الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأفراد
إسحاق بن الفرات بن الجَعْد بن سُلَيْم الكندي مولاهم، أبو نعيم من موالي معاوية بن حُدَيْج مالكي من المائة الثانية. ولد سنة خمس وثلاثين ومائة
واستخلفه محمد بن مسروق لما خرج من مصر إلى العراق، وذلك في سنة أربع وثمانين ومائة.
وكان أول من ولي قضاء مصر من الموالي. وكان من كبار أصحاب مالك. وأخذ عن أبي يوسف، وروى عن الليث بن سعد وابن لَهِيعة، ويحيى بن أيوب وحميد بن هانئ والمفضل بن فَضالة ومعاذ بن محمد وغيرهم. روى عنه أبو الطاهر ابن السِّرح، ومحمد بن نصر، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وابن أخي ابن وهب وآخرون.
قال ابن عبد الحكم: ما رأيت فقيهاً أفضل منه، وكان علماً. وقال بحر ابن نصر قال لي إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيًّة: ما رأيت في بلدكم أحداً يحسن العلم إلا إسحاق بن الفرات. قال بحر: وكان الشافعي يثني عليه ويقول: ما رأيت بمصر أحداً أعلم باختلاف الناس منه. قال الشافعي: وقد أشرت على بعض الولاة أن يوليه القضاء. وقلت: إنه يتخير وهو عالم باختلاف من مضى. ذكر ذلك أبو عمر الكندي بسند صحيح.
وتعقبه بعض من صنَّف في القضاة ممن لقيته. فقال: كان قدوم الشافعي إلى مصر في آخر سنة ثمان وتسعين ومائة، أو أول سنة تسع وتسعين ومائة. وإسحاق إنما ولي قبل قدومه بثلاث عشرة سنة أو أكثر.
وحل هذا الإشكال، أن الشافعي أشار على من كان أميراً في عصره، أن يولي إسحاق فلم يتفق ذلك، لا أنه هو الذي أشار على محمد بن مسروق باستخلافه، ولا على أمير مصر بإبقائه قاضياً.
وقال ابن يونس: كان فقيهاً. وفي أحاديثه أحاديث كأنها منقلبة. وقال أحمد بن يحيى بن وزير: كان يتخير في الأحكام. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أغرب.
وقال أحمد بن سعيد الهَمْدَاني: قرأ علينا إسحاق بن الفرات الموطأ بمصر من حفظه، فما أسقط منه حرفاً فيما أعلم. وقال العجلي وأبو عوانة الإسُفَراييني: ثقة. وقال
أبو حاتم الرازي: ليس بالمشهور. وقال العقيلي: لا بأس به. وقال عبد الحق في الأحكام: ضعيف. وتعقب بأن السلف له في هذا الإطلاق، إلا أن السليماني ذكره في الضعفاء، وقال: منكر الحديث.
وقال ابن يونس: مات بمصر في ذي الحجة سنة أربع ومائتين. قال أبو عمر الكندي: أقام إسحاق بن الفرات على القضاء منذ استُخلف محمد بن مسروق، إلى أن قدم العمري في صفر سنة خمس وثمانين ومائة.
وقال أبو عمر الكندي في كتاب الموالي من أهل مصر: قال أحمد بن يحيى ابن وزير: كان عند سعيد بن عُفَيْر، شيء من أموال اليتامى، فدعاه إسحاق بن الفرات وهو على القضاء بمصر، فقال: سلمها، فكأن سعيداً عرَّض بالقاضي بأنه من الموالي. فقال إسحاق بن الفرات: هل تعرف معاوية بن حديج، أنه سيد الناس كلهم من الفرما إلى الأندلس. قال ابن عفير: إني لعارف. قال: فإنه مولى، فمن أنت؟ فأصمت سعيد بن عفير وسلم ما عنده.
وكان لإسحاق أخ يسمى يحيى. حدث وتوفي قبل أخيه بسنة. قال ابن يونس: وكانت وفاة إسحاق ليلة الجمعة لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة أربع ومائتين.
ووقع في كتاب المدارك للقاضي عياض، أنه مات في سنة خمس ومائتين. وكأنه أرخه ببلوغ الخبر إلى المغرب. فإن ابن يونس أتقنُ في هذا الباب من غيره. وقد أرخه أبو عمر الكندي في سنة أربع. وروى النسائي في السنن، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن إسحاق بن الفرات.
إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن موسى الكِنَاني البَلبْيِسي، نزيل القاهرة القاضي مجد الدين أبو محمد الحنفي، من المائة التاسعة.
ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وتفقه ومهر. وطلب الحديث بنفسه. فسمع من أحمد بن كَشْتُغْدي وأولاد الفيومي الثلاثة: إبراهيم ومحمد وفاطمة، أولاد محمد بن محمد، ومحمد بن إسماعيل بن عبد العزيز الأيوبي وأبي الفتح الميدومي وخرج له عنهم صاحبنا الحافظ صلاح الدين خليل بن محمد الأفقهسي مشيخة في ثمانية أجزاء، سمعتها عليه. ورافق الشيخُ مجد الدين الشيخَ جمال الدين الزيلعي في الطلب، فسمع معه الكثير. وكان متثبتاً لا يحدث إلا من أصله. وأخذ فن الحديث عن الشيخ مُغَلْطاي. وعن القاضي علاء الدين
بن التُّرْكماني. وتفقه بفخر الدين الزَّيْلَعِي وغيره. ومهر في الشروط، وصنَّف في الفرائض والحساب، ووقَّع على الأحكام. ثم ناب في الحكم.
وكان أديباً فاضلاً ديناً عفيفاً، حسن المفاكهة جيد المحاضرة. وصنَّف شرح التلقين لأبي البقاء في النحو، وفي الشروط.
وكان صديقنا القاضي تاج الدين ابن الظريف مع مهارته في الفرائض والحساب، يثني على تصنيف شيخنا مجد الدين. واختصر الأنساب للرَّشَاطي، وأضاف إليها زيادات الأنساب لابن الأثير. اختصره من كتاب أبي سعد ابن السمعاني.
ولم يزل على حالته، حتى ولي القاضي شمس الدين الطرابلسي ولايته الثانية. فاتفق له معه شيء، فامتنع من النيابة، إلى أن قُدِّر أنه استدعاه الملك الظاهر، فخلع عليه وفوض إليه قضاء الحنفية. فاتفق أنه كان حينئذ قد اعتكف في العشر الأخير من شهر رمضان، بالطيبرسية المجاورة للجامع الأزهر. فخرج من اعتكافه بقية الشهر فباشر بصلابة ونزاهة وعفة، وتشدد في الأحكام، وفي قبول الشهود.
قال المقريزي: لكنه دخله الجبن خشية من عود الطرابلسي إلى المنصب. فكان لا يقضي لأحد حاجة. ويعتذر بأن الطرابلسي وراءه. فوقفت أحواله، ومقته مَن كان يحبه، وندم على ولايته من تمناها له، ليُبُس قلمه عن الأمور العامة والخاصة، ولم يتفق أنه عدَّل من الشهود أحداً من مدة ولايته اثنين، وأبغضه الرؤساء لرد رسائلهم.
وذكر بعض من يعرفه: أن سبب خموله في المنصب، أنه كان يزهو بنفسه، ويرى أن المنصب دونه، لما كان عنده من الاستعداد، ولما في غيره من النقص في العلم والمعرفة، فانعكس أمره لذلك.
وذكر أيضاً أن كبار الموقعين في زمانه، كانوا يرجعون إليه فيما يقع لهم من المعضلات، ويحمدون أجوبته فيها. وكان جَمْعُهُم إذ ذاك متوفراً.
واشتهر عنه أنه كان إذا رأى المكتوب عرف حاله من أول سطر بعد البسملة غالباً. ولم يكن فيه ما يعاب به إلا ما تقدم ذكره، من التوقف عن الأمور، ولو كانت واضحة.
وكان الملك الظاهر يجلُّه ويكرمه، بسبب أنه كان ممن امتنع من الكتابة في الفتاوي، التي كتبت عليه في كائنة الكرك. واستتر بمنزله بكوم الريش، حتى انقضت تلك المحنة، فكان يشكر له ذلك. وكان يذكر أنه لما طلبه ليوليه القضاء سأله عن اسمه ونسبه، فذكره له، فأمر بعض خدمه، فأحضر كيساً من الحرير الأسود، فأخرج منه ورقاً، وأمر بعض مماليكه أن يتصفح الأسماء، هل فيها اسمه، فلم يجدوا
فيها اسمه. فسأله، هلا كتبت في الفتاوي؟ فذكر له فراره واستتاره بمنزله فأعجبه فلم يزل على منزلته عنده، حتى تحرك الظاهر للسفر إلى الشام، فتوسل القاضي جمال الدين العجمي وهو يومئذ قد ولي نظر الجيش، بصهره شهاب الدين الطولوني المعلم، وكانت ابنتُه تحتَه، وابنته الأخرى عند
السلطان، واتفق أن الطولوني شفع في شاهد عند القاضي مجد الدين، أن يجلسه في حانوت الشهود فتوقف. فحقدها عليه. فتكلم مع السلطان في أن المجد عاجز عن السفر، لثقل بدنه. وكان السلطان يشاهده أيام الموكب، فيرى حركته بطيئة إلى الغاية، فإنه كان يجلس في كل اثنين وخميس إلى جانبه الأيسر. فإذا انفض الموكب، وأراد القيام - وكان عبل البدن - يتكئ على يديه وترتفع عجيزته، فلا ينهض إلا بعد بطء، فصدق السلطان القائل، وأمر بإعفائه فسعى الجمال حينئذ ببذل المال، والسلطان محتاج إلى الاستكثار منه، بسبب الإنفاق على الجند فولاه، وذلك في شعبان سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
وانصرف المَجد إلى منزله بالسيوفية، فأقام فيه بطالاً، ولكنه يشغل الطلبة، ويحضر الوظائف التي كانت بيده قبل القضاء.
وكان جُل تكسبه من التوقيع، فامتنع عليه أن يباشره، بعد أن صار قاضي القضاة، فضاق حاله، وتعطل إلى أن نُسِي، كأن لم يكن شيئاً مذكوراً.
وكان الظاهر يتفقده بالصدقات، فلما مات الظاهر كف بصر المَجد، وساءت حاله إلى الغاية.
ومات في أول شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة. وكان كثير النظم، جيد الوزن فيه، إلا أنه لم يكن بالماهر في عمله. وله أشياء كثيرة من قسم المقبول كقوله:
لا تحسبنَّ الشِّعْر فضلاً بارعاً
…
ما الشعرُ إلا محنةً وخبَالُ
فالهجو قَذْفٌ والرثاء نيَاحةٌ
…
والعَتْب ضِغْنٌ والمديح سؤالُ
وقال أيضاً
…
إسماعيل بن سعيد بن عَلَس الصدفي، من بني عريب. ذكره أبو سعيد بن يونس وقال: ولي قضاء مصر أيام وله أخبار. وأخته أم قيس بنت سعيد التي ترعف بها الناحية المعروفة بدار أم قيس. وذكره الدارقطني في علس. ولم يذكر ابن يونس متى وَلي ولا عَمَّن ولي، ولا من ولاه. ولعله كان في الفترة التي بين عزل الحارث بن مسكين وولايته دحيم.
وهجم عليه الموت قبل أن يتوجه إلى مصر، فأقامت بغير قاض حتى قدم بكار، فلعل هذا تكلم في الأحكام بإذن أمير مصر إلى أن قدم بكار.
إسماعيل بن سلامة الأنصاري الحلحُولي: يلقب الموفَّق في الدين، ويكنى أبا الطاهر وهو إسماعيل من المائة السادسة. فوض إليه الحافظ لدين الله القضاء لما عزل ابن الأزرق وذلك في سابع عشر جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وأمره أن يحكم بين الناس، إلى أن يختار من يصلح. فاستمر على ذلك إلى أن انسلخت السنة.
وكان قبل ذلك داعي الدعاة ولقب لما وليها مكين الدولة. فقرر في الوظيفة المكرَّمي. فلما بلغ ذلك ابن سلامة، سعى أن يوفر لجهة الخليفة معلومَ القضاء، وهو في الشهر أربعون ديناراً، ومعلوم الدعوة، وهو في الشهر ثلاثون. فذلك سبعون يحصل منها في السنة ثمانمائة وأربعون ديناراً، وأن يستقل بالحكم. فأجيب إلى ذلك. وهو أول من فعله، ولم يباشر المكرَّمي، إلا أياماً يسيرة، من أول سنة خمس وثلاثين.
واستمر ابن سلامة إلى أن صرف عن القضاء في السابع من المحرم سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وبقيت معه الدعوة. وذكر ابن فضلان في تاريخه أنه تأخرت وفاته إلى سنة ست وأربعين.
قال محمد بن أسعد الجواني في النقط: وكان كريم الخلق، حليماً مهيباً، وفوراً مليح الشيبة، ظريف الهيئة، وكان على رأي القوم. قال: ورأيته - عدة سنين بمصر،
يوم طواف المساجد والجوامع قبل رمضان بيومين - إذا وصل إلى مسجد الحاكم.. نزل وصلى فيه يناوله صرة فيها مائة درهم، وربما كانت ثلاثمائة فيأخذها منه، ويضعها في كمه، ويقول له يا سيدنا: هذه برسم الغلمان. قال: فدام على ذلك عدة سنين.
وقال الجواني أيضاً: سمعت أبا الطاهر يحدث والدي بدار الضرب، قال: قال لي الحافظ: يا قاضي أحدثك بحديث عجيب، قلت نعم. قال: لما جرى علي من أبي على ابن الأفضل ما جرى، رأيت وأنا في الاعتقال أني جلست في مجلس أعرفه في القصر، وكأني عدت إلى الخلافة، ودخل إلي المغاني وفيهن واحدة معها عود تغني وتقول:
أَتتكَ الخلافةُ مُنْقادةً
…
إليكَ تُجرِّرُ أَذْيالَها
فلم تكُ تصلحُ إلَاّ لَهُ
…
ولم يكُ يصلحُ إلَاّ لهَا
وَلَوْ رَامَهَا أَحَدٌ غَيْرَهُ
…
لَزُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلُزَالَها
وكأني قمت إلى خزانة الجواهر، فملأت فمها منه جوهراً. قال: ثم استيقظت فما كان إلا يومين، حتى قبض على أبي علي، وأخرجت وأجلست في ذلك المجلس بعينه، ودخل المغاني وفيهم تلك المرأة، وغنت ذلك الغناء بعينه. فقمت إلى خزانة الجوهر، وأخذت الْحُقَّ، وقلت لها: فاتحي فاك، فملأته من الدر.
إسماعيل بن عبد الواحد بن محمد الرَّبعي المقْدِسّي، أبو هاشم، من المائة الرابعة، شافعي.
قال أبو محمد بن زولاق: كان أبو هاشم من الفضلاء النبلاء، يجمع الحفظ والفهم، ويدرس القرآن والعلوم، إلا أنه كان قوي النفس تَيَّاهاً. وكانت ولايته للقضاء في صفر سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، فأقام قدر شهرين. وكان السبب في ذلك أن ابن زَبْر، لما مرض تَكِين بمرض السل، خشي على نفسه من أهل مصر، لما كان عامَلهم به. فكرب ابن زبر إلى تكين، فاستأذنه في السفر فامتنع من الإذن له. فألحّ عليه فلم يقبل. فركب ابن زبر إلى أبي هاشم هذا، وكان قد اختص بالأمير تكين، حتى كان لا يصدر إلى عن رأيه. فسأله أن يقبل عنه نيابة الحكم إلى أن يعود، وأن يتلطف له في الإذن بالسفر. فلم يزل أبو هاشم يكلم الأمير حتى أذن له في ذلك. فتسلم الديوان من ابن زبر، ورجل ابن زبر جميع ما حصله، وتوجه إلى دمشق. فلقي الإخشيد محمد بن طغج، فسأله عن أحوال مصر، فأعلمه أن الأمير على موت. فتصوب الإخشيد للتوجه إلى مصر، واستمر أبو هاشم يحكم بين الناس، ويتقوَّى بالأمير.
وفي ولايته تحدَّث مع الأمير تَكِين فبعث معه صاحب الشُّرَط، فأقام من كان بالجامع العَمْرِي من المالكيين والحنفيين إلا القليل منهم، وهو خمسة:
ابن الحداد والطحاوي وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن رمضان الزيات وأبو بكر الرازي، فحقدوا عليه. ثم سئل في حلقة محمد بن عبد الغني التي فيها أبو الذكر، فأذن له إلى أن مات تكين.
ووقعت الفتنة بين ولده محمد بن تكين وبين الوزير محمد بن علي المَاذَرَائي. فاجتمع جماعة ممن أهانهم أبو هاشم، فتكلموا فيه عند الماذرائي. فأرسل إليه فمنعه من الحكم. كان أبو هاشم أمر بكر محمد بن عليا لعسكري أن ينظر في الفروض، فاستمر بعد منع أبي هاشم على حاله. وأذن له أن ينظر بين الخصوم، فنظر أياماً إلى أن وصل ابن قتيبة.
ولما شغب الجند على محمد بن تكين، توجهوا إلى دار أبي هاشم، فنهبوا جميع ما فيها، وأخرجوا منها آلات الملاهي والمسكر، وكان ذلك لحظية مودعة أودع عند بكران بن الصباغ بضعة وثمانين ألف دينار، فخانه في أكثرها.
وكان جماعة من المالكين أرادوا أن يكتبوا عليه محضراً عند العسكري، فبلغ ذلك ابن الحداد، فركب إلى العسكري فثني رأيه عن ذلك. وذكر له العسكري أموراً عملها أبو هاشم معه ومع غيره، فلم يقبل منه. ولم يزل به حتى رجع عن المساعدة عليه.
وكان يلزم الشهود أن يركبوا معه. فركب يوماً فتفقد محمد بن رمضان، فسأل عنه، فقيل له: هو حاضر، وكلنه لم يجد ما يركبه. فمشى فالتفت، فرآه ماشياً فنزل عن بغلته، وأمره أن يركبها وركب هو بغلة أخرى، وقال: هذا جزاء من أتانا ماشياً.
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: ولي قضاء مصر نحو من شهرين، وكان من كبار الشافعية، وكان جبّاراً ظَلُوماً فلم تطل ولايته.
كذا قال. ولو راجع كلام ابن زولاق لأجاد وأفاد فوصْفُه له بأنه من كبار الشافعية لا سلف له فيه، وتعليله قصر ولايته بأنه كان جباراً ظَلوماً، ليس بواضح من سيرته التي حررناها.
ولما فر إلى الرملة أقام بها خمس سنين، حتى ملك الإخشيد مصر، فبعث إليه يستدعي، فوجده الرسول قد أصابه الفالج. فقال: قل له ما قال الجاحظ: (ما تصنع بشق مائل، ولُعاب سائل، وعقل ذاهل) . ومات بعد ذلك بيسير في سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
إسماعيل بن اليَسَع بن الربيع أو ابن الربعي بن اليسع الكندي الكوفي الحنفي، وأبو الفضل وأبو عبد الرحمن. كان من أهل الكوفة، من المائة الثانية. أخذ عن أبي حنيفة. وسمع من محمد بن عمرو بن علقمة وغيره، روى عنه عبد الله بن وهب وسعيد بن أبي مريم وأبو صالح الحراني، وغيرهم.
قال أبو عمر الكندي: كانت ولايته بعناية يعقوب بن داود وزير المهدي. وهو أول كوفي ولي القضاء على رأي أبي حنيفة، وذلك بعد موت ابن لَهيعة سنة أربع وستين ومائة.
وقال سعيد بن أبي مريم: أول من أدخل مذهب أبي حنيفة مصر، إسماعيل ابنا ليسع، وكانوا لا يعرفونه وكان من خير قضاتنا، إلا أنه كان مذهبه إبطال الأحباس، فثقل على أهل مصر وابغضوه.
وقال يحيى بن بُكير: كان فقيهاً مأموناً، وكان يصلي بنا الجُمع، وعليه كساء مربع من وف وقطن، وقَلَنْسُوَة من خز. وقال خلف بن ربيعة عن أبيه وغير واحد: كان إسماعيل رجلاً صالحاً، وكان في زمان ولايته القضاء، أميرَ مصر إبراهيمُ بن صالح، وصاحبَ البريد سراجُ بن خالد فأراداه على الحكم لهما بشيء فلم يطعهما، فاحتالا عليه، فاستدعاه عُسَامة بن عمرو، فأطعمه سمكاً، ثم أدخل الحمام فمرض، فكتبا إلى
الخليفة المهدي إن إسماعيل حصل له فالج. فكتب بعود غوث بن سليمان إلى القضاء، فصرف إسماعيل في سنة سبع وستين ومائة.
وقال ابن يونس: حدثنا علي بن أحمد بن سليمان. حدثنا أحمد بن سعد ابن أبي مريم، سمعت عمي يقول: قدم علنيا إسماعيل بن اليسع الكوفي قاضياً بعد ابن لهيعة، وكان من خير قضاتنا، غير أنه كان يذهب إلى قول أبي حنيفة، ولم يكن أهل مصر يعرفون مذهب أبي حنيفة، فذكر الباقي نحوه.
وقال ابن يونس: حدثني أبي عن جدي، أنه سمعه يقول: أول عراقي ولي قضاء مصر إسماعيل بن اليسع. فكتب المهدي في أمره لأهل مصر فقالوا: إنا لم ننكر عليه شيئاً في مال ولا دين، غير انه أحدث أحكاماً لا نعرفها ببلدنا، فعزله.
وقال يحيى بن عثمان بن صالح عن أبيه جاء رجل إلى الليث بن سعد فقال: ما تقول في رجل قال لرجل يا مأبون يَا من ينكح دبره؟ فقال له الليث: ائت القاضي
إسماعيل بن اليسع فاسأله فقال: قد صرت إليه فسألته فقال لي: يقول له مثل ما قال له. فقال الليث سبحان الله وهل يقال هذا! قال: فكتب الليث فيه إلى الخليفة فعزله.
قال: وجاء الليث إلى إسماعيل بن اليسع فجلس بين يديه، فقام إسماعيل وأجلّه، وأمره أن يرتفع، فقال ما جئت إليك زائراً وإنما جئت إليك مخاصماً. قال في ماذا؟ قال: في إبطالك أحباس المسلمين. قد حبّس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فمن بقي بعد هؤلاء؟ وقام فكتب إلى المهدي فورد الكتاب بعزله. فأتاه الليث فجلس إلى جنبه، وقال للقارئ: اقرأ كتاب أمير المؤمنين فقال له. إسماعيل: يا أبا الحارث وما كنت تصنع بهذا؟ والله لو أمرتني بالخروج لخرجت من البلد. فقال له الليث: إنك والله ما علمت، لَعفيفٌ عن أموال الناس.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أخبرني أبي قال: كتب في الليث إلى المهدي: (يا أمير المؤمنين إنك وليت علنيا رجلاً يكيد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا مع أنا ما علمنا عليه في الدينار والدرهم إلا خيراً، فكتب بعزله) .
وكان ورود الكتاب بعزله في جمادى الأولى سنة سبع وستين ومائة، وفيه تولية غوث بن سليمان وكانت وفاته في.
الأعزّ بن أبي عقيل هو أحمد بن عبد الرحمن تقدم أوس بن عبد الله بن عَطيَّة بن أوس الحضرمي ابن أخي يونس بن عطية. ويأتي تمام نسبه في يونس، وهو من المائة الأولى.
لما ثقل عمه في الضعف ولاه عبد العزيز بن مروان القضاء، وولي عبد الرحمن بن معاوية بن حُدَيْج الشُّروط، فأقام أوس في القضاء شهرين ونصفاً. ثم صرفه عبد العزيز بعد موت عمه. وأضاف القضاء إلى والي الشرطة المذكور. وذلك في شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين.
ويقال إن يونس كان قد استناب في مرضه رجلاً من تُجيب، فبلغه أنه قام الرجل في مجلس الحكم، فعزله. وقال: ليس علي هذا مضى السلف، وكان أوس المذكور..