المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌حرف السين المهملة

‌حرف السين المهملة

سالم بن سالم بن أحمد بن سالم بن عبد الملك بن عبد الباقي بن عبد العزيز، القاضي مجد الدين المقدسي الحنبلي.

ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. واشتغل ببلده، ثم قدم القاهرة سنة أربع وستين وسبعمائة

فلما مات القاضي موفق الدين أحمد بن نصر الله، طلب أهل الدولة من يصلح للقضاء من الحنابلة فعين هو ابنّ اللحَّام الشيخ علاء الدين، وكان قدم من الشام عقب اللَّنْك، فاجتمعا، فصار كل منهما يقول: أنا لا أصلح للقضاء إنما يصلح هذا.

فلما طال ذلك، استقروا بالقاضي مجد الدين، وهو قريب القاضي موفق الدين الكبير، يجتمع معه في عبد الملك، فأحمد جد سالم، ولد عم موفق الدين.

فلم يزل القاضي مجد الدين في ولايته المذكورة، إلى أن صرف بالقاضي علاء الدين علي بن محمود الحموي المعروف بابن المُغْلي، وكان الناصر فرج يعتمد على القاضي مجد الدين، لأنه وصف عنده بالجودة والأمانة. فجهزه مرة إلى الصعيد، مع

الوزير سعد الدين البشيري، للحوطة على تركة أمير عرب هَوَّارة، محمد بن عمر. فصار صحبته، وضبط الموجود.

وكان رفيقه في هذه السفرة، الشيخ زين الدين ابن النقاش، وكان يعتذر، بأنني قصدت بذلك التخفيف عن ورثة الهواري، ويقول: إنه توفر لهم بسبب ذلك أشياء، لولا وجوده كانت نُهبت. ثم ندب الناصر مجد الدين إلى حضور المخازن التي أمر الوالي بفتحها، ليأخذ ما يجد فيها من الفلوس، لما أراد أن يغلي

ص: 158

سعرها. فلم يجد في الخزانة منها إلا القليل. فأمر أن تشترى ممن هي عنده، فامتنعوا. فكشف حواصلهم بوالي الشرطة، فشكوا إليه أن الشرطة تمد أيديهم إلى أمتعتهم. فأمر القاضي مجد الدين أن يحضر لضبط ذلك، ومنع التعرض لغير الفلوس. وأمر بدفع ثمن الفلوس لمن حضر من أصحابها من التجار. ومن لم يحضر يقبض حاصله ويكتب باسمه وُصُول إلى أن يحضر.

وكان القاضي مجد الدين - فيما قيل - يبالغ في الضبط، ولا يرخص لأحد من أصحاب الفلوس في إخفاء شيء منها، حتى كان العوام يقول قائلهم: إن والي الشرطة كان أرفق بهم منه.

ولمّا استقرت الدولة المؤيدية، كان يبلغه سيرة المذكور فلم يتعرض له، إلى أن قدم القاضي علاء الدين بعد قتل نيروز بسنة، فصُرف القاضي مجد الدين عن القضاء، واستقر ابن المغلي في وظيفة القضاء. واقترح أن يكون على قاعدة القاضي ناصر الدين

بنصر الله فلزم من ذلك أن عز القاضي مجد الدين من جميع التداريس التي كانت معه، ولما ولي القضاء على قاعدة من قبله. فبعد أيام قليلة شغر تدريس الجمالية الجديدة عن أبي الفتح الباهي، فولاه السلطانُ لمجد الدين، فباشره حتى مات في يوم الخميس تاسع عشر ذي القعدة سنة ست وعشرين وثمانمائة.

السائب بن هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيّب، بالتثقيل، بن خزيمة بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي القرشي العامري.

لأبيه هشام صحبة، وكان جدّه عمرو أخا نضلة بن هاشم بن عبد المناف لأمه. فكان هاشم لذلك يواصل بني هاشم، لما حصروا في الشَّعب. وكان يأتيهم بالطعام ليلاً، ثم كان ممن سعى في نقض الصحف التي كتبت عليهم. ويقال إن للسائب رؤية، بل لا يبعد أن يكون له صحبة، فإنه شهد فتح مصر، وكانت سنة عشرين، وأسلم أبوه يوم الفتح سنة ثمان، فقد كان يوم الفتح مُمَيْزاً وتبع أباه في الإسلام. ثم كل من كان بمكة موجوداً من قريش في حجة الوداع، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع خطبته بمنى.

ص: 159

وقال محمد بن الربيع الجيزي: كان عمرو بن العاص، ولي السائبَ شرطته بعد قتل خارجة بن حذافة، وذلك في خلافة علي. وكان قبل ذلك على شُرَطه عبد الله بن سعد، واستخلفه لما وفد على عثمان، واستعمله على الشرطة أيضاً قيس بن سعد.

وقال ابن الضراب: ولاه مسلمةُ بن مُخَلَّد قضاءَ مصر مضافاً إلى قضاء المغرب، وذلك في خلافة معاوية بعد سليم بن عتر، وهو أول من جُمعا له. قال: ثم بلغ مَسْلمة أنه يقول ما ينبغي للقاضي أن يأتي بابَ الأمير، بل ينبغي للأمير أن يأتي باب القاضي، فعزله.

وقال ابن يونس ولاه مسلمةُ قضاءَ مصر والشرطة، ولم يذكره أبو عمر الكندي وال ابن مُيَسِّر في قضاة مصر، فكأنه لم تطل مدته في قضائها.

وذكر ابن دانيال، أن ولايته كانت بعد سليم بن عتر، وقبل عابس بن سعيد وذلك لقوله في أرجوزته:

ثم ولي سليم نل عتر

وبعده السائب نجل عمرو

ثم وليه عابس المرادي ثم كان على الجيش الذي جهزه عبد الرحمن بن جَحْدَم، أمير مصر، لدفع مروان بن الحكم سنة خميس وستين. فبلغ ذلك مروان فأخذ ولديه من فلسطين بعد أن وقف الغلامين بين الجبلين إن لم ترجع بهذا العسكر، وإلا قتلت ولديك. فرجع بعد أن كان وصل إلى العريش. وفي ذلك يقول شاعر أهل الشام:

كَرَرْنا إلى مصر من الشام كَرَّةً

أزالت لَعَمْر الله مُلْكَ أبي بكر

يعني عبد الله بن الزبير. قال ابن يونس، وتبعه ابن ماكولا: كان السائب من جبناء قريش.

سعد بن محمد بن سعد بن عبد الله العبسي الدَّيْرِي المقدسي مولدا ومنشأ، الشيخ الإمام العلامة سعد الدين قاضي القضاة، ابن قاضي القضاة شمس الدين الحنفي من المائة التاسعة، يأتي بيان نسبه في ترجمة والده.

ص: 160

ولد سنة ثمان وستين وسبعمائة، وحفظ القرآن وهو صغير. وحفظ كتباً كثيرة منها الكنز وبعض المنظومة في فقه الحنفية، ومختصر ابن الحاجب الأصلي والمشارق القاضي عياض.

وكان سريع الحفظ، مفرط الذكاء، فعنى به أبوه وأعانه هو بنفسه، وأكب على الاشتغال إلى أن فاق الأقران. واشتهر بمعرفة الفقه حفظاً وتذييلاً للوقائع، واستحضار للخلاف.

سمعت والده يقدمه على نفسه في الفقه. وولي عدة وظائف ببلاده، وقدم القاهرة مراراً. وسمع الحديث على أبي الخير ابن الحافظ صلاح الدين العلائي، وعلى غيره. وحدث عنه بالسماع والإجازة مراراً.

وولي مشيخة المؤيدية بالقاهرة عوضاً عن أبيه، وباشرها، وانتفع به الناس في الفتاوي، والمواعيد والإشْغال، مع طلاقة اللسان، وحسن الوجه، وكثرة البشر، ولين الجانب، وفرط التواضع، مع الوقار والمهابة، والديانة والصيانة.

وولي القضاء بعد صرف القاضي بدر الدين العيني في أول سنة اثنتين وأربعين. فباشر بمهابة وصرامة وعفة. وأحبه الناس، ولا سيما أنه شرط على نفسه أن يبطل استبدال الأوقاف. فدام ذلك إلى مضى ثالث سنة من ولايته وحصل لأوقاف من ذلك رفق كثير. وعمرت أوقاف الحنفية في ولايته، وكثر مُتحصَّلها، بعد أن كان تلاشى أمرُها، بكثرة ما بيع منها أنقاضاً واستبدالاً بالذهب أو الفضة.

وللقاضي سعد الدين نظم كثير سمعت من لفظه في المذاكرة منه كثيراً.

سعيد بن ربيعة بن حُبيش بن عرفطة بن نضله بن ربيعة بن مالك الصدفي، من المائة الثانية. كان منقطعاً إلى الوليد بن رفاعة أمير مصر. فلما مات

ص: 161

الخيار بن مالك عرض عليه الوليد القضاء، فامتنع وقال: ليس الحكم من طلب العافية وأنا مستوحش من الناس فأعفني. قال: لابد. فقال: والله لا تكلمت بكلمة واحدة. فجبره على الجلوس في المسجد. فدخل إليه الخصوم فما أجاب أحداً منهم بحرف واحد. فقام عبيد الله بن الحَبْحَاب وكان على الخراج فتكلم لتوبة بن نمر، فولى القضاء. وانصرف سعيد بعد أيام قلائل.

وقال سيعد بن كثير بن عُفير عن لِهيعة بن عيسى: قيل لسعيد بن ربيعة: إن أردت أن تَسْلم منهم فاسْتَعْجِمْ عليهم، ففعل ولم يقض بين اثنين.

وقال أبو عمر في ترجمة يحيى بن ميمون: لما كتب هشام بعزله، أخبر الوليدُ ابن رفاعة سعيد بن ربعية بولاية القضاء فامتنع، فذكر القصة وذكر ابن يونس أن

سلطان ابن إبراهيم بن المُسَلَّم المقدسي، أبو الفتح الفقيه الشافعي من المائة السادسة وكان يعرف بابن رشا. ولاه أبو علي ابن الأفضل أمير الجيوش القضاءَ رابع أربعة وذلك في سنة وعشرين وخمسمائة.

وقال ابن ميسر: أخبرني القاضي كمال الدين أحمد ابن الصاحب فخر الدين الأعز ابن شكر قال: وجدت ورقة في أوراق خالي العماد ابن أخي العلَم بغير خطه فيها: وفي سنة خمس وعشرين رتب أبو أحمد ابن الأفضل في الأحكام أربعة يحكم كل منهم بمذهبه ويورث بمذهبه، فهو الشافعي. وسيأتي ذكر المالكي وهو محمد بن عبد المولى. والإمامي، وهو هبة الله بن عبد الله بن كامل والإسماعيلي وهو أبو الفضل هبة الله بن حسين بن الأزرق.

وصرف الأربعة عن القضاء عند القبض على ابن الأفضل في شهر ربيع الأول سنة ست وعشرين وخمسمائة.

وكان مولد الفقيه سلطان بالقدس في سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة. وأخذ الفقه عن سلامة المقدسي والسيخ نصر بن إبراهيم المقدسي. ودخل مصر بعد سنة

ص: 162

سبعين

وأربعمائة. فسمع من أبي إسحاق الحبال، والخِلَعِي، وأبي عثمان ابن ورقا، وغيرهم. وأجاز له الخطيب البغدادي وغيره.

وقال ابن ميسر: كان من وُجُوه عُدول مصر وعلمائها. أخذ عنه مجلي بن جميع صاحب الدخائر وغيره. وروي عنه السلفي الحديث، وقال فِي حقه: كان أفقه الفقهاء بمصر في وقته، وقرأ عليه أكثرهم، ومات في آخر جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. وقيل في سنة ثمان.

سليمان بن خالد بن نعيم بن مُقَدَّم بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد بن علي الطائي البساطي، علم الدين المالكي، من المائة الثامنة. والبساطي نسبة إلى بساط، بليدة بالغريبة، يقال لها بساط قروض من عمل السمنودية. وسماها ياقوت في المشترك بَسْوط، وبواو بدل الألف مع فتح أولها. ولم يكن أصله منها. وإنما نزلوها، وهم من شبرا بسيون، بالقرب من النحرارية، ولجدهم بها زاوية. ومات خالد وسليمان صغير. فنشأ في حجر عمه عثمان بن نعيم. واشتغل كثيراً حتى مهر واشتهر بمعرفة المذهب، وشارك في الفنون.

قرأت بخط البشبيشي: كان يقرر الألفية تقريراً حسناً، ونشأ كثير التقشف مطَّرحاً للتكلف، كثير الإطعام لم يرد عليه.

ولم يزل على طريقته، حتى ناب في الحكم عن البرهان الإِخنائي. ثم عن ولده البدر، ثم تنافرا.

وكان يقضي وهو نائب بجامع الصالح، ويشغل الناس، ويقرر لهم أحسن تقرير.

ثم ولي القضاء بعد صرف بدر الدين الإخنائي، بعناية الأمير قرطاي القائم بدولة المنصور على بن الأشرف، في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة فباشر بمهابة وعفة وصيانة، وأكثر من استنابة من لم يكن له قبل ذلك نباهة. وقصد بذلك تأليف خواطرهم لتصير له عصبة، يقابل بها البدر الذي تلقى عنه فاستمر في القضاء ثمانين يوماً، ثم صرف في صفر سنة تسع وسبعين وسبعمائة، فأعيد البدر واستمر إلى ثالث عشر شهر رجب منها، فصرف،

ص: 163

وأعيد البساطي. وتعطل البدر إلى أن مات في ربيع الأول سنة ثمانين وسبعمائة واستمر البساطي إلى أن وقع بينه وبين القاضي برهان الدين ابن جماعة، فصرف في خامس عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة.

واستمر بطالاً إلى أن مات ليلة الجمعة سادس عشر صفر سنة ست وثمانين وسبعمائة.

وكان يعارض البرهان في كثير من الأمور. فاتفق أن بعض الموقعين عرض على البساطي وصية فأثبتها قبل أن تعرض على ابن جماعة، فبلغه ذل فغضب واستعان عليه بالأكمل.

وكان البساطي لا يلفت إلى رسائله، مع ما كان فيه من الجاه وتعظيم الملوك له، فقام الأكمل في نصرة ابن جماعة حتى عزل البساطي، واستقر جمال الدين ابن خير.

سليمان بن عمر بن سالم بن عثمان الأذرعي ثم الدمشقي، جمال الدين الزرعي الشافعي من المائة الثامنة. أصله من المغرب، ولد بأذرِعات سنة خمس وأربعين واشتغل لما ترعرع إلى أن ولي قضاء زَرْع، فقيل له الزَّرعي وغلب عليه.

وقدم على دمشق فناب عن القاضي بدر الدين ابن جماعة، وحكم بالعادلية، لما عزَل الشيخ كمال الدين الشريشي نفسه عن الحكم، في شوال سنة خمس وتسعين، ثم قدم القاهرة على القاضي بدر الدين ابن جماعة، فناب عنه بها. فلما عاد الملك الناصر من الكرك، وهو متغير على القضاة لقيامهم مع الملك المظفر بيبرس عزلهم، وقرر نوابهم. فاستقر القاضي جمال الدين الزرعي في قضاء الشافعية في مستهل شهر ربيع الأول سنة عشر وسبعمائة. وقيل في تاسع صفر.

ولما خلع عليه الناصر أمره أن يدخل بخلعته على بدر الدين ابن جماعة، وهو في مجلس حكمه بالصالحية ففعل. فدخل عليه، فقام له، وظن أنه ولي قضاء الشام، فهنأه وهما قائمان. فاستمر فاستراب ابن جماعة، فقال له: ما الذي وليه مولانا؟ قال: مكان مولانا. فخجل ونكس رأسه وخرج من المجلس

ص: 164

يزاحم من حضر، وكانوا جمعاً كثيراً. وجلس الزرعي مكانه فسار سيرة فاضلة. وعمر الأوقاف، وثمر ريعها وصرفه في المستحقين. واقتصر من النواب على من لا يقدح فيه أحد.

فلم يزل على ذلك إلى أن انقضت سنة كاملة من ولايته. فأعيد البدر ابن جماعة في حادي عشر من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وسبعمائة. وصرف جمال الدين الزَّرعي، فأقام في بيته بطالاً إلى سنة ثلاث وعشرين.

وكان فقيهاً عارفاً بالأحكام، قوى النفس، دَيِّناً أمينا، محترزاً في أموره. مع أنه كان شَرِس الخلق من جهة أصله المغربي.

فلما جاء الخبر بموت القاضي نم الدين ابن صَصْرَى بدمشق، شغر منصب القضاء فتذكر الملك الناصر الزَّرعَّي فاستدعى به، وفوض إليه قضاء القضاة بدمشق وما معها، وأضاف إليه قضاء العسكر ومشيخة الشيوخ والتداريس على العادة، فباشر مباشرة حسنة، إلى أن سعى عليه جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني واستقر بها سنة أربع وعشرين وسبعمائة فصرف، فقدم القاهرة فأقام بها بطالاً، وإلى أن ولي تدريس بعض المدارس بمصر. واستمر إلى أن مات في سادس صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.

وسمع في صباه من أحمد بن عبد الدائم والكمال أحمد بن نعمة، والجمال يحيى ابن الصيرفي وغيرهم. وخرَّج له الحافظ علم الدين البرزالي مشيخة سمعها منه شيخنا برهان الدين الشامي، وقرأتها عليه، وهي عن اثنين وعشرين شيخاً.

سُلَيْم بن عِتْر بن سلمة بن مالك بن عِتْر بن وهب بن عوف بن معاوية ابن الحارث بن أيْدعان بن سعد بن تُجيب التُّجِيبي، نسبه ابنُ يونس. وعتر بكسر المهملة وسكون المثنَّاة بعدها راء: مخضرم منا لمائة الأولى.

قال ابن يونس: هاجر في خلافة عمر وحضر خطبته بالجابية، وشهد فتح

ص: 165

مصر. وكان يدعى سليماً الناسك، لشدة عبادته. روى عن عمر بن الخطاب، وحفصة بنت عمر. وروى عنه علي بن رباح وأبو قبيل ومِشْرح بن عاهان وعقبة ابن مسلم والحسن بن ثوبان وآخرون.

ذكر أبو عمر بسند له عن الحسن بن ثَوْبان قال: ركب سُليَم بن عتر البحر فلما قفل نزل. فأقام سبعة أيام لا يدري أين هو، ثم جاء فقالوا له: أين كنت؟ فقال: إني ذهبت إلى هذا الغار، فأقمت فيه هذه الأيام السبعة شكراً لله تعالى.

ومن طريق أخرى عن سُليم، لما قفلت تعبدت في غار سبعة أيام بالإسكندرية لم أصب فيها طعاماً ولا شراباً. ولولا أني خشيت أن أضعف لزدت.

وذكر أبو عمر أيضاً من طريق أخرى: أن سليم بن عتر كان يصلي بالليل، فيختم القرآن، ثم يأتي أهله، ثم يعود فيختم. ثم يأتي أهله، ثم يعود فيختم. ثم يأتي أهله.

فلما مات، وقالت امرأته رحمك الله، فقد كنت ترضى ركب وتسرُّ أهلك.

من طريق سعيد بن عُفير عن بكر بن مضر قال: لما مات سليم، قالت امرأته، فذكر نحوه. فسئلت فقالت: كان يغتسل أربع مرات ويختم القرآن أربع مرات في الليلة.

وقال أبو عمر: كانت ولايته للقضاء من قبل معاوية سنة أربعين. وكان قبل ذلك يَقُصّ. ويقال إنه أول من قَصَّ، وذلك في سنة تسع وثلاثين. فكان يقص وهو قائم. فأنكر عليه صِلَة بن الحراث الغفاري، وله صحبة، فقال له: والله ما تركنا عهد نبيِّنا ولا قطعنا أرحامنا، حتى قمت أنت وأصحابك بين أظهرنا. وكان السبب في ذلك أن علياً لما رجع من صفين قَنَت. فدعا على من خالفه: فبلغ ذلك معاوية، فأمر من يقص بعد الصبح وبعد المغرب أن يدعو له ولأهل الشام. وكتب بذلك إلى الأمصار.

ص: 166

وقال الليث: هما قَصَان، قصص العامة، يجتمع إليه النفر من الناس يعظهم ويذكرهم. وقصص الخاصة وهو الذي أحدثه معاوية. ولي رجلا على القصص، إذا سلم الإمام من صلاة الصبح، جلس فذكر الله وحده ومَجَّده وصلى على نبيه وسلم، ودعا للخليفة وأهله ولأهل ولايته وجنوده. وعلى أهل حربه وعلى الكفار كافة.

قال القضاعي: أقام سليم بن عتر على القصص والقضاء سبعاً وثلاثين سنة منهما سنتان قبل أن يلي القضاء. وكان يرفع يديه في قَصصه.

وقال المفضل بن فضالة عن إبراهيم بن نَشِيط عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن حُجَيرة قال: اختُصم إلى سليم بن عتر فِي ميراث، فقضى بين الورثة. ثم تناكروا فعادوا إليه، فقضى بينهم، وكتب كتاباً بقضائه وأشهد فيه شيوخا الجند.

قال: وكان أول القضاة بمصر سجَّل سجلاً بقضائه.

وقال عبد العزيز بن أبي ميسرة عن أبيه: كتب معاوية إلى سليم بن عتر يأمره بالنظر فِي الجِراح، وأن يرفع ذلك إلى صاحب الديوان. وكان سليم أول قاض نظر في الجِراح وحكم فيها.

قال أبو عمر: تولي سُليم بن عتر من سنة أربعين إلى موت معاوية فكتب يزيد ابن معاوية إلى مسلمة بن مخلد بأخذ البيعة فامتنع عبد الله بن عمرو.

وعن أبي قبيل قال: كان مسلمة بن مُخلد بالإسكندرية، فبلغه أن عبد الله ابن عمرو امتنع من بيعة يزيد، فأرسل إليه كُريب بن أبرهة وعباس بن سعيد، فدخلا عليه ومعهما سليم بن عتر، وهو يومئذ قاضٍ وقاصّ، فوعظوه في بيعة يزيد، فقال عبد الله: والله لأنا أعلم بأمر يزيد منكم. وإني لأول الناس أخبر به معاوية، أنه يُستخَلف ولكن أردت أن يَلي هو بيعتي، فأما أنت يا عابس فبعض آخرتك بدنياك. وأما أنت يا سليم فكنت قاصاً فكان معك ملكان يذاكرنك، ثم صرت قاضياً فمعك شيطاناً يُزيغانك، وأما أنك يا كُريب. فإنَّ صوتك في الغرب وليس عند شيء.

قال: ثم قدم مسلمة فعزل السائب عن الشرطة وولاها عابس بن سعيد. ثم

ص: 167

عزل سليماً عن القضاء ووّلاه عابساً. فكان أول من جمع له القضاء والشرطة، فكانت ولاية سليم القضاء عشرين سنة.

قال ابن يونس: ومات سليم بدمياط في إمرة عبد العزيز سنة خمس وسبعين.

وخرج أبو عُمر من طريق ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد قال: قلت لَحَنش ابن عبد لله: أخبرني عن قول الله تعالى: (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ التَّل ما يَهْجَعُونَ) فقال هذه والله صفة سليم بن عتر.

قالوا: وكان سليم بن عتر يؤمن الناس في قيام رمضان، فيسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة ويجهر بالبسملة ويبسمل. وكان يقرأ فِي الكرعة الأولى من صلاة الصبح بالبقرة وفي الثانية ب (قُلْ هُوَ الله أَحَد) .

ص: 168