسائيُّ في (السنن) قال: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عنِ ابنِ شِهابٍ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن مروان بن الحكم أنه قال: الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. قال مروانُ: أخبرتنيه بُسْرةُ بنتُ صفوانَ
…
الحديث، بلفظ السياق الأول.
هكذا رواه قتيبة عن الليث، فلم يذكر في إسنادِهِ:(عبد الله بن أبي بكر) بين الزهري وعروة.
وخالف قتيبةَ جماعةٌ فذكروه، وهم:
شعيب بن الليث، كما عند الطحاويِّ في (شرح معاني الآثار 1/ 72).
وعبد الله بن صالح، كما عند الطبرانيِّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 490)، وغيره.
وشعيب بن يحيى، كما عند الطبرانيِّ في (الكبير 24/ 490)، وغيره.
وموسى بن داود، كما عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 345).
أربعتهم رووه عن الليثِ، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، بإسنادِهِ ومتنه.
قلنا: وإن كانت روايتهم هي الأرجح، فقوله في المتن:((الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ))، هكذا بلفظ الخبر والعموم لا يصحُّ. والصواب:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، كما رواه مالكٌ وابنُ عيينةَ وغيرُهُما عن عبد الله بن أبي بكر، وقد تقدَّمتْ روايتهم قريبًا.
الطريق الثاني: رواه أبو جعفر ابن البَخْتَري في (مجموع له 524)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 347) مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيرٍ، عن الأوزاعيِّ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
وهذا إسنادٌ أخطأ فيه محمد بن كثير؛ وذلك أن الأوزاعيَّ رواه عنِ الزهريِّ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ، به.
هكذا رواه أبو المغيرةِ وجماعةٌ عن الأوزاعيِّ كما بينا في أول رواية.
ومحمد بن كثير هو الصنعاني ((صدوقٌ كثيرُ الغلطِ)) (التقريب 6251).
قلنا: وقول الأوزاعي في إسنادِهِ: (عن أبي بكر بن محمد) أيضًا خطأ. والصواب: (عن عبد الله بن أبي بكر) كما رواه شعيبٌ، وعقيلٌ، ويونسُ، وجماعةٌ عنِ الزهريِّ، به.
وكذا قوله في المتن: ((الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ))، هكذا بلفظ الخبر. والعمومُ لا يصحُّ. والصوابُ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، كما رواه مالكٌ وابنُ عيينةَ وغيرُهُما، عن عبد الله بن أبي بكر.
الطريق الثالث: رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 340)، مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بنِ عَمْرِو بنِ سَاجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بنُ الضَّحَّاكِ القُرَشِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الوُضُوءُ)).
وهذا إسنادٌ فيه -مع ضَعْفِ عثمان بن ساج، وعثمان بن الضحاك (التقريب 4481، 4506) -: الاختلافُ في سماع عروة من بُسْرةَ لهذا الحديثِ، كما بينا في أول رواية.
الطريق الرابع: رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 4/ 71) قال: أَخْبَرَنَا ابنُ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ مَعْبَدِ بنِ نُوحٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عُمَرَ الصَّنْعَانِيِّ -يُعْرَفُ بِالفَرْخِ-، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَقَالَ: سَمِعْتُ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
ورواه البيهقيُّ في (الخلافيات 530) من طريق حفص، به.
ورواه أيضًا في (الخلافيات 529) من طريق حفص، ولكن بلفظ:((كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
ورواه ابنُ حِبَّانَ في (المجروحين 1/ 314) من طريق حفص أيضًا، ولكن بلفظ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَليَتَوَضَّأْ)).
ورواه العُقيليُّ في (الضعفاء الكبير 1/ 497) من طريق حفص أيضًا، ولكن بلفظ:((تَوَضَّئُوا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: حفص بن عمر، الملقب بالفرخ- ((ضعيف)) كما في (التقريب 1420).
قال الدارقطنيُّ: ((فرواه حفص بن عمر العدني، ويُعرف بالفرخ- ضعيف، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم)(العلل 3/ 324).
العلةُ الثانيةُ: أن حفصًا مع ضَعْفِه أخطأ في سندِهِ وأدخلَ حديثًا في حديثٍ.
إذ المحفوظُ عن مالكٍ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ موقوفًا.
وعن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، به مرفوعًا.
أما الموقوف: فرواه مالك في (الموطأ 102) -ومن طريقه ابنُ المنذر في (الأوسط 85) -، وغيرُهُ): عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ)).
وتابع مالكًا ابنُ عونٍ، عند ابنِ أبي شيبةَ في (المصنف 1744). وأيوب
السختياني، عند ابنِ أبي شيبةَ في (المصنف 1743)، وغيره. ورواه غيرهما عن نافعٍ، به.
وأما حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ عن مروان عن بُسْرةَ به، فتقدَّمَ تحقيقه في أول رواية.
قال العُقيليُّ: ((أدخل حديثًا في حديث: فأما حديث ابن عمر، فحدثناه علي بن عبد العزيز قال: حدثنا القَعْنَبي، عن مالك، عن نافع، أن ابن عمر كان يقول: ((إِذَا مَسَّ الرَّجُلُ فَرْجَهُ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ))، وأما حديث بُسْرةَ، فحدثنا علي قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
…
الحديث)).
وقال ابنُ حِبَّانَ: ((وهذا خبرٌ مقلوبُ الإسنادِ، إنما هو: عن مالك عن نافع، عن ابن عمر، فِعله. وعن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((وهذا ليس يرويه عن مالك إلا حفص بن عمر هذا، وهذا الحديثُ في (الموطأ) عن نافع، عن ابن عمر موقوف؛ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. وأما قوله:(عن بُسْرةَ) فهو باطلٌ، كأنه يَحكي عن ابنِ عمرَ عن بُسْرةَ. وحديث بُسْرةَ في (الموطأ): عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بُسْرةَ؛ في قصة، فذكره)).
رِوَايَةُ: تَوَضَّئُوا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((تَوَضَّئُوا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظِ. وضَعَّفَهُ العُقيليُّ.
[التخريج]:
[عق (1/ 497) / ضياء (مرو ق 31/ب 32/أ)].
[السند]:
رواه العُقيليُّ في (الضعفاء) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ مَعْبَدِ بنِ نُوحٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عُمَرَ العَدَنِيُّ -قَالَ عُثْمَانُ: يُعْرَفُ بِالفَرْخِ- قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ تَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((تَوَضَّئُوا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعف حفص الفرخ، وخطئه في الإسناد، كما بينا في الرواية السابقة.
وقوله في المتن: ((تَوَضَّئُوا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)) خطأ. والصواب: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، وثَمَّ فَرْقٌ بين اللفظين من جهةِ الصيغةِ والعمومِ.
رِوَايَةٌ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظِ.
[التخريج]:
[هقخ 529].
[السند]:
قال البيهقيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الفَقِيهُ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الوَلِيدِ الكَرَابِيسِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُصَفَّى الحِمْصِيُّ عَنِ ابنِ عَمْرٍو الفَرْخِ، ثَنَا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ. وَيَذْكُرُ أَنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
قال البيهقيُّ: ((قال أبو عبد الله: تفرَّدَ به حفص بن عمر العدني، الملقب بفرخ، عن مالك بن أنس)).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ حفص الفرخ وخطئه في الإسناد، كما بينا في الرواية السابقة.
والصوابُ في متنه: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، من قوله صلى الله عليه وسلم، وليس من فعله، وليس بصيغة العموم.
رِوَايَةٌ بِلَفْظِ: ((إِذَا أَفْضَى)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عن عُرْوةَ ((أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَسُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. فَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ إِلَى ذَكَرِهِ (فَرْجِهِ)[بِيَدِهِ] فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)). [فَحَدَّثَ عُرْوَةُ مَرْوَانَ [، فَبَعَثَ مَرْوَانُ حَرَسِيًّا إِلَى بُسْرةَ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَقَالَ: نَعَمْ.
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: ((إذَا أَفضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
أصلُ الحديثِ مختلفٌ فيه، وسياقه بهذا اللفظِ لا يصحُّ.
[اللغة]:
قال النوويُّ: ((الإفضاءُ باليدِ لا يكونُ إلا ببطنِ الكَفِّ، وإلا فالإفضاءُ يطلقُ على الجماعِ وغيرِهِ. قال الشافعيُّ رحمه الله في (الأم): (والإفضاءُ باليدِ إنما هو ببطنها، كما يقالُ: أفضى بيده مبايعًا، وأَفْضَى بيده إلى الأرضِ ساجدًا، وإلى ركبتيه راكعًا). وهذا الذي ذكره الشافعيُّ مشهورٌ كذلك في كتبِ اللغةِ. قال ابنُ فارس في (المجمل): (أفضى بيده إلى الأرض: إذا مسَّها براحته في سجوده)، ونحوه في (صحاح الجوهري) وغيره)) (المجموع 2/ 46).
واعترضَ ابنُ المُلقِّنِ على القولِ بأنَّ الإفضاءَ هو المسُّ ببطنِ الكفِّ فقط، فنَقَلَ عنِ ابنِ سِيده أنه قال:((أَفضى فلان إلى فلان: وصل)). قال: ((والوصول أعم من أن يكون بظاهرِ الكَفِّ أو باطنه. تَرَكْنا وسَلَّمْنا أنه ببطن الكفِّ، فالمسُّ شاملٌ للإفضاءِ وغيرِهِ، والإفضاءُ فردٌ مِن أفراده، وهو لا يقتضي التخصيص على المشهورِ في الأصولِ. نعم، طريق الاستدلال أن
يُقَالَ: مفهوم الشرط يدلُّ على أن غيرَ الإفضاءِ لا ينقض؛ فيكون تخصيصًا لعموم المنطوق. وتخصيص العموم بالمفهوم جائز)).
قال: ((وادَّعَى ابنُ حزمٍ أن قولَ الشافعيِّ: (إن الإفضاءَ لا يكونُ إلا ببطنِ الكَفِّ) لا دليلَ عليه من قرآنٍ ولا سُنةٍ ولا إجماعٍ، ولا قول صاحب، ولا قياس ورأي صحيح، وأنه لا يصحُّ في الآثارِ:(مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ)، ولو صَحَّ فالإفضاءُ يكونُ بظهرِ الكَفِّ كما يكون ببطنها)).
قال ابنُ المُلقِّنِ: ((قد صَحَّ لفظ الإفضاء -كما قررناه- وعرفت طريق الاستدلال، فقوي قول الشافعي، ولله الحمد)) (البدر المنير 2/ 474).
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [طب (24/ 199/ 507) (والزيادة له) / ك 477 (واللفظ له) / علقط (9/ 331 - 332، 348 - 349 (والزيادتان والرواية له) / هقخ 506/ هقع 1063/ خطل (1/ 346)].
تخريج السياق الثاني: [ن 451 (واللفظ له)].
[التحقيق]:
وَرَدَ هذا السياقُ من طرقٍ، منها:
الطريق الأول: رواه النسائيُّ قال: أخبرنا عمران بن موسى قال: حدثنا محمد بن سَوَاء، عن شُعْبةَ
(1)
، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ،
(1)
وقع في المطبوع، هكذا:((شعبة))، وقال المحقق:((في (ف): (سعيد) -ونسبه في حاشية (ص) لنسخة- ومثله فوق الكلمة في (س) بخط مغاير، والمثبت هو الموافق لما في (التحفة).
قلنا: وهذا هو العجبُ! وذلك أن المثبت في (تحفة الأشراف، ط/ بشار (15785)، وط/ عبد الصمد (15785)، كلاهما ((سعيد))، فلا ندري أي تحفة اعتمدوا عليها!
عن بُسْرةَ بنتِ صفوانَ، به.
يُشْكِلُ على هذا الإسنادِ أمرٌ، وهو أن الدارقطنيَّ في ثنايا سرده لطرقِ الحديثِ أشارَ إلى روايةِ شعبةَ هذه بصيغةِ التمريضِ، فقال: ((ورواه سعيد بن أبي عَروبة -وقيل: عن شُعْبةَ- عن مَعْمَر
…
إلخ)) (العلل 9/ 321).
فجزم بروايةِ ابنِ أبي عَروبةَ للحديثِ عن معمرٍ، بينما أشارَ فقط إلى رواية شعبة غير جازم بها، فكأنه لم يرها ثابتة، فلماذا يا تُرى؟
الواقع أن في هذا الإسناد إشكال أجهدنا كثيرًا، ألَا وهو أن الحافظَ المزيَّ لما ذكرَ هذا الإسنادَ في (التحفة) ذكره هكذا:(عن محمد بن سواء، عن سعيد، عن معمر)(تحفة الأشراف 11/ 272).
فجَعَله من حديث سعيد -وهو ابنُ أبي عَروبة-، وليس من حديث شعبة. وهذا خلاف جُل ما في المصادر المطبوعة التي وقفنا عليها.
ولعلَّ هذا هو الذي جعل بعض الناسخين لأحد مخطوطات (الصغرى) يستشكل كلمة (شعبة) من الإسنادِ، فكَتَبَ فوقها:(سعيد) وأتبعها بعلامة تشبه علامة الاستفهام (؟ ).
ويشهدُ لما ذكره المزيُّ أمران:
الأول: أن ابنَ سَواء مشهور بالرواية عن ابنِ أبي عروبةَ، مكثرٌ عنه، وهو ممن رَوى عنه قديمًا، بخلافه في شعبة؛ فليس ابنُ سواء من أصحابِ شعبةَ المعنيين بحديثِهِ، فروايتُه عن شُعْبةَ نادرةٌ، وقد عدَّهُ ابنُ المدينيِّ من الطبقةِ
السابعةِ من أصحابِ شعبةَ (تهذيب التهذيب 9/ 208)، كما أنه لم يَرْوِ هذا الحديث عن شُعْبةَ أحدٌ من أصحابِهِ المختصين به.
الثاني: أن النسائيَّ روى حديثًا آخرَ بنفسِ هذا الإسنادِ إلى الزهريِّ، فكان صاحبه هو ابنُ أبي عروبةَ.
والحديثُ هو ما أخرجه في (الكبرى 1658): أنبأ عمران بن موسى قال: حدثنا محمد بن سواء، عن سعيد، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعًا فيمن أدركَ منَ الصَّلاةِ ركعةً.
ولكن يُشْكِلُ على ما ذكره المزيُّ في (التحفة) أنه في ترجمة ابن سواء من (التهذيب 25/ 328) ذَكَر رمز السين (س) بعد ذكر شعبة ضمن شيوخه، وكذلك صنع في ترجمة شعبة من (التهذيب 12/ 489)، ولم يَرْوِ النسائيُّ لا في (الصغرى) ولا في (الكبرى) حديثًا من طريقِ ابن سواء عن شُعْبةَ سوى هذا الحديثِ، على ما جاء في المطبوع إن سَلَّمْنا بثبوتِهِ.
فعندما بحثنا عن مرجحٍ منَ الخارجِ، وجدنا ما يلي:
روى هذا الحديثَ الطبرانيُّ في (الصغير 1113) قال: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الوَلِيدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيُّ بِمِصْرَ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مَعْبَدِ بنِ نُوحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ الخَفَّافُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
هكذا ذكره بهذا اللفظِ المشهورِ، وقال:((لم يروه عن شُعْبةَ إلا عبد الوهاب بن عطاء)).
قلنا: لكن الوليد بن المطلب شيخ الطبراني مجهول، فلم يترجمْ له سوى
الذهبي في (تاريخ الإسلام 7/ 200، 348)، ولم يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وقد جاء من طريقٍ آخرَ، توبع فيه علي بن معبد:
فرواه البيهقيُّ في (الخلافيات 506) من طريقِ أبي العباسِ الأصمِّ: ثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الوَهَّابِ، أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنْ مَعْمَرٍ بإسنادِهِ، وَلَكِنْ بِمِثْلِ لَفْظِ النسائيِّ:((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ))، قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ مَرْوَانَ بنَ الحَكَمِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَأَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ.
فوقع قَلْبٌ في متنِ هذه الروايةِ، حيثُ جَعَلَ المُنكِرُ هو مروانُ على عروةَ؛ ولذا أَرسلَ حارسًا من حراسه ليتأكد من قولِ عُرْوةَ.
وهذا خطأٌ بلا شَكٍّ؛ وذلك أن معظمَ مَن روى الحديثَ عنِ الزهريِّ، وكذا مَن تابعَ الزهري؛ كابنِ عيينةَ وغيرِهِ- على أن عروةَ هو المُستنكِرُ على مروانَ، كما سيأتي.
والذي يهمنا الآن الكلام على الإسناد.
فنقولُ: خالفَ الأصمَّ: محمدُ بنُ إسماعيلَ الفارسيُّ، وابنُ السَّمَّاك عثمانُ بنُ أحمدَ، قالا: حدثنا يحيى بن أبي طالب قال: حدثنا عبد الوهاب قال: أخبرنا سعيدٌ عن معمرٍ، به. وفيه القَلْبُ المتقدَّمُ في المتنِ، وقال في هذه الرواية:((سعيد)) بدل: ((شعبة)).
فهل هذا الاختلافُ خطأٌ منَ النساخِ؟ أم هو اختلاف في الرواية على يحيى بن أبي طالب؟ .
فإن قلنا: هو خطأ منَ النساخِ، فأيهما الصواب؟ رواية البيهقيِّ؟ أم رواية الدارقطنيِّ؟
إذا نظرنا إلى سوء النسخة الأصل لـ (علل الدارقطني)، وَجَست منها النَّفْسُ، ولكن لا ننسى قولَ الدارقطنيِّ:((ورواه سعيد بن أبي عَروبة -وقيل: عن شُعْبةَ- عن معمرٍ)) فهذا يُبعدُ التهمةَ عن النساخ إذا ما فهمنا مراد الدارقطنيِّ بعبارته هذه كما سنبينه قريبًا.
وعلى القولِ بأنه اختلاف على يحيى، فالخلافُ دائرٌ بين الأصمِّ -وهو إمامٌ حافظٌ كبيرٌ- وبين الفارسي وابن السماك -وهما ثقتان ثبتان-، فكِفتهما أرجح.
فإن قيلَ: يُستأنسُ لرواية الأصمِّ بمتابعةِ علي بن معبد السابقة عند الطبرانيِّ.
قلنا: الراوي لهذه المتابعة مجهول.
ثم إننا لو نظرنا لظاهر الإسناد، فإن عبد الوهاب بن عطاء مشهورٌ بالروايةِ عن ابنِ أبي عروبةَ، مكثرٌ عنه، وكان عالمًا بحديثه، وممن روى عنه قديمًا (عند أحمد)، على أنه متكلَّمٌ فيه في الجملة، وإنما أخرجَ له مسلمٌ من حديثِهِ عن ابنِ أبي عروبةَ للزومه له وعنايته بحديثه. وفي المقابل، ليس عبد الوهاب بن عطاء من أصحاب شعبة المعنيين بحديثه، كما أنه لم يَرْوِ هذا الحديث عن شُعْبةَ واحدٌ من أصحابه المعنيين بحديثه.
ويبدو لنا أن هذا هو السبب الذي جعل الدارقطنيّ يجزمُ برواية سعيد للحديث دون شعبة.
وقول الدارقطنيِّ: ((ورواه سعيد بن أبي عروبة -وقيل: عن شُعْبةَ- عن معمرٍ)) لا يُفْهَمُ منه أن شعبةَ تابع ابن أبي عروبة من وجهٍ لا يَثبتُ، بقدرِ ما يُفْهَمُ منه أن الحديثَ رواه ابنُ أبي عروبةَ، وجعله بعضهم عن (شعبة) بدلًا من (سعيد).
قلنا: والذي يترجَّحُ لدينا أن راوي الحديث عن معمرٍ هو سعيدُ بنُ أبي عَروبةَ، وخاصة للنكارة التي في متنه، وهي قول عروة:((فحدَّثْتُ به مروانَ بنَ الحَكَمِ فأرسلَ إليها [حرسيًّا] فأَخْبَرَتْهُ بذلك))، وهذه عبارةٌ منكرةٌ، ظاهرها أن مَرْوانَ هو الذي أنكرَ الحديثَ على عروةَ حتى استثبت من الحرسي، والصحيح العكس، كما سَبَقَ.
ولذا أنكره البيهقيُّ، فقال:((هكذا قال، والصوابُ رواية عَقيل بن خالد إسنادًا ومتنًا)) (الخلافيات 2/ 230).
ويعني برواية عَقيل ما أسندَهُ قبلُ من طريقه عنِ الزهريِّ عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ قال: ذَكَرَ مروانُ في إمارته أنه يُتوضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إذا أَفْضَى إليه الرجلُ بيده، فأنكرتُ ذلك، فقال مروانُ: بل أخبرتني بُسْرةَ
…
وساقَ الحديثَ (الخلافيات 505/ بتصرف يسير)، وسيأتي الكلامُ عن المخالفةِ في السندِ.
قلنا: ولم تَرِدْ هذه العبارة المنكرة في رواية ابن سواء؛ لأنه ممن سمعَ من ابنِ أبي عروبة قديمًا.
وعبد الوهاب وإن كان ممن سمع قديمًا أيضًا كما قاله أحمد، فإنه قد وَرَدَ عنه أنه قال:((سمعتُ منه في الاختلاطِ وغير الاختلاطِ، فليس أُميز بين هذا وهذا)) (شرح العلل لابن رجب 2/ 747).
فتُحمل هذه الرواية على أنها مما سمعه عبد الوهاب من سعيدٍ بعدَ الاختلاطِ. وإلا فيتحمل هو عبء هذه النكارة لِما فيه من ضَعْفٍ في الجملةِ كما قررناه.
إلَّا أنه قد رُوي الحديثُ عن ابنِ أبي عروبةَ من وجهٍ آخرَ ضعيف، وفيه
تلك النكارة أيضًا:
فرواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 348) من طريق العلاء بن هلال عن أبيه -من أصل سماعه من الخليل بن مُرة- عن الخليل، عن سعيدٍ، عن معمرٍ، به.
وهذا إسنادٌ واهٍ، مسلسلُ بالضعفاءِ:
* فالعلاء فيه لِين (التقريب 5259).
* وأبوه هلال بن عمر ضعيف (الجرح والتعديل 9/ 78).
* والخليل ضعيف أيضًا (التقريب 1757).
وتوبع سعيد على الإسنادِ والمتنِ دونَ ذكر العبارة المنكرة في آخره:
رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 349) من طريق عبد الله بن رُشيد قال: حدثنا أبو (عبيدة)
(1)
عن معمرٍ، به.
قلنا: ولعلَّ سببَ الخطأ هو معمرٌ نفسه؛ وذلك أن معمرًا حَدَّثَ بالبصرةِ مِن حفظه بأحاديثَ وَهِم في بعْضِها، كما ذَكَرَ ذلك الدارقطنيُّ في (التتبع، صـ 121)، وسعيد بن أبي عروبة بصري.
قال عليُّ بنُ المدينيِّ: ((كان مَعْمَرٌ يحدثهم بالبصرةِ مِن حفظه، فوهمَ في أسانيدَ. وسماعُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمرٍ أصحُّ لأنه كان يُحَدِّثُ أهل اليمن ومعه
(1)
وضع المحقق نقطًا (
…
) في مكانها من المطبوع، وأشار في الحاشية إلى عدم وضوحها من الأصل، ثم قال:((ولعل الصواب: (أبو عبيدة) وهو مجاعة بن الزبير، يَروي عنه ابن رشيد، وهو عن معمر)).
قلنا: وهو كذلك بيقين عندنا.
كتبه)) (التمهيد لابن عبد البر 10/ 169).
وقال أبو بكر الأثرم، عن أحمد بن حنبل:((حديثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن معمرٍ أَحَبُّ إليَّ من حديثِ هؤلاء البصريين، كان يتعاهدُ كتبه وينظر -يعني باليمن- وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة)) (تهذيب الكمال 18/ 57)، و (شرح علل الترمذي 2/ 766).
وقال يعقوب بن شيبة: ((سماعُ أهلِ البصرةِ من معمرٍ حيثُ قَدِمَ عليهم- فيه اضطرابٌ؛ لأن كتبَه لم تكن معه)) (شرح علل الترمذي 2/ 766).
وقال أبو حَاتمٍ: ((مَعْمَرٌ ما حَدَّثَ بالبصرةِ فيه أغاليط)) (الجرح والتعديل 8/ 257)، و (تاريخ دمشق 59/ 416)، وغيرهما.
وقال ابنُ حَجرٍ -في ترجمة معمر-: ((ثقةٌ ثبتٌ فاضلٌ، إلَّا أن في روايته عن ثابتٍ، والأعمشِ، وعاصمِ بنِ أبي النَّجودِ، وهشام بنِ عروة- شيئًا. وكذا فيما حَدَّثَ به بالبصرةِ)) (التقريب 6809).
قلنا: وقد خالفَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ سعيدًا في متنه، فرواه كما في (مصنفه 414) قال: عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ قَالَ: تَذَاكَرَ هُوَ وَمَرْوَانُ الوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: حَدَّثَتْنِي بُسْرةَ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ. فَكَأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَقْنَعْ بِحَدِيثِهِ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَيْهَا شُرْطِيًّا، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ.
وكذلك رواه عبدُ الأعلى عن معمرٍ. انظر (العلل للدارقطني 9/ 321، 348).
وهذا وإن كان أرجح من ناحية تقديم رواية عَبْدِ الرَّزَّاقِ على سعيدِ بنِ
أبي عروبةَ، فإنه أيضًا لا يصحُّ سندًا ومتنًا؛ وذلك أن المحفوظَ عن الزهريِّ ما رواه شعيبُ بنُ أبي حمزةَ عنه قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرِ بنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ:((ذَكَرَ مَرْوَانُ فِي إِمَارَتِهِ عَلَى المَدِينَةِ أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إِذَا أَفْضَى إِلَيْهِ الرَّجُلُ بِيَدِهِ. فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّهُ. فَقَالَ مَرْوَانُ: أَخْبَرَتْنِي بُسْرةَ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)). قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أُمَارِي مَرْوَانَ حَتَّى دَعَا رَجُلًا مِنْ حَرَسِهِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرةَ يَسْأَلُهَا عَمَّا حَدَّثَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بُسْرةَ بِمِثْلِ الذِي حَدَّثَنِي عَنْهَا مَرْوَانُ)).
وقد تقدَّمَ الكلامُ على هذه الروايةِ وتحقيقها.
وقد تابع شعيبًا: يونس بن يزيد، وعقيل بن خالد
…
وغيرهما كما سَبَقَ.
فأخطأ معمرٌ في إسقاط عبد الله بن أبي عروبة، وكذا أخطأ في المتن، وقد اضطربَ فيه كما هو مبين.
ورجَّحَ الدارقطنيُّ أن الزهريَّ إنما أخذه عن عُرْوةَ بواسطة عبد الله بن أبي بكر.
فإنه بعد ما ذكر رواية ابن أخي الزهري عنِ الزهريِّ قال: ((أخبرني عروةُ عن بُسْرةَ)).
قال: ((ووَهِم في قوله؛ لأن الزهريَّ إنما سمعه من عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ)). (العلل 9/ 321).
وقال أيضًا: ((لم يسمعْ ذلك منه)) يعني أنه لم يسمعْ ذلك الزهري من عروة
(العلل 9/ 351).
قلنا: ومع ما تقدَّمَ من عللٍ، صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (الصحيحة 1235).
الطريق الثاني: رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 331) -ومن طريقه الحاكمُ والخطيبُ-:
قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البغويُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ (البَزَّارُ) قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَسُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. فَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ، حَدَّثَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ إِلَى ذَكَرِهِ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)) فَبَعَثَ مَرْوَانُ حَرَسِيًّا إِلَى بُسْرةَ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ وَقَالَ: نَعَمْ. (العلل 9/ 331، 332).
وهذا إسنادٌ اختُلِفَ فيه؛ للاختلافِ في سماعِ هشامِ بنِ عروةَ هذا الحديث من أبيه. وكذا الاختلاف في سماع عروة من بُسْرةَ، مع ما قيل في اضطراب هشام فيه.
أضفْ إلى هذا ما وقعَ في هذه الرواية من نَكارةٍ وقَلْبِ في المتنِ؛ وذلك أن المشهورَ في الحديثِ أن مَرْوانَ استَدَلَّ بما أخبرتْهُ بُسْرةُ عن الوضوءِ من مَسِّ الذَّكَرِ، فأنكرَ عروةُ فأرسلَ مروانُ شُرطيًّا ليسألها. بخلاف روايتنا هذه، فالأمرُ انقلبَ على حمادٍ أو مَن فوقه، فجعلَ عروة هو المستدِل بداية بحديث بُسْرةَ، ثم أرسلَ مروانُ شرطيًّا ليتأكد من صدقِ ما أخبرَ عروة.
فما رواه خلف بن هشام عن حماد -جاعلًا عروة هو المُستنكِرُ على مروانَ بما سمعه من بُسْرةَ- رواية غير محفوظة قطعًا.
والصحيح: أن صاحبَ ذلك إنما هو مروانُ، وأنه هو المُخبِرُ لعروةَ في
هذه الواقعة بحديثِ بُسْرةَ كما سَبَقَ.
وكذلك رواه غير خلف عن حماد:
فرواه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ 199) من طريقِ محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي.
ورواه البيهقيُّ في (المعرفة 1063) من طريق محمد بن عُبيد.
قالا: ثنا حماد بن زيد، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان عند مروان بن الحكم، فسُئِلَ عن مَسِّ الذَّكَرِ، فلم يَرَ به بأسًا، فبَعَثَ مروانُ بعضَ حرسه إلى بُسْرةَ بنتِ صفوانَ
…
به، بلفظ:((إِذَا مَسَّ الرَّجُلُ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَضَّأَ)). وقال هشامٌ في آخره: ((فكان أبي بعدُ يقولُ: مَنْ مَسَّ رُفْغَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
ومحمد بن أبي بكر المُقَدَّميُّ ثقةٌ من رجالِ الشيخين. ومحمد بن عُبيد بن حساب ثقة من رجال مسلم. وقدِ اتَّفقا على خلافِ ما رواه خلف بن هشام.
وقد تقدَّمَ الكلامُ على ما وقعَ فيه من اختلاف على هشامٍ في السندِ والمتنِ، فيما سَبَقَ.
رِوَايَةُ: يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ:
عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ قَالَ: ((تَذَاكَرَ هُوَ وَمَرْوَانُ الوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: حَدَّثَتْنِي بُسْرةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ. فَكَأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَقْنَعْ بِحَدِيثِهِ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَيْهَا شُرْطِيًّا، فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الفَرْجِ)).
[الحكم]:
أصلُ الحديثِ مختلفٌ فيه، وسياقه بهذا اللفظِ شاذٌّ.
[التخريج]:
[طب (24/ 193/ 485) / طح (1/ 71) / علقط (9/ 335) / عب 414 (واللفظ له)، 415/ محلى (1/ 235)].
[السند]:
رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في (المصنف 414) -ومن طريقه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 71)، والطبرانيُّ في (الكبير 24/ رقم 485)، والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 335، 348)، وغيرُهُم- عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ أنَّهُ: تذاكرَ هو ومروانُ الوُضُوءَ مِن مَسِّ الفَرْجِ، فقال مروانُ
…
الحديث.
قال معمرٌ: وأخبرني هشام بن عروة، عن أبيه، مثله.
[التحقيق]:
إسنادُهُ من الطريقِ الأولِ اختُلفَ فيه؛ للاختلافِ في حالِ مروانَ، وجهالة الشرطي، وما قيل في بُسْرةَ، وكثرة الخلاف في طرقه، كما تقدَّمَ في أولِ رواية.
أضفْ إلى ذلك أن معمرًا شَذَّ في روايته عنِ الزهريِّ؛ وذلك أن المعروفَ عنِ الزهريِّ روايته عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ بإسنادِهِ قال: ((وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)). هكذا بلفظِ الخبرِ لا الأمر.
كذا رواه شعيبُ بنُ أبي حمزةَ، ويونسُ، وعقيل
…
وغيرُهُم. كما تقدَّمتْ روايتُهم.
فَشَذَّ في إسقاطِ: ((عبد الله بن أبي بكر))، وكذا في لفظِ الحديثِ.
ولكن ألصقَ الطحاويُّ التهمةَ بالزهريِّ فقال: ((وهذا الحديثُ أيضًا لم يسمعْه الزهريُّ من عروةَ، إنما دَلَّسَ به)).
قال بدرُ الدين العينيُّ مبينًا كلامَه: ((هذه إشارةٌ إلى وجهٍ آخرَ في سقوطِ العملِ بحديثِ بُسْرةَ المذكور، وهو كونه مُدَلَّسًا؛ وذلك لأن الزهريَّ لم يسمعْه من عروةَ، وإنما دَلَّسَ به، بَيَّنَ ذلك ما رواه يونس بن عبد الأعلى المصري، عن شعيب بن الليث
…
إلى آخره، فصارَ هذا الحديثُ عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ. وانحط بذلك درجة)) (نخب الأفكار 2/ 85).
وقال القدوري الحنفيُّ: ((وقد رُوِي هذا الحديثُ عنِ الزهريِّ عن عُرْوةَ؛ فقد دَلَّسَ به، وبينهما رجل، وهو عبد الله بن أبي بكر)) (التجريد 1/ 188).
بينما أجابَ ابنُ حزمٍ على ما تقدَّم، فقال:((فإن قِيلَ: إن هذا خبر رواه الزهريُّ عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ. قلنا: مرحبًا بهذا، وعبد الله ثقة، والزهريُّ لا خلافَ في أنه سمعَ من عروةَ وجالسه، فرواه عن عُرْوةَ، ورواه أيضًا عن عبد الله بن أبى بكر عن عُرْوةَ، فهذا قوة للخبر)) (المحلى 1/ 136).
قلنا: نعم، نُسَلِّمُ بأن عبد الله ثقة، فلا يضرُّ إسقاطه. ولكن لما اختلف لفظ ما رواه الجماعةُ بإثباته في السندِ عن لفظِ من أسقطه وهو فردٌ، كانت رواية مَن أسقطه تلحقها التهمة، فلا تُقبل.
والقولُ بأن عروةَ سمعه من بُسْرةَ لم يُتفَق عليه، بل أتى من طرق فيها كلام، كما تقدَّمَ.
قلنا: والسندُ الآخرُ لمعمرٍ عن هشامٍ عن أبيه به- لم يَسْلَمْ أيضًا؛ وذلك للكلام في سماع هشام من أبيه هذا الحديث، وكذا سماع أبيه الحديث من بُسْرةَ إذ البعضُ يُثبتُ بينهم مروان. وكذا اختُلف على هشامٍ كما قَدَّمْنَا عند أول رواية.
رِوَايَةُ: زَادَ: وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ بُسْرةَ: ((أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2: ((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ))، قَالَ:((وَالمَرْأَةُ كَذَلِكَ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 3: ((يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ، وَالمَرْأَةَ مِنْ مَسِّ فَرْجِهَا)).
[الحكم]:
أصلُ الحديثِ مختلفٌ فيه. وسياقه بزيادةِ المرأةِ منكرٌ، وأنكره أبو حَاتمٍ الرازيُّ -وأقرَّهُ ابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ حَجرٍ-، وابنُ عَدِيٍّ. واستغربه الدارقطنيُّ. وضَعَّفَهُ ابنُ القيسرانيُّ والذهبيُّ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [حب 1112/ طش 2877/ مث 3231 (واللفظ له) / عد (7/ 162) / هق 640/ كر (36/ 17) / فقط (أطراف 5867)].
تخريج السياق الثاني: [علقط (9/ 353) / هق 642 (واللفظ له)].
تخريج السياق الثالث: [هق 1059].
[التحقيق]:
هذه الرواية لها طريقان:
الطريق الأول: رواه الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن نَمِر، عنِ الزهريِّ. واختُلف على الوليد على ثلاثةِ أوجهٍ:
الوجه الأول: أخرجه ابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3231) قال: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن نمر، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، أنه سمع مروانُ يقول: أخبرتني بُسْرةُ بنتُ صفوانَ الأسديةُ، به.
وأخرجه ابنُ عَدِيٍّ -ومن طريقه البيهقيُّ- من طريق هشام بن عمار، به.
وتوبع عليه ابن عمار:
فأخرجه الطبرانيُّ في (مسند الشاميين 2877) -ومن طريقه ابن عساكر- من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عبد الرحمن بن نَمِر اليَحْصُبي قال:((وسألتُ الزهريَّ عن الرجلِ يمسُّ ذَكَرَهُ، والمرأةُ تمسُّ فَرْجَها، فقال: حدَّثني عروةُ بنُ الزبيرِ أنه سمعَ مروانُ بنُ الحَكمِ يقولُ: أخبرتني بُسْرةُ، به)).
ورواه البييهقيُّ في (معرفة السنن 1059) من طريق صفوان بن صالح قال: حدثنا الوليدُ بنُ مسلِمٍ قَالَ: حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ نَمِرٍ قَالَ: ((سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: أَعَلَى المَرْأَةِ وُضُوءٌ إِذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا، كَمَا عَلَى الرَّجُلِ الوُضُوءُ مِنْ مَسِّ فَرْجِهِ؟ فَحَدَّثَنِي عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عَنْ مَرْوَانَ، أَنَّهُ سَأَلَ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ -وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلَابٍ- عَنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ، وَالمَرْأَةَ مِنْ مَسِّ فَرْجِهَا)).
فرواه ثلاثتهم عن الوليد بن مسلم، عن ابنِ نَمر، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، به.
وخالفهم (عبد الله بن ذَكْوان، ومحمود بن خالد) فروياه عن الوليد، عن
ابنِ نَمر، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ، به، لم يذكرا ((مروان))، وهو
الوجه الثاني: رواه ابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1112) قال: أخْبَرنا عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ سَلْمٍ قَالَ: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ ذَكْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حدثنا الوليدُ بنُ مسلِمٍ قَالَ: حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ نَمِرٍ اليَحْصُبِيُّ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عَنْ بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ)).
وذَكَر الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 321) متابعة محمود بن خالد لابنِ ذَكْوانَ.
وخالفَ الجميعَ أبو موسى الأنصاريُّ، فرواه عن الوليد، عن ابنِ نَمر، عنِ الزهريِّ، عن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، به. وهو
الوجه الثالث: رواه البيهقيُّ في (السنن الكبير 642) قال: أخْبَرَناه أبو سعيدِ بنُ أبي عَمرٍو، أخْبرَنا أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ يعقوبَ الشَّيْبَانِيُّ، حدثنا حسينُ بنُ محمدٍ، حدثنا أبو موسى الأنصارِيُّ، حدثنا الوليدُ بنُ مسلِمٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ نَمِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ مَسِّ المَرْأَةِ فَرْجَهَا، أَتَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: أخْبرني عبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ، عن عُرْوةَ، عن مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، عن بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ)). قَالَ: ((وَالمَرْأَةُ كَذَلِكَ)).
قلنا: ومدارُ الأوجهِ الثلاثةِ على الوليد بن مسلم، وهو وإن وَثَّقَهُ جماعةٌ فقد "قال أبو بكر المروذيُّ: قلتُ لأحمدَ بنِ حنبلٍ في الوليد قال: ((هو كثيرُ الخطأ))، وقال مهنا: "سألتُ أحمدَ عن الوليدِ فقال: ((اختلطتْ عليه أحاديث ما سمع وما لم يسمع، وكانت له منكرات)) (تهذيب التهذيب 11/ 155).
فالراجحُ أن الوليدَ اختلطَ عليه هذا الحديث واضطربَ فيه؛ إذ إن الأوجه الثلاثة عنه متكافئة، ولا يمكنُ ترجيح وجه على وجه.
ومع هذا قَدَّمَ البيهقيُّ طريقَ أبي موسى الأصبهاني على طريق صفوان، فأسند الثاني في (المعرفة) ثم قال:((وقد روينا من حديث أبي موسى الأنصاري، عن الوليد قال: فقال الزهري: أخبرني عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، وقال في متنه: ((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ))، قال:((وَالمَرْأَةُ كَذَلِكَ))، وهذا أصحُّ)) (المعرفة 1/ 397).
قلنا: وشيخُ الوليدِ في جميعِ الوجوهِ عبد الرحمن بن نمر- مختلفٌ فيه:
روى له البخاريُّ ومسلمٌ متابعة.
وقال أبو داود: ((ليس به بأس، كان كاتبًا، حضرَ مع ابنِ هشامٍ، والزهريُّ يملي عليهم)) (سؤالات الآجري 1640).
وقال دُحيمٌ: ((صحيحُ الحديثِ عنِ الزهريِّ، ما أعلمُ أحدًا روى عنه غير الوليد)) (الجرح والتعديل 5/ 295).
وقال أبو زرعةَ الرازيُّ: ((حديثُه عنِ الزهريِّ مستوٍ)) (تاريخ دمشق 36/ 18).
وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 82)، وزادَ:((من ثقات أهل الشام ومتقنيهم)).
وقال في (مشاهير علماء الأمصار 1445): ((من ثقات الشاميين وفقهاء الدمشقيين، وكان متيقظًا، يحفظ، حافظًا يتفقه)). وقال أبو أحمدَ الحاكمُ: ((مستقيمُ الحديثِ)).
وقال البرقيُّ: ((شاميٌّ، يَروي عنِ الزهريِّ، ثقة)). وذَكَره ابنُ خلفون في كتاب (الثقات) وقال: ذَكَر الذُّهْليُّ أصحابَ ابنِ شِهابٍ فقال: ((وعبد الرحمن
ابن نمر اليحصبي، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر وهما ثبتان، قد ظهرَ لابنِ مسافر قطعة من حديث الزهري ولم يظهر لابن نمر إلا يسير، وأظنُّ لو فتش الناسُ عنه لوجدوا عنده علمًا من علم الزهري. والدليلُ على ذلك أنك لا تكادُ تجدُ لابنِ نمر حديثًا عنِ الزهريِّ إلا ودون الحديث مثله يقول: سألتُ الزهريَّ عن كذا فحدثني عن فلان وفلان. فيأتي بالحديثِ على وجهه)) (إكمال تهذيب الكمال 8/ 242).
بينما سُئِلَ عنه ابنُ مَعِينٍ، فقال:(شيخٌ من الدمشقيين، ضعيفُ الحديثِ، يُحَدِّثُ عنه الوليد بن مسلم)) (سؤالات ابن الجنيد 149، ط/ الفاروق).
وذَكَره العُقيليُّ في (الضعفاء 2/ 481)، وأسندَ إلى الدُّوريِّ عن ابنِ مَعِينٍ قال:((ابنُ نَمر الذي روى عنِ الزهريِّ، ضعيفٌ)).
وقال أبو حَاتمٍ: ((ليس بقويٍّ، لا أعلمُ روى عنه غير الوليد بن مسلم)) (الجرح والتعديل 5/ 295).
وذَكَره ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 7/ 161 - 162)، فقال: ((هو ضعيفٌ في الزهريِّ
…
وقال: وعبد الرحمن بن نمر هذا له عنِ الزهريِّ غير نسخة، وهي أحاديث مستقيمة
…
وهو في جملة مَن يُكتبُ حديثُهُ منَ الضعفاءِ)).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((لَيِّن الحديث في الزهري)) (الاستذكار 7/ 103).
وضَعَّفَهُ ابنُ القيسرانيِّ في (ذخيرة الحفاظ 2/ 698).
قلنا: فلعلَّ مَن ضَعَّفَهُ بسبب تفرد الوليد عنه، قال ابنُ حَجرٍ:((ضُعِّفَ بسبب تفرد الوليد بن مسلم)) (فتح الباري 1/ 462).
قلنا: وقد تَفَرَّدَ عبد الرحمن دون أصحاب الزهري بزيادة: ((وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ)) فإن شعيبَ بنَ أبي حمزةَ، ويونسَ، وعقيلًا
…
وغيرهم ممن تقدَّمَتْ
روايتهم عنِ الزهريِّ- لم يقلْ أحدٌ منهم: ((وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ)).
ولذا قال أبو حَاتمٍ: ((هذا حديثٌ وَهِم فيه في موضعين: أحدهما: أن الزهريَّ يرويه عن عبد الله بن أبي بكر، وليس في الحديث ذكر المرأة)) (علل ابن أبي حَاتمٍ 81).
ووافقه ابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 327)، وابنُ حَجرٍ في (التلخيص الحبير 1/ 221).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((هذا الحديثُ بهذه الزيادةِ التي ذُكرتْ في متنه و ((وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ)) لا يرويها عنِ الزهريِّ غير ابن نمر هذا
…
وقول ابنِ مَعِينٍ: (هو ضعيف في الزهري) ليس أنه أنكر في أسانيد ما يرويه عنِ الزهريِّ أو في متونها إلا ما ذكرت من قوله: ((وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ))، وهو في جملة مَن يُكتبُ حديثُهُ من الضعفاء)) (الكامل 7/ 163).
وقال ابنُ أبي عاصمٍ -عقب الحديث-: ((ولا نعلمُ أحدًا يقولُ هذا عنِ الزهريِّ غيره)).
وذَكَر البيهقيُّ -عقب روايته ابن نمر هذه- روايةَ عقيل بن خالد، عنِ الزهريِّ، عَنْ عبدِ اللهِ بنِ أَبِي بكرِ بنِ حَزْمٍ، أنهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: ((ذَكَرَ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ -فِي إِمَارَتِهِ عَلَى المَدِينَةِ- أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إِذَا أَفْضَى إِلَيْهِ بِيَدِهِ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، وَقُلْتُ: لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ مَسَّهُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: بَلَى، أخبرتني بُسْرةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ مَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَيُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
…
)) الحديث، ثم قال:((هذا هو الصحيحُ من حديثِ الزهريِّ)) (السنن الكبير 1/ 389).
وقال ابنُ القيسرانيُّ: ((رواه عبدُ الرحمنِ بنُ نَمر اليحصبيُّ، وهذه الزيادةُ لا
يذكرها غير اليحصبي هذا، وهو ضعيف)) (الذخيرة: 1270).
وذَكَرَ له الذهبيُّ هذا الحديث من منكراته في (الميزان 2/ 595)، وقال:((وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ. فلم يأتِ بهذه اللفظةِ سواه)).
قلنا: ونحا البيهقيُّ منحى آخر -بعد أن رجَّحَ روايةَ عقيل عنِ الزهريِّ- إلى أن قولَه: ((وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ)) مدرجةٌ من كلامِ الزهريِّ. واستَدلَّ لذلك بما أسنده عن أبي موسى الأصبهاني قال: ثنا الوليدُ بنُ مسلِمٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ نَمِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ مَسِّ المَرْأَةِ فَرْجَهَا، أَتَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: أخبرني عبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ، عن عُرْوةَ، عن مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، عن بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ))، قَالَ:((وَالمَرْأَةُ كَذَلِكَ)).
قال البيهقيُّ: ((ظاهرُ هذا يدلُّ على أن قولَه: (قال: ((وَالمَرْأَةُ مِثْلُ ذَلِكَ))) من قولِ الزهريِّ، ومما يدلُّ عليه أن سائرَ الرواةِ رووه عنِ الزهريِّ دون هذه الزيادة)).
قلنا: قد يكون لكلامِ البيهقيِّ وجهٌ؛ وذلك أن الزهريَّ معروفٌ بمثل ذلك، كان يُدْرِجُ في المتون التفسيرَ والرأي، حتى كان بعضُ أقرانه ربما يقول له:((افصل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم)، انظر (النكت 2/ 829).
قال البيهقيُّ -عقب كلامه السابق-: ((ورُوي ذلك في حديث إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبيه، وليس بمحفوظ)).
قلنا: رواية ابن عياش سيأتي تحقيقها في تخريجٍ مستقلٍ؛ للخلافِ في لفظها.
وقد جاءتْ روايةٌ يُظَنُّ أنها متابعة لابن نمر، وليست كذلك لشدة ضعفها:
أخرجها الدارقطنيُّ كما في (أطراف الغرائب والأفراد) وقال: تفرَّدَ به عبد العزيز بن الحُصين، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عنها)).
وقال الدارقطنيُّ: ((غريبٌ عنها في مَسِّ المرأة)).
قلنا: وما أبرز لنا من إسنادِهِا فيه عبد العزيز بن الحصين، ضعيفٌ جدًّا. انظر (لسان الميزان 5/ 202).
الطريق الثاني: أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 353) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن صالح الأزديُّ قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا عمامة بن عمرو، عن مِسْوَر بن عبد الملك، عن عثمان بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن بُسْرةَ بنت صفوان
…
به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
الأُولى: عثمان بن عطاء، قال الذهبيُّ:"ضَعَّفُوهُ"(الكاشف 3725)، وقال الحافظُ:"ضعيفٌ"(التقريب 4502).
الثانيةُ: مِسْوَر بن عبد الملك، ((ليس بالقويِّ)) قاله الأزديُّ، واستنكرَ عليه هذا الحديث. انظر (الميزان 8540)، و (اللسان 7745).
الثالثةُ: عمامة بن عمرو، لم نجدْ مَن ترجمَ له.
وقال الدارقطنيُّ: ((تفرَّدَ به عمامة بن عمرو، عن المسور بن عبد الملك، عن عثمان بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عنها)).
رِوَايَةُ زَادَ: وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ
وَفِي رِوَايَةٍ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ)).
[الحكم]:
أصلُ الحديثِ مختلفٌ فيه، وزيادة:((وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ)) غير محفوظة.
[التخريج]:
[حب 1111/ طب (24/ 201/ 514) / قط 528، 529/ علحم 3743 (واللفظ له) / هقخ 503، 510/ هق 621].
[التحقيق]:
له طريقان:
الطريق الأول: رواه أحمدُ في (العلل، رواية ابنه عبد الله) عن عبد الله بن الوليد قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ بنتِ صفوانَ، به.
ورواه ابنُ حِبَّانَ في (الصحيح)، من طريق عبد الله بن الوليد العَدَني، به.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ رقم 514)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 510) من طريق أبي حذيفة.
ورواه الدارقطنيُّ في (السنن 528) من طريق يزيد بن أبي حكيم.
كلاهما عن سفيان الثوري، به.
وهذا إسنادٌ اختُلفَ فيه كما تقدَّم؛ للاختلاف في سماع هشام بن عروة لهذا الحديثِ من أبيه، حيث أنكره شعبةُ وغيرُهُ. وكذا للاختلاف في عدالة مروان. والخلاف الكثير على هشام بن عروة فيه.
قلنا: وانفردَ الثوريُّ بزيادة: ((وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ))، ولا نراها تصحُّ؛ وذلك أن بضعةَ عَشَر راويًا عن هشامٍ على هذا الوجه- لم يذكروها. وكذا رواه بضعة عشر راويًا عن هشام على الوجه الثاني بإسقاط مروان- لم يذكروها. وكلُّ هذا يدلُّ على عدمِ حفظها، ولعلَّ زيادتها من هشام نفسه؛ وذلك أنه تغيَّر لما نزلَ الكوفةَ كما قدمنا.
ومع هذا قال الدارقطنيُّ: ((وزاد فيه الثوريُّ لفظة حسنة، وهي قوله: حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ)) (العلل 9/ 314).
ولعلَّه يقصدُ بالحسنِ هنا اللغوي أو الغرابة، والله أعلم.
قلنا: وقد جاءتْ متابعةٌ لسفيانَ، ولكنها متابعةٌ ضعيفةٌ لا تصحُّ:
رواها الدارقطنيُّ في (السنن 529) عن الحسن بن أحمد بن سعيد الرهاوي، ثنا العباس بن عبيد الله بن يحيى الرهاوي، نا محمد بن يزيد بن سنان، نا أبي، عن هشام، عن عُرْوةَ، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ يزيد بن سنان ضعيف (التقريب 7727)، وابنه محمد ليس بالقوي (التقريب 6399)، والعباس لم نجدْ لَهُ ترجمةً. والحسن الرهاوي قال عنه الذهبيُّ:((مقبول)) (تاريخ الإسلام 24/ 257).
قلنا: وجاءتْ هذه الزيادةُ من غيرِ طريقِ الثوريِّ أيضًا، ولكن من طريقٍ شَاذٍّ لا يَثبتُ:
أخرجه البيهقيُّ في (الكبرى)، وفي (الخلافيات 503) من طريق يحيى بنِ بُكَيْر، عن مالكٍ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، بإسنادِهِ السابق.
وأشارَ ابنُ عبدِ البرِّ إلى روايةِ ابنِ بُكَيرٍ هذه، وعزاها البيهقيُّ في (المعرفة
1007) لموطئه.
وإسنادُهُ ضعيفٌ، يحيى بن عبد الله بن بُكير مختلفٌ فيه، والجمهورُ على تضعيفه وخاصة في روايته عن مالك.
قال ابنُ مَعِينٍ -وذُكِر له يحيى بن بكير المصري، قيل له: إنه يُحَدِّثُ بالموطأ عن مالك بن أنس-: ((وأيُّ شيءٍ كان يسوي؟ إنما كان بعرضِ حَبيبٍ، وكان حبيب كذَّابًا، كان يَعرضُ لهم خمس ورقات، ثم يقول لهم: عرضت لكم عشرة))، ثم قال يحيى بنُ مَعِينٍ:((وهو لا يُحْسِنُ يقرأ حديث ابن وهب، فكيف يقرأ الموطأ؟ ! )) (تاريخه رواية ابن محرز 109)،
وقال أيضًا: ((وكان ابنُ بُكيرٍ سمع من مالكٍ، بعرضِ حبيبٍ، وهو أَشَرُّ العرضِ)) (تاريخه رواية الدوري 5282).
وقال مَسْلَمةُ بنُ قاسمٍ: ((يُتكلَّمُ فيه؛ لأن سماعه من مالكٍ إنما كان بعرضِ حَبيبٍ، وعرضُ حبيبٍ عندهم ضعيف)) (إكمال تهذيب الكمال 12/ 336، وتهذيب التهذيب 11/ 237).
وقال الخليليُّ: ((تَفَرَّد بأحاديث عن مالك)) (الإرشاد 1/ 262).
بل قال البخاريُّ في (تاريخه الصغير): ((ما روى يحيى بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه)) (مقدمة فتح الباري، صـ 452).
قلنا: والحديثُ عند أصحاب الموطأ جميعًا وغيرهم عن مالكٍ بدون هذه الزيادة كما في أول رواية.
وجاءتْ هذه الزيادةُ -أيضًا- في رواية عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسْرةَ، وزاد في متنه زيادةً حَكَمَ عليها غَيرُ واحدٍ من النقادِ بالإدراجِ كما سيأتي.
رِوَايَةُ: قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي:
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ. وهذا السياقُ بهذا اللفظِ لا يصحُّ.
[التخريج]:
[معقر 163 (واللفظ له) / علقط (9/ 353)].
[السند]:
رواه ابنُ المقرئ في (معجمه) قال: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي أبو بكر، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث، حدثنا أبي، عن جَدي، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن عبد الحميد بن جعفر، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن مروان بن الحكم، عن بُسْرةَ بنت صفوان، به.
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل) من طريق عبد الله بن صالح عن الليث، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ فيه: عبد الحميد بن جعفر، وإن وَثَّقَهُ جماعةٌ، فقد قال ابنُ حِبَّانَ:((ربما أخطأ)) (الثقات 7/ 122)، وقال الحافظُ:((صدوقٌ، رُمِي بالقدرِ، وربما وهم)) (التقريب 3756).
قلنا: ولم يسمعْه عبد الحميد من عروة؛ بينهما هشام بن عروة، كما رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 24/ رقم 511)، والدارقطنيُّ في (السنن 536)، وغيرُهُما، من طريقِ محمدِ بنِ بَكرٍ البُرْسانيِّ، عن عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بُسْرةَ بنحوه. وزاد فيها عبدُ الحميدِ
زيادةً سيأتي تحقيقها في تخريجٍ مستقلٍ، وهي قوله:((أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَو رُفْغَيْهِ))، والراجحُ إدراجها من قولِ عروةَ، كما سيأتي.
رِوَايَةُ: ((فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عن عُرْوةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَسُئِلْتُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الوُضُوءِ، فَدَعَا مَرْوَانُ بَعْضَ شُرْطَتِهِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيُعِدِ الْوُضُوءَ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ (2): ((مَنْ مَسَّ فَرجَهُ فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ. وهذا السياقُ بهذا اللفظِ لا يصحُّ.
[الفوائد]:
قال ابنُ حِبَّانَ: ((لو كان المرادُ منه غسل اليدين كما قال بعضُ الناسِ، لَمَا قال صلى الله عليه وسلم: ((فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ))؛ إذ الإعادة لا تكون إلا للوضوءِ الذي هو للصلاة)).
قلنا: سَلَّمنا بالنتيجة، ولكن الاستدلال على ذلك باللفظ المذكور إنما يتوقف على ثبوته، وفيه نظر كما ستراه في التحقيق.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [طب (24/ 200/ 512)].
تخريج السياق الثاني: [حب 1110 (واللفظ له) / لف 138/ عد (8/
79) / قط 530].
[التحقيق]:
وردت هذه الرواية من عدة طرق:
الطريق الأول:
أخرجه ابنُ حِبَّانَ قال: أخبرنا الفضل بن الحُبَاب الجُمَحي قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا علي بن المبارك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بُسْرةَ، به.
وأخرجه القطيعيُّ وابنُ عَدِيٍّ عن الفضلِ، به.
وإسنادُهُ مختلفٌ فيه كما سَبَقَ؛ للاختلاف في سماع هشام لهذا الحديثِ من أبيه، وكذا في سماع عروة من بُسْرةَ. وقد اختُلف فيه خلافًا كثيرًا على هشام، كما قدمنا في أول رواية.
قلنا: وقوله: ((فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)) انفردَ بها من هذا الوجهِ علي بن المبارك. وخالفه بضعة عَشَر راويًا عن هشام على هذا الوجه، فذكروه بلفظ:((فَلْيَتَوَضَّأْ))، وكذا خالفه بضعة عشر راويًا عن هشام على الوجه الآخر بإثبات مروان بن الحكم، فلم يذكروها.
وقد يكون شذوذها من دون علي بن المبارك، فقد روى أبو عليٍّ الشاموخيُّ هذا الحديثَ في (جزئه 23) عن أبي بكر أحمد بن محمد بن العباس الأسفاطي، ثنا أبو خليفة، ثنا مسلم بن ابراهيم بإسنادِهِ، بلفظ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). فلم يقلْ: ((فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ))، وهذا بمفرده لا يُعِلُّ رواية ابنِ حِبَّانَ ومَن تابعه عن أبي خليفة باللفظ المذكور.
ولكن الدارقطنيُّ أسنده في (العلل 9/ 329) من طريق أحمد بن محمد
ابن عيسى البرتي، وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي
…
وغيرهما، جميعًا عن مسلم بن إبراهيم بإسنادِهِ، بمثل حديث الشاموخي، وهو المشهور في سائر الروايات، والبرتي وجعفر ثقتان ثبتان. انظر (تاريخ بغداد 2431، 3640).
قلنا: ومع هذا أخرجه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه)، محتجًّا به على أن المرادَ منَ الوضوءِ في الحديثِ هو الوضوء الشرعي وليس اللغوي.
وقال ابنُ عَدِيٍّ -بعد أن أخرجه ضمن ثلاثة أحاديث لعلي بن المبارك-: ((وهذه الأحاديث التي رواها مسلم عن علي بن المبارك- هذه الأحاديث الثلاثة أحاديث مستقيمة)) (الكامل 8/ 79).
الطريق الثاني:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ 200/512) قال: حدثنا سعيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ التُّسْتَرِيُّ، ثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ يحيى بنِ سعيدٍ القَطَّانُ، ثنا عثمانُ بنُ عُمرَ، ثنا هشامُ بنُ حسَّانَ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه قال:((كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَسُئِلْتُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الوُضُوءِ، فَدَعَا مَرْوَانُ بَعْضَ شُرْطَتِهِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)).
وهذا إسنادٌ فيه: سعيد بن عبد الرحمن التستري، أكثرَ عنه الطبرانيُّ، وذكره ابنُ ناصرِ الدينِ في (توضيح المشتبه 1/ 512) ولم نجدْ فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وشيخه أحمد بن محمد بن يحيى صدوقٌ كما في (التقريب 106)، وبقية
رجاله ثقات.
وتوبع سعيد بن عبد الرحمن التستري على إسنادِهِ، ولكن باللفظِ المشهورِ في الحديثِ:
فأخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 331) قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان بإسنادِهِ بلفظ: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
ويعقوب ثقة، وكذلك رواه يزيد بن هارون عن هشام بن حسان بلفظ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ فَرْجَهُ -أَوْ: ذَكَرَهُ- فَلْيَتَوَضَّأْ))، أخرجه الدارقطنيُّ أيضًا في (العلل 9/ 331).
فهذا مما يُشْكِلُ على ثبوتِ لفظ الإعادة من هذا الوجهِ أيضًا، غير أن الحافظَ ابنَ حَجرٍ نقلَ في (النكت على ابن الصلاح 2/ 831) عن ابنِ شَاهينَ أنه رواه في كتاب (الأبواب) من طريق عبد الأعلى، ثنا هشام بن حسان بإسنادِهِ بلفظ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ، فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)).
ولفظةُ ((أَوْ أُنْثَيَيْهِ)) مدرجةٌ في الحديثِ كما بَيَّنه الحافظ -وسيأتي الكلامُ عنها مفصلًا- وحَمَل الحافظُ الوهم في إدراجها على هشام بن حسان، مبينًا أنه لم يضبطِ الحديثَ. فكذلك يمكنُ أن يقالَ في لفظةِ الإعادةِ؛ لاختلافِ الرُّواةِ عليه. والله أعلم.
الطريق الثالث:
أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 530) قال: حدثنا محمدُ بنُ الحسنِ بنِ محمدٍ النَّقَّاشِ، نا أحمدُ بنُ العباسِ بنِ موسى العدوِيُّ، نا إسماعيلُ بنُ سعيدٍ الكِسَائِيُّ، نا سفيانُ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن بُسْرةَ، به،
بلفظِ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)).
وإسنادُهُ واهٍ؛ آفته محمد بن الحسن بن محمد، أبو بكر النقاش، المقرئ والمفسر المشهور- متهمٌ.
قال طلحة بن محمد الشاهد: ((كان النقاشُ يَكذبُ في الحديثِ، والغالبُ عليه القصص))، وقال البرقانيُّ:((كلُّ حديثِ النقاشِ منكرٌ))، وقال أيضًا:((ليس في تفسيره حديث صحيح. ووهاه الدارقطنيُّ))، وقال الخطيبُ:((في حديثِهِ مناكيرُ بأسانيدَ مشهورة)). انظر (لسان الميزان 7/ 78)، وقال الذهبيُّ:((مع جلالته ونبله فهو متروكُ الحديثِ)) (تذكرة الحفاظ 3/ 83).
هذا وقد أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 342) قال: حدثنا عبدُ الرحمنِ بنِ سعيدٍ الأصبهانيُّ أبو صَالِحٍ، قال: حدثنا عقِيلُ بنُ يحيى، وأبو مسعُودٍ، قالا: حدثنا أبو داود قال: أخبرنا شعبةُ، عن عبدِ اللهِ -أو: محمدِ- ابنِ أبي بكرِ بنِ محمدِ بنِ عَمرِو بنِ حَزْمٍ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ قال:((أَرْسَلَ مَرْوَانُ إِلَى بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ، فَسَأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)) أَوْ قَالَ: ((فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)).
هكذا ذكره بالشَّكِّ في سندِهِ ومتنه، وأبو داود هو الطيالسيُّ، والحديث في (مسنده 1762) بالشك في السندِ دونَ المتنِ، فقد ذكره بلفظ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، وكذلك أخرجه أبو نعيم في (الحلية 7/ 159) من طريقه.
وقال الدارقطنيُّ: ((ورواه معاذُ بنُ معاذٍ، وغُنْدَرٌ، والنضرُ بنُ شُمَيْلٍ، عن شُعْبةَ، عن محمد بن أبي بكر، بغير شك)) (العلل 9/ 319).
أي: لم يَشُكُّوا في أن شعبةَ رواه عن محمد بن أبي بكر، دون تردد بينه
وبين أخيه عبد الله.
هذا عن السندِ، وأما عن المتنِ، فقد رواه غندرٌ عن شُعْبةَ بلفظ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ تَوَضَّأَ))، دون شَكٍّ. أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 342) وأبو نعيم في (الحلية 7/ 159).
أما رواية معاذٍ، فرواها ابن شاذان في (الأول من حديثه ق 123/ب): أخبرَنَا دَعْلَجٌ، ثنا معاذ بنُ المُثَنَّى، حدثني أبي، حدثني أبي، عن شُعْبةَ، عن محمدِ بنِ أبي بكرِ بنِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ يقولُ: بَعَثَ مَرْوَانُ إِلَى بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ، فَحَدَّثَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((إِذَا مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). فرواه باللفظِ المشهورِ في الحديثِ.
رِوَايَةُ: وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظِ، والمحفوظُ أنه من قولِ عروةَ.
[التخريج]:
[طب (24/ 201/ 515) (واللفظ له) / طس 480، 8571/ علقط (9/ 334)].
[التحقيق]:
وردت هذه الرواية من عدة طرق:
الطريق الأول: أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وُهَيْب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مَرْوان، عن بُسْرةَ بنت صفوان، به.
وهذا إسنادٌ اختُلف فيه؛ للاختلاف في سماع هشام لهذا الحديثِ من عروة، حيث أنكره شعبة وغيرُهُ. وكذا للاختلاف في عدالة مروان، وما وقع فيه من اختلاف كبير على هشام، كما تقدم.
قلنا: وخولف العباس الأسفاطي في متنه:
فرواه ابنُ أبي خيثمة في (تاريخه- السِّفر الثاني/ رقم 3386) -ومن طريقه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 333)، وابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 190) - قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وُهَيْب بإسنادِهِ، بلفظ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
وهذا هو المحفوظُ في الحديثِ، وأحمد بن زهير إمامٌ حافظٌ كبيرُ الشأنِ.
انظر (تاريخ بغداد 4/ 384) و (لسان الميزان 1/ 463).
وعليه، فرواية العباس الأسفاطي شاذة أو منكرة.
الطريق الثاني: أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 480) قال: ((حدثنا أحمد بن عمرو الخَلَّال قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحِزَامي قال: حدثنا أبو علقمة الفَرْوي قال: حدثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بُسْرةَ بنت صفوان، به)).
ثم قال الطبرانيُّ: ((لم يَرْوِ هذا الحديثُ عن مالكٍ إلا أبو علقمة، تفرَّدَ به إبراهيم بن المنذر)).
وإسنادُهُ مع ما فيه من اختلاف في سماع هشام لهذا الحديثِ من أبيه، وكذا في سماع عروة من بُسْرةَ له- قد وقع فيه أيضًا خلاف كبير على هشام بن عروة، كما قدمنا. أضف إلى ذلك أن أحمد بن عمرو الخلال أكثر عنه الطبراني، ووَثَّقَهُ أحمد بن خالد الأندلسي، المعروف بابن الجباب (الإحكام في أصول الأحكام 2/ 210).
ولكن المحفوظ عن مالك بهذا اللفظِ أنه من قول عروة، وليس مرفوعًا:
هكذا أخرجه مالك في (الموطأ 61) عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَقَدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ)).
هذا هو المحفوظُ عن مالكٍ، وعليه فرواية الخلال شيخ الطبراني منكرة، ولكن قد جاء الحديث عن مالكٍ من وجهٍ آخرَ ظاهره أن الخلَّالَ قد توبع مع شيء من المخالفة في السند:
فأخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 334) من طريق هارون بن أبي علقمة الفَرْوي قال: حدثنا أبي، عن مالكِ بنِ أنسٍ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عن مَرْوَانَ، عَنْ بُسْرةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ)).
فرواه هارون هذا عن أبيه عن مالك مثل رواية الخلال، غير أنه زاد في سنده مروان. ووالد هارون ليس هو أبو علقمة الفَرْوي صاحب الحديث السابق.
وقد بَيَّنَ ذلك الدارقطنيُّ فقال -عقب روايته-: ((وهذا غريبٌ، لم يروه غير هارون، وهو هارون بن موسى بن أبي علقمة الفَرْوي، عن أبيه موسى بن أبي علقمة، عن مالك، وهو منسوب في الإسناد إلى جَده أبي علقمة. ومَن روى هذا الحديثُ عن أبي علقمة الفروي عن مالك، فقد وهم، بلغني أن القيراني حَدَّثَ به عن شيخٍ له، عن آخَرَ، عن أبي علقمة، عن مالك، عن هشام. وهذا وهم)) (العلل 9/ 334، 335).
قلنا: وهارون بن موسى بن أبي علقمة قال عنه أبو حَاتمٍ: ((شيخ))، ووَثَّقَهُ الدارقطنيُّ، وقال الحافظُ:((لا بأس به)) (التقريب 7245). وأبوه موسى بن أبي علقمة وَثَّقَهُ الدارقطنيُّ أيضًا (سؤالات السلمي 430)، وقال الحافظُ:((مجهول)) (التقريب 6993) و (لسان الميزان 7/ 404)، هكذا قال، مع أنه نَقَلَ توثيقَ الدارقطنيِّ له في ترجمة ابنه هارون من (التهذيب 11/ 14)، فَجَلَّ مَن لا يسهو.
وعلى كُلٍّ فرواية موسى هذه عن مالك رواية منكرة؛ ولذا استغربها الدارقطنيُّ وأشارَ إلى نكارتها، حيث أتبعها بإسنادِهِ الحديث من طريق مالك عن هشام عن أبيه من قوله، كما سَبَقَ في (الموطأ).
وعُلِم من كلامِ الدارقطنيِّ أن روايةَ أبي علقمة الفَرْوي عن مالكٍ التي
أسندها الخلال شيخ الطبراني- ما هي إلا وهم، وهذه هي العلةُ الثالثةُ.
ويؤيدُ ذلك أن المحفوظَ عن أبي علقمة الفروي إنما هو روايته الحديث عن هشام بن عروة، وليس عن مالك، كما ستراه فيما يلي.
الطريق الثالث: أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 8571) قال: حدثنا معاذٌ قال: نا عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الوهابِ الحَجَبِيُّ قال: نا أبو علقمةَ الفَرْوِيُّ قال: سَمِعتُ هشامَ بنَ عُرْوَةَ يقول: أخْبرَني أَبِي، عن بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ)).
وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، أبو علقمة الفروي وَثَّقَهُ جماعةٌ، وقال الحافظُ:((صدوق)) كما سَبَقَ. ومعاذ هو ابنُ المثنى بن معاذ العنبري، ثقة (تاريخ بغداد 7121).
ولكن هذا الإسناد منكر المتن -مع ثقة رجاله-، وذلك؛ لمخالفة أبي علقمة الفروي للثقات من وجهين:
الوجه الأول: أن كلَّ مَن روى هذا الحديثَ عن هشام بن عروة -وهم عددٌ كبيرٌ منَ الثقاتِ والحفَّاظِ؛ أمثال أيوب السَّختياني، ويحيى بن سعيد القطان، والثوري، والحمَّادين، وأبي أسامة
…
وغيرُهُم كثير- رووه بلفظ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، ولم يذكرْ واحدٌ منهم هذه اللفظة:((فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ))، فدلَّ ذلك على نكارتها، وأنها من أوهام الفروي.
وأشار إلى ذلك الطبرانيُّ بقوله عقب الحديث: ((لم يقلْ أحدٌ ممن رَوى هذا الحديثَ عن هشام بن عروة: ((فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ)) إلا أبو علقمة الفَرْوي)).
الوجه الثاني: أن مالكًا رواه في (الموطأ 61) عن هشام بمثل سياق الفروي،
غير أنه خالفه في سنده، فأوقفه على عروة كما سَبَقَ. ومالك بمفرده أثبت من جماعة من أمثال الفروي. فتبين أن رواية الفروي هذه خطأ لا شك فيه؛ ولذا حكمنا عليها بالنكارةِ وإن كان صاحبها ثقة.
على أنه قد رُوِي الحديثُ عن أبي علقمة من وجهٍ آخرَ بمثل رواية الجماعة عن هشام:
أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 330) وابنُ عساكرَ في (المعجم 837) من طريق حميدُ بنُ الربيعِ قال: حدثنا أبو علقمةَ الفَرْوِيُّ قال: حدثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
وهذا هو الصوابُ، وإن كان قد تُكلم في حميد بن الربيع. انظر (لسان الميزان 2/ 363).
رِوَايَةُ: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ [وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ])).
وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ -أَوْ قَالَ: ((فَرْجَهُ))، أَوْ قَالَ:((أُنْثَيَيْهِ)) - فَلْيَتَوَضَّأْ)).
وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ، فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)).
[الحكم]:
المتنُ مختلفٌ فيه كما سَبَقَ.
وقوله: ((أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ)) مدرجٌ في المتنِ، وإنما هو من كلامِ عروةَ بنِ الزُّبيرِ، وليس من كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وجَزَمَ بذلك الدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، والخطيبُ، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، والذهبيُّ، وابنُ حَجرٍ، والسخاويُّ، والسيوطيُّ.
…
وغيرُهُم.
[اللغة]:
الرفغ -بفتح الراء وضمها-: ((واحد الأرفاغ، وهي: المغابن والآباط وأصول الفخذين)) (الإمام لابن دقيق العيد 2/ 330).
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [طب (24/ 200/ 510، 511) (والزيادة له ولغيره)، (24/ 201/ 513)، (24/ 202/ 516) / طس 1457، 3992/ قط 536، 539/ علقط (9/ 328، 330 - 332، 347) / هق 658/ خطل (1/ 343 - 346)].
تخريج السياق الثاني: [شاهين (أبواب - النكت لابنِ حَجرٍ 2/ 831 -
832)].
تخريج السياق الثالث: ] شاهين (أبواب - النكت لابنِ حَجرٍ 2/ 831) [.
[التحقيق]:
وَرَد ذِكرُ الأنثيين والرفغين في الحديث من عدة طرق، وفي بعضها الاقتصار على ذكر الأنثيين، وهاك بيانها:
الطريق الأول: أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 197، والعلل 9/ 330) قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل، حدثنا علي بن مسلم، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بُسْرةَ، به.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ 511) عن محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا علي بن مسلم به، وزاد:((وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ)).
ومن هذا الوجهِ خرَّجه البيهقيُّ في (الكبرى)، والخطيبُ في (الفصل للوصل).
وأخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 1457) من طريق أحمد بن المقدام العِجْلي، حدثنا محمد بن بكر البرساني، به. وقال:((لم يَرْوِ هذا الحديث عن عبد الحميد إلا محمد بن بكر)).
وأخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 3992) من طريق محمد بن يحيى التُّجِيبي، نا محمد بن بكر البرساني، به. وفيه ذِكر الأنثيين دون الرفغين، وقال:((لم يقل في هذا الحديثِ عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسْرةَ: ((وَأُنْثَيَيْهِ)) إلا عبد الحميد بن جعفر، تفرَّدَ به محمد بن بكر البرساني)).
قلنا: فمدارُ هذا الطريقِ عندهم على محمد بن بكر البرساني، وهو من
رجال الصحيح، وقد وَثَّقَهُ جماعةٌ منَ الأَئمةِ، وألان القولَ فيه ابنُ عمارٍ الموصليُّ والنسائيُّ في رواية. انظر (تهذيب التهذيب 9/ 78).
وعَدَّ الذهبيُّ هذا الحديثَ من مناكيرِهِ، فقال: ((صدوقٌ مشهورٌ
…
له ما يُنْكَرُ، وهو حديثه عن عبد الحميد بن جعفر، عن هشام بن عروة
…
((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))، إنما هذه زيادة من قول عروة)) (الميزان 3/ 492/ 7277).
قلنا: ولكن الأئمة منَ المتقدمين ألصقوا الوهم في الحديثِ بشيخِهِ عبد الحميد بن جعفر، وهو من رجال الصحيح أيضًا، وَثَّقَهُ جماعةٌ، وغَمَزَهُ الثوريُّ للقدرِ، وقال ابنُ حِبَّانَ:((ربما أخطأ)) (تهذيب التهذيب 6/ 112)، وفي (التقريب 3756):((صدوقٌ، رُمِي بالقدرِ، وربما وهم)).
وقد وهم في هذا الحديثِ على هشامٍ، فرواه جماهيرُ أصحابِ هشامٍ منَ الثقاتِ الحفاظِ عن هشامٍ بإسنادِهِ ومتنِهِ، ليس فيه ذكرُ الأنثيين ولا الرفغين، كما سَبَقَت روايتهم في أول رواية.
وبَيَّنَ جماعةٌ من أصحابِ هشامٍ -كأيوبَ السَّختيانيِّ، وحمادِ بنِ زيدٍ، وابنِ أبي الزنادِ- أن ذِكرَ الأنثيين والرُّفغين إنما هو من قولِ عروةَ.
فأخرجَ الدارقطنيُّ في (السنن 537)، و (العلل 9/ 328)، وغيرُهُ، من طريقِ يزيدَ بنِ زُريعٍ، عن أيوبَ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). قال: وَكَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ: ((إِذَا مَسَّ رُفْغَيْهِ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
وروى الدارقطنيُّ في (السنن 538)، و (العلل 9/ 331)، والحاكمُ في (المستدرك 477)، وغيرُهُما من طريقِ خلفِ بنِ هشامٍ: ثنا حمادُ بنُ زيدٍ،
عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، أن عُرْوَةَ كَانَ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ، فَسُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، فَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ حَدَّثَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ إِلَى ذَكَرِهِ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ))، فَبَعَثَ مَرْوَانُ حَرَسِيًّا إِلَى بُسْرةَ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ هِشَامٌ: قَدْ كَانَ أَبِي يَقُولُ: ((إِذَا مَسَّ رُفْغَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ فَرْجَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
وكذا روى الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 334)، من طريقِ ابنِ أبي الزنادِ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، به.
ففي كلِّ هذه الرواياتِ بَيَّنَ أيوبُ ومَن تابعه أن قولَه: ((أَوْ أُنْثَيَيْهِ أو رُفْغَهُ)) مدرجةٌ من كلامِ عروةَ.
ولذا جزمَ غَيرُ واحدٍ منَ الأَئمةِ بأن هذه العبارة مدرجة في الحديث:
* فقال الدارقطنيُّ: ((كذا رواه عبد الحميد بن جعفر، عن هشام. ووَهِم في ذكرِ الأُنْثَيَيْنِ والرُّفْغ، وإدراجِه ذلك في حديث بُسْرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمحفوظُ أن ذلك من قولِ عروةَ غير مرفوع، كذلك رواه الثقات عن هشام، منهم أيوب السَّختياني وحماد بن زيد
…
وغيرُهُما)) ثم أسندَهُ من طريقِ أيوبَ وحمادٍ، كما سَبَقَ. انظر (السنن 536)، و (العلل 9/ 314، 315).
* وقال الخطيبُ البغداديُّ: ((وذِكر الأُنْثَيَيْنِ والرُّفْغَينِ ليس مِن كلامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وإنما من قول عروة بن الزبير، فأدرجه الراوي في متن الحديث. وقد بَيَّنَ ذلك حماد بن زيد، وأيوب السختياني في روايتهما عن هشامٍ)) (الفصل للوصل 1/ 346).
* وقال البيهقيُّ: ((ورُوِي ذلك عن هشام بن عروة من وجهٍ آخرَ مدرجًا في الحديث، وهو وهمٌ، والصوابُ أنه من قولِ عروةَ، والقياسُ أن لا وُضُوءَ
في المسِّ، وإنما اتبعنا السُّنَّةَ في إيجابه بمسِّ الفرجِ، فلا يجبُ بغيرِهِ)) (السنن الكبرى عقب 660).
*وقال عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ: ((وهو وهم، والمحفوظُ أنه من قولِ عروةَ، وقد رواه غيرُ عبدِ الحميدِ عن هشامٍ، ولم يذكر الرفغ، وكله وهم، ذَكَر ذلك الدارقطنيُّ)) (الأحكام الوسطى 1/ 138).
وقد اعتَرضَ عليه ابنُ التركمانيِّ، كما اعتَرضَ كل من الحافظين مغلطاي والعراقيُّ على الخطيبِ، وسيأتي ذكرُ كلامهم بعد عرضِ بقيةِ الطرقِ.
الطريق الثاني: أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ 510) قال: حدثنا عَبدان بن أحمد، ثنا أبو كامل الجَحْدري، ثنا يزيد بن زُريع، ثنا أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بُسْرةَ، به.
وهذا إسنادٌ رجاله جميعًا ثقات من رجال الصحيح، عدا عبدان بن أحمد، وهو ثقة حافظ (إرشاد القاصي والداني 562).
ولكن تُكلم في سماعِ هشامٍ لهذا الحديثِ من أبيه، وكذا عروة من بُسْرةَ بينهما مروان، كما تقدَّمَ، واختُلفَ فيه على هشامٍ اختلافًا كبيرًا كما سَبَقَ في أولِ روايةٍ.
ومع هذا مشَى الهيثميُّ على ظاهرِ الإسنادِ فقال: ((وهو في السننِ خَلا ذِكره الأُنْثَيَيْنِ وَالرُّفْغَيْنِ، ورجاله رجال الصحيح)) (المجمع 1272).
قلنا: وقد خُولِفَ فيه أبو كاملٍ الجَحْدريُّ من جماعةٍ منَ الثقاتِ من أصحابِ يزيدَ بنِ زُرَيعٍ، جعلوا قوله:((أو أُنْثَيَيْهِ أو رُفْغَيْهِ)) من قولِ عروةَ، وهم:
1 -
أبو الأشعث أحمد بن المقدام، وهو ثقةٌ من رجالِ البخاريِّ، وَثَّقَهُ
جماعةٌ، وتكلَّم فيه أبو داود بما لا يضرُّهُ. وفي (التقريب 110):((صدوقٌ، صاحب حديث، طَعَن أبو داود في مروءته)).
أخرجه الطوسيُّ في (المستخرج 69)، والدارقطنيُّ في (السنن 537)، وفي (العلل 9/ 328)، والبيهقيُّ في (الكبرى 658) بلفظ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)) قال: ((وَكَانَ عُرْوَةُ يَقُولُ: إِذَا مَسَّ رُفْغَيْهِ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
2 -
عبيد الله بن عمر القواريري، وهو ثقةٌ ثبتٌ من رجال الشيخين، ووصفه الذهبيُّ بالحافظِ (الكاشف 3577)، و (التقريب 4325).
وذَكَره ابنُ حَجرٍ في (النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/ 830).
3 -
عمرو بن علي الفلاس، الثقةُ الحافظُ، روى عنه الجماعةُ (التقريب 5081).
وروايتُه عند الخطيبِ في (الفصل للوصل المدرج في النقل 1/ 347).
4 -
أحمد بن عبيد الله العنبري، ذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 12118) وانظر (اللسان 1/ 218).
وروايته عند الدارقطنيِّ في (السنن 537)، و (العلل 9/ 328، 494)، وغيرُهُ.
كلُّ هؤلاءِ رووه عن يزيدَ بنِ زُريعٍ، مُقتصِرين في المتنِ المرفوعِ على ذِكرِ الفَرْجِ أو الذَّكَرِ، ووقفوا ذكر الأُنْثَيَيْنِ وَالرُّفْغَيْنِ على عروةَ من قولِهِ.
ولذا جَزَمَ الحافظُ ابنُ حَجرٍ بالإدراجِ في روايةِ الطبرانيِّ، وعَلَّقَ الوهم فيها بأبي كامل، فقال:((استدرك شيخنُا على الخطيبِ قوله: ((إن عبد الحميد بن جعفر تَفَرَّدَ عن هشام بزيادة (ذكر الأُنْثَيَيْنِ وَالرُّفْغَيْنِ) في حديث بُسْرةَ)) بأن
يزيد بن زريع رواه أيضًا عن أيوب، وهو كما قال، إلا أنه مدرجٌ -أيضًا-، والذي أدرجه هو أبو كامل الجَحْدري راويه عن يزيد. وقد خالفه عبيد الله بن عمر القواريري، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام، وأحمد بن عبيد الله العنبري
…
وغَيرُ واحدٍ، فرووه عن يزيد بن زريع مفصولًا))
إلى أن قال: ((وقد فصلَه حماد بن زيد، وأيوبُ، وغَيرُ واحدٍ، عن هشامٍ، واقتصرَ على المرفوعِ منه فقط: شعبةُ، والثوريُّ وتمامُ عشرينَ منَ الحفاظِ)) (النكت على ابن الصلاح 2/ 829، 830).
وتبعه السخاويُّ في (فتح المغيث 1/ 301)، والسيوطيُّ في (المدرج إلى المدرج، صـ 18).
الطريق الثالث: أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 331) قال: حدثنا إبراهيمُ بنُ أحمدَ (القرميسيني) قال: حدثنا (يحيى)
(1)
بنُ معاذِ بنِ الحارثِ بنِ حمادٍ التُّسْتَريُّ قال: حدثنا يحيى بنُ غَيلانَ قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ بَزِيعٍ، عن هشامِ بنِ حسانَ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ، فَعَلَيْهِ الوُضُوءُ)).
وهذا إسنادٌ ضعيف؛ عبد الله بن بزيع متكلَّمٌ فيه لاسيما في حديثه من رواية ابن غيلان عنه، انظر (لسان الميزان 3/ 263).
ولكن توبع ابن بزيع:
فنَقَلَ الحافظُ ابنُ حَجرٍ في (النكت على ابن الصلاح 2/ 831) عن
(1)
- في المطبوع: (محمد) وهو خطأ، انظر ترجمة يحيى بن غيلان الراسبي من (التهذيب 31/ 494).
ابنِ شَاهينَ- أنه رواه في كتاب (الأبواب) عن ابنِ أبي داودَ ويحيى بنِ صاعد قالا: ثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الأعلى، ثنا هشام بن حسان، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، به.
وهذا إسنادٌ لا مطعنَ فيه من جهةِ رُواته؛ فعبد الأعلى هو ابنُ عبد الأعلى السامي، ثقةٌ من رجال الشيخين. وكذلك محمد بن بشار بندار، وابن أبي داود وابن صاعد إمامان حافظان.
ولكن اختُلف فيه على هشام بن حسان:
فرواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 331) من طريق يزيدَ بنِ هارونَ قال: أخبَرنا هشامُ بنُ حسانَ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه قال: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ جَالِسًا، فَتَذَاكَرْنَا مَسَّ الذَّكَرِ، فَلَمْ نَرَ عَلَيْهِ وُضُوءًا، فَدَعَا مَرْوَانُ بَعْضَ شُرَطِهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، فَسَأَلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ فَرْجَهُ -أَوْ ذَكَرَهُ- فَلْيَتَوَضَّأْ))، وَلَمْ يَذْكُرِ الأُنْثَيَيْنِ.
ورواه الدارقطنيُّ أيضًا في (العلل 9/ 331) من طريق عثمان بن عمر، عن هشامِ بنِ حسانَ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ، فَلَمْ أَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الوُضُوءِ، فَدَعَا مَرْوَانُ بَعْضَ شُرَطِهِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ))، وَلَمْ يَذْكُرِ الأُنْثَيَيْنِ.
وهنا قد يقال: عبد الأعلى ثقة، وزيادته مقبولة.
قلنا: ولكن هذه القاعدة ليستْ على إطلاقها، لاسيما إن وُجد دليلٌ يرجِّحُ أن الزيادةَ غير محفوظة، وهو هنا موجود، وهو عدم ضبط هشام بن حسان
متن الحديث.
والدليل على ذلك: أن محمد بن عبد الملك الدَّقيقي رواه عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن هشام بن عروة، بلفظ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ -أَوْ قَالَ: فَرْجَهُ. أَوْ قَالَ: أُنْثَيَيْهِ- فَلْيَتَوَضَّأْ)) رواه ابنُ شَاهينَ في (الأبواب) كما في (النكت 2/ 831).
ولذا حَمَل الحافظُ الوهم في إدراجه من هذا الوجهِ على هشام بن حسان، فقال: ((ومما يدلُّ على أنه لم يتقنه أن ابنَ شَاهينَ رواه
…
)) فذَكَر رواية الدقيقي، ثم قال:((فتردده يدلُّ على أنه ما ضبطه. وقد فَصَله حمادُ بنُ زيدٍ، وأيوبُ، وغَيرُ واحدٍ عن هشامٍ، واقتصرَ على المرفوع منه فقط: شعبةُ، والثوريُّ، وتمامُ عشرين منَ الحفاظِ" (النكت 2/ 831، 832).
الطريق الرابع: أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ 516) قال: حدثنا إسحاقُ بنُ داودَ الصَّوَّافُ التُّسْتَرِيُّ، ثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ الضَّبِيُّ، حدثنا محمدُ بنُ دينارٍ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن بُسْرةَ، بِلَفْظِ:((مَنْ مَسَّ رُفْغَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه محمد بن دينار الطَّاحِيُّ، مختلفٌ في أمره: ضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ في رواية، وكذلك النسائيُّ، وقالا في رواية:((ليس به بأس))، وكذا قال أبو حَاتمٍ وغيرُهُ. وقال أبو زرعة:((صدوق))، وضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ. وقال العُقيليُّ:((في حديثه وهم)) (تهذيب التهذيب 9/ 155)، وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 10699)، ثم أعادَهُ في (المجروحين 965)، وقال: ((كان يُخطئُ
…
فالإنصافُ في أمره تَرْكُ الاحتجاجِ بما انفردَ، والاعتبارُ بما لم يخالفِ الثقات، والاحتجاجُ بما وافق الأثبات))، وقال الحافظُ:((صدوقٌ، سَيئُ الحفظِ، وتغيَّرَ قبل موته)) (التقريب 5870).
قلنا: وقد أُخذَ عليه الخطأ ومخالفة الثقات في غير ما حديث، وهو هنا قد خالفَ جمعًا كبيرًا منَ الثقاتِ ممن رووا هذا الحديثَ عن هشام بن عروة بإسنادِهِ، بلفظ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ فَرْجَهُ))، دون ذكر الرُّفْغَينِ والأُنْثَيين، اللهم إلا ما جاء في روايات بعض الثقات ممن سَبَقَ ذكرهم، وقد بينا ما فيها.
وزاد ابنُ دِينارٍ بأن قَدَّمَ ذكر الرفغين والأنثيين على ذكر الفرج (أعني: الذَّكَر)، فجَعَل الإدراج في وسط الحديث، وليس في آخره على المشهور.
وتَعَلَّق بذلك ابنُ دَقيقٍ، وابنُ التركماني، ومغلطاي، والعراقيُّ، واستدلوا به على استبعاد الحكم بالإدراجِ في مثلِ هذا الموطن. وسيأتي كلامهم ومناقشتهم فيه قريبًا.
وفي الإسناد أيضًا: إسحاق بن داود الصواف التستري شيخ الطبراني، وقد أكثر عنه، وروى عنه أيضًا الرَّامَهُرْمُزي وغيرُهُ، وأخرجَ له الحاكمُ والضياءُ. ومع كلِّ هذا لم نجدْ فيه جرحًا ولا تعديلًا! !
وقد حَكَمَ الدارقطنيُّ وابنُ حَجرٍ بأن روايةَ ابنِ دينارٍ هذه مدرجة أيضًا. انظر (العلل 9/ 314، 315)، و (النكت 2/ 831).
الطريق الخامس: أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ 513) قال: حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ معاويةَ العُتْبِيُّ، ثنا زكرِيا بنُ يحيى -كاتبُ العُمَرِيِّ-، ثنا عبدُ المجيدِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ أبي رَوَّادٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، عن بُسْرةَ، بِلَفْظِ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
وهذا إسنادٌ فيه عبد الرحمن بن معاوية العتبي شيخ الطبراني، أكثر عنه الطبرانيُّ وغيرُهُ، وهو راوي كتاب التاريخ لسعيد بن عُفَيْر. ورغم شهرته إلا
أننا لم نعثرْ على توثيقٍ له مِن قِبل النقاد. وانظر (إرشاد القاصي والداني 539).
وفي الإسناد أيضًا عنعنة ابن جريج، غير أنه قد وَرَدَ عنه من وجهٍ آخرَ فيه ذكر الخبر:
فرواه الدارقطنيُّ في (السنن 539) و (العلل 9/ 332) -ومن طريقه الخطيبُ- قال: حدثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ أبي الرجالِ، نا أبو حُمَيْدٍ المِصِّيصِيُّ قال: سمعتُ حَجَّاجًا يقولُ: قال ابنُ جُرَيْجٍ: أخبرني هشامُ بنُ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن مَرْوَانَ، عن بُسْرةَ، بِلَفْظِ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ، فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)).
وهذا إسنادٌ رجاله ثقات عدا أحمد بن محمد بن أبي الرجال شيخ الدارقطنيُّ، سُئِلَ الدارقطنيُّ عنه فقال:((ما عَلِمنا إلا خيرًا)) (تاريخ بغداد 2267)، وانظر (الدليل المغني 72).
وأبو حميد المِصيصي هو عبد الله بن محمد بن تميم، ثقة من رجال النسائي.
وحَجاج هو ابنُ محمد المِصيصي الأعور، من رجال الصحيح.
وقد جزمَ الدارقطنيُّ بأن ذِكرَ الأنثيينِ من هذا الوجهِ مدرجٌ أيضًا، فقال:((قال عبد الحميد بن جعفر، ومحمد بن دينار الطَّاحِي في هذا الحديثِ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، أَوْ أُنْثَيَيْهِ، أَوْ رُفْغَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ))، وكذلك قال أبو حميد المصيصي: عن حجاجٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن هشامٍ.
وكلُّ مَن قالَ هذا عن هشامٍ وَهِم في رفعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن المحفوظَ عن هشامٍ ما قال أيوبُ السَّختيانيُّ، ومالكُ بنُ أنسٍ، ومَن تابعهما، أن ذكر الأنثيين والرُّفغ مِن قولِ عروةَ غير مرفوعٍ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم) (العلل 9/ 314، 315).
وتبعه ابنُ حَجرٍ في (النكت 2/ 830).
قلنا: وثَمة شيءٌ آخرُ في هذا الوجهِ، وهو احتمالُ أن يكونَ ابنُ أبي الرجالِ شيخ الدارقطني قد وهم فيه على أبي حُميدٍ؛ ذلك لأن الدارقطنيَّ قد أسندَه من وجهٍ آخرَ عن أبي حُميدٍ المصيصيِّ مقرونًا بأحدِ الحفاظِ الثقاتِ، فقال: حدثنا النيسابوري، قال: حدثنا أبو حميد المصيصي. وحدثنا النيسابوري، قال: حدثنا يوسف بن سعيد، قالا: حدثنا حَجاجٌ قال: قال ابنُ جُريجٍ: أخبرني ابنُ شهابٍ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ -ولم يسمعْ ذلك منه
(1)
- أنه كان يُحَدِّثُ عن بُسْرةَ، أو عن زيد بن خالد: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
فجَعَله من حديثِ ابنِ جُريجٍ عنِ ابنِ شِهابٍ، وذَكَره باللفظِ المحفوظِ. وهذا هو المشهورُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، رواه عنه عَبْدُ الرَّزَّاقِ وغيرُهُ، كما سيأتي.
والنيسابوري هو: عبد الله بن محمد بن زياد، إمامٌ ثقةٌ حافظٌ (تاريخ بغداد 5248).
ويوسف بن سعيد هو المصيصي، ثقةٌ حافظٌ أيضًا (التقريب 7866).
الطريق السادس: أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 347) من طرقٍ عن محمد بن مصعب القَرْقَسَاني، قال: حدثنا الأوزاعِيُّ، عنِ الزهريِّ، عن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ))، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:((أَوْ أُنْثَيَيْهِ)).
(1)
قال الدارقطني عقب الحديث: ((قوله: ((ولم يسمع ذلك منه)) يعني أنه لم يسمع ذلك الزهري من عروة)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ معلولٌ؛ محمد بن مصعب القرقسانيُّ ((صدوقٌ كثيرُ الغلط)) (التقريب 6302).
قلنا: وقد غلِطَ في سندِ هذا الحديثِ ومتنه، وخالف عامة أصحاب الأوزاعي:
فقد أخرجه الدارميُّ (742) عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحَجاج الخَوْلاني.
وأخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 348) من طريقِ أبي المغيرة أيضًا.
وأخرجه الطحاويُّ في (المعاني 1/ 72) من طريق بِشْر بنِ بكرٍ.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ 487) وابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3220) من طريق الوليد بن مسلم.
وأخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 348) من طريق الوليد بن مَزْيَد.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 24/ 487) من طريق يحيى بن عبد الله البابلتي.
وأخرجه ابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 187) من طريق عبد الحميد بن حبيب.
كلهم رووه عن الأوزاعيِّ، عنِ الزهريِّ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ، به، بلفظ:((يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
وقال بعضُهم: ((عن ابن حزم)) ولم يسمه. وقال بعضهم: ((عن أبي بكر بن عمرو بن حزم))، نسبه لجَده. لكنهم اتفقوا جميعًا على عدم ذكر الأنثيين في متنه، مُقتصِرين على مَسِّ الذَّكَرِ فقط. وكذلك قال مَن رواه عن الأوزاعيِّ مخالفًا مَن سَبَقَ في الإسناد؛ كمحمد بن كَثير المِصيصي.
وكذلك رواه عامةُ أصحابِ الزهريِّ، وفيهم يونسُ، وعقيل، والليث، وشعيب،
…
وغيرُهُم كثير، فلم يذكرْ واحدٌ منهم ((الْأُنْثَيَيْنِ)) في متنِ الحديثِ.
فهذه الرواية من أغلاطِ القرقساني بيقين. والله أعلم.
هذه هي طرقُ هذه الروايةِ، بَيَّنا لك ما فيها، وقدِ اعتَرضَ على القولِ بالإدراجِ في هذه الروايةِ كلّ مِن ابنِ دَقيقِ العيدِ، وابنِ التركمانيِّ، ومُغَلْطَايْ، والعراقيُّ.
وإليك أقوالهم:
* قال ابنُ التركماني -معترضًا على البيهقيُّ-: ((قلت: عبد الحميد هذا وَثَّقَهُ جماعةٌ، واحتجَّ به مسلمٌ، وقد زاد الرفع، وتقدَّمَ الحكمُ للرافع لزيادته، كيف وقد تابعه على ذلك غيره: فروى الدارقطنيُّ هذا الحديثَ في بعضِ طرقه من جهة ابن جريج عن هشام، وفيه ذكر الأنثيين.
وكذا رواه الطبرانيُّ إلا أنه أدخلَ بين عروةَ وبُسْرةَ مروانَ، ولفظه:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ))، (فتابع ابنُ جريج)
(1)
عبدَ الحميد.
ثم إن الغلطَ في الإدراجِ إنما يكون في لفظ يمكن استقلاله عن اللفظ السابق، فيدرجه الراوي ولا يَفصل. فأما أن يَسمع قول عروة فيجعله في أثناء كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فبعيد من (مثبت)
(2)
.
وأبعدُ منه عن الغلطِ ما أخرجه الطبرانيُّ من طريق محمد بن دينار، عن هشام، عن أبيه، عن بُسْرةَ، قالت: قال عليه السلام: ((مَنْ مَسَّ رُفْغَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ،
(1)
في المطبوع: ((وتابع ابن جرير)) وهو خطأ واضح.
(2)
هكذا في المطبوع، ولعلها:((متثبت)).
فَلَا يُصَلِّ حَتَّى يَتَوَضَّأَ))، فبدأ بذكرِ الرُّفْغِ والأُنْثَيين. وفي هذا أيضًا متابعة ابن دينار لعبد الحميد.
ووضح بهذا ما قلنا غير مرة أن الراوي قد يسمع شيئًا، فيفتي به مرة ويرويه أخرى)) ـ (الجوهر النقي/ من حاشية السنن الكبرى 1/ 217).
* وكذلك تعقب مغلطاي على الخطيبِ بمتابعةِ ابنِ دينارٍ عند الطبرانيِّ، ثم قال:((لقائلٍ أن يقولَ: ليس مُدْرَجًا؛ لأن ابنَ دِينارٍ صَدَّرَ الحديثَ بذكرِ الرُّفْغَين والأُنْثَيين قبل ذِكره مس الذَّكَرِ. والمعروف في كتب المحدثين أن الإدراجَ إنما يكون آخر الحديث. وأما إذا كان أوله أو في وسطه، فهذا أمر عَسِر صعب، لا يوقف على حقيقة الأمر فيه إلا بعد جَهْد. والله أعلم)) (شرح سنن ابن ماجه 1/ 544، 545).
قلنا: والظاهرُ أنهما تلقيا الاعتراض على الحكم بالإدراج في مثل هذا من كلام شيخهما ابن دقيق العيد، فإنه قال:((ومما يُضَعَّف فيه أن يكون مُدْرجًا في أثناء لفظِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، لاسيما إن كان مُقَدَّمًا على اللفظِ المروي، أو معطوفًا عليه بواو العطف؛ كما لو قال: ((مَنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ))، بتقديم لفظ الأُنْثَيين على الذَّكَرِ. فها هنا يُضَعَّفُ الإدراج؛ لما فيه من اتصال هذه اللفظة بالعامل الذي هو من لفظِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم) (الاقتراح 1/ 24 - 25).
ونَقَل هذا الكلامَ العراقيُّ وأقرَّهُ، فقال -بعد أن تَعَقَّب على الخطيبِ بمتابعة أبي كامل الجَحْدري عند الطبرانيِّ، وبمتابعة ابن جريج عند الدارقطنيِّ-: ((وقد ضَعَّفَ ابنُ دَقيقِ العيدِ الطريقَ إلى الحكم بالإدراج في نحو هذا، فقال
…
))، فذَكَر كلامَه السابق، ثم قال:((ولا يُعْرَفُ في طرق الحديث تقديم الأُنْثيين على الذَّكَر، وإنما ذكره الشيخ مثالًا، فلْيُعْلَم ذلك)) (شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300).
هكذا قال: ((ولا يُعْرَفُ في طرقِ الحديثِ تقديم الأنثيين على الذَّكَر))، وقد عَرَفْتَ أنه جاء من حديث ابن دينار عن هشام.
وأما الجواب عما ذكروه، ففي نقاط:
الأُولى: أن تَعَقُّبَ مَن تَعَقَّبَ على الخطيبِ بمتابعة ابن جريج لعبد الحميد- لا وجه له أصلًا؛ فإن الخطيبَ نفسه قد ذَكَر هذه المتابعة بعد قوله: ((وأما ذِكر الأنثيين والرُّفْغَين، فتفرَّدَ به عبد الحميد بن جعفر))، حيث قال: ((وقد رُوي عن حَجاج بن محمد، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن هشام
…
الحديث، وفيه ذِكر الأنثيين خاصة"، ثم أسنده من طريق الدارقطنيِّ. انظر (الفَصْل للوَصْل 1/ 345).
الثانية: وهي بقية المتابعات، فلا يَسْلَم التعقب بها إلا بعد النظر في ثبوتها، وقد بينا لك ما فيها، وأجاب عن أكثرها الحافظُ ابنُ حَجرٍ كما سَبَقَ.
الثالثة: وهي ما أَصَّله ابنُ دَقيقٍ من تضعيف الحكم بالإدراج إذا كان في وسط المتن، فهذا تَكَفَّل بالجواب عنه الحافظُ ابنُ حَجرٍ في كتابه (النكت على ابن الصلاح 2/ 825 - 830).
وأما تعضيد ذلك برواية ابن دينار عند الطبرانيِّ، فهو مما لا يُعتمد على حفظه كما بيناه، والله أعلم.
[تنبيه]:
أَعَلَّ الصنعانيُّ طريقَ الجَحْدري عند الطبرانيِّ بشيخه يزيد بن زُريع، فنَقَل فيه قول الذهبيِّ في (الميزان 4/ 422):((شيخ رملي، لا يكادُ يُعْرَفُ، يَروي عن عطاء الخراساني، ضَعَّفَهُ ابنُ مَعِينٍ))، ثم قال بعد قليل: ((أما طريقُ ابنِ زُريع فلا تنهض دليلًا على صحة الحديث، وأنه لا إدراج فيها؛ لِما وقع فيها من الاختلاف على يزيد، ولأنه -أي: يزيد- كما قال الذهبيُّ: ((لا
يكادُ يُعْرَفُ))، ولِما له من العلةِ بمخالفة أيوب وحماد وغيرهما منَ الثقاتِ من سائرِ مَن رَوى حديثَ بُسْرةَ)) (توضيح الأفكار 2/ 42، 43).
قلنا: وإعلاله له بابن زريع خطأ، وسببه أنه تصحَّفَ عليه اسم المُترجَم له في (الميزان) كما بينه المحقق، ونصَّ عليه الحافظُ في (اللسان 8/ 494)، فقال:((صوابه: يزيد بن بَزيع، وقد مَرَّ)).
فأما يزيد بن زريع صاحب حديثنا، فإنه ثقة ثبت من رجال الشيخين.
رِوَايَةُ ((
…
كَيْفَ تَرَى فِي إِحْدَانَا تَمَسُّ فَرْجَهَا
…
؟)):
• وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي إِحْدَانَا تَمَسُّ فَرْجَهَا، وَالرَّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((تَتَوَضَّأُ (تَوَضَّئِي) يَا بُسْرةَ بِنْتُ صَفْوَانَ [إِذَا مَسَسْتِ])).
قَالَ عَمْرٌو -يَعْنِي ابنَ شُعَيْبٍ رَاوِيَ الخَبَرِ-: وحدثنِي سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ أن مَرْوانَ أَرْسَلَ إِلَيْهَا لِيَسْأَلَهَا، فَقَالَتْ: دَعْنِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَهُ فُلَانٌ، وَفُلَانٌ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ
(1)
، فَأَمَرَنِي بِالوُضُوءِ.
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[علقط (9/ 354، 355) (والروايةُ والزيادةُ له) / هق 645 (واللفظ له)].
[السند]:
أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل) قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب (الطِّيبي)
(2)
، قال: حدثنا الحسن بن علي بن زياد السُّدي، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو قُرة، عن المثنى بن الصَّبَّاح، عن عمرو
(1)
كذا في المطبوع من (سنن البيهقي)، وعند الدارقطني في (العلل):((عمرو))، ولعله أشبه؛ لثبوته في رواية ابن جريج عن عمرو بن شعيب.
(2)
في المطبوع من (العلل): ((الطِّييُّ)) بياءين. والصواب بالباء الموحدة قبل الياء المثناة من تحت، هكذا ضبطها في (الإكمال 5/ 258) و (الأنساب 4/ 95) و (اللباب 2/ 294) وغيرها.
ابن شعيب، أنه حَدَّثه عن سعيد بن المسيب، أنه حدَّثه عن بُسْرةَ بنتِ صفوانَ -إحدى نساء كِنانة، خالة مروان بن الحكم- أنها قالت
…
فذكره.
وأخرجه قبله أيضًا من طريق إسحاق بن راهويه، عن أبي قُرة، عن المثنى، به.
وأخرجه البيهقيُّ من طريق عبد الوهاب الثقفي، نا المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: المثنى بن الصباح؛ قال فيه الحافظ: ((ضعيفٌ، اختلطَ بأَخَرَةٍ)) (التقريب 6471)، وقال أبو زرعة:((ما أقل ما نصيب عنه مما روى عن غير أبيه عن جَده من المنكر. وعامة هذه المناكير الذي يَروي عن عمرو بن شعيب إنما هي عن المثنى بن الصباح وابن لهيعة والضعفاء)) (الجرح والتعديل 6/ 239).
قلنا: وقد رواه ابنُ لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن بُسْرةَ بنت صفوان، أنها سألتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من أصحابِهِ، فقال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)). رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 355).
ورواية ابن لهيعة هذه لعلَّها ترجعُ إلى رواية المثنى، فقد قال الإمامُ أحمدُ -وذَكَر ابنَ لهيعة-:((كان كَتَبَ عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب، وكان بعدُ يُحَدِّثُ بها عن عمرو بن شعيب نفسه، وكان الليث أكبر منه)) (الضعفاء للعقيلي 2/ 397).
وقال ابنُ أبي حَاتمٍ: ((سمعتُ أبي يقول: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن
شعيب شيئًا)) (المراسيل 417).
وقد قيل: إن ابنَ لهيعة حَدَّثَ عن ابنِ أبي فَرْوةَ عن عمرو بن شعيب، فأسقطه وجعله عن عمرو.
فقال عبد الرحمن بن مهدي: ((وقيل له: نحمل عن ابن لهيعة؟ قال: لا، لا تحمل عنه قليلًا ولا كثيرًا، كَتَبَ إليَّ ابن لهيعة كتابًا فيه: (ثنا عمرو بن شعيب) فقرأتُه على ابنِ المباركِ، فأخرجَ إليَّ ابنُ المباركِ من كتابه عن ابنِ لهيعةَ، فإذا: حدَّثني إسحاقُ بنُ أبي فروةَ، عن عمرو بن شعيب)) (الضعفاء للعقيلي 2/ 293)، و (الجرح والتعديل 5/ 146).
العلةُ الثانيةُ: اختُلف فيه على عمرو بن شعيب اختلافًا كثيرًا، على أوجه:
الوجه الأول: كما في روايتنا؛ عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن بُسْرةَ، به.
هكذا رواه المثنى بن الصباح وعبد الله بن لهيعة، كما سَبَقَ.
الوجه الثاني: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَده، عن بُسْرةَ.
رواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 353)، وأبو نعيم في (معرفة الصحابة 7528) من طريق زيد بن الحُبَاب، قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ المُؤَملِ، عن عمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عن بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ المَرْأَةِ تَضْرِبُ بِيَدِهَا إِلَى فَرْجِهَا، قَالَ:((فِيهِ الوُضوُءُ)).
وهذا إسنادٌ ضعيف؛ فيه عبد الله بن المؤمل، "ضعيفُ الحديثِ"(التقريب 3648).
وقوله: ((عن جَدِّهِ عن بُسْرةَ)) خطأ كما في
الوجه الثالث: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَده:((أن بُسْرةَ سألتْ)).
رواه ابنُ أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3236)، والطحاويُّ في (معاني الآثار 1/ 75)، وغيرُهُما، من طريق مَعْن بن عيسى. والدارقطنيُّ في (العلل 9/ 354)، من طريق معاذ بن هانئ.
كلاهما: عن عبد اللهِ بنِ المُؤَملِ، عن عمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ: دَخَلَتْ بُسْرةُ بِنْتُ صَفْوَانَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((مَنْ هَذِهِ عِنْدَكِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ )) فَقَالَتْ بُسْرةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، المَرْأَةُ التِي تَرَى أَنَّهَا مَعَ زَوْجِهَا؟ قَالَ:((إِذَا وَجَدْتِ المَاءَ، فَاغْتَسِلِي يَا بُسْرةَ))، قَالَتْ: فَالمَرْأَةُ تَضْرِبُ بِيَدِهَا عَلَى فَرْجِهَا؟ قَالَ: ((تَوَضَّئِي يَا بُسْرةَ)). قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَضَحْتِ النِّسَاءَ يَا بُسْرةَ! ! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((دَعِيهَا تَسْأَلْ عَمَّا بَدَا لَهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ))، واللفظ للدارقطني.
ولفظ ابنُ أبي عاصمٍ: أَنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ المَرْأَةِ تَضْرِبُ بِيَدَيْهَا فَتُصِيبُ فَرْجَهَا، قَالَ:((تَوَضَئِّي يَا بُسْرةَ)).
قال الدارقطنيُّ: ((فرواه عبد الله بن المؤمل المخزومي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه، عن بُسْرةَ بنتِ صفوانَ. قال ذلك علي بن حرب، عن زيد بن الحُبَاب، عنه.
وخالفه محمد بن بشر العبدي، ومعاذ بن هانئ، ومعن بن عيسى؛ رووه عن ابن المؤمل، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه، أن بُسْرةَ سألتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
…
)) (العلل 9/ 323).
وقال أبو نعيم: ((رواه الزبيديُّ وابنُ ثوبانَ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
نحوه، وخالفهم المثنى بن الصباح فقال: عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المُسيَّب، عن بُسْرةَ)).
قلنا: الزبيدي وابن ثوبان تابعا ابن المؤمل على إسنادِهِ، وخالفاه في متنه:
أما رواية الزبيدي: فرواها أحمدُ (7076)، وإسحاقُ بنُ راهويه في (المسند) كما في (معرفة السنن للبيهقي 1090)، وغيره، وعنه حربٌ الكرْماني في (مسائله - الطهارة 223)، وغيرُهُ.
ولفظه عند أحمدَ: قَالَ لِيَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ)). هكذا جَعَلَ قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو، وليس لبُسْرةَ. وسيأتي تحقيق هذه الرواية في تخريجٍ مستقلٍ.
ورواية ابن ثوبان رواها ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 10/ 558)، وغيرُهُ بنحو حديث الزبيدي. ولكن في سندها يحيى بن راشد، وهو المازني البصري، قال فيه الحافظ:((ضعيف)) (التقريب 7545).
* وشيخه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلفٌ فيه كما سَبَقَ مرارًا.
الوجه الرابع: عن عمرو بن شعيب، عن بُسْرةَ، بلا واسطة.
رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في (المصنف 413) -ومن طريقه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 356) - عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عمرِو بنِ شعيبٍ: أَنَّ بُسْرةَ بنتَ صَفْوَانَ بنِ محرثٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا تَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ فَتَفْرَغُ مِنْ وُضُوئِهَا، ثُمَّ تُدْخِلُ يَدَهَا فِي دِرْعِهَا فَتَمَسُّ فَرْجَهَا، أَيَجِبُ عَلَيْهَا الوُضُوءُ؟ قَالَ:((نَعَمْ، إِذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتُعِدِ الصَّلَاةَ وَالوُضُوءَ)). قَالَ: وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو جَالِسٌ، فَلَمْ يُفْزِعْ
(1)
ذَلِكَ عَبدَ اللهِ بن عَمْرٍو بَعْدُ.
(1)
عند الدارقطني: ((يترك))، وهو أشبه بالصواب.
وهذا الوجه فيه انقطاع؛ فعمرو بن شعيب لم يسمع من بُسْرةَ، بل لم يسمعْ من كبيرِ أحدٍ من الصحابةِ.
ولذا قال الدارقطنيُّ: ((ورواه ابنُ جُريجٍ، عن عمرو بن شعيب، عن ابن عمر، عن بُسْرةَ.
قال ذلك الشافعي: عن مسلم بن خالد، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ.
وخالفه عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فرواه عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عمرو بن شعيب، عن بُسْرةَ، مرسلًا" (العلل 9/ 323). ويعني بقوله:(مرسلًا) أنه منقطع.
هذا، وقد اختُلف في سماع ابن جريج من عمرو بن شعيب:
فقال البخاريُّ: ((ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب)) (العلل الكبير للترمذي صـ 108)، و (السنن الكبير للبيهقي 8/ 303).
وحكى ابنُ القطانِ عنِ الدارقطنيِّ في كتاب (العلل)
(1)
أنه قال: ((لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب)) (بيان الوهم والإيهام 2/ 413).
وقال البيهقيُّ: ((وابنُ جُريجٍ لا يَرْون له سماعًا من عمرو. قال البخاريُّ: لم يسمعْه)) (السنن الكبير 11/ 340).
وقال ابنُ القطان الفاسي -متعقبًا عبد الحق في الاحتجاج بابن جريج عن عمرو-: ((ورواه من طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب، وخفي عليه انقطاع ما بينهما)) (بيان الوهم 2/ 153).
بينما سُئل علي بن المديني عن عمرو بن شعيب، فقال:((ما روى عنه أيوب وابن جريج فذلك كله صحيح)) (سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني
(1)
لم نقف عليه في المطبوع من (العلل).
116)، و (تهذيب التهذيب 8/ 53).
قلنا: لعلَّ مَن نفى السماع نَفَاهُ في أحاديث معينة، كما قال أحمد:((لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب زكاة مال اليتيم)) (تاريخ الإسلام 3/ 921)، و (تذكرة الحفاظ 1/ 128).
وإلا فقد وقفنا لابن جريج على عشرات الأحاديث والآثار، عن عمرو بن شعيب، وصرَّح فيها بالسماع.
انظر على سبيل المثال: (مصنف عبد الرزاقِ 2350، 10172، 10955، 12214، 12944 وغيرها من المواضع)، و (مسند أحمد 6898)، و (الأموال للقاسم بن سلام 879)، و (سنن النسائي الصغرى 3378)، و (الكبرى 5694)، و (مستخرج أبي عوانة 6464)، و (مشكل الآثار للطحاوي 4471)، وغيرها.
وهذا أدلة قوية في ترجيح قول ابنِ المديني وإثبات السماع.
ويبقى أن ابن جريج مدلس، وقد عنعن في روايتنا هذه، فلعله سمعه من المثنى بن الصباح أو ابن لهيعة.
وقد ذَكَر أبو نُعَيمٍ الأصبهانيُّ أن ابنَ لهيعة تابع ابن جريج، فقال:((رواه ابنُ لهيعة وابن جريج، عن عمرو بن شعيب، مرسلًا)) (معرفة الصحابة 6/ 3271).
قلنا: وثَم وجهان آخران عن عمرو، سيأتي تخريجهما وبيان حالهما قريبًا.
قلنا: هذه الأوجه الأربعة وغيرُهُا لا نرى الاختلاف فيها إلا مِن قِبل عمرو بن شعيب، فهو وإن وَثَّقَهُ جماعة فقد قال يحيى القطان:((حديث عمرو بن شعيب عندنا واهٍ)) (الضعفاء للعُقيلي 3/ 142).
وقال الميمونيُّ: ((سمعتُ الإمامَ أحمدَ يقول: عمرو بن شعيب له أشياء مناكير، وإنما يُكتبُ حديثُهُ يعتبر به، فأما أن يكون حجة فلا)) (الضعفاء للعقيلي 3/ 142).
وقال أبو بكرٍ الأثرمُ: ((سُئِلَ أبو عبد الله عن عمرو بن شعيب، فقال: أنا أكتب حديثه، وربما احتججنا به، وربما وَجَس في القلب منه شيء)) (الجرح والتعديل 6/ 238).
وقال أبو داود: ((سمعتُ أحمدَ ذُكر له عمرو بن شعيب، فقال: أصحاب الحديث إذا شاءوا احتجوا به، وإذا شاءوا تركوه)) (سؤالات أبي داود لأحمد 216).
رِوَايَةُ: وَعِنْدَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وعبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو:
وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: إِنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ -وَهِيَ إِحْدَى خَالَاتِي- قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو
…
حَتَّى ذَكَرَتْ سَبْعَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذ السياقِ.
[التخريج]:
[حق 2174].
[السند]:
رواه إسحاق في (مسنده) قال: قرأتُ على أبي قُرة، فقلتُ له: أَذَكَرَ المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب قال: كنت عند سعيد بن المسيب، فتذاكروا عنده مس الذَّكَرِ، فقال سعيد: فإن بُسْرةَ بنت صفوان -وهي إحدى خالاتي-
…
الحديث. فأقر به أبو قُرة موسى بن طارق، وقال: نعم.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: المثنى بن الصباح، وقد سَبَقَ بيانُ حاله آنفًا.
وقد اختلف فيه على عمرو بن شعيب، كما تقدم.
رِوَايَةُ ((مِنَ الرَّجَالِ وَالنِّسَاءِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ عَلَى إِحْدَانَا الوُضُوءُ إِذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَعَلَيْهِ الوُضُوءُ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[طب (24/ 203/ 521)].
[السند]:
قال الطبرانيُّ: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، ثنا عمرو بن هاشم البيروتي، ثنا الهِقْل بن زياد، عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن بُسْرةَ بنت صفوان، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه:
* المثنى بن الصباح؛ قال فيه الحافظ: ((ضعيفٌ، اختلطَ بأَخَرَةٍ)) (التقريب 6471).
* عمرو بن هاشم البيروتي؛ قال ابنُ وارة: ((ليس بذاك))، وقال ابنُ عَدِيٍّ: ليس به بأس))، وقال فيه الحافظ:((صدوقٌ يُخطئُ)) (التقريب 5127).
* بكر بن سهل؛ ضَعَّفَهُ النسائيُّ. وقال مسلمة: ((تكلَّموا فيه ووضعوه))، وقال الذهبيُّ:((حَمَل الناس عنه، وهو مقارب الحال)) (اللسان 2/ 344).
قلنا: وقد اختُلف فيه على عمرو بن شعيب، كما تقدم.
رِوَايَةُ: وَإِذَا مَسَّتِ المَرْأَةُ قُبُلَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ بُسْرةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَإِذَا مَسَّتِ المَرْأَةُ قُبُلَهَا (فَرْجَهَا) فَلْتَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ. وأعلَّهُ ابنُ دَقيقِ العيدِ وابنُ المُلقِّنِ.
[التخريج]:
[قط (533) (واللفظ له) / علقط (9/ 334) (والرواية له)].
[السند]:
أخرجه الدارقطنيُّ قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي، نا جعفر بن محمد القلانسي (ح) وحدثنا عبد الله بن محمد بن ناصح بمصر، نا محمد بن يزيد (بن) عبد الصمد، قالا: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، نا إسماعيل بن عياش، نا هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بُسْرةَ بنت صفوان، به.
ورواه أيضًا في (العلل) عن محمد بن إسماعيل الفارسي وحده بإسنادِهِ ومتنه.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها؛ فهو يرويه عن هشام بن عروة، وهشام مدني.
وبهذا أعلَّهُ ابنُ دَقيقِ العيدِ، فقال: ((رواية إسماعيل بن عياش عن [هشام بن]
(1)
عروة- من روايتِهِ عن الحجازيين، وقد استضَعَّفُوهُا، وصُححت
(1)
سقطت من المطبوع، والصواب إثباتها؛ فإسماعيل يرويه عن هشام بن عروة كما هو مبين في خانة السند.
روايته عن الشاميين)) (االإمام 2/ 325).
وابنُ المُلقِّنِ، فقال:((رواية إسماعيل عن الحجازيين مستضعفة، كما ستعلمه في باب الغسل إن شاء الله تعالى)) (البدر المنير 2/ 477).
قلنا: وقد انفردَ إسماعيلُ عن هشامٍ بزيادة: ((وَإِذَا مَسَّتِ المَرْأَةُ قُبُلَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ))، حيثُ لم يروه أحدٌ ممن رواه عن هشامٍ، مما يقاربُ ثلاثين راويًا، قَدَّمنا ذكرهم في أول رواية، ليس في روايتهم هذه الزيادة. ولم يأتِ له متابع إلا من ضعيف مثله. وشاهد آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَده، سيأتي قريبًا.
رِوَايَةُ: أنها سَأَلَتْ عَنِ المَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ بُسْرةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا، فَقَالَ:((تَوَضَّأُ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظِ، والمعروفُ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)) ليس فيه المرأة.
[التخريج]:
[حث 87 (واللفظ له) / علقط (9/ 352)، (9/ 353)].
قال ابنُ شَاهينَ: "لا أعلم ذَكَر هذه الرواية في مَسِّ المرأة فرجها غير حديث ابن عمرو)) (ناسخ الحديث ومنسوخه، صـ 104).
وتَعَقَّبه مغلطاي فقال: ((وأما قولُ ابنِ شَاهينَ: (لا أعلمُ ذَكَر هذه الزيادة في مَسِّ المرأة فرجها
…
إلى آخره) فيشبه أن يكون وهمًا؛ لِما سَبَقَ مِن ذِكر ذلك في بعضِ طرقِ بُسْرةَ، ولِما ذكره هو في كتاب الأبواب من تأليفه، من حديث سعيد بن المسيب عنها، أنها قالت: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَتَوَضَّأُ إِحْدَانَا تَمَسُّ فَرْجَهَا بَعْدَ مَا تَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). ومن حديث ابن عمر عنها أيضًا)) (شرح ابن ماجه، ط/ دار ابن عباس 1/ 554).
[التحقيق]:
لهذه الرواية ثلاثة طرق:
الطريق الأول: أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 353) قال: حدثنا الحسن بن أحمد بن الربيع الأنماطي، قال: حدثنا علي بن حرب، قال: حدثنا زيد بن الحُبَاب، قال: حدثنا عبد الله بن المؤمل، عن عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جَده، عن بُسْرةَ بنت صفوان، به.
وإسنادُهُ ضعيف؛ لضعف ابن المؤمل كما في (التقريب 3648).
ومع ضَعْفِهِ اختُلِفَ عليه في سندِهِ ومتنِهِ كما قَدَّمنا عند رواية: ((كيف ترى إحدانا)) قريبًا. وكذا اختُلف فيه على عمرو بن شعيب، كما بينا ذلك.
الطريق الثاني: أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 352) قال: حدثنا ابنُ مَخْلَد، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن كَرَامَة، قال: حدثنا خالد بن مَخْلَد، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عُبَيد -هو ابنُ عُمَير-، عنِ الزهريِّ، عن بُسْرةَ، به.
وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا أيضًا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: محمد بن عبد الله بن عُبيد بن عُمير، قال فيه البخاريُّ:((ليس بذاك الثقة)) (التاريخ الكبير 1/ 142)، وقال النسائيُّ:((متروكُ الحديثِ)) (الضعفاء للنسائي 522)، وقال يحيى بنُ مَعِينٍ:((ليس حديثُه بشيءٍ))، وقال أبو حَاتمٍ:((ليس بذاك الثقة، ضعيفُ الحديثِ))، وقال أبو زرعة:((لَيِّن الحديث)) وقال مرة أُخرى: ((ليس بقويٍّ)) (الجرح والتعديل 7/ 300).
العلةُ الثانيةُ: إعضاله؛ فإن الزهريَّ لا يَروي هذا الحديث عن بُسْرةَ. إنما يرويه عن عُرْوةَ عن بُسْرةَ، أو عن عُرْوةَ عن مَرْوانَ عن بُسْرةَ، كما سَبَقَ.
الطريق الثالث: أخرجه الحارث (87) قال: حدثنا يحيى بنُ هاشمٍ، حدثنا هشامُ بنُ عُرْوَةَ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن مَرْوَانَ، عن بُسْرةَ بنتِ صَفْوَانَ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا، قَالَ:((تَوَضَّأُ)).
وهذا إسنادٌ تالفٌ؛ يحيى بن هاشم هو السمسار، كَذَّبه ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ (لسان الميزان 8/ 480).
رِوَايَةُ: ((إِذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا، فَلْتُعِدِ الوُضُوءَ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ أَنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ بنِ مُحَرِّثٍ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا تَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، فَتَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهَا ثُمَّ تُدْخِلُ يَدَهَا فِي دِرْعِهَا فَتَمَسُّ فَرْجَهَا، أَيَجِبُ عَلَيْهَا الوُضُوءُ؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتُعِدِ
(1)
الوُضُوءَ)).
قال: وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو جَالِسٌ، فَلَمْ يُفْزِعْ ذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بنَ (عَمْرٍو)
(2)
بَعْدُ.
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرةٍ: ((إِذَا مَسَّتْ إِحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظِ،. والمعروفُ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)) ليس فيه المرأة.
[التخريج]:
[عب (413)(واللفظ له) / علقط (9/ 356) / مخلدي (ق 245/
(1)
وقع في المطبوع من (المصنف) زيادة في متن الحديث، حيث جاء فيه:((فَلْتُعِدِ [الصَّلَاةَ وَ] الوُضُوءَ))، وأشار محقق طبعة المكتب الإسلامي إلى أن لفظة الصلاة لم ترد في (الكنز 26320) الذي عزاه فيه صاحبه للمصنف.
قلنا: وكذلك ليست هي في متن الحديث عند السيوطي في (الجامع الصغير 2990)، ولم يعزه لغير المصنف أيضًا. ورواه الدارقطني من طريق الدَّبَري عن عبد الرزاق صاحب المصنف، ولم ترد فيه الزيادة أيضًا.
فالظاهر أنها سبق قلم من الناسخ، لاسيما والسياق في غير حاجة إليها، بل ينفر منها. والله أعلم.
(2)
في المطبوع من (العلل): ((عمر))، وهو خطأ واضح من السياق قبله.
ب) (والرواية له)].
[السند]:
أخرجه عَبْدُ الرَّزَّاقِ -ومن طريقه الدارقطنيُّ- عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عمرِو بنِ شعيبٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: الاختلافُ في سماعِ ابنِ جُريجٍ من عمرِو بنِ شعيبٍ؛ كما بينا قريبًا.
وابنُ جُريجٍ قبيحُ التدليسِ، لا يدلسُ إلا فيما سمعه من مجروحٍ كما هو معلومٌ، وقد عنعن في روايتنا هذه.
العلةُ الثانيةُ: الانقطاعُ بين عمرو بن شعيب وبُسْرةَ؛ فإنه لم يدركها.
وقد اختُلف على عمرٍو في هذا الحديثِ على وجوهٍ، كما بينا قريبًا.
رِوَايَةُ: ((تَوَضَّأَ
…
وَأَمَرَنَا بِالوُضُوءِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((تَوَضَّأ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَنَا بِالوُضُوءِ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[علقط (9/ 353)].
[السند]:
قال الدارقطنيُّ في (العلل): حدثنا ابنُ مُبَشِّر قال: حدثنا أحمد بن سنان قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سليمان التيمي قال: بَلغَنِي أن مَرْوانَ بنَ الحَكمِ أَرْسَلَ إلى بُسْرةَ يسألها عن مَسِّ الذَّكَرِ، فقالتْ
…
الحديث.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيف؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
العلةُ الأُولى: جهالةُ الرسولِ الذي أرْسَلَه مروانُ بنُ الحَكمِ.
العلةُ الثانيةُ: لم يذكرِ التيميُّ مَن بَلَّغه عن مروانَ.
العلةُ الثالثةُ: أن الحديثَ محفوظٌ عن مروانَ بلفظ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)) ليس فيه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ.
رِوَايَةُ: سَمِعَ ابنُ عُمَرَ بُسْرةَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ قَالَ: ((سَمِعَ ابنُ عُمَرَ بُسْرةَ تُحَدِّثُ بِحَدِيثِهَا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مَسِّ الذَّكَرِ، فَلَمْ يَدَعِ الوُضُوءَ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ، وهذا إسنادٌ منقطعٌ. وضَعَّفَهُ: الدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ.
[التخريج]:
[علقط (9/ 355 - 356) (واللفظ له) / قديم (هقخ 2/ 254، هقع 1036)].
[السند]:
رواه الشافعيُّ في (القديم)، كما في (الخلافيات)، و (معرفة السنن) للبيهقيِّ -ومن طريقه الدارقطنيُّ في (العلل) - عن مسلم بن خالد، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عمرو بن شعيب، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
العلةُ الأُولى: الانقطاع بين عمرو بن شعيب وعبد الله بن عمر، فلم يدركه.
وبهذا أعلَّهُ البيهقيُّ (الخلافيات 2/ 255)، وابنُ دَقيقِ العيدِ (الإمام 2/ 320).
العلةُ الثانيةُ: ابنُ جُريجٍ يدلسُ وقد عنعنَ، واختُلف في سماعه من عمرو بن
شعيب، كما تقدم.
العلةُ الثالثةُ: مسلم بن خالد الزنجي، شيخ الشافعي ((صدوقٌ كثير الأوهام)) (التقريب 6625).
والحديث ضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ، فقال:((ولا يَثبتُ هذا)) (العلل 6/ 356).
2308 -
حَدِيثُ بُسْرةَ، أَوْ أُمِّ بُسْرةَ:
◼ عَنْ بُسْرةَ، أَوْ أُمِّ بُسْرةَ -وَهِيَ جَدَّةُ مُرْوَانَ- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ تَوَضَّأَ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه كما سَبَقَ. وقوله: ((بُسْرةَ، أو أم بُسْرةَ)) لا يصحُّ. والصواب بدون شك.
[التخريج]:
[علقط (9/ 342)].
[السند]:
قال الدارقطنيُّ: حدثنا الحسين والقاسم ابنا إسماعيل، قالا: حدثنا محمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم يُحَدِّثُ عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، قال: بَعَث مروان إلى بُسْرةَ بنت صفوان- زاد الحسين: ((أو أم بُسْرةَ))، قالا: وهي جَدة مروان- قالت
…
الحديث.
[التحقيق]:
هذه الرواية رواها الدارقطنيُّ عن شيخين له، وهما القاسم وأخوه الحسين، ابنا إسماعيل المحاملي، وكلاهما ثقتان كبيران عالمان (الإرشاد للخليلي 2/ 612)، وانظر (إرشاد القاصي والداني، صـ 281، 467).
قلنا: ولكن شَكَّ الحسينُ في رواية الحديثِ، ولم يشك أخوه، وهو الصحيح، أنها بُسْرةُ بنتُ صفوانَ، بلا شَكٍّ، كذا رواه معاذ بن معاذ عن غندر عن شُعْبةَ به. رواه ابنُ شاذان في (الجزء الأول من حديثه ق 120/أ).
2309 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ:
◼ عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه:
فصَحَّحَهُ: البخاريُّ، وهو ظاهر صنيع البيهقي. وصَحَّحَهُ الحازميُّ، وأقرَّهُ ابنُ القيمِ.
وكذلك صَحَّحَهُ: مغلطاي، وابنُ المُلقِّنِ، والشوكانيُّ، والألبانيُّ، وأحمد شاكر. وقوَّاه الذهبيُّ. وحَسَّنَهُ ابنُ حَجرٍ في قولٍ.
بينما قال الإمامُ أحمدُ: ((ليس إسنادُهُ بذاك))، وقال ابنُ المنذرِ:((لا يَثبتُ))، وقال ابنُ وضَّاحٍ:((غير صحيح))، وأعلَّهُ الطحاويُّ بالانقطاعِ. واستغربه ابنُ شَاهينَ لذكر المرأة فيه.
وقال ابنُ عبدِ الهادِي: ((إسنادُهُ قويٌّ، لكن قد اختُلف فيه على عمرو))، وكذا قال ابنُ حَجرٍ في قوله الآخر.
والراجحُ: ضَعْفُهُ.
[التخريج]:
[حم 7076 (واللفظ والزيادة له) / طش 1831/ حق (هقع 1090) / جا 19/ حرب (طهارة 223) / هق 643، 644/ هقع 1089/ قط 534/ طح (1/ 75/ 454) / ناسخ 108/ رشيق 57/ منذ 104/ عتب (صـ 42) / طيو 987/ تحقيق 176/ مغلطاي (1/ 553) / عد (10/ 558 - 559) / أصبهان (2/ 178 - 179) / خبر (1/ 399 - 400)].
[التحقيق]:
الحديثُ بهذا السياقِ له طريقان:
الطريق الأول: أخرجه أحمد قال: حدثنا عبد الجبار بن محمد -يعني الخَطَّابيَّ-، حدثني بقية، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه، به.
والخَطَّابيُّ هذا وَثَّقَهُ أبو عَروبة الحرانيُّ وأثنى عليه خيرًا (سؤالات حمزة 1/ 233)، و (تكملة الإكمال 2/ 511).
وقد وتوبع عليه أيضًا:
فرواه ابنُ المنذر في (الأوسط)، والطبرانيُّ في (مسند الشاميين)، وأبو نُعيمٍ في (أخبار أصبهان)، والحازميُّ في (الاعتبار) -ومن طريقه مغلطاي- من طريق إسحاق بن راهويه، عن بقية، عن الزبيدي، به.
وعند أبي نعيم والحازميِّ قال بقية: ((حدثني [محمد بن الوليد] الزبيدي))، والزيادةُ لأبي نعيم.
وجَزَم الحازميُّ وغيرُهُ أن ابنَ راهويه خرَّجه في (مسنده) من هذا الوجهِ.
وابنُ راهويه إمامٌ جليلٌ، وقد ذَكَرَ تصريحَ بقية بسماعه من الزبيديِّ على ما جاء في رواية أبي نُعيمٍ والحازميِّ.
وقد توبع ابن راهويه على ذلك أيضًا:
فأخرجه ابنُ رشيق (57) وابنُ شَاهينَ (108) -ومن طريقه مغلطاي- من طريق هشام بن عبد الملك أبي تقي الحِمْصي، ثنا بقية بن الوليد قال: حدثني الزبيدي قال: حدثني عمرو بن شعيب، به.
وهشام بن عبد الملك وَثَّقَهُ النسائيُّ وغيرُهُ. وضَعَّفَهُ أبو داود. وقال الحافظُ: ((صدوقٌ ربما وهم)) (التقريب 7300).
وجاء تصريحُ بقيةَ بالسماعِ من شيخِهِ من وجهٍ ثالثٍ:
فأخرجه ابنُ الجارودِ في (المنتقى): حدثنا أحمد بن الفرج الحِمْصي قال: ثنا بقية قال: ثنا الزبيدي، به.
وأخرجه ابنُ شَاهينَ -ومن طريقه مغلطاي- والدارقطنيُّ والبيهقيُّ من طريق أحمد بن الفرج، به.
وأحمد بن الفرج مختلفٌ فيه: فضَعَّفَهُ جماعةٌ، ووَثَّقَهُ آخرون، ورماه بعضُهم بالكذبِ. (اللسان 1/ 59).
وعلى أيةِ حالٍ، فهو مُتابَع سندًا ومتنًا. فالحديث مداره عندهم على بقية بن الوليد.
وهو ثقة في نفسِه إلا أنه يُخشَى من تدليسه، وهو وإن عنعن في طريق أحمدَ وغيرِهِ فقد صرَّحَ بسماعه من الزبيديِّ من رواية ابن راهويه عنه، وكذلك من رواية هشام بن عبد الملك، ومن رواية أبي عتبة أحمد بن الفرج الحمصي.
ومحمد بن الوليد الزبيدي ((ثقة ثبت)) من رجال الشيخين (التقريب 6372).
قلنا: وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَده- مختلفٌ فيه بينَ أهلِ العلمِ، وجَرَى العملُ على تحسينه ما لم يُستنكَر عليه شيء.
وهذا الحديثُ منَ الأحاديثِ التي اختلفَ أهلُ العلمِ في قَبولها؛ لقوله
فيه: ((وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا))، وذلك أن ذكر المرأة فيه غريب؛ ولذا اختلف أهلُ العلمِ في قبوله ورده:
فصححَ حديثَه هذا:
البخاريُّ، فقال:((وحديثُ عبد الله بن عمرو في مَسِّ الذَّكَرِ هو عندي صحيح)) (علل الترمذي 1/ 49/ 55).
وهو ظاهر صنيع البيهقي، حيثُ قال عقبه:((ومحمد بن الوليد الزبيدي ثقة، وهكذا رواه عبد الله بن المؤمل عن عمرو)) (السنن الكبرى عقب 643).
قلنا: ستأتي رواية ابن المؤمل قريبًا إن شاء الله تعالى.
وقال الحازميُّ: ((هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ لأن إسحاقَ بنَ إبراهيمَ إمامٌ غير مُدافَع، وقد خرَّجه في (مسنده)، وبقية بن الوليد ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فيُحتج به
…
والزبيدي هو محمد بن الوليد، قاضي دمشق، من ثقات الشاميين، محتجٌّ به في الصحاحِ كلها. وعمرو بن شعيب ثقةٌ باتفاقِ أئمةِ الحديثِ، وإذا رَوى عن غير أبيه لم يختلف أحدٌ في الاحتجاج به، وأما روايته عن أبيه عن جده، فالأكثرون على أنها متصلة، ليس فيها إرسال ولا انقطاع، وقد روى عنه خَلْق من التابعين)).
وذَكَر تصحيحَ البخاريِّ له، ثم قال:((وقد رُوي هذا الحديثُ عن عمرو بن شعيب من غير وجهٍ، فلا يَظنُّ ظان أنه من مفاريد بقية، فيحتمل أن يكون قد أخذه عن مجهول. والغرض من تبيين هذا الحديث زجر مَن لم يتقن معرفة مخارج الحديث عن الطعن في الحديث من غير تتبع وبحث عن مطالعة)) (الاعتبار، صـ 42).
ونقله عنه ابنُ القيمِ في (حاشيته على سنن أبي داود 1/ 213)، وأقرَّه.
ولكن تَعَقَّب مغلطاي على الحازميِّ في أمرين، يُنظر لهما (شرح مغلطاي على سنن ابن ماجه 1/ 554).
والحديث صَحَّحَهُ أيضًا ابنُ المُلقِّنِ في (البدر المنير 2/ 477).
وقال الذهبيُّ: ((إسنادُهُ قويٌ، رواه جماعةٌ عن بقيةَ)) (التنقيح 1/ 60).
وقال ابنُ حَجرٍ: ((هذا حديثٌ حسنٌ، أخرجه إسحاقُ في (مسنده) عن بقية على الموافقة، وأخرجه أحمد عن عبد الجبار بن محمد عن بقية،
…
ووقع عنده معنعنًا، فتوقف فيه بعضُهم لذلك. وقد زالَ بهذه الروايةِ تدليس بقية
(1)
وتسويته)) (موافقة الخُبْر الخَبَر 1/ 400).
وقال الألبانيُّ: ((وبالجملة، فالحديثُ حسنُ الإسنادِ، صحيح المتن بما قبله)) (الإرواء 1/ 152).
وكذلك صَحَّحَهُ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (6/ 486)، و (جامع الترمذي 1/ 130).
قلنا: وقد خالف في ذلك جماعةٌ منَ الأَئمةِ، منهم:
* الإمامُ أحمدُ، فقد نقل عنه مغلطاي وغيرُهُ، أنه حين سئل عنه، قال:((ليس بذاك))، كأنه ضَعَّفَهُ. ذَكَره الخلال في (علله) كما في (شرح ابن ماجه 1/ 555).
وقال المروذي: ((قيلَ لأبي عبد الله: فالجارية إذا مَسَّتْ فَرْجَها، أعليها وضوء؟ قال: لم أسمع في هذا بشيءٍ. قلتُ لأبي عبد الله: حديث عبد الله بن عمرو عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ)) فتبسمَ، وقال: هذا
(1)
في المطبوع: ((بقيته)).
حديثُ الزبيديِّ، وليس إسنادُهُ بذاك)) (المغني 134).
قال مغلطاي: ((وفيه إشكالٌ من حيثُ تخريجه له في (مسنده)، إذ لا يُخرج فيه إلا ما صحَّ عنده. كذا ذكره أبو موسى المديني)) (شرح ابن ماجه 1/ 555).
قلنا: لا إشكالَ في ذلك؛ فما قاله أبو موسى المديني منازعٌ فيه، بل غير صحيح.
وقد أجابَ ابنُ القيم على قولِ من يقول: (إن كلَّ ما سكتَ عنه أحمدُ في (المسند) فهو صحيح عنده) بقوله: ((لا مستندَ لهذا البتة، بل أهلُ الحديثِ كلهم على خلافها، والإمامُ أحمدُ لم يشترطْ في (مسنده) الصحيح ولا التزمه. وفي (مسنده) عدة أحاديث سُئِلَ هو عنها فضَعَّفَهَا بعينها وأنكرها، وذَكَر منها هذا الحديث، وأحاديث أُخَر
…
)).
إلى أن قال: ((والمقصودُ أنه ليسَ كل ما رواه وسكتَ عنه يكون صحيحًا عنده، وحتى لو كان صحيحًا عنده وخالفه غيره في تصحيحه، لم يكن قوله حجة على نظيره.
وبهذا يُعْرَفُ وهمُ الحافظِ أبي موسى المدينيِّ في قوله: (إن ما خرَّجه الإمامُ أحمدُ في (مسنده) فهو صحيح عنده) فإن أحمدَ لم يقلْ ذلك قط ولا قال ما يدلُّ عليه، بل قال ما يدلُّ على خلافِ ذلك، كما قال أبو العز بن كادش: (إن عبد الله بن أحمد قال لأبيه: ما تقول في حديث رِبْعي عن حذيفةَ؟ قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رَوَّاد؟ قلت: يصحُّ؟ قال: لا، الأحاديثُ بخلافه، وقد رواه الحفاظُ عن رِبْعي عن رجلٍ لم يُسَمِّه. قال: فقلتُ له: لقد ذكرتَه في المسند؟ فقال: قصدتُ في المسندِ الحديثَ المشهورَ، وتركتُ الناسَ تحت ستر الله، ولو أردتُ أقصد ما صحَّ عندي،
لم أَرْوِ من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في المسند، لستُ أخالفُ ما فيه ضَعْفٌ إذا لم يكن في البابِ شيءٌ يدفعه). فهذا تصريح منه رحمه الله بأنه أخرج فيه الصحيحَ وغيره.
وقد استشكل أبو موسى المديني هذه الحكاية، وظنَّها كلامًا متناقضًا، فقال: ما أظنُّ هذا يصحُّ؛ لأنه كلامٌ متناقضٌ؛ لأنه يقول: (لستُ أخالف ما فيه ضعف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه) وهو يقول في هذا الحديثِ: (الأحاديث بخلافه) قال: وإن صَحَّ فلعلَّه كان أولًا، ثم أخرجَ منه ما ضُعِّفَ لأني طلبته في المسند فلم أجده.
قلت: ليس في هذا تناقض من أحمدَ رحمه الله، بل هذا هو أصله الذي بَنى عليه مذهبه، وهو لا يُقدِّمُ على الحديثِ الصحيحِ شيئًا ألبتة
…
إلى آخر كلامه)) (الفروسية، صـ 247 - 265).
* ومنهم ابنُ المنذرِ فقال: "وحديثُ عبد الله بن عمرو
…
لا يَثبتُ" (الأوسط 1/ 315).
* واستغربَ ابنُ شَاهينَ ذِكرَ المرأةِ في هذا الحديثِ، فقال -عقبه-:((لا أعلمُ ذِكرَ هذه الزيادة في مَسِّ المرأةِ فرجها غير حديث عبد الله بن عمرو)).
* ومنهم ابنُ وضَّاحٍ، فقال:((هو غير صحيح)) (الإعلام 1/ 555).
* ومنهم الطحاويُّ، فقال: ((وإن احتجوا في ذلك بما
…
)) وذكر الحديث، ثم قال: ((قيل لهم: أنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئًا، وإنما حديثه عنه عن صحيفة. فهذا على قولكم منقطع، والمنقطع فلا يجب به عندكم حجة، فقد ثبتَ فسادُ هذه الآثار كلها، التي يَحتج بها مَن يذهبُ إلى إيجاب الوضوء من مَسِّ الفرج. وقد رويت آثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تخالف ذلك))، ثم ذَكَر حديث طَلْق (شرح معاني الآثار 1/ 75).
وقد تعقبه البيهقيُّ فقال: ((مَن يزعمُ هذا؟ ! نحن لا نعلمُ خلافًا بين أهل العلم بالحديثِ في سماع عمرو بن شعيب من أبيه! قال البخاريُّ في (التاريخ): "عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص- سمع أباه، وسعيد بن المسيب، وطاوسًا".
قلت: وإنما الخلافُ في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، وقد ذكرنا في مسألة الجماع في الإحرام ما دلَّ على سماع شعيب من عبد الله بن عمرو
…
)) ثم روى عن أبي بكر النيسابوري قوله: ((وقد صَحَّ سماع عمرو بن شعيب من أبيه شعيب، وصَحَّ سماع شعيب من جَده عبد الله بن عمرو" (المعرفة 1095 - 1099).
قلنا: وسيأتي الكلامُ على حديث طلق، والتوفيق بينه وبين هذا الحديث فيما بعد.
وعَقَّب مغلطاي على كلام ابن وضاح وصنيع الطحاوي بقوله: ((والقلبُ إلى ما قاله البخاريُّ ومَن تابعه أَمْيَل، والله أعلم)) (شرح ابن ماجه 1/ 555).
وقال ابنُ الجوزيِّ: ((قال الخَصمُ: كلُّ هذه الأحاديث مطعونٌ فيها
…
-وذَكَر منها حديث عمرو بن شعيب- ثم قال: وأما الثالث فإن بقية كان مدلسًا عن الضعفاء ولا يوثق بحديثه. ثم عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَده مرسل، والمراسيل ليست بحجة)) (التحقيق 1/ 181).
ثم أجاب ابنُ الجوزيِّ عن هذه العلة بقوله: ((والجواب: وما زال العلماء يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وإذا كان جده هو عبد الله لم يكن الحديث مرسلًا لأنه قد سمع شعيب منه. ثم المراسيل
عندنا حجة)) (التحقيق 1/ 182).
واقتصرَ الهيثميُّ على قوله: ((رواه أحمدُ، وفيه بقية بن الوليد، وقد عنعنه، وهو مدلسٌ)) (مجمع الزوائد 1/ 245).
وقد صرَّحَ بقية بالسماع من شيخه في غير هذا الموضع كما بيناه.
قلنا: ولعلَّ مَن ذهبَ إلى تضعيفه له وجهٌ من جهتين:
الجهة الأول: أن ذِكر المرأةِ في الحديثِ غريبٌ؛ وذلك أن أحاديث الوضوء من مَسِّ الذَّكَرِ مع كثرتها لم تُذكر فيها المرأة إلا من طرق ضعيفة أو منكرة. وقد انفرد عمرو بن شعيب بها من هذا الوجهِ.
وعمرو بن شعيب مِن العلماء مَن يَرُدُّ حديثَه -كما قدمنا- إذا كان فيه نكارة.
قال أبو الحسن الميمونيُّ عبد الملك بن عبد الحميد: ((سمعتُ الإمامَ أحمدَ يقول: عمرو بن شعيب له أشياء مناكير، وإنما يُكتبُ حديثُهُ يُعتبرُ به، فأما أن يكون حجة فلا)) (الضعفاء للعُقيلي 3/ 142).
وقال أبو بكر الأثرم: ((سُئِلَ أبو عبد الله عن عمرو بن شعيب، فقال: أنا أكتبُ حديثَه، وربما احتججنا به، وربما وَجَسَ في القلبِ منه شيءٌ)) (الجرح والتعديل 6/ 238).
وقال أبو داود: ((سمعتُ أحمدَ ذُكِر له عمرو بن شعيب، فقال: أصحابُ الحديثِ إذا شاءوا احتجوا به، وإذا شاءوا تركوه)) (سؤالات أبي داود لأحمد 216).
ولذا اعترضَ مغلطاي على الحازميِّ في قوله: ((عمرٌو ثقةٌ باتِّفَاقٍ))، فقال:
((أسلفنا قولَ مَن تَكلَّم فيه، وهم جماعةٌ: أيوبُ بنُ أبي تميمةَ، والليثُ، ويحيى بنُ سعيدٍ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وأبو حَاتمٍ، وابنُ مَعِينٍ، وأبو داودَ، والعُقيليُّ، وابنُ عيينةَ، والساجيُّ، والبرقيُّ. فأيُّ اتفاقٍ مع مخالفةِ هؤلاء؟ ! )) (شرح ابن ماجه 1/ 554).
الجهة الثانية: أن عَمْرًا اختُلف عليه على وجوهٍ كثيرةٍ، كما قَدَّمنا في رواية: ((كَيْفَ تَرَى إِحْدَانَا
…
)).
وهذا الاختلافُ وإن كان بعضُه أقوى من بعضٍ إلا أن عَمْرًا في نفسه لا يتحمل؛ لاختلاف الأئمة في حاله، كما قدمنا.
ولذا أشارَ ابنُ عبدِ الهادِي وابنُ حَجرٍ لهذه العلةِ.
فقال ابنُ عبدِ الهادِي: ((إسنادُهُ قويٌّ، لكن قد اختُلف فيه على عمرٍو)) (التنقيح 1/ 271).
وقال ابنُ حَجرٍ: ((ورجاله ثقات إلا أنه اختُلف فيه على عمرو بن شعيب، وقد بَيَّن ذلك البيهقيُّ)) (الدراية 1/ 41).
الطريق الثاني: أخرجه ابنُ عَدِيٍّ -ومن طريقه البيهقيُّ- قال: ثنا ابن قتيبة وأحمد بن عُمير، قالا: ثنا إدريس، ثنا (ضمرة)
(1)
بن ربيعة، ثنا يحيى بن راشد، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه:
* يحيى بن راشد، وهو المازني البصري، قال فيه الحافظ:((ضعيف)) (التقريب
(1)
في المطبوع من (سنن البيهقي): ((حمزة))، وهو خطأ. والصواب المثبت.
7545).
* وشيخه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلفٌ فيه كما سَبَقَ مرارًا.
وقد استغربه ابنُ عَدِيٍّ من حديثه عن أبيه عن عمرو، فقال: ((هذا قد رواه عن عمرو بن شعيب عبد الله بن المؤمل والزبيدي
…
وهو من حديث [ابن] ثوبان عن أبيه عن عمرو بن شعيب- غريب، يرويه عن ابن ثوبان يحيى بن راشد، وعن يحيى ضمرة، وليحيى بن راشد غير ما ذكرتُ منَ الأحاديثِ، وهو ممن يُكتبُ حديثُهُ)) (الكامل 10/ 559).
قلنا: ورواه أيضًا الشاذكونيُّ عن يحيى بنِ راشدٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ ثابتِ بنِ ثَوْبَانَ، عن أبيه، عن عمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ: أَنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المَرْأَةِ تُدْخِلُ يَدَهَا فِي فَرْجِهَا، فَقَالَ:((عَلَيْهَا الوُضُوءُ)).
أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 3518)، وسيأتي ضمن الرواية الآتية.
رِوَايَةُ: تَضْرِبُ بِيَدِهَا فَتُصِيبُ فَرْجَهَا:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ المَرْأَةِ تَضْرِبُ بِيَدِهَا فَتُصِيبُ فَرْجَهَا -تَعْنِي: تُمِرُّ يَدَيْهَا فِيمَا هُنَالِكَ-، فَقَالَ:((تَوَضَّئِي يَا بُسْرةُ (تَتَوَضَّأُ يَا بُسْرةُ)(فِيهِ الوُضُوءُ))).
[الحكم]:
منكرٌ بهذه السياقةِ. واستغربَ الدارقطنيُّ ذِكرَ المرأةِ.
[التخريج]:
[طب (24/ 192/ 484) (واللفظ له) / طس 3518/ طح (1/ 75) (والرواية الثانية له) / مث 3236/ صحا 7528 (والرواية الثالثة له) / علقط (9/ 354) (والرواية الأولى له) / فقط (أطراف 5867)].
[التحقيق]:
للحديث بهذا السياق طريقان:
الطريق الأول: أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا جعفر بن سليمان النوفلي، ثنا إبراهيم بن المنذر الحِزَامي، ثنا مَعْن بن عيسى القزاز، عن عبد الله بن المؤمل، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَده، به.
وأخرجه الطحاويُّ قال: حدثنا يونس قال: ثنا معن بن عيسى، عن عبد الله بن المؤمل المخزومي، به.
ومداره عندهم -خلا الطبراني في (الأوسط) - على عبد الله بن المؤمل، به.
ولذا قال الدارقطنيُّ -عقبه-: ((تفرَّدَ به عبد الله بن المؤمل عنه))، واستغربَ ذِكرَ المرأةِ.
قلنا: وهذا إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لضعفِ ابنِ المؤملِ، قال فيه الحافظ: ((ضعيفُ
الحديثِ)) (التقريب 3648).
ومع ضَعْفِهِ اختُلفَ عليه في سندِهِ، كما قدَّمنا تحت حديث بُسْرةَ.
وأيضًا: خولف في متنه من الزبيديِّ، وهو أوثقُ منه وأَجَلُّ، فجَعَل الزبيدي قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الوضوء مِن مَسِّ الذَّكَرِ- لعبد الله بن عمرو، وليس بُسْرة. بخلاف رواية ابن المؤمل هذه.
الطريق الثاني: أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط) قال: حدثنا حجاجُ بنُ عمرانَ السدُوسِيُّ قال: نا سليمانُ بنُ داودَ المِنْقَرِيُّ قال: نا يحيى بنُ راشدٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ ثابتِ بنِ ثَوْبَانَ، عن أبيه، عن عمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ: أَنَّ بُسْرةَ بِنْتَ صَفْوَانَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المَرْأَةِ تُدْخِلُ يَدَهَا فِي فَرْجِهَا، فَقَالَ:((عَلَيْهَا الوُضُوءُ)).
قال الطبرانيُّ: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابنِ ثَوْبَانَ إلا يحيى بن راشد، تفرَّدَ به سليمان بن داود)).
كذا قال، وقد سَبَقَ عند ابنِ عَدِيٍّ والبيهقيِّ من رواية ضمرة بن ربيعة عن ابن راشد، غير أنه لم يَذكر فيه بُسْرةَ. والشاذكونيُّ حافظٌ غير أنه متهمٌ بالكذبِ ووضعِ الأحاديثِ (لسان الميزان 3/ 84).
وبه ضَعَّفَهُ الهيثميُّ قال: ((رواه الطبرانيُّ في (الأوسط) وفيه سليمان بن داود الشاذكوني، والأكثرون على تضعيفه)) (مجمع الزوائد 1/ 245).
رِوَايَةُ: دَخَلَتْ بُسْرةَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ:
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: دَخَلَتْ بُسْرةُ بِنْتُ صَفْوَانَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال:((مَنْ هَذِهِ عِنْدَكِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟)) فَقالَتْ بُسْرةُ: يَا نَبِيَّ اللهِ المَرْأَةُ التِي تَرَى أَنَّهَا مَعَ زَوْجِهَا؟ قَالَ: ((إِذَا وَجَدْتِ المَاءَ فَاغْتَسِلِي يَا بُسْرةُ)) قَالَتْ: فَالمَرْأَةُ تَضْرِبُ بِيَدِهَا عَلَى فَرْجِهَا؟ قَالَ: ((تَوَضَّئِي يَا بُسْرةُ)) قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَضَحْتِ النَّسَاءَ يَا بُسْرةُ!! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((دَعِيهَا تَسْأَلْ عَمَّا بَدَا لَهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[علقط (9/ 354)].
[السند]:
أخرجه الدارقطنيُّ قال: حدثنا أحمد بن العباس البغويُّ، قال: حدثنا عَبَّاد بن الوليد، قال: حدثنا معاذ بن هانئ، قال: حدثنا عبد الله بن المؤمل المكي، قال: حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَده، به.
[التحقيق]:
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعف ابن المؤمل كما سَبَقَ.
وأيضًا: خولف ابن المؤمل في متنه من الزبيدي، وهو أوثق منه وأَجَلّ، فجَعَل الزبيدي قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء من مس الذَّكَرِ- لعبد الله بن عمرو، وليس بُسْرةَ، بخلاف رواية ابن المؤمل هذه.
2310 -
حَدِيثُ بُسْرةَ، أَوْ (وَ) زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ:
◼ عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ [أَوْ] عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ بُسْرةَ بِنْتِ صَفْوَانَ، وَعَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
المتنُ مختلفٌ فيه كما سَبَقَ من حديثِ بُسْرةَ. وهذا إسنادٌ مُعَلٌّ بذكر زيد بن خالد. وأعلَّهُ: أبو حَاتمٍ، والعُقيليُّ، وابنُ عَدِيٍّ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [عب 416 (واللفظ له) / طب (24/ 194/ 491) / مث 3226/ علقط (9/ 350 - 351) / هقخ (539 - 540) / زياد (ق 148/أ-ب)].
تخريج السياقة الثانية: [حق (مط 135)، خيرة (598) (واللفظ له) / علقط (9/ 350) / هقع 1027/ هقخ 538].
[التحقيق]:
مداره على ابنِ جُريجٍ، واختُلفَ عليه على أوجهٍ:
الوجه الأول: عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ [أو]
(1)
زيد، به. هكذا على الشك.
(1)
سقط من المطبوع لمصنف عبد الرزاق، فصار:(عن بسرة عن زيد) والصحيح المثبت كما عند الطبراني وابن أبي عاصم من طريق عبد الرزاق. والله أعلى وأعلم.
رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في (المصنف) -ومن طريقه ابنُ أبي عاصمٍ، والطبرانيُّ، والدارقطنيُّ، والبيهقيُّ في (الخلافيات 540) - قال: أخبرنا ابن جريج قال: حدثني ابنُ شهابٍ، به.
ورواه أبو بكرٍ النيسابوريُّ في (فوائده) -وعنه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 350) - من طريق حَجاجٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، به.
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 351) من طريق مَخْلَد بن يزيد، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، به.
الوجه الثاني: عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ وخالد بن زيد، به. هكذا بالعطف بدل الشك.
رواه المخلديُّ في (فوائده، انتخاب البحيري ق 305/ب)، من طريق يوسف بن يزيد، عن حَجاج بن محمد، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، به.
وروايةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: رواها الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 350) من طريق محمد بن أبي السَّري وسلمة بن شبيب، قالا: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا ابنُ جُريجٍ، به.
ورواه إسحاق بن راهويه في (مسنده) كما في (المطالب العالية، وإتحاف الخِيَرة المَهَرة) -ومن طريقه البيهقيُّ في (معرفة السنن 1027) - عن محمد بن بكر البرساني، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ.
وذَكَر ابنُ أبي حَاتمٍ في (العلل 62) أن عَبْدَ الرَّزَّاقِ وأبا قُرة موسى بن طارق روياه عنِ ابنِ جُرَيْجٍ كما في هذا الوجه.
قال البيهقيُّ -عقب رواية ابن راهويه-: ((هذا إسنادٌ صحيحٌ)) (الخلافيات 2/ 261)، و (المعرفة 1106).
وأقرَّهُ مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 557)، وابنُ حَجرٍ في (التلخيص 1/ 124).
ونَقَل البيهقيُّ عن محمد بن يحيى الذُّهْليِّ أنه رأى رواية ابن جريج هذه من غير شك هي المحفوظة (معرفة السنن 1/ 390).
قلنا: أي: عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، ولكنه مع رجاحته فإن ابنَ جُريجٍ وإن كان ثقةً ثبتًا، فقد تُكلِّمَ في روايته عنِ الزهريِّ؛ قال ابنُ محرزٍ:((سمعتُ يحيى، وقال له عبد الله بن رومي أبو محمد اليمامي: أي شيء بلغني عن يحيى بن سعيد -يعني القطانَ- أنه كان يتكلم في حديث ابن جريج وابن أبي ذئب عنِ الزهريِّ؟ فقال يحيى بنُ مَعِينٍ وأنا أسمع: نعم، كان لا يوَثِّقهُما في الزهريِّ. فقال له عبد الله بن رومي اليمامي: مِمَّ ذاك؟ قال: كانوا يقولون: إن حديثهما إنما هو مناولة)) (تاريخ ابن مَعِينٍ، رواية ابن محرز 624)، وقال معاوية بن صالح:((سمعتُ يحيى بنَ مَعِينٍ يقول: كان يحيى بن سعيد لا يرضى حديث ابن أبي ذئب وابن جريج عنِ الزهريِّ، ولا يقبله)) (تهذيب التهذيب 3/ 630)، وقال ابنُ مَعِينٍ:((ابنُ جريج ليسَ بشيءٍ في الزهري)) (تاريخ ابن مَعِينٍ، رواية الدارمي 13).
قلنا: وقيل: إن سببَ تضعيف رواية ابن جريج عنِ الزهريِّ أنه لم يسمعْ منه، وإنما حَمَل عنه مناولة، كما تقدَّمَ عن ابنِ مَعِينٍ.
وقال عليُّ بنُ المدينيِّ: ((ابن جريج لم يسمع من ابن شهاب شيئًا، إنما عُرِضَ له عليه)) (المعرفة التاريخ 2/ 139).
روى ابنُ أبي خيثمةَ في (تاريخه- السِّفر الثالث 980) من طريقِ ابنِ عيينةَ، قال: ((دخلتُ أنا وابنُ جُريجٍ على ابنِ شهابٍ، ومع ابنِ جُريجٍ
صحيفة، فقال ابنُ جُريجٍ: إني أريدُ أن أعرضها عليك)).
وقال محمد بن علي الجوزجانيُّ: ((قلتُ لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ابنُ أبي ذئب سماعه منَ الزُّهْريِّ عَرْض أو سماع؟ قال: لا نبالي كيف كان. قلت: ابن جريج؟ قال: ابنُ جُريجٍ عَرْضٌ)) (تاريخ دمشق 59/ 412).
قلنا: وجاء عنِ ابنِ جُرَيْجٍ التصريحُ بعدم سماعه منَ الزُّهْريِّ، ولكن في إسنادِهِ شيءٌ.
فأسندَ ابنُ أبي حَاتمٍ في (الجرح والتعديل 5/ 357) قال: ((نا أبو زرعة قال: أخبرني بعضُ أصحابنا عن قريشِ بنِ أنسٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قال: ما سمعتُ منَ الزُّهْريِّ شيئًا، إنما أعطاني الزهري جزءًا فكتبته وأجازه لي)).
قال الذهبيُّ: ((كان ابنُ جُريجٍ يَروي الرواية بالإجازة وبالمناولة، ويتوسع في ذلك؛ ومِن ثَم دخلَ عليه الداخل في رواياته عنِ الزهريِّ؛ لأنه حَمَل عنه مناولة، وهذه الأشياء يَدخلها التصحيف، ولا سيما في ذلك العصر، لم يكن حَدث في الخط بعدُ شَكْل ولا نَقْط)) (سير أعلام النبلاء 6/ 331).
وأعلَّهُ أبو حَاتمٍ بنحو هذا، فقال ابنُه عبد الرحمن: ((سألتُ أبي عن حديثٍ رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ وأبو قُرةَ موسى بنُ طارق، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ وزيد بن خالد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ في مَسِّ الذَّكَرِ؟
قال أبي: أخشى أن يكونَ ابنُ جريجٍ أَخَذَ هذا الحديثَ من إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأن أبا جعفر حدثنا قال: سمعتُ إبراهيم بنَ أبي يحيى يقول: جاءني ابنُ جريجٍ بكتب مثل هذا -خفض يده اليسرى ورفع اليمنى، مقدار بضعة عَشَر جزءًا- فقال: أروي هذا عنك؟ فقال: نعم)) (العلل 62).
وإبراهيمُ هذا هو الأسلميُّ، متروكٌ متهمٌ.
قلنا: والحديثُ رواه عنِ الزهريِّ جماعةٌ من ثقات أصحابه، فجعلوه عن بُسْرةَ وحدها، لم يذكروا زيد بن خالد أو الشك. وهم:
1 -
شعيب بن أبي حمزة، عند أحمدَ (27296)، والنسائيِّ في (الصغرى 169)، و (الكبرى 204)، وغيرهما.
2 -
يونس بن يزيد، عند ابنِ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3227)، والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 342، 343)، وغيرهما.
3 -
عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عند الطبرانيِّ في (الكبير 24/ رقم 492)، والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 345).
4 -
عُقيل بن خالد، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 344).
5 -
هَبَّار بن عقيل، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 346)
(1)
.
6 -
عُبيد الله بن أبي زياد الرُّصَافي، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 346).
7 -
عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 347).
8 -
إسحاق بن راشد، عند ابنِ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 188).
ثمانيتهم رووه عنِ الزهريِّ، به.
وروايتهم لا شكَّ أرجحُ؛ ولذا ذَكَرَ العُقيليُّ الخلافَ على الزهريِّ فيه، وكان مما ذَكَر: ((وقال ابنُ جُريجٍ: عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر،
(1)
تصحف في (العلل) إلى (سيار بن عقيل)، والمثبت هو الصواب كما في كتب التراجم، وكذا استظهره محقق (العلل).
عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ، أو: عن زيد بن خالد الجهني)).
ثم قال: ((الصوابُ: رواية يونس وعقيل ومَن تابعهما)) (الضعفاء الكبير 3/ 24).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((ومن حديثِ ابنِ جُريجٍ عنِ الزهريِّ غير محفوظ)) (الكامل 1/ 443).
2311 -
حَدِيثُ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ:
◼ عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (ذَكَرَهُ) فَلْيَتَوَضَّأْ (فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ))).
[الحكم]:
خطأ بذكر (زيد بن خالد)، والصواب (عن بُسْرةَ).
وأعلَّهُ بذلك: أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، وابنُ المدينيِّ، وزهيرُ بنُ حربٍ، والبخاريُّ، والطحاويُّ -وتبعه الزيلعيُّ-، والعُقيليُّ، والبيهقيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ عبدِ الهادِي، والذهبيُّ، وابنُ حَجرٍ.
[التخريج]:
[حم 21689 (واللفظ له) / بز 3762/ ش 1735/ طب 5221، 5222/ عد (9/ 47) / تخث (السِّفر الثالث 3069) / طح (1/ 73) / ناسخ 109، 110/ علقط (9/ 351، 352) (والرواية الثانية له) / صحا 3017/ هقع 1031/ هقخ 535/ تحقيق 175/ تد (2/ 27) / دبيثي (4/ 336)].
[السند]:
أخرجه أحمد قال: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن زيد بن خالد الجهني، به.
يعقوب هو ابنُ إبراهيم بن سعد.
ومداره عند الجميع على ابن إسحاق
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ وإن كان ظاهره الحُسْن إلا أنه معلولٌ، أخطأَ فيه ابنُ إسحاقَ في أمرين:
الأمر الأول: أن الزهريَّ لم يسمعْه من عروةَ، بينهما عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، كما في رواية أصحاب الزهري عنه، كما سيأتي.
قال البيهقيُّ: ((قد أخبرنا الزهريُّ أنه لم يسمعه من عروةَ، وإنما سمعه من عبد الله بن أبي بكر -وهو من الثقات-، عن عُرْوةَ. ثم عروة رواه عن بُسْرةَ)) (معرفة السنن 1/ 391).
وقال: ((وإنما المُنكَرُ على ابنِ إسحاقَ روايته عنِ الزهريِّ عن عُرْوةَ نفسه؛ فإن الزهريَّ لم يسمعه من عروة)) (معرفة السنن 1/ 405).
وقال البوصيريُّ: ((وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث زيد بن خالد، لكنه من رواية ابن إسحاق، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن زيد بن خالد. وقد تبينَ في الإسنادِ الذي سقناه أن الزهريَّ لم يسمعه من عروة، فكأن ابنَ إسحاقَ دلَّسَهُ تدليس التسوية؛ لأنه صرَّحَ فيه بسماعه منَ الزُّهْريِّ، فأخرجتُه من هذا الوجهِ للفائدةِ)) (إتحاف الخيرة المهرة 1/ 348)، وكذا قال ابنُ حَجرٍ في (المطالب العالية 2/ 387)، و (الدراية 2/ 387).
الأمر الثاني: أن المحفوظَ في هذا الحديثِ: ((بُسْرة))، وليس:((زيد بن خالد)) هكذا رواه أصحابُ الزهريِّ عنه، وهم:
1 -
شعيب بن أبي حمزة، عند أحمدَ (27296)، والنسائيِّ في (الصغرى 169)، و (الكبرى 204)، وغيرهما.
2 -
يونس بن يزيد، عند ابنِ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3227)،
والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 342 - 343)، وغيرهما.
3 -
وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عند الطبرانيِّ في (الكبير 24/ رقم 492)، والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 345).
4 -
عقيل بن خالد، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 344).
5 -
هبار بن عقيل، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 346)
(1)
.
6 -
عبيد الله بن أبي زياد الرصافي، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 346).
7 -
عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 347).
8 -
إسحاق بن راشد، عند ابنِ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 188).
ثمانيتهم رووه عنِ الزهريِّ به.
وروايتهم لا شكَّ أرجحُ، فإن ابنَ إسحاقَ متكلمٌ في روايته عنِ الزهريِّ:
وقيلَ للإمامِ أحمدَ: محمد بن إسحاق، وابن أخي الزهري، في حديث الزهري؟ فقال:(("ما أدري"، وحَرَّك يده، كأنه ضعفهما)) (العلل ومعرفة الرجال، رواية المروذي وغيره 302)، و (مسائل أحمد، رواية ابن هانئ 2127).
وقال ابنُ مَعِينٍ: ((وابنُ إسحاقَ ليس به بأس، وهو ضعيفُ الحديثِ عنِ الزهريِّ)) (تاريخ ابن مَعِينٍ، رواية الدارمي 15)، و (شرح علل الترمذي 2/ 676).
(1)
وتصحف في (العلل) إلى (سيار بن عقيل)، والمثبت هو الصواب كما في كتب التراجم، وكذا استظهره محقق (العلل).
وقال الجوزجانيُّ: ((وابنُ إسحاقَ رَوى عنِ الزهريِّ إلا أنه يمضغُ حديثَ الزهريِّ بمنطقه حتى يعرفَ مَن رسخَ في علمه أنه خلاف رواية أصحابه عنه)) (شرح علل الترمذي 2/ 674).
ولذا ذَكَر العُقيليُّ الخلافَ على الزهريِّ فيه، وكان مما ذَكَر: ((
…
ورواه محمد بن إسحاق، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن زيد بن خالد الجهني)).
ثم قال: ((الصواب: رواية يونس وعقيل ومَن تابعهما)) (الضعفاء الكبير 3/ 24).
ولذا قال الإمامُ أحمدُ -وقد سأله مهنا عن هذا الحديثِ-: ((ليسَ بصحيحٍ، الحديثُ حديث بُسْرةَ)). قال مهنا: مِن قِبل مَن جاء خطؤه؟ قال: ((مِن قِبل ابن إسحاق أخطأ فيه))، قال: وكان ابنُ إسحاقَ يُخطئُ في مثل هذا؟ قال: ((نعم، له غير شيء)) (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 555) ونَقَلَ بعضَه ابنُ القيمِ في (الفروسية، صـ 194).
وقال ابنُ مَعِينٍ -كما في (سؤالات مُضَر بن محمد)، وسُئِلَ عن حديث زيد بن خالد-:((خطأ، أخطأ فيه ابن إسحاق)) (الإمام 2/ 303)، و (شرح ابن ماجه 1/ 556).
وقال ابنُ المديني: ((ولم أجدْ لابنِ إسحاقَ إلا حديثين منكرين:
…
والزهري عن عُرْوةَ عن زيد بن خالد: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))) (المعرفة والتاريخ 2/ 28).
ونقله كذلك عنه وأقرَّه: البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 260)، والخطيبُ في (تاريخه 2/ 28)، والقدوري في (التجريد 1/ 188). وانظر (شرح ابن ماجه 2/ 314)، و (تاريخ الإسلام 4/ 193).
قال البيهقيُّ مبينًا مراده: ((فلأنه مشهور بعروة عن بُسْرةَ بنت صفوان)) (القراءة خلف الإمام، صـ 60).
وقال زهيرُ بنُ حربٍ: ((هذا عندي وهم، إنما رواه عروة، عن بُسْرةَ)) (الكامل 9/ 47)، و (معرفة السنن 1/ 391).
وأقرَّهُ البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 260)، والرافعيُّ في (التدوين 2/ 27).
وقال الترمذيُّ للبخاريِّ: ((حديث محمد بن إسحاق، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن زيد بن خالد. قال: إنما روى هذا الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن بُسْرةَ. ولم يَعُدَّ حديث زيد بن خالد محفوظًا)) (علل الترمذي 51).
وقال الطحاويُّ: ((هذا الحديثُ منكرٌ، وأَخْلِقْ به أن يكون غلطًا؛ لأن عروةَ حين سأله مروانُ عن مَسِّ الفَرْجِ، فأجابه من رأيه أن لا وضوء فيه. فلما قال له مروانُ عن بُسْرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما قال، قال له عروةُ: ((ما سمعتُ به))، وهذا بعد موت زيد بن خالد بكم ما شاء الله. فكيف يجوز أن يُنكِر عروة على بُسْرةَ ما قد حدَّثه إيَّاه زيد بن خالد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ ! )) (شرح معاني الآثار 1/ 73، 74).
وتبعه الزيلعيُّ (نصب الراية 1/ 60). وبنحوه الجصاصُ (شرح مختصر الطحاوي 1/ 393)،
وتعقبه البيهقيُّ في (المعرفة 1102 - 1111) بكلامٍ كثيرٍ، مع إقراره خطأ ابن إسحاق فيه. وانظر (الإمام 2/ 315)، و (نصب الراية 1/ 60)، و (شرح العيني على سنن أبي داود 1/ 442)، و (الإعلام 1/ 556).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((مَن روى هذا الحديث عنِ الزهريِّ عن عُرْوةَ عن زيد
ابن خالد، فهو خطأ أيضًا لا شك فيه
…
والحديثُ الصحيحُ الإسنادِ في هذا عن عُرْوةَ عن مروانَ عن بُسْرةَ)) (التمهيد 17/ 185).
وقال أيضًا: ((وأما الذين رَوَوْا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الصحابةِ في مَسِّ الذَّكَرِ؛ مثل رواية بُسْرةَ وأم حبيبة، فأبو هريرة، وعائشة، وجابر، وزيد بن خالد، ولكن الأسانيد عنهم معلولة)) (التمهيد 17/ 194).
وأعلَّهُ أيضًا بأنه خطأ: ابنُ دقيقِ العيدِ في (شرح ابن ماجه 2/ 314)، وابنُ عبدِ الهادِي في (التنقيح 1/ 271)، وكذا الذهبيُّ في (ميزان الاعتدال 3/ 473).
2312 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ:
◼ عَنْ عَائِشَةَ وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
المتنُ مختلفٌ فيه كما سَبَقَ من حديثِ بُسْرةَ. وهذا إسنادٌ ضعيفٌ مُعَلٌّ بذكرِ زيد بن خالد وعائشة. وأعلَّهُ: ابنُ عَدِيٍّ، والبيهقيُّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، والذهبيُّ، ومغلطاي.
[التخريج]:
[عد (1/ 443) / هقخ 537/ حلب (3/ 1201) / مخلدي (ق 245/ب)].
[السند]:
أخرجه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات)، وابنُ العديم في (تاريخ حلب) - قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم، حدثنا أحمد بن هارون المِصيصي، حدثنا حَجاج بن محمد، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشة وزيد بن خالد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ معلولٌ؛ فيه: أحمد بن هارون المصيصي.
قال ابنُ عَدِيٍّ عنه: ((يَروي مناكير عن قوم ثقات، لا يتابع عليه أحد)).
ثم أسندَ له هذا الحديث، وقال:((وهذا الحديثُ يرويه محمد بن إسحاق، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن زيد بن خالد. ومن حديث ابن جريج عنِ الزهريِّ غير محفوظ)).
وقال أيضًا -بعد أن ذكر له حديثًا آخر-: ((ولم أجدْ لأحمدَ هذا أشنع من هذين الحديثين)) (الكامل 1/ 443 - 444).
وأقرَّهُ ابنُ العديمِ عقب ذكره للحديث، وابنُ دَقيقٍ في (الإمام 2/ 318)، والذهبيُّ في (الميزان 1/ 162).
قلنا: وقد خُولف فيه في موضعين:
الموضع الأول: في ذكره عائشة.
الموضع الثاني: في جعله من رواية الزهري عن عُرْوةَ.
فقد رواه البيهقيُّ في (الخلافيات 538) من طريق إبراهيم بن الحسن المِقْسَمي، عن حَجاج، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، قال: حدثني ابنُ شهابٍ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، أنه كان يحدِّثُ عن بُسْرةَ بنتِ صفوانَ وعن زيدِ بنِ خالدٍ الجهنيِّ، به.
وكذا أخرجه ابنُ راهويه في (مسنده) -كما في (المطالب 135) - عن محمد بن بكر البرساني، أنا ابن جريج به، كما سَبَقَ.
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 350، 351) من طريق أبي حميد المصيصي -وهو ثقة-، ويوسف بن سعيد المصيصي الحافظ، قالا: حدثنا حجاج عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، به، بالشك بين بُسْرةَ وزيد.
وكذا أخرجه عَبْدُ الرَّزَّاقِ (416) عنِ ابنِ جُرَيْجٍ به، كما سَبَقَ.
ولذا قال البيهقيُّ -عقب رواية ابن هارون-: ((أخطأَ فيه هذا المصيصيُّ حيثُ قالَ: (عن عائشة) وإنما هو عن بُسْرةَ)).
وأقرَّهُ ابنُ دقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 318)، ومغلطاي في (شرحه على ابن ماجه 1/ 427).
2313 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ:
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (ذَكَرَهُ) 1 فَلْيَتَوَضَّأْ (فَلْيُعِدِ الْوضُوءَ) 2)).
وَفِي رِوَايَةٍ 2: ((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَمَسَّ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 3: ((تَوَضَّئُوا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ. وَضَعَّفَهُ: أحمدُ، والبخاريُّ، وأبو حَاتمٍ، والعُقيليُّ، وابنُ حِبَّانَ، والطحاويُّ، وابنُ عَدِيٍّ، والحاكمُ، وابنُ السكنِ، وابنُ وضَّاحٍ، وابنُ عبدِ البرِّ، والذهبيُّ، والهيثميُّ، ومغلطاي، وابنُ حَجرٍ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [بز (18/ رقم 131) (واللفظ له) / حق 1716/ حرب (طهارة 224) / حث 85 (والروايتان: الأُولى والثانيةُ له، ولغيره) / تخث (3/ 3070) / ناسخ 115، 116/ حلواني (إتحاف 22090) / طح (1/ 73 - 74) / عق (3/ 24) / مجر (1/ 107) / عد (3/ 550) / عراق 89/ تمهيد (17/ 185) / علقط (8/ 96، 99، 100) / أصبهان (1/ 432، 465) (2/ 260) / محد (3/ 601) / إياس (ق 178/أ) / مديني (لطائف 368)].
تخريج السياق الثاني: [حق 866 (واللفظ له) / ث (2/ 114) / علقط (8/ 97، 98) / هقخ 548 - 551/ ذهبي (المحدثين صـ 158)].
تخريج السياق الثالث: [كنى (مغلطاي 1/ 561) / علقط (8/ 96)].
[التحقيق]:
رُوِي هذا الحديثُ من طرقٍ:
الطريق الأول: رواه يحيى بن أبي كثير، واختُلف عليه في سنده ومتنه على أوجه:
الوجه الأول: رواه حرب الكرمانيُّ في (مسائله) قال: حدثنا إسحاق قال: ثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
ورواه الحارثُ في (مسنده 85) عن عبد العزيز بن أبان.
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 97)، والذهبيُّ في (المعجم المختص بالمحدثين، صـ 158)، من طريق عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي.
والبيهقيُّ في (الخلافيات 549)، من طريق شعيب بن إسحاق.
ثلاثتهم عن هشام الدستوائي، به. ولفظ الحارث:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ)).
وأخرجه الدارقطنيُّ في (8/ 98) من طريقِ أيوبَ بنِ خُوط، عن يحيى بنِ أبي كثير، عن عُرْوةَ، عن عائشة، به.
قال الذهبيُّ: ((هذا حديثٌ نظيفُ الإسنادِ غريبٌ))!
قلنا: أما قوله: ((غريب)) فنعم. أما قوله: ((نظيف الإسناد)) فليس كذلك؛ فإن إسنادَهُ يضعف لأمرين:
الأمر الأول: انقطاعه؛ فيحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة. قاله أبو زرعة وأبو حَاتمٍ (المراسيل 903، 904)، واعتمده المزيُّ في (التهذيب 31/ 505). بينما أثبتَ له السماع منه ابنُ مَعِينٍ كما في (المراسيل 898).
والطرق السابقة تؤيدُ قولَ أبي زرعةَ ومَن معه، على الأقلِ في هذا الحديثِ؛ ولذا لما سُئِلَ أبو حَاتمٍ عن رواية شعيبٍ هذه قال:((إنما يرويه هشام عن يحيى، عن رجلٍ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ)) (علل الحديث 2/ 369).
وما ذكره أبو حَاتمٍ هو الأمر الثاني: أن بين يحيى وعروة في هذا الحديثِ رجلًا، كما في
الوجه الثاني: عن يحيى عن رجل عن عُرْوةَ عن عائشة، به.
أخرجه ابنُ راهويه (866) قال: أخبرنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي، حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني رجلٌ في مسجدِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبيرِ عن عائشةَ
…
به بلفظ السياقة الثانية.
وكذا رواه الطحاويُّ (1/ 73) من طريقِ أبي داودَ، والدارقطنيُّ في (العلل 8/ 97) من طريق عبد الوهاب، والبيهقيُّ في (الخلافيات 551) من طريق خالد بن الحارث.
كلهم عن هشام، به.
وكذا رواه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 98) من طريق شيبان، عن يحيى، به.
وهذا إسنادٌ ضعيف؛ لجهالة شيخ يحيى الذي لم يُسَمَّ، وقد أعلَّهُ الإمامُ أحمدُ بهذه العلة، فقال لما سُئِلَ عنه:((ليس بصحيحٍ، إنما كان يُحَدِّثُ به الدستُوائيُّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ)) (شرح ابن ماجه 1/ 563).
قلنا: وقد سُمِّي في رواية هذا الرجل بـ ((المهاجر بن عكرمة))، ولم يروه عن عُرْوةَ، بل عنِ الزهريِّ عنه، وهو
الوجه الثالث: عن يحيى، عن المهاجر بن عكرمة، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ، به.
رواه الحسنُ بنُ عليٍّ الحُلْوانيُّ في (السنن) له -كما في (إتحاف المهرة 22090) -ومن طريقه أبو عثمان البحيري في (فوائده)، ونَقَله عنه ابنُ أبي حَاتمٍ في (العلل 74) - قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا أبي، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن المهاجر بن عكرمة، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشة مرفوعًا:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 96)، وابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث 39)، وغيرهما، من طريق علي بن سعيد بن جرير النسائي، قال: حدثنا عبدُ الصمدِ بنُ عبدِ الوارِثِ بسندِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعَادَ الوُضُوءَ فِي مَجْلِسٍ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:((إِنِّي حَكَكْتُ ذَكَرِي)).
قلنا: أُعِلَّ هذا الطريق بعلتين:
العلةُ الأُولى: جهالة المهاجر.
قال أبو حَاتمٍ: ((هذا حديثٌ ضعيفٌ؛ لم يسمعه يحيى منَ الزُّهْريِّ، وأدخل بينهم
(1)
رجلًا ليس بالمشهور، ولا أعلمُ أحدًا روى عنه إلا يحيى)) (العلل 1/ 508).
وقال الخطابيُّ -في المهاجر-: ((ضَعَّفَ الثوريُّ، وابنُ المباركِ، وأحمدُ،
(1)
قال محققوا طبعة الدريس: ((كذا في جميع النسخ: «بينهم» ، ومراده: أنَّ يحيى أدخَلَ بينه وبين الزهريِّ رجلًا ليس بالمشهور، كما سبقَ بيانُه، فالجادَّةُ أن يقالَ:«بينهما» ، لكنَّ ما في النُّسَخِ له تخريجات في العربية
…
))، ثم سردوها فلينظرها من شاء.
وإسحاقُ حديثَ مهاجرٍ في رفعِ اليدينِ عندَ رؤيةِ البيتِ؛ لأن مهاجرًا عندهم مجهولٌ))، نقله عنه الحافظ في (التهذيب 10/ 322).
وقال أبو الحسن بن القطان: ((لا يُعْرَف حاله)) (الإكمال 11/ 380)،
بينما ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 428)، وقال ابنُ حَجرٍ:((مقبول)) (التقريب 6921).
قلنا: وقد توبع المهاجر على هذا الوجه، كما سيأتي قريبًا.
العلةُ الثانيةُ: أن المحفوظَ عنِ الزهريِّ في هذا الحديثِ روايته عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، مرفوعًا، به.
كذا رواه جماعة عنِ الزهريِّ به، وهم:
1 -
شعيب بن أبي حمزة، عند أحمدَ (27296)، والنسائيِّ في (الصغرى 169)، و (الكبرى 204)، وغيرهما.
2 -
يونس بن يزيد، عندَ ابنِ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 3227)، والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 342 - 343)، وغيرهما.
3 -
عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عند الطبرانيِّ في (الكبير 24/ رقم 492)، والدارقطنيِّ في (العلل 9/ 345).
4 -
عقيل بن خالد، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 344).
5 -
هبار بن عقيل، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 346)
(1)
.
(1)
وتصحف في (العلل) إلى (سيار بن عقيل)، والمثبت هو الصواب كما في كتب التراجم، وكذا استظهره محقق (العلل).
6 -
عبيد الله بن أبي زياد الرصافي، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 346).
7 -
عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عند الدارقطنيِّ في (العلل 9/ 347).
8 -
إسحاق بن راشد، عند ابنِ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 188).
ثمانيتهم رووه عنِ الزهريِّ به.
وبهذه العلة أعلَّهُ أبو حَاتمٍ، فقال: ((وإنما يرويه الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولو أن عروةَ سمعَ من عائشةَ لم يُدْخل بينهم
(1)
أحدًا. وهذا يدلُّ على وهنِ الحديثِ)) (العلل 1/ 508).
وقد أَعَلَّ مغلطاي رواية المهاجر بعلةٍ أُخرَى، وهي عدمُ سماع الزهريِّ له من عروةَ، بدلالة طريق يونس الآتي قريبًا (شرح ابن ماجه 1/ 562).
قلنا: ورُوِي عن يحيى عن المهاجر عنِ الزهريِّ مرسلًا.
الوجه الرابع: عن يحيى، عن المهاجر، عنِ الزهريِّ، مرسلًا، به.
رواه إسحاقُ بنُ راهويه (867) عن معاذِ بنِ هشامٍ، عن أبيه، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، أن المُهِاجِرَ بنَ عكرمةَ المَخْزُومِيَّ أخبرهُ، أن محمدَ بنَ مسلِمٍ الزُّهرِيَّ أخبرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعَادَ الوُضُوءَ فِي مَجْلِسِهِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ:((إِنِّي حَكَكْتُ ذَكَرِي)).
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 97) من طريق أبي معمر، قال: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير،
(1)
قال محققوا طبعة الدريس: ((كذا في جميع النسخ، وفي "تنقيح التحقيق":«بينهما أحدًا» ،
…
، والجادَّة: بينهما؛ لأنه المرادُ، وقد سبقَ الجوابُ عن مثل ذلك.
به، مرسلًا.
وذَكَر الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 326) أن هارون الحمال رواه عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه، به مرسلًا.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: جهالة المهاجر، كما تقدَّمَ.
الثانية: الإرسال؛ فالزهريُّ معدودٌ في التابعين، ومرسله من أضعفِ المراسيلِ، كما تقدَّمَ بيانُه مِرارًا.
وقد رُوي هذا المرسل عنه بإسقاط المهاجر كما في
الوجه الخامس: عن يحيى عنِ الزهريِّ مرسلًا، لم يذكر فيه المهاجر بن عكرمة.
رواه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 97) من طريق عبد الوهاب، قال: أخبرنا هشامٌ الدَّستُوَائِيُّ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عنِ الزهريِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعَادَ الوُضُوءَ فِي مَجْلِسِهِ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:((إِنِّي حَكَكْتُ ذَكَرِي)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، فيه علتان:
الأولى: لم يسمعه يحيى منَ الزُّهْريِّ، بينهما المهاجر، كما تقدَّم.
الثانية: الإرسال، كما تقدَّم.
وقد رُوِي هذا الحديثُ عن يحيى مرسلًا، لم يَذكر الزهري، كما في
الوجه السادس: عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا، به.
رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في (المصنف 417) -ومن طريقه الدارقطنيُّ في (العلل
8/ 98) -: عن معمرِ بنِ راشدٍ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ عَادَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ صَلَّيْتَ! فَقَالَ: ((أَجَلْ، وَلَكِنِّي مَسِسَتْ ذَكَرِي، فَنَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ)).
ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 898) من طريق مسلم بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي، عن يحيى، مرسلًا، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فإن يحيى بن أبي كثير من صغار التابعين، الذين لم يصح لهم سماع أحد من الصحابة؛ ولذا فإن مراسيله من أوهى المراسيل.
قلنا: فهذه الأوجه الستة مدارها على يحيى بن أبي كثير.
وثَم وجهٌ سابعٌ عليه، ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 9/ 326)، فقال:((وخالفه شعيب بن إِسحاق، رواه عن هشام، عن يحيى، عن المهاجر بن عكرمة؛ أن عبد الله بن أبي بكر حدَّثه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم).
وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ لجهالة المهاجر والإرسال.
وثَم وجهٌ ثامنٌ أيضًا على يحيى:
رواه إسحاقُ بنُ راهويه كما في (المطالب 2/ 387)، و (إتحاف الخيرة 598/ 2) -ومن طريقه البيهقيُّ في (معرفة السنن 1039) -: عن محمدِ بنِ بكرٍ البرسانيِّ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قال: وقال يحيى بنُ أبي كثيرٍ، عن رجُلٍ مِنَ الأنصارِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ثُمَّ عَادَ فِي مَجْلِسِهِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَعَادَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ:((إِنِّي كُنْتُ مَسِسْتُ ذَكَرِي، فَنَسِيتُ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فإن ابنَ جُريجٍ ويحيى كليهما يدلسان، ولم يصرحا بالتحديثِ.
وفيه أيضًا الإرسال، وكذا جهالة الرجل الأنصاري؛ فإن قوله:((عن رجل من الأنصار)) محتمل لأن يكون الرجل صحابيًّا أو تابعيًّا، وهذا أرجح فإن يحيى لم يَثبتْ عنه السماع من أحد من الصحابة. قال أبو حَاتمٍ وأبو زرعة والبخاريُّ
…
وغيرُهُم: ((لم يُدرِك أحدًا من الصحابة إلا أنس بن مالك، فإنه رآه رؤية ولم يسمع منه))، انظر (جامع التحصيل، ص 299).
قلنا: فهذه ثمانية أوجه على يحيى بن أبي كثير، وجميع رواتها عن يحيى ثقات، والذي نميلُ إليه هو اضطرابه فيه. والله أعلم.
وقد ذَكَر الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 94) الخلافَ على يحيى فيه، ولم يرجحْ.
الطريق الثاني: رواه العُقيليُّ في (الضعفاء 3/ 24)، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن عمر بن سعيد بن سُريج، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشة، به.
وكذا رواه البزارُ (18/ رقم 131)، وابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث 115)، والدارقطنيُّ في (العلل 8/ 96) من طريق ابن أبي حبيبة، به.
وهذا إسنادٌ واهٍ؛ فيه علتان:
الأولى: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة ((واهٍ))، وقال ابنُ حَجرٍ:((ضعيفٌ)) (التقريب 146).
الثانية: عمر بن سعيد بن سُريج، ويقال له:((عمر بن سعيد بن سَرْجَة))، وقد يُنسبُ إلى جَدِّه، فيقال:((عمر بن سُريج))، وكذا وقع عند البزار، وقال عقبه: ((وهذا الحديثُ لا نعلمُ أحدًا رواه عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن
عائشةَ رضي الله عنها إلا عمر بن سريج، وخالفَ أكثرَ أهل العلم في هذه الرواية، وعمر بن سريج هو عمر بن سعيد بن سريج)).
قلنا: يريد بقوله: ((خالف أكثر أهل العلم)) أنه خالف أصحاب الزهري في سنده؛ وذلك أن شعيب بن أبي حمزة ويونس وعقيلًا
…
وغيرهم- رووه عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بُسْرةَ، كما تقدم.
ولذا ترجم له العُقيليُّ فقال: ((في حديثِهِ خطأٌ واضطرابٌ)).
ثم روى له هذا الحديث، وأتبعه بذكر الخلاف فيه على الزهريِّ، وذَكَر من ذلك رواية:((يونس وعقيل وعبد الرحمن بن خالد بن سنان وشعيب بن أبي حمزة وعبد الرحمن بن نصر، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروان، عن بُسْرةَ)).
ثم قال: ((والصواب ما رواه يونس وعقيل ومَن تابعهما)) (الضعفاء 3/ 24 - 25).
وقال ابنُ حِبَّانَ: ((وهذا مقلوبٌ، ما لعائشةَ وذِكرها في هذا الخبر معنى، إنما عروة سمع الخبر من مروان ثم من شرطي له، ثم ذهب إلى بُسْرةَ فسمع منها)) (المجروحين 1/ 107).
وقال فيه الذهبيُّ: ((لَيِّنٌ، تَكلَّم فيه ابنُ حِبَّانَ وابنُ عَدِيٍّ. وقال ابنُ عَدِيٍّ: أحاديثُه عنِ الزهريِّ ليستْ مستقيمة))، وذَكَر الذهبيُّ حديثَه هذا ضمن مناكيره. (الميزان 3/ 200).
وقد أخرجه ابنُ راهويه (1716)، والطحاويُّ (1/ 74)، وأبو الشيخ في (جزء من أحاديثه عن شيوخه)، وأبو نعيم في (أخبار أصبهان 1/ 432، 2/ 260)
وأبو سعيد النقاش في (فوائد العراقيين 89) من طريق ابن أبي حبيبة
(1)
عن عمر
(2)
بن شريح، به.
كذا وقع عندهم: ((ابن شريح))، بالمعجمة، وهذا ترجمه الذهبيُّ في (الميزان 3/ 204) ونقلَ عن الأزديِّ أنه قال فيه:((لا يصحُّ حديثه))، وبهذا أعلَّهُ الهيثميُّ في (مجمع الزوائد 1/ 245)!
مع أن الذهبيَّ ناقل كلام الأزديِّ قد تعقبه، فقال:((هذا هو عمر بن سعيد بن سريج -بسين مهملة- كما تقدَّمَ، لا بشين معجمة، فنُسب إلى الجَدِّ)) (الميزان 3/ 204).
وقد نقله ابنُ حَجرٍ عن الطحاويِّ على الصواب: ((عمر بن سريج)) (الإتحاف 17/ 179).
وقد أعلَّهُ الطحاويُّ بعمر بن (سريج)، وأنه لا يُحتجُّ به.
وقد وقفنا له على متابعتين:
الأولى: أخرجها ابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 185) بإسنادِهِ عن الحسين بن الحسن الخياط، أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا مالك، عنِ
(1)
وقع في فوائد النقاش من رواية: ((إسماعيل بن أبي حبيبة))، وهو خطأ أو سقط، فهو عنده من رواية إسحاق الفَرْوي عنه، وقد رواه الطحاوي من طريق الفَرْوي عن إبراهيم، وهو المذكور في شيوخ الفروي، والحديث حديثه.
وعلى كلٍّ فأبوه ضعيف أيضًا.
(2)
تحرَّفَ عند ابن راهويه والطحاوي إلى: ((عمرو))، والمثبت الصواب كما في بقية المراجع، بل أعاده الطحاوي بعد أسطر على الصواب:((عمر))، وكذا نقله عنه ابن حجر على الصواب (الإتحاف 17/ 179).
ابنِ شِهابٍ، عن عُرْوةَ، عن عائشة
…
به.
ثم قال ابنُ عبدِ البرِّ -بعده-: ((هذا إسنادٌ منكرٌ عن مالكٍ، ليس يصحُّ عنه، وأظنُّ الحسين هذا وضعه أو وهم فيه. والله أعلم)).
وقال الحافظُ: ((قد ذكره الدارقطنيُّ في (غرائب مالك) فقال: ذَكَر عبد الله بن سليمان بن الأشعث، وهو أبو بكر بن أبي داود -قال: ولم أسمعه منه- عن الحسين
…
فساقَ هذا الحديثَ، وقال بعده: قال ابنُ أبي داود: كذا حدثنا به الحسين، وحدثنا به مرة أخرى على الصواب. قال: وإنما روى هذا الحديثَ إسماعيلُ بنُ أبي أويسٍ عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن عمر بن سريج، عنِ الزهريِّ. ومَن قال فيه:(عن مالك) فقد وهم؛ فتبين أن الحسينَ وَهِم فيه في بعض الأحيان. فأما إطلاق الوضع عليه فلا يليق)) (اللسان 3/ 154).
قلنا: ورواه أبو نعيم في (أخبار أصبهان 1/ 432، 2/ 260) من طريق علي بن جَبَلة. والدارقطنيُّ في (العلل 8/ 96) من طريق أحمد بن الوليد الكرابيسي، كلاهما عن ابن أبي أويس، حدثني إبراهيم بن أبي حبيبة الأشهلي، بالسند السابق.
وهو الصواب عن ابن أبي أويس.
المتابعة الثانية: أخرجها النسائيُّ في (الكنى) -كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 561) -: عن محمود بن خالد، ثنا الوليد، ثنا صدقة أبو معاوية، وحديثه (كذا) عن ابن وهب، عن سليمان بن موسى، عنِ ابنِ شِهابٍ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ، مرفوعًا بلفظ:((تَوَضَّئُوا مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
وأخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 96) عن ابن أبي داود، عن محمود بن
خالد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرنا صدقة أبو معاوية، قال: أخبرني أبو وُهيب، عن سليمان بن موسى، به.
فوقع عنده (أبو وهيب) بدل (ابن وهب). ويبدو أن كليهما خطأ، فلم نجدْ في تلاميذ سليمان بن موسى لا هذا ولا ذاك، وإنما في تلاميذه بلديه (أبو وهب الكلاعي).
وعلى كلٍّ، هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: صدقة أبو معاوية، وهو ابنُ عبد الله السمين، قال ابنُ حَجرٍ:((ضعيف)) (التقريب 2913).
وسليمان بن موسى هو الأشدق، مختلفٌ فيه، ولَخَّصَ حاله الحافظُ فقال:((صدوقٌ فقيهٌ، في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته بقليل)) (التقريب 2616).
والمحفوظُ عنِ الزهريِّ حديث بُسْرةَ.
الطريق الثالث: أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 99) قال: حدثنا الحسين بن الحسين الأنطاكي، قاضي الثغر، قال: حدثنا جامع بن سَوَادة أبو سليمان، بمصر، قال: حدثنا زياد بن يونس، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به.
وكذا رواه ابنُ شَاهينَ في (الناسخ 116) عن سعيد بن نَفِيس الصَّوَّاف، قال: حدثنا جامع بن سوادة، قال: حدثنا زياد بن يونس الحضرمي، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه جامع بن سوادة، قال عنه الدارقطنيُّ:((ضعيفٌ))، واتَّهمه الذهبيُّ، (اللسان 1752).
وجاء من طرقٍ أُخرَى عن هشامٍ:
الأول: أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 99) بإسنادِهِ، عن عبد الحميد بن
عبد الحليم الكُرَيْزي، قال: حدثنا عبد العزيز الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
…
به.
وعبدُ الحميدِ الكُرَيْزي قال فيه أبو حَاتمٍ: ((مجهولٌ، لا يُشتغلُ به)) (الجرح والتعديل 6/ 17).
الثاني: رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 3/ 550) قال: حدثنا الحسن، حدثنا مُسدَّد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به.
وهذه متابعةٌ واهيةٌ جدًّا؛ لأن شيخَ ابنِ عَدِيٍّ هو الحسن بن علي بن صالح العدوي، قال عنه ابنُ عَدِيٍّ:((يضعُ الحديثَ، ويسرقُ الحديثَ، ويلزقه على قومٍ آخرين، ويُحَدِّثُ عن قومٍ لا يُعْرَفون، وهو متهمٌ فيهم أن الله لم يخلقهم" (الكامل 3/ 548).
وقد رواه الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ عن يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي، عن بُسْرةَ بنت صفوان، به. وقد سَبَقَ.
ولذا قال ابنُ عَدِيٍّ -عقبه-: ((وهذا الحديثُ يرويه يحيى بن سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: حدثتني بُسْرةُ)) (الكامل 3/ 550).
وهناك طريقٌ أُخرى بلفظٍ آخر سيأتي.
الطريق الرابع: أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 100) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي أبو بكر، قال: حدثنا إبراهيم بن فهد
(1)
، قال: حدثنا أحمد بن شبيب، قال: حدثنا أبي، عن يونس، عنِ الزهريِّ، عن
(1)
تصحف في المطبوع إلى ((فهر)) والصواب ما أثبتناه كما في كتب التراجم.
عمرو بن شعيب، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ
…
به.
ورواه أبو الشيخِ في (الطبقات 3/ 601) -وعنه أبو نعيم في (أخبار أصبهان 1/ 465) -، والبيهقيُّ في (الخلافيات 548)، من طريقِ إبراهيمَ بنِ فهدٍ، به.
وهذا إسنادٌ واهٍ جدًّا؛ إبراهيم بن فهد بن حكيم البصري، قال فيه ابنُ عَدِيٍّ:((كان ابن صاعد إذا حدثنا عنه يقول: (إبراهيم بن حكيم) ينسبه إلى جَده لضعفه
…
وسائر أحاديث إبراهيم بن فهد مناكير، وهو مظلم الأمر)) (الكامل 2/ 37 - 38).
وقال أبو الشيخ: ((كان مشايخنا يُضَعِّفُوهُ، قال البرذعيُّ: ما رأيتُ أكذبَ منه)) (طبقات المحدثين بأصبهان 293).
والمحفوظ عنِ الزهريِّ حديث بُسْرةَ، والمحفوظ عن عمرو بن شعيب حديثه عن أبيه عن جَده.
وهذه الطرقُ كلُّها معلولةٌ، ولا ترتقي لأن يُعضِّد بعضها بعضًا، ومدارها على عروة، وقد قال أحمد:((لو كان عنده -يعني عروة- صحيحًا عن عائشةَ، لم يَحْتَجْ أن يجادل مروان، إنما الحديثُ حديث بُسْرةَ)) (شرح ابن ماجه 1/ 563).
وقد سَأَلَ الترمذيُّ البخاريَّ عن حديث عروة عن عائشة في الوضوء من مَسِّ الذَّكَرِ، فقال البخاريُّ:((ما يصنع بهذا؟ ! هذا لا يُشتغل به)) ولم يَعبأْ به. (علل الترمذي، صـ 49).
وقال ابنُ وضَّاحٍ: ((ليس بصحيح)) (الإعلام 1/ 563).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((وأما الذين رووا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الصحابة في مَسِّ
الذَّكَرِ؛ مثل رواية بُسْرةَ وأم حبيبة، فأبو هريرة، وعائشة، وجابر، وزيد بن خالد، ولكن الأسانيد عنهم معلولة)) (التمهيد 17/ 194).
قلنا: وقد رُوي الحديثُ من طرقٍ موقوفًا على عائشةَ، ولا تخلو أيضًا من ضَعْفٍ. والله أعلم.
رِوَايَةُ ((إِنِّي حَكَكْتُ ذَكَرِي)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعَادَ الوُضُوءَ فِي مَجْلِسٍ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:((إِنِّي حَكَكْتُ ذَكَرِي)).
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِمَّ تَوَضَّأْتَ؟ قَالَ:((إِنِّي حَكَكْتُ ذَكَرِي)) أَوْ: ((أَفْضَيْتُ بِيَدِي إِلَى ذَكَرِي)).
[الحكم]:
منكرٌ، وإسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ. وأعلَّهُ: أبو حَاتمٍ، والبخاريُّ، والدارقطنيُّ، وابنُ شَاهينَ. وحَكَم عليه الألبانيُّ بالنكارةِ.
[التخريج]:
[علقط (8/ 96، 97) / ناسخ 117 (واللفظ له) / شاهين (أفراد 39) / هقخ 546، 547/ بحير (ق 12/أ) / مديني (لطائف 119، 279 - والرواية له)].
[السند]:
أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 96) -ومن طريقه أبو موسى المدينيُّ في (اللطائف 119) -، وابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث)، و (الأفراد) قالا
-والسياق لابنِ شَاهينَ-: حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، قال: حدثنا علي بن سعيد بن جرير بن النعمان النسائي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا أبي، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن المهاجر بن عكرمة، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ، به.
وأخرجه البيهقيُّ في (الخلافيات) من طريق عبد الله بن محمد بن زياد، به.
وأخرجه أبو عثمان البحيري في (فوائده)، وأبو موسى المدينيُّ في (اللطائف 279) من طرقٍ عن عبد الصمد بن عبد الوارث، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لأجل المهاجر بن عكرمة، وقد سَبَقَ ما فيه قريبًا.
والحديثُ ذكره ابنُ أبي حَاتمٍ في (العلل 74) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث بإسنادِهِ، لكن بلفظ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
ثم نَقَل عن أبيه أنه قال: ((هذا حديثٌ ضعيفٌ، لم يسمعْه يحيى منَ الزُّهْريِّ، وأَدْخَل بينهما رجلًا ليس بالمشهور، ولا أعلمُ أحدًا روى عنه إلا يحيى. وإنما يرويه الزهري، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عُرْوةَ، عن مروانَ، عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ولو أن عروة سمع من عائشة لم يُدخل بينهم أحدًا، وهذا يدلُّ على وهنِ الحديثِ)).
ولما سُئِلَ البخاريُّ عن حديث عروة عن عائشة قال: ((ما يصنع بهذا؟ هذا لا يُشتغل به)) ولم يَعبأ به. (العلل الكبير للترمذي، صـ 48، 49).
وقد اختُلف فيه على عبد الصمد:
فرُوي عنه كما سَبَقَ. ورواه عنه هارون الحمال مرسلًا، ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 94).
وكذا رواه مرسلًا أبو معمر عن عبد الوارث.
رواه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 97) فقال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد، قال: حدثنا أحمد بن يوسف السُّلَمي، قال: حدثنا أبو معمر، قال: حدثنا عبد الوارث، عن حسين، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني مهاجر بن عكرمة، أن محمد بن مسلم بن شهاب حدثه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعاد الوضوء
…
به مرسلًا.
لذلك قال ابنُ شَاهينَ -عقب الرواية المتصلة-: ((وهذا حديثٌ غريبٌ، لا أعلمُ جَوَّدَهُ إلا عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه. وأما أبو معمر عن عبد الوارث فلم يجاوز به الزهري فيما وقع إليَّ)) (الأفراد، صـ 238).
وقال أبو موسى المدينيُّ: ((كذا رواه عبد الصمد عن أبيه. وأرسله أبو معمر، عن عبد الوارث فقال: عنِ الزهريِّ: أن النبي صلى الله عليه وسلم
…
)) (اللطائف، صـ 204/ عقب رقم 119).
قلنا: وتوبع حسين على هذا الوجه:
فرواه إسحاق بن راهويه (867) قال: أخبرنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي، حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، أن المهاجر بن عكرمة المخزومي أخبره أن محمد بن مسلم الزهري أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
به.
وتابع معاذًا عبدُ الوهابِ الخَفَّافُ، فرواه عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عنِ الزهريِّ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم
…
به، ولكن أسقط منه المهاجر.
وكلُّ هذه الأوجه وغيرُهُا اضطربَ فيها يحيى اضطرابًا كبيرًا، وقد توسع الدارقطنيُّ في ذكرها، فانظرها في (العلل 8/ 94 - 98).
وأشار أبو موسى المديني لذلك فقال: ((واختُلف على يحيى في إسنادِهِ: فرواه هشام الدستوائي، عن يحيى، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ. ورواه أيوب بن عتبة، عن يحيى، عن نافع، عن عن ابن عمر
…
في غير ذلك من الاختلاف)) (اللطائف، صـ 204).
وقال الألبانيُّ عن هذا اللفظ: ((منكرٌ)) (الضعيفة 6206).
رِوَايَةُ ((وَيْلٌ لِلذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ)):
وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ)).
قَالَتْ [لَهُ] عَائِشَةُ: بِأَبِي [أَنْتَ] وَأُمِّي، هَذَا لِلرِّجَالِ، أَفَرَأَيْتَ النِّسَاءَ؟ قَالَ:((إِذَا مَسَّتْ إِحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا، فَلْتَتَوَضَّأْ لِلصَّلَاةِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا بهذا اللفظِ.
وضَعَّفَهُ: ابنُ حِبَّانَ، والدارقطنيُّ، والحاكمُ، والغسانيُّ، وابنُ الجوزيِّ، والضياءُ المقدسيُّ، والنوويُّ، وابنُ دَقِيقٍ، والذهبيُّ، والزيلعيُّ، وابنُ حَجرٍ، والعينيُّ، والشوكانيُّ، واللكنوي، والعظيم آبادي.
[التخريج]:
[مجر (2/ 18) (والزيادتان له) / قط 535 (واللفظ له) / تحقيق 179].
[السند]:
أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن) -ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق) - قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد، نا حمزة بن العباس المروزي (ح) وحدثنا الحسين بن إسماعيل، نا يحيى بن مُعَلَّى بن منصور، قالا: نا عَتيق بن يعقوب، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العُمَري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به.
ورواه ابنُ حِبَّانَ في (المجروحين) من طريق أحمد بن الوليد الكَرْخي قال: حدثنا عَتيق بن يعقوب، به.
[التحقيق]:
وهذا إسنادٌ واهٍ جدًّا؛ فيه: عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العُمَري، ((متروك)) كما في (التقريب 3922).
وبه أعلَّهُ ابنُ حِبَّانَ، فذَكَره في ترجمة عبد الرحمن العمري هذا، وقال فيه:((كان ممن يَروي عن عمِّه ما ليس من حديثِهِ، وذاك أنه كان يَهِم، فيقلب الإسناد ويلزقُ المتنَ بالمتنِ، يفحش ذلك في روايته، فاستحق الترك)) (المجروحين 2/ 17 - 18).
وقال الدارقطنيُّ -عقبه-: ((عبد الرحمن العمري ضعيف)).
وأقرَّهُ الضياءُ المقدسيُّ في (السنن والأحكام 1/ 147)، وابنُ دقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 325).
ولكن عبارةُ الغسانيِّ في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني، صـ 45): ((عبد الرحمن العمري ضعيفٌ متروكٌ)).
فلعلَّ كلمةَ ((متروك)) سقطتْ من مطبوعةِ الدارقطنيِّ؛ فإن الغسانيَّ غالبًا ما يَنقلُ كلامَه بنصه.
ويؤكدُ ذلك وروده كذلك في رسالة (مَن تَكلم فيه الدارقطنيُّ في كتاب السنن 206)، وكذا في (سؤالات السُّلَمي 262).
وقال ابنُ الجوزيِّ: ((فيه عبد الرحمن العمري، قال أحمد: ليس يساوي حديثه شيئًا، حذفناه، كان كذَّابًا. وقال: يحيى: ليسَ بشيءٍ. وقال أبو حَاتمٍ الرازيُّ: متروكُ الحديثِ، كان يكذبُ. وقال النسائيُّ وأبو زرعة والدارقطنيُّ: متروك)) (التحقيق 1/ 181).
وبنحوه قال الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 60)، والعينيُّ في (شرح أبي داود
1/ 422).
ولما ذكره الذهبيُّ في (التنقيح 1/ 61) أشارَ إلى وهائه بقوله في عبد الرحمن العمري: ((تركوه)).
وضَعَّفَهُ ابنُ المُلقِّنِ، فقال: ((هذا الحديثُ ضعيفٌ
…
وقد صَحَّ هذا من قولها، قال الحاكمُ في (مستدركه): صحتِ الروايةُ عن عائشةَ بنتِ الصِّديقِ أنها قالتْ: ((إِذَا مَسَّتِ المَرْأَةُ فَرْجَهَا تَوَضَّأَتْ)) (البدر المنير 2/ 475).
فتبين من ذلك أن الذي صَحَّ من قولها الفقرةُ الأخيرةُ من الحديثِ المتعلقةُ بالمرأةِ، وهو ما عَنَاه ابنُ المُلقِّنِ. وقد رُويتْ هذه الفقرة من طريق الدراوردي وعبد الله العمري - المُكَبَّر- وغيرهما، عن عبيد الله بن عمر-المُصَغَّر- عن القاسم، عن عائشة، موقوفًا.
والحديثُ عزاه الحافظُ للدارقطنيِّ، وقال:((وضَعَّفَهُ بعبد الرحمن بن عبد الله العمري، وكذا ضَعَّفَهُ ابنُ حِبَّانَ به. وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، وقد تقدم)) (التلخيص الحبير 1/ 220، 126).
والحديثُ ضَعَّفَهُ: النوويُّ في (الخلاصة 1/ 138/ 284)، وفي (المجموع 2/ 35)، والشوكانيُّ في (نيل الأوطار 1/ 250)، واللكنويُّ في (التعليق المُمجَّد 1/ 312)، والعظيم آبادي في (عون المعبود 1/ 213).
2314 -
حَدِيثُ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا بِقِصَّةِ بُسْرةَ:
◼ عَنِ ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَل عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، وَعِنْدَهَا بُسْرةُ بِنْتُ صَفْوَانَ، فَقَالَتْ بُسْرةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا تَضْرِبُ بِيَدِهَا عَلَى فَرْجِهَا؟ فَقَالَ:((تَوَضَّئِي يَا بُسْرةُ))، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَضَحْتِ النِّسَاءَ! ! فَقَالَ: ((دَعِيهَا تَسْأَلُ عَمَّا بَدَا لَهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[علقط (9/ 356)].
[السند]:
أخرجه الدارقطنيُّ في (العلل) قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا موسى بن داود، عن عبد الله بن المؤمل، عن ابن أبي مُليكة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: ضعف ابن المؤمل؛ قال ابنُ حَجرٍ: ((ضعيفُ الحديثِ)) (التقريب 3648).
وقد اختُلف عليه في سندِهِ، كما سَبَقَ ذكره ضمن روايات حديث بُسْرةَ وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
العلةُ الثانيةُ: الإرسال؛ عبد الله بن أبي مُليكة من الوسطى من التابعين، ليس له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم.
2315 -
حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ:
◼ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (ذَكَرَهُ) فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ مختلفٌ فيه:
فصَحَّحَهُ: الإمامُ أحمدُ -وتبعه الخَلَّالُ-، وأبو زرعة الرازيُّ -في أحد قوليه-، والحاكمُ، وابنُ عبدِ البرِّ، والنوويُّ، ومغلطاي، وأحمد شاكر، والألبانيُّ.
وأعلَّهُ بالانقطاع: أبو مُسْهِرٍ، والبخاريُّ، وأبو حَاتمٍ، وأبو زرعةَ -في أحد قوليه- والطحاويُّ، والخليليُّ، والذهبيُّ، والبوصيريُّ، والزيلعيُّ. ولذا ضَعَّفَهُ ابنُ وضَّاحٍ.
وعن ابنِ مَعِينٍ فيه قولان.
[التخريج]:
[جه 484 (واللفظ له) / ش 1736/ عل 7144/ طب (23/ 234، 235/ 447، 450، 451) (والرواية له ولغيره) / طس 3084/ طش 1516، 3632/ حق 2070/ لا 2099/ طح (1/ 75) / معقر 1060/ تمام 1257/ بشن 1433/ هق 631/ هقخ 552/ خط (12/ 351 - 352) / ناسخ 119/ علت 54/ فاصل (1/ 444) / استذ (3/ 30) / تمهيد (17/ 191) / محمش 17/ كر (33/ 424، 430) / تحقيق 180/ تذ (2/ 111) / نبلا (12/ 387)].
[السند]:
أخرجه ابنُ أبي شيبة -وعنه ابن ماجه- قال: حدثنا مُعَلَّى بن منصور،
قال: حدثنا الهيثم بن حُميد، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة، به.
وأخرجه ابنُ ماجه أيضًا: من طريق مَرْوان بن محمد قال: حدثنا الهيثم بن حُميد، به.
ورواه الترمذيُّ في (العلل الكبير) وأبو يعلى وغيرُهُما، من طريق أبي مسهر، عن الهيثم بن حميد، به.
ورواه الطحاويُّ والطبرانيُّ من طريقِ عبد الله بن يوسف قال: نا الهيثم بن حميد، به.
قال الطبرانيُّ: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن مكحول إلا العلاء بن الحارث، ولا يُروى عن أم حبيبة إلا بهذا الإسنادِ)) (الأوسط 3084).
فمداره عندهم جميعًا على الهيثم بن حميد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله ثقات:
* الهيثم بن حميد: وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ ودُحَيْمٌ وغيرُهُما. وقال أبو زرعةَ: ((أعلم أهل دمشق بحديث مكحول وأجمعه لأصحابه- الهيثم بن حميد ويحيى بن حمزة)) (تهذيب الكمال 30/ 372).
* والعلاء بن الحارث من رجال مسلم، ووَثَّقَهُ الأئمةُ. وقال دُحَيْمٌ:((كان مُقَدَّمًا على أصحاب مكحول)) (تهذيب الكمال 22/ 480).
* ومكحول هو أبو عبد الله، إمامُ أهلِ الشامِ وفقيهها، من رجال مسلم أيضًا، وفي سماعه من عنبسة خلاف سيأتي بيانه. وانظر التنبيه المذكور في
نهاية التحقيق.
* وعنبسة بن أبي سفيان من رجال مسلم أيضًا، وهو أخو أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها.
فالإسناد ظاهره الصحة، وقد نُقِلَ عن جماعة من النقاد تصحيحه، منهم:
- الإمامُ أحمدُ؛ قال الحافظ ابن حجر: ((وقال الخلَّالُ في العللِ: صحَّحَ أحمدُ حديثَ أم حبيبة)) (التلخيص 1/ 217)، و (البدر 2/ 464).
وقال علي بن سعيد: ((سألتُ أبا عبد الله عمَّا يُروى في مَسِّ الذَّكَرِ، أيها أصح عندك؟ قال: حديث أم حبيبة)).
وقال أبو طالب: ((قلتُ لأحمدَ: حديث أم حبيبة أصحها؟ قال: نعم، هو أصحها)) (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 548).
وقال أبو زرعة الدمشقي: ((كان أحمد بن حنبل يعجبه حديث أم حبيبة في مَسِّ الذَّكَرِ، ويقول: هو حسن الإسناد)) (التمهيد 17/ 191)، ونقل ابنُ عبد البر عن أحمد قوله:((في مَسِّ الذَّكَرِ حديث حسن ثابت، وهو حديث أم حبيبة)) (التمهيد 17/ 191).
ونُقِل عنه خلاف ذلك، ولا يَثبتُ كما سنذكره في التنبيهات، وانظر ما يلي.
- الإمامُ ابنُ مَعِينٍ؛ قال ابنُ عبدِ البرِّ: ((كان أحمد بن حنبل يذهبُ إلى إيجابِ الوضوء من مس الذَّكَرِ؛ لحديث بُسْرةَ وحديث أم حبيبة. وكذلك كان يحيى بنُ مَعِينٍ يقول. والحديثان جميعًا عندهما صحيحان، فهذان إماما أهل الحديث يصححان الحديث في مَسِّ الذَّكَرِ)) (التمهيد 17/ 192).
والظاهرُ أنه اعتمد في نسبة ذلك إلى ابنِ مَعِينٍ على ما رواه من طريق محمد بن زكريا المقدسي، عن مُضَر بن محمد، أنه قال لابنِ مَعِينٍ بشأن أحاديث مَسِّ الذَّكَرِ: ((إن أبا عبد الله، أحمد بن حنبل يقول: أصح حديث فيه حديث الهيثم بن حميد عن العلاء عن مكحول عن عنبسة عن أم حبيبة
…
)) (التمهيد 17/ 193).
ولكن ابن زكريا المقدسي هذا لم نجدْ لَهُ ترجمةً.
وقد رُويت عن مُضَر من وجهٍ آخرَ، فيه مخالفة لسياقة المقدسي هذا، وسيأتي التنبيه عليها قريبًا.
- أبو زرعة الرازيُّ؛ فقد نَقَل الترمذيُّ عنه أنه قال: ((حديثُ أمِّ حبيبةَ في هذا البابِ صحيح، وهو حديث العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة)) (جامع الترمذي 1/ 328).
وقال الترمذيُّ أيضًا: ((سألتُ أبا زرعة عن حديث أم حبيبة فاستحسنه، ورأيته كأنه يَعُده محفوظًا)) (العلل الكبير، صـ 49).
ولذا قال ابنُ حَجرٍ: ((وأما حديث أم حبيبة فصَحَّحَهُ أبو زرعة)) (التلخيص 1/ 217).
ورَوَى ابنُ أبي حَاتمٍ عن أبي زرعةَ خلافَ ذلك كما سيأتي.
- الحاكم؛ حيثُ قال: ((هذا حديثٌ حَدَّثَ به أحمدُ بنُ حنبلٍ، وإسحاقُ بنُ راهويه، ويحيى بنُ مَعِينٍ، وأئمةُ الحديثِ، عن أبي مسهر. وكان يحيى بنُ مَعِينٍ يُثبتُ سماعَ مكحولٍ من عنبسةَ، فإذا ثَبَتَ سماعه منه فهو أصحُّ حديثٍ في الباب)) (الخلافيات 2/ 275/ 553).
ولذا قال ابنُ حَجرٍ: ((صَحَّحَهُ الحاكمُ)) (التلخيص 1/ 217 بتصرف).
* ومع هذا، فقد أُعِلَّ إسنادُ هذا الحديثِ بالانقطاعِ:
فقال ابنُ مَعِينٍ: ((قال أبو مسهر: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، ولا أدري أدركه أم لا)) (تاريخ ابن مَعِينٍ، رواية الدوري 5186)، ورواه الطحاويُّ عن أبي مسهر واعتمده (شرح معاني الآثار 1/ 75).
وقال هشامُ بنُ عمارٍ: ((لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان)) (المراسيل 790).
وقال البخاريُّ: ((مكحول لم يسمع من عنبسة)) (علل الترمذي، صـ 49).
وقال النسائيُّ: ((مكحول لم يسمع من عنبسة شيئًا)) (السنن الصغرى 3/ 522).
وكذا قال أبو حَاتمٍ وأبو زرعةَ وغيرُهُما، وأعلوا الحديث بالانقطاع، وهاك أقوال من أعلَّوه بذلك:
- الإمامُ ابنُ مَعِينٍ -وفي ثبوته عنه نظر-، رواه علي بن عبد الله بن الفضل البغدادي، ثنا إبراهيم بن محمد بن خالد الحربي، ثنا مُضَر بن محمد قال:((سألتُ يحيى بنَ مَعِينٍ عن مَسِّ الذَّكَرِ، أيُّ شيءٍ أصح فيه من الحديث؟ )) وفيه: ((قلتُ: فإن الإمامَ أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: ((أصح حديث فيه حديث العلاء، عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة))؟ قال: هذا أضعفها. قلت: وكيف؟ ! قال: مكحول لم يسمع من عنبسة شيئًا)). قال ابنُ دَقيقٍ: ((نقلته من الجزء الثاني من منتقى أبي الحسن الدارقطني على ابن الفضل، وعليه سماع إبراهيم بن سعيد الحبال الحافظ)) (الإمام 2/ 303).
قلنا: وإبراهيم بن محمد الحربي هذا لم نجدْ لَهُ ترجمةً. وقد سَبَقَتْ هذه
الحكاية عن مضر من وجهٍ آخرَ بخلاف هذا، وراويها أيضًا لم نجدْ مَن ترجمه!
وقد ذَكَر ابنُ عبدِ الهادِي نحو هذه القصة من وجهٍ آخرَ، ثم قال:((وقد رُوِي نحو هذا عن يحيى من وجهٍ آخرَ، وفي صحته نظر)) (التنقيح 1/ 271).
فالظاهرُ أنه يشيرُ إلى هذا الوجهِ، فأما الوجهُ الذي ذكره هو فسيأتي عن ابنِ الجوزيِّ أنه نفى ثبوته، وأن ابنَ حَجرٍ أقرَّهُ عليه.
- الإمامُ البخاريُّ، نَقَل عنه الترمذيُّ أنه قال:((لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، وروى مكحول عن رجل عن عنبسة غير هذا الحديث)).
قال الترمذيُّ: ((وكأنه لم يَرَ هذا الحديثَ صحيحًا)) (جامع الترمذي 1/ 130).
وقال أيضًا: ((وسألتُ محمدًا عن هذا الحديثِ فقال: مكحول لم يسمع من عنبسة، روى عن رجل، عن عنبسة، عن أم حبيبة: ((مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً)) (علل الترمذي 1/ 49).
وأقرَّهُ ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق 1/ 181)، وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 265)، وابنُ العربي في (العارضة 1/ 117) وابنُ التركماني في (الجوهر النقي 1/ 129).
- أبو حَاتمٍ الرازيُّ، قال:((روى ابن لهيعة في هذا الحديثِ مما يوهن الحديث، أي: تدل روايته أن مكحولًا قد أدخل بينه وبين عنبسة رجلًا)) (العلل لابن أبي حَاتمٍ 1/ 521 - 522).
وأقرَّهُ ابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 270).
وحديثُ ابنِ لهيعةَ المذكور في كلامه هو نفس الحديث الذي استَدل به البخاريُّ على قوله آنفًا.
فقد قال ابنُ أبي حَاتمٍ: ((وسألتُ أبي عن حديث رواه النعمان بن المنذر، عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ حَافَظَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ))؟ فقال أبي: لهذا الحديثِ علةٌ؛ رواه ابنُ لهيعة، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن مولى لعنبسة بن أبي سفيان، عن عنبسة، عن أم حبيبة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قال أبي: هذا دليلٌ أن مكحولًا لم يَلْقَ عنبسةَ، وقد أفسده روايةُ ابن لهيعة). قلتُ لأبي: لِمَ حكمتَ برواية ابن لهيعة، وقد عَرَفتَ ابنَ لهيعة وكثرةَ أوهامِه؟ ! قال أبي: في رواية ابن لهيعة زيادةُ رجل، ولو كان نقصان رجل، كان أسهل على ابن لهيعة حفظه)) (العلل 2/ 425/ س 488).
- أبو زرعة الرازيُّ، فقد قال ابنُ أبي حَاتمٍ:((سُئِلَ أبو زرعة عن حديث أم حبيبة في مَسِّ الفَرْجِ، فقال: مكحول لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئًا)) (المراسيل 1/ 212).
وهذا خلاف ما نقله عنه الترمذي آنفًا! !
قال مغلطاي: ((وأما قول أبي زرعة إن حُمِل على التناقض، فيكون ظهر له أحد القولين بعد الآخر. وإن حُمِل على أنه عنده صحيح محفوظ مع انقطاعه، فقد يتأتى ذلك في كلامهم لكن بضميمة أخرى مشعرة بالمقصود. وكذا ما حُكي عن ابنِ مَعِينٍ)) (شرح ابن ماجه 1/ 550).
- الطحاويُّ؛ حيث قال -عقبه-: ((حديثٌ منقطعٌ؛ لأن مكحولًا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان شيئًا)) (شرح معاني الآثار 1/ 75).
- ابنُ السَّكَنِ، ولكنه مَرَّضه، فقال:((لا أعلمُ في حديث أم حبيبة علة، إلا أنه قيل: إن مكحولًا لم يسمعه من عنبسة)) (التمهيد 17/ 193)، و (شرح ابن ماجه 1/ 240)، و (التلخيص 1/ 217).
- الخليليُّ، لكنه مَرَّضه أيضًا، فقال:((يقال: إن عنبسة لم يسمعه من أم حبيبة)) (الإرشاد 2/ 466).
- الذهبيُّ؛ حيثُ قال -عقبه-: ((الهيثمُ حافظٌ له مناكير، ومكحول عن عنبسة منقطع)) (التنقيح 1/ 61).
- البوصيريُّ؛ حيث قال: ((هذا إسنادٌ فيه مقال؛ مكحول الدمشقي مدلسٌ، وقد رواه بالعنعنة، فوجبَ ترك حديثه، لا سيما وقد قال البخاريُّ، وأبو زرعةَ، وهشامُ بنُ عمارٍ، وأبو مسهرٍ، وغيرُهُم: إنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان. فالإسنادُ منقطعٌ)) (مصباح الزجاجة 1/ 69).
وأقرَّهُ السنديُّ في (الحاشية 1/ 177).
وخالف في ذلك أئمة آخرون، فأثبتوا سماع مكحول من عنبسة، ومنهم:
* الحافظ دُحَيْم، وهو أعرف الناس بحديث الشاميين كما في (التلخيص 1/ 124).
* وأقرَّ سماعه منه مَرْوان بن محمد الطاطَري؛ قال محمد بن زرعة الرُّعَيْني: ((سألتُ مروانَ بنَ محمدٍ عن مكحولٍ، سمع من عنبسة بن أبي سفيان؟ فلم ينكر ذلك)) (تاريخ أبي زرعة 1/ 238)، و (المحدث الفاصل 1/ 444).
* وأثبته أيضًا ابنُ مَعِينٍ فيما نقله عنه الحاكمُ كما سَبَقَ. وانظر (البدر المنير 2/ 464).
* وتصحيح أحمد لحديثه هذا يقتضي أنه سمع منه.
ولذا قال الخَلَّالُ: ((ولو لم يكن عند أبي عبد الله أن مكحولًا سمع من عنبسة، لم تتواتر عنه الرواية بتصحيح حديث أم حبيبة)) (شرح ابن ماجه 1/ 549).
* وصَحَّحَ ابنُ عبدِ البرِّ ثبوتَ السماعِ، فقال:((قد صَحَّ عند أهل العلم سماع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان، ذَكَر ذلك دُحَيْم وغيرُهُ)) (التمهيد 17/ 194).
وتقدَّمَ نقله تصحيح أحمد وابن مَعِينٍ للحديث، وإقراره لهما.
*وقال النوويُّ في ترجمته: ((سمع جماعات من التابعين
…
)) وذَكَر منهم عنبسة بن أبي سفيان (تهذيب الأسماء واللغات 2/ 113).
وقد ذكره النوويُّ في قسم الصحيح من أحاديث الباب (خلاصة الأحكام 268).
*ورجَّحَ صحته مغلطاي فقال: ((والذي يترجَّحُ من هذه الأقوال قول أحمد ومَن تابعه؛ وذلك أن المُضَعَّف إنما ضَعَّفُوهُ بسبب الانقطاع، وقد بينا قول من أثبت سماع مكحول من عنبسة، والمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ على النافي" (شرح ابن ماجه 1/ 550).
* والظاهر من كلام الحافظ ميله إلى القول بالتصحيح؛ حيث قال: ((أما حديث أم حبيبة فصَحَّحَهُ أبو زرعةَ والحاكمُ، وأعلَّهُ البخاريُّ بأن مكحولًا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان. وكذا قال يحيى بنُ مَعِينٍ، وأبو زرعة، وأبو حَاتمٍ، والنسائيُّ: إنه لم يسمعْ منه. وخالفهم دحيمٌ وهو أعرف بحديث الشاميين، فأَثْبَتَ سماعَ مكحول من عنبسةَ. وقال الخَلَّالُ في (العلل): صَحَّحَ أحمدُ
حديثَ أم حبيبة)) (التلخيص 1/ 217).
وظاهر كلامه في (الدراية 1/ 38) على العكس من ذلك!!
* وقال الألبانيُّ: ((الحديثُ صحيحٌ على كلِّ حالٍ؛ لأنه إن لم يصح بهذا السند فهو شاهد جيد لما ورد في الباب من الأحاديث)) (إرواء الغليل 1/ 151).
وكذا صَحَّحَهُ أحمد شاكر في تعليقه على (جامع الترمذي 1/ 130/ الحاشية 4).
وانظر في الكلام على هذا الحديثِ رسالة (الحديث الحسن) للدكتور خالد الدريس (1/ 182)، فله عليه كلام بديع ممتع.
هذا، وقد ذَكَر البخاريُّ لهذا الحديثِ علةً أُخرَى، فقال:((وروى الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مَسِّ الذَّكَرِ، ويرونه وهمًا؛ لأن النعمان بن المنذر قال: عن مكحول أن ابن عمر -مرسل- كان يتوضَّأ منه)) (التاريخ الكبير 7/ 36 - 38).
[تنبيهات]:
الأول: أخطأَ الزيلعيُّ على الترمذيِّ، فزعمَ أنه قال:((قال محمد: أصحُّ شيءٍ سمعتُ في هذا البابِ حديث العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة)) (نصب الراية 1/ 57).
وكذا نقله العينيُّ في (شرح أبي داود 1/ 420)، والظاهرُ أنه أخذه عن الزيلعيِّ.
والصواب أن الترمذي نقل عن البخاري تضعيفه كما تقدم، وليس العكس.
الثاني: ورد عن ابنِ مَعِينٍ تضعيف حديث مَسِّ الذَّكَرِ مطلقًا. فقال ابنُ عبدِ الهادِي: ((وروى أبو بكر الرازيُّ، عن أبي الحسن الكَرْخي، عن أبي عون الفرائضي قال: سمعتُ عباسًا الدوريَّ قال: سمعتُ يحيى بنَ مَعِينٍ يقول: ثلاثة أحاديث لا تصح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم
…
((وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)))) (التنقيح 1/ 270).
قلنا: ذَكَره ابنُ الجوزيِّ مختصرًا، ثم قال:((إن هذا لا يَثبتُ عن ابنِ مَعِينٍ، وقد كان من مذهبه انتقاض الوضوء بمسه)) (التحقيق 1/ 182). وأقرَّهُ ابنُ حَجرٍ في (التلخيص 1/ 215).
وقال ابنُ عبدِ الهادِي: ((وقد رُوِي نحو هذا عن يحيى من وجهٍ آخرَ، وفي صحته نظر)) (التنقيح 1/ 271).
وقد تقدم بيان هذا في حديث بسرة.
الثالث: قال أبو زيد الدبوسي في كتاب (الأسرار): ((كان أحمد يقول بصحة هذا الحديث، ثم وجده مرسلًا؛ لأن مكحولًا لم يَلْقَ عنبسة))، نَقَله مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 550)، ثم ردَّهُ بأن قال:((ذلك قولٌ شَاذٌّ، لم يروه أحدٌ من أصحابه عنه فيما رأينا))، وأيضًا ((فليس فيه تصريح برجوعه عن قوله)) (شرح ابن ماجه 1/ 550).
الرابع: من المعلوم أن مكحولًا كان كثير الإرسال، يَروي عن جماعة من الصحابة وغيرهم ولم يَلْقَهم، ولا يُعْرَف مكحول بتدليس إلا ما ذكره ابن حِبَّانَ في (الثقات) بقوله:((ربما دلَّسَ)).
وذكره العلائيُّ في (فصل المدلسين)، فقال:((مكحول الدمشقي ذكره الحافظ الذهبيُّ بالتدليس، وهو مشهور بالإرسال عن جماعة لم يلقهم)) (جامع التحصيل صـ 110 - رقم 53).
قلنا: وهذا لا يوجد في كلام أحد من النقاد المتقدمين فلعلَّ ابنَ حِبَّانَ عَنى به إرساله عمن لم يلقه، كما هو معروف في اصطلاحاته.
وقال ابنُ حَجرٍ: ((أطلق الذهبيُّ أنه كان يدلس، ولم أره للمتقدمين إلا في قول ابنِ حِبَّانَ! ! )) (طبقات المدلسين 108).
وقال سبط ابنُ العجمي: ((مكحول الدمشقي ذكره ابنُ حِبَّانَ في ثقاته، ولفظه: ((ربما دَلَّسَ))، وهو مشهورٌ بالإرسالِ عن جماعةٍ لم يلقهم)) (التبيين 1/ 56).
فكأنَّ هولاء الأعلام لم يُقِروا القول بتدليسه، ولعلَّه لذلك لم يصفه الحافظ بالتدليس في (التقريب 6875).
وموقف الأئمة من هذا الحديثِ يدل على ذلك، فإن محط الخلاف بينهم هو: هل ثبت سماع مكحول من عنبسة أم لا؟
فمَن قال به صحح الحديث رغم كونه بالعنعنة!
ومَن قال بعدم السماع أعلَّ الحديثَ به، ولم يعتل واحد منهم بتدليس أو عنعنة، فتنبه.
فالذي نراه -والعلم عند الله- أن مكحولًا لا يصحُّ وصفه بالتدليس الذي مقتضاه البحث عن ذكر السماع في كلِّ خَبرٍ يرويه، بل إذا ثبت سماعه من شيخه بنصِّ إمامٍ أو بتصريحٍ صَحَّ عنه في أية حديث أو خبر؛ قُبلتْ روايته عنه ولو بالعنعنة، ولا يُتوقف إلا فيما ثبت فيه عدم لقائه لهذا الشيخ أو عدم
سماعه منه.
وبهذا يُعْلَم الجواب عن إشارةِ البوصيريِّ إلى تدليسه كسبب يُعَلُّ به هذا الحديثُ. والله الموفق.
2316 -
حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ:
◼ عَنْ قَيْسِ بنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ (فَرْجَهُ) فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ منكرٌ من هذا الوجهِ.
[التخريج]:
[طب (8/ 401 - 402/ 8252) / صحا 3970/ عتب (صـ 46 - والرواية له)].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) -ومن طريقه أبو نعيم في (المعرفة)، والحازميُّ في (الناسخ والمنسوخ) - قال: حدثنا الحسن بن علي الفسوي، حدثنا حماد بن محمد، حدثنا أيوب بن عتبة، عن قيس بن طَلْق، عن أبيه، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيف؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
العلةُ الأُولى: ضَعْفُ أيوب بن عتبة؛ قال ابنُ حَجرٍ: ((ضعيف)) (التقريب 619).
لاسيما حديثه في العراق، حيث لم تكن معه كتبه، فكان يُحَدِّثُ من حفظه على التوهم فيغلط، كما قال أبو حَاتمٍ، وأبو زرعةَ، وغيرُهُما منَ الأَئمةِ. انظر (تهذيب التهذيب 1/ 408 - 409).
قلنا: والراوي عنه حماد بن محمد الفَزَاري: كوفي سكن بغداد، كما في
(تاريخ بغداد 9/ 16).
العلةُ الثانيةُ: ضَعْفُ حماد بن محمد الفزاري؛ قال صالح بن محمد الأسدي: ((ضعيف)) (تاريخ بغداد 9/ 17)، وذَكَره العُقيليُّ في (الضعفاء 1/ 550) فقال:((حماد بن محمد الفزاري عن أيوب بن عتبة، ولم يصح حديثه، ولا يُعْرَف إلا به))، ثم أسند له حديثًا بنفس الإسناد عن طلق: ((مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ
…
)) ثم قال: ((ليس له أصل من حديث قيس بن طلق، ولا جاء به إلا هذا الشيخ))، وقال ابنُ عبدِ الهادِي:((وهو حديثٌ غريبٌ، وفي إسنادِهِ حماد بن محمد الحنفي وأيوب بن عتبة، وهما ضعيفان" (التنقيح 1/ 274).
العلةُ الثالثةُ: المخالفة؛ فقد خالفَ حمادَ بن محمد جماعةٌ كبيرة في متنه، وهم:
1) حماد بن خالد، عند أحمد (16286).
2) أبو النضر هاشم بن القاسم، عند أحمد (39/ 460/ الجزء المستدرك).
3) أبو داود الطيالسي في (مسنده 1192).
4) علي بن الجعد، عند البغوي في (الجعديات 3299)، وعنه ابن عدي في (الكامل 2/ 204)، وابن شاهين في (الناسخ 102).
5) محمد بن الحسن في (الموطأ 13).
6، 7، 8، 9) الأسود بن عامر، وخلف بن الوليد، وأحمد بن يونس، وسعيد بن سليمان، عند الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 76/ 460).
10) أسد بن موسى، عند الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 75/ 457).
11) حَجاج بن محمد الأعور، عند الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 75/ 458)، وتمام في (الفوائد 1493).
12) عاصم بن علي، عند ابن عدي في (الكامل 2/ 204).
13) آدم بن أبي إياس، عند تمام -أيضًا- في (الفوائد 1494).
جَمِيعُهُمْ: عن أيوبَ بنِ عُتْبَةَ، عن قيسِ بنِ طَلْقٍ، عن أبيه، بلفظِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيَتَوَضَّأُ أَحَدُنَا إِذَا مَسَّ ذَكَرَهُ؟ قَالَ: ((إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ)).
ولذا قال ابنُ عبدِ الهادِي: ((والمشهورُ عن أيوبَ بنِ عتبةَ خلاف ما رواه عنه حماد)) (تعليقة على علل ابن أبي حات، صـ 88).
قلنا: وبهذا اللفظِ رواه جماعةٌ عن قيس بن طلق، كما سيأتي في (باب ترك الوضوء من مس الذَّكَرِ).
وحاول الطبرانيُّ الجمعَ بين الحديثين، فقال -عقب هذا الحديثِ-: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وقد روى الحديث الآخر حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان، ويشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بُسْرةَ، وأم حبيبة، وأبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني،
…
وغيرهم، ممن روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الأمرَ بالوضوءِ من مَسِّ الذَّكَرِ، فسَمِع المنسوخ والناسخ)) (المعجم الكبير 8/ 402).
وذَكَر هذا الكلامَ مختصرًا أبو نُعيمٍ والحازميُّ.
قلنا: ضَعْفُ الإسنادِ يغنينا عن ذلك التكلف.
2317 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ (ذَكَرِهِ) 1، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ (لَيسَ بَينَهُ وَبَينَهُ شَيءٌ) 2، فَلْيَتَوَضَّأْ [وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ](فَقَد وَجَبَ عَلَيه الوُضُوءُ) 3)).
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (ذَكَرَهُ) فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
مختلفٌ فيه:
فضَعَّفَهُ: الإمامُ أحمدُ -وأقرَّهُ ابنُ المنذرِ-، وابنُ مَعِينٍ، والبزارُ، وابنُ وضَّاحٍ، وابنُ عَدِيٍّ، والطحاويُّ، وابنُ حزمٍ، وأبو بكرٍ الجصاصُ، وابنُ الجوزيِّ، والذهبيُّ، وابنُ حَجرٍ.
بينما صَحَّحَهُ: ابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، وابنُ السَّكنِ، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، والحازميُّ، وابنُ المُلقِّنِ، والألبانيُّ.
ومالَ إلي تصحيحه: محيي السنة البغويُّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ سَيدِ النَّاسِ، وابنُ عبدِ الهادِي، ومغلطاي.
وحَسَّنه: ابنُ الصَّلاحِ والنوويُّ بمجموع طرقه.
والراجحُ: ضَعْفُهُ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 8404 (والرواية الأولى والثالثة له ولغيره) / عم 8405/ حب 1113 (واللفظ له) / بز 8552/ طس 1850، 6668، 8834، 8909/ طص 110/ أم 51 (والرواية الثانية له ولغيره) / شف 58/ حرملة (هقع 1015) / منذ 103/ طح (1/ 74/ 447) / عد (10/
670) / قط 532 (والزيادة له) / سكن (إتحاف 14/ 358) / ناسخ 112، 113/ أصبهان (2/ 72) / هق 648 (مختصرًا) / هقع 1014، 1016/ هقخ 521 - 526/ هقش (1/ 312) / بغ 166/ عتب (صـ 41) / معقر 1261/ الخلال (مغلطاي 1/ 559) / ضح (2/ 12) / متفق 368/ جيه 41/ شيو 208/ منده (أمالي 136) / تمهيد (17/ 195، 196) / عتبي (1/ 77) / ضحة (طهارة ق 11/ أ) / تحقيق 178/ ضياء (مرو ق 142/ أ) / تنقيح (1/ 272) / مغلطاي (1/ 560) / نفح (2/ 276)].
تخريج السياقة الثانية: [ك 485 (واللفظ له) / عد (4/ 130) / هق 633 (والرواية له ولغيره) / هقخ 519، 520/ فق (2/ 89)].
[التحقيق]:
مدار هذا الحديث على سعيد بن أبي سعيد المقبري، وُروي عنه من طريقين:
الطريق الأول:
رواه الشافعيُّ في (مسنده 58)، و (الأم 51) -ومن طريقه ابن المنذر في (الأوسط 103)، والبغويُّ في (شرح السنة 166)، والبيهقيُّ في (معرفة السنن 1014) -، قال: أخبرنا سليمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله، عن يزيد بن عبد الملك الهاشمي، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به.
ورواه أحمدُ (8404)، والبزارُ (8552)، والدارقطنيُّ في (السنن 532)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 74)، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 10/ 670)، وغيرُهُم، من طرقٍ عن يزيد بن عبد الملك الهاشمي النوفلي، عن المقبري، عن أبي هريرة، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: يزيد بن عبد الملك النوفلي الهاشمي، وهو ضعيف واهٍ شبه متروك؛ فضَعَّفَهُ أحمدُ بنُ حنبلٍ، وابنُ مَعِينٍ -في أكثر الروايات عنه-، وأبو زرعةَ، والدارقطنيُّ،
…
وغيرُهُم. وقال البخاريُّ: ((لَيَّنه يحيى))، وقال أحمدُ أيضًا:((عنده مناكير))، وقال البخاريُّ:((أحاديثُه شبهَ لا شيء))، وضَعَّفَهُ جدًّا.
وقال أبو زرعةَ -في موضعٍ آخر-: ((واهي الحديث)) وغَلَّظ فيه القول جدًّا، وقال أبو حَاتمٍ:((ضعيفُ الحديثِ، منكرُ الحديثِ جدًّا))، وقال النسائيُّ:((متروكُ الحديثِ))، وقال مرة:((ليس بثقة))، وقال أحمدُ بنُ صالحٍ المصريُّ:((ليس حديثه بشيءٍ))، وقال ابنُ عَدِيٍّ:((عامة ما يرويه غير محفوظ)).
وشَذَّ ابنُ سعدٍ فوَثَّقَهُ. وقال ابنُ مَعِينٍ -في روايةِ الدارميِّ-: ((ما كان به بأس))، ونحوه قال أحمد في رواية الفضل بن زياد، عند يعقوب الفسوي في (المعرفة والتاريخ 1/ 427).
ومع هذا قال ابنُ عبدِ البرِّ: ((أجمع على تضعيفه))! ، وتبعه عبد الحق فقال:((لا أعلم أحدًا وَثَّقَهُ))! وتعقبهما الحافظُ فقال: ((ليس ذاك بجيد)) (تهذيب التهذيب 11/ 347 - 348).
وبه أعلَّهُ بعضُ العلماءِ.
قال البزارُ -عقبه-: ((وهذا الحديثُ لا نعلمُه يُروى عن أبي هريرة بهذا اللفظِ إلا من هذا الوجهِ. ويزيد بن عبد الملك لَيِّن الحديث)) (المسند 15/ 180).
وقال الطحاويُّ: ((قيل لهم: يزيد هذا عندكم منكرُ الحديثِ، لا يسوي حديثه شيئًا فكيف تحتجون به؟ ! )) (شرح معاني الآثار 1/ 74)، وتبعه العينيُّ
في (نخب الأفكار 2/ 103).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((وهذا الحديثُ يُعْرَف بيزيد بن عبد الملك، عن سعيد المقبري)) (الكامل 10/ 670).
وقال البيهقيُّ: ((وهكذا رواه معن بن عيسى وجماعة من الثقات، عن يزيد بن عبد الملك، إلا أن يزيد تكلموا فيه)) (السنن الكبرى 1/ 393 - 394).
وبه ضَعَّفَ الحديثَ: ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق 1/ 181) -وتبعه الذهبيُّ في (تنقيح التحقيق 1/ 60) -، والهيثميُّ في (المجمع 1265)، وابنُ حَجرٍ في (الدراية 1/ 39).
وقال ابنُ وضاح: ((هذا حديثٌ لا يصحُّ)) (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 558 - 560).
وأُعِلَّ هذا الطريق بعلةٍ أخرى، وهي الانقطاع بين يزيد بن عبد الملك وسعيد المقبرى، وأن الواسطة بينهما رجل متروك.
فقد رواه الشافعيُّ في (سنن حرملة) كما في (المعرفة 1015) -ومن طريقه البيهقيُّ في (المعرفة 1016)، و (الخلافيات 524) -، قال: ثنا عبد الله بن نافع، عن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبي موسى الحناط
(1)
، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة به.
ورواه الخطيبُ في (الفقيه والمتفقه) من طريق يعقوب بن حميد، عن ابن نافع، به.
(1)
في الخلافيات: ((الخياط)) بالمعجمة. وهو أيضًا أحد ألقاب أبي موسى كما في ترجمته.
ورواه الطبرانيُّ في (الأوسط 8834) من طريق خالد بن نِزَار، عن يزيد، به.
قال الطبرانيُّ: ((لم يُدخِلْ أحدٌ ممن روى هذا الحديث في إسنادِهِ بين يزيد بن عبد الملك وسعيد المقبري- أبا موسى الحناط، وهو عيسى بن أبي عيسى، إلا خالد بن نزار)).
قلنا: بل تابعه عبد الله بن نافع كما رواه الشافعيُّ وغيرُهُ.
والحناط هذا متروك كما في (التقريب)، وذَكَر ابنُ مَعِينٍ أنه مجهول، ففي (سؤالات مضر بن محمد)، قال: ((سألتُ يحيى بنَ مَعِينٍ عن مَسِّ الذَّكَرِ، أيّ شيء أصح فيه من الحديث؟ قال يحيى بنُ مَعِينٍ: لولا حديث مالك، عن عبد الله بن أبي بكر
…
لقلتُ: لا يصحُّ فيه شيء. فقلتُ له: وحديث أبي هريرة؟ قال: رواية يزيد بن عبد الملك، عن سعيد المقبري، وقد أدخلوا بينهما رجلًا مجهولًا. (الإمام لابن دقيق 2/ 303)، و (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 559 - 600).
وقال ابنُ دقيق: ((وأبو موسى الحناط -بالحاء المهملة والنون- هو الذي أشار يحيى بنُ مَعِينٍ في حكاية مضر عنه، حيثُ قال: وقد أدخلوا بينهما رجلًا مجهولًا. ثم قال: فإذا جرينا على الطريقة المشهورة عادت هذه الزيادة بالنقص؛ لأنها تدلُّ على الانقطاع فيما بين يزيد بن عبد الملك وسعيد، والداخل بينهما مجهول، وهذا الحكم مشروط بثبوت الزيادة)) (الإمام 2/ 308).
ثم أَخَذ يبين ثقة ابن نافع الذي زاد هذا المتروك في الإسناد، وكأنه يميلُ إلى ثبوتِ الزيادةِ، ولكنه أتبع ذلك بنقل عن أحمد يشكك في ثبوت هذه
الزيادة، فقال:((وقال الأثرمُ: قلتُ لأبي عبد الله: حديث (أبي هريرة في مَسِّ الذَّكَرِ)
(1)
قد أدخلوا بين يزيد بن عبد الملك وبين المقبري رجلًا. قال: مَن؟ قلت: أبو موسى الحناط. قال: مَن [قال]
(2)
هذا؟ قلت: عبد الله بن نافع. قال: الصائغ؟ قلت: نعم. قال: ذلك لم يكن يَحفظ الحديث، كان الغالب عليه الرأي. وأما أبو سعيد مولى بني هاشم فقال: عن يزيد بن عبد الملك، قال: سمعت سعيد المقبري، وقال: لا أبعد أن يكون هذا من هذا الشيخ، يزيد بن عبد الملك؛ فإنه يروي أحاديث مناكير)) (الإمام 2/ 308 - 309)، و (شرح ابن ماجه 1/ 559).
وقد أجاب الشافعي أيضًا عن هذه العلة؛ فقال -في رواية حرملة-: ((رَوَى حديث يزيد بن عبد الملك عدد، منهم: سليمان بن عمرو، ومحمد بن عبد الله بن دينار، عن يزيد بن عبد الملك، لا يذكرون فيه أبا موسى الخياط. وقد سمع يزيد بن عبد الملك من سعيد المقبري)) (معرفة السنن والآثار 1017).
وقال ابنُ سَيدِ النَّاسِ -بعد ذكر أقوال العلماء في تضعيف يزيد النوفلي-: ((فالحديثُ مضعفٌ بالنوفلي إذًا، وقد أُعِل أيضًا بالانقطاع بين النوفلي وسعيد المقبري؛ فإنه ذُكِر عن يحيى بنِ مَعِينٍ أنه قال: سقطَ بينهما رجلٌ)) (النفح الشذي 2/ 275).
ثم ذَكَر كلام الشافعي وأحمد السابقين، وقال: ((فإذا جمعت إلى كلام الشافعي هذا شهرة الحديث من طريق النوفلي عن سعيد بغير واسطة، وقول
(1)
في المطبوع من (الإمام): ((حديث النبي صلى الله عليه وسلم)، ولم يعين الحديث، وأشار محققه إلى وجود سقط. والمُثبَت من (شرح ابن ماجه) لمغلطاي.
(2)
سقطت من مطبوعة (الإمام)، واستدركناها من (شرح ابن ماجه) لمغلطاي.
أحمد في ابن نافع مثبت الواسطة، كان الغالب عليه الرأي، ولم يكن الحديث من شأنه؛ حصل من مجموع ذلك تقوية قول من قال بصحته)) (النفح الشذي 2/ 278).
قلنا: وقد توبع يزيد بن عبد الملك، ولكنها متابعة شاذة لا تصح:
فأخرجه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه 1113)، وكذا في كتاب (الصلاة) -كما في (البدر المنير 2/ 472) -، والطبرانيُّ في (الأوسط 1850)، و (الصغير 110)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 523)، وابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 195)، وغيرُهُم، من طرقٍ عن أحمد بن سعيد الهَمْداني، قال: حدثنا أصبغ بن الفرج، قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن يزيد بن عبد الملك، ونافع بن أبي نُعيم القاري، عن المقبري، عن أبي هريرة، به.
وأسقط بعضهم منه يزيد، فصار عن نافع وحده!
فرواه البيهقيُّ في (الخلافيات 521) عن أبي حازم الحافظ، ثنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجرجاني، ثنا عمران بن موسى بن فَضَالة الموصلي، ثنا أحمد بن سعيد الهمذاني، ثنا أصبغ بن الفرج، ثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن نافع بن أبي نُعيم، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به.
وهذا معلولٌ بروايةِ البيهقيِّ له في (الخلافيات 523) عن القاضي أبي عمر محمد بن الحسين، ثنا أبو إسماعيل خلف بن أحمد بن العباس، ثنا عمران بن موسى بن فَضَالة الموصلي، ثنا أحمد بن سعيد -يعني الفِهْري- ثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن يزيد بن عبد الملك النوفلي ونافع بن أبي نعيم، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به.
فهذه الرواية عن عمران بالجمع بين يزيد ونافع هي الصواب، إلا أنه
سقط منها ((أصبغ))، والمحفوظ ذِكره، وقد رواه جماعة عن أحمد بن سعيد عن أصبغ به بالجمع بينهما كما سَبَقَ.
وهذا إسنادٌ ظاهره الحُسْن؛ ولذا صَحَّحَهُ جمعٌ منَ العلماءِ:
قال ابنُ حِبَّانَ -عقبه-: ((احتجاجنا في هذا الخبر بنافع بن أبي نعيم دون يزيد بن عبد الملك النوفلي؛ لأن يزيد بن عبد الملك تبرأنا من عهدته في كتاب الضعفاء)) (الصحيح 2/ 289).
وقال أيضًا -في كتابه ((وصف الصلاة بالسنة)) بعد أن أخرجه-: ((هذا حديثٌ صحيحٌ سندُهُ، عدولٌ نَقَلَتُه" (البدر المنير 2/ 472).
وقال ابنُ السكن: ((هذا الحديثُ من أجودِ ما رُوِي في هذا البابِ لرواية ابن القاسم له عن نافع (بن)
(1)
أبي نعيم. وأما يزيد فضعيف)) (التمهيد 17/ 195).
ولذا قال ابنُ العربي: ((صَحَّحَ ابنُ السكنِ حديثَ أبي هريرة)) (عارضة الأحوذي 1/ 118).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((كأن هذا الحديثَ لا يُعْرَف إلا ليزيد بن عبد الملك النوفلي هذا، وهو مُجتمَعٌ على ضَعْفِهِ، حتى رواه عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك، عن نافع بن أبي نعيم القاري. وهو إسناد صالح إن شاء الله، وقد أثنى ابنُ مَعِينٍ على عبد الرحمن بن القاسم في حديثه ووَثَّقَهُ. وكأن النسائيَّ يثني عليه أيضًا في نقله عن مالك لحديثه. ولا أعلمهم يختلفون في ثقته، ولم يَرْوِ هذا الحديث عنه عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك
(1)
في الطبعة المغربية من (التمهيد): ((عن أبي نعيم))، وهو خطأ ظاهر.
إلا أصبغ بن الفرج)) (التمهيد 17/ 195).
كذا قال هنا، مع أنه قال -قبل ذلك بأسطر-:((وأما الذين رووا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم منَ الصحابة في مَسِّ الذَّكَرِ؛ مثل رواية بُسْرةَ وأم حبيبة: فأبو هريرة، وعائشة، وجابر، وزيد بن خالد، ولكن الأسانيد عنهم معلولةٌ)) (التمهيد 17/ 194).
وقال الحازميُّ: ((وإذا اجتمعتْ هذه الطرق دلتنا على أن هذا الحديثَ له أصلٌ من رواية أبي هريرة)) (الاعتبار 1/ 224).
ونَقَل النوويُّ عن الحافظِ عبدِ الحَقِّ أنه قال: ((هو صحيح)) (خلاصة الأحكام 1/ 134).
وقال ابنُ الصلاح: ((هذا الحديثُ رواه الشافعيُّ عن جماعةٍ، في إسنادِهِ بعض الشيء، لكن ذكر البيهقيُّ له طرقًا، فالتحق بمجموع ذلك بنوع الحسن الذي يُحتجُّ به)) (البدر المنير 2/ 471).
وقال النوويُّ: ((وفي إسنادِهِ ضَعْفٌ، لكنه يُقَوَّى بكثرة طرقه)) (المجموع 2/ 35).
ومال إلى تصحيحه: ابنُ دقيق العيد في (الإمام 2/ 305 - 311)، وابنُ المُلقِّنِ في (البدر المنير 2/ 469 - 472)، ومغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 558 - 560).
وقال الشيخُ الألبانيُّ: ((وإسنادُ ابنِ حِبَّانَ جيدٌ)) (السلسلة الصحيحة 3/ 238).
وأما الحافظ ابنُ حَجرٍ فقال: "يزيدُ ضعيفٌ، ونافعٌ فيه لِينٌ"(الدراية 1/ 39).
قلنا: ولكن في تصحيح هذا الطريق نظر كبير؛ فقد رواه عبد الرحمن بن القاسم واختُلف عليه:
فرواه البيهقيُّ في (الكبرى 648)، و (الخلافيات 522)، والضياءُ في (المنتقى من مسموعات مرو- ق 1434 أ) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، ثنا يحيى بن بُكير، ثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، به.
فلم يذكر فيه نافع بن أبي نعيم.
ويحيى بن عبد الله بن بكير مختلفٌ فيه؛ فقد تَكلَّمَ فيه ابنُ مَعِينٍ، وأبو حَاتمٍ، والنسائيُّ. وتَكلَّم بعضُهم في سماعه من مالك خاصة. وفي المقابل: احتجَّ به الشيخان في صحيحيهما. وأثنى ابنُ مَعِينٍ وابنُ عَدِيٍّ
…
وغيرُهُما على روايته عن الليثِ. ووَثَّقَهُ ابنُ حِبَّانَ، وابنُ قانعٍ، والخليليُّ. وقال الساجيُّ:((صدوق))، وقال الدارقطنيُّ:((عندي ما به بأس)). انظر (تهذيب التهذيب 11/ 236 - 237).
ولما تَكلَّم فيه النسائيُّ، قال الذهبيُّ -معقبًا عليه-:((هذا جَرْحٌ مردودٌ، فقد احتجَّ به الشيخان، وما علمتُ له حديثًا منكرًا حتى أورده)).
وقال أيضًا: ((كان غزيرَ العلمِ، عارفًا بالحديثِ وأيام الناس، بصيرًا بالفتوى، صادقًا، دَيِّنًا، وما أدري ما لاح للنسائي منه حتى ضَعَّفَهُ)) (سير أعلام النبلاء 10/ 614).
وقال أيضًا: ((ولم يَقبل الناس من النسائيِّ إطلاق هذه العبارة في هذا، ولا الذي قبله، كما لم يقبلوا منه ذلك في أحمد بن صالح المصري)) (تاريخ الإسلام 5/ 964).
وقال في (ديوان الضعفاء 4655): ((ثقة، قال النسائيُّ: ضعيف. وقال الدارقطنيُّ: ما عندي به بأس)).
وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: ((ثقة في الليث، وتكلَّموا في سماعه من مالك)) (التقريب 7580).
وقال العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني: ((ويحيى بن بُكير من الثقات، وفي يحيى كلام يسير لا يضره، وهو من رجال (الصحيحين))) (التنكيل 2/ 736).
وعلى كلٍّ فقد توبع يحيى بن بُكير:
فقد رواه سحنون عن ابن القاسم، عن يزيد -وحده-، عن المقبري، به.
قال ابنُ عبدِ البرِّ: ((ولم يَرْوِ هذا الحديث عنه عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك إلا أصبغ بن الفرج. وأما سحنون فإنما رواه عن ابن القاسم عن يزيد وحده)) (التمهيد 17/ 195).
وقال أيضًا: ((ورَوى سحنون هذا الحديث عن ابن القاسم، فلم يَذكر فيه نافع بن أبي نعيم)) (التمهيد 17/ 196).
وقد رواه عن سحنون كذلك: محمد بن أحمد العُتبي في (المستخرجة) -المعروفة بـ (العُتبية) -، كما في (البيان والتحصيل لابن رشد 1/ 77)
(1)
.
(1)
إلا أنه وقع في مطبوعة (البيان والتحصيل) هكذا: ((قال سحنون: حدثني ابن القاسم، عن مالك، عن يزيد، عن عبد المالك بن المغيرة، عن سعيد بن أبي سعيد القبري، عن أبي هريرة
…
الحديث)).
قلنا: وفي هذا السند أربعة أخطاء:
الأول: قوله: (عن مالك)، ومالك لا ناقة له ولا جمل في هذا الإسناد. إنما يرويه ابن القاسم عن يزيد بلا واسطة. كذا رواه جماعة عن ابن القاسم، بل ذكره كذلك ابن عبد البر عن سحنون. وكذا ذكره ابن دقيق العيد في (الإمام 2/ 306).
الثاني والثالث: قوله: (عن عبد المالك)، والصواب:(بن عبد الملك)، كما في بقية المصادر.
الرابع: قوله: (القبري)، والصواب:(المقبري).
وسحنون هو أبو سعيد عبد السلام بن حبيب التنوخي، صاحب المدونة المشهورة التي جمع فيها مسائل عبد الرحمن بن القاسم عن مالك. وقد لازم عبد الرحمن بن القاسم طويلًا، وأَخَذ عنه الرواية وفقه الإمام مالك. (سير أعلام النبلاء 12/ 63).
ورواه ابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث 113) قال: حدثنا علي بن محمد العسكري، قال: حدثنا مِقدام بن داود، قال: حدثنا عمي سعيد بن عيسى بن تَلِيد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، قال: حدثنا يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، به.
ومقدام بن داود الرُّعَيْني تكلموا فيه، غير أن روايته هنا عن عمه مما تُحتمل، والراوي عنه لم نعرفه
(1)
.
(1)
ففي شيوخ ابن شاهين من واقع كتبه: علي بن محمد بن جعفر بن عنبسة العسكري، ذَكَره هكذا ابن شاهين في (الترغيب في فضائل الأعمال 545).
وفي (ناسخ الحديث 543): علي بن محمد بن أحمد العسكري.
ولم نجد لهما ترجمة، إلا أن يكون الأول هو المترجم له في (اللسان 5489):((علي بن محمد بن جعفر بن عنبسة، وراق عبدان))، وقد أشار الخطيب إلى جهالته.
وفي نفس الطبقة: علي بن محمد بن عبد الله بن سعيد العسكري، ترجم له الخطيب في (تاريخ بغداد 6467) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
فهكذا رواه الجماعة (ابن بُكير، وسحنون، وابن تليد) عن ابن القاسم، عن يزيد وحده، ولم يذكروا فيه نافعًا، والحديث معروف بيزيد كما سيأتي.
وخالفهم أصبغ وحده، فزاد فيه نافعًا، وفي ثبوت ذلك عنه نظر أيضًا:
فقد رواه أحمدُ بن سعيد الهمداني، عن أصبغ بن الفرج، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم، مقرونًا بيزيد بن عبد الملك، عن سعيد، به.
قال الطبرانيُّ في (الصغير): ((لم يَرْوِه عن نافع إلا عبد الرحمن بن القاسم الفقيه المصري، ولا عن عبد الرحمن إلا أصبغ، تفرَّدَ به أحمد بن سعيد)).
قلنا: وأحمد بن سعيد هذا وإن قال فيه الساجيُّ: ((ثبتٌ))، وقال العِجْليُّ:((ثقة))، وقال أحمد بن صالح:((ما زلتُ أعرفه بالخير مذ عرفته))، وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في ((الثقات)) - فقد قال فيه النسائيُّ:((ليس بالقويِّ))، وذَكَر عبد الغني بن سعيد الحافظ، عن حمزة بن محمد الكِنَاني الحافظ، أن أحمد بن محمد بن الحَجاج بن رِشدين هو أَدْخَل على أحمد بن سعيد الهمداني حديث بُكير بن الأشج، عن نافع، عن ابن عمر حديث الغار. وقال أبو بكر محمد بن أحمد بن الحداد: سمعت أبا عبد الرحمن النَّسَوي يقول: لو رجع أحمد بن سعيد الهمداني عن حديث بُكير بن الأشج فى الغار، لحدثتُ عنه)) (تهذيب التهذيب 1/ 31).
فمثله لا يُحتمل تفرده بمثل هذا.
وقد تَعَقَّب ابنُ حَجرٍ الطبرانيَّ في جزمه بتفرد أحمد بهذا عن أصبغ، فقال:
((بل تابع أحمد بن سعيد عليه: محمد بن أصبغ، عن أبيه)) (الإتحاف 14/ 657).
قلنا: وهذه المتابعة فيها نظر أيضًا؛ فقد رواه الحاكمُ في (المستدرك 485) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 519) - قال: [حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ، حدثنا علي بن أحمد بن سليمان عَلَّان، عن محمد بن أصبغ بن الفرج]
(1)
، حدثني أبي، [عن عبد الرحمن بن القاسم]
(2)
،
حدثنا نافع بن أبي نُعيم، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَليَتَوَضَّأْ)).
وقال الحاكمُ: ((هذا حديثٌ صحيحٌ، وشاهده الحديث المشهور عن يزيد
(1)
ما بين المعقوفين سقط من أصل ((المستدرك)) واستدركه محققو التأصيل من (إتحاف المهرة 14/ 657) و (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 561).
(2)
وقع اختلاف كبير في إثبات ((ابن القاسم)) في سند الحاكم هذا، فسقط من أصله ومن جل الطبعات. وإنما أثبته محققو التأصيل، نقلًا من (الإتحاف 14/ 657)، وهو مثبت كذلك فيما نقله ابن الملقن في (البدر المنير 2/ 472)، ومِن قبله ابن دقيق العيد في (الإمام 2/ 311) فيما يظهر.
بينما نقله مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 561) بإسقاطه. وكذا رواه البيهقي في (الخلافيات) عن الحاكم بإسقاطه.
فيبدو أنه سقط قديم، وإلا فالصواب إثباته، كما جاء في رواية أحمد بن سعيد الهمداني عن أصبغ.
ثم إن أصبغ بن الفرج يَبعد جدًّا سماعه من نافع بن أبي نعيم، فإنما أدركه وهو صغير، وكان نافع بالمدينة، وهو وقتئذٍ بمصر، وقد قال الذهبي عن أصبغ:((طَلَب العلم وهو شاب كبير، ففاته مالك والليث)) (السير 10/ 656).
قلنا: فكيف بنافع وهو أقدم وفاة من مالك بعشر سنين؟ !
ابن عبد الملك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة)).
قلنا: بل الحديثُ معلولٌ، وهذا الطريق وهم فيه الحاكم أو شيخه، فقد رواه ثقتان عن علي بن أحمد بن سليمان -المعروف بعلان- بخلاف ما رواه الحاكمُ عن شيخِهِ:
فرواه ابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 195) عن خَلَف بن القاسم، حدثنا سعيد بن السكن ومحمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مِهْران السَّرَّاج قالا: حدثنا علي بن أحمد بن سليمان البزار، حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، حدثنا نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك بن المغيرة، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، بلفظ السياقة الأولى.
وعلي بن أحمد بن سليمان البزار هو المعروف بعلان، وهو نفسه المذكور في إسناد الحاكم كما ذكره ابن دقيق في (الإمام 5/ 311)، وكأنه يشير إلى الاختلاف الواقع عليه في سنده.
فهذا الحافظُ ابنُ السكنِ، ومُتابِعه السراج (وهو صدوق)، يرويانه عن علان عن أحمد بن سعيد الهمداني عن أصبغ. فعادَ الحديثُ إلى أحمدَ! وتبين أن متابعة ابن أصبغ له معلولة.
وأوهم ابنُ حَجرٍ في (الإتحاف 14/ 658) أن رواية ابن السكن كرواية الحاكم! وهو ناقل له من كتاب ابنِ عبدِ البرِّ، بدليل خلطه بين كلام ابن السكن وكلام ابنِ عبدِ البرِّ المذكورَين آنفًا.
وعلى فرض ثبوت هذه المتابعة، فينحصر الخلاف على ابن القاسم بين (أصبغ) من جهة، وبين (ابن بُكير، وسحنون، وابن تليد) من جهة أخرى.
ورواية الجماعة هي الصواب لأنهم جَمْع، كما أن فيهم مَن لازم عبد الرحمن بن القاسم وصحبه ونَقَل أقواله؛ كسحنون وابن بكير.
وتوبع عبد الرحمن بن القاسم في روايته عن يزيد- مِن جَمْع معظمهم ثقات، لم يَذكر أحد في روايتهم ((نافعًا))، وهم:
1، 2) محمد بن عبد الله بن دينار وسليمان بن عمرو، عند الشافعي، وغيره.
3) يحيى بن بن يزيد بن عبد الملك (ابنه)، عند أحمد، وغيره.
4) معن بن عيسى القزاز، عند البزار، وغيره.
5) عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، عند الدارقطنيِّ، وغيره.
6) محمد بن الحسن الشيباني، عند عبد الملك بن حبيب في (الواضحة).
7) وإسحاق بن محمد الفَرْوي، عند البيهقي، وغيره.
رووه جميعًا عن يزيد بن عبد الملك -منفردًا- عن المقبري. ولم يروه أحدٌ منهم ولا غيرهم عن نافع المقرئ، إلا ما رواه أصبغ عن ابن القاسم.
فلما رواه عبد الرحمن بن القاسم موافقًا لرواية الجماعة عن يزيد بن عبد الملك، لم يذكروا فيه نافع بن أبي نعيم؛ عَلِمنا أن ذِكر نافع فيه وهم.
لذلك قال البزارُ: ((وهذا الحديثُ لا نعلمُه يُروى عن أبي هريرة بهذا اللفظِ إلا من هذا الوجهِ. ويزيد بن عبد الملك لَيِّن الحديث)).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((وهذا الحديثُ يُعْرَفُ بيزيد بن عبد الملك عن سعيد المقبري)).
فلم يَلتفتا إلى رواية نافع لكونها لا تُعْرَف، وأن المحفوظَ فيها ذِكر يزيد
منفردًا.
قلنا: وثَم علةٌ أخرى يُعَلُّ بها حديث أصبغ بن الفرج، وهي كونه رواه بالجمع بين نافع ويزيد. والعلماء يُعِلون الأحاديث بهذه الطريقة لكون الراوي إذا جمع الشيوخ وَهِمَ، دون ما إذا أفردهم.
والوهم فيه أنه إذا كان أحد الرواة ثقة والآخر ضعيفًا كما في حديثنا هذا وكان الحديث مشهورًا بالضعيف، فإن الراوي يهم فيه فيَحمل حديثَ هذا على هذا.
انظر أمثلة على ذلك في (شرح علل الترمذي لابن رجب 2/ 672) تحت باب (ذِكر مَن ضُعِّف حديثه إذا جَمَع الشيوخ، دون ما إذا أفردهم)).
الطريق الثاني:
رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 4/ 130) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الغَزِّي، حدثنا عبد الله بن محمد بن عمرو الغَزِّي (ح) وحدثنا ابن صاعد، حدثنا أحمد بن الفضل بن عبيد الله من كتابه، وكان ثقة، قالا: حدثنا حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك، حدثنا شِبْل بن عَبَّاد، عن سعيد المَقْبُري، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنَ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضأْ)).
ورواه الطبرانيُّ في (الأوسط 6668) من طريق محمد بن خلف العسقلاني، عن حبيب كاتب مالك، به.
ورواه في (الأوسط 8909) -ومن طريقه ابن مردويه في (انتقائه على الطبراني 41) - قال: حدثنا مِقدام، ثنا حبيب، كاتب مالك، نا شبل بن عَبَّاد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به. فأسقط منه أبا سعيد المقبري.
وهذا الإسنادُ واهٍ جدًّا؛ فيه حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك، متروكٌ كذابٌ.
قال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: ((متروكٌ، كذَّبه أبو داود وجماعة)) (التقريب 1087).
قال ابنُ عَدِيٍّ: ((وهذه الأحاديثُ التي ذكرتُها عن حبيب عن شبل عن مشايخ شبل- كلها موضوعة على شبل)) (الكامل 4/ 131).
وثَم طريق آخر عن أبي هريرة:
ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 4/ 103) فقال: ((ورواه أبو سعيد مولى بني هاشم بإسناد آخر، عن عمر بن وهب
(1)
، عن جميل، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم).
قلنا: هذا الطريقُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
العلةُ الأُولى: المخالفة؛ فقد رواه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 2/ 216) معلقًا، عن عبد الصمد بن عبد الوارث. ووصله من طريقه: البيهقيُّ في (الكبرى 649) فقال: أخبرنا محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا أبو أحمد ابن فارس، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاريُّ، حدثني ابن يحيى، حدثنا عبد الصمد، سمع عمر بن أبي وهب، سمع جميل بن بَشِير، عن أبي هريرة:((مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
قال البيهقيُّ: ((هكذا موقوفٌ. وقيل: عن جميل، عن أبي وهب، عن أبي هريرة)).
قلنا: وهذه هي
العلةُ الثانيةُ: أن جميلًا لم يسمعه من أبي هريرة؛ بينهما (أبو وهب الخزاعي).
(1)
كذا في مطبوع (العلل). والصواب: (عمر بن أبي وهب)، كما سيأتي في طرق الحديث الموقوفة، وكذا في مصادر ترجمته.
كذا رواه مسدد في (مسنده) كما في (إتحاف الخِيَرة 597/ 1) -وعنه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 2/ 216)، وابن المنذر في (الأوسط 87) عن يحيى بن محمد عنه- قال: حدثنا أمية بن خالد، حدثنا عمر بن أبي وهب الخزاعي، عن جميل، عن أبي وهب، عن أبي هريرة، قال:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَمَنْ مَسَّ فَوْقَ الثَّوْبِ فَلَا يَتَوَضَّأْ)).
ورواه أبو نعيم في (الحلية 9/ 44)، والبيهقيُّ في (الكبرى 650)، و (الخلافيات 558) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن عمر بن أبي وهب، عن جميل العِجْلي، عن أبي وهب الخزاعي، به.
وأبو وهب الخزاعي هذا لم نعرفه.
العلةُ الثالثةُ: جميل بن بشير -وورد في بعض الطرق: العجلي
(1)
-، ترجم له البخاريُّ في (التاريخ) باسم (جميل بن بشير)، ولم يَزد على ذكر الخلاف عليه في سند هذا الأثر. وذَكَره ابن حِبَّانَ في (الثقات 4/ 108) على عادته في توثيق المجاهيل. بينما قال أبو حَاتمٍ:((مجهول)) (الجرح والتعديل 2/ 519). وهو الصواب.
ومع كلِّ هذه العلل، قال الغُمَاري في (تخريج أحاديث البداية 1/ 366):((وهذا طريق ثالث يُقَوِّي صحة الحديث عن أبي هريرة، وإن كان موقوفًا عليه)).
قلنا: بل هذا لو صَحَّ، لكان مرجحًا لإعلال الحديث، وأن مَن رفعه قد
(1)
وهو غير جميل بن بشير أبي بِشر المزني، الذي يَروي عن سالم بن عبد الله، وعنه خلف بن خليفة؛ فقد فَرَّق بينهما كل مَن ترجم لهما، كالبخاري وابن أبي حاتم وغيرهما.
وهم فيه.
[تنبيه]:
جاء في مطبوع (الخلافيات للبيهقي 2/ 248) أنه قال: ((رواه يحيى بن يزيد، عن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل، عن أبيه، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة
…
)).
فظاهر هذا أن الحديثَ له طريقٌ آخرُ عن المغيرة بن نوفل، عن سعيد المقبري.
وهذا ليس بصحيح، فقد تصحفت كلمة (بن) إلى (عن) بين يحيى بن يزيد وعبد الملك، فصواب الكلام: ((رواه يحيى بن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل، عن أبيه، عن سعيد
…
)).
فقد رواه الإمامُ أحمدُ في (مسنده 8404) عن يحيى بن يزيد، عن أبيه، عن المقبري.
وكذا رواه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند 8405) عن الهيثم بن خارجة، عن يحيى بن يزيد.
ومما يؤكدُ ما ذكرنا: أن المغيرة بن نوفل معدودٌ في الصحابةِ؛ لكونِهِ وُلِدَ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يَروي هو عن المقبري؟ !
2318 -
حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ:
◼ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (ذَكَرَهُ)، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((يُتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)) وَرُبَّمَا قَالَ: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ. وضَعَّفَهُ: البيهقيُّ، وابنُ الجوزيِّ، والذهبيُّ، والزيلعيُّ، والبوصيريُّ، وابنُ حَجرٍ، والعينيُّ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [جه 485 (واللفظ له) / طب (4/ 140/ 3928) (والرواية له ولغيره) / شا 1156/ هقخ 545/ تحقيق 182/ بحير (ق 12/أ)].
تخريج السياق الثاني: [ناسخ 114].
[السند]:
قال ابنُ ماجه: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن أبي فروة، عنِ الزهريِّ، عن عبد الله بن عبدٍ القاري، عن أبي أيوب
…
به.
ومدار الإسناد عند الجميع على إسحاق بن أبي فروة، عنِ الزهريِّ
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو:
((متروك)) كما في (التقريب 368).
ولذا قال البيهقيُّ: ((وهذا غير محفوظ بهذا الإسنادِ)) (الخلافيات 545).
وأعلَّهُ بإسحاق بن أبي فروة: الذهبيُّ في (تنقيح التحقيق 1/ 61)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 57)، والبوصيريُّ في (مصباح الزجاجة 1/ 69)، وابنُ حَجرٍ في (الدراية 1/ 39)، والعينيُّ في (شرح سنن أبي داود 1/ 420).
وأما ابنُ الجوزيِّ فظنَّه إسحاق الفروي، فقال:((فيه الفَرْوي، قال النسائيُّ: ليس بثقة)) (التحقيق 1/ 181).
وتعقبه الزيلعيُّ فقال: ((وهو حديثٌ ضعيفٌ؛ فإن إسحاقَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ أبي فروةَ متروكٌ باتِّفاقهم، وقد اتَّهمه بعضُهم، وليس هو بإسحاق بن محمد الفَرْوي الذي في حديثه ابن عمر الآتي، ذاك ثقة، وظنهما ابنُ الجوزيِّ واحدًا، فضَعَّفَهُما)) (نصب الراية 1/ 57).
قلنا: وقول الزيلعيِّ أن الفرويَّ ثقة، فيه نظر؛ فقد ضَعَّفَهُ جمهورُ النقادِ، وهو الراجحُ، وقد تقدمتْ ترجمته بالتفصيل في ((كتاب السواك))، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).
رِوَايَةٌ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم:
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[ضحة (طهارة ق 11/ أ)].
[السند]:
قال عبد الملك بن حبيب في (الواضحة - الوضوء): وحدَّثني ابنُ مَسْلَمة، عن الليثِ، عنِ الزهريِّ، عن خالدِ بنِ مَعْدانَ الجُهَني، عن أبي أيوبَ الأنصاريِّ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ واهٍ؛ ابن مسلمة هو عبد الملك بن مسلمة أبو مَرْوان المصري، قال عنه أبو حَاتمٍ:((كتبتُ عنه، وهو مضطربُ الحديثِ، ليس بقويٍّ، حدَّثني بحديثٍ في الكرم، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن جبرئيل عليه السلام بحديثٍ موضوعٍ))، وقال أبو زرعةَ:((ليس بالقويِّ، هو منكرُ الحديثِ، هو مصريٌّ)) (الجرح والتعديل 5/ 371). وقال ابنُ حِبَّانَ: ((يَروي عن أهل المدينة المناكير الكثيرة التي لا خفاء بها على مَن عُنِي بعلم السنن)) (المجروحين 2/ 116). وقال ابنُ يونس: ((منكرُ الحديثِ)) (ميزان الاعتدال 5251)، و (لسان الميزان 4928).
* * *
2319 -
حَدِيثُ ابنِ عُمَرَ:
◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (ذَكَرَهُ) فَلْيَتَوَضَّأْ [وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ])).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ. وأعلَّهُ: ابنُ مَعِينٍ، والبزارُ، والعُقيليُّ، وابنُ عَدِيٍّ، والدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، والخليليُّ، وابنُ الجوزيِّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، والهيثميُّ، والبوصيريُّ، وابنُ حَجرٍ.
[التخريج]:
[بز 5962، 6024 (واللفظ له) / قديم (هقع 1035)، (هقخ 2/ 254) / طب (12/ 281/ 13118)(والرواية له ولغيره) / طح (1/ 74) / قط 531 (والزيادة له) / ناسخ 106، 107/ عد (5/ 365)، (6/ 400)، (8/ 176) / عق (2/ 165) / هقع 1034/ هقخ 528، 531 - 534 / طيو 617/ شخل (2/ 485) / كر (5/ 44) / تحقيق 177/ بحير (ق 44/ أ) / ابن الجارود (زجاجة 1/ 83
(1)
) / ك (تاريخ - مغلطاي 1/ 432)].
[التحقيق]:
هذا الحديثُ رُوي عن ابن عمر من عدة طرق:
الطريق الأول: العلاء بن سليمان، عنِ الزهريِّ، عن سالم، عن أبيه:
أخرجه البزارُ (6024) قال: حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا العلاء بن سليمان الرَّقي، عنِ الزهريِّ، عن سالم،
(1)
((طبعة دار الجنان ـ بيروت، وليس في الطبعة المعتمدة.
عن أبيه، به.
وأخرجه الطبرانيُّ في (الكبير 13118)، والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 74)، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 6/ 400)، وابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث والمنسوخ 107)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 533)، والسِّلفي في (الطيوريات 617).
كلهم من طرقٍ، عن العلاء بن سليمان الرقي، عنِ الزهريِّ، عن سالم، عن أبيه، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: العلاء بن سليمان.
قال العُقيليُّ: ((لا يُتابَعُ على حديثه)) (الضعفاء 3/ 227).
وقال أبو علي القشيري: ((حَدَّثَ عنِ الزهريِّ في مَسِّ الذَّكَرِ حديثًا منكرًا)) (تاريخ الرقة 1/ 94).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((منكرُ الحديثِ ويأتي بمتون وأسانيد لا يتابعه عليها أحد)) (الكامل 8/ 177).
وذَكَره ابنُ الجوزيِّ في (الضعفاء والمتروكين 2343) وقال: ((قال الأزديُّ ساقطٌ، لا تحلُّ الرواية عنه)).
وبه ضَعَّفَهُ البيهقيُّ حيث قال -عقبه-: ((وهذا أيضًا ضعيف، والحَمْل فيه على العلاء بن سليمان الرقي كما أظنُّ)). وأقرَّهُ ابنُ دقيق العيد في (الإمام 2/ 319).
وبه ضَعَّفَهُ: الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 59)، والهيثميُّ في (المجمع
1268)، وابنُ حَجرٍ في (الدراية 1/ 41).
قلنا: قد وقفنا للعلاء على متابعة؛ فقد أخرجه البيهقيُّ في (الخلافيات 534) قال: أخبرنا أبو عبد الله، أنبأ أبو جعفر محمد، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا أبي، ثنا ابن لهيعة، عن عقيل، عنِ ابنِ شِهابٍ، أخبره عن سالم، عن أبيه، به.
وهذه متابعةٌ واهيةٌ من أجلِ ابنِ لهيعةَ، فالعملُ على تضعيفِ حديثِهِ كما تقدَّمَ مرارًا.
وبه ضَعَّفَهُ البيهقيُّ أيضًا حيث قال -عقبه-: ((وابنُ لهيعةَ لا يُحتجُّ به)).
قلنا: وابنُ لهيعةَ كان يتلقنُ، ولعلَّ هذا مما تلقنه، ولا أصل له عن عقيل عنِ الزهريِّ، فقد نصَّ غَيرُ واحدٍ من الحفاظِ على أن هذا الحديثَ لم يرفعه سوى العلاء.
قال البزارُ -عقبه-: ((وهذا الحديثُ إنما يُروى عن ابن عمر موقوفًا، وأسنده العلاء وحده)) (المسند عقب 6024).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((وهذا لا يرويه عنِ الزهريِّ غير العلاء بهذا الإسنادِ)) (الكامل 8/ 176).
وقال أبو طَاهرٍ السلفيُّ: ((تفرَّدَ به العلاء عنِ الزهريِّ)) (الطيوريات 617).
العلةُ الثانيةُ: الإعلال بالوقفِ؛ فقد رواه مالك في (الموطأ 104) عنِ ابنِ شِهابٍ، عن سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ، أَنَّهُ قَالَ:((رَأَيْتُ أَبِي عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتِ، أَمَا يَجْزِيكَ الغُسْلُ مِنَ الوُضُوءِ؟ ! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أَحْيَانًا أَمَسُّ ذَكَرِي فَأَتَوَضَّأُ)).
ورواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ (421): عن معمرٍ، عنِ الزهريِّ، عن سالِمٍ:((أَنَّ ابنَ عُمَرَ صَلَّى بِهِمُ العَصْرَ، ثُمَّ سَارَ أَمْيَالًا. قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: سِتَّةً. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ. قَالَ: فقُلْتُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ كُنْتَ صَلَّيْتَ؟ ! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ قَدْ مَسَسْتُ ذَكَرِي فَصَلَّيْتُ وَلَمْ أَتَوَضَّأْ؛ فَلِذَلِكَ أَعَدْتُ)). وكذا رواه غَيرُ واحدٍ عنِ الزهريِّ نحوه.
ولذا قال ابنُ مَعِينٍ -لما سُئِلَ عن حديثِ ابنِ عمرَ في مَسِّ الذَّكَرِ-: ((الصحيح منه غير مرفوع)) (الإمام لابن دقيق 2/ 303).
وقال البزارُ -عقبه-: ((وهذا الحديثُ إنما يُروى عن ابنِ عمر موقوفًا)). وقد تقدَّمَ قريبًا.
وقال الدارقطنيُّ: ((ورَفْعه وهم. والصحيح ما رواه مالك بن أنس، وابن عيينة، وأبو المليح الرقي، ومعمر، عنِ الزهريِّ، عن سالم، عن أبيه، من قوله)) (العلل 6/ 288).
الطريق الثاني: عن عبد الواحد بن قيس، عن ابن عمر:
أخرجه الشافعي في (القديم) -كما في (المعرفة للبيهقي 1035)، و (الخلافيات 2/ 254) - قال: أخبرنا مسلِمُ بنُ خالِدٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عبدِ الواحدِ بنِ قيسٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
ومسلم بن خالد الزنجي متكلم فيه، ولكن قد توبع:
فقد أخرجه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 5/ 365) -ومن طريقه البيهقيُّ في (المعرفة 1034)، و (الخلافيات 531) - قال: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الرحمن بن سَلَّام، ثنا سُليم بن مسلم، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عبد الواحد
ابن قيس -أو: بَشير، بالشك-، عن ابن عمر، به. ولم يذكر البيهقيُّ فيه بشيرًا.
وكذا رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ وغيرُهُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، به. ولكن بزيادة في متنه؛ ولذا أفردناها بالتخريج، كما سيأتي في الرواية التالية.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
العلةُ الأُولى: الانقطاع بين عبد الواحد بن قيس وابن عمر؛ فإنه غير معروف بالرواية عن ابن عمر، بل ولم يدركه، إنما هو مشهورٌ بالروايةِ عن نافعٍ عن ابن عمرَ.
ولذا قال ابنُ عَدِيٍّ -عقبه-: ((وهذا رواه عنِ ابنِ جُرَيْجٍ: مسلم بن خالد الزنجي وغيره، فقالوا: (عن عبد الواحد بن قيس، عن ابن عمر) ويكون مرسلًا)) (يعني منقطعًا)(الكامل 5/ 356).
وقال البيهقيُّ -عقبه-: ((وهذا مرسل عن ابن عمر)) (الخلافيات 2/ 255).
وقال ابنُ دقيق العيد: ((هو منقطعٌ)) (الإمام 2/ 320).
العلةُ الثانيةُ: عبد الواحد بن قيس مختلفٌ فيه، والجمهورُ على تضعيفه وتليينه. (تهذيب التهذيب 6/ 438 - 439).
العلةُ الثالثةُ: عنعنة ابن جريج، فهو مدلس، وقد جاء في بعض الروايات عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قال:((حُدِّثْتُ))، كما سيأتي في الرواية التالية.
ولذا قال الدارقطنيُّ: ((لم يسمعه ابن جريج من عبد الواحد؛ بَلَغه عنه)) (العلل 6/ 356).
الطريق الثالث: عن نافع عن ابن عمر:
وقد رُوِي عن نافع من عدة أوجه:
الوجه الأول: عن هاشم بن زيد، عن نافع:
أخرجه البزارُ (5962) قال: حدثنا عمر بن الخطاب، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، حدثنا صَدَقة بن عبد الله، عن هاشم بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، به. وأخرجه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 74)، وابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث ومنسوخه 106)، وأبو عثمان البحيري في (الفوائد)، ثلاثتهم من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله
…
به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ مسلسلٌ بالعللِ:
الأولى: صدقة بن عبد الله السمين: ((ضعيف))، كما في (التقريب 2913).
وبه ضَعَّفَهُ الزيلعي في (نصب الراية 1/ 59).
الثانية: هاشم بن زيد؛ قال عنه أبو حَاتمٍ: ((ضعيفُ الحديثِ)) (الجرح والتعديل 9/ 103)، وقال عثمان بن سعيد الدارمي:((هاشم ليس بقوي في روايته)) (لسان الميزان 8218).
وبه ضَعَّفَهُ الهيثميُّ فقال: ((في سند البزار هاشم بن زيد، وهو ضعيفٌ جدًّا)) (المجمع 1268).
وكذا ضَعَّفَهُ به الحافظ ابنُ حَجرٍ في (الدراية 1/ 41).
الثالثة: المخالفة.
فقد رواه مالك في (الموطأ 102).
وابن عون، عند ابن أبي شيبة في (المصنف 1477).
وعُبيد الله العمري، كما في (مسائل أحمد، رواية عبد الله 56).
وغيرُهُم: عن نافع، عن ابن عمر
…
به موقوفًا، وهو الصواب.
ولذا قال البزارُ -عقبه-: ((وهذا الحديثُ إنما يُروى عن ابن عمر موقوفًا)).
وقال الدارقطنيُّ -بعد أن ذكر الخلاف-: ((وكلها وهم، والصحيح: عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، من قوله)) (العلل 6/ 356).
وقال ابنُ عَدِيٍّ: "وهذا الحديثُ في الموطأ عن نافع، عن ابن عمر موقوف"(الكامل (4/ 71).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((والصحيح فيه عن مالك ما في الموطأ)) (التمهيد 17/ 185).
وقال ابنُ القيسرانيُّ: ((وإنما يَروي هذا الحديث نافع عن ابن عمر فعله" (تذكرة الحفاظ 2/ 880).
وقال ابنُ دقيق العيد: ((وهذا في (الموطأ) من فعلِ ابنِ عمرَ غير مرفوع إلى أحدٍ، وهو الصواب)) (الإمام 2/ 288).
الوجه الثاني: عن صخر بن جويرية، عن نافع:
أخرجه العُقيليُّ في (الضعفاء 2/ 165) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية قال: حدثنا أحمد بن سَيَّار المروزي، قال: حدثنا سليمان بن وهب الأنصاري -من ولد أنس بن مالك-، قال: حدثنا صخر بن جويرية
…
به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه سليمان بن وهب الأنصاري.
ذكره العُقيليُّ في (الضعفاء 2/ 165) فقال: ((يخالف في حديثه))، ثم أسندَ له هذا الحديثَ، ثم أسندَ من طريقِ صخر وغيره عن مالكٍ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ موقوفًا، وقال:((الموقوف أَوْلى)).
وتبعه الذهبيُّ فقال: ((رَفَعَ حديثًا، والصوابُ وقفه)) (ميزان الاعتدال 2/ 227).
وأقرَّهما الحافظُ في (اللسان 4/ 179).
الوجه الثالث: عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع:
أخرجه الدارقطنيُّ (531) -ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق 177) - قال: حدثنا محمد بن مَخْلَد، نا عثمان بن مَعْبَد بن نوح، نا إسحاق بن محمد الفَرْوي، نا عبد الله بن عمر، به.
وأخرجه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 6/ 400) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 528) - من طريق العمري، به.
وهذا إسنادٌ ضعيف؛ فيه علل:
العلةُ الأُولى: عبد الله بن عمر العمري: ((ضعيف))، كما في (التقريب 3489).
وبه ضَعَّفَهُ: ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق 1/ 181)، وابنُ حَجرٍ في (الدراية 1/ 41).
وقال ابنُ عَدِيٍّ -عقبه-: ((وهذا الحديثُ بهذا الإسنادِ منكرٌ)).
وأقرَّهُ البيهقيُّ عقب إخراجه له.
وقال الذهبيُّ: ((أخرجه الدارقطنيُّ، وسندُهُ لَيِّن)) (تنقيح التحقيق 1/ 60).
العلةُ الثانيةُ: إسحاق بن محمد الفروي؛ ضَعَّفَهُ جمهورُ النقادِ، وقد تقدَّمتْ
ترجمتُه بتوسعٍ في (باب الاستياك عند الصلاة والوضوء))، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).
العلةُ الثالثةُ: المخالفة، كما تقدَّمَ بيانها.
الوجه الرابع: رُوي عن مالك، عن نافع:
عَلَّقَهُ الدارقطنيُّ في (العلل 2778) فقال: ((فرواه يعقوب بن الوليد المدني، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ورواه سعيد بن هبيرة، عن جويرية بن أسماء -وقيل: عن صخر بن جويرية-، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قال ذلك السري بنُ خُزيمةَ عنه)).
قلنا: وهذا إسنادٌ منكرٌ! !
ففي السند الأول (يعقوب بن الوليد المدني) وهو كذَّابٌ وضَّاعٌ، انظر ترجمته في (تهذيب التهذيب 11/ 397 - 398).
وفي السند الثاني (سعيد بن هبيرة المروزي) وقد ضَعَّفَهُ أبو حَاتمٍ، واتَّهمه ابنُ حِبَّانَ بالوضعِ (لسان الميزان 3496).
والمحفوظُ عن مالكٍ كما رواه الثقات الأثبات من رواة (الموطأ) وغيرُهُم: عن نافعٍ، عن ابن عمر، موقوفًا.
ولذا قال الدارقطنيُّ -عقب هذين الوجهين وغيرُهُما من أوجه الخلاف على مالك ونافع-: ((وكلها وهم. والصحيح: عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، من قوله.
وكذلك رواه أيوب السختياني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبيد الله بن عمر، وابن جريج، وإبراهيم الصائغ، وصخر بن جويرية، وجابر الجُعْفي،
والليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا، وهو الصواب)).
الطريق الرابع: عن ابن سيرين، عن ابن عمر:
أخرجه البيهقيُّ في (الخلافيات 532) قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى البزار ببغداد، من أصل كتابه، ثنا أبو بكر بن أبي العوام الرِّيَاحي، ثنا عبد العزيز بن أبان، عن الثوري، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عمر، به.
وأخرجه الخليلي في (الإرشاد)، وابن عساكر في (تاريخه)، كلاهما من طريق عبد العزيز بن أبان
…
به.
وقال البيهقيُّ: ((قال أبو عبد الله -يعني الحاكم-: تفرَّدَ به أبو بكر بن أبي العوام، عن عبد العزيز بن أبان)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: عبد العزيز بن أبان، وهو أبو خالد الأموي الكوفي؛ قال عنه الحافظ:((متروك، وكذَّبه ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ)) (التقريب 4083).
ولذا قال البيهقيُّ: ((ورُوي من وجهٍ آخرَ عن ابن عمر ضعيف
…
))، ثم ذَكَره.
وقال الخليليُّ -عقبه-: ((هذا منكرٌ بهذا الإسنادِ، لا يصحُّ من حديث أيوب ولا من حديث سفيان، والحَمْل فيه على عبد العزيز بن أبان الكوفي؛ فإنهم ضَعَّفُوهُ)).
وبه ضَعَّفَهُ الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 59).
العلةُ الثانيةُ: المخالفة.
فقد أخرجه ابنُ أبي شيبة في (المصنف 1738) قال: حدثنا ابنُ عُلية،
عن سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين، قال: سألتُ عَبِيدةَ عن قوله: {أَو لامَستُمَ النسَاءَ} ، فقال بيده، فظننتُ ما عَنَى، فلم أسألْهُ. قال: ونُبِّئْتُ أن ابنَ عمرَ كان إذَا مَسَّ فَرْجَهُ تَوَضَّأَ. قال محمدٌ
(1)
: فظننتُ أن قولَ ابنِ عمرَ وقولَ عَبِيدةَ شيءٌ واحدٌ.
كذا موقوفًا على ابنِ عمرَ من قولِهِ، وفيه أن ابنَ سيرينَ لم يسمعْه من ابنِ عمرَ، بدلالةِ قولِهِ "نُبِّئْتُ".
ولذا قال الدارقطنيُّ: ((وُروي، عن ابن سيرين، عن ابن عمر، من قوله. ورُوي عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قاله ابنُ أبي العوام، عن أبي خالد الأموي (وهو عبد العزيز بن أبان)، عن الثوري. والصحيح الموقوف)) (العلل 2778).
والحاصل: أن حديثَ ابنِ عمرَ لا يصحُّ مرفوعًا؛ إنما الصوابُ فيه الوقف، كما نَصَّ عليه الأئمةُ النقادُ. والله أعلم.
(1)
هو ابن سيرين.
رِوَايَةٌ بِزِيَادِةِ: ((أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابنِ عُمَرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ، فَلْيُعِدِ الوُضُوءَ (فَلْيَتَوَضَّأْ))).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[عب 447 (واللفظ له) / مقط (2/ 905) (والرواية له) / خلاد (ق 112/أ)].
[السند]:
أخرجه عَبْدُ الرَّزَّاقِ
(1)
-ومن طريقه الدارقطنيُّ في (المؤتلف والمختلف) -: عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عبد الواحد بن قيس، عن ابن عمر، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
الأولى: الانقطاع؛ بين عبد الواحد بن قيس وابن عمر.
الثانية: ضَعْفُ عبد الواحد بن قيس.
وتقدَّمَ بيان هاتين العلتين في الرواية السابقة.
الثالثة: عنعنةُ ابنِ جُريجٍ، فهو مدلسٌ، وقد دلَّسَه عن عبد الواحد ولم
(1)
سقطَ إسنادُ عبد الرزاق من الأصل، وقد نبَّه عليه المحققون. وقد أخرجه الدارقطنيُّ من طريق عبد الرزاق بسنده كاملًا.
وقد عزاه السيوطي في (الجامع الكبير 2265) -وتبعه المتقي الهندي في (كنز العمال 26328) - لعبد الرزاق عن ابن عمر.
يسمعْه منه، كما نَصَّ على ذلك الدارقطنيُّ.
ومما يؤكدُ ذلك: ما أخرجه أبو بكر بن خَلَّاد النَّصِيبي في (جزء من حديثه ق 112/أ): من طريق محمد بن يونس، عن رَوْح بن عُبَادة، نا ابن جريج قال: حُدِّثْتُ عن عبد الله بن قيس، عن عبد الله بن عمر، به.
إلا أنه وقع في النسخة الخطية: (عبد الله بن قيس)، وهذا إما خطأ من النساخ، وإما من محمد بن يونس، وهو الكُدَيْمي، ضعيف متهم.
فقد رواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ -كما في هذه الرواية-، ومسلم بن خالد الزنجي وسليم بن مسلم -كما في الرواية السابقة-، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عبد الواحد بن قيس، به.
2320 -
حَدِيثٌ آخَرُ لِابْنِ عُمَرَ:
◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى، ثُمَّ قَامَ، فَتَوَضَّأَ وَأَعَادَهَا، فَقيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ يُوجِبُ الوُضُوءَ؟ قَالَ:((لَا، إِلَّا أَنِّي مَسَستُ ذَكَرِي)).
[الحكم]:
منكرٌ. وأعلَّهُ: ابنُ عَدِيٍّ، والدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، وابنُ القيسرانيُّ. وحَكَمَ عليه الذهبيُّ بالنكارةِ. وتَبِعه الصالحي.
[التخريج]:
[عل (خيرة 600) / معل 132 (واللفظ له) / عد (6/ 585) / هقخ 527].
[السند]:
أخرجه أبو يعلى في (معجمه) -ومن طريقه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) - قال: حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق بن أسماء الجَرْمي، أخبرنا عبد الله بن أبي جعفر الرازيُّ، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن نافع، عن ابن عمر، به.
ومداره عندهم على عبد الله بن أبي جعفر الرازيُّ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيف؛ لضعفِ أيوب بن عتبة، قال ابنُ حَجرٍ:((ضعيف)) (التقريب 619).
وبه أعلَّهُ البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 251).
ومع ضَعْفِه، فقد خالفه أصحابُ يحيى في سندِهِ كما ستراه في الشواهد
التالية.
والراوي عنه عبد الله بن أبي جعفر الرازيُّ مختلفٌ فيه.
وقال ابنُ عَدِيٍّ: ((وبعضُ حديثِهِ مما لا يُتابَعُ عليه)) (الكامل 6/ 586).
قلنا: وهذا الحديثُ من ذلك البعض، فقد قال ابنُ عَدِيٍّ:((وهذا الحديثُ عن أيوب بن عتبة بهذا الإسنادِ، لا أعلم رواه غير ابن أبي جعفر)) (الكامل 6/ 585).
وصرَّح البيهقيُّ بضعفه، فقال -عقب تخريجه له-:((عبد الله بن أبي جعفر الرازيُّ هذا ضعيف)) (الخلافيات 2/ 251).
وقال الذهبيُّ: ((هذا حديثٌ منكرٌ؛ تفرَّدَ به عبد الله)) (الميزان 4/ 78).
وقال الصالحيُّ: ((روى أبو يعلى بسندٍ ضعيفٍ عن ابن عمر
…
)) فذكره (سبل الهدى والرشاد 8/ 49).
قلنا: وفي الحديث علةٌ أخرى، وهي الإعلالُ بالوقفِ:
فقد أخرجه مالك في (الموطأ 105): عن نافعٍ، عن سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ، أَنَّهُ قَالَ:((كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ لَصَلَاةٌ مَا كُنْتَ تُصَلِّيهَا! ! قَالَ: إِنِّي بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأْتُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ مَسِسْتُ فَرْجِي، ثُمَّ نَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، فَتَوَضَّأْتُ وَعُدْتُ لِصَلَاتِي)).
وكذا رواه مالك في (الموطأ 104): عنِ ابنِ شِهابٍ، عن سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: ((رَأَيْتُ أَبِي عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يَغْتَسِلُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا
أَبَتِ، أَمَا يَجْزِيكَ الغُسْلُ مِنَ الوُضُوءِ؟ ! قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أَحْيَانًا أَمَسُّ ذَكَرِي فَأَتَوَضَّأُ)).
ورواه مالك في (الموطأ 102): عن نافِعٍ، أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ)).
وكذا رواه أيوبُ السختيانيُّ عند ابن أبي شيبة (1743)، والطحاوي في (شرح المعاني 1/ 76).
وعبد الله بن مُحَرَّر عند عبدِ الرَّزَّاقِ (426).
وابنُ عون عند ابن أبي شيبة (1744). وغيرُهُم: عن نافع عن ابن عمر قوله.
وهذا هو الصحيحُ، نعْني أنه موقوفٌ على ابن عمر. وبه جزمَ الدارقطنيُّ، وحَكَمَ على مَن رفعه بالوهم، فقال:((والصحيح: عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، من قوله. وكذلك رواه أيوب السَّختياني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبيد الله بن عمر، وابن جريج، وإبراهيم الصائغ، وصخر بن جويرية، وجابر الجُعْفي، والليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا، وهو الصواب)) (العلل 6/ 356).
وحديث يحيى بن أبي كثير اختُلف عليه في سنده ومتنه اختلافًا كثيرًا قد يصلُ إلى حَدِّ الاضطراب، وانظر في ذلك الشواهد الآتية.
ولحديث ابن عمر ألفاظ أُخَر، كما سَبَقَ.
2321 -
حَدِيثُ جَابِرٍ:
◼ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ (فَرْجَهُ)، فَعَلَيْهِ الوُضُوءُ (فَلْيَتَوَضَّأْ))).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ. وأعلَّهُ: الشافعيُّ، وأحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، والبخاريُّ، وأبو حَاتمٍ، وابنُ شَاهينَ، وابنُ الجوزيِّ، والبوصيريُّ.
[التخريج]:
[جه 483 (واللفظ له) / أم 52/ شف 59/ طح (1/ 74/ 448) / ناسخ 105/ أصبهان (2/ 121) (والروايتان له ولغيره) / هق 651/ هقع 1023/ أثرم (تنقيح 1/ 273)، (حبير 1/ 216) / هقخ 542 - 544/ تمهيد (17/ 193) / حربي (مختار - ق 163/ب) / تحقيق 181/ كما (20/ 209)].
[السند]:
أخرجه ابنُ ماجه قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحِزَامي قال: حدثنا معن بن عيسى (ح) وحدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا عبد الله بن نافع، جميعًا، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله، به.
ورواه ابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث 105) من طريق ابن أبي فُدَيْك -مقرونًا بعبد الله بن نافع-، عن ابن أبي ذئب، به.
ومداره عند الباقين على عبد الله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيف؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: جهالة عقبة بن عبد الرحمن، فلم يَرْوِ عنه إلا ابن أبي ذئب، ولم يوَثِّقْهُ معتبر.
ولذا قال الذهبيُّ: ((لا يُعْرَفُ)) (ميزان الاعتدال 5691)، وقال ابنُ حَجرٍ:((مجهول)) (التقريب 4643).
وبه ضَعَّفَهُ البوصيريُّ في (مصباح الزجاجة 1/ 69).
العلةُ الثانيةُ: المخالفة؛ فقد رواه الشافعيُّ في (الأم 52)، و (المسند 59) -ومن طريقه البيهقيُّ في (السنن 651)، و (الخلافيات 544)، و (المعرفة 1022) -: عن ابن أبي فُدَيْك.
ورواه عبد الملك بن حبيب في (الواضحة/ الطهارة ق 11/أ) عن حبيب بن أبي حبيب الحنفي.
والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 74/ 449) من طريق أبي عامر العَقَدي.
ثلاثتهم: عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم
…
به مرسلًا.
وفي روايةِ الشافعيِّ عن ابنِ أبي فديك
…
على الإرسال- دلالة على خطأ رواية ابنِ شَاهينَ في (الناسخ 105) حيث رواه عن محمد بن محمد بن سليمان الباغَنْدي، عن دُحَيْم، عن ابن أبي فديك، وعبد الله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر، به. كذا موصولًا.
والباغندي كثير الخطأ كما قال الدارقطنيُّ، واتَّهمه بعضُهم. انظر:(لسان الميزان 7356).
وقد أَعَلَّ الحديثَ جماعةٌ منَ الأَئمةِ، ورجَّحُوا الوجه المرسل:
فأخرجه الشافعيُّ مرسلًا، ثم قال:((وزاد ابن نافع فقال: عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وسمعتُ غَيرَ واحدٍ من الحفاظِ يرويه ولا يَذكر فيه جابرًا)) (الأم 2/ 44).
وأقرَّه: البيهقيُّ في (الخلافيات 544)، وابنُ عبدِ الهادِي في (التنقيح 1/ 274)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 57)، وابنُ حَجرٍ في (تعجيل المنفعة 2/ 19)، والسخاويُّ في (التحفة اللطيفة 2/ 267).
وقال أبو داود: ((سمعتُ أحمدَ سُئِلَ عن حديث ابن أبي ذئب، عن عقبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)). قال: هذا من ابن نافع، كان لا يُحْسِنُ الحديث. يريدُ بذلك قوله: عن جابر. يعني: جابر وهم، وأن الحديثَ عن محمد بن عبد الرحمن عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسل)) (مسائل أحمد رواية أبي داود 2000). وأقرَّهُ مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 418).
وقال أبو طالب: ((سألتُ أبا عبد الله عن حديث عبد الله بن نافع هذا، فأنكره إنكارًا شديدًا، وقال: هذا ليس يُرفع، وعبد الله بن نافع منكرُ الحديثِ
(1)
)) (شرح ابن ماجه 1/ 418).
(1)
ظاهر كلام أحمد وغيره أن عبد الله بن نافع هو المتفرد بذلك.
ولكن رواه ابن ماجه عن إبراهيم الحزامي، عن معن بن عيسى، عن ابن أبي ذئب، به موصولًا كذلك.
وكذا رواه ابن شاهين في (الناسخ) من طريق ابن أبي فديك موصولًا.
ولكن تقدم أن الصواب عن ابن أبي فديك الإرسال، كما رواه الشافعي عنه.
وقال مُضَر بن محمد: ((سألتُ يحيى بنَ مَعِينٍ: أي حديث يصحُّ في مَسِّ الذَّكَرِ؟ فقال يحيى: لولا حديث جاء عن عبد الله بن أبي بكر، لقلتُ: لا يصحُّ فيه شيء
…
فقلتُ له: فحديث جابر؟ قال: نعم، حديث محمد بن ثوبان هو غير صحيح)) (التمهيد 17/ 192)، ونحوه في (الإمام لابن دقيق 2/ 303)، و (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 559 - 600).
وقال البخاريُّ: ((إنما رُوي عن عقبة عن ابن ثوبأن هذا الحديثَ مرسلًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال. ((وقال بعضُهم: عن جابر. ولا يصحُّ)) (التاريخ الكبير 6/ 436).
وأقرَّهُ ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق 1/ 182).
وقال عبد الرحمن بن أبي حَاتمٍ: ((سألتُ أبي عن حديث رواه دحيم، عن عبد الله بن نافع الصائغ، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن بن أبي معمر، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ))؟
قال أبي: ((هذا خطأ، الناس يروونه عن ابن ثوبان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا، لا يذكرون جابرًا)) (العلل 23).
وأقرَّهُ ابنُ عبدِ الهادِي في (التنقيح 1/ 273).
وقال الطحاويُّ -عقبه-: ((كلُّ مَن رواه عن ابن أبي ذئب من الحفاظ يقطعه ويوقفه على محمد بن عبد الرحمن))، ثم أسنده من طريق أبي عامر
العَقَدي، عن ابن أبي ذئب، به مرسلًا، ثم قال:((فهؤلاء الحفاظ يوقفون هذا الحديث على محمد بن عبد الرحمن، ويخالفون فيه ابن نافع. وهو عندكم حجة عليه، وليس هو بحجة عليهم)) (شرح معاني الآثار 1/ 74).
وقال ابنُ شَاهينَ -عقبه-: ((وهذا حديثٌ غريبٌ، لا أعلم جَوَّده إلا دُحيم وأحمد بن صالح)).
قلنا: كذا قال، وإن كان يشيرُ إلى رواية الوصل فقد رواه جماعة عن عبد الله بن نافع بل وعن غيره موصولًا، فلم ينفرد دحيم وأحمد بن صالح بذلك.
وقد خالف في ذلك جماعةٌ، فصححوا الحديث:
فقد قال ابنُ عبدِ البرِّ -عقبه-: ((هذا إسنادٌ صالح
(1)
، كل مذكور فيه ثقة معروف بالعلم إلا عقبة بن عبد الرحمن؛ فإنه ليس بمشهور بحمل العلم، يقال: هو عقبة بن عبد الرحمن بن معمر، ويقال: عقبة بن عبد الرحمن بن جابر، ويقال عقبة بن أبي عمر))! (التمهيد 17/ 193).
قلنا: يبدو أن ابنَ عبدِ البرِّ لم يُرِدْ تصحيحه، إنما أراد أنه صالح للاعتبار وليس شديد الضعف؛ فليس فيه -من وجهة نظره- إلا كون عقبة بن عبد الرحمن ليس بمشهور بحمل العلم، وإلا كيف يصحح لمن هو في حيز الجهالة -عنده-؟ !
ويؤكدُ ذلك أن ابنَ عبدِ البرِّ قال -بعد أسطر من هذا الكلام-: ((وأما
(1)
كذا في طبعة دار هجر ضمن (موسوعة شروح الموطأ 3/ 239)، وكذا ذكره ابن دقيق العيد في (الإمام 2/ 313)، وابن حجر في (التلخيص).
ووقع في الطبعة المغربية: ((صحيح))!
الذين رووا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الصحابة في مَسِّ الذَّكَرِ؛ مثل رواية بُسْرةَ وأم حبيبة- فأبو هريرة، وعائشة، وجابر، وزيد بن خالد، ولكن الأسانيد عنهم معلولة)) (التمهيد 17/ 194)
(1)
.
وقال الضياءُ: ((لا أعلم بإسنادِهِ بأسًا))! (التلخيص الحبير 1/ 216).
وقال الذهبيُّ: ((هذا حديثٌ صالحُ الإسنادِ فَرْدٌ))! (تنقيح التحقيق 1/ 61).
ثم ذَكَر كلامَ البخاريِّ وغيرِهِ ممن أعلَّ الحديثَ، فلا ندري لِمَ صرَّح بذلك مع علمه بعلته؟ !
[تنبيه]:
قال البخاريُّ في (التاريخ الكبير 6/ 417) في ترجمة عمران بن عمرو: ((قال نُعَيْم: حدثنا ضِمَام بن إسماعيل، سمع عمران بن عمرو، عن أبيه، سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ في مَسِّ الذَّكَرِ. وقال أصبغ: أخبرني ضمام، عن أبي قَبِيل، عن عمرو بن دينار، سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
…
مثله)).
وقال ابنُ أبي حَاتمٍ -في (الجرح والتعديل 6/ 301) في ترجمة عمران هذا-: ((روى عن أبيه عن جابر في مَسِّ الذَّكَرِ))، ثم قال: قال أبي: ((هذا إسنادٌ مضطربٌ)). يشير إلى الخلاف الذي ذكره البخاريُّ.
وأما ابنُ حِبَّانَ فذكره في (الثقات 7/ 240) وقال: ((يَروي عن أبيه عن جابر في مَسِّ الذَّكَرِ. روى عنه ضِمَام بن إسماعيل)).
(1)
بعض الباحثين حاول الجمع بطريقة أخرى، فأشار إلى أن هذا الكلام لابن السكن، وليس لابن عبد البر.
ولكن ما قررناه هو الظاهر من سياق الكلام، ويؤكده قوله في عقبة. والله أعلم.
وترجم له الذهبيُّ في (الميزان) وقال: ((عن أبيه، عن جابر في مَسِّ الذَّكَرِ. حديثٌ مضطربٌ لم يَثبتْ" (ميزان الاعتدال 3/ 240).
قلنا: ولم نقفْ على سياقه في شيءٍ منَ المصادرِ. فالله أعلم.
رِوَايَةُ: ((مَنْ أَفْضَى
…
)):
• وَفِي رِوَايَةٍ، بِلَفْظِ:((مَنْ أَفْضَى إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيف.
[التخريج]:
[مخلدي (ق 245/ ب)].
[السند]:
رواه المخلدي -كما في (الفوائد المنتخبة من أصوله) -: عن أبي بكر الإسفراييني (وهو عبد الله بن محمد بن مسلم)، ثنا أحمد بن هارون، ثنا حسان بن إبراهيم المقرئ، عن عبد الله بن نافع الصائغ، عن ابن أبي ذئب، عن يعقوب بن عتبة، عن ابن ثوبان، عن جابر بن عبد الله، به.
[التحقيق]:
هذا حديثٌ منكرٌ سندًا ومتنًا؛ فيه: أحمد بن هارون، وهو المِصيصي، قال عنه ابنُ عَدِيٍّ: ((يَروي مناكير عن قوم ثقات، لا يتابع عليه
(1)
أحدٌ)) (الكامل
(1)
الصواب: "لا يتابعه عليها"، وكان الحافظ ابن عدي يلحن في العربية؛ قال الحافظ الذهبي:((جرَّحَ وَعدَّلَ وَصحَّحَ وَعلَّلَ، وَتقدَّمَ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ عَلَى لحنٍ فِيْهِ، يظْهَرُ فِي تَأَلِيفِهِ)) (السير 16/ 154).
1/ 443 - 444).
قلنا: وهذا منها؛ فإن الحديثَ محفوظٌ من طرقٍ كثيرةٍ، عن عبد اللهِ بنِ نافعٍ، عن ابنِ أبي ذِئْبٍ، عن عُقْبَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، عنِ ابنِ ثَوْبَانَ، عن جابرٍ، به بِلَفْظِ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ (فَرْجَهُ)، فَعَلَيْهِ الوُضُوءُ (فَلْيَتَوَضَّأْ))). كما تقدَّمَ في الروايةِ السابقةِ.
فأخطأ أحمد بن هارون في سنده ومتنه:
فأما السند: فقال: (عن يعقوب بن عتبة) والصواب: (عقبة بن عبد الرحمن)، والأول ثقة، والثاني مجهول.
وأما المتن فقال: (مَنْ أَفْضَى) والمحفوظ (مَنْ مَسَّ)، وليس بلفظ الإفضاء.
2322 -
حَدِيثُ ابْنِ ثَوْبَانَ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ ثَوْبَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ، فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
مرسل ضعيف.
[التخريج]:
[أم 52 (واللفظ له) / شف 59/ هق 651/ هقخ 544/ هقع 1022/ طح (1/ 74) / ضحة (طهارة ق 11/أ)].
[السند]:
أخرجه الشافعيُّ -ومن طريقه البيهقيُّ- قال: أخبرنا ابن أبي فُدَيْك، عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، به.
وأخرجه عبد الملك بن حبيب في (الواضحة) عن الحنفي. والطحاويُّ من طريق أبي عامر العَقَدي. كلاهما: عن ابن أبي ذئب، عن عقبة بن عبد الرحمن، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: الإرسال؛ فإن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: عقبة بن عبد الرحمن: ((مجهول))، وقد تقدَّمَ الكلام عليه في حديث جابر.
2323 -
حَدِيثُ أَرْوَى بِنْتِ أُنَيْسٍ:
◼ عَنْ أَرْوَى بِنْتِ أُنَيْسٍ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ (ذَكَرَهُ) فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، منكرٌ؛ ولذا قال البخاريُّ:((هذا لا يُشتغلُ به))، وضَعَّفَهُ جدًّا الجصاصُ. وقال ابنُ السكن:((لم يَثبتْ))، وأقرَّهُ الحافظُ ابنُ حَجرٍ.
[التخريج]:
[علقط (8/ 99 - 100) / صحا 7527 (واللفظ له ولغيره) / هقخ 554/ سكنص (الوافي بالوفيات 8/ 236) (والرواية له ولغيره) / بحير (ق 8/ أ)].
[السند]:
أخرجه أبو نُعَيْم في (معرفة الصحابة) قال: حدثنا محمد بن جعفر بن يوسف، حدثنا أحمد بن الحسين الأنصاري الفقيه، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا عثمان بن اليمان، حدثنا هشام بن زياد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أروى، به.
ورواه الدارقطنيُّ والبيهقيُّ: من طريق محمد بن إسحاق الصَّغَاني، حدثنا عثمان
(1)
به.
ومداره على أبي المقدام هشام بن زياد، به.
(1)
ولكن وقع في مطبوع (الخلافيات): ((عثمان بن النعمان))، وهو تصحيف. والصواب:((ابن اليمان))، كما في بقية المصادر.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه هشام بن زياد أبو المقدام، قال فيه ابنُ حَجرٍ:((متروك)) (التقريب 7292).
وعثمان بن اليمان، ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 450) وقال:((ربما أخطأ)). وقال ابنُ حَجرٍ: ((مقبول)) (التقريب 4530). أي: حيثُ يُتابَع وإلا فلَيِّن.
والمحفوظُ عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسْرةَ. كذا رواه جماعة الثقات الأثبات من أصحاب هشام، كما تقدَّمَ في حديث بُسْرةَ.
فهذا الإسنادُ منكرٌ ساقطٌ، ولا ريبَ.
ولذا قال البخاريُّ -حينما سُئِلَ عن هذا الحديثِ-: ((ما يُصنعُ بهذا؟ ! هذا لا يُشتغلُ به))، قال الترمذيُّ:((ولم يَعبأ به)) (العلل الكبير، صـ 48).
وقال البيهقيُّ: ((هذا خطأٌ، والصحيحُ رواية الجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن بُسْرةَ)) (الخلافيات 554).
وقال ابنُ السكن: ((لم يَثبتْ، ولم يُحَدِّثْ به عن هشام بن عروة هكذا غيرُ أبي المقدام، وهو بصري ضعيف)) (الإصابة 13/ 119).
وقال الجصاص: ((وهشام بن زياد هذا ساقط)) (شرح مختصر الطحاوي 1/ 393).
2324 -
حَدِيثُ حَفْصَةَ:
◼ عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
المتنُ مختلفٌ فيه، وإسنادُهُ منكرٌ.
[التخريج]:
[لقب (مغلطاي 1/ 558)].
[السند]:
أخرجه الشيرازي في (الألقاب) -كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 558) -: من طريق الفرخ، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ منكرٌ؛ الفرخ هو حفص بن عمر: ((ضعيف)) كما في (التقريب 1420).
والمحفوظُ عنه روايته هذا الحديث عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن بُسْرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. كما تقدَّمَ في حديثِ بُسْرةَ.
وقد خَطَّأَهُ في ذلك أئمة الحديث؛ لأن المحفوظ عن مالك -كما في (الموطأ 102) - عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.
وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عُرْوةَ عن مران عن بُسْرةَ به مرفوعًا. وقد تقدَّمَ بيان ذلك في حديث بُسْرةَ.
ومع هذا قال الشيرازي -عقب رواية حفصة هذه-: ((هكذا قال، والصواب: مالك، عنِ الزهريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ))! !
كذا قال الشيرازيُّ رحمه الله، وهو وهمٌ، فلا يصحُّ لمالكٍ رواية في هذا البابِ عنِ الزهريِّ عن عُرْوةَ عن عائشةَ؛ لأن عروةَ إنما يرويه من حديثِ بُسْرةَ، على خلافٍ عنه أَسِمَعه من بُسْرةَ أم بواسطة عنها، كما تقدَّمَ بيانُه في حديثِ بُسْرةَ.
2325 -
حَدِيثُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ:
◼ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى، ثُمَّ عَادَ فِي مَجْلِسِهِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَعَادَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ:((إِنِّي كُنْتُ مَسَسْتُ ذَكَرِي فَنَسِيتُ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ رِجَالٍ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [حق (مط 2/ 387/ 135)، (خيرة 598/ 2) / هقع 1039].
تخريج السياق الثاني: [قديم (هقع 1037)].
[السند]:
أخرجه ابنُ راهويه في (مسنده) -ومن طريقه البيهقيُّ في (المعرفة 1039) - قال: أخبرنا محمد بن بكر البرْساني، قال: حدثنا ابن جريج، قال: وقال يحيى بن أبي كثير، عن رجل من الأنصار، به.
ورواه الشافعيُّ في كتاب (القديم) -كما في (معرفة السنن والآثار 1037) -: عن مسلم بن خالد الزنجي وسعيد بن سالم، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجال من الأنصار، به بلفظ السياق الثاني.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
العلةُ الأُولى: ابنُ جُريجٍ مدلسٌ مشهورٌ بالتدليسِ، ولا يُعْرَفُ بالروايةِ عن
يحيى، رغم أنه عاصره، ولم يصرح بالسماع منه هنا، بل قال:((قال يحيى)).
وقد قال يحيى بن سعيد القطان: ((كان ابن جريج صدوقًا، فإذا قال: (حدثني) فهو سماع، وإذا قال:(أخبرنا) أو (أخبرني) فهو قراءة، وإذا قال:(قال) فهو شبه الريح)).
وقال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: ((إذا قال ابنُ جريج: (قال فلان)، و (قال فلان)، و (أُخْبِرْتُ) جاء بمناكير)) (تهذيب التهذيب 6/ 405).
وسُئِل الدارقطنيُّ عن تدليس ابن جريج، فقال: ((يُتجنب تدليسه؛ فإنه وحش التدليس، لا يدلسُ إلا فيما سمعه من مجروح؛ مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة
…
وغيرهما)) (سؤالات الحاكم 269).
الثانية: عنعنةُ يحيى بن أبي كثير، فإنه مدلسٌ أيضًا، قال ابنُ حَجرٍ:((ثقةٌ ثَبْتٌ، لكنه يدلسُ ويرسلُ)) (التقريب 7632).
الثالثة: الإرسالُ أو الانقطاعُ، فإن قوله:((عن رجل من الأنصار)) يحتمل أن يكون الرجل الأنصاري هذا تابعيًّا أو صحابيًّا.
فإن كان صحابيًّا فالحديثُ منقطعٌ أو معضلٌ؛ لأن يحيى لم يدرك أحدًا من الصحابة إلا أنسًا، رآه رؤية، ولم يسمعْ منه أيضًا. انظر (جامع التحصيل 880)، و (تهذيب التهذيب 11/ 269).
وإن كان تابعيًّا فالحديثُ مرسلٌ.
وهنا يزاد علة رابعة، ألا وهي: الجهل بحال المُرسِل، إذ لم يُسَمِّه يحيى.
والحديثُ ضَعَّفَهُ مغلطاي في (شرحه لسنن ابن ماجه 2/ 5) بأبي عبد الرحمن السُّلمي شيخ البيهقي! وفي ذلك نظر، على أنه لا حاجة لمثل هذا التضعيف؛
لأنه إنما يرويه من طريق ابن راهويه، والحديث عنده في (مسنده) -كما في المطالب والإتحاف، وإن لم يوجدا إلا بعد عصر مغلطاي بكثير-، فالنظر إنما يتوجه إلى سند إسحاق، وليس إلى سند البيهقي.
هذا، وقد اختُلف على ابن جريج في هذا الحديثِ:
فرواه الشافعيُّ -في (القديم)، كما في (المعرفة 1037) - عن مسلمٍ وسعيدِ بنِ سالِمٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عن رِجالٍ منَ الأنصارِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
هكذا ذكره باللفظِ المشهورِ من حديث بُسْرةَ وغيرها، بخلاف رواية ابن راهويه، وجَعَله عن رجالٍ منَ الأنصارِ، وليس عن رجلٍ. والتصحيفُ في مثل هذا وارد جدًّا.
وسعيد بن سالم هو القَدَّاح: ((صدوقٌ يَهِم، ورُمِي بالإرجاء، وكان فقيهًا" (التقريب 2315).
ومسلم هو ابنُ خالد الزنجي ((صدوق، كثير الأوهام)) (التقريب 6625).
وبقية الإسناد فيه ما سَبَقَ، ومع ذلك قال مغلطاي:((وإسنادُهُ صحيحٌ عند جماعةٍ لتوثيقهم يحيى))! (شرح ابن ماجه 2/ 5).
2326 -
حَدِيثُ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ عَادَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ كُنْتَ صَلَّيْتَ! فَقَالَ: ((أَجَلْ، وَلَكِنِّي مَسَسْتُ ذَكَرِي فَنَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا لإعضاله.
[التخريج]:
[عب 417 (واللفظ له) / علقط (8/ 98)].
[السند]:
أخرجه عَبْدُ الرَّزَّاقِ في (مصنفه) -ومن طريقه الدارقطنيُّ في (العلل) - عن معمر
(1)
بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، به، مرسلًا.
ورواه الدارقطنيُّ أيضًا من طريق مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هشام قال: حدثنا يحيى بنُ أبي كثيرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ذَاتَ يَوْمٍ وَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ:((مَسَسْتُ ذَكَرِي)).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجاله ثقات، إلا أن فيه علةَ الإرسالِ بل الإعضال؛ فإن يحيى بن أبي كثير من صغار التابعين، بينه وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم راويان على الأقل.
وقد اختُلف فيه على يحيى اختلافًا كثيرًا كما سَبَقَ ذكره في حديثِ عائشةَ، وانظر ما سيأتي.
(1)
تصحف في مطبوع (العلل) إلى: ((عمر)).
2327 -
حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعَادَ الوُضُوءَ فِي مَجْلِسِهِ، فَقِيلَ لَهُ (فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ) ((فَقَالَ: إِنِّي حَكَكْتُ ذَكَرِي)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[حق 867 (واللفظ له) / علقط (8/ 97) (والرواية له)].
[السند]:
رواه إسحاق بن راهويه في (مسنده): عن معاذ بن هشام قال: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، أن المهاجر بن عكرمة المخزومي أخبره، أن محمد بن مسلم الزهري أخبره، به.
وتوبع عليه معاذ وأبوه:
فرواه الدارقطنيُّ في (العلل 8/ 97) من طريق أبي معمر المُقْعَد، قال: حدثنا عبد الوارث، عن حسين، عن يحيى بن أبي كثير، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه -مع إرساله- المهاجر بن عكرمة، وهو مجهولٌ كما تقدَّمَ قريبًا.
وقد رواه بعضُهم عن هشامٍ، وأسقطَ منه المهاجر:
فرواه الدارقطنيُّ أيضًا في (العلل 8/ 97) من طريق يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا عبد الوهاب قال: أخبرنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عنِ الزهريِّ، به مرسلًا.
ويحيى بن أبي طالب وَثَّقَهُ الدارقطنيُّ، وتَكلَّم فيه غيرُهُ (اللسان 8475).
وعبد الوهاب وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ، ولَيَّنه جماعةٌ، وقال الحافظُ:((صدوقٌ، ربما أخطأ)) (التقريب 4262).
قلنا: رواية معاذ عن أبيه بذ كر المهاجر في سنده هي الصواب، فقد تابعه عليها حسين المعلم عن يحيى كما سَبَقَ.
وفي سند الحديث اختلاف كبير على يحيى، يُنظر له حديث عائشة.
2328 -
حَدِيثُ أَنَسٍ:
◼ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[بحير (ق 36/ ب)].
[السند]:
أخرجه أبو عثمان البحيري في (الفوائد) قال: أخبرنا أبو طاهر بن عروة الأصبهاني، أنبأ محمد بن أحمد بن توبة البزاز قال: سمعت أبا محمد عبدان المروزي يقول: ثنا سعيد بن مسعود، ثنا أبو الحارث نصر بن حماد، ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ نصر بن حماد ضعيف متروك، وكذَّبه ابنُ مَعِينٍ وغيرُهُ. انظر (تهذيب التهذيب 10/ 425 - 426)، و (ميزان الاعتدال 9029).
2329 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ساقطٌ. وأنكره: ابنُ عَدِيٍّ. وَتَبِعَهُ البيهقيُّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ سَيدِ النَّاسِ.
[التخريج]:
[عد (6/ 305) (واللفظ له) / هقخ 541/ خط (15/ 589)].
[السند]:
أخرجه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 541) - قال: حدثنا عمر بن سِنان، حدثنا الضحاك بن حجوة أبو عبد الله، حدثنا الهيثم، حدثنا أبو هلال الراسبي، عن ابن بُريدة، عن يحيى بن يَعْمر، عنِ ابنِ عباسٍ، به.
وأخرجه الخطيبُ في (تاريخ بغداد 15/ 589) من طريق عمر بن سعيد بن سنان المَنْبِجي، عن الضحاك، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه الضحاك بن حجوة، قال عنه الدارقطنيُّ:((كان يضعُ الحديثَ)).
وقال ابنُ حِبَّانَ: ((روى عن ابن عُيَينة وأهل بلده العجائب، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا للمعرفة فقط)) (لسان الميزان 3952).
وذَكَره ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) وقال: ((منكرُ الحديثِ عن الثقاتِ)). ثم أسند له هذا الحديث وقال -عقبه-: ((وهذا لا أعرفه إلا من رواية الضحاك
ابن حجوة بهذا الإسنادِ)). ثم أسندَ له عِدَّةَ أحاديث أخرى، وخَتَم ترجمته بقوله:((والضحاك بن حجوة هذا كل رواياته مناكير، إما متنًا أو إسنادًا)) (الكامل 6/ 305 - 306).
وتبعه البيهقيُّ فقال -عقبه-: ((والضحاك بن حجوة منكرُ الحديثِ)).
وَنقَل كلامَ ابنِ عَدِيٍّ وأقرَّه: ابنُ دقيق العيد (الإمام 2/ 321)، وابنُ سَيدِ النَّاسِ في (النفح الشذي 2/ 280).
* * *
2330 -
حَدِيثُ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ:
◼ عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، إِذَا مَسَّتْ إِحَدَانَا فَرْجَهَا، أَعَلَيْهَا الوُضُوءُ؟ فقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((نَعَمْ، فَلْتَتَوَضَّأْ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[ضحة (طهارة ق 11/ ب)].
[السند]:
أخرجه عبد الملك بن حبيب في (الواضحة) قال: حدثني أصبغ بن الفرج، عن ابن وهب، عن إبراهيم بن نَشِيط، عن خالد بن يزيد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ لإعضاله؛ فخالد بن يزيد -فيما يظهر لنا- هو خالد بن يزيد الجُمَحي المصري (بلدي إبراهيم بن نشيط)، وهو ثقة من السادسة، وهذه الطبقة لم يَثبتْ لها سماع أحد من الصحابة.
وعبد الملك بن حبيب متكلمٌ فيه لسوء حفظه وغلطه، وكان صُحُفيًّا يُخطئُ في الأسانيد. انظر (تهذيب التهذيب 6/ 390)، و (اللسان 2/ 255)، وقال الحافظُ:((صدوقٌ، ضعيفُ الحفظِ، كثير الغلط)) (التقريب 4174).
[تنبيه]:
قال الحاكمُ: ((وقد رُوِّينا إيجاب الوضوء من مسِّ الذَّكَرِ عن جماعةٍ منَ الصحابةِ والصحابياتِ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، منهم: عبد الله بن عمر،
وأبو هريرة، وزيد بن خالد الجهني، وسعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله، وأم حبيبة، وأم سلمة، وأَرْوَى)) (المستدرك 1/ 474).
قلنا: هذه الأحاديثُ جميعًا -وغيرُهُا كثير- مخرجةٌ -والحمد لله- في موسوعتنا هذه، إلا حديث أم سلمة وسعد بن أبي وقاص، فلم نقفْ عليهما في شيءٍ من كتبِ الحديثِ مرفوعين إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ويبدو أن أهل العلم قبلنا لم يقفوا عليهما كذلك، فقد اكتفى غَيرُ واحدٍ منَ الحفاظِ، كمغلطاي في (شرح ابن ماجه 2/ 5)، والحافظُ ابنُ حَجرٍ في (التلخيص الحبير 1/ 217)، والعينيُّ في (البناية 1/ 304) - عند تخريج حديث سعد أو حديث أم سلمة بإحالته على كلام الحاكم، ولم يذكروا له مصدرًا ولا سندًا.
نعم، ورد ذكر أم سلمة في قصة بُسْرةَ، ولكن من مرسل ابن أبي مُلَيْكة، وليس من حديث أم سلمة، وقد تقدم.
وأما حديث سعد، فالذي وجدناه -فيما بين أيدينا من المصادر- موقوفًا عليه غير مرفوع.
أخرجه مالكٌ في (الموطأ 101) -والسياقُ له-: عن إسماعيل بن محمد.
وعَبْدُ الرَّزَّاقِ (419): عن معمر وابن عيينة، عن إبراهيم بن أبي حُرَّة.
وابنُ أبي شيبةَ (1742): عن وكيعٍ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الزبير بن عَدِيٍّ.
والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 76/ 463) من طريق شعبة، عن الحكم بن عُتيبة.
أربعتهم: عن مصعبِ بنِ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ، أَنَّهُ قَالَ:((كُنْتُ أُمْسِكُ المُصْحَفَ عَلَى سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَاحْتَكَكْتُ، فَقَالَ سَعْدٌ: لَعَلَّكَ مَسَسْتَ ذَكَرَكَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: قُمْ، فَتَوَضَّأْ. فَقُمْتُ، فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ)). وقد صَحَّحَهُ البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 276).
قلنا: وقد صَحَّ عن سعدٍ رضي الله عنه -أيضًا- خلافُ ذلك:
فقد أخرجه عَبْدُ الرَّزَّاقِ (439) -والسياق له-: عن ابن عيينة.
وابنُ أبي شيبةَ (1750): عن وكيعٍ.
وسعيدُ بنُ منصورٍ في (السنن)، كما في (جمع الجوامع للسيوطي 18/ 629) -ومن طريقه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 77/ 471) -: عن هُشيمٍ.
ومحمدُ بنُ الحسنِ الشيبانيُّ في (الموطأ 27)، وفي (الحجة على أهل المدينة 1/ 64): عن يحيى بن المهلب.
وابنُ المنذرِ في (الأوسط 94): من طريق يعلى بن عُبيد.
والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 77/ 470): من طريقِ زائدةَ.
والبيهقيُّ في (الخلافيات 583): من طريقِ شعبةَ.
كلهم: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال:((سَأَلَ رَجُلٌ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ أيَتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ مِنْكَ شَيْءٌ نَجِسٌ فَاقْطَعْهُ)).
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله ثقات أثبات رجال الشيخين.
وقد صَحَّحَهُ: ابنُ التركماني في (الجوهر النقي 1/ 131)، والعينيُّ في
(نخب الأفكار 2/ 125).
وقد رُوي نحو ذلك من حديث مصعب بن سعد أيضًا:
أخرجه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 77/ 468): حدثنا إبراهيمُ بنُ مرزوقٍ، قال: حدثنا أبو عامرٍ، قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ، عن إسماعيلَ بنِ محمدٍ، عن مصعبِ بنِ سعدٍ، قال:((كُنْتُ آخُذُ عَلَى أَبِي المُصْحَفَ، فَاحْتَكَكْتُ فَأَصَبْتُ فَرْجِي، فَقَالَ: أَصَبْتَ فَرْجَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، احْتَكَكْتُ. فَقَالَ: اغْمِسْ يَدَكَ فِي التُّرَابِ. وَلَمْ يَأْمُرْنِي أَنْ أَتَوَضَّأَ)).
وهذا إسنادٌ ظاهره الصحة؛ فأبو عامر هو العَقَدي.
وعبد الله بن جعفر هو المُخَرِّمي، وَثَّقَهُ جمهورُ النقادِ وهو المعتمدُ، انظر (تهذيب التهذيب 5/ 171).
إلا أنه خولف فيه، فقد رواه مالكٌ الإمامُ عن إسماعيل بن محمد، عن مصعب، أن سعدًا قال له:((قُمْ، فَتَوَضَّأْ))، وكذا رواه غَيرُ واحدٍ منَ الثقاتِ عن مصعبٍ، كما تقدَّم.
فلا ريب أن رواية المخرمي هذه وهمٌ لا تصحُّ.
وأخرجه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 77/ 469): من طريق زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الزبير بن عَدِيٍّ، عن مصعب بن سعد، أن سعدًا قال له:((قُمْ فَاغْسِلْ يَدَكَ)) دون الأمر بالوضوء.
قال العينيُّ: ((وهذا أيضًا إسنادٌ صحيحٌ)) (نخب الأفكار 2/ 124).
ولكن قد تقدَّمَ أن وكيعًا رواه عن إسماعيل بن أبي خالد به، بذكر الأمر بالوضوء، وهو الصحيح عن مصعب بن سعد.
وتبقى الرواية الصحيحة عن قيس بن أبي حازم عن سعد بخلاف ما رواه مصعب.
وقد رجَّحَ الطحاويُّ روايةَ ترك الوضوء على رواية الأمر بالوضوء، فقال:((فهذا سعد، لما كُشفت الروايات عنه ثَبَت عنه أنه لا وضوء في مَسِّ الذَّكَرِ)).
وخالفه الدارقطنيُّ فقال: ((حَدَّثَ به إسماعيل بن محمد بن سعد، والحَكَم بن عُتيبة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنه أمره بالوضوء)). وخالفهما الزبيرُ بنُ عَدِيٍّ، فرواه عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنه قال له:((اغْسِلْ يَدَكَ)). وروى قيس بن أبي حازم، عن سعد، أن رجلًا قال له: مسست
(1)
ذكري، فقال:(إِنْ عَلِمْتَ أَنَّ بَضْعَةً مِنْكَ نَجِسٌ فَاقْطَعْهَا)) والقول الأول أصح)) (العلل 601).
وقد حكى الخلافَ عن سعدٍ أبو عمر ابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد 17/ 201)، ولم يرجح.
ومال ابن دقيق العيد إلى ترجيح رواية نقض الوضوء، فقال:((لا يَثبتُ عندي ما ذكره أبو عمر في رواية عَبْدِ الرَّزَّاقِ هذه، قول سعد في أنه لا ينقض الوضوء بمسه، فلعلَّه سئل عن إباحة المس أو كراهته أو منعه)) (الإمام 2/ 280).
* * *
(1)
في المطبوع: مسيت.