الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
394 - بَابُ مَا وَرَدَ فِي الوُضُوءِ مِنَ القَيْءِ
2366 -
حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ:
◼ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ طَلْحَةَ -وَيُقَالُ: ابنُ أَبِي طَلْحَةَ-، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ. فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ -مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ
(1)
، قَالَ: صَدَقَ، وَأَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ.
[الحكم]:
مختلفٌ فيه:
فأقرَّ أحمدُ بثبوته، وهو ظاهر كلام البخاريِّ. ونَصَّ الترمذيُّ على أنه أصحُّ شيءٍ في البابِ. وَأَقرَّهُ الطوسيُّ.
وَصَحَّحَهُ: ابنُ خزيمةَ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، وابنُ مَنده، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وابنُ الجوزيِّ، وابنُ دَقيقٍ، وابنُ التركمانيِّ، وابنُ حَجرٍ، والألبانيُّ.
وحَسَّنَهُ: البغويُّ، والشوكانيُّ.
وَضَعَّفَهُ: ابنُ عبدِ البرِّ، وقال:"لا يَثبتُ عند أهلِ العلمِ بالحديثِ".
(1)
كذا في عامة المصادر. ووقع في (جامع الترمذي 88): ((قَاءَ، فَتَوَضَّأَ))، وهي رواية خطأ، وقد أفردناها بالتخريج والتحقيق عقب الكلام على هذه الرواية. وانظر الفوائد.
وَضَعَّفَهُ ابنُ حَزمٍ، والبيهقيُّ وحَكَم عليه بالاضطراب.
وتَوَقَّفَ فيه: الدارقطنيُّ، وابن المنذرِ.
[الفوائد]:
هذا الحديثُ لو صَحَّ ليس فيه دلالة على وجوبِ الوضوءِ من القيءِ البتةَ. وأكثر ما فيه -مع البعد- أن يكون دليلًا على الاستحبابِ.
* قال ابنُ المنذرِ: "وليس يخلو هذا الحديث من أحدِ أمرين:
إما أن يكون ثابتًا، فإن كان ثابتًا فليس فيه دليل على وجوب الوضوء منه؛ لأن في الحديثِ أنه تَوَضَّأَ، ولم يَذكرْ أنه أَمَرَ بالوضوءِ منه، كما أَمَرَ بالوضوءِ من سائرِ الأحداثِ.
وإن كان غير ثابت فهو أبعد من أن يجب به فرض
…
فإن ثبتَ الحديث لم يوجب فرضًا؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمرْ به فيما نعلم. والله أعلم" (الأوسط 1/ 296 - 297).
* وكذا قال ابنُ حَزمٍ: "ثُمَّ لو صَحَّ لما كان لهم فيه متعلق؛ لأنه ليس فيه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ تَقَيَّأَ فليَتَوَضَّأْ))، ولا أنَّ وضوءَه عليه السلام كان من أجلِ القيءِ"(المحلى 1/ 258).
* وقال شيخُ الإسلامِ: "قد استُدلَّ به على وجوبِ الوضوءِ منَ القيءِ، ولا يدلُّ على ذلك؛ فإنه إذا أرادَ بالوضوءِ الوضوءَ الشرعي، فليس فيه إلا أنه تَوَضَّأَ. والفعلُ المجردُ لا يدلُّ على الوجوبِ، بل يدلُّ على أن الوضوءَ من ذلك مشروع. فإذا قيل: إنه مستحبٌّ، كان فيه عمل بالحديث"(مجموع الفتاوى 25/ 222).
* قلنا: ولكن قال أبو الطيبِ السنديُّ في (شرح الترمذي) بناءً على الروايةِ التي وَقَعَتْ له، وهي بلفظ:((قَاءَ فَتَوَضَّأَ))
(1)
: "الفاء تدلُّ على أن الوضوءَ كان مرتبًا على القيءِ وبسببه، وهو المطلوبُ، فتكون هي للسببيةِ. فيندفعُ به ما أجابَ به القائلون بعدمِ النقضِ من أنه لا دلالةَ في الحديثِ على أن القيءَ ناقضٌ للوضوءِ؛ لجوازِ أن يكون الوضوءُ بعد القيءِ على وجهِ الاستحبابِ أو على وجهِ الاتفاقِ" انتهى.
* فتعقبه المباركفوريُّ بقوله: "قلتُ: قوله: (قَاءَ فَتَوَضَّأَ) ليس نصًّا صريحًا في أن القيءَ ناقضٌ للوضوءِ؛ لاحتمال أن تكون الفاء للتعقيب من دون أن تكون للسببية"(تحفة الأحوذي 1/ 243)، وانظر بقيةَ كلامه فيما يأتي.
* وقال الشيخُ أحمد شاكر -معلقًا على كلامه هذا-: "ولو كانتِ الفاءُ للسببيةِ لم تدل أيضًا على نقضِ الوضوءِ أو الصوم بالقيء؛ لأنه قد يَتَوضَّأُ الإنسانُ بعده من أجلِ النظافةِ وإزالةِ القذرِ الذي يبقى في الفمِ والأنفِ وعلى بعضِ الأعضاءِ. وقد يفطر لما ينوبه من الضعفِ والتراخي مما لا يستطيع معه احتمال مشقة الصوم أو خشية الضرر والمرض، فالقيءُ سببٌ لهما، ولكنه سببٌ عادي طبيعي ولا يكون سببًا شرعيًّا إلا بنصٍّ صريحٍ منَ الشارعِ"(حاشيته على الجامع 1/ 146).
* ثم قال المباركفوريُّ أيضًا: "الاستدلال بحديث الباب موقوف على أمرين:
الأول: أن تكون الفاء في (فَتَوَضَّأَ) للسببية، وهو ممنوع كما عرفتَ.
والثاني: أن يكون لفظ (فَتَوَضَّأَ) بعد لفظ (قاءَ) محفوظًا، وهو محلُّ تأمُّلٍ؛
(1)
وهذه الروية خطأ غير محفوظة، وقد أفردناها بالتخريج والتحقيق، فانظر الكلام عليها فيما يأتي.
فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ: (قَاءَ فَأَفْطَرَ)، وبهذا اللفظِ ذكره الترمذيُّ في كتاب الصيام
…
وأورده الشيخُ ولي الدين محمد بن عبد الله في (المشكاة) بلفظ: (قَاءَ فَأَفْطَرَ)
…
وأورده الحافظُ في (التلخيص) بهذا اللفظ
…
ورواه الطحاويُّ بهذا اللفظ في (شرح الآثار).
فمَن يرومُ الاستدلالُ بحديثِ البابِ على أن القيءَ ناقضٌ للوضوءِ- لا بدَّ له من أن يُثبتَ أن لفظَ (تَوَضَّأَ) بعد لفظ (قَاءَ) محفوظ.
فما لم يَثبتْ هذان الأمران لا يتم الاستدلال" (تحفة الأحوذي 1/ 243).
وَأَقرَّهُ الشيخُ أحمد شاكر -رغم إثباته هذه اللفظة في أصلِ المتنِ- فقال: "ونحن نوافقه على أنه غير محفوظ في اللفظِ، ولكنه على كلِّ حالٍ ثابتٌ في المعنى؛ لأن قولَ ثوبانَ تصديقًا لأبي الدرداء: ((صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ)) دليلٌ على أن الوضوءَ مذكورٌ في أصلِ الحديثِ وإن اختُصرَ في الروايةِ؛ لأن ثوبانَ يؤكِّد الرواية بأنه هو الذي صَبَّ له الوضوء بعد القيء"(حاشيته على الجامع 1/ 145، 146).
قلنا: ويؤيدُ ذلك رواية معمرٍ للحديثِ بلفظ: ((اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفْطَرَ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ))، ولكنها روايةٌ شاذَّةٌ
(1)
.
على أنه قد جاءَ متنُ الحديثِ بلفظ: ((قَاءَ فَتَوَضَّأَ)) في روايةِ ابنِ الجوزيِّ له في (التحقيق 194) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن عبد الصمد بن عبد الوارث بإسنادِهِ كما سيأتي، وكذا عزاه لأحمدَ غيرُ واحدٍ. والذي في (المسندِ) وعامة المصادر من هذا الطريق وغيره- إنما هو بلفظ: ((قَاءَ
(1)
وسيأتي الكلام عليها قريبًا.
فَأَفْطرَ))
(1)
.
وفي (سنن الأثرم 105) أنه قال: "قلتُ لأبي عبد الله: فيكون قول ثوبان: ((أَنَا صَبَبْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَضُوءَهُ)) توكيدًا لقولِ أبي الدرداء في الفطرِ من القيءِ؟ فذهبَ إلى أنه توكيدٌ للوضوءِ".
[التخريج]:
[د 2369 (واللفظُ لَهُ) / كن 3304 - 3312/ حم 21701، 22381، 27502، 27537/ مي 1754/ خز 2044 - 2046/ حب 1097/ جا 8/ ك 1573 - 1575 (مختصرًا) / ش 9292/ مش 30/ بز 4123/ طس 3702/ علحم 5535/ علت 57/ طوسي 70/ طح (2/ 96/ 3403، 3404) / مشكل 1674 - 1676/ ني 609/ سط (1/ 218) / منذ 82/ قط 590 - 593، 2258/ هق 679، 8109/ هقخ 659، 660/ كك (ق 10/أ) / عمر (1/ 147) / تمام 937، 938/ صحا 1412/ بغ 160/ كر (11/ 167)، (59/ 338، 339) / خبر (1/ 441)].
[التحقيق]:
هذا الحديثُ مدارُه على يحيى بن أبي كثير، واختُلِفَ عليه فيه:
فرواه عنه أربعةٌ من أصحابه، واختُلفَ فيه على ثلاثةٍ منهم أيضًا.
أولًا- طريق حسين المعلم: رواه عنه عبد الوارث بن سعيد، وعن عبد الوارث اثنان: ابنُه عبدُ الصمدِ وأبو مَعْمَر المُقْعَد، واختُلف عليهما في سنده.
(1)
وسيأتي الكلام على رواية ((قَاءَ فَتَوَضَّأَ)) بالتفصيل عقب الانتهاء من تحقيق هذه الرواية.
فأما طريق عبد الصمد: فرواه:
- أحمدُ في (المسند 27502) -ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق 194)
- والدارميُّ (1754).
- وأبو عُبيدةَ بنُ أبي السَّفَر، عند الترمذيِّ في (العلل الكبير 57)
(1)
، والطوسيِّ في (المستخرج 70)، والبيهقيِّ في (الخلافيات 660).
- وعمرُو بنُ عليٍّ الفلاسُ، عند النسائيِّ في (الكبرى 3305).
- ومحمد بنُ يحيى القُطَعِيُّ، والحسينُ بنُ عيسى البِسطاميُّ، عند ابن خزيمة (2044).
- ومحمد بنُ يحيى الذهليُّ، عند ابنِ الجارود (8).
- وإبراهيم بن مرزوق، عند الطحاويِّ في (المشكل 1675) و (شرح معاني الآثار)، وابنِ المنذرِ في (الأوسط 82).
- والعباسُ بنُ يزيدَ البحرانيُّ، عند الدارقطنيِّ في (السنن 590).
- ومحمدُ بنُ عبدِ الملكِ الواسطيُّ، عند الدارقطنيِّ في (السنن 590)، والبيهقيِّ في (الكبرى 679).
- وإبراهيم بن يعقوب الجوزجانيُّ، عند الحاكمِ في (الأسامي والكنى ق 10/أ).
(1)
وكذا رواه الترمذي في (السنن 88) بهذا الإسناد، إلا أنه باللفظ الخطأ:((قَاءَ فَتَوَضَّأَ))، الذي أشرنا إليه -آنفًا- في الفوائد؛ ولذا أفردناه بالتخريج عقب الكلام على هذه الرواية.
- وفضلُ بنُ درهم، عند بحشل في (تاريخ واسط 1/ 218، 217).
- وزُهيرُ بنُ حربٍ، وزنجوية اللباد، عند ابن عساكر في (تاريخ دمشق 59/ 339).
جميعهم: عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن
(1)
بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد
(2)
، عن أبيه، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، به.
وقال إسحاق بن منصور والفلاس في روايتِهِما: "معدان بن طلحة"، قال الترمذيُّ:"وابن أبي طلحة أصح"، وقال النسائيُّ:"الصواب: معدان بن أبي طلحة".
ومن هذا الطريقِ أثبتَ الإمامُ أحمدُ الحديثَ، واحتجَّ بِهِ.
قال الأثرمُ: "سألتُ أبا عبد الله عن الوضوء من القيء، فقال: نعم، يتوضَّأ. قلتُ: على إيجاب الوضوء؟ قال: نعم. واحتجَّ بحديثِ ثوبانَ: ((أَنَا صَبَبْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَضُوءَهُ)). قلتُ له: هو يَثبتُ عندك؟ قال: نعم. قلت له: إنهم يضطربون في هذا الحديث. فقال: حسين المعلم يُجوده. قلت له:
(1)
في طريق زهير: "عبد الله بن عمرو"، قال ابن عساكر:"كذا قال: "عبد الله"، وإنما هو عبد الرحمن بن عمرو".
قلنا: سيأتي بمثل رواية زهير من غير ما طريق. وفي كلام الأثرم لأحمد أن حسينًا المعلم هو صاحب هذا القول، وأجابه أحمد بأنهما واحد، وسيأتي في التعليق على طريق أبي معمر أنه نسب هذا القول لعبد الوارث، وهذا أصح، فقد ذكر بعض النقاد أن في كتابه خطأ كثيرًا في الإسناد وأسماء الرجال.
(2)
((في تاريخ دمشق (59/ 339)(قيس بن الوليد) قال ابن عساكر: "وهو خطأ".
هو يقول: (عن عبد الله بن عمرو الأوزاعي)! فقال: عبد الله وعبد الرحمن واحد. قلتُ له: يعيش بن الوليد معروف؟ قال: "قد رُوِيَ عنه". قلتُ له: فأبوه؟ قال: "أبوه معروفٌ؛ سمع منه ابنُ عيينةَ، قال: حدثني الوليد بن هشام المُعَيْطي، وكان عامل عمر بن عبد العزيز"(سنن الأثرم 105).
وبمثل قول أحمد: "حسين المعلم يُجوده"، قال البخاريُّ أيضًا، فقال الترمذيُّ:"سألتُ محمدًا عن هذا الحديثِ فقال: "جَوَّد حسين المعلم هذا الحديث" (علل الترمذي 1/ 51/ 57).
وكذا قال الترمذيُّ: "وقد جَوَّد حسين المعلم هذا الحديثَ، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب"(السنن 88).
وقال الدارقطنيُّ: "إن كان حسين حفظه فهو صحيح"(موافقة الخُبر الخَبر 1/ 442).
وقال ابنُ حَجرٍ -عقب هذا الطريق-: "هذا حديثٌ صحيحٌ"(موافقة الخبر الخبر 1/ 441).
وخالف الجماعة: أبو موسى الزَّمِن محمد بن المثنى، وأبو قلابة عبد الملك بن محمد الرَّقَاشي:
فرواه النسائيُّ في (الكبرى 3306)، وابن خزيمة (2044) -وعنه ابنُ حِبَّانَ (1092) -: عن أبي موسى.
ورواه الحاكم في (المستدرك 1573)، وفوائد تمام (937)، والبغويُّ في (شرح السنة 160) من طريق أبي قِلَابة الرَّقَاشي -قرَنه الحاكمُ بأبي موسى-.
كلاهما عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن حسين المعلم،
عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن عمرو
(1)
الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد، عن مَعْدَان، عن أبي الدرداء، به. كذا دون ذكر أبيه.
قال ابنُ خزيمةَ: "والصوابُ ما قال أبو موسى، إنما هو يعيش، عن معدان، عن أبي الدرداء"، ثم رواه من طريق حرب بن شداد وهشام الدستوائي بمثل رواية أبي موسى، ثم قال:"فبرواية هشام، وحرب بن شداد عُلِمَ أن الصوابَ ما رواه أبو موسى، وأن يعيش بن الوليد سمعَ من معدان، وليس بينهما أبوه".
وكذا قال الحاكمُ عقبَ روايةِ أبي موسى والرقاشيِّ: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخين، ولم يخرجاه لخلافٍ بين أصحابِ عبدِ الصمدِ فيه، قال بعضُهم: (عن يعيش بن الوليد، عن أبيه، عن معدان) وهذا وهم عن قائله، فقد رواه حربُ بنُ شدادٍ وهشامٌ الدستوائيُّ عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ على الاستقامةِ".
قلنا: سيأتي أنه قد اختُلِفَ في ذلك أيضًا على حربٍ وهشامٍ، غير أن الصوابَ عنهما ما رجَّحه ابنُ خُزَيمةَ والحاكمُ، فيكون ذِكر والد يعيش منَ المزيدِ في متصلِ الأسانيدِ. وعلى القولِ بأن ذكره محفوظ فيه فلا يضرُّ أيضًا؛ لأنه ثقة.
وأما طريقُ أبي مَعْمَرٍ المقعد - عبد الله بن عمرو المنقري- عن عبد الوارث بن سعيد، فقد اختُلِفَ عليه في ذكر والد يعيش أيضًا:
فرواه أبو داود في (السنن 2369).
(1)
وجاء عند النسائي: "عبد الله بن عمرو"، قال النسائي:"هذا خطأ، وهكذا وجدته في كتابي، هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي"(الكبرى 3306)، وانظر ما سطرناه آنفًا بهذا الشأن.
ومحمد بن إبراهيم بن جَنَّادٍ، كما عند الدارقطنيِّ في (السنن 593، 2258) والبيهقيِّ في (الكبرى 8109).
ومحمد بن علي بن ميمون الرَّقِّي، كما عند النسائيِّ في (الكبرى 3304).
ويوسف بن موسى القطان كما عند الدارقطنيِّ في (السنن 591)، وفوائد تمام (938).
وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن محمد بن عيسى البِرْتي القاضي، كما عند الدارقطنيِّ في (السنن 591).
جميعهم عن أبي معمر المقعد، عن عبد الوارث بن سعيد، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد بن هشام، عن أبيه، عن مَعْدَان، عن أبي الدرداء، به.
ورواه إبراهيم بن أبي داود، كما عند الطحاويِّ في (شرح مشكل الآثار 1676)، و (شرح معاني الآثار 3404).
وعثمان بن عمر الضَّبِّي، كما عند الطبرانيِّ في (الأوسط 3702).
وإبراهيم الحربي، كما عند أبي نعيم في (معرفة الصحابة 1412).
ثلاثتهم عن أبي معمر، عن عبد الوارث بن سعيد، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن عمرو
(1)
الأوزاعي، عن يعيش
(1)
عند الطحاويِّ في المصدرين: (عبد الله بن عمرو).
قال الطحاويُّ: "سمعتُ ابنَ أبي داود يقول: قال أبو معمر: هكذا قال عبد الوارث: (عبد الله بن عمرو)، والصواب: (عبد الرحمن بن عمرو) "(شرح مشكل الآثار 1676).
ابن الوليد، عن معدان، عن أبي الدرداء، به. لم يذكروا فيه والد يعيش.
ثانيًا- طريق هشام الدَّسْتُوائي:
رواه هشام عن يحيى، واختَلِفَ عليه أصحابه، وهم:
1 -
النضر بن شُمَيْل: رواه عنه عبدة المروزي -وهو صدوق-، وسليمان المصاحفي -وهو ثقة-، واختلفا في إسنادِهِ:
فرواه النسائيُّ في (الكبرى 3307) عن عبدة بن عبد الرحيم المروزي، عن النضر بن شُميل، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد بن هشام، عن معدان، عن أبي الدرداء، به.
ورواه النسائيُّ في (الكبرى 3308) عن سليمان بن سَلْم، قال: أنبأ النضر، قال: أنبأ هشام، عن يحيى، عن رجلٍ، عن يعيش بن الوليد بن هشام، عن أبي معدان، عن أبي الدرداءِ، به.
كذا أبهم فيه شيخ يحيى -وهو محفوظ عن هشام كما سيأتي-، وقال:"عَنْ أَبِي مَعْدَانَ"، وهو خطأٌ كما سيصَرَّحَ به غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ.
2 -
يحيى القطان: رواه بنحو رواية المصاحفي إلا أنه زاد فيه والد يعيش:
فرواه ابنُ عساكر في (تاريخه 11/ 167) من طريق مُسَدَّد، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن يعيش بن الوليد، عن الوليد بن هشام، عن أبي معدان، به.
كذا بإثبات والد يعيش.
قال ابنُ عساكر بإثره: "الصواب عن معدان. والرجلُ الذي لم يُسَمَّ هو الأوزاعيُّ. وهذا يَدخلُ في رواية الأكابر عن الأصاغر".
3 -
معاذ بن هشام:
رواه النسائيُّ في (الكبرى 3311) عن أبي قدامة السرخسي، عن معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن يحيى، قال: حدثني رجلٌ من إخواننا، عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء نحوه.
كذا قال: "خالد بن معدان"! وانظر له كلامنا على طريق معمر.
4 -
محمد بن أبي عدي:
رواه النسائيُّ في (الكبرى 3312) عن محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام، عن يحيى، قال: حدثني رجلٌ من إخواننا عن يعيش بن الوليد، أن ابن معدان أخبره أن أبا الدرداء أخبره به.
كذا قال: "ابن معدان"! .
5 -
عبد الرحمن بن عثمان البكراوي:
رواه ابنُ خُزَيمةَ (2046) -ومن طريقه الحاكمُ في (المستدرك 1575) -: عن بُندار، عن عبد الرحمن البكراوي، نا هشام الدستوائي، عن يحيى، قال: حدثني رجلٌ من إخواننا -يريدُ الأوزاعيَّ-، عن يعيش بن هشام، أن معدانَ أخبره أن أبا الدرداء أخبره، به.
كذا قال: "عن يعيش بن هشام"، نسبه إلى جَده كما قال ابنُ خُزَيمةَ، وابنُ خُزَيمةَ هو القائل:"يريدُ الأوزاعيَّ" كما صَرَّحَ به الحاكمُ في (المستدرك).
6 -
عبد الوهاب بن عطاء، واختُلف عليه فيه:
رواه الطحاويُّ في (مشكل الآثار 1674)، قال: حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى الهَمْداني، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: حدثنا هشام
-يعني الدستوائيَّ-، عن يحيى -يعني ابنَ أبي كثير-، عن رجلٍ، عن يعيش بن الوليد بن هشام، عن معدان، عن أبي الدرداء، به.
قال الطحاويُّ: "فكان في هذا الحديثِ سكوت هشام عن تسمية الرجل الذي حدَّثه يحيى بنُ أبي كثير بهذا الحديثِ عنه، وهو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي".
وأبو غسان ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9/ 166) وقال: "مستقيمُ الحديثِ".
وخالفه محمد بن إسحاق الصغاني -وهو ثقةٌ ثبتٌ حافظٌ-:
فرواه البيهقيُّ في (الخلافيات 659) عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، ثنا هشام الدستوائي، عن يعيش بن الوليد، عن ابن معدان، عن أبي الدرداء، به.
فأسقط منه يحيى وشيخه، وقال فيه:"عن ابن معدان"، وهذا الوجهُ غريبٌ جدًّا.
7 -
عبد الصمد بن عبد الوارث:
رواه ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق 59/ 339) من طريق محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي، نا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن يعيش بن الوليد بن هشام، أن معدان أخبره أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ
…
الحديث.
كذا أسقط منه "أبا الدرداء"!
بينما قال البيهقيُّ: "ورواه عبد الصمد، عن هشام، عن يحيى، عن رجل، عن يعيش، عن الوليد بن هشام، عن ابن معدان [عن أبي الدرداء رضي الله عنه] "
(الخلافيات 2/ 349).
كذا جاء في المطبوع ذِكر أبي الدرداء بين معقوفين؛ إشارة إلى أنها زيادة، ولم يبين المحقق هل زادها من اجتهاده؟ ! أم من نسخة ما؟ ! ولم ترد هذه الزيادة في (المختصر 1/ 311)!
فأما قوله: "يعيش عن الوليد"، فيحتمل في "عن" مثل ما ذكرناه في رواية القطان، لاسيما أن هذه الطبعة أخطاء كثيرة في النسخ كما بَيَّنَّاهُ في غير ما موضع.
8 -
يزيد بن هارون، واختُلف عليه فيه:
فرواه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 9292)، وفي (المسند 30).
وإبراهيم بن يعقوب الجوزجانيُّ، كما عند النسائيِّ في (الكبرى 3309).
وسفيان بن وكيع، كما عند الروياني (609).
وأبو خيثمة زهير بن حرب، كما عند ابن عساكر في (تاريخ دمشق 59/ 338).
خمستهم: عن يزيد بن هارون، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش، عن معدان، به.
ووَقَعَ في (مسند ابن أبي شيبةَ) خلافًا لـ (المصنف): "ابن معدان"! !
وقريب منه ما رواه النسائيُّ في (الكبرى 3310) عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية -وهو ثقة حافظ- عن يزيد به، وقال فيه:"خالد بن معدان"! ! ، وسيأتي الكلام عليه تحت طريق معمر.
فقد اتفقَ هؤلاء على إسقاطِ شيخِ يحيى؛ ولذا قال ابنُ عساكر -عقب رواية
زهير-: "قد أسقطَ منه رجلًا بين يحيى ويعيش، وهو الأوزاعي"(التاريخ 59/ 339).
وقد خالفهم الحارثُ بنُ أبي أسامةَ في روايتِهِ عن يزيدَ، كما عند أبي نُعَيمٍ في (معرفة الصحابة 1412) فرواه من طريقِ الحارثِ، عن يزيدَ بنِ هارونَ، عن هشامٍ الدستوائيِّ، عن يحيى بنِ أبي كثير، عن الأوزاعي، عن يعيش، عن معدان، به.
والمحفوظُ عن يزيدَ إسقاطه، وكذا أسقطه غيره كما يلي:
9 -
إسماعيل ابن عُلَيَّة:
رواه أحمدُ في (المسند 21701، 22381)، وفي (العلل رواية عبد الله 5535)، عن إسماعيل، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش بن الوليد، عن مَعْدَان، به.
ولكن وَقَعَ في الموضع الأول من (المسند): "عن ابن معدان، أو معدان"، وفي (العلل):"عن ابن معدان".
قال أحمدُ: "إنما رواه يحيى، عن الأوزاعي، عن يعيش، عن معدان، عن أبي الدرداء"(العلل).
10 -
يزيد بن زُرَيْع:
رواه يزيد بن زريع، عن هشام، عن يحيى، عن يعيش، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، به. كذا عَلَّقه البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 350)، ولم نجدْهُ مسندًا، وانظر طريقَ معمرٍ.
وخلاصةُ الخلافِ على هشامٍ الدستوائيِّ:
- أن جماعةً من أصحابِهِ أبهموا شيخَ يحيى، وهم: (النضر -على الراجحِ
عنه- ومعاذ، وابن أبي عَدي، والقطان، وعبد الصمد، وعبد الوهاب، والبكراوي)، وفي روايةٍ عن النضرِ صَرَّحَ بأنه الأوزاعيُّ، وهو ما جزمَ به غيرُ واحدٍ منَ النقادِ.
- وأن جماعةً منهم أسقطوا شيخ يحيى، وهم (ابن عُلية، ويزيد بن هارون -على الصحيح عنه- ويزيد بن زُريع)، ويُحمل هذا على أن يحيى دَلَّسَهُ.
- وأن الصحيحَ عنه عدمُ ذكر والد يعيش في الإسنادِ.
- وأن أكثرَ أصحابه سَمَّوْا راويه "معدان" وهو ابنُ أبي طلحةَ كما صَرَّحَ به غيرُ واحدٍ. وبعضُهم قال فيه: "ابن معدان"! ، وسمَّاه بعضُهم:"خالد بن معدان"! .
ثالثًا- طريق حرب بن شداد عن هشام:
رواه حرب، واختُلف عليه في سندِهِ، فرواه عنه:
1 -
عبد الله بن رجاء، وقد اختُلف عليه في إسنادِهِ:
فرواه الدارقطنيُّ (592) من طريقِ أحمد بن منصور الرماديِّ (وهو ثقةٌ حافظٌ).
ورواه البزارُ (4123) من طريقِ الحسنِ بنِ يحيى الرُّزِّيِّ (وهو ثقةٌ).
كلاهما عن عبد الله بن رجاء، عن حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي، أن [ابن]
(1)
الوليد بن هشام حدَّثه، أن أباه حدَّثه قال: حدَّثني
(1)
سقطت كلمة (ابن) من مطبوع مسند البزار. والأظهر -إن لم يكن ذلك وهمًا- أنه سقط من الناسخ أو الطابع، وإلا فهو وهم من البزار أو شيخه. والأول أَوْلى.
معدان بن أبي طلحة، به.
قال البزارُ: "وهذا الحديثُ بهذا اللفظِ قد رُوي من وجُوهٍ عن أبي الدرداء. ولكن اقتصرنا على هذا الإسنادِ دونَ غيرِهِ؛ لأن هذا الإسنادَ فيه أن يحيى بنَ أبي كثير رواه عن الأوزاعيِّ، فكتبناه من أجلِ ذلك، ولم نَعْدُهُ عن غيرِهِ".
فقد اتفقَ الرماديُّ والرزيُّ على ذكرِ الوليدِ في سندِهِ، وخُولفا في ذلك:
فرواه يعقوبُ بنُ شيبةَ في (مسند عمر، صـ 77).
والحاكمُ في (المستدرك 1574) من طريق هشامِ بنِ عليٍّ السَّدوسيِّ.
كلاهما (يعقوب وهشام) عن عبد الله بن رجاء، حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد، عن معدان بن أبي طلحة به، عن أبي الدرداء، به، إلا أن الحاكمَ اختصره.
فاتفق يعقوبُ والسدوسيُّ على إسقاطِ الوليدِ منَ الإسنادِ، والأَوْلى أن يُحمل في ذلك على عبد الله بن رجاء، فهو مختلفٌ فيه، وقال الحافظُ:"صدوقٌ يهم قليلًا"، وقد رواه عن حرب.
2 -
عبد الصمد بن عبد الوارث، ولم يختلفْ عليه في إسقاطِ الوليدِ منَ السندِ:
فرواه يعقوبُ بنُ شيبةَ في (مسند عمر، صـ 77).
وحاتم بن بكر بن غيلان، عند ابنِ خُزَيمةَ (2045).
وعمار بن رجاء، عند البغوي في (شرح السنة 160).
ثلاثتهم: عن عبد الصمد، عن حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن الأوزاعي، عن يعيش، عن معدان بن أبي طلحة، به.
رابعًا- طريق معمر:
رواه عن يحيى، عن يعيش، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، بلفظ:(اسْتَقَاءَ).
فأسقط منه شيخ يحيى، وهذا قد رواه غيره، وسمَّى راويه "خالد بن معدان"، وهذا قد رواه غيره أيضًا، وخطأه فيه الترمذيُّ وغيرُهُ، وأخطأَ في متنِهِ، فانفردَ بقولِهِ فيه:(اسْتَقَاءَ فَأَفْطَرَ)، وقد أفردنا هذه الرواية بالتخريج والتحقيق، وسيأتي الكلامُ عليها قريبًا إن شاء الله.
قلنا: مما سبقَ يتبينُ أن الرَّاجحَ في هذا الحديثِ: عن يحيى بنِ أبي كَثيرٍ، عن الأوزاعيِّ، عن يعيش بن الوليد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، به.
فهذا هو الراجحُ عن حربٍ وهشامٍ -إلا أنه أبهمَ اسمَ الأوزاعيِّ مرة وأسقطه أخرى- وأحد الوجهين عن حسين.
وعلى كُلٍّ، فقد سمعَ يعيشُ من أبيه ومن معدانَ.
وعليه، فهذا إسنادٌ صحيحٌ رجاله كلهم ثقات.
وقد صَحَّحَهُ أحمدُ وغيرُهُ، كما تقدَّمَ.
وَصَحَّحَهُ أيضًا: ابنُ خُزَيمةَ وابنُ حِبَّانَ بإخراجهما له في صحيحيهما.
وَصَحَّحَهُ كذلك: ابنُ منده -كما نقله ابنُ دقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 391) -، وابنُ الجوزيِّ في (التحقيق 194)، وابنُ دقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 388 - 391)، وابنُ التركمانيِّ في (الجوهر النقي 1/ 143)، وابنُ حَجرٍ في (الفتح 4/ 175)، والألبانيُّ في (الإرواء 111).
وقال البغويُّ: "حديثٌ حسنٌ، والصحيحُ عن يعيش بن الوليد، عن أبيه، عن معدان"(شرح السنة 160).
وكذا حَسَّنه الشوكانيُّ في (السيل الجرار 1/ 62).
وقد أعلَّهُ جماعةٌ منَ العلماءِ بأمرين:
الأمر الأول: الاضطراب في سندِهِ.
قال البيهقيُّ: "وإسنادُ هذا الحديثِ مضطربٌ، واختلفوا فيه اختلافًا شديدًا، والله أعلم"(السنن الكبرى عقب 679).
وقال في موضعٍ آخرَ: "وهذا إسنادٌ مضطربٌ"(الخلافيات 2/ 350، 349).
قلنا: وهذا الكلام فيه نظر، وقد ذكر البخاريُّ وأحمدُ والترمذيُّ أن حسينًا المعلمَ قد جَوَّده.
وهذا ترجيحٌ منهم لبعضِ طرقه، وبه دَفَعَ أحمدُ القولَ باضطرابِهِ كما تقدَّمَ.
وقال ابنُ دقيقِ العيدِ: "وأخرجَ ابنُ منده هذا الحديثَ في كتابه من الوجهِ الذي ذكرناه، قال:(وهذا إسنادٌ متصلٌ صحيحٌ على رسمِ النسائيِّ وأبي داود، وتَرَكه البخاريُّ ومسلمٌ لاختلافٍ في إسنادِهِ). انتهى.
قلتُ: أما روايةُ مَن رَوى: (عن يحيى، عن رجل، عن يعيش) فغير ضارة؛ لأن الرجلَ المبهمَ في هذه الرواية قد تبينَ في غيرها أنه الأوزاعيُّ.
وكذلك مَن قال: (عن يحيى حَدَّث الوليد بن هشام) لا يضرُّ أيضًا؛ لأنها تتفقُ مع الأُخرى، بأن يكون يحيى ذكرها مرسلة بترك من حدَّثه وهو الأوزاعي عن يعيش، ثم بَيَّن مرة أخرى مَن حَدَّثه.
وكذلك ما زَعَمَ منَ الاختلافِ في (معدان بن طلحة) و (معدان بن أبي طلحة) غير ضَارٍّ؛ لأن كلًّا منهما يقول: صحيح. وأما رواية: (خالد بن معدان)، فقد حكم الترمذيُّ أنها غلط، وحكينا قوله: (قد جَوَّد حسين
…
) إلى آخره، وعن الأثرمِ: قلتُ لأحمدَ: قد اضطربوا في هذا الحديثِ! فقال: حسين المعلم يُجوده" (الإمام 2/ 342 - 343).
وقال ابنُ التركمانيِّ -بعد أن نقلَ كلامَ الترمذيِّ وابنِ منده-: "وإذا أقامَ ثقةٌ إسنادًا، اعتُمد ولم يُبَالَ بالاختلافِ. وكثير من أحاديث (الصحيحين) لم تَسْلَمْ من مثل هذا الاختلاف.
وقد فَعَل البيهقيُّ مثل هذا في أول الكتاب، في حديث:((هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ)) حيثُ بَيَّن الاختلاف الواقعَ فيه، ثم قال:"إلَّا أن الذي أقامَ إسناده ثقة، أودعه مالكٌ في (الموطأ) وأخرجه أبو داود في (السنن) "(الجوهر النقي 1/ 143).
وقال ابنُ الجوزيِّ -مجيبًا على القول بالاضطراب-: "فالجوابُ أن اضطرابَ بعض الرواة لا يؤثرُ في ضبطِ غيره"، ثم نقلَ كلامَ أحمدَ والترمذيِّ، (التحقيق 194).
وَأَقرَّهُ ابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 313).
الأمر الثاني: الكلام في يعيش بن الوليد وأبيه.
* بينما قال ابنُ المنذرِ: "وكان أحمدُ يُثبتُ الحديثَ، وقال غيرُ واحدٍ من أصحابنا: إِنْ ثَبَتَ اشتهار يعيش وأبيه بالعدالة، جازَ الاحتجاجُ بحديثِهِما. قال: ولم يَثبتْ ذلك عندنا بعد، واستحب هذا القائل الوضوء منه"(الأوسط 1/ 297).
قال ابنُ حَزمٍ: "فيه يعيش بن الوليد عن أبيه، وليسا مشهورين"(المحلى 1258).
وقال البيهقيُّ: "ويعيش قد تَكلَّم فيه بعضُ العلماءِ، وليس له ذكر في الصحيح، وبمثل هذا لا تقوم الحجة"(الخلافيات 2/ 350).
قلنا: قد ثَبَتت عدالتهما بتوثيقِ عددٍ منَ الأئمةِ لهما:
فأما الوليد بن هشام والد يعيش، فهو من رجال مسلم، وولاه عمر بن عبد العزيز على قِنَّسْرِينَ، كما في (تاريخ دمشق 63/ 312، 316)، وقد وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ، والأوزاعيُّ، والعجليُّ. وقال يعقوبُ بنُ سفيانَ:"لا بأسَ بحديثِهِ"(تهذيب التهذيب 11/ 156). وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، وقال في (مشاهير علماء الأمصار، صـ 1461): "من المتقنين". ولذا قال الحافظُ: "ثقة"(التقريب 7461).
وأما يعيش بن الوليد، فوَثَّقَهُ النسائيُّ، والعجليُّ، وابنُ حِبَّانَ (تهذيب التهذيب 11/ 406). واعتمده الحافظان الذهبيُّ وابنُ حَجرٍ فقالا:"ثقة"(الكاشف 6422)، و (التقريب 7852).
وبنحو ما قلنا، قال ابنُ دقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 342)، وابنُ التركمانيِّ في (الجوهر النقي 1/ 143).
وقال الأثرمُ -بعد أن سَأَلَ الإمامَ أحمدَ عن هذا الحديثِ-: قلتُ له: يعيش بن الوليد معروف؟ قال: قد رُوِي عنه. قلتُ له: فأبوه؟ قال: أبوه معروفٌ، سمع منه ابن عيينة، قال حدثني الوليد بن هشام المعيطي، وكان عامل عمر بن عبد العزيز" (سنن الأثرم 161).
وقال ابنُ الملقنِ: وقال عبدُ الحَقِّ
(1)
في الردِّ على (المحلى):
"هذا الذي قاله ابنُ حَزمٍ خطأ بَيِّن؛ فالوليد بن هشام قال فيه ابنُ أبي حاتم: روى عن أُمِّ الدرداءِ، وعبد الله بن محيريز، ومعدان بن طلحة. وروى عنه الأوزاعيُّ، وابنُه يعيش بن الوليد، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن عمر الطائي. سمعتُ أبي يقول ذلك، ذكره أبي عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بنِ مَعِينٍ، أنه قال: الوليد بن هشام ثقة. فانظر قولَه في هذا أنه غير مشهور.
وقد خَرَّج عنه مسلمٌ في (صحيحه) ولم يذكره الحاكمُ فيمن عِيبَ عليه التخريج عنه؛ فقد روى عنه الأئمةُ، ووَثَّقَهُ إمامان: يحيى بنُ مَعِينٍ، ومسلمُ بنُ الحجاجِ. ويقول فيه: ليس بمشهورٍ!
وأما ابنُه يعيش، فروى عنه يحيى بنُ أبي كثير، والأوزاعيُّ، وعكرمةُ، وإسماعيلُ بنُ رافعٍ، ومَن روى عنه الأوزاعيُّ، ويحيى بنُ أبي كثير كيفَ يكون غير مشهور؟ ! " (البدر المنير 5/ 666).
ومع ذلك قال ابنُ عبدِ البرِّ: "وهذا حديثٌ لا يَثبتُ عند أهلِ العلمِ بالحديثِ"! (الاستذكار 2/ 138).
قلنا: أليس أحمدُ، والبخاريُّ، والترمذيُّ، وابنُ خُزَيمةَ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، مِنْ أهلِ العلمِ به؟ !
(1)
عبد الحق بن عبد الله بن عبد الحق الأنصاري قاضي الجماعة بإشبيلية ومراكش، يكنى أبا محمد
…
وله كتابٌ في الردِّ على أبي محمد ابن حزم، دلَّ على حفظه وعلمه. (التكملة لكتاب الصلة 3/ 125).
وهذا غير عبد الحق الإشبيلي، المعروف بابن الخراط صاحب كتاب الأحكام.
والشطر الأول من هذا الحديثِ قد جاءَ مِن طَريقٍ آخرَ:
فأخرجه الطيالسيُّ (1086)، وابنُ الجَعْدِ (1709) عن شعبةَ.
ورواه ابنُ أبي شيبةَ (9291)، وأحمدُ (22372، 22443) والبخاريُّ في (التاريخ الكبير 2/ 148)، والطحاويُّ في (المشكل 1677) و (المعاني 2/ 96)، والطبرانيُّ في (الكبير 1440)، من طريقِ شعبةَ، عن أبي الجُودي، عن بَلْج المَهْري، عن أبي شيبةَ المَهْري، عن ثوبانَ قال: قيلَ له: حَدِّثنا عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال: ((رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ قَاءَ فَأَفْطَرَ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالةِ بَلْج المهري وشيخِهِ.
فأما بلج: فترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ 2/ 148)، ولم يذكرْ فيها سوى هذا الحديث، وقال بإثره:"إسنادُهُ ليسَ بذاكَ".
وكذا ترجمَ له ابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 2/ 434)، ولم يَزدْ على ذكرِ شيخِهِ وتلميذِهِ.
وذَكَره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 6/ 118) على عادتِهِ في توثِيقِ المجاهيلِ.
ولم يذكروا له راويًا غير أبي الجودي، كما قال الحافظُ في (تعجيل المنفعة 1/ 355).
وأما أبو شيبةَ المهريُّ: فذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 589) على عادتِهِ.
ولذا قال الذهبيُّ: "بلج المهري عن أبي شيبةَ المهري
…
، لا يُدرى مَن ذَا ولا مَن شيخه
…
وقال البخاريُّ: إسنادُهُ ليسَ بمعروفٍ" (الميزان 1/ 352) و (اللسان 1625).
ومع هذا صَحَّحَهُ الشيخُ أحمد شاكر من هذا الوجهِ في تعليقهِ على (جامع الترمذي 1/ 144)، اعتمادًا منه على توثيقِ ابنِ حِبَّانَ لبلجٍ وشيخِهِ! !
رِوَايَةُ ((قَاءَ فَتَوَضَّأَ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَتَوَضَّأَ
…
)).
[الحكم]:
هذه الروايةُ خطأٌ غيرُ محفوظةٍ، والصوابُ بلفظ:((قَاءَ فَأَفْطَرَ))، وكذا قال المباركفوريُّ، والشيخُ أحمد شاكر، والغُمَاريُّ.
[التخريج]:
[ت 88/ تحقيق 194].
[السند]:
قال الترمذيُّ: حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر، وإسحاق بن منصور، قال أبو عبيدة: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد المخزومي، عن أبيه، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ظاهره الصحة؛ رجاله كلهم ثقات، إلا أن الحديثَ بهذا اللفظِ غيرُ محفوظٍ؛ إنما الصوابُ بلفظِ:((قَاءَ فَأَفْطَرَ)). كذا في عامة المصادر.
ووَقَعَ في (جامع الترمذي) طبعة التأصيل، وكذا في طبعات (الرسالة، ودار الغرب، والصديق 87): ((قَاءَ، فَتَوَضَّأَ)).
وفي طبعتي (الشيخ أحمد شاكر والمكنز 87): ((قَاءَ [فَأَفطَرَ] فَتَوَضَّأَ))، ووضع الشيخ أحمد شاكر كلمة (فَأَفطَرَ) بين معقوفين، إشارة إلى أنها زيادة من بعض النسخ، وذكر في حاشيته أنها لم ترد إلا في (ع) وهو رمز مخطوطة
عابد السندي.
وقال الشيخُ أحمد شاكر: "وفي مكتبةِ المرحومِ أحمدَ تيمور باشا، الجزء الأول من نُسخةٍ عَتيقةٍ منَ الترمذيِّ، مكتوبة بخط أندلسي، في سنة (552) وعليها سماعاتٌ لبعضِ الحفاظِ، وفيها: ((قَاءَ فَأَفْطَرَ))، وفي حاشيتها بخطٍ آخرَ ما نصُّه: "في الأصلِ: (قَاءَ، فَتَوَضَّأَ) "اهـ.
قلنا: ولكن رواية ((قَاءَ، فَتَوَضَّأَ)) -مع ثُبُوتِهِا في أكثرِ نُسخِ الترمذيِّ-، غير محفوظة، ولا عنِ الترمذيِّ نفسِه.
ويدلُّ على ذلك أربعة أمور:
الأول: أن الحديثَ في (الجامع) من روايته عن أبي عبيدة بن أبي السفر وإسحاق بن منصور، عن عبد الصمد به، وقد رواه الترمذيُّ في (العلل) عن أبي عبيدة -وحده- باللفظ المحفوظ:((قَاءَ، فَأَفْطَرَ)).
الثاني: أن الطُّوسيَّ رواه في (مستخرجه على الجامع) عن أبي عبيدة -شيخ الترمذي- باللفظ المحفوظ. وكذا رواه البيهقيُّ في (الخلافيات 660) عن الحسين بن أحمد بن الليث، عن أبي عبيدة، به.
الثالث: أن الترمذيَّ علَّقه في موضعٍ آخرَ، فقال:((وقد رُوِيَ عن أبي الدَّرْدَاءِ، وثَوْبَانَ، وفَضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ)). وإِنما معنى هذا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، فَقَاءَ فَضَعُفَ فَأَفْطَرَ)) (الجامع 2/ 128).
وهذا يؤكِّدُ على أن المحفوظَ عنده في لفظ الحديث: ((قَاءَ فَأَفْطَرَ))، وليس ((قَاءَ فَتَوَضَّأَ)).
الرابع: أنه في عامةِ المصادرِ المسندة من طرقٍ كثيرةٍ عن عبد الصمد
بلفظ: ((قَاءَ، فَأَفْطَرَ)).
ولم نقفْ عليه من طريقِ إسحاق بن منصور عند غير الترمذيِّ، فيحتمل أن يكونَ هو الواهم فيه؛ لمخالفته الجمّ الغفير منَ الثقاتِ الأثباتِ من أصحاب عبد الصمد.
ولكن مما يدفع احتمالية أن هذا اللفظَ لابن منصور-أن الترمذيَّ في الجامع بَيَّنَ الخلافَ بين رواية أبي عبيدة وابن منصور في صياغة السند، ولم يذكر أي خلاف بينهما في المتن، ولو كان ثَمة اختلاف فيه، لكان أَوْلى بالبيان. والله أعلم.
وقال المباركفوريُّ: "الاستدلالُ بحديثِ البابِ موقوفٌ على أمرين:
الأول: أن تكون الفاء في (فَتَوَضَّأَ) للسببية. وهو ممنوعٌ كما عرفتَ.
والثاني: أن يكون لفظ (فَتَوَضَّأَ) بعد لفظ (قَاءَ) محفوظًا، وهو محل تأمل؛ فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ (قَاءَ فَأَفْطَرَ)، وبهذا اللفظِ ذكره الترمذيُّ في كتاب الصيام
…
وأورده الشيخُ ولي الدين محمد بن عبد الله في (المشكاة) بلفظ (قَاءَ فَأَفْطَرَ)
…
وأورده الحافظُ في (التلخيص) بهذا اللفظِ
…
ورواه الطحاويُّ بهذا اللفظِ في (شرح الآثار). فمَن يرومُ الاستدلال بحديث الباب على أن القيءَ ناقضٌ للوضوء- لا بدَّ له من أن يُثبتَ أن لفظَ (تَوَضَّأَ) بعد لفظ (قَاءَ) محفوظٌ.
فما لم يثبتْ هذان الأمران لا يتم الاستدلال" (تحفة الأحوذي 1/ 243).
وَأَقرَّهُ الشيخ أحمد شاكر -رغم إثباته هذه اللفظة في أصل المتن- فقال: "ونحن نوافقه على أنه غير محفوظ في اللفظ، ولكنه على كلِّ حالٍ ثابت في المعنى؛ لأن قولَ ثوبانَ -تصديقًا لأبي الدرداء-: ((صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ
وَضُوءَهُ)) دليلٌ على أن الوضوءَ مذكورٌ في أصلِ الحديثِ وإن اختُصر في الروايةِ؛ لأن ثوبان يُؤكِّدُ الروايةَ بأنه هو الذي صَبَّ له الوَضوءَ بعد القيءِ" (حاشيته على الجامع 1/ 145، 146).
وقال أبو الفيض الغماري -بعد أن استطرد في تخريج الحديث، وبيان أن المحفوظ بلفظ:(قَاءَ فَأَفْطَرَ) -: "والمقصودُ أن روايةَ الترمذيِّ باطلةٌ، وإن كانتْ صحيحةَ السندِ، ولا يصحُّ الاستدلال بها من جهةِ الروايةِ، كما لا دليلَ فيها من جهة المعنى أصلًا"(الهداية في تخريج أحاديث البداية 1/ 327).
قلنا: وقد يشهدُ لهذه الروايةِ رواية معمر للحديث بلفظ: ((اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفْطَرَ، فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ))، إلا أنها روايةٌ شاذةٌ خالفَ فيها معمرٌ كلَّ أصحابِ يحيى، سندًا ومتنًا، كما سيأتي بيانُه.
على أنه قد جاءَ متنُ الحديثِ بلفظ: ((قَاءَ، فَتَوَضَّأَ))، في رواية ابنِ الجوزيِّ له في (التحقيق 194) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن عبد الصمد بن عبد الوارث بإسنادِهِ.
وكذا في (التنقيح لابن عبدِ الهادِي 1/ 283)، و (التنقيح للذهبي 1/ 64).
ولما عزاه شيخ الإسلام في (الفتاوى 25/ 222) لأحمدَ، وأهلِ السننِ بلفظِ ((قَاءَ فَأَفْطَرَ))، استدركَ فقال:"لكن لفظ أحمد: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَتَوَضَّأَ"!
وسبقه إلى ذلك جَدُّه المجدُ ابنُ تيميةَ في (المنتقى، صـ 87) فعزاه لأحمدَ والترمذيِّ بهذا اللفظِ!
قلنا: والذي في (المسند) وعامة المصادر من هذا الطريق وغيره- إنما هو بلفظ: ((قَاءَ فَأَفْطَرَ))، لم يذكروا فيه الوضوء إلا من قولِ ثوبان كما سبقَ.
ولذا تَعَقَّبَ الشوكانيُّ على المجدِ قائلًا: "الحديثُ عند أحمدَ، وأصحابِ
السننِ الثلاثِ، وابنِ الجارودِ، وابنِ حِبَّانَ، والدارقطنيِّ، والبيهقيِّ، والطبرانيِّ، وابنِ منده، والحاكمِ، بلفظ:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ))
…
".
ثم قال: "وهو باللفظ الذي ذكره المصنف في (جامع الأصول) و (التيسير) منسوبًا إلى أبي داودَ والترمذيِّ! "(النيل 1/ 236 - 237).
وباللفظ الذي رواه ابنُ الجوزيِّ علَّقه ابنُ حَزمٍ في (المحلى 1/ 258)، وكذا وَرَدَ في نسخة الترمذيِّ التي بها شرحَ المباركفوريُّ، وهكذا ذكره الزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 40) معزوًّا لأبي داودَ، والترمذيِّ، والنسائيِّ! ! وتبعه ابنُ حَجرٍ في (الدراية 1/ 32)، والعينيُّ في (البناية 1/ 266)، وابنُ الهُمَام في (فتح القدير 1/ 42). وَوَرَدَ هكذا في كثيرٍ من كتبِ الفقهاءِ لاسيما الحنابلة، مثل (المغني لابن قدامة 1/ 247)، و (شرح الزركشي على مختصر الخرقي 1/ 254)، و (الآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 100)، وغيرها كثير.
وانظر ما ذكرناه في خانة الفوائد في الروايةِ الأُولى للحديثِ.
رِوَايَةُ ((اسْتَقَاءَ
…
فَأَفْطَرَ)):
• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:((اسْتَقَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَفْطَرَ، وَأُتِيَ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ)).
[الحكم]:
شاذٌّ بلفظ (اسْتَقَاءَ)، والمحفوظ أنه بلفظ (قَاءَ).
[التخريج]:
[كن 3313/ حم 27537/ عب 531، 7680].
[السند]:
رواه عبد الرزاق -ومن طريقه أحمدُ، والنسائيُّ في (الكبرى) -: عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ -مع أن رجاله ثقات- لانقطاعه من موضعين:
الأول: انقطاعه بين يحيى ويعيش، فلم يسمعه يحيى منه، وإنما سمعه من الأوزاعي كما تقدَّمَ.
الثاني: انقطاعه بين خالد وأبي الدرداء، فلم يسمع خالد منه، كما قال الإمام أحمد (المراسيل لابن أبي حاتم، صـ 52، رقم 182).
وذِكرُ خالدٍ في هذا الحديثِ وهمٌ، وحَمَل الترمذيُّ فيه على معمرٍ فقال:"وروى معمرٌ هذا الحديثَ عن يحيى بنِ أبي كثير، فأخطأَ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء. ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: (عن خالد بن معدان)، وإنما هو: معدان بن أبي طلحة"
(السنن 88).
قلنا: وقد شَذَّ معمرٌ أيضًا في المتن فقال: ((اسْتَقَاءَ))، وقال هشام الدستوائي وحسين المعلم وحرب بن شداد كما سبقَ:((قَاءَ))، وهو الصحيح. والله أعلم.
2367 -
حَدِيثُ ثَوْبَانَ: ((هَذَا اليَوْمُ مَكَانَ إِفْطَارِي أَمْسِ)):
◼ عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَأَصَابَهُ -أَحْسَبُهُ- قَيْءٌ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَفْطَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ، أَلَمْ تَكُ صَائِمًا؟ ! قَالَ:((بَلَى، وَلَكِنِّي قِئْتُ فَأَفْطَرْتُ))، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:((هَذَا اليَوْمُ مَكَانَ إِفْطَارِي أَمْسِ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2 قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ، فَأَصَابَهُ غَمٌّ أَذَاهُ فَتَقَيَّأَ فَقَاءَ، فَدَعَانِي بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَفْطَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرِيضَةٌ الوُضُوءُ مِنَ القَيْءِ؟ قَالَ:((لَوْ كَانَ فَرِيضَةً لَوَجَدْتَهُ فِي القُرْآنِ))، قَالَ: ثُمَّ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الغَدَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:((هَذَا مَكَانُ إِفْطَارِي أَمْسِ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظِ. وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا. وأنكره وضعَّفَ سندَهُ: البزارُ، والدارقطنيُّ -وَأَقرَّهُ ابنُ الجوزيِّ، والغسانيُّ، وابنُ دَقيقٍ، وابنُ عبدِ الهادِي، والذهبيُّ، والزيلعيُّ، والصالحيُّ-، والبيهقيُّ، والهيثميُّ، وابنُ حَجرٍ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأُولى: [بز 4182].
تخريج السياقة الثانية: [قط 595، 2272/ هقخ 661/ تحقيق 204، 1147].
[السند]:
أخرجه البزار، قال: حدثنا القاسم بن هاشم بن سعيد، قال: حدثنا عتبة بن السكن الحِمْصي، قال: حدثني الأوزاعي قال: حدثني عُبَادة بن نُسَي
وهبيرة بن عبد الرحمن، سمعا أبا أسماء يقول: حدثنا ثوبان، به.
وأخرجه الدارقطنيُّ -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات)، وابنُ الجوزيِّ في (التحقيق) - عن أبي عبيد القاسم بن إسماعيل، عن القاسم بن هاشم، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ واهٍ جدًّا؛ فيه: عتبة بن السكن الحِمْصيُّ، قال الدارقطنيُّ:"متروكُ الحديثِ"(السنن 2272)، وقال في موضعٍ آخرَ:"منكرُ الحديثِ"، كما سيأتي. وقال البزارُ:"روى عنِ الأوزاعيِّ أحاديثَ لم يُتابَعْ عليها"(المسند عقب حديث رقم 4166)، وانظر (لسان الميزان 5089)، وقال البيهقيُّ:"عتبة بن السكن واهٍ، منسوب إلى الوضع"(السنن الكبير عقب رقم 14403).
ومع ذلك ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 508)! ! وقال: "يُخْطِئُ ويُخَالِفُ".
وقد أنكرَ هذا الحديثَ بهذا اللفظِ عامةُ النقادِ:
فقال البزارُ: "وهذا الحديثُ قد رُوِي عن ثوبانَ وعن غيرِ ثوبانَ بغيرِ هذا اللفظِ، وفي هذا الحديثِ زيادةٌ ليستْ في حديثٍ أحدٍ ممن رَوى نحو هذا الكلام، وهو:((هَذَا اليَوْمُ مَكَانَ إِفْطَارِي أَمْسِ))، وهذا لا يُحفظُ إلا من هذا الوجهِ.
وهذا الحديثُ لا نَعْلمُ رواه عنِ الأوزاعيِّ إلا عتبة بن السكن بهذا اللفظِ، ولا نَعْلمُ روى عبادة بن نسي، عن أبي أسماء غير هذا الحديث، وقد تقدَّم ذِكرنا لعتبة في غير هذا الحديث" (المسند 4182).
والذي تقدَّم هو قوله: "وعتبة بن السكن قد روى عنِ الأوزاعيِّ أحاديثَ لم يتابعْ عليها"(المسند عقب حديث رقم 4166).
ولذا قال الحافظُ عن صنيع البزار: "وأشارَ إلى ضعفِ عُتبةَ" (مختصر زوائد
مسند البزار 1/ 351).
وقال الدارقطنيُّ: "لم يروه عنِ الأوزاعيِّ غير عتبة بن السكن، وهو منكرُ الحديثِ"(السنن 595). وقال في الموضع الثاني: "عتبة بن السكن متروكُ الحديثِ"(السنن 2272).
وأقرَّه: ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق 204)، والغسانيُّ في (تخريج الأحاديث الضعاف 1/ 51)، وابنُ دقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 410)، وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1941)، والذهبيُّ في (التنقيح 1/ 392)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 43)، والصالحيُّ في (سبل الهدى والرشاد 9/ 257).
وقال البيهقيُّ: "هذا حديثٌ منكرٌ، ولا ينبغي لأحدٍ من أصحابنا أن يعارضَهم بذلك؛ لكيلا نكون وَهُمْ في الاحتجاجِ بالمناكيرِ سواءً، أعاذنا الله من ذلك بمَنِّه"(الخلافيات 661).
وقال الهيثميُّ: "رواه البزارُ، وفيه عتبة بن السكن الحمصيُّ، وهو متروكٌ"(المجمع 5230).
ولذا قال ابنُ حَجرٍ: "إسنادُهُ واهٍ جدًّا"(الدراية 1/ 32).
ومع هذا كلِّه، قال ابنُ القصَّارِ المالكيُّ:"وهذا خبرٌ حسنٌ"! ! (عيون الأدلة 2/ 587).
2368 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ:
◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلَسٌ أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ منكرٌ.
وأنكره: أحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، ومحمدُ بنُ يحيى الذُّهْليُّ، وأبو زرعةَ وأبو حاتمٍ الرَّازيانِ، وابنُ عَدِيٍّ، والدارقطنيُّ، وابنُ حَزمٍ، والبيهقيُّ.
وَضَعَّفَهُ: الغزاليُّ، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وابنُ الجوزيِّ -في أحدِ قوليه-، وابنُ الصَّلَاحِ، والنوويُّ، وابنُ دقيقِ العيدِ، وابنُ عبدِ الهادِي، وابنُ الملقنِ، والبوصيريُّ، وابنُ حَجرٍ، والشوكانيُّ، والصنعانيُّ، والعظيم آبادي، والمباركفوريُّ، والألبانيُّ.
[اللغة]:
(القَلَسُ) -بِالتَّحْرِيكِ، وَقِيلَ بِالسُّكُونِ-: أَن يَبْلُغَ الطَّعَامُ إِلَى الحَلْقِ مِلْءَ الحَلْقِ أَوْ دُونَهُ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى الجَوْفِ. وَقِيلَ: هُوَ القَيْءُ. وَقِيلَ: هُوَ القَذْفُ بِالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَا يَخْرُجُ إِلَى الفَمِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. (لسان العرب 6/ 179).
وقيل: (القَلْسُ): مَا خَرَجَ مِنَ الحَلْقِ مِلْءَ الفَمِ أَوْ دُونَهُ، وَلَيْسَ بِقَيْءٍ، فَإِذَا غَلَبَ فَهُوَ القَيْءُ" (العين 5/ 78).
وفي (النهاية لابن الأثير 4/ 100): "فَإن عَادَ فَهُوَ القَيْءُ".
[التخريج]:
[جه 1193 (واللفظُ لَهُ) / طس 5429/ قط 563 - 571/ هق 677، 3428، 3429/ هقع 1174/ هقخ 619، 620، 621/ عد (2/ 92)، (8/ 332) / ميمي 26/ شيو 151/ علج 608/ مدينة (1/ 69) / تحقيق 195/ خبر (1/ 439)].
[التحقيق]:
هذا الحديثُ رُوي من طريقين:
الطريق الأول: رواه إسماعيل بن عياش، وقدِ اضطربَ فيه على أوجهٍ:
فأخرجه ابنُ ماجهْ (1193): عن محمد بن يحيى، عن الهيثم بن خارجة.
ورواه ابنُ عَدِيٍّ (2/ 92) -ومن طريقه البيهقيُّ (677) - من طريق هشام بن عمار.
ورواه ابنُ عَدِيٍّ (8/ 332) من طريق محمدِ بنِ حِمْيَر ومَرْوان الطَّاطَري.
ورواه الدارقطنيُّ (564 - 568) من طريق محمد بن المبارك ومحمد بن الصباح والربيع بن نافع.
ورواه البيهقيُّ في (المعرفة 1174) و (الخلافيات 619) من طريق أبي الربيع.
كلهم: عن إسماعيل بن عياش، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة، به.
وزادَ فيه الربيعُ وابن حمير والمحمدان أن ابن عياش رواه أيضًا عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه مرسلًا.
بينما رواه الطاطريُّ عن ابنِ عياشٍ عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن ابنِ أبي مليكةَ عن عائشةَ. ثم عنِ ابنِ عياشٍ عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه عن عائشةَ موصولًا!
وكذا رواه البيهقيُّ (3428) من طريقِ الوليد بن مسلم، عنِ ابنِ عياشٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن أبيه، عن عائشةَ، به.
ورواه الطبرانيُّ في (الأوسط 5429) والدارقطنيُّ (563) -ومن طريقه البيهقيُّ (3428) - وابنُ أخي ميمي في (فوائده 26) من طريقِ داود بنِ رُشَيْد، عنِ ابنِ عياشٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه، و
(1)
عن ابنِ أبي مليكةَ عن عائشةَ، به.
ورواه الدارقطنيُّ (569) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 620) - من طريقِ الربيع بن نافع، عنِ ابنِ عياشٍ، عن عَبَّاد بن كثير وعطاء بن عجلان، عن ابنِ أبي مليكةَ، عن عائشةَ، به.
فهذه خمسةُ أوجهٍ عنِ ابنِ عياشٍ! !
فأما الوجهُ المرسلُ، فمحفوظٌ عنِ ابنِ جُرَيجٍ كما سيأتي.
وأما الأوجه الأخرى، فمن مناكير ابن عياش؛ إذ إن روايته عن غير أهل بلده منكرة، وفيها تخليط واضطراب كثير، لاسيما حديثُه عن الحجازيين والعراقيين كما في (التهذيب).
وابن جريجٍ حجازيٌّ مكيٌّ، وأيضًا فأبوه لم يسمعْ من عائشةَ، فهو منقطعٌ من هذا الوجهِ.
وعباد وعطاء عراقيان بصريان، ثم إنهما متروكان! فهو ساقطٌ من هذا
(1)
سقطت الواو من فوائد ابن أخي ميمي، وأشار محققه إلى ذلك.
الوجهِ.
وقَصَّر الدارقطنيُّ، فقال عقب طريقهما:"عباد بن كثير وعطاء بن عجلان ضعيفان"! (السنن 1/ 283).
وبنحوه قال البيهقيُّ في (المعرفة 1182)، وقد نصَّ الدارقطنيُّ نفسُه في غير ما موضع من (السنن 1/ 200، 414) على أن عطاءً هذا متروكُ الحديثِ. وعباد قال فيه البخاريُّ: "تركوه"، وكذا صَرَّحَ غيرُ واحدٍ بأنه متروكٌ (تهذيب التهذيب 5/ 101).
وقد أنكر عامة النقاد على ابن عياش هذا الحديث:
فقال محمد بن يحيى الذُّهْليُّ: "حديث ابن جريج عن ابنِ أبي مليكةَ عن عائشةَ الذي يرويه إسماعيل بن عياش- ليسَ بشيءٍ"(سنن الدارقطنيِّ 1/ 284).
قال البيهقيُّ: "وهكذا قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ وغيرُهُ منَ الحفَّاظِ"(معرفة السنن 1180).
قلنا: كلام أحمد ذكره أبو داود فقال: "سمعتُ أحمدَ قيل له: حديث ابن عياش -وهو إسماعيل- عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن ابن مليكةَ، عن عائشةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في البناء، يعني: منَ الحدثِ في الصلاةِ؟ قال: ليس هذا بشيءٍ، إنما هو عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه، ولم يسمعْه أيضًا من أبيه. قلتُ: يجمعهما، أعني: إسماعيل بن عياش؟ قال: ليس هذا بشيء"(مسائل أحمد برواية أبي داود 1889).
وقال أبو طالب أحمد بن حميد: "سألتُ أحمدَ عن حديثِ ابنِ عياش، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن ابنِ أبي مليكةَ، عن عائشةَ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ قَاءَ أَوْ
رَعَفَ
…
)) الحديث، فقال:"هكذا رواه ابنُ عياش، وإنما رواه ابنُ جريج عن أبيه، ولم يسندْه عن أبيه، ليس فيه عائشة"(السنن الكبرى للبيهقي عقب 677).
وقال أبو زرعة الرازي -وقد سُئِلَ عن هذا الحديثِ-: "هذا خطأ؛ إنما يروونه عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن أبيه، عن ابنِ أبي مليكةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا"(علل ابن أبي حاتم 57). وبنحوه في (العلل 512).
قلنا: ولم نقفْ عليه هكذا، إنما هو ابنُ جريجٍ عن أبيه مرسلًا، ليس فيه ابنُ أبي مليكةَ؛ ولهذا قال ابنُ دقيقِ العيدِ:"هذا لون آخر ينبغي أن يُتتبع بالكشف"(الإمام 2/ 345).
وقال ابنُ عَدِيٍّ -عقب رواية ابن عمار-: "وهذا الحديثُ رواه ابنُ عياش مرة هكذا، ومرة قال: عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه عن عائشةَ. وكلاهما غير محفوظين"(الكامل 2/ 92).
وقال -عقب رواية الطاطري-: "وعبد العزيز بن جريج أُنكرَ عليه هذا الحديث، وهذا غير محفوظٍ عنِ ابنِ جُرَيجٍ، إنما يَروي عنه إسماعيل بن عياش، وابن عياش إذا رَوى عن أهل الحجاز وأهل العراق فإن حديثَه عنهم ضعيفٌ، وإذا رَوى عن أهل الشام فهو أصلح"(الكامل 8/ 333).
وَأَقرَّهُ ابنُ الجوزيِّ في (العلل المتناهية 608).
وقال الدارقطنيُّ: "رواه إسماعيل بن عياش، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن أبيه. وعن ابنِ أبي مليكةَ، عن عائشةَ. وعن عطاء بن عجلان، عن ابنِ أبي مليكةَ، عن عائشةَ. وخالفه أصحابُ ابنِ جُريجٍ، منهم: حجاج، وعثمان بن عمر، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وعبد الوهاب بن عطاء، رووه عنِ ابنِ جُرَيجٍ،
عن أبيه مرسلًا، ولم يذكروا ابن أبي مليكة، وهو الصوابُ" (العلل 6/ 361/ 3707).
وقال أيضًا: "كذا رواه إسماعيل بن عياش، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن ابنِ أبي مليكةَ، عن عائشةَ. وتابعه سليمان بن أرقم وهو متروكُ الحديثِ، وأصحابُ ابنِ جريجٍ الحفاظ عنه يروونه، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن أبيه، مرسلًا. والله أعلم"(السنن 1/ 283).
ثم أسندَهُ (572) من طريق عبد الرزاق -وهو في (المصنف 3660) -، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبي عاصم النبيل، ثم (573) من طريق عبد الوهاب بن عطاء، كلهم عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه مرسلًا.
ثم رَوى عن محمد بن يحيى الذُّهْليِّ أنه قال: "هذا هو الصحيح عنِ ابنِ جُرَيجٍ، وهو مرسل. وأما حديثُ ابن جريج
…
الذي يرويه إسماعيل بن عياش فليسَ بشيءٍ" (سنن الدارقطنيِّ 1/ 284).
وقال البيهقيُّ -عقب طريق الوليد-: "وهذا الحديثُ أحد ما أُنْكِرَ على إسماعيل بن عياش. والمحفوظُ ما رواه الجماعة عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا، كذلك رواه محمد بن عبد الله الأنصاري وأبو عاصم النبيل وعبد الرزاق وعبد الوهاب بن عطاء وغيرهم، عنِ ابنِ جُرَيجٍ.
وأما حديث ابن أبي مليكة عن عائشةَ رضي الله عنها، فإنما يرويه إسماعيل بن عياش وسليمان بن أرقم عنِ ابنِ جُرَيجٍ.
وسليمان بن أرقم متروك، وما يرويه إسماعيل بن عياش عن غير أهل الشام ضعيف لا يُوثَقُ به.
ورُوي عن إسماعيل، عن عَبَّاد بن كثير وعطاء بن عجلان، عن ابنِ أبي مليكةَ،
عن عائشةَ رضي الله عنها. وعباد وعطاء هذان ضعيفان" (الكبرى عقب 3429).
وقال أيضًا: "وقد رواه إسماعيل بن عياش مرة هكذا مرسلًا، كما رواه الجماعةُ، وهو المحفوظُ عنِ ابنِ جُرَيجٍ، وهو مرسلٌ"(السنن عقب 678).
ولأنه لا يُحفظُ إلا عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه مرسلًا -وليس مثله بحجة- قال الشافعيُّ: "ليستْ هذه الروايةُ بثابتةٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(المعرفة 1171)، و (الكبرى عقب 678).
الطريق الثاني: رواه الدارقطنيُّ (570، 571) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 621) - من طريق أبي عتبة أحمد بن الفرج، نا محمد بن حِمْيَر، نا سليمان بن أرقم، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن أبيه، مرسلًا:((إذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ، فَلْيَنصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَرَجِعْ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا، مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ)).
قال: وحدثني ابنُ جُريجٍ عن ابنِ أبي مليكةَ عن عائشةَ، مرفوعًا مثله.
وسليمان بن أرقم متروكٌ كما مَرَّ في كلام الدارقطنيِّ والبيهقيِّ.
وأبو عتبة مختلفٌ فيه كما مَرَّ بنا في غير ما موضع، وقد خولف فيه:
فرواه ابنُ عَدِيٍّ (8/ 332 - 333) من طريق محمد بن عمرو بن حَنَانٍ، عن محمد بن حِمْيَر، عنِ ابنِ عياشٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن أبيه مرسلًا. وعن ابنِ أبي مليكةَ عن عائشةَ مسندًا.
وابن حنان ذكره ابنُ حِبَّانَ في (ثقاته) وقال: "ربما أغربَ"، ووَثَّقَهُ الخطيبُ (التهذيب 26/ 207)، وقال أبو أحمدَ العسكريُّ:"من ثقات الشاميين"(تصحيفات المحدثين 2/ 478).
فروايتُه أَوْلى من رواية أبي عتبة، وبهذا يعودُ الحديثُ إلى ابن عياش، ويتبينُ أن متابعةَ ابن أرقم لا تثبت -رغم وهائها-، وكأنه لذلك مَرَّضها الدارقطنيُّ بقوله:"ورُوِي عن سليمان بن أرقم عنِ ابنِ جُرَيجٍ نحو قول إسماعيل بن عياش. وسليمان متروكُ الحديثِ"(العلل 8/ 361).
والحديث ضَعَّفَهُ: ابنُ مَعِينٍ كما في (مرعاة المفاتيح 3/ 383)، وابنُ حَزمٍ في (المحلى 1/ 257)، والغزاليُّ وابنُ الصَّلَاحِ كما في (البدر المنير 4/ 105، 106)، والنوويُّ في (خلاصة الأحكام 290) وفي (المجموع 4/ 74)، وابنُ دقيقِ العيدِ في (الإلمام بأحاديث الأحكام 79)، وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 314)، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطى 1/ 144)، وابنُ الملقنِ في (البدر المنير 4/ 107)، والبوصيريُّ في (مصباح الزجاجة/ عقب رقم 432)، وابنُ حَجرٍ في (إتحاف المهرة 21834) و (التلخيص الحبير 1/ 496) و (موافقة الخبر الخبر 1/ 439)، والشوكانيُّ في (نيل الأوطار 1/ 238)، والصنعانيُّ في (سبل السلام 1/ 98)، والعظيم آبادي في (عون المعبود 1/ 243)، والمباركفوريُّ في (تحفة الأحوذي 1/ 243)، والألبانيُّ في (ضعيف أبي داود 1/ 68) وفي (ضعيف ابن ماجه 1221).
وخالف ابنُ التركمانيِّ، فتعقب البيهقيُّ قائلًا:"فهذه الروايات التي جَمَع فيها ابنُ عياش بين الإسنادين -أعني المرسلَ والمسندَ في حالة واحدة- مما يُبْعِد الخطأ (عنه) فإنه لو (رَفَع) ما وَقَفَه الناسُ تَطَرَّق الوهم إليه. فأما إذا وافقَ الناسَ على المرسلِ وزادَ عليهم المسند، فهو يُشعرُ بتَحَفُّظ وتَثَبُّت. وإسماعيلُ وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ وغيرُه، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة عدل. وقال يزيد بن هارون: ما رأيتُ أحفظ منه"(الجوهر 1/ 142).
وقال الزيلعيُّ: "وإسماعيل بن عياش، فقد وَثَّقَهُ ابن مَعِينٍ، وزادَ في الإسنادِ عن عائشةَ، والزيادةُ منَ الثقةِ مقبولةٌ، والمرسلُ عند أصحابنا حجة"(نصب الراية 1/ 38، 39).
وسبقه لهذا ابنُ الجوزيِّ، فإنه قال -متعقبًا إعلال الدارقطنيِّ له بالإرسال-:"قلنا: قد قال يحيى بنُ مَعِينٍ: "إسماعيل بن عياش ثقة"، والزيادةُ منَ الثقةِ مقبولةٌ، والمرسلُ عندنا حجة"(التحقيق 1/ 188).
قلنا: وهذا جوابُه قد مَرَّ، فإن ابنَ عياشٍ ثقةٌ في أهلِ بلدِهِ، ضعيفٌ في غيرِهِم، فزيادتُه حينئذٍ زيادةٌ من ضعيفٍ وليستْ من ثقة. وأما جَمْعه بين المسند والمرسل فهو من اضطرابِه وليس من تثبته، بدلالة أنه رَوى المسندَ على وجوهٍ عدة، فمرة جعله عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن أبيه عن عائشةَ، وأخرى جعله عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن ابنِ أبي مليكةَ عن عائشةَ، وثالثة جعله عنهما عن عائشةَ، ورابعة جعله عن عباد وعطاء عن ابنِ أبي مليكةَ عن عائشةَ. واقتصارُ الحفاظ الثقات على نقلِ المرسلِ دليلٌ على أن غيرَه لم يكن، وإنما أوجده تخليطُ ابنِ عياشٍ.
ولذا تعقب ابنُ عبدِ الهادِي على ابنِ الجوزيِّ قائلًا: "الصحيحُ أن هذا الحديثَ مرسلٌ"(التنقيح 1/ 285).
[تنبيه]:
أخطأ الجوينيُّ -وتبعه الغزاليُّ- في كلامه على هذا الحديثِ من وُجُوهٍ، ذكرها ابنُ الملقنِ في (البدر المنير 4/ 106 - 107)، فانظره غير مأمور.
2369 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ:
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَرَعَفَ أَوْ قَاءَ، فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، وَيَنْظُرْ رَجُلًا مِنَ القَوْمِ لَمْ يُسْبَقْ بِشَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، فَيُقَدِّمْهُ، وَيَذْهَب فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَجِيءُ فَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ، مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، فَإِنْ تَكَلَّمَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا، بل لعلَّه موضوعٌ، فهو من رواية أحد الكذَّابين، وهو ظاهر كلام الإشبيلي.
[التخريج]:
[قط 1708].
[السند]:
رواه الدارقطنيُّ في (السنن) قال: حدثني أحمد بن محمد بن أبي عثمان القاري، ثنا محمد بن إسحاق بن خُزَيمةَ، نا أبو سعيد سفيان بن زياد المؤدب، نا عبد الرحمن بن القطامي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه عبد الرحمن بن القطامي، قال عمرو الفلاس:"كان كذَّابًا"(الجرح والتعديل 5/ 279) و (الكامل 1142)، وقال البزارُ:"ضعيفُ الحديثِ جدًّا، متروك"(اللسان 3/ 426)، وقال ابنُ حِبَّانَ: "منكرُ الحديثِ
…
يجب التنكب عن روايته" (المجروحين 2/ 12).
وبه أعلَّهُ عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ فقال: "عبد الرحمن هذا بصريٌّ، يُرمَى بالكذبِ"(الأحكام الوسطى 1/ 335).
2370 -
حَدِيثُ ابنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا:
◼ عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِيهِ، يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((إِذَا رَعَفَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ ذَرَعَهُ القَيْءُ، فَإِنْ كَانَ قَلْسًا يَغْسِلْهُ
(1)
أَوْ وَجَدَ مَذْيًا، فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ، ثُمَّ يَرْجِعْ إِلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَا يَسْتَقْبِلْهَا جَدِيدًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((مَنْ وَجَدَ رُعَافًا أَوْ قَيْئًا أَوْ مَذْيًا أَوْ قَلْسًا، فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيُتِمَّ عَلَى مَا مَضَى مَا بَقِيَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَتَّقِي أَنْ يَتَكَلَّمَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا. وَضَعَّفَهُ: الشافعيُّ، وأحمدُ، والبيهقيُّ، والسيوطيُّ.
[اللغة]:
(القَلَسُ): "ما خرجَ منَ الحلقِ ملء الفم أو دُونه، وليس بقيءٍ، فإذا غلبَ فهو القيء"(العين 5/ 78)، وانظر (النهاية لابن الأثير 4/ 100).
[التخريج]:
[عب 530 (مختصرًا)، 3660 (واللفظُ لَهُ) / قط 564، 566، 567، 570، 572، 573 (والروايةُ لَهُ) / هق 678/ هقع 1178/ هقخ 621/ عد (8/ 332) / مدينة (1/ 69) / الخلال (مغني 1/ 247) / ص
(2)
(كبير 1/ 456) / نجار (كبير 1/ 456)].
(1)
كذا عند عبد الرزاق (3660)، وأما في الموضع الأول برقم (530) ففيه:((وَإِنْ كَانَ قَلَسًا يَغْلِبُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ)).
(2)
في المطبوع: (ض)، وهو رمز (المختارة) للضياء، ولكن مثل هذا المرسل ليس على شرطه في (المختارة)، فالأظهر أنه (ص) فتحرفت، وهو رمز سنن سعيد بن منصور، وهو يُكثر من ذكر المراسيل والمقاطيع. والله أعلم.
[السند]:
أخرجه عبد الرزاق: عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن أبيه به مرسلًا.
ورواه الباقون من طُرُقٍ عن ابنِ جُرَيجٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
العلةُ الأُولى: الإرسالُ بل الإعضال؛ فإن عبدَ العزيزِ بنَ جُريجٍ -والد عبد الملك- من أتباع التابعين، وليس له سماعٌ صحيحٌ منَ الصحابةِ.
ولذا قال السيوطيُّ: "ابنُ جُريحٍ عن أبيه معضلًا"(جمع الجوامع 4/ 218).
العلةُ الثانيةُ: ضَعْفُ عبد العزيز هذا، قال الحافظُ:"لَيِّن"(التقريب 4087).
العلةُ الثالثةُ: الانقطاع، وبه أعلَّهُ الإمامُ أحمدُ فقال:"إنما هو عنِ ابنِ جُرَيجٍ، عن أبيه، ولم يسمعْه أيضًا من أبيه"(مسائل أحمد رواية أبي داود 1889).
ولذا قال الشافعيُّ عن حديثِ ابنِ جُريجٍ عن أبيه: "ليستْ هذه الرواية بثابتةٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(السنن الكبرى عقب 678) و (المعرفة 1171).
قال البيهقيُّ: "هذه الرواية التي أشارَ إليها الشافعيُّ رحمه الله منقطعة؛ وذاك لأن عبد العزيز بن جريج -أبا عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج- منَ التابعينَ المتأخرين، لا يُعلمُ له رواية عن أحدٍ منَ الصحابةِ إلا عن عائشةَ في الوترِ، وليستْ بقويةٍ. قال البخاريُّ: لا يُتابَعُ في حديثِهِ"(المعرفة 1172، 1173).
قلنا: وجَزَم العجليُّ وابنُ حِبَّانَ والدارقطنيُّ بأنه لم يسمعْ من عائشةَ (تهذيب التهذيب 6/ 333).
2371 -
حَدِيثُ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:
◼ عَنْ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((القَلْسُ حَدَثٌ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا. وَضَعَّفَهُ: الدارقطنيُّ، والبيهقيُّ، وابنُ الجوزيِّ، وابنُ دقيقِ العيدِ، وابنُ سيدِ الناسِ، وابنُ عبدِ الهادِي، والذهبيُّ، والزيلعيُّ، وابنُ حَجرٍ، والسيوطيُّ، والمناويُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[قط 574 (واللفظُ لَهُ) / هقخ 663/ تحقيق 202/ جهم 95/ حلب (9/ 4028)].
[السند]:
أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن) -ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في (التحقيق) - قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن سراج والحسن بن علي بن بَزيع، قالا: نا حفص الفراء، ثنا سَوَّار بن مصعب، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جَده، به.
ورواه البيهقيُّ في (الخلافيات) من طريق حفص الفراء، به.
ورواه أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي في (جزء له) -ومن طريقه ابن العديم في (تاريخ حلب) -: عن سوار بن مصعب، عن زيد بن علي، عن آبائه، به.
فمَدَارُهُ عندَ الجميعِ على سوار بن مصعب، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ وعلته: سوار بن مصعب الهمداني، قال فيه يحيى بن مَعِينٍ:((ليسَ بشيءٍ)) (سؤالات ابن الجنيد 251)، وقال البخاريُّ:((منكرُ الحديثِ)) (التاريخ الكبير 4/ 169)، وقال أحمدُ، وأبو حاتم، والنسائيُّ:((متروكُ الحديثِ))، زاد أبو حاتم:((لا يُكتبُ حديثُه، ذاهبُ الحديثِ)) (الجرح والتعديل 2/ 272)، و (الضعفاء والمتروكون للنسائي 258)، وقال ابنُ حِبَّانَ:((كان ممن يأتي بالمناكير عن المشاهير، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها)) (المجروحين 1/ 452).
وبه أعلَّهُ الدارقطنيُّ فقال -عقبه-: "سوار متروك، ولم يروه عن زيد غيره".
وَأَقرَّهُ البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 352) وابنُ الجوزيِّ في (التحقيق)، وابنُ دقيقِ العيدِ في (الإمام 2/ 352)، وابنُ سيدِ الناسِ في (النفح الشذي 2/ 319)، وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيحه 1/ 164)، وأيضًا الذهبيُّ في (التنقيح 1/ 65) أعلَّهُ بسوار، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 43)، وابنُ حَجرٍ في (التلخيص 1/ 43) و (الدراية 1/ 32)، والمناويُّ في (الفيض 4/ 539).
ورَمَز السيوطيُّ لضعفه في (الجامع الصغير 6192).
وقال الألبانيُّ: "ضعيفٌ جدًّا"(الضعيفة 4075).
[تنبيه]:
وَرَدَ في (مسند زيد بن علي 1/ 61) عن أبيه، عن جَده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((القَلَسُ يُفْسِدُ الوُضُوءَ)).
ولكن مسند زيد هذا لا يَثبت؛ فهو من رواية الكذَّابين والمتروكين والمجاهيل:
فقد رواه عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر بن الهيثم القاضي البغدادي قال: حدثنا أبو القاسم علي بن محمد النَّخَعي الكوفي قال: حدثنا سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي قال: حدثني نصر بن مزاحم المِنْقَري العطار قال: حدثني إبراهيم بن الزِّبْرِقان التيمي قال: حدثني أبو خالد الواسطي قال: حدثني زيد بن علي بن الحسين،
…
به.
وهذا إسنادٌ ساقطٌ؛ فيه أربعُ عِللٍ:
العلةُ الأُولى: أبو خالدٍ الواسطيُّ، وهو عمرو بن خالد، كذَّابٌ وَضَّاعٌ تالفٌ، رماه بالكذبِ ووضعِ الحديثِ: وكيعٌ، وأحمدُ، وابنُ مَعِينٍ، وإسحاقُ، وأبو زرعةَ، وأبو داود
…
وغيرُهُم. انظر: (تهذيب التهذيب 8/ 26 - 27). وقال ابنُ عَدِيٍّ: "عامة ما يرويه موضوعات"(الكامل 5/ 126). ولذا قال الذهبيُّ: "كذَّبُوه"(الكاشف 4150). وقال الحافظُ: "متروك، ورماه وكيعٌ بالكذبِ"(التقريب 5021).
العلةُ الثانيةُ: نصر بن مزاحم المنقري العطار؛ قال أبو خيثمة: "كان كذَّابًا"، وقال أبو حاتم:"واهي الحديث، متروك"، وقال العُقيليُّ:"شيعيٌّ، في حديثِهِ اضطرابٌ وخطأ كثير"، وقال العجليُّ: "كان رافضيًّا غاليًا
…
ليس بثقة، ولا مأمون"، وذَكَر له ابنُ عَدِيٍّ أحاديث وقال: "هذه، وغيرها من أحاديثه، عامتها غير محفوظة"، وقال الدارقطنيُّ: "ضعيف"، وقال الخليليُّ: "ضَعَّفَهُ الحفَّاظُ جدًّا"، ولذا قال الذهبيُّ: "تركوه"، انظر (لسان الميزان 8/ 267).
العلةُ الثالثةُ: سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي؛ لم نقفْ له على ترجمةٍ.
العلةُ الرابعةُ: عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، المعروف بابن البقال؛ قال ابنُ أبي الفوارس:"كان له مذهبٌ خبيثٌ، ولم يكن في الروايةِ بذاك، سمعتُ منه أجزاء فيها أحاديث رديئة"(تاريخ بغداد (12/ 228)، وانظر (لسان الميزان 4797).
[تنبيه]:
قد ورد في الوضوء من القيء بعض الآثار الموقوفة الصحيحة، ينظر لها (باب ما ورد في الوضوء من الدم عن الصحابة)، وقد تقدَّم قريبًا.