المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌حرف الخاء المعجمة

‌حرف الخاء المعجمة

الخَضِر بن الحسن بن علي بن عبد الله الزَّرْزَارِي الكردي، برهان الدين السِّنْجَاري شافعي المذهب من المائة السابعة.

ولد سنة ست عشرة وستمائة، وأول ما ولي القضاء بمصر خاصة، في شوال سنة تسع وخمسين وستمائة، عوضا عن الوجيه البهنسي، بحسب سؤال البهنسي كما ذكر ذلك في ترجمته. ثم صرف في ثالث رمضان سنة ستين. بسعي الصاحب بهاء الدين فأهين، وانتزعت جهاته، حتى لم يبق معه سوى المعزية المعروفة، من إنشاء المعز أيبك التركماني، أول ملوك الترك بمصر. وولي الوزارة بعد موت الصاحب بهاء الدين ابن حِنا، في سنة سبع وسبعين وستمائة، وتسلم أولاد بهاء الدين. فلم ينتقم منهم، ولا آخذهم بما فعل أبوهم معه.

فمل يزل يتولى الوزارة إلى أن عزل في أيام المنصور قلاوون بالشجاعي، في رمضان سنة ثمان وسبعين وستمائة. فسعى فيه الشجاعي إلى أن ضرب بالسياط.

استمر خاملا إلى أن أعيد إلى الوزارة. ثم أعيد إلى القضاء في جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وستمائة. وصرف عنه في ربيع الأول سنة ثمانين وستمائة ولزم بيته إلى أن وصل الخبر بموت البهاء ابن الزكي قاضي دمشق، فعين لقاء دمشق، ثم لم يتم له ذلك.

ثم في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وستمائة قرر في تدريس المدرسة الصلاحية، المجاورة لضريح الشافعي. وقرر له ما وجد في كتاب وقفها، وهو أن يكون للمدرس في الشهر عشرة دنانير، وللناظر أربعون ديناراً وستة أرطال من الخبز وراويتان من ماء النيل.

ص: 150

وكانت هذه المدرسة قد عطلت نحو ثلاثين سنة من المُدَرِّس. لكن بعض الطلبة يلازمها مع المعيد، ويقرر لهم. وكانت عدتهم عشرة انفس إلى أن سعى تقي الدين ابن رَزِين، فقرر في تدريسها بنصف المعلوم، فباشرها إلى أن مات. ثم آل تدريسها للقاضي برهان الدين السنجاري المذكور، فباشرها بجميع المعلوم المقرر للناظر والمدرس.

قرأت ذلك بخط شمس الدين الجَزَرِي في تاريخه، وأرخ ذلك في عاشر شهر ربيع الأول من سنة إحدى وثمانين وستمائة.

وقرأت بخط الجزَرِي أيضاً أن البرهان المذكور حج في سنة اثنتين وثماني وستمائة، أن الباسقردي كان أمير الرَّكْب، فوقع بينه وبين أبي طثمي أمير مكة، فمنع أبو نمي الناس من دخلوا مكة يوم التَّروية. فحاصره الباسقردي، إلى أن كسر الباب الذي من جهة الحجون ودخلها عنوة، فقام البرهان السنجاري إلى أن أصلح بين الأميرين، وسكنت الفتنة.

ولما أن صرف تقي الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز في أوائل صفر سنة ست وثمانين وستمائة، تقلد البرهان السنجاري قضاء البلدين أي الحرمين شرفهما الله إلى يوم القيامة آمين. فباشر ذلك نحو عشرين يوماً، وأدركته الوفاة فمات. ويقال أنه شم من جهة الوزير الشجاعي. وكان البرهان من محاسن الزمان إفضالاً وإحساناً واحتمالاً.

وقرأت بخط الصفدي: كانت فيه مروءة وتودد، ومسارعة القضاء مآرب الناس.

وذكر الحافظ علم الدين البرزالي: أنه قرأ عليه جزءاً سمعه على ابن اللمط، قال السراج الوراق يخاطب برهان الدين المذكور:

تَهَنَّ بخلعة لبست جمالاً

بوجهٍ منك سبَّحَ مجتلوه

وقال الناس حين طلعت فيها

أهذا البدر؟ قلت لهم أخوه

وقال الحكيم شمس الدين ابن دانيال:

إن السناجرة الكرام لمثلنا

بهمُ إذا جار الزمان أمانُ

لا تجحدُ الأعداءُ ذاكَ جَهَالَةً

فلنا على ما نَدَّعي برهانُ

ص: 151

وقال الشهاب الشيرازي:

جُبت البلاد فلم أغادر غادرا

إلا ظفرت بغادرٍ خوانِ

وسألت عن سمح فأنكره الورى

فعطفت نحو الخضر فضل عناني

جحدوا وجوه الجود إلا أنني

أثبت ما جحدوه بالبرهان

وقال محي الدين ابن عبد الظاهر:

بكَ زالَ الخلاف واصطلح الخصْ

مان يا دولة المليك السعيد

كلما فاقت الوزارة بالبُر

هان فاق البرهان بالتقليد

خطير الملك اليازوري: هو محمد بن الحسن يأتي في الميم.

الخيار بن خالد بن خالد بن عبد الله بن معاذ بن وهب بن كعب بن معاذ ابن عُتُوَارَة بن عمرو بن مدلج بن وهب الكناني المُدْلجي، يكنى أبا نضلة من المائة الثانية، ولي قضاء مصر في شوال سنة أربع عشرة ومائة من قبل الوليد ابن رفاعة أمير مصر عن هشام بن عبد الملك، ولما عرض عليه القضاء قال لا أحسنه، فأقعد معه سليمان بن زياد الحضرمي كاتباً.

وكان الخيار إذا قضى فأخطأ نبهه سليمان، فيرد الخصم، فيخبره، بما قال سليمان ويقضي به. فإذا عاتبه الخصم قال: إن كاتبي أعلم مني، ولا يستوحش من ذلك. وكان مدة ولايته شهرين وشيئاً ومات في سلخ سنة أربع عشرة أو استهلال سنة خمس عشرة.

قال ابن يونس: كان رجلاً صالحاً. وقال عبد الرحمن بن عبد الحكم في (فتوح مصر) ولي بقدر سنة.

وكان محموداً، جميل المذهب. ولم يذكره أبو عمر الكندي في قضاة مصر. وذكره ابن زولاق في تاريخه. وقد قال ابن دانيال في أرجوزته:

والحضْرَمي ثم للخيار

ثم يزيد جاء في الآثارِ

وآل بعد تَوبة وخير

إلى ابن سالم بكل خير

والحضمي هو يحيى بن ميمون. والخيار: هو ابن خالد. ويزيد: هو ابن

ص: 152

عبد الله بن خذامر. وتوبة: هو ابن نمر. وخير: هو ابن نعيم: وقد مذى ذكر توبة، ويأتي ذكر خير قريباً.

خَيْر بن نُعَيم بن مُرَّة بن كُرَيْب بن عمرو بن خزيمة بن أوس الحَضْرَمي، من بني ناهِض. يكنى أبا إسماعيل، وأبا نعيم، وأبا الخير، من المائة الثانية. ولي من قبل حَنْظَلة بن صَفْوان الكَلْبي أمير مصر، هن هشام، في ربيع الآخر سنة عشرين ومائة، وأضاف إليه القصص.

وكان قبل ولاية القضاء بمصر، يلي قضاء برقة، ثم كتب لتوبة بن نمر. فلما استفى توبة، قرر خير في القضاء بإشارته. روى عن عطاء، وأبي الزبير، ومعاذ بن أنس، وعبد الله بن هبيرة وغيرهم. روى عنه عمرو بن الحارث، وحَيْوَة بن شُرَيْح، وسعيد بن أبي أيوب، والليث وابن لهيعة، وضِمام بن إسماعيل وغيرهم.

وقال أبو زرعة: صدوق لا بأس به. وقال أبو حاتم: صالح. وقال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وأخرج له مسلم حديثاً واحداً. وقال: ضمام ابن إسماعيل، عن يزيد بن أبي حبيب قال: ما أدركت من قضاة مصر أفقه من خير بن نعيم. قال الليث: التقيت بخير بن نعيم، فقلت له: بلغني أنك كرهت السلف في الحيوان ورددته. أأخذت ذاك عن ربيعة؟ قال: لا. ولكن عطاء أخبرني عن جابر أنه كان يكرهه.

قال أبو عمر: دفع رجل إلى رجل ثلاثة دنانير فدفعها إلى رجل ليشتري بها حماراً فلم يجده إلا بأربعة. فاشتراه ودفع الرابع من عنده وقال: إن رضي أخذت منه الدينار، وإن أبى أخذت الحمار النفسي، فاشترى على ذلك الشرط، فسُرق فقضى خير بأن الحمار من ضمان المشتري. فيرد الثلاثة إلى الذي دفعها.

وعن خير: أنه قضى في رجل هلك ولم يُوصِ، وعنده بضاعة لرجل، وشركة في متاع، وعنده وديعة ليتيم، ولعيه صداق لامرأته. فقضى خير: أن ما كان قِبله من شركة أو بضاعة، فإنها تُرَدّ إلى أصحابها، وأن الصداق والوديثة إذا لم توجد أسوة الغرماء.

وقال ابن وهب: سمعت الليث يقول: كان خير يقضي في بيع المواريث أن المشرتي بالخيار في رد ما اشترى، حتى يباع شيء غيره ويكتبه الكاتب.

ص: 153

وقال يحيى بن بكير: كان يرد على من يخاطبه بالقبطية بها، ويسمع شهادة الشهود بها ويحكم.

وقال الليث: كان خير يقضي فيمن اعترف لرجل بحق له عليه، ثم أنه قضاه ولا بينة عنده، أنه يلزمه ما اعترف به.

وكان يقول: من اعترف عندنا بشيء أخذناه به.

وكان يقضي بالشفعة بقدر الحصص. وكان يقضي بالمتعة على من طلق. وكان يسجن بالدين، فإن شهد له جيرانه بالعُدم، أطلقه من ساعته.

وكان له مجلس على الطريق على باب داره، يسمع فيه ما يجري بين الخصوم.

ودخل عليه رجل فدعاه إلى طعامه، ثم عرف أنه مخاصّم، فاستدعى خصمه فعرض عليه الطعام.

وقال سهيل: كنت ألازم خير بن نعيم وأنا حدَث، فكنت أراه ينجر فِي الزيت، فسألته عن ذلك، فقال: انتظر حتى تجوع ببطن غيرك. فقلت في نفسي كيف أجوع ببطن غير؟ فلما ابتليت بالعيال عرفت أني أجوع ببطونهم.

وصرف خير بن نعيم عن القضاء في أول يوم من المحرم سنة ثمان وعشرين ومائة، صرفه حوثرة بن سهيل الباهلي، لما قدم أميراً من قبل مروان بن محمد في أواخر سنة سبع وعشرين ومائة فقتل أشراف أهل مصر. فقال له حسان بن عتاهية التجيبي: لم يبق من أهل حضرموت إلا هذا الذَّنَب فإن قطعته قطعته. فصرفه عن القضاء، وصيّره كاتباً عل الرسائل. ثم أعيد إلى القضاء في مستهل رمضان سنة ثلاث وثلاثين ومن جهة أبي عون عبد الملك بن يزيد أمير مصر من جهة السَّفَّاح. فعرضت له علة الجُذّام في ولايته الثانية، فاستعفى أبا عون فلم يجبه لذلك. فكان كاتبه غوث بن سليمان، يقضي بين الناس في منزل خير.

وقال يحيى بن بكير: كان خير بن نعيم أول من أدخل أموال اليتامى بيت المال. ورد كتاب المنصور إلى أبي عون بذلك، فأمر خير بن نعيم ففعل ذلك وسجل لكل منها سجلاً بما يدخل ويخرج.

وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم عن يحيى بن عبد الله بن بكير أن رجلاً من الجُنْد قذف رجلاً، فخاصمه إلى خير، وأقام عليه شاهداً فحسبه، فأخرج

ص: 154

أبو عون الجندي من الحبس، فاعتزل خير. وترك الحكم. فراسله أبو عون فقال: لا، حتى ترد الجندي. فامتنع واستمر خير على الامتناع. وَكَانَ ذلك في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين. وعاش خير بن نعيم بعد ذلك إلى أن مات في آخر

سنة ست وثلاثين، أو أول سنة سبع وثلاثين. أرخه ابن ميسر سنة ست. وأرخه ابن يونس سنة سبع، وهو أعلم به. وقبره عند مشهد أم كلثوم بالقرافة.

وكتب هشام بن عبد الملك إلى خير بن نعيم أيّ امرأة أرادت قبض صداقها المؤخر على زوجها أن تعطاه، إلا أن شرط عند الإملاك أن تعطى إلى على شرط مُسمَّى.

وقال يحيى بن سعيد: قلت لربيعة إن أهل الطالبيين حدثوني أن خير بن نعيم كان يقضي بينهم بأن لا يجوز السَّلف في الحيوان، وقد كان يجالسك، فلا أحسبه قضى به إلى عن رأيك. فقال له ربيعة: كان عبد الله بن مسعود يقول ذلك.

وقال عبد الله بن وهب: حدثني الليث أن رجلاً سلّف في نحل العسل فقضى خير بن نعيم برد ذلك. فقلت له: لا أراك أخذت ذلك من ربيعة. قال: لا ولكن عطاء بن أبي رباح، حدثني عن جابر بن عبد الله أنه كان يكره السلف في الحيوان.

وذكر الشريف الجواني في النقط: أن اثنين ترافعا إلى خير بن نعيم فادعى أحدهما بعشرين ديناراً، فسكت المدعي عليه. فقال له: ما يخلصك السكوت، فناوله رقعة وقال: استرها فسترها خير بكمه، فإذا فيها: المبلغ في ذمتي، ولكن ليس له بها شاهد، وأنا اليوم لا أقدر على حق الرسول، فإن اعترفت عقلني وإلا استحلفني خفت الله) .

فبكى خير، وأخرج منديلاً من كمه، فوزن عشرين ديناراً للمدعي. فقال:

ما هذه الدنانير؟ قال: خلاص هذا المسكين. فقال ما أردتَ بهذا؟ قال الأجر والثواب. قال أنا أحق. والله لا طلبتها منه أبداً، فقام المطلوب، فقال له خير: خذها فليس لي فيها رجعة، فاخذ عشرين، وتخلص من عشرين.

وذكر الشريف أيضاً: أن اثنين حضرا إلى خير عند أذان المغرب، فتحاكما في جمل، فصرفهما، وتشاغل بصلاة المغرب. فحضرا إليه في اليوم الثاني، فقال

ص: 155

أحدهما: اشتريت من هذا جملاً باثني عشر ديناراً. فخرج به عيب واضح. فقال: ما أرده أبي بحكم حاكم، فلم تحكم بيننا أمس، فماتا لجمل بالمناخ فيكون في كيسي أو كيسه؟ فقال خير: بل في كيسي، لكوني لم أبتَّ الحكم بينكما. ووزن له ثمن الجمل.

وقال ابن لهيعة عن مخرمة بن بكير: إن مكاتبا لهم بزويلة، كان له أولاد أحرار من امرأة حرة فهلك. فاختلفوا في ميراثه فرفع إلى خير فقال: لا ميراث لولده الأحرار حين مات وهو مكاتب. فقدمت المرأة فسألت سعد بن إبراهيم قاضي المدينة فوافقه.

وقال ابن وهب عن الليث: كان خير بن نعيم يقضي لمن توفي عنها زوجها من نساء الغزاة قبل انقضاء الرباط، إذا كانت معه أن تنصرف فتعتد في بيت زوجها الذي خرجت منه. وكان يسمع كلام القبط بلغتهم ويخاطبهم بها، وكذلك شهادة الشهود منهم، ويحكم بشهادتهم.

وقال النسائي: أخبرنا محمد بن برافع حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني عيسى ابن عقبة، أخبرني خير بن نعيم، عن أبي الزبير عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(والفجر وليال عشر) . قال: عشر النَّحر. واليوم يوم عرفة. والشفع: يوم النحر. قال أبو سعيد بن يونس: ليس هذا الحديث بمصر. وَمَا رواه عن الليث إلا زيد بن الحباب.

وصرف خير بن نعيم عن القضاء بعبد الرحمن بن سالم. ثم أعيد إلى القضاء في رمضان سنة ثلاث وثلاثين فاستكتب في ولايته غوث بن سلميان، وأذن له أن يقضي بين الناس في باب منزل خير، لما اعتل خير، وبدت به علة الجذام، وثقل عليه كثرة الخصماء.

وكان استعفى أبا عون أمير مصر فلم يجبه إلى ذلك، وكان عبد الملك بن مروان المصري ولاه ديوان الرسائل بعد صرفه عن القضاء، فاتفق أنه أتى فخاصم ابن عم له عنده فجلس على مفرشه، فقال له: قم ساو خصمك. فقال: كأنك وجدت علي أن صيرتك كاتباً بعد القضاء. وقام فلم يخاصم.

وقال ابن لهيعة: كان خير يجيز شهادة الصبيان في الجراح بينهم وشهادة أهل الذمة، اليهود على اليهود، والنصارى على الأنصار، إذا كانوا عدولاً في دينهم. وكان يقضي بين المسلمين في المسجد، ويجلس عل الباب بعد العصر للقضاء بين النصارى.

ص: 156