الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
398 - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الكَلَامَ وَإِنْ عَظُمَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وُضُوءٌ
2397 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ [بِشَيْءٍ])).
[الحكم]:
متفق عليه (خ، م) دون الزيادة، فلمسلم وغيره.
[الفوائد]:
قال ابنُ خُزَيمةَ -عقب الحديث-: "فلم يأمرِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الحالفَ باللاتِ ولا القائل لصاحبه: ((تَعَالَ أُقَامِرْكَ)) بإحداثِ وُضوءٍ، فالخبرُ دالٌّ على أن الفحش في المنطق وما زُجر المرء عن النطق به- لا يوجبُ وُضوءًا، خلاف قول من زعم أن الكلامَ السيئَ يوجبُ الوضوءَ".
وقال ابنُ المنذرِ: "وأجمعَ كلُّ من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذفَ وقولَ الكذب والغيبة- لا تنقضُ طهارةً ولا توجبُ وضوءًا"(الأوسط 1/ 334).
[التخريج]:
[خ 4860 (واللفظُ لَهُ)، 6107، 6301، 6650/ م 1647/ د 3232
/ ت 1628/ ن 3808/ كن 4908، 10939، 10940، 11658/ جه 2090/ حم 8087/ خز 48/ حب 5741/ عه 6341 - 6343/ عب 16948/ بز 8080، 8081/ طس 9157/ بخ 1262/ صمت 358/ منذ 134، 8939/ سي 991، 992/ مشكل 833، 834، 3298/ عد (9/ 194، 472 - 473) / هق 691، 692، 19862/ هقع 1216، 1218/ هقت 504/ استذ (5/ 195) / طيل 340/ أصم 22/ بغ 2433/ طبش (10/ 343) / يوني (صـ 124)].
[السند]:
رواه البخاريُّ (4860، 6650) قال: حدثنا عبد الله بن محمد، أخبرنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، به.
ورواه عبدُ الرزاقِ (16948) -ومن طريقه أحمد (8087)، ومسلم (1647)، وأبو داود (3232)، وابن خُزَيمةَ (48)، وابنُ حِبَّانَ (5741)، وأبو عَوانة (6341)، وغيرُهم - عن معمرٍ، به مع الزيادةِ.
وتوبع عليه معمر:
فرواه البخاريُّ (6107)، ومسلمٌ (1647)، والترمذيُّ (1628)، وابنُ مَاجهْ (2090) وغيرُهم من طُرُقٍ عنِ الأوزاعيِّ.
ورواه البخاريُّ (6301)، والبيهقيُّ في (الكبرى 19862) و (الدعوات 504) من طريق عُقيل بن خالد.
ورواه مسلمٌ (1647)، والنسائيُّ في (الكبرى 10940) وأبو عَوانة (6343) وغيرهم، من طريق يونس بن يزيد.
ورواه النسائيُّ في (الصغرى 3808) و (الكبرى 4908) من طريق محمد بن الوليد الزبيدي.
ورواه البزارُ (8080) من طريق عمر بن سعيد -هو ابن سَرْحة-.
ورواه الطبرانيُّ في (الأوسط 9157) من طريقِ محمد ابن أخي الزهري.
ورواه البيهقيُّ في (الكبرى 692)، و (المعرفة 1216) من طريق إبراهيم بن سعد.
سبعتهم: عن ابن شهاب الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، به.
زاد إبراهيم بن سعد عند البيهقيِّ: قال ابنُ شهابٍ: ولم يبلغني أنه ذَكَر في ذلك وضوءًا.
والحديثُ مع قولِ ابنِ شهاب هذا قد عَلَّقَهُ الشافعيُّ في (الأم 2/ 47/ رقم 58)، ثم قال:"ولا وضوء في ذلك ولا في أذَى أحد ولا قَذْف، ولا غيره؛ لأنه ليس من سبيل الأحداث".
وقال الترمذيُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
وقال الإمامُ مسلمٌ: "هذا الحرف -يعني قوله: ((تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ)) -، لا يرويه أحدٌ غير الزهري"، قال:"وللزهري نحو من تسعين حديثًا يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يشاركه فيها أحد، بأسانيد جياد".
قال ابنُ حَجرٍ: "وإنما قَيَّد التفردَ بقوله: ((تَعَالَ أُقَامِرْكَ)) لأن لبقية الحديث شاهدًا من حديث سعد بن أبي وقاص، يستفاد منه سبب حديث أبي هريرة، أخرجه النسائيُّ بسندٍ قويٍّ قال: ((كُنَّا حَدِيثِي عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، فَحَلَفْتُ بِاللَّاتِ
وَالعُزَّى، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِكَ، وَتَعَوَّذْ بِاللهِ، ثُمَّ لَا تَعُدْ)).
فيمكن أن يكون المرادُ بقوله في حديث أبي هريرة: ((فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)) إلى آخر الذكر المذكور- إلى قوله: ((قَدِيرٌ))، ويحتمل الاكتفاء بلا إله إلا الله؛ لأنها كلمة التوحيد، والزيادة المذكورة في حديث سعد تأكيد" (الفتح 11/ 92)، وانظر تخريجَ شاهد سعد في كتاب الأيمان.
تنبيه هام:
انتَقدَ الإسماعيليُّ على البخاريِّ طريقَ الأوزاعيِّ عن الزهريِّ، فقال:"لم يقلْ فيه أحدٌ عنِ الأوزاعيِّ: "حدَّثني الزهري" إلا أبو المغيرة، وقد رواه الوليد، وعمر بن عبد الواحد، عنِ الأوزاعيِّ، عن الزهري معنعنًا. ورواه بِشر بن بكر عنِ الأوزاعيِّ قال: "بلغني عن الزهري"، قال: وأبو المغيرة وبِشر بن بكر صدوقان، إلا أن بِشرًا كان يُعْرِض عن مثل هذا"اهـ.
قال ابنُ حَجرٍ: "ورواه عقبة بن علقمة البيروتي عنِ الأوزاعيِّ كما قال بشر بن بكر سواء، ورويناه في الجزء الثالث من حديث أبي العباس الأصم قال: حدثنا العباس بن الوليد بن مَزْيَد عن عقبة به، وهذا من المواضع الدقيقة، ولكن الحديث في الأصل صحيح عن الزهري، وقد أخرجه البخاريُّ من حديث معمر وعقيل عنه"(مقدمة الفتح، صـ 379).
قلنا: هكذا أجابَ ابنُ حَجرٍ، وكأن الوهم قد تَمَّ على البخاريِّ في تخريجه لطريق الأوزاعي! وليس الأمرُ كذلك:
فأبو المغيرة عبد القدوس بن الحَجاج الخَوْلاني، ثقة من رجال الشيخين،
ومع ذلك فقد توبع على قوله خلافًا لما قاله الإسماعيليُّ:
فرواه النسائيُّ في (الكبرى 10939، 11658 - عمل اليوم والليلة 991) عن أحمد بن سليمان قال: حدثنا مسكين بن بُكير قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزهري، عن حميد، به.
ومسكين صدوق مشهور صاحب حديث، إنما كان يُخْطِئُ في حديث شعبة، فلا شَكَّ أن روايتَه تؤيد رواية أبي المغيرة.
فأما رواية بِشر بن بكر التي ذكرها الإسماعيليُّ فلم نقفْ عليها، وهو من رجال البخاريِّ دونَ مسلمٍ، فأبو المغيرة أعلى منه، لاسيما وقد قال مَسلمةُ في بِشرٍ:"روى عنِ الأوزاعيِّ أشياء انفردَ بها"(تهذيب التهذيب 1/ 443).
وأما متابعة عقبة بن علقمة التي ذكرها ابنُ حَجرٍ مؤيدًا الإسماعيليَّ، فهي متابعةٌ معلولةٌ مع ضَعْفِ سندها، والمحفوظ عن الأصمِّ ما رواه البيهقيُّ في (المعرفة 1218) عن الحاكم، عن الأصم قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرني أبي قال: حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن حميد، به.
ورواية عقبة إنما جاءت في (الثاني من حديث الأصم 22) وليس الثالث كما ذكر الحافظ، وعلى كلٍّ فكلتاهما من رواية أبي زُرْعة طاهر بن محمد المقدسيُّ، عن عبدوس بن عبد الله، عن أبي بكر محمد بن أحمد الطوسي، عن الأصم، به.
وعبدوس قال عنه شيرويه: "كان صدوقًا متقنًا
…
، كُفَّ بصره وأُصِم في آخر عمره، وسماعُ القدماء منه أصح إلى سنة نيف وثمانين، ومات في جمادى الآخرة، سنة تسعين وأربع مائة" (السير 19/ 98).
قلنا: وسماعُ أبي زرعة المقدسيِّ منه كان بعد أن كُفَّ بصرُه وصُمَّتْ أُذُنَاهُ، فكان لا يَرى ولا يَسمع! وكان أبو زرعةَ لم يبلغِ العاشرة! فإنه وُلد سنة (481 هـ) وقيل: سنة (480) كما في (السير 20/ 503)، وإنما أسمعه منه أبوه كما قال الدّبيثيُّ في (الذيل 1601 = المختصر 741)، وابنُ النجارِ في (ذيله) كما في (المستفاد 89)، وانظر (اللسان 4995).
وكذلك أبو العباس الأصم، قد كُفَّ بصرُه وأُصِم في آخر عمره، وتغيَّر حالُه من سنة (344) إلى أن مات سنة (346) كما في (السير 15/ 458، 459).
والظاهرُ أن أبا بكر الطوسيَّ هذا قد أخذَ عنه بعد تغيره، فإنه حَدَّثَ عنه ببغداد سنة (405) كما في (تاريخ بغداد 228).
ثم إن عقبة نفسه ذكره ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 1423) وقال: "روى عنِ الأوزاعيِّ ما لم يوافقه عليه أحدٌ".
فلا نَدْرِي بعد كلِّ هذا كيف وافقَ ابنُ حَجرٍ الإسماعيليَّ على توهيمِ البخاريِّ؟ ! لاسيما ورواية من رواه بالعنعنة كالوليد بن مزيد، والوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد - محمولةٌ على الاتصالِ؛ لأن الأوزاعيَّ ليس بمدلسٍ، فرواياتهم، وروايتا أبي المغيرة ومسكين سواء! فكلهم متفقون على خلافِ رواية بشر بن بكر التي لم نجدْها! ورواية عقبة المعلولة!
هذا وقد جَزَمَ أبو زرعة الرازيُّ بأن الأوزاعيَّ يرويه عن الزهريِّ كما في (العلل 2501). والله أعلم.