المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حرف الياء المثناة من تحت - رفع الإصر عن قضاة مصر

[ابن حجر العسقلاني]

الفصل: ‌حرف الياء المثناة من تحت

‌حرف الياء المثناة من تَحْت

يحيى بن أكْثَم بن محمد بن قَطَن بن سمعان بن مُشَنَّج بن عبد عَمرو بن عبد العُزَّى بن أكْثَم بن صَيْفي بن شريف التميمي الأُسَيْدِيّ المَرْوَزِيّ أبو محمد نزيل بغداد حنفي ويقال شافعي من المائة الثالثة.

قال أبو عمر الكندي: ولاه المأمون قضاء مصر لما دخلها سنة سبع عشرة، فجلس يوم السبت لإحدى عشرة ليلى خلت من شهر المحرم منها، فقضى بَيْنَ الناس. ويقال إنه لمن يباشر القضاء بِهَا سوى ثلاثة أيام، وتوجه صحبة المأمون إِلَى سَخَا، ثُمَّ رجع إِلَى مصر فحكم بِهَا أيضاً أياماً، ثُمَّ رحل المأمون فرحل معه، وتَشَاغَل المأمون بالحرب حَتَّى خرج منها وخرج معه يحيى وَلَمْ يقرر فِيهَا قاضياً بعد أن عرض عَلَيْهِ جماعة من أهلها، وعين عليّ بن مَعْبَد بن شَدّاد فامتنع ولَجَّ فِي الامتناع.

وَكَانَ مولد يحيى بن أكثم فِي سنة تسع وخمسين ومائة.

وسمع ببغداد ومكة وغيرهما من سُفيان بن عُيينة، وأبي بكر بن عَيّاش، والفضل بن موسى المروزي وعبد الله بن المبارك، وحفص بن غياث.

ص: 461

روى عنه التِّرمذيّ فِي الجامع، والبخاري خارج الصحيح، وإسماعيل القاضي. وَكَانَ يبرئه مما يرميه بِهِ الناس من حب الولدان.

وَكَانَ أحمد يقول: مَا عرفناه ببدعة. وذكر لَهُ مَا يقال عنه فأنكرَ إنكاراً شديداً. وقال: سبحان الله! مَن يقول هَذَا!.

قال ابن الجوزي: لما استخلف المتوكل وقبض عَلَى ابن أبي دُوَاد صَيَّر يحيى بن أكثم فِي مرتبته وخلع عَلَيْهِ خمس خلع. فلم يزل إِلَى أن كَانَ فِي صفر سنة سبع وثلاثين ومائتين. فعزل المتوكل يحيى بن أكثم من القضاء وقدم يعقوب بن قوصرة فأخذ من منزله خمسة وسبعين ألف دينار وصولح عَلَى أن يؤدي تمام ألف دينار وعشرين ألف دينار. وولي مكانه فِي قضاء بغداد جعفر بن عبد الواحد الهاشمي.

ويقال: إن سبب عزله قصته المتقدمة مع ابني مسعدة.

قال ابن الجوزي: وَكَانَ شاع عنه ذَلِكَ، يعني محبة الغلمان ولعله كَانَ يقنع بالنظر حسب مَا أسند عن أبي العيناء.

قال: وتولى يحيى بن أكثم ديوان الصدقات فلم يعط الأضِرَّاء شيئاً، فَطَالَبُوهُ فَمَطَلَهم، فاجتمعوا فلما رأوه انصرف من مجلسه بجامع الرصافة سألوه وطالبوه فقال: لَيْسَ لكم عند أمير المؤمنين شيء. فقالوا لَهُ: إن جئتنا لأمير المؤمنين يزيدنا عَلَى هَذَا الجواب؟.

قال: لا. قالوا لا تفعل يَا أبا سعيد! فقال: الحبس الحبس. فَأخِذوا وحُبِسُوا - جميعاً. فلما كَانَ الليل ضجوا فسمع المأمون، فسأل: مَا هَذِهِ الضجة؟ قالوا: الأضِرّاء

ص: 462

حَبَسهم يحيى بن أكثم. فقال: لِمَ حَبسهم؟ قالوا: كَنّوه فاستدعى بِهِ فقال: تحبسهم إذْ أَكْنَوك! قال: لا. إنما حبستهم عَلَى التعريض. قالوا لي: يَا أبا سعيد وهي كنية شيخ مشهور باللواط من أهل الحَرْبيَّة.

وقال ابن الجوزي: أخبرنا محمد بن أبي طاهر، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي، أخبرنا أبو الفضل ابن المأمون، حدثنا أبو بكر ابن الأنباري، حدثنا ابن المرزبان، قال حدثنا الحسن بن المقدام قال: استعدى ابن عمار ابن أبي الخطيب يحيى بن أكثم عَلَى ورثة أبيه، وَكَانَ بارع الجمال فقال: أَيُّها القاضي أعدني عليهم فقال لَهُ يحيى بن أكثم فمن يعديني أنا عَلَى عينيك؟. قال فبلغ ذلك أم الصبي فهربته إِلَى بغداد فقال لَهَا وَقَدْ تقدمت إِلَيْهِ: والله لا أنفذتُ لكم حكماً أَوْ ترديه فهو أولى بالمطالبة منك واتفق أن يحيى بن أكثم خرج إِلَى مكة فحج وعزم عَلَى المجاورة فبله أن قلب المتوكل لَهُ فخرج يريد العراق فمات بالرَّبذَة ودفن هناك وذلك فِي سنة ثلاث وأربعين وقيل فِي الَّتِي قبلها.

وذكر الحاكم عن عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن الضبي عن الحسن بن محمد الكاتب عن بِشْر بن الوليد قال: قال لي المأمون إِذَا أردت العفيف فذكر رجلاً ثُمَّ قال وأما يحيى بن أكثم فما أدري مَا عَيبه. أما ظاهره فأَعَفّ خلق الله تعالى.

وقال أبو الفرج فِي الأغاني: أخبرني محمد بن العباس اليَزيديّ، حدثني عمي عُبَيد الله قال: زامل المأمونُ فِي بعض أسفاره بَيْنَ يحيى بن أكثم وعبّادةَ المضحك فقال عمي إبراهيم:

وحاكم زاملَ عبّاده

وَلَمْ تَزَل تِلْكَ لَهُ عَادهْ

لو جَازَ لي حُكم لما جازَ أن

يَحكم فِي قيمته لُبّادهْ

كم من غُلام عزّ فِي أهله

وافتْ قَفَاه منه سجاده

ص: 463

قال وأخبرني عمي، حدثنا أبو العيناء، قال: نظر المأمون إِلَى يحيى بن أكثم يلحظ خادماً لَهُ، فلما قام إِلَى المستراح قال للخادم: تَعَرّضْ لَهُ وأخبرني بما يقول لَكَ. وتوجه المأمون وقَعَد يحيى إِلَى أن يجيء. فلما غاب المأمون غمز الخادم يحيى بعينه فقال يحيى (لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ) فلما خرج المأمون أخبره فقعد المأمون للوضوء واستدبر يحيى وقال للخادم: قال لَهُ (أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى) الآية.

فقالها لَهُ. ففهم أنها من المأمون فكاد يموت فزعاً، ففرغ المأمون من صلاته ثُمَّ التفت إلينا وهو يقول: متى تَصلحُ الدنيا ويصلح أهلها. البيت.

ومن كلام يحيى بن أكثم قال لَهُ رجل: أصلحَ الله القاضي كم آكُل؟ قال: فَوْقَ الجُوع ودُونَ الشِّبع. قال: فكم أضْحَك؟ قال: حَتَّى يُسفرَ وجهُكَ، ولا يَعلو صوتك. قال: فكم أبكي؟ قال: لا تَمل من البكاء من خشية الله. قال: فكم أُخفي من عَمَلي؟ قال: مَا استطعتَ. قال: فكم أُظْهِر منه قال: مَا يقتدِي بك البَرّ الخيِّر، ويؤمن عَلَيْكَ قول الناس. فقال الرجل: سبحان الله! قولُ قَاطِنٍ، وعَمَلُ ظَاعِنٍ.

يحيى بن الحسن بن علي بن الأشعث: بار قضاء مصر نيابة عن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن زَبْر فِي ولايته الثالثة شهرين، وَلَمْ يقدم ابن زبر مصر فِي هَذِهِ الولاية، ثُمَّ صرف يحيى بصرف ابن زبر، وولي الحسين بن أبي زرعة.

يحيى بن عبد المنعم بن حسن جمال الدين شافعي من المائة السابعة.

ص: 464

ولي قضاء مصر استقلالاً فِي شهر رمضان سنة ست وأربعين وستمائة وَكَانَ قبل ذَلِكَ ينوب فِي الحكم عن الخُونجيّ فِي الجيزة ثُمَّ ناب عنه بمصر. وَكَانَتْ ولايته استقلالاً سبعة أشهر، وعاش بعد ذَلِكَ دهراً طويلاً إِلَى أن مات فِي تاسع رجب سنة ثمانين وستمائة.

ذكره تاج الدين محمد بن عبد الوهاب ابن المتوج، وَلَمْ يذكره ابن دانيال فِي منظومته.

يحيى بن ميمون بن ربيعة بن إياس بن رَبيعة بن مِخْمَر بن مالك بن شَراحيل بن ربيعة الحضرميّ يكنى أبا عَمْرَة. من المائة الثانية.

قال ابن يونس: روى عن سَهْل بن سعد السَّاعِدِيّ.

روى عنه عَمرو بن الحارث، وعَيّاش بن عُقبة الحضرمي وعطاء بن دينار، وغيرهم.

وقال عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحَكَم فِي الفتوح: لَمْ يكن بالمحمود فِي ولايته. ثُمَّ أسند عم المفضَّل بن فَضالة أنه كَانَ يقول: بئْس القاضي. وحكى عن المفضل أيضاً أن كُتَّابَه كانوا لا يكتبون قضية إِلَاّ برَشوة فكُلم فِي ذَلِكَ فلم ينكره.

وقال أبو عمر: تولى من قِبَل هشام بن عبد الملك فِي شهر رمضان سنة خمس ومائة.

وقال عبد العزيز بن أبي مَيْسَرة: لما استخلف هِشام وَلَّى قضاء مصر يحيى بن ميمون.

وقال ابن يونس كَانَ الناس يعيبونه لكثرة مَا يشكون من كُتَّابه فلا ينكِر عليهم.

ص: 465

ذكره النَّسائي فقال: لا بأس بِهِ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وأخرج لَهُ أبو داود والنَّسائي.

وأسند أبو عمر الكندي إِلَى ابن قُدَيْد أن يتيماً من مُراد كَانَ فِي ولاية يحيى بن ميمُون وهو على القضاء تَحْتَ حجر رجل من قومه، فبلغ فتظلّم من العريف فلم بنصفه القاضي. فأحضر بيّنة شهدت عند القاضي بأنه مظلون، فلم يقبلهم يحيى بن ميمون فكتب إِلَيْهِ الغلام بأبيات أبي شِمْر:

أَلَا أَبْلِغْ أَبَا حَسَّانَ عَنِّي

بِأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ عَلَى هَوَاكا

حَكَمْتَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَأْتِ حَقّاً

وَلَمْ يُسْمَعْ بِحُكْمٍ مِثْلٍ ذَاكَا

وَتَزْعُمُ أنَّهُ حَقٌّ وعَدْلٌ

وَأَزْعُمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَاكَا

أَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ حَقٌّ

وَأَنَّكَ حِينَ تَحْكُمُ قَدْ يَرَاكَا

فلما قرأ الرقعة أمر بسجنه فبلغ ذَلِكَ هشام بن عبد الملك فكتب إِلَى أمير مصر الوليد بن رِفاعة يأمره بعزله، وَفِي الكتاب: اصرفه مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وعيّن للقضاء رجلاً عفيفاً تقيّاً لا تأخذه فِي الله لَومة لائم.

وكان ذَلِكَ فِي سنة أربع عشرة ومائة. ومات فِي آخرها.

أخبرني المحب محمد بن محمد بن مَنيع، أخبرنا عبد الله بن الحسين الأنصاري، أخبرنا محمد بن أبي بكر البلخي عن السِّلَفِيّ، أخبرنا أبو القاسم ابن بَيَان وثلاثة آخرون. قال الأربعة: أخبرنا أبو القاسم بن بِشْرَان، أخبرنا أبو محمد الفَاكِهِي، أخبرنا أبو يحيى بن مَيْسَرَةَ، حدثنا عبد الله بن يزيد المُقْرئ حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن عطاء بن دينار، عن حَكيم بن شَريك، عن يحيى بن ميمون الحَضْرَميّ، عن رَبيعة الجُرَشِيّ، عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُجالِسُوا أهلَ الْقَدَر ولا تُنَاكِحُوهم) . أخرجه أحمد عن المقرئ.

ص: 466

وأخرجه أبو داود عن أحمد. وأخرجه أبو يَعْلَى عن أبي خَيْثَمَة عن المقرئ. وأخرجه ابن حِبّان فِي صحيحه عن أبي يَعْلَى. وأخرجه الهَيْثَم بن كُلَيب فِي مسنده عن ابن المناوى وعباس الدوري كلاهما عن المقرئ. وأخرجه أبو داود أيضاً عن أحمد بن سَعِيد الهَمْداني، عن ابن وهب، عن ابن لَهِيعَة، وعَمرو بن الحارث، وسعيد بن أبي أيوب، ثلاثتهم عن عطاء بن دينار.

يزيد بن عبد الله بن خُذَامِر من المائة الثانية.

قال ابن يونس: أصله من الفُرس من موالي سبأ. ولي قضاء مصر. انتهى. وَقَدْ أخَلَّ بذكره بعض من صَنَّفَ فِي قضاة مصر. وذكره ابن دانيال فِي أرجوزته وقال: أقام يسيراً، وَكَانَتْ ولايته فِي سنة خمس عشرة ومائة عوضاً عن الخيار بن عبد الله.

يزيد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن بلال الحضرمي. يكنى أبا خالد.

ذكره بعضهم فِي قضاة مصر وَلَمْ يكن ولي القضاء استقلالاً، وإنما كَانَ ولي نيابة عن غَوْث بن سليمان لما خرج مجاهداً، ثُمَّ فوض إِلَيْهِ غوث الحكم نيابة عنه فِي البلد واستراح غوث مدة.

قال ابن يونس: ولاّه غَوْثَ بن سليمان خلافته، وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ عَلَى قضاء إِخميم، فبقي فِي الحكم أربعة أشهر، وَكَانَ فِي تِلْكَ المدة يكتب القضايا باسم غوث بن سليمان ولا يثبت اسمه عَلَى شيء منها. قاله سعيد بن عُفَيْر.

وقال أبو عمر الكندي بسنده إِلَى زَيد بن بشر عن ربيعة ابن أخي غوث بن سليمان، أن غوث بن سليمان استخلف يزيد بن عبد الله لما خرج إِلَى الصائفة. ثُمَّ أسند عن ابن قُدَيد أن ابن بلال مات فجأة فِي ذي القعدة سنة أربعين ومائة. فكانت مدة نظره أربعة أشهر.

ص: 467

وعن عبد الرحمن بن عبد الحكم، أن ابن بلال كَانَ يجلس للناس فِي المسجد الأبيضَ بحَضْرَمَوْت إِلَى أن مات. ولما مات رَكِب غَوْث فضم الديوان إِلَيْهِ فصاحت ابنة يزيد وَاذُلاّه. ولما تكاثرت الخصوم عَلَى غوث قال: رحمة الله عَلَى أبي خالد، لقد كَانَ يسدّ عَنَّا مسدّاً.

يعقوب بن إبراهيم بن حَبيب بن خُنَيْس بن سعد بن بُجَيْر بن معاوية البجلي حليف الأنصار أبو يوسف القاضي إمام أصحاب أبي حنيفة ومقدمهم. وجدّ جده يقال لَهُ: ابن حَبْتَةَ - بفتح المهملة والمثناة بينهما موحدة ساكنة - وهي بنت خَوَّات بن جُبَيْر الأنصاري. ولسعد صحبة وشهد الخندق.

وَكَانَ مولد أبي يوسف بالكوفة سنة ثلاث عشرة ومائة وطلب العلم من صغره وسمع الحديث من هشام بن عُروة، وعبد الله بن دينار، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبي إسحاق الشيباني، وعطاء بن السائبِ، ويزيد بن أبي زياد، والأعمش، وعبيد الله بن عمر العمري، وحَجّاج بن أرطاه وغيرهم.

ولازم أبا حنيفة فِي الفقه وأخذ عن ابن أبي ليلى وغيره.

روى عنه محمد بن الحسن الشيباني، وهِلال الرَّأْي، ومُعَلَّى بن منصور، ومحمد بن سماعة، وبشر بن الوليد، وأسَد بن الفُرات وإبراهيم بن الجراح. أخذوا عنه الفقه وسمعوا منه الحديث.

ص: 468

وروى عنه من المحدِّثين: يحيى بن مَعِين، وأحمد، وعلي بن الجَعْد، وأحمد بن مَنيع، وعمرو الناقد، وعلي بن مُسْلم الطوسي وآخرون.

ولاه

قضاء الممالك فكان يتولى القضاء فِي كل مصر مِنْ قِبَله. وهو أول مَن قيل لَهُ: قاضي القضاة.

وكان أبوه فقيراً فكان أبو حنيفة لما رأى نَجَابَةَ أبي يوسف يتفقده بالمائة بعد المائة ليتوفر عَلَى طلب العلم.

فجاء عن أبي يوسف قال: كنت أطلب الحديث فجاء أبي يوماً وأنا عند أبي حنيفة فقال: يَا بُنيّ لا تَمُدَّنَّ رِجْلكَ مع أبي حنيفة، فإنك تحتاج إِلَى المعاش فأطعته وانقطعتُ عن أبي حنيفة. فتفقدني أبو حنيفة فلما أتيته دفع إليّ مائة درهم وقال لي: تعاهد الحَلْقة فإذا فَرَغَتْ هَذِهِ فَأَعْلِمْني.

ويقال إن أباه مات وهو صغير وأن القصة كَانَتْ مع أمه وَكَانَتْ أَسْلَمَته إِلَى قَصَّار الثياب يُعلمه.

وعن محمد بن الحسن قال: مرض أبو يوسِف فَعَادَه أبو حنيفة فلما خرج قال: إن مات هَذَا الفتى مات أعلم من عَلَيْهَا وَأَوْمَأَ إِلَى الأرض.

وقال الإِمام أحمد بن حنبل: أول مَا طلبت الحديث اختلفتُ إِلَى أبي يوسف فكتبتُ عنه، ثُمَّ دُرت عَلَى المشايخ وَكَانَ أبو يوسف أَمْيَل إِلَى المحدّثين من شيخه ومن محمد.

وقال أحمد أيضاً: كَانَ أبو يوسف منصفاً فِي الحديث. وقال إبراهيم بن سليمان البُرُلّسِيّ: سمعت يحيى بن مَعِين يقول: مَا رأيت فِي أصحاب الرأي أثبت فِي الحديث، ولا أحفظ، ولا أصح رواية من أبي يوسف.

ص: 469

وقال عباس بن الدوري عن ابن مَعِين: أبو يوسف صاحب حديث وصاحب سنة.

وقال عمرو الناقد أبو يوسف صاحب سنة.

وقال إبراهيم الحربي: كَانَ أبو يوسف قَدْ اطلع الفقه والعلك اطلاعاً يتناوله كَيْفَ شاء.

وقال بكر العَمِّيّ عن هلال الرّأْي كَانَ أبو يوسف يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب وَكَانَ أحد علومه الفقه.

وعن بشر بن غياث قال: قال أبو يوسف: صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة.

وعن محمد بن سماعة: كَانَ أبو يوسف يصلي كل يوم مائتي ركعة بعد أن ولي القضاء.

وقال عليّ بن المَدِينيّ: مَا أخذت عَلَى أبي يوسف إِلَاّ حديثه فِي الحَجْر، عن هِشام بن عُرْوة. وكان صَدوقاً.

وقال يحيى بن يحيى التَّمِيميّ: سمعت أبا يوسف يقول عند وفاته: كل مَا أفتيتُ بِهِ فقد رجعتُ عنه، إِلَاّ مَا وافَقَ القرآن والسنة. وَفِي رواية: واجتمع عَلَيْهِ المسلمون.

وقال بِشْر بن الوليد: سمعت أبا يوسف يقول: مَن تتبع غريب الحديث كُذِّب، ومن طلب المال بالكيمياء أفلسَ، ومن طلب الدِّين بالكلام تَزَنْدَقَ.

وقال محمد بن سَماعة: سمعت أبا يوسف يقول يوم مات. اللهم إنك تعلم أني لَمْ أجُرْ فِي حُكْمٍ حكمتُ يه متعمداً ولقد اجتهدتُ فِي الحكم بما يوافق كتابك وَسُنَّة نبيّك.

ص: 470

وقال الطحاوي: حدثنا بَكّار، حدثنا أبو الوليد الطّيالسيّ قال: قدم أبو يوسف البصرة مع الرشيدِ فاجتمع أصحاب الرأي وأصحاب الحديث عَلَى بابه. فأشرَفَ عليهم وَلَمْ يأذَن لأَحَدٍ منهم، وقال: أنا من الفريقين جميعاً. ولا أُقَدِّم فرقةً عَلَى فرقة، ولكني أسأل عن مسألة فمن أصاب دخلت طائفته. ثُمَّ قال: رجلٌ مَضَغَ خَاتمي هَذَا حَتَّى هَشَمه، مَاذَا عَلَيْهِ؟ فاختلف أحاب الحديث، فلم يعجبه جوابهم. وقال رجل من الفقهاء: عَلَيْهِ قيمته صحيحاً، ويأخذ الفضة المهْشُومة إِلَاّ إن شاء رب الخاتم أن يمسكه لنفسه فلا شيء على هاشِمه. فقال أبو يوسف: يدخل أصحاب هَذَا الجواب.

قال أبو الوليد: فدخلنا معهم فأملَى حديثاً عن الحسن بن صالح، ثُمَّ قال مَا أخاف عَلَى رجل من شيء خوفي عَلَيْهِ من كلامه فِي الحسن بن صالح فوقع لي أنه أراد شُعبة، فقُمْتُ وقلت: لا أجلس فِي مجلس يُعرَّض فِيهِ بأبي بِسْطام. ثُمَّ رجعتُ إِلَى نفسي فقلت هَذَا قاضي الآفاق، ووزير أمير المؤمنين، وزميله فِي حجِّهِ، وَمَا يَضُرُّهُ غضبي، فرجعتُ وجلستُ حَتَّى فرغ المجلس. فأقبل عَلَيَّ إقبالَ رَجُلٍ مَا كَانَ لَهُ هَمٌّ غيري، فقال: يَا هشام، وإذا هو يُثنيني لأنّي كنت عنده ببغداد، والله مَا أردتُ بأبي بسطام سوءاً.

وهو فِي قلبي أكبر منه فِي قلبك فيما أرى. ولكني لا أعلم أني رأيتُ رجلاً مثل الحسن بن صالح. قال بكّار: فذكرت ذَلِكَ لهلال الرَّأْي فقال: أنا والله أجبتُ أبا يوسف عن مسألة الخاتم.

وقال محمد بن شجاع البلخي سمعت الحسن بن أبي مالك يقول: سمعتُ أبا يوسف يقول: القرآن كلام الله، مَن قال كَيْفَ؟ ولِمَ؟ وتعاطى مجادلة فِيهِ استوجب الحبس والضَّرْبَ المبرح. ولا يُفلح مَن استحلى شيئاً من الكلام. ولا يُصَلَّى خلف مَن قال: القرآن مخلوق.

وقال أبو خازِم القاضي: سمعتُ بن موسى قاضي هَمذَان، يحدث عن بِشْر بن الوليد قال: كَانَ أبو يوسف إِذَا ذُكِر محمد بن الحسن يقول: أيّ سيف هو، غير أن فِيهِ صَدَأ يحتاج إِلَى جِلاء. وإذا ذُكر الحَسَن بن زياد اللؤلؤي يقول: هو عندي كالعَطّار إن سألته يعطيك مَا يُسْهلْ ويعطيك مَا يمسِك. وإذا ذكر بشر بن الوليد

ص: 471

يقول: هو كإبرة الرَّفَّاء، طرفها دقيق، ومدخلها لطيف وهي سريعة الانكسار. وإذا ذكر الحسن بن أبي مالك يقول: هو يحمل جمل جَمَل فِي يوم مَطِير، فتذهب يده هكذا مرَّة، وهكذا مرة، ثُمَّ يسلم.

وقال أبو سليمان الجَوْزجانيّ: سمعت أبا يوسف يقول: دخلتُ عَلَى الرشيد وَفِي يدر دُرَّتان يقبلهما، فقال: هل رأيتَ أحسنَ منهما؟ قلت: نعم، يَا أمير المؤمنين! قال: مَا هو؟ قلت: الوعاء الذي هما فِيهِ. فرمى بهما إِليَّ وقال: شأنك بهما.

قال بِشر بن الوليد: مات أَبو يوسف يوم الخميس لخمسٍ خَلَون من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين ومائة.

وقال غيره: فِي ربيع الآخر.

وقال عباد بن العوام وهو فِي جنازته: ينبغي للمسلمين أن يُعزّي بعضهم بعضاً فِي أبي يوسف.

يعقوب بن إسحاق. كَانَ يفصل المحاكمات بَيْنَ الخصوم منذ قتل مالك بن سعيد الفارقي إِلَى أن استقر ابن أبي العوام كما مضى فِي ترجمته. ومن خبر يعقوب هَذَا

.

يعقوب بن إسحاق أبو يوسف من المائة الخامسة

.

يعقوب بن كِلَّس الوزير فِي الدولة الفاطمية تقدم فِي ترجمة عَلَى ابن النعمان مَا يدل عَلَى أن أمر القضاء فِي جميع المملكة كَانَ مفوضاً للوزير، فكان القاضي لا ينفذ أمراً دونه، ولا يعدّل شاهداً إِلَاّ بإذنه، ولا يقلد قاضياً إِلَاّ بعد مطالعته ومراجعته.

ص: 472

ثم جلس الوزير فِي الإيوان ونظر فِي الأحكام، وكل ذَلِكَ لا يظهر من علي ابن النعمان اعتراض وَكَانَ فِي طول نظره لا يرد إِلَى علي بن النعمان حكومة وإنما يردها تارة إِلَى أبي طالب أحمد بن القاسم بن المنهال الَّذِي قدَّمت ذكره فِي الأحمدين. وتارة إِلَى محمد بن الحسَن بن أبي الدبس الَّذِي قدمت ذكره فِي المحمدين.

يوسف بن أيوب بن إسماعيل الأندلسي الأصل أبو الحجاج المغربي كان قاضي الغربية نيابة عن قضاة مصر، فلما صرف أبو الفتح الرَّسْعَنِيّ قرره الوزير الملقب بالمأمون البَطَائحي فِي القضاء وذلك فِي ذي القعدة سنة ست عشرة وخمسمائة ولُقّب جلال الملك تاج الأحكام، وخلع عَلَيْهِ فِي القصر بذلة مذهبه وأدخله عَلَى الخليفة فسلّم عَلَيْهِ، ودَفَعَ لَهُ سِجل يشتمل عَلَى توليته القضاء والخطابة والصلاة وديوان الأحباس ودار الضرب. وذكر فِيهِ لَهُ أوصافاً جميلة من العلم والدين، فأخذ سِجله فَقَبَّلَه وَوَضَعَه عَلَى رأسه.

وتوجه إِلَى الجامع فَقُرِئَ عَلَى المنبر، وواظَب الجلوس يومي الاثنين والخميس عند المأمون بمجلس المظالم، فكانت القصص تُعرَض عَلَيْهِ فيجيب عنها بأحسن الأجوبة ويناقش فِي كثير مما يتعلق بأصحابها، ويرشد إِلَى أشياء تخفى عَلَى كثير من الناس. فكان ذَلِكَ يعجب المأمون ويزيده فِيهِ رغبة.

وكان المأمون يعرفه قديماً لأنه أَقْرَأَ أخاه المؤتمن القرآن والعربية واشترط علي المأمون أن لا يستشهد إِلَاّ مَن يقع عَلَيْهِ الاختيار ممن يَتَعاطى الشهادة، فاختار سبعة عشرة نفساً ومنع الباقين، وَلَمْ يزل يوسف فِي ولاية الحكم إِلَى أن مات فِي جمادى الآخرة وقيل فِي شوال من سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، واستقر بعده ابن مُيسر واسمه محمد بن هبة الله. وَقَدْ تقدَّم ذكر أسماء الشهود الذين اختارهم: أبو محمد حسن بن آدم متولي دار العلم، وأبو الكرم المتكلم، وأبو الفخر الخطيب وخازن الكتب، وأبو علي الحسن بن سالم بن علي بن حسن بن أَنْجَب موقع الحكم، وأبو البركات بن نجايه، والشريف الخطيب أبو الفتوح ناصر بن الحسن الرندي الفقيه، وأبو مروان عبد الملك بن

ص: 473

خَلاّد النائب بالجيزة، وولدا وَلي الدولة ابن العرفي، وولدا إبراهيم بن مسلم، وأبو الحسن خلف بن عمار، وأبو البركات عبد المنعم بن طاهر وأبو الفتح يحيى بن حسين، وأبو المنجا سالم بن عبد الغالب.

يوسف بن الحسن بن علي بن عبد الله الزّرزاري الكَردي المعروف بالسِّنْجارِي بدر الدين أبو المحاسن شافعي من المائة السابعة.

ولد سنة تسعن وخمسمائة، واشتغل قليلاً حَتَّى كَانَ من أعيان بلاده رياسة وحِشمة وجوداً، وَقَدْ سِنْجَار فِي شُبُوبيته فاتصل بالأشرف موسى، فلما ولي مملكة دمشق ولاّه بعلبك وغيرها، وَكَانَ كثير التَّجَمُّل فِي مَجلسه ومَلْبَسه وَمَرْكَبه بحيث يضاهي فِي ذَلِكَ أكابر الوزراء.

ثم رجع إِلَى بلاده وفوض إِلَيْهِ قضاء سِنْجار، فلما كَانَ بَيْنَ الصالح نجم الدين أيوب والخوارزمية مَا كَانَ، نازَله صاحب المَوْصِل بِسِنْجَار، فأنزل الصالح القاضي بدر الدين من السور وذهب إِلَى الخوارزمية واستمالهم وَوَعَدهم ومَنَّاهم إِلَى أن أنجدوا الصالح صُحبة ولده المغيث، فَرَحَل عنهم صاحب الموصل، واستولت الخوارزمية عَلَى أثقاله، وعظم قَدْر البدر عند الصالح. فلما ولي السلطنة بمصر وَفَدَ عَلَيْهِ البدر فبالَغ فِي إكرامه وولاّه قضاء مصر فِي سنة تسع وثلاثين، وأفرده عن ابن عين الدولة، فلما مات ضم إِلَيْهِ قضاء القاهرة وصار عنده فِي أعلى المراتب.

وكان فخر الدين ابن الشيخ يكرهه فكتب إِلَى الصالح يذكر لَهُ سيرته وَمَا هو عَلَيْهِ وَمَا يُنْسب إليه من تناول الرشوة من الشهود وقُضاة البلاد، فكتب لَهُ الجواب عَلَى رأس ورقته: يَا أخي يَا فخر الدين، للقاضي بدر الدين علينا حقوق عظيمة لا أقوم بشكرها، والذي تولاّه قليل فِي حقه فلم يراجعه فِي أمره بعدها، وَلَمْ يزل إِلَى أن صرف سنة ثمان وأربعين وستمائة واستقر عوضه ابن المقنشع مدة يسيرة، وأعيد السِّنْجَاري إِلَى ولاية القضاء فِي شعبان سنة تسع وأربعين فتنشط فِي الأحكام

ص: 474

وشاع عنه الارتشاء ثُمَّ أضيفت إِلَيْهِ الوزارة فِي جمادى الأولى سنة خمس وخمسين لما مات الفائزي.

واستناب القاضي شمس الدين ابن خلِّكان فحكم بالبلاد المصرية مدة نيابة، وصارت أكثر الثبوتات والتعلقات: مَنوطة بِهِ، وَكَانَ صرف البدر بعد الرجوع من وقعة عين جالوت وسَلْطَنة الظاهر بيبرس وذلك فِي سنة تسع وخمسين، فقبض عَلَيْهِ وعوق القلعة، ثُمَّ أفرج عنه واستقر عوضه تاج الدين ابن بنت الأعز، ولزم بيته بطّالاً إِلَى أن مات وهو عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ من الرياسة، وحج وجاور بمكة وحصل لأهل البلد والمجاورين بِهِ نفع كثير.

ويحكي من مكارمه ورياسته أشياء معجبة، وذكره مُصَنَّف نَجم المهتدي فقال: تَفَقَّه ببلاد الشّرق ورَحَلَ إِلَى بغداد وغيرها، ثُمَّ لما استقر الصالح أيوب فِي مملكة مصر رَحَل إِلَيْهِ فتَمكَن منه تَمكّنَ الروحِ من الجسد، وَكَانَ جميل الأخلاق، كريم النفس، كثير المروءة والفتوة، وَكَانَ يتعصب للأشاعرة، ويغض من الحنابلة.

وكانت وفاته فِي رجب سنة ثلاث وستين وستمائة.

ذكر ابن مسدي فِي ترجمة أبي المكارم عبد الله بن الحسن الدمياطي: أنه كَانَ يلي القضاء والخطابة والتدريس بدمياط مدة حَتَّى ولي البدر السِّنْجَارِي فعزله عن بلده وتعرض لما فِي يده، فَقَدِمَ مصر متوجهاً بِذِي الجاه، فلم يجد عن بذل المال مَنْجَاة، فأعطاه مَا طلب منه وَلَمْ يرض عنه، بل كدّر مَسَرته وسدّ ميسرته، وتوفي عَلَى تِلْكَ الحال.

يوسف بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن علَيم بن محمد بن علي جمال الدين البساطي المالكي من المائة التاسعة ولد فِي حدود الأربعين وسبعمائة وتفقه عَلَى أخيه، وَعَلَى شيخ المذهب خليل بن إسحاق، ويحيى الرهوني، وابن مرزوق، ونور الدين الحلاوي، وسراج الدين عمر بن عادل الحنبلي، أخذ عنه العربية والحساب. والشيخ محمد الكلائي، والشيخ تاج الدين القروي وغيرهم.

ص: 475

وناب فِي الحكم عن أخيه ثُمَّ أخيه عن النّحريري، ثُمَّ عن ابن خلدون، ثُمَّ عن البهنسي.

ثم وقع بينه وبين ابن خلدون، فانجمع عنه ثُمَّ سَعَى عَلَيْهِ فولي المنصب استقلالاً فِي رابع عشري شهر رجب سنة أربع وثمانمائة، فباشر مباشرة حسنة وأحبه أكثر الناس لما كانوا عليه من الكراهية لابن خلدون، ثُمَّ لن ينشب ابن خلدون أن أعيد فِي أواخر ذي الحجة من السنة. ثُمَّ أعيد الجمال البساطي فِي شهر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة فباشر إِلَى شعبان سنة سبع وثمانمائة. فصرف وأعبد ابن خلدون. ثُمَّ صرف فِي أواخر ذي القعدة سنة سبع وثمانمائة وأعيد البساطي. ثُمَّ صرف فِي رمضان سنة ثمان وثمانمائة وأعيد ابن خلدون ثُمَّ لن يلبث أن مات فِي رمضان من عامه ثُمَّ أعيد فِي سادس عشر شوال سنة ثمان وثمانمائة ثُمَّ صرف سنة اثنتي عشرة وثمانمائة بشمس الدين محمد بن علي بن معبد المدني، واستمر خاملاً إِلَى أن مات جمال الدين عبد الله بن مقداد الأقفهسي سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة فعين للقضاء وقبل التهنئة، ثُمَّ صرف عنه ذَلِكَ لابن عمه شمس الدين البساطي سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة إِلَى أن ولي الحسبة فِي سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة بعناية نائب الغيبة ططر الَّذِي ولي السلطنة فِي أواخر السنة.

ثم صرف عنها ولزم منزله إِلَى أن كَانَ سنة تسع وعشرين وثمانمائة.

قرأت بخط الشيخ جمال الدين البشبيشي: أنه كَانَ فاضلاً فِي عدة علوم وأنه صنَّف مصنَّفات كثيرة منها، شرح بانت سُعاد. وأفرد منها جزءاً فِي شرح قوله:(حرف أخوها أبوها من مهجنة وعمها خالها) وتصوير ذَلِكَ فِي الآدميين.

يوسف بن عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد المالكي. ولي قضاء بغداد وأضيف إِلَيْهِ قضاء الممالك. فقلد قضاء مصر للحسين بن أبي زُرعة وَفِي كتابه: وهذا عهدي إِلَيْكَ بخط يدي. وَكَانَ حسن الخطّ. وَقَدْ ذكر فِي ترجمة الحسين بن أبي زرعة.

ص: 476

يوسف بن موسى بن محمد الملَطي الحنفي جمال الدين الحلبي. نشأ بحلب وبرع فِي الفقه واشتهر ذكره. فأحضره الظاهر منها فولاه القضاء فِي العشرين من ربيع الآخر سنة ثمانمائة بعد موت شمس الدين محمد الطرابلسي بقريب أربعة أشهر فباشره مباشرة عجيبة فإنه قرّب الفُساق واستكثر من الاستبدال.

ثم أضيف إِلَيْهِ تدريس الصَّرْغَتْمِشِيّة بعد موت الكُلُسْتاني كاتب السر سنة إحدى وثمانمائة واتفق أنه قتل مسلماً بنصراني فشنع الناس عَلَيْهِ ذَلِكَ. ويقال: إنه كَانَ يفتى بإباحة الحشيشة، واشتهر أنه كَانَ يقول: من أكثر النظر فِي كتاب البخاري تَزَنْدَقَ. وأفتى بأنواع من الربا بالحيلة.

وذكر محب الدين أَيْنَ الشّحنة أنخ دخل يوماً فذاكره بأشياء وأنشده كأنما يخاطب غيره وإنما عناه:

عجبتُ لشيخٍ يأمر الناس بالتُّقَى

وَمَا رَاقَبَ الرَّحْمَنَ يوماً وَمَا اتقَى

يَرَى جَائِزاً أكلَ الحَشِيشَة والرِّبا

ومَنْ سَمع بالوَحي حقاً تَزَنْدَقا

مات ثامن عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانمائة. فولي بعده أمين الدين الطرابلسي نحو أربعين يوماً.

يونس بن عطية بن أوس بن عَرْفج بن ضَمار بن مَرْثَد بن أسد بن رحب بن وائل بن نعمان بن يزيد بن يسار بن ربيعة بن عمرو بن حجر بن عمرو بن قيس بن كعب بن سهل بن زيد الحضرمي أبو كثير من المائة الأولى.

قال ابن يونس كَانَ تابعياً. روى عن عثمان بن عفان وذكر أنه رأى العباس وعلياً فِي مجلس عثمان.

ص: 477

ولاه عبد العزيز بن مروان ثُمَّ أضاف إِلَيْهِ الشُّرَط فوليهما جميعاً. وَكَانَ كثير التلاوة.

قال أبو عمر: كتب عبد الملك بن مروان إِلَى أخيه عبد العزيز أنه اختلف عليَّ بدمشق فِي نَفقَة المبتوتة فاكتُبْ إليّ بما عندك. فجمع الأشياخ وتكلموا. وَكَانَ يونس فِي أخريَاتهم. فتكلَّم فأعجب عبد العزيز كلامه. فسأل عنه فقالوا هَذَا من سادات حَضْرَمَوْت. فولاه قضاء مصر عوضاً عن مالك بن شَراحيل وذلك فِي جمادى الأولى سنة أربع وثمانين. وصرفه فِي مستهل سنة ست وثمانين وَكَانَ اشتد بِهِ الضعف حَتَّى ثقل فِيهِ. فكانت مدة ولايته سنة ونصفاً وشهراً. ومات بعد قليل فِي ربيع الأول منها. وقيل عاش إِلَى سنة سبع وثمانين وولي بعده ابن أخيه أوس ابن عبد الله بن عطية.

يونس بن محمد بن الحسن المقدسي القرشي، كمال الدين المعروف بجوامرج شافعي من المائة السادسة. ولي فِي سابع المحرم سنة ثلاث وأربعين من قبل الخليفة الحافظ بإشارة الوزير العادل علي بن سلار.

قال محمد بن أسعد الجواني: كَانَ من الأعيان النزيهين، كثير الهمة، عظيم القدر، لَمْ يأكل لسلطان قَط خبزاً، وَلَهُ رواية فِي الحديث عن جده. ويقال: إنه لَمْ يشرب من ماء النيل قط. وإنما كَانَ يشرب من ماء البئر. وَكَانَ قبل أن يلي القضاء خطيب القدس. آخره.

ص: 478