الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ
[في الردّ على حُجج الخافضين أيديهم]
(1)
قالوا: وأما ما استدللتم به على ترك [الرفع، فهي]
(2)
أدلة باطلة، ونحن نبيّن بطلانها بعون الله ومشيئته.
* فأما [استدلالكم] بقوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء/77].
فنسأل الله العافية مما ابتُلي به من حَمَلَه فَرْطُ التعصُّب و [تكذيب] المعصوم في كلِّ ما قاله على أن افترى على الله
(3)
ما لم يُرِدْه [من كلامه]، وحرَّف المعنى عن مواضعه، إذ لم يجد إلى تحريف اللفظ سبيلًا، وحَمَل الآية على الخطأ الصريح والجهل القبيح، الذي يوجبُ إساءةَ الظنِّ بخيار الأمة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم أُمِروا بكفِّ الأيدي في الصلاة، فسمعوا وعصوا، وأصرُّوا على الرفع، حتى كان بعضهم يحصب من لم يرفع، وكان بعضهم يؤدِّب من لم يرفع، فقابلوا أمرَ الله بالعصيان، وتلقَّوه بالمخالفة والزيادة في الصلاة، مع أنه أمرٌ لا غرض فيه للنفوس
(4)
، ولا لذَّة
(1)
انظر هامش (ص 3 - 4) في سرد هذه الحجج.
(2)
مابين المعكوفين هنا وما بعده مطموس في الأصل وبياض في (ف)، ولعله ما أثبت.
(3)
كتب في الأصل «الكذب» ثم ضرب عليها. وصنع مثله في (ف).
(4)
(ف): «للنفوس فيه» .
ولا شهوة تحمل على المخالفة، فأقْدَمَ سادةُ الأمة وخيارُها على مخالفة هذا الأمر وعصيانه، ووُفِّق له ولأمثاله غيرُهم!
وإن قلتم: لم يفهموا من الآية ذلك، ولو فهموه لصاروا إليه، والله تعالى
(1)
قد يخصّ بفهم كتابه من يشاء.
قيل لكم: أَجَلْ والله ما خَطَر هذا بقلب رجل واحد منهم ولا فَهِمَه من الآية قطّ، بل
(2)
ولا فهمه منها من أُنْزِل عليه الوحي قط، ولا خَطَر بباله ولا [طرأ على]
(3)
قلبه الكريم. والتعصُّبُ والحميَّةُ متى وصل إلى هذا الحدِّ فقد [تعرَّض] صاحبُه من الله لِمَا لا قِبَل له به، ولم يكن له خصم إلا الله ورسوله، [نسأل] الله العافية وحُسْن العاقبة.
وهذا التفسير المكذوب [المفترى]
(4)
لم يذهب إليه أحدٌ، لا من الأولين، ولا من الآخرين من جميع [من تكلَّم] في تفسير القرآن على اختلاف طبقاتهم، بل كلّهم مجمعون على [أنها] نزلت في كفِّ الأيدي عن القتال.
قال ابن جرير
(5)
: «هم قوم من أصحاب
(6)
رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا آمنوا
(1)
(ف): «والله سبحانه وتعالى قد يخصص» .
(2)
كلمتان مطموستان، وأثرهما يدل على ما أثبت.
(3)
كلمتان لم تظهرا ولعلهما ما أثبت.
(4)
كلمة مطموسة، ولعلها ما أثبت.
(5)
هذا النقل بطوله من تفسير ابن جرير: (7/ 230 - 233 ط دار هجر) مع بعض التصرف والاختصار.
(6)
(ف): «أصحاب كتاب .. » !
به وصدَّقوه قبل أن تُفْرَض عليهم
(1)
الصلاة والزكاة، وكانوا يسألون الله أن يَفْرِض عليهم القتال، فلما فُرِض عليهم شقَّ ذلك عليهم، وقالوا ما أخبر الله عنهم في كتابه.
فتأويل قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} [النساء/77]: ألم ترَ بقلبك يامحمد
(2)
فتَعْلَم، إلى الذين قيل لهم من أصحابك حين سألوك أن تسأل ربَّك أن يَفْرض عليهم القتال:{كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} فأمْسِكُوها عن قتال المشركين وحَرْبهم {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} . يقول: وأدوا الصلاة التي فرضها الله عليكم بحدودها، {وَآتُوا الزَّكَاةَ}. يقول: وأعطوا الزكاة أهلها الذين جعل الله لهم في أموالكم تطهيرًا لأبدانكم= كرهوا ما أُمِروا به من كفِّ الأيدي عن قتال المشركين، وشقَّ [ق 11] ذلك عليهم، {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ}. يقول: فلما فُرِض عليهم القتال الذي كانوا يسألون أن يُفْرَض عليهم، {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} ، يعني: جماعة منهم، {يَخْشَوْنَ النَّاسَ}. [يقول: يخافون الناس]
(3)
أن يقاتلوهم، كخشيتهم الله أو أشدَّ خشيةً، {وَقَالُوا} جزعًا من
(1)
في تفسير ابن جرير: «قبل أن يُفرض عليهم [زيادة من نسخة: الجهاد] وقد فرض عليهم الصلاة .. » .
(2)
«يا محمد» سقط من (ف).
(3)
ما بين المعكوفين هنا وما سيأتي سقط من الأصل أو طمس بسبب الرطوبة. والإكمال من تفسير ابن جرير.
القتال الذي فَرَض الله عليهم: {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} ؟ [ركونًا] منهم إلى الدنيا، وإيثارًا للدَّعَة فيها والخَفْض على مكروه [لقاء العدوّ] ومشقَّة حربهم وقتالهم، {لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء/77] يعني:[إلى أن] يموتوا على فُرُشهم وفي منازلهم. قال: وبنحو الذي قلنا: إن هذه [الآية] نزلت فيه قال أهل التأويل».
ثم ذكر من طريق عمرو بن دينار [عن] عكرمة عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، كنَّا في عزّةٍ ونحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلَّة، فقال:«إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا» ، فلما حوَّله الله إلى المدينة، أُمِر بالقتال فكفُّوا، فأنزل الله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} الآية [النساء/77].
ومن طريق حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} عن الناس {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ}: نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جريج: وقوله: {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء/77].قال: إلى أن نموت موتًا هو الأجل القريب.
وذكر عن قتادة أنها في أُناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تسرَّعوا إلى القتال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بمكة قبل الهجرة، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. قال:
ثم أُمِروا بذلك
(1)
، قال:[فلما] كانت الهجرة وأُمروا بالقتال كَرِه القومُ ذلك، فصنعوا منه [ما تسمعون]، فقال الله عز وجل:{قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء/77]. وعن السُّدي نحو ذلك.
قال: وقال [آخرون: بل] نزلت هذه الآية وآيات بعدها في اليهود، ثم ذكر من طريق [شِبْل، عن] ابن أبي نَجيح، عن مجاهد {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} إلى قوله:{لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء/77 - 83]: ما بين ذلك في اليهود.
ثم روى عن محمد بن سعد، عن أبيه، عن عمه، عن أبيه، عن أبيه
(2)
، عن ابن عباس: نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم.
وأقوال جميع المفسرين في هذه الآية على هذا المعنى تدور، وما أشبه استدلال من استدلَّ بها على ترك رفع اليدين في الصلاة باستدلال من استدل بقوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون/4] على ذم أهل الصلاة، واكتفى من الآية بكلمة.
فصل
* وأما حديث البراء بن عازب: أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه عند الافتتاح ثم لم
يَعُد
(1)
. فهذه اللفظة قد حكم ببطلانها ووقوع الغلط أئمةُ الإسلام والحديث؛ كعبد الله بن المبارك، ويحيى بن معين، والبخاري، وعلي بن المديني، وعبد الله بن الزُّبير الحُمَيدي، وعثمان بن سعيد الدارمي، والإمام أحمد، وأبي داود، والترمذي، والشافعي [ق 12]، وابن خزيمة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وخلق سواهم، ونحن نذكر كلامهم في ذلك.
فأما الطريق الأولى: ففيها محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف عندهم لا يُحْتجّ بحديثه. ذكر ابن عدي
(2)
، عن عبد الله
(3)
بن أحمد قال: سألت أبي عن ابن أبي ليلى فقال: مضطرب الحـ [ـديث].
وقال ابن معين: سيئ الحفظ ضعيف الحديث
(4)
.
وقال [يحيى بن] يعلى المُحَاربي: طَرَح زائدةُ حديثَ ابنِ أبي ليلى.
وقال الـ [ـسعدي]
(5)
: ابن أبي ليلى واهي الحديث سيئ الحفظ.
وقال أبو داود [عن شعبة]
(6)
: ما [رأيت] أحدًا أسوأ حفظًا من ابن أبي
(1)
أخرج البخاري في «رفع اليدين» (ص 84)، وأبو داود (749)، والدارقطني:(1/ 293)، وغيرهم.
(2)
في كتابه «الكامل» : (6/ 183).
(3)
(ف): «عبدالله الرحمن» !
(4)
انظر بعض الأقوال في «الضعفاء والمتروكون» : (3/ 76) لابن الجوزي، و «تهذيب الكمال»:(6/ 403).
(5)
السعدي: هو أبو يعقوب الجوزجاني، ذكره في كتابه «أحوال الرجال» (ص/71).
(6)
سقط من الأصل والاستدراك من «الكامل» : (6/ 183)، و «تهذيب التهذيب»:(9/ 269). وأبو داود هو الطيالسي.
ليلى.
وقال النسائي: ليس بالقوي
(1)
.
وقال أبو حاتم الرازي: شُغِل بالقضاء فساء حفظُه، ولا يُتهم بشيء من الكذب، إنما يُنكر عليه كثرة الخطأ، فلا يحتجُّ به
(2)
.
وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ رديء الحفظ، فكثرت المناكير في حديثه، فاستحقَّ الترْك، ترَكه أحمد ويحيى
(3)
.
وقال الدارقطني: هو رديء الحفظ كثير الوهم
(4)
.
وقد قال أبو داود بعد تخريج هذا الحديث: هذا الحديث ليس بصحيح
(5)
.
* * *
وأما الطريق الثانية: ففيها يزيد بن أبي زياد أبو عبد الله الهاشمي.
(1)
«الضعفاء والمتروكون» (ص/232).
(2)
«الجرح والتعديل» : (7/ 323).
(3)
«المجروحين» : (2/ 244).
(4)
«السنن» : (2/ 362) للدارقطني.
(5)
«السنن» بعد رقم (752).
قال البخاري
(1)
: «قال سفيان ــ هو ابن عيينة ــ: لما كبر الشيخ ــ يعني: يزيدًا ــ لقّنوه «ثم لم يعد» . فقال: «ثم لم يعد»
(2)
.
قال البخاري: وكذلك روى الحفَّاظ ممن سمع من يزيد بن أبي زياد قديمًا [منهم] الثوري وشعبة وزهير، ليس فيه:«ثم لم يعد» .
حدثنا [محمد] بن يوسف، ثنا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن [البراء قال]: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبَّر حَذْو [أذنيه]
(3)
.
قال البخاري: وروى وكيع عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى [والحكم] ابن عُتَيبة
(4)
، عن ابن أبي ليلى، عن البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، ثم لم يرفع
(5)
.
قال البخاري: [وإنما] روى ابن أبي ليلى هذا من حفظه.
فأما من حدَّث عن ابن أبي ليلى من كتابه، فإنما حَدَّث عن ابن أبي ليلى عن يزيد، فرجع الحديث إلى تلقين يزيد، والمحفوظ عنه ما رواه الثوري وشعبة وابن عُيينة قديمًا» انتهى.
(1)
«رفع اليدين» (ص 84 - 90). ووقع في الأصل: «ألقنوه» بزيادة الهمزة.
(2)
ونقله الحميدي في «مسنده» (741).
(3)
وأخرجه من طريق الثوري عبدُالرزاق في «المصنف» : (2/ 70)، ومن طريقه أحمد (18702).
(4)
«الحكم» مطموسة و «عتيبة» تحرفت إلى «عيينة» والتصحيح من كتاب «الرفع» وغيره. وسيأتي عند المصنف على الصواب (ص/160).
(5)
رواه ابن أبي شيبة رقم (2455) قال: حدثنا وكيع به وسيأتي (ص 160).
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: لا يصح هذا الحديث
(1)
.
وقال محمد بن يحيى الذُّهلي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا حديث واهٍ
(2)
.
ورواه الشافعي
(3)
عن ابن عيينة، عن يزيد، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه. قال ابن عيينة: ثم قدمت الكوفة، فلقيت يزيد بها
(4)
فسمعته يحدِّث بهذا، وزاد فيه:«ثم لا يعود»
(5)
، وظننت أنهم قد لقَّنوه.
قال الشافعي: وذهب سفيان إلى تغليط يزيد
(6)
.
وقال ابن عبدالبر
(7)
: تفرد به يزيد بن أبي زياد [ق 13] ورواه شعبة،
(1)
رواه عنه البيهقي في «الكبرى» : (2/ 76).
(2)
رواه البيهقي عنه في «معرفة السنن» : (1/ 548). هكذا وقع بالأصل «محمد بن يحيى الذهلي» ، والذي في كتاب البيهقي النقل عن ابنه «يحيى بن محمد بن يحيى» الملقب: حَيكان، وهو كذلك في «تهذيب السنن»:(1/ 380 - ط. المعارف) للمؤلف. فلعله وهم من الناسخ.
(3)
في «الأم» : (2/ 236).
(4)
الأصل: «يزيدًا» مصروفة. وقوله: «بها فسمعته» لحق في الهامش لم يظهر إلا آخره.
(5)
في «الأم» : «ثم لم يعد» .
(6)
وبقية كلام الشافعي: «وذهب سفيان إلى تغليط يزيد في هذا الحديث ويقول: كأنه لقن هذا الحرف الآخر فَلَقِنَه، ولم يكن سفيان يصف يزيد بالحفظ لذلك» .
(7)
في «التمهيد» : (9/ 219 - 220).
والثوري، وابن عيينة، وهُشَيم، وخالد بن عبد الله، لم يذكر أحدٌ منهم:«ثم لا يعود» .
وقال يحيى بن معين: يزيد بن أبي زياد ضعيف الحديث
(1)
.
وقال ابن عدي: ليس بذلك
(2)
.
وقال عبد الله بن الزّبير: قلنا للمحتجِّ بهذا
(3)
: إنما رواه يزيد، ويَزيد يزيدُ.
وقال أحمد: لا يصح عنه هذا الحديث.
وقال الدارمي: ومما يحقِّق قول سفيان ــ أنهم لقَّنوه هذه الكلمة ــ: أن الثوري و [زهير بن] معاوية وهُشَيمًا وغيرهم من أهل العلم لم يجيئوا بها، إنما جاء [بها من] سمع منه بأَخَرةٍ
(4)
.
قال البيهقي
(5)
: «وقد رواه إبراهيم بن بشَّار، عن سفيان، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت
(1)
نقلها في «الكامل» : (7/ 275) من رواية أحمد بن علي بن المثنى.
(2)
كذا بالأصلين، والذي في «الكامل»:(7/ 275): «عن عبد الله بن أحمد عن أبيه: يزيد بن أبي زياد حديثه ليس بذاك» . والذي قاله ابن عدي في آخر ترجمته (7/ 176): «ومع ضعفه يكتب حديثه» .
(3)
سقط من (ف).
(4)
نقله البيهقي في «الكبرى» : (2/ 76). وانظر «تهذيب السنن» : (1/ 382) للمؤلف.
(5)
المصدر نفسه: (2/ 77).
النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. قال سفيان: فلما قدمتُ الكوفةَ سمعته يقول: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود. فظننتُ أنهم لقَّنوه». انتهى.
فهذه ثلاثة أوجه عن يزيد، فلو قُدِّر أنه من الحفّاظ الأثبات وقد اختلف حديثه؛ لوجب تركه والرجوع إلى الأحاديث الثابتة
(1)
التي لم تختلف، مثل حديث الزُّهري عن سالم عن أبيه ونحوه، فمعارضتها بمثل هذا الحديث الواهي المضطرب معارضة باطلة.
وقال الدارقطني
(2)
: إنما لُقِّن يزيد في آخر عمره: «ثم لا يعود» فتلقَّنه، وكان قد اختلط.
وقال سليمان الشاذكوني: سمعت سفيان بن عُيينة يقول: اجتمع الأوزاعي والثوري بمنى، فقال الأوزاعي للثوري: لِمَ لا ترفع يديك [في] خفض الركوع ورفعه؟ فقال الثوري: حدثنا يزيد بن أبي زياد. قال الأوزاعي: أروي لك عن الزهري، عن سالم، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعارضني بيزيد بن أبي زياد، ويزيد رجل ضعيف الحديث، وحديثُه مخالف للسنة! قال: فاحْمارّ وجهُ سفيان. قال الأوزاعي: كأنك كرهتَ ما قلتُ! قال الثوريُّ: نعم، قال الأوزاعي: قم بنا إلى المقام نَلْتَعِن أيُّنا على
(1)
(ف): «الثانية» خطأ.
(2)
في «السنن» : (1/ 294).
الحقّ، قال: فتبسَّم الثوريُّ لمَّا رأى الأوزاعيَّ احتدَّ
(1)
.
قال الحاكم: ثم يعارضه ما روى إبراهيم بن بشَّار عن سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، فذكر الحديث وزاد فيه ذِكْر الرفع عند الركوع وبعده. قال سفيان: فلما قدمتُ الكوفة سمعتُه يقول: «ثم لا يعود» ، فظننتُ أنهم لقَّنوه
(2)
.
قال الحاكم: لا أعلم ساق المتن بهذه الزيادة عن سفيان بن عيينة غير إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي، وهو ثقة مأمون من الطبقة الأولى من أصحاب ابنِ عُيينة، جالس ابنَ عُيينة نيفًا وأربعين سنة
(3)
.
فصل
وأما حديث ابن مسعود أنه قال: ألا أصلي بكم [ق 14] صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرفع يديه إلا في
(4)
أول مرة
(5)
.
(1)
أخرجه البيهقي في «الكبرى» : (2/ 82).
(2)
ذكره عنه البيهقي في «الكبرى» : (2/ 77)، وفي «الخلافيات - كما في مختصره»:(2/ 80) للخمي. وانظر «البدر المنير» : (3/ 488 - 489)، و «نصب الراية»:(1/ 402 - 403).
(3)
نقله عنه البيهقي «الخلافيات - مختصره» : (2/ 80 - 81) للخمي. وانظر «البدر المنير» : (3/ 489)، و «نصب الراية»:(1/ 403).
(4)
سقطت من (ف).
(5)
أخرجه أحمد في «المسند» رقم (3681)، وأبو داود (748، 751)، والترمذي رقم (257)، والنسائي في «الصغرى» (1058)، و «الكبرى» (649، 1100)، وابن أبي شيبة في «المصنف» رقم (2456)، والبيهقي في «الكبرى»:(2/ 78) وغيرهم. وقال أبو داود عقبه: «ليس هو بصحيح على هذا اللفظ» .
حديثٌ لا يثبت، تكلم فيه أئمة أهل
(1)
الحديث؛ فقال ابن المبارك: لا يثبت هذا الحديث
(2)
.
وقال غيره: لم يسمع عبد [الرحمن] بن الأسود من علقمة هذا الحديث.
قال سفيان بن عبد [الملك]: سمعت ابنَ المبارك لم يُثْبِت حديث ابن مسعود.
وقال عـ [ـبدالرحمن] ابن أبي حاتم في كتاب «العلل»
(3)
: سألت أبي عن هذا الحديث، فقال [أبي: هذا] خطأ، يقال: وَهِمَ فيه الثوري. وروى هذا الحديث جماعةٌ عن عاصم، فقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع [يديه] ثم ركع وطَبَّق
(4)
، ولم يقل أحدٌ ما روى الثوري.
(1)
سقطت من (ف).
(2)
ذكره الترمذي عقب الحديث، والدارقطني:(1/ 293) مختصرًا، وأسنده البيهقي عن الحاكم مطولًا، في «الخلافيات- مختصره»:(2/ 75)، وفي «السنن الكبرى»:(2/ 79) ونصه: «عن سفيان بن عبد الملك قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه أول مرة ثم لم يرجع. وقد ثبت عندي حديث رفع اليدين، ذكره عبيد الله ومالك ومعمر وابن أبي حفصة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وأراه واسعًا. ثم قال عبد الله: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرفع يديه في الصلاة لكثرة الأحاديث وجودة الأسانيد» . وذكره في «نصب الراية» : (1/ 394) وانظرحاشيته.
(3)
رقم (258).
(4)
بعده في العلل: «وجعلها بين ركبتيه» . وفي الأصل كتب أولًا: «فطبق» بالفاء، ثم وضع فوقها علامة التضبيب وكتبها مرة أخرى بالواو. وهي في «تهذيب السنن» و «العلل» بالفاء.
وقال الحاكم: خبر ابن مسعود مختصر، وعاصم بن كُلَيب لم يُخرَّج حديثه في الصحيح
(1)
.
قلت: وليس كما قال الحاكم، فقد احتجَّ به مسلم، إلا أنه ليس في الحفظ بذاك.
وأما إنكار سماع عبد الرحمن من علقمة فليس بشيء، فقد سمع منه وهو ثقة، وأُدْخِل على عائشة وهو صبي
(2)
، ولكن معارضة سالمٍ عن أبيه
(1)
ذكره المصنف في «تهذيب السنن» : (1/ 377). ونقله عنه تلميذه البيهقي في «الخلافيات- مختصره» : (2/ 75)، والزيلعي في «نصب الراية»:(1/ 395) نقلًا عن السنن للبيهقي، ولم أجده فيه. ونصه في «الخلافيات»:«هذا الخبر مختصر من أصله، وعاصم بن كليب لم يخرج حديثه في الصحيحين (كذا وصوابه: الصحيح) وذلك أنه كان يختصر الأخبار ويؤديها على المعنى، وهذه اللفظة (لم يعد) غير محفوظة في الخبر» . وعلق البيهقي: «يريد ــ والله أعلم ــ صحيح البخاري لأن مسلمًا قد أخرج حديثه عن أبي بردة عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الحلي والسواد» اهـ. قلت: كذا (الحلي والسواد) ولعله مصحّف عن: (الهدى والسداد). وأراد البيهقي حديث مسلم رقم (2725): «عن عاصم بن كليب عن أبي بردة عن علي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: اللهم اهدني وسددني، واذكُر بالهدى هدايتَك الطريق، والسداد سدادَ السهم» .
(2)
قال ابن دقيق العيد في رد هذه العلة: «إنه غير قادح، فإنه عن رجل مجهول، وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده، ولا ذكره ابن أبي حاتم في مراسيله، وإنما ذكره في كتاب الجرح والتعديل) 5/ 209)، فقال: وعبد الرحمن بن الأسود، دخل على عائشة وهو صغير، ولم يسمع منها، وروى عن أبيه وعلقمة، ولم يقل: إنه مرسل، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات (5/ 78)، وقال: إنه مات سنة تسع وتسعين، وكان سنه سن إبراهيم النخعي، فإذا كان سنه سن النخعي، فما المانع من سماعه عن علقمة، مع الاتفاق على سماع النخعي منه؟! ومع هذا كله، فقد صرح الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب المتفق والمفترق (رقم 814) في ترجمة عبد الرحمن هذا، أنه سمع أباه وعلقمة، انتهى» . نقله في «نصب الراية» : (1/ 395) عن كتاب «الإمام» وليس في المطبوع منه.
ونافع عنه بعاصم بن كُلَيب عن عبد الرحمن بن الأسود، مع كون هذا مثبتًا متضمنًا لزيادة علم، وخبرُ عاصمٍ نافٍ= معارضة فاسدة.
وقال الأثرم: قال أبو عبد الله: كان وكيع يقول في الحديث: «يعني» وربما طرح «يعني» وذكر تفسير
(1)
الحديث. ثم قال أحمد: [عن] عاصم ابن كليب سمعته
(2)
منه، يعني من وكيع غير مرة [فيه «ثم لم يعد» ، فقال لي أبو عبد الرحمن الوكيعي
(3)
: كان وكيع يقول فيه «يعني: ثم لم يعد» وتبسَّم أحمد]
(4)
.
وقال الخلال في كتاب «العلل» : أخبرنا المرُّوذي أن أبا عبد الله سُئل عن حديث عاصم بن كُليب عن عبد الرحمن بن الأسود
(5)
،عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرفع، [و] قال:«ثم لا يعود» . قال: رواه مرة كذا ومرة كذا، وكأنّه ضعَّف قولَه:«ثم لا يعود»
(6)
.
(1)
كذا في الأصل و (ف) وهو الصواب، وفي «تهذيب السنن»:(ق 41 - المحمودية) والمطبوعة: (1/ 377): «نفس» تصحيف.
(2)
الأصل: «سمعه» والمثبت من «تهذيب السنن» .
(3)
هو: أحمد بن جعفر الكوفي الوكيعي الضرير (ت 215). «تاريخ بغداد» : (4/ 58)، و «السير»:(10/ 575 - 576).
(4)
ما بين المعكوفات مستدرك من «تهذيب السنن» : (1/ 377 - 378) للمصنف، وانظر «العلل»:(1/ 370) لأحمد.
(5)
كتب أولًا: «ابن أبي ليلى» ثم ضرب عليها.
(6)
بنحوه في «العلل» : (1/ 370 - 371)، و «التمهيد»:(9/ 219).
وقال غير المرُّوذي: وقال [أبو عبد الله]
(1)
: وكيع يَثْبِجُ
(2)
الحديث؛ لأنه كان يحمل على نفسه في حفظ الحديث. وأنكروا روايته: «ثم لا يعود»
(3)
.
قال الخلال: وأخبرنا عبد الله
(4)
، قال: ذكرتُ لأبي حديث الثوري، عن حُصَين، عن إبراهيم، عن عبد الله: أنه كان يرفع يديه في أول الصلاة ثم لا يعود، فقال: حدثناه هُشَيم، عن حُصَين، عن إبراهيم، لم يَجُزْ به إبراهيم. وهُشيمٌ أعلم بحديث حصين
(5)
.
قال الخلال: وقال غير عبد الله: قلت لأبي عبد الله: أفيثبتُ عن عبد الله بن مسعود بإسنادٍ موصول؟ قال: لا، إنما هو عن إبراهيم عن عبد الله، يعني: منقطع.
(1)
زيادة متعينة، وانظر «العلل»:(1/ 371) لأحمد.
(2)
الأصل و (ف): «يقبّح» تحريف قبيح! والمثبت من «العلل» : (1/ 371) لأحمد رواية ابنه عبد الله، و «بيان الوهم والإيهام»:(3/ 367). ومعنى «يثبج الحديث» يعني يضطرب فيه ولا يبينه.
(3)
انظر «العلل» : (1/ 371). قال ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم» : (3/ 365): «وإنما المنكر فيه على وكيع زيادة: (ثم لا يعود) قالوا: إنه كان يقولها من قِبَل نفسه. وتارة لم يقلها، وتارة أتبعها الحديث، كأنها من كلام ابن مسعود. وأبو عبد الله المروزي، الذي توهم أبو محمد عبد الحق أنه ضعف الحديث المذكور، إنما اعتنى بتضعيف هذه اللفظة، وكذلك أحمد بن حنبل وغيره. فأما الحديث دونها فصحيح كما قال الدارقطني» .
(4)
هو ابن أحمد وكلامه في «العلل» : (1/ 370).
(5)
حديث الثوري أخرجه عبدالرزاق: (2/ 71)، وحديث هشيم أخرجه ابن أبي شيبة رقم (2460).
قال الخلال: وقال عبد الله
(1)
: ذكرتُ لأبي حديث محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله في الرفع
(2)
، فقال: هذا ابن جابر وأيشٍ حديثُه! هذا حديث منكر، أنكره جدًّا.
قال عبد الله
(3)
: وسألت يحيى بن معين عن محمد بن جابر، فذَمَّه، [ق 15] وقال: لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه.
قال البخاري في كتاب «الرفع»
(4)
: «وقال يحيى بن آدم: نظرت في كتاب عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كُليب ليس فيه: «ثم لم يَعُد بَعْد»
(5)
.
(1)
في «العلل» : (1/ 373 - 374). و «المسائل» (1/ 241 - 242):
(2)
أخرجه الدارقطني: (1/ 295)، والبيهقي:(2/ 79)، وابن عدي في «الكامل»:(6/ 152). قال الدارقطني عقبه: «تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفًا عن حماد عن إبراهيم. وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلًا عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب» . ونقل البيهقي في «معرفة السنن» : (1/ 552) تضعيفه عن الحاكم.
(3)
في «العلل» : (1/ 374)، و «المسائل»:(1/ 242).
(4)
(ص/79 - 80).
(5)
قول يحيى بن آدم نقله البخاري عن الإمام أحمد، وذكره أحمد في «العلل»:(1/ 370) رواية عبد الله، لكن لفظه فيه: «قال أحمد: حدثنا يحيى بن آدم قال: أملاه عَلَيّ عبدُ الله بن إدريس من كتابه عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود قال: حدثنا علقمة عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فكبر ورفع يديه ثم ركع وطبق يديه وجعلهما بين ركبتيه
…
[يعني: فلم يقل: ثم لا يعود] حدثني عاصم بن كُليب هكذا».
قال البخاري: فهذا أصح لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم؛ لأن الرجل ربما حدث بالشيء ثم نظر إلى الكتاب فيكون كما في الكتاب».
وقد ذكر البخاري أن المحفوظ في حديث ابن مسعود الرفع عند التكبير والسكوت عن غيره، وفرَّق بين السكوت والنهي؛ فرواه بعضهم بالمعنى، وظن أن سكوته عن ذكر الرفع إخبار بعدم العود إليه، فقال:«ثم لم يعد» .
قال البخاري: «[حدثنا الحسن بن الربيع]
(1)
، حدثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كُليب، عن عبد الرحمن بن الأسود قال: ثنا علقمة: أن عبد الله قال: علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فكبّر ورفع يديه، ثم ركع فطبَّق يديه وجعلهما بين ركبتيه، فبلغ ذلك سعدًا فقال: صدق أخي قد كنا نفعل ذلك في أول الإسلام، ثم أُمرنا بهذا
(2)
.
قال البخاري: وهذا هو المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله ابن مسعود».
وناهيك بقول إمام السنة على الإطلاق: إن هذا هو المحفوظ، ويدل على أن تلك الروايات بأسرها غير محفوظة، وأنها خطأ وسهو، ورُوِيَت على المعنى من غير مطابقةٍ له
(3)
.
(1)
سقط من الأصل، و مستدرك من كتاب البخاري (ص 83).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة رقم (2555)، وأحمد في «المسند» (3974)، و «العلل»:(1/ 370)، وأبو داود (747)، والنسائي (1031)، وابن خزيمة (595) وغيرهم.
(3)
وانظر «المنار المنيف» : (ص/133) للمصنف.
فصل
وظن بعضُهم أنَّ الرفعَ منسوخ من قوله: قد كنا نفعل ذلك في أول الإسلام، وهذا من فرط قصوره في السنة؛ إذ الإشارة فيه
(1)
إلى التطبيق
(2)
وأنه كان في أول الإسلام، ثم أُمروا بوضع الأيدي على
(3)
الرُّكَب.
وضعَّفَ أيضًا هذا الحديث أبو حاتم البُسْتي في كتابٍ أفرده في الصلاة، فقال فيه: وهذا الحديث له علة توهِّنه؛ لأن وكيعًا اختصره من حديث طويل، ولفظة «لم يعد» إنما كان وكيع يقولها في آخر الحديث مِنْ قِبَله، وقَبْلها: يعني
(4)
، فربما أسقط «يعني» .
وقد تقدم تضعيف البخاري وابن المبارك وأحمد بن حنبل ويحيى ابن آدم، وضعفه الدارمي والحميدي الكبير، والدارقطني والبيهقي. وهؤلاء أئمة هذا الشأن في زمانهم.
قال البخاري
(5)
: «ولم يثبت عند أهل النظر ممن أدركنا من أهل
(1)
طمست في الأصل وبقي بعض أثرها، وسقطت من (ف).
(2)
التطبيق هو: أن يجعل المصلي إحدى كفيه على الأخرى، ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع. قاله في «المغني»:(2/ 175).
(3)
مطموسة في الأصل.
(4)
«يعني» ملحقة في الهامش ولم تظهر بسبب الطمس، والمثبت من «تهذيب السنن»:(1/ 378) للمؤلف فقد نقل النص نفسه هناك.
(5)
كتاب «الرفع» : (ص/96). وعنده تقديم أثر الحسن وابن سيرين على حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه أيضًا البخاري في «صحيحه» رقم (738)، ومسلم رقم (390).
الحجاز وأهل العراق، منهم عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله بن جعفر، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، هؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم، فلم يثبت عند أحدٍ منهم علمتُه في ترك رفع الأيدي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه.
حدثنا أبو اليمان، ثنا شُعَيب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [إذا]
(1)
افتتح التكبير في الصلاة رفع يديه حين يكبر، حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثل ذلك، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» فعل مثل ذلك، وقال:«ربَّنا [ق 16] ولك الحمد» ، ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود.
ثم ذكر عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يقولان: هو من تمام الصلاة
(2)
.
وإنما ذكرنا هذا لئلا يُحْمَل كلامُ البخاري وهؤلاء الأئمة على أنّ [المراد] تكبيرة الافتتاح خاصة، فإنهم إنما قصدوا الردَّ على من أنكر الرفع عند الركوع والرفع منه، فإياه قصدوا وإبطال قوله عَـ [ـنَوا]
(3)
.
(1)
مستدرك من كتاب «الرفع» .
(2)
تقدم (ص/34).
(3)
ما بين المعكوفات في هذه الفقرة مطموس بالأصل وبياض في (ف)، ولعله ما أثبت.
قال الرافعون: ولو سلّمنا ــ على طريق التنزُّل ــ صحّةَ حديث ابن مسعود، لم يكن فيه حجة، كما لم يكن فيه حجة على استحباب التطبيق في الركوع، مع أنه لم يخالفه من الأحاديث كأحاديث الرفع. و [ما] ذكرتم من ترجيح حديث ابن مسعود في ترك الرفع لزمكم مثله سواء في التطبيق. ولو كان التطبيق مذهبكم لنصرتموه بهذه الطريق كما نصرتم ترك الرفع، فإنكم تدورون مع نُصْرة المذهب حيث كان.
فإن قلتم: التطبيق منسوخ.
قلنا: فما الذي جعله منسوخًا دون ترك الرفع، وهما في حديث واحد، وأحاديث الرفع أكثر من أحاديث وضع الأيدي على الرُّكَب وأصح، واشتهارُها في الأمة بحيث لا تخفى؟
فإن قلتم: قدمنا قول سعد: «ثم أُمِرْنا بالرُّكَب» على فِعل ابن مسعود في التطبيق.
قيل: فهلَّا قدمتم أحاديث من ذكرنا أحاديثَهم والآثار عنهم بذلك على ترك ابن مسعود الرفع، وقلتم: خفي على ابن مسعود الرفعُ كما خفي عليه ترك التطبيق؟!
فإن قلتم: رفع اليدين [أمر ظاهر] يُشاهِدُه من وراء الإمام، وأَخْذُ الرُّكب في الركوع لا [يطلع عليه]
(1)
من وراء الإمام فهو في مظنة الخفاء.
(1)
ما بين المعكوفات طمس في الأصل، وبدت بعض آثاره، فلعله ما أثبت.
قلنا: أجل، ولذلك [روى] رفعَ اليدين عن النبي صلى الله عليه وسلم مَن ذَكَرْنا من الصحابة، [واقتدى] الناسُ بصلاته وفعلوه من بعده، ولولا أنه أمر ظاهر
…
(1)
يُرَى [لما] أقدموا عليه بلا مشاهدة منهم له، كيف وقد [رواه عنه] صلى الله عليه وسلم من رواه منهم، والباقون إنما فعلوا ذلك مستندين إلى مشاهدته، ففعلهم في مثل هذا يجري مجرى الرواية؛ لأنهم أعلم بالله وأَتْبَع لرسوله من أن يزيدوا في الصلاة فعلًا منهم من غير توقيفٍ عليه من نبيهم صلى الله عليه وسلم. ولو قيل: إن عملهم هنا أبلغ من الرواية لكان قولًا
(2)
؛ لأن الرواية المجرَّدة يتطرَّق إليها من احتمال النَّسْخ وغيره ما لا يتطرَّق إلى العمل المتوارَث، وهو بحمد الله واضح.
قالوا: وقد ترك الناس من عمل ابن مسعود مسائل في الصلاة
(3)
:
إحداها: التطبيق
(4)
.
الثانية: وقوفه في وسط المأمومين إذا كانا اثنين، والسُّنة أن يتقدمهما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر، فروى مسلم في «صحيحه»
(5)
عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي، فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي
(1)
لحق لعله بمقدار كلمة لم يظهر بسبب الطمس. وما بين المعكوفات في هذه الفقرة مطموس في الأصل، وبقيت بعض آثاره، استأنست بها فيما أثبتّ.
(2)
يعني: معتبرًا.
(3)
انظر «زاد المعاد» : (1/ 218 - 219) للمصنف.
(4)
تقدم معناه (ص/57).
(5)
رقم (3010) ضمن حديث طويل.
فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبَّار [ق 17] بن صخر فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعًا، فدفعنا حتى أقامنا خلفه.
وفي الترمذي
(1)
عن سَمُرة بن جندب قال: أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن [يتقدَّمنا] أحدُنا.
وخفي على ابن مسعود هذا، فكان يقف في الوسط، و [يجعل] أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ويقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع
(2)
.
(1)
رقم (233). وما بين المعكوفين منه وطمس بالأصل. وأخرجه الطبراني في «الكبير» : (7/ 228) وقال الترمذي عقبه: «حديث سمرة حديث حسن غريب. والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام. وروي عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تكلم بعض الناس في إسماعيل بن مسلم المكي من قبل حفظه» اهـ.
(2)
أخرجه مسلم رقم (534)، وأبو داود رقم (613)، والنسائي رقم (800). قال الزيلعي في «نصب الراية»:(2/ 33 - 34): «قال المنذري في مختصره: قال ابن عبدالبر (التمهيد 1/ 267): هذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح عندهم التوقيف على ابن مسعود، أنه صلى كذلك بعلقمة والأسود. قال: وهذا الذي أشار إليه أبو عمر قد أخرجه مسلم في «صحيحه» أن ابن مسعود صلى بعلقمة، والأسود، وهو موقوف، وقال بعضهم:(ونقل كلام الحازمي الآتي ذكره قريبًا). ثم نقل نحوه عن النووي. =
= قلت: كأنهما ذهلا، فإن مسلمًا أخرجه من ثلاث طرق، لم يرفعه في الأوليين، ورفعه في الثالثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه (ونقل كلام الترمذي المتقدم).
ورواه البيهقي وأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، قال: دخلت أنا وعلقمة على ابن مسعود بالهاجرة، فلما زالت الشمس أقام الصلاة، فقمت أنا وصاحبي خلفه، فأخذ بيدي وبيد صاحبي، فجعلنا عن يمينه. ويساره، وقام بيننا، وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة، انتهى. وضُعِّف بابن إسحاق، وقد عنعن، وهو مدلس.
وأجيب عن حديث ابن مسعود هذا بثلاثة أجوبة أحدها: أن ابن مسعود لم يبلغه حديث أنس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم واليتيم. الثاني: أنه كان لضيق المسجد
…
والثالث: ذكره البيهقي في «المعرفة» (2/ 379)، قال: وقد قيل: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو ذر عن يمينه، كل واحد يصلي لنفسه، فقام ابن مسعود خلفهما، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بشماله، فظن عبد الله أن ذلك سنة الموقف، ولم يعلم أنه لا يؤمهما، وعلمه أبو ذر، حتى قال، فيما روي عنه: يصلي كل رجل منا لنفسه، وذهب الجمهور إلى ترجيح رواية غيره على روايته بكثرة العدد، والقائلين به، وبسلامته من الأحكام المنسوخة، انتهى. وقال الحازمي في كتابه «الناسخ والمنسوخ» (1/ 407): وحديث ابن مسعود منسوخ، لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة، وفيها التطبيق، وأحكام أخرى هي الآن متروكة، وهذا الحكم من جملتها، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تركه، بدليل ما أخرجه مسلم (3010) عن عبادة الوليد عن جابر (وقد سبق الحديث) قال: وهذا دال على أن هذا الحكم هو الآخر، لأن جابرًا إنما شهد المشاهد التي كانت بعد بدر، ثم في قيام ابن صخر عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا دلالة على أن الحكم الأول كان مشروعًا، وأن ابن صخر كان يستعمل الحكم الأول حتى منع منه، وعرف الحكم الثاني» انتهى كلام الزيلعي بتصرف. وما بين الأقواس من تعليقي.
قالوا: فهلَّا [كان]
(1)
هذا هو الأولى من التقدُّم؟ لأن عبد الله أعلم بالنبي صلى الله عليه وسلم و [بسنته]، وليس ثَمَّ ما يعارض حديثه هذا إلا حديث جابر وحديث سَمُرة على ما فيه، وأين هذا المعارض من أحاديث رفع اليدين؟!
المسألة الثالثة: مما تُرِك من عمل ابن مسعود رضي الله عنه في الصلاة
(2)
: الاكتفاءُ بالتشهُّد وانقضاء الصلاة به دون التحلل بالتسليم.
وقد روى خمسة عشر نفسًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يسلِّم عن يمينه وعن يساره: «السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله»
(3)
، ولم يثبت عنه خلاف ذلك البتة. وثبت عنه أنه قال:«وتحليلها التسليم»
(4)
. وهذا مضافٌ يقتضي أن لا تحليل لها غيره، فهذا قوله وهذا عمله.
(1)
لحق لم يظهر بسبب الطمس ولعله ما ذكرته. وما بين المعكوفين بعده مطموس في الأصل، واجتهدتُ في إكماله.
(2)
«في الصلاة» سقط من (ف).
(3)
أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة (431)، وبنحوه عن ابن مسعود (581)، وسعد بن أبي وقاص (582). وقد ذكر المصنف الصحابة الذين رووا التسليم في كتابه «زاد المعاد»:(1/ 258).
(4)
أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (618)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275) من حديث علي رضي الله عنه. والحديث صححه الترمذي والحاكم والنووي وابن حجر. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. أخرجه الترمذي (238)، وابن ماجه (276).
فتُرِك قولُ ابن مسعود: «إذا قضيت التشهد فقد تمَّت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد»
(1)
.
المسألة الرابعة مما تُرِك من عمله: تَرْك الإقامة إذا صلى في البيت دون المسجد والناس [مع استحبـ] ـاب الإقامة، وليس فيها من الأحاديث ما في رفع اليدين.
[قالـ] ـوا: فليكن ترك رفع اليدين مسألةً خامسة. وليس أحدٌ إلا [مأخو] ذٌ من قوله ومتروك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ولا] يحلّ ترك [صريح]
(2)
قولِه الصحيح عنه إلا بناسخ مُتَيقَّن لا شبهةَ فيه، ولا نترك قوله لقول أحد
(1)
أخرجه أحمد (4006)، وأبو داود (970)، وابن حبان رقم (1961)، والدارقطني:(1/ 352)، والبيهقي:(2/ 174). قال الدارقطني عقبه: «ورواه زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر فزاد في آخره كلامًا وهو قوله: «إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد» فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام عبد الله بن مسعود. وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك. والله أعلم». «العلل»:(5/ 127) للدارقطني، وانظر «تهذيب السنن»:(1/ 132 - 133) للمصنف، و «الخلاصة»:(1/ 449) للنووي.
(2)
هنا لحق بالأصل لم يظهر بسبب الطمس، ولعله ما أثبت. وما بين المعكوفات طمس بالأصل بقيت بعض حروفه، فلعله ما أثبت.
سواه البتة.
قال أبو عمر في كتاب «الاستذكار»
(1)
قالوا: وكم تركتم من أقوال ابن مسعود ولم تأخذوا بها في الفرائض وغيرها، فلم تقولوا بشيء من المسائل الخمس التي انفرد بها ابن مسعود!
وروى الشافعي في كتاب «اختلاف علي وابن مسعود»
(2)
عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عبد الله أنه قال:«الماءُ من الماءِ» .
ثم قال الشافعي: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول: إذا [مسَّ]
(3)
الختانُ الختانَ فقد وجب الغسلُ. قال: وهذا القول كان في أول الإسلام ثم نُسِخ.
قال الشافعي
(4)
: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن
(1)
(1/ 23 - دارالكتب العلمية) وفي طبعته أخطاء تصحح من هنا.
(2)
ضمن كتاب «الأم» : (8/ 394 - ط دار الوفاء). وقد لخص المصنف هذا الكتاب من هنا إلى (ص 83).
(3)
لحق لم يظهر بالأصل وأكملناه من «الأم» .
(4)
«الأم» : (8/ 395). وما بين المعكوفات هنا وما سيأتي مطموس في الأصل، أثبتناه من كتاب الأم، مستأنسين بما بقي من آثاره في الأصل.
عبد الله قال: الجنب لا يتيمم.
قال: وليسوا يقولون بهذا، ولا نعلم أحدًا يقول به. ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم [ق 18] أنه أمر الجنب أن يتيمم. ورواه [ابن عُليَّة، عن عوف، عن أبي] رجاء، عن عِمران بن حُصَين: أن النبي صلى الله عليه وسلم [أمر رجلًا أصابته] جنابة أن يتيمم ويصلي.
ثم ذكر الشافعي
(1)
عن مغيرة [عن إبراهيم عن عبد الله] قال: بيع الأمة طلاقُها.
قال: وهم يثبتون مرسل إبراهيم، ويروون عنه أنه قال: إذا قلتُ: «قال عبد الله» ، فقد حدثني [غير واحد] من أصحابنا
(2)
. وهم لا يقولون بقول عبد الله هذا، ويقولون:[لا يكون] بيع الأمة طلاقها، وهكذا نقول، ونحتجّ بحديث بريرة: أنّ عائشة [اشترتها] ولها زوج ثم أعتقتها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها الخيار، [ولو] كان بيعها طلاقها لم يكن للخيار معنى، وكانت قد بانت من زوجها بالشراء.
قال الشافعي
(3)
: وأخبرنا عَمرو بن الهيثم، عن شعبة، عن الحكم، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن ابن مسعود في الرجل يزني بامرأة ثم يتزوَّجها، قال: لا يزالان زانيين.
(1)
في «الأم» : (8/ 435).
(2)
«الأم» : «أصحابه» .
(3)
«الأم» : (8/ 435).
قال: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، هما آثمان حين زنيا، ومصيبان الحلال حين تناكحا غير زانيين
(1)
.
أخبرنا شريك، عن أبي حَصين، عن يحيى بن وثَّاب، عن مسروق، عن عبد الله قال: إذا قال الرجل لامرأته: استلحقي بأهلك، أو وهبها لأهلها فقبلوها، فهي تطليقة، وهو أحق بها.
(2)
وهم يخالفونه ويزعمون أنها تطليقة بائنة.
أخبرنا
(3)
عبيدالله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن [طلحة، عن إبر] اهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: لا يكون طلاق بائن إلا [خُلْع أو] إيلاء. وهم يخالفونه في عامة الطلاق فيجعلونه بائنًا، [وأما نحـ] ـن فنجعل الطلاق كلّه
(4)
يملك فيه الرَّجْعة إلا طلاق الخلع. ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر في البتة: أنها واحدة [يملك فيـ] ـها الرجعة.
وأخبرنا هُشَيم
(5)
، عن إسماعيل بن أبي خالد، [عن] الشعبي، وعن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في الخيار: إن اختارت [نفسـ] ـها فواحدة وهو أحق بها. وهكذا نقول، وهم يخالفونه ويرون الطلاق فيه بائنًا.
وأخبرنا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم: [في «اختاري» و «أمرك
(1)
بعده في «الأم» : «وقد قال عمر وابن عباس نحو هذا» .
(2)
قبله في «الأم» : «وبهذا نقول إذا أراد الطلاق» .
(3)
«الأم» : (8/ 437).
(4)
«الأم» : «له» .
(5)
«الأم» : (8/ 438).
بيدك» سواء. وبهذا نقول، وهم يخالفونه فيفرقون بينهما.
أبو معاوية ويعلى، عن الأعمش، عن إبراهيم]
(1)
، عن مسروق: أن امرأةً قالت لزوجها: لو أن الأمر الذي بيدك بيدي لطلَّقَتُ
(2)
، قال: قد جعلتُ الأمر إليك، فطلَّقت نفسَها ثلاثًا، فسأل عُمر عبد الله عن ذلك فقال: هي واحدة وهو أحق بها. وقال
(3)
عمر: وأنا أرى ذلك. وبهذا نقول إذا جعل الأمر إليها، ثم قال: لم أُرِد إلا واحدة، فالقول قوله، وهي تطليقة يملك فيها الرجعة. وهم يخالفون هذا فيجعلونها واحدة بائنة.
وأخبرنا
(4)
هُشَيم، عن سيَّار وأبي حيان، عن الشعبي: أن رجلًا قال: من يذبح للقوم شاة فأزوجه أول بنت تولد لي. فذبح لهم رجل من القوم، فأجاز عبد الله النكاح. ولسنا ولا إياهم ولا أحد من الناس عَلِمْتُه يقول بهذا، [ق 19] يجعلون للذابح أجر مثله، ولا يكون هذا نكاحًا.
قلت
(5)
: حَمَل الشافعي رحمه الله قوله: «من يذبح» على أنه أراد الإجارة، والظاهر أنه أراد من يذبح لهم من ماله شاة فجعلها مهرًا لابنته.
وأخبرنا [هُشيم]، عن منصور، عن إبراهيم، عن ابن مسعود قال: كان
(1)
مابين المعكوفين ساقط من الأصل و (ف) وهو انتقال نظر، ومستدرك من «الأم» .
(2)
«الأم» : «طلقت نفسي» .
(3)
في الأصل كتب فوقها: «كذا» فأقحمها ناسخ (ف) في متن الكلام! فصار النص: «وكذا قال عمر. وأنا أرى ذلك» وهو خطأ. وفي الأم: «فقال عمر:
…
».
(4)
«الأم» : (8/ 439).
(5)
هذا التعليق للمصنف.
يكره أن يطأ [الرجل] أَمَته إذا فجرت أو يطأها وهي مُشركة. وهم لا يقولون بهذا، و [يقولون]: لا بأس أن يطأ قبل الفجور وبعده.
أخبرنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن عبد الله في الحامل المتوفى عنها: لها النفقة [من] جميع المال. ولسنا ولا أحد
(1)
يقول بهذا، إذا مات الميت وجب الميراث لأهله.
ثم روى الشافعي
(2)
عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عبد الله قال: لابأس بالدرهم بالدرهمين. ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول بالأحاديث التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى [عن الفضة]
(3)
بالفضة إلا مِثلًا بمثل، وعن الذهب بالذهب إلا مِثلًا بمثل. وقد كان عبد الله لقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنهوه، فلما رجع قال: ما أرى به بأسًا وما أنا بفاعله.
أخبرنا
(4)
هشيم، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود قال: من ابتاع مُصَرَّاة فهو بالخيار، إن شاء ردَّها وصاعًا من طعام. وهكذا نقول وبهذا مضت السنة. وهم يزعمون أنه إذا حلبها فليس له ردها؛ لأنه قد أخذ منها شيئًا.
أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله أنه قال في أم الولد: تُعْتق من [نصيـ] ـب ولدها. ولسنا ولا إياهم نقول بهذا،
(1)
الأصل: «أحدًا» خطأ.
(2)
«الأم» : (8/ 442).
(3)
سقطت العبارة من الأصل.
(4)
«الأم» : (8/ 443).
نقول بحديث عمر: [أنه] أعتق أمهات الأولاد إذا مات ساداتهن، ونقول جميعًا: تعتق من رأس المال.
أخبرنا ابن عُلية، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله: أنه كره شراء المصاحف وبيعها. وليسوا يقولون بهذا، [ولا] يرون بأسًا ببيعها وشرائها. ومن الناس من لا يرى بشرائها بأسًا، ونحن نكره بيعها.
ثم ذكر الشافعي
(1)
، [عن شعبة]، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله في جراحات الرجال
(2)
والنساء: تستوي في السن والمُوضِحة، وما خلا فعلى النصف. وهم يخالفون هذا فيقولون: على النصف من كل شيء.
أخبرنا
(3)
سعيد، عن أبي مَعْشَر، عن إبراهيم، عن عبد الله في الذي يُقْتَص منه فيموت، قال: على الذي اقتصَّ منه الدية، ويُرْفَع عنه بقدر جِراحته. وليسوا يقولون بهذا، بل نقول نحن وهم: لا شيء على المقتص؛ لأنه فعل فعلًا كان له أن يفعله.
أخبرنا
(4)
أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان عمر وعبد الله يورِّثان الأرحام
(5)
دون الموالي، وكان عليٌّ أشدهم في ذلك.
(1)
«الأم» : (8/ 448). وما بين المعكوفين لحق لم يظهر والإكمال من «الأم» .
(2)
الأصل و (ف): «الرجل» . والمثبت من «الأم» .
(3)
«الأم» : (8/ 449).
(4)
السابق: (8/ 453 - 454).
(5)
كتب في الأصل: «ذوي الأرحام» ثم ضرب على ذوي.
وليسوا يقولون بهذا، يقولون: إذا لم يكن أهل فرائض مسماة ولا عَصَبة [ق 20] ورَّثْنا الموالي، ونقول نحن: لا يرث أحد غير من قد سَمَّينا
(1)
له فريضة أو عَصَبة.
أخبرنا
(2)
وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: أن عبد الله شرَّك. وهم يخالفون ويقولون: لانُشَرِّك.
ثم [روى] عن عبد الله في ابنتين وبناتِ ابن وبني ابن: للبنتين الثلثان، [وما بقي] فلبني الابن دون البنات. وكذلك قال في الأخوات والإ [خوة للأب] مع الأخوات لأب وأم. قال: ولسنا ولا أحد
(3)
عَلِمْتُه يقول بهذا، إنما يقول الناس: للبنتين والأخوات
(4)
الثلثان، وما بقي [فَلِبَني] الابن وبنات الابن، أو للإخوة والأخوات [من الأب]
(5)
للذَّكر مثل حظِّ الأنثيين.
أخبرنا
(6)
أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان
(7)
عبد الله يُشَرِّك الجدَّ مع الإخوة، فإذا كثروا أوفاه السدس. ولسنا ولا أحد نقول بهذا، أما نحن فنقول: إنه إذا كان مع الإخوة لم ننقصه من الثلث، وأما
(1)
العبارة في «الأم» : «لا نورث أحدًا غير من سميت
…
». ثم قال: «وهم يورثون الأرحام وليسوا بعصبة ولا مسمى لهم إذا لم تكن موال وقالوا: القول قول زيد والقياس عليه» .
(2)
«الأم» : (8/ 455).
(3)
الأصل: «أحدًا» .
(4)
«الأم» : «للبنات أو الأخوات» .
(5)
زيادة من «الأم» .
(6)
«الأم» : (8/ 456).
(7)
تكررت في الأصل.
بعضهم فكان يطرح الإخوة ويكمل
(1)
المال للجد، وبذلك يقولون.
أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان عبد الله يجعل الأكدَريَّة من ثمانية أسهم؛ للأمِّ سهم، وللجدِّ سهم، وللأخت ثلاثة أسهم، وللزوج ثلاثة أسهم. ولسنا ولا أحد يقول بهذا.
أخبرنا
(2)
رجل، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: أهل الكتاب والمملوكون يَحْجُبون ولا يرثون. وليسوا يقولون بهذا، بل يقولون بقول زيد: لا يَحْجُبون ولا يرثون.
أخبرنا
(3)
سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم: أن عبد الله سئل عن رجل مات وترك أباه مملوكًا، ولم يدع وارثًا، قال: يُشْتَرى من ماله ثم يُعْتَق ويُدْفَع إليه ما ترك. وليسوا يقولون بهذا، يقولون: لا يرث المملوك ولا يورث، ونحن نقول: ماله في بيت المال، وكذلك يقولون هم إن لم يوص
(4)
.
أخبرنا
(5)
حمَّاد بن خالد، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: إذا أدى المكاتَب قيمته فهو حرٌّ. وهم لا يقولون بذلك.
(1)
في بعض نسخ «الأم» : «وكمل» ، وفي الأخرى:«ويجعل» .
(2)
«الأم» : (8/ 457).
(3)
«السابق» : (8/ 458).
(4)
«الأم» : «يوص به» .
(5)
السابق: (8/ 460). وليس فيه: «وهم لا يقولون بذلك» بل فيه: «ونحن نروي عن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة: أنه عبد ما بقي» .
أخبرنا
(1)
سفيان، عن مُطرِّف، عن الشعبي، عن ابن مسعود: أنه كان لا يرى على الذي يُصيب وليدةَ امرأته حدًّا ولا عُقْرًا.
أخبرنا رجل، عن شعبة، عن منصور، عن رِبْعي، عن عبد الله: أن رجلًا أتاه فذكر له أنه أصاب جارية امرأته، فقال: استغفِرِ الله ولا تَعُد. وهم يخالفون هذا
(2)
.
ثم ذكر
(3)
عن ابن مسعود: أنه وجد امرأةً مع رجل في لحافها على فراشها، فضربه خمسين، فشكوه إلى عمر، فقال: لِمَ فعلت ذلك؟ قال: لأني أرى ذلك، قال عمر: وأنا أرى ذلك.
قال الشافعي: وأصحابنا يذهبون إلى أنه يبلغ بالتعزير هذا وأكثر منه إلى ما دون الثمانين بقدر الذنوب. وهم يقولون: لا يبلغ بالتعزير في شيء أربعين، ويخالفون ما رووا عن [ق 21] عمر وابن مسعود.
أخبرنا
(4)
يزيد بن هارون، عن ابن أبي عَرُوبة، عن حمَّاد، عن إبراهيم، عن عبد الله في أم ولد تزني بعد موت سيدها: تُجْلَد وتُنفى. وهم لا يقولون بهذا، يقولون: لا يُنفى أحدٌ زانٍ ولا غيره. ونحن نقول بنفي الزاني
(1)
«الأم» : (8/ 473). والعُقر هو دية فرج المرأة. «الصحاح» : (2/ 755)، و «مقاييس اللغة»:(4/ 92).
(2)
بعده في «الأم» : «ويقولون: تعزر» .
(3)
«الأم» : (8/ 474).
(4)
السابق: (8/ 475).
لسنَّة
(1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، و [لما] روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله بن مسعود، و [أُبَي] بن كعب، وأبي الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، كلهم قد رأوا النفي.
أخبرنا جرير، عن منصور، عن زيد بن وهب: أن عبد الله دخل المسجد، والإمام راكع، فركع ثم دبَّ راكعًا
(2)
. وهكذا نقول، وقد فعل هذا زيد بن ثابت، وهم ينهون عن هذا ويخالفونه.
أخبرنا
(3)
ابن عُيينة، عن عَمرو
(4)
بن دينار، عن أبي عبيدة قال: كان عبد الله يصلي الصبح نحوًا من صلاة أمير المؤمنين ــ يعني ابن الزبير ــ بِغَلَس
(5)
.
أخبرنا رجل، عن شعبة، عن سلمة بن كُهَيل، عن أبي عمرو الشيباني قال: كان عبد الله يصلي بنا الصبح بِسَواد ــ أو قال: بغلس ــ فيقرأ سورتين، وبهذا جاءت السنة وهو قولنا، وهم يخالفونه ويقولون: بل يُسْفِر.
حدثنا
(6)
محمد بن عُبيدٍ، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن
(1)
«الأم» : «ينفى الزاني بسنة
…
».
(2)
ثم ساقه الشافعي بسند آخر عن عبد الله بن مسعود.
(3)
«الأم» : (8/ 476).
(4)
في الأصل: «عمير» ! وكتب فوقها (واو) صغيرة، والمثبت من الأم.
(5)
«الأم» : «وكان ابن الزبير يغلس» .
(6)
«الأم» : (8/ 482).
ابن الأسود، عن أبيه: أن عبد الله صلى به وبعلقمة، فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وقال: هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وليسوا يقولون بهذا، ونحن معهم نقول: يكونون خلف الإمام.
الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود قالا: دخلنا على عبد الله في داره فصلى بنا، فلما ركع طَبَّق بين كفيه فجعلهما بين فخذيه، فلما انصرف، قال: كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين فخذيه، وأقامَ أحدَنا عن يمينه والآخر عن يساره. وليسوا يأخذون بهذا ولا نحن.
ثم ذكر أخْذَه بحديث أبي حُميد الساعدي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع وضع يديه على ركبتيه.
ثم قال
(1)
: أخبرنا ابن عُلَيَّة، عن محمد بن إسحاق، حدثني [علي بن]
(2)
يحيى بن خلَّاد الزُّرَقي، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك» .
شعبة، عن عَمْرو بن مرَّة، عن عبد الله بن سلمة قال: صلى عبد الله بأصحابه الجمعة ضحًى، وقال: خشيتُ الحرَّ عليكم. وليسوا يقولون بهذا ولا يقول به أحد. صلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والأئمة بعده في كل جمعة بعد زوال الشمس.
(1)
«الأم» : (8/ 484).
(2)
سقط من الأصل و (ف) وهو في «الأم» . والحديث أخرجه أحمد (18995)، وأبو داود (859)، والترمذي (302) وقال: حديث حسن.
قلت
(1)
: ذهب إلى هذا عبد الله بن الزبير، وهو مذهب الإمام أحمد.
قال
(2)
: أخبرنا يحيى بن عباد، عن شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عبد الله: أنه كان يوتر بخمس أو سبعٍ.
أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله
(3)
: كان يكره [ق 22] أن يكون ثلاثًا وتر ولكن خمسًا أو سبعًا. وليسوا يقولون بهذا، يقولون: صلاة الليل مثنى مثنى إلا الوتر، فإنه ثلاثٌ موصولات، لا يُصلى الوتر أكثر من ثلاث، وأما نحن فنقول بالسنة الثابتة.
أخبرنا
(4)
هُشيم، عن حُصين، عن خارجة بن الصَّلْت: أن ابن مسعود ركع فمرَّ به رجل، فقال: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن، فقال عبد الله: صدق الله ورسوله، فلما قضى صلاته قيل له: كأن الرجل راعك
(5)
، قال: أجل، إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة حتى تُتَّخذ المساجد طرقًا، وحتى يسلم الرجل [على]
(6)
الرجل للمعرفة». وليسوا يقولون بهذا، وهذا عندهم نقضٌ للصلاة إذا تكلَّم بمثل هذا يريد به الجواب.
وهم لا يروون خلاف هذا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وابن
(1)
القائل هو المصنف. وانظر «المغني» : (3/ 239).
(2)
«الأم» : (8/ 485).
(3)
في الأصل علامة تصحيح فوق «عبد الله» و «يكون» .
(4)
«الأم» : (8/ 487).
(5)
الأصل و (ف): «أراعك» وهو خطأ فالفعل ثلاثي.
(6)
لحق في الأصل لم يظهر بسبب الطمس، وأثبتناه من «الأم» .
مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الكلام في الصلاة، ولو كان هذا عنده من الكلام المنهي عنه لم يتكلم به.
أخبرنا
(1)
أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: إذا أدركتَ ركعةً من الجمعة فأضِفْ إليها أخرى، وإذا فاتك الركوع فصلِّ أربعًا.
وبهذا نقول؛ لأنه موافق معنى ما رُوِّينا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد خالفوا هذا يعني فقالوا: [إنه إذا لم يدرك الخطبة صلى أربعًا، رجع بعضهم إلى أن قال مثل قولنا، وقال بعضهم]: إذا أدرك الإمام في شيء من الصلاة ــ وإن كان جالسًا ــ صلى ركعتين [فخالف هذا الحديث والذي قبله]
(2)
.
أخبرنا
(3)
رجل، عن الأعمش، عن مُسيّب بن رافع، عن عامر بن عبدة قال: قال عبد الله: هُيّئت عظام ابن آدم للسجود، فاسجدوا حتى بالمرافق. وليسوا يقولون بهذا، يقولون: لا نعلم أحدًا يقول بهذا.
أخبرنا
(4)
ابن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن عُمارة، عن الأسود قال: كان عبد الله لايقصر الصلاة إلا في حج أو عمرة. وهم يخالفون هذا ويقولون: تُقْصر الصلاة في كل سفر بلغ ثلاثًا، وغيرهم يقول: كل سفر بلغ ليلتين.
(1)
«الأم» : (8/ 489).
(2)
مابين المعكوفات مستدرك من «الأم» .
(3)
«الأم» : (8/ 490).
(4)
السابق: (8/ 492).
أخبرنا إسحاق بن يوسف وغيره، عن محمد بن قيس، عن عمران بن عمير مولى ابن مسعود، عن أبيه قال: سافرتُ مع ابن مسعود إلى ضيعةٍ بالقادسية، فقصر الصلاة بالنجف. وليسوا ولا أحد من المفتين
(1)
يقول بهذا.
أما هم فيقولون: لا تُقْصر الصلاة في أقل من ثلاث ليالٍ قواصد، ولا نعلمهم يروون هذا عن أحدٍ ممَّن مضى ممَّن قوله حجة، بل يروون عن حذيفة خلاف قولهم.
أخبرنا
(2)
ابنُ مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود: أن عبد الله
(3)
كان يكبر في صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر. وليسوا يقولون بهذا، يقولون: يكبِّر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.
أخبرنا
(4)
ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سُليم بن حنظلة قال: قرأت السجدة عند عبد الله، فنظرتُ إليه، فقال: أنت أعلم
(1)
كذا في الأصل، وفي «الأم»:«المفتيين» بيائين، وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على هذا الجمع في شرحه على «الرسالة»:(ص/278) للشافعي.
(2)
«الأم» : (8/ 495). وساقه أيضًا بعده بسند آخر.
(3)
في هامش الأصل تعليق نصه: «قد ذكر في كتب الحنفية كلها أو غالبها أن مذهب أبي حنيفة مثل مذهب ابن مسعود، وأما صاحباه فمذهبهما ما ذكره المصنف، فكأنه اشتبه عليه الأمر» اهـ. قلت: الكلام ليس للمصنف وإنما هو للشافعي.
(4)
«الأم» : (8/ 496).
[ق 23] فإذا سجدت نسجدها
(1)
.
وبهذا نقول، ليست السجدة بواجبة على من قرأ ومن سمع، وأحبّ إلينا أن يسجد، فإذا سجد القارئ أحببنا للسامع أن يسجد، وقد رُوِّينا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر، ورووا هم ذلك عن ابن مسعود. وهم يخالفون هذا، ويزعمون أنها واجبة على السامع
(2)
أن يسجد وإن لم يسجد الإمام، فيخالفون روايتهم عن ابن مسعود، وروايتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمر.
أخبرنا ابن عيينة، عن عَبْدة، عن زِرِّ بن حُبَيش، عن ابن مسعود: أنه كان لا يسجد في (ص) ويقول: إنها توبة نبيّ
(3)
. وهم يخالفون ابن مسعود، ويقولون: هي واجبة.
أخبرنا
(4)
ابن عُلَية، عن داود، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله في الصلاة على الجنائز: لا وقت ولا عَدَد. ثم روى عنه أنه صلى على ميت، فكبر عليه خمسًا. ثم قال: فخالفوا ابن مسعود في هذا، وقالوا: يكبر أربعًا.
أخبرنا
(5)
هُشَيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي جُحَيفة، عن عبد الله: أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات
(1)
«الأم» : «سجدنا» .
(2)
صحح عليها في الأصل.
(3)
ثم ساق الشافعي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجدها.
(4)
«الأم» : (8/ 498).
(5)
«الأم» : (8/ 499).
وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد. ونحن نستحب هذا ونقول به؛ لأنه موافقٌ ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يكرهون هذا كراهية شديدة.
ثم روى
(1)
عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بفاتحة الكتاب على الجنائز، قال: وهم يخالفون هذا فلا يقرؤون على الجنائز.
أخبرنا
(2)
هُشَيم، عن حُصَين قال: أخبرني الهيثم سمع ابن مسعود يقول: لأن أجلس على الرَّضْف أحبّ إليّ من أن أتربَّع في الصلاة. وهم يقولون: قيام صلاة الجالس التربيع
(3)
.
قال: ونحن نكره ما كَرِه ابنُ مسعود من تربُّع الرجلِ في الصلاة، وهم يخالفون ابن مسعود ويستحبون التربُّع في الصلاة.
أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى عثمان بمنى أربعًا، فقال عبد الله: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق.
قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قُرّة: أن عبد الله صلاها بعدُ أربعًا، وقيل له: عِبْتَ على عثمان وتصلي أربعًا؟ قال: الخلاف شرٌّ.
وهم يقولون: لا يصلح للمسافر أن يصلي أربعًا، وإن صلى أربعًا فلم
(1)
«الأم» : (8/ 500).
(2)
السابق: (8/ 501 - 502). الرَّضْف: الحجارة المُحْماة.
(3)
«الأم» : «التربع» .
يجلس في الثانية
(1)
مقدار التشهد فسدت [صلاته]
(2)
، فيروون عن عبد الله أنه فَعَل ما إنْ فَعَلَه أحدٌ فسدت صلاته.
أخبرنا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث. وهم يستحبون أن يقرأ في أقل من ثلاث.
حدثنا
(3)
وكيع، عن سفيان، عن أبي [ق 24] إسحاق، عن عبد الرحمن ابن يزيد قال: رأيتُ عبد الله يحكّ المعوّذتين من المصحف، ويقول
(4)
: لا تخلطوا به ما ليس منه.
وهم يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في صلاة الصبح، وهما مكتوبتان في المصحف الذي جُمِع في عهد أبي بكر، ثم كان عند عمر، ثم عند حفصة، ثم جمع عثمانُ عليه الناسَ
(5)
.
أخبرنا ابنُ مهديّ وغيره، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هُبيرة، قال:
(1)
الأصل وفرعه: «الثالثة» ، وكتب فوقها: كذا، والمثبت من «الأم»:(8/ 502).
وهنا تعليق في هامش الأصل بخط مغاير نصه: «ليس
…
في فعل ابن مسعود أنه لم يجلس في الثالثة حتى يرد ما أورد بل الظاهر أنه جلس. فهذا الاعتراض ساقط فافهم».
(2)
سقطت من الأصل. ومستدركة من «الأم» .
(3)
«الأم» : (8/ 503).
(4)
الأصل: «ويقولوا» . وفي الأم و (ف) على الصواب.
(5)
بعده في «الأم» : «وهما من كتاب الله عز وجل، وأنا أحب أن أقرأ بهما في صلاتي» .
كان عبد الله يعطينا العطاء في زُبُلٍ
(1)
صغار، ثم يأخذ منها زكاة.
وهم يقولون: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، ولا يؤخذ من العطاء. ونحن نروي عن أبي بكر أنه كان لا يأخذ من العطاء زكاة، وعن عمر وعثمان، ونقول بذلك
(2)
.
أخبرنا
(3)
ابن عُيينة، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عبد الله: أنه لبَّى على الصفا في عمرةٍ بعدما طاف بالبيت.
وليسوا ولا أحد من الناس علمناه يقول بهذا، إنما اختلف الناسُ عندنا؛ فمنهم من يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم، وهو قول ابن عمر. ومنهم من قال: إذا استلم الركن، وهو قول ابن عباس. وبهذا نقول ويقولون.
أخبرنا
(4)
سفيان، عن عبدالكريم الجَزَري، عن أبي عُبيدة، عن عبد الله: أنه حكم في اليربوع جَفْرًا أو جَفْرة.
وهم يخالفونه، ويقولون: يُحْكَم فيه بقيمته في الموضع الذي يُصاب فيه.
(1)
جمع زَبيل، وهو الوعاء.
(2)
الأصل: «ذلك» والمثبت من «الأم» .
(3)
«الأم» : (8/ 510).
(4)
السابق: (8/ 512).
قال الشافعي
(1)
: وعبد الله كان يكره القِران ــ يعني في الحج ــ وهم يستحبونه.
وحَكَى
(2)
عن عبد الله أنه كان يزكِّي مالَ اليتيم، وهم يقولون: لا زكاةَ فيه.
والمقصودُ بهذا كله: أنهم قد خالفوا ابن مسعود في هذا وأكثر منه، فما بالهم يحتجُّون به في ترك الرفع، فإن كان قوله حجة فهو حجة عليهم في هذه المسائل وغيرها، وإن لم يكن حجة بطل استدلالهم به في ترك الرفع، فهلّا كان عبد الله بن مسعود في هذه المسائل ونحوها من أفقه الصحابة وأعلمهم برسول الله صلى الله عليه وسلم! حتى كأنّه من كثرة دخوله وخروجه عليه كأنَّه من أهل البيت، فهلَّا كان ذلك التعظيم والتقديم موجبًا لموافقته رضي الله عنه في هذه المسائل وغيرها؟!
فصل
* قالوا: وأما الأثر عن عمر وعليّ في ترك الرفع، فأثرٌ باطل لا يصح عنهما، طعنَ فيه إمامُ أهل الحديث والسنة محمد بن إسماعيل البخاري، وقال في «كتابه»
(3)
: لا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
«الأم» : (8/ 508).
(2)
السابق: (8/ 505). وبه ينتهي النقل من كتاب «الأم - كتاب اختلاف علي وعبد الله ابن مسعود» وأوله (ص 65).
(3)
«رفع اليدين» (ص/129).
فإن قيل: رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»
(1)
: حدثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزُّبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: صليتُ مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا حين افتتح الصلاة. [قال عبد الملك]
(2)
: ورأيتُ الشعبيَّ وإبراهيمَ [ق 25] وأبا إسحاق لا يرفعون إلا حين يفتتحون الصلاة.
فهذا سندٌ صحيح على شرط مسلم، وعبدالملك هو ابن سعيد بن حيَّان
(3)
بن أبجر.
قيل: لا يثبت هذا عن عمر. قال الحاكم: «هذه رواية شاذة لا تقوم بها الحجة، ولا تُعَارَض بها الأخبار الصحيحة المأثورة عن طاووس عن ابن عمر، عن عمر: أنه كان يرفع يديه في الركوع. وقد روى سفيان الثوري هذا الحديث عن الزبير بن عدي، فقال فيه: إن عمر كان يرفع يديه في الركوع إلى المنكبين ولم يزد»
(4)
.
(1)
رقم (2469). والطحاوي في «شرح المشكل» : (15/ 50) وفي «شرح المعاني» : (1/ 227).
(2)
سقط من الأصل، واستدركناه من المصادر.
(3)
الأصل وفرعه: «عثمان» تحريف، والتصحيح من «تهذيب الكمال»:(4/ 553)، و «التهذيب»:(6/ 394).
(4)
نقله عنه تلميذه البيهقي في «الخلافيات» كما في «مختصره» : (2/ 87). وحديث الثوري أخرجه عبدالرزاق (2532)، والبيهقي في «الكبرى»:(2/ 25).
وقد قال ابن أبي حاتم في «العلل» (256): إنه سأل أباه وأبا زرعة عن حديثٍ رواه يحيى ابن آدم، عن الحسن بن عياش، عن ابن أبجر، عن الأسود، عن عمر: أنه كان يرفع يديه =
= في أول تكبيرة ثم لايعود. هل هو صحيح أو يدفعه حديث الثوري عن الزبير بن عدي عن إِبراهيم عن الأسود عن عمر: أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه فقط؟ فقالا: سفيان أحفظ. وقال أبو زُرعة: هذا أصح، يعنى حديث سفيان عن الزبير بن عدي عن إِبراهيم عن الأسود عن عمر. اهـ. وانظر «نصب الراية»:(1/ 405).
قلت: وحسن بن عياش هو أخو أبي بكر بن عياش، وليس بالحافظ فيُقْبَل تفرُّده عن عمر بمثل هذا، ومخالفته للثابت عن عمر.
وقد قال عثمان بن سعيد الدارمي: ليسا في الحديث بذاك
(1)
.
ولا ريب أنه إن لم يكن دون أخيه في الحفظ والإتقان فليس فوقه، وإذا تفرَّد إسماعيل بن عيّاش
(2)
أو أخوه بحديث ولا سيما إن كان عن غير الشاميين، لم يحتجّ به أهل الحديث.
ولا يصح في مثل هذا أن يقال: «على شرط مسلم» حتى يكون الذي روى عنه حسنٌ في الصحيح هو الذي روى عنه بعينه في الحديث الذي جُعِل على شرطه، فليس مجرَّد وجود الرَّجل في أيِّ إسنادٍ اتفق إذا كان من رجال الصحيح بموجب جَعْل ذلك الإسناد على شرط الصحيح. فينبغي
(1)
ذكره الدارمي في «تاريخه» : (ص/101). وعنه في «الجرح والتعديل» : (3/ 30) وبقية كلامه: «وهما من أهل الصدق والأمانة» .
(2)
كذا في الأصل و (ف). وهو وهم أو سبق قلم، فإنّ الكلام على حسن بن عياش وأخيه أبي بكر (وقد اختلف في اسمه على أنحاء كثيرة) بن عياش الكوفيَّين، وليس على إسماعيل بن عياش الشامي، الذي تكلم النقاد في روايته عن غير الشاميين. فينبغي أن يكون النص هكذا:«وإذا تفرد [حسن] بن عياش أو أخوه بحديث، لم يحتج به أهل الحديث» .
التفطُّن لهذا، فإن كثيرًا من الناس يغلطون فيه
(1)
.
والذي رواه مسلم للحسن بن عيَّاش هو حديثه
(2)
عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نريح النواضح
(3)
.
فشرط مسلم في هذا أن يروي الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه حديثًا لم يروه مسلم، ومن لم يراع هذا حَكَم بتصحيح أحاديث لا يصححها أصحاب الصحيح، ولا هي من شرطهم، كما يفعل الحاكم وغيره.
وأما الأثر عن علي
(4)
فباطل أيضًا، قال البخاري: لا يصح
(5)
.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: هذا قد رُوي من هذا الطريق الواهي.
(1)
وهذا رأي جمهور العلماء، وخالف العراقي فلم يشترط إلا صفات الرواة وليس أعيانهم. انظر «ابن القيم وجهوده في خدمة السنة»:(1/ 366 - 367)، و «التقييد والإيضاح»:(ص/29 - 30) للعراقي، و «النكت على ابن الصلاح»:(1/ 313 - 314) لابن حجر.
(2)
تحرفت في (ف) إلى «حذيفة» .
(3)
حديث رقم (858). والنواضح: جمع ناضح، وهو البعير الذي يُستقى به.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (2457)، وأحمد في «العلل»:(1/ 374)، والطحاوي في «مشكل الآثار»:(15/ 33)، والبيهقي في «الكبرى»:(2/ 80) و «معرفة السنن» : (1/ 550). وصححه الزيلعي في «نصب الراية» : (1/ 406).
(5)
الذي في كتاب «الرفع» : (ص/46) كما سينقله المصنف: «وحديث عبيدالله أصح .. » . يعني حديثه عن علي في إثبات رفع الأيدي.
وقد روى عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن علي: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما عند الركوع
(1)
. فليس الظنُّ بعلي رضي الله عنه أن يختار فِعْله على فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس أبو بكر النَّهْشَلي ممن يُحتجّ بروايته وتثبت بها سنة لم يأتِ بها غيرُه.
والصواب: عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجْر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا، كما رواه الناسُ عن عاصم
(2)
.
قال البخاري
(3)
: «وروى أبو بكر النَّهْشليّ، عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه: أن عليًّا رفع يديه في أول التكبيرة، ثم لم يَعُد. وحديث عبيدالله أصح
ــ يعني حديث عبيدالله بن أبي رافع ــ مع أن [ق 26] حديث كليب هذا لم يحفظ رفع الأيدي، وحديث عبيدالله هو شاهدٌ.
فإذا روى رجلان عن محدّث أحدهما قال: رأيته فَعَل، والآخر قال: لم أره فَعَل، فالذي قال: رأيته فعل هو شاهد، والذي قال: لم يفعل فليس بشاهد؛ لأنه لم يحفظ الفعل»
(4)
.
(1)
بعده في «الكبرى» و «المعرفة» : «وبعدما يرفع رأسه من الركوع» . وحديثه أخرجه البخاري في كتاب الرفع: (ص 22)، وأبو داود (744)، والترمذي (3423)، وابن ماجه (864)، وابن خزيمة (584)، والطحاوي في «مشكل الآثار»:(15/ 30).
(2)
كلام الدارمي ذكره البيهقي في «الخلافيات - مختصره» : (2/ 86 - 87). وفي «الكبرى» : (2/ 80 - 81) و «المعرفة» : (1/ 550) بنحوه.
(3)
«رفع اليدين» : (ص/46 - 48).
(4)
كتب في الأصل «العلم» ثم وضع عليها خطًّا، وكتب في هامش النسخة شيئًا لم يظهر بسبب الطمس، فلعله ما أثبت من كتاب الرفع.
* قالوا: وأما رواية أبي بكر بن عيّاش، عن حُصين، عن مجاهد قال: ما رأيتُ ابنَ عمر رافعًا يديه في شيء من صلاته إلا في الاستفتاح
(1)
.
فالصحيح عن ابن عمر خلاف ذلك، فقد روى مالك، عن نافع، عنه أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع.
رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك
(2)
.
ورواه عبيدالله، عن نافع، عنه أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» ، وإذا قام من الركعتين يرفعهما.
ذكره البخاري أيضًا
(3)
.
وقال البخاري
(4)
: «ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، ثنا نافع: أن عبد الله كان إذا استقبل الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه.
(1)
أخرجه البخاري في «الرفع» : (ص/54) معلقًا بصيغة التمريض، ووصله ابن أبي شيبة (2467)، والطحاوي في «شرح المعاني»:(1/ 225). ثم نقل البخاري عن ابن معين قوله: «حديث أبي بكر عن حصين إنما هو توهم منه لا أصل له» . وانظر «معرفة السنن والآثار» : (1/ 556 - 557) للبيهقي. وسيذكره المؤلف (ص/107) بلفظ: «صليت خلف ابن عمر سنتين
…
». وقال: إنها مختلقة موضوعة. وقال الذهبي في «تنقيح التحقيق» : (1/ 137): هذا منكر.
(2)
«كتاب الرفع» (ص/125)، وهو في «الموطأ» (196) لمالك.
(3)
«كتاب الرفع» (ص/131)، وهو في «صحيحه» (739).
(4)
«كتاب الرفع» (ص/53).
وقال البخاري
(1)
: «ثنا أبو النعمان، ثنا عبدالواحد بن زياد، ثنا مُحَارب بن دِثار قال: رأيت عبد الله بن عمر إذا افتتح الصلاة كبَّر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، [وإذا رفع رأسه من الركوع.
حدثنا العيَّاش بن الوليد، حدثنا عبدالأعلى، حدثنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كبَّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه]
(2)
، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» رفع يديه، ويرفع ذلك ابنُ عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم».
وقال البخاري
(3)
: «ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا مَعْمَر
(4)
، ثنا إبراهيم بن طَهْمان
(5)
، عن أبي الزُّبير قال: رأيتُ ابنَ عمر حين قام رفعَ يديه حتى تحاذي
(6)
أذنيه، وحين يرفع رأسَه من الركوع واستوى قائمًا فعل مثل ذلك».
قال البخاري
(7)
: «ولم يثبت عند أهل البَصَر
(8)
ممن أدركنا من أهل الحجاز وأهل العراق؛ منهم عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله بن جعفر،
(1)
«كتاب الرفع» (ص/109).
(2)
ما بين المعكوفين ساقط من الأصل و (ف) واستدركته من «رفع اليدين» .
(3)
«كتاب الرفع» (ص/111).
(4)
الأصل و (ف): «معن» ! والتصحيح من كتاب «الرفع» .
(5)
هذا الإسناد فيه سقط وتحريف في (ف).
(6)
صحح عليها في الأصل.
(7)
«كتاب الرفع» (ص/96).
(8)
كتاب «الرفع» : «النظر» ، (ف):«البصرة» !
ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، هؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم، فلم يثبت عند أحدٍ منهم عَلِمْتُه في ترك رفع الأيدي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه».
وقال إسحاق بن راهويه: ثنا محمد بن فُضَيل، عن عاصم بن كُليب، عن مُحَارب بن دِثار قال: رأيتُ ابنَ عمر يرفع يديه في الركوع، فقلت له في ذلك، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في
(1)
الركعتين كَبَّر ورفع يديه
(2)
.
وقال ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم: أنه سمع طاووسًا يُسْأل عن رفع اليدين في الصلاة فقال: رأيتُ عبد الله وعبد الله وعبد الله يرفعون أيديهم في الصلاة= لعبدالله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير
(3)
.
قال طاووس: التكبيرة الأولى [ق 27] التي للاستفتاح باليدين أرفع مما سواهما بالتكبير. قال ابنُ جريج: قلتُ لعطاء: أبَلَغَكم أن التكبيرة الأولى أرفع مما سواهما في التكبير؟ قال: لا
(4)
.
(1)
«كتاب الرفع» : «من» .
(2)
أخرجه البخاري في «الرفع» (ص/69)، وابن أبي شيبة (2454)، وعبدالرزاق:(2/ 69)، وأبو داود (743).
(3)
تقدم (ص/31).
(4)
أخرجه البخاري في «الرفع» (ص/74)، وعبدالرزاق (2/ 70 رقم 2526، 2527).
قال البخاري
(1)
: «ويروى عن أبي بكر بن عيّاش، عن حُصين، عن مجاهد: أنه لم ير ابن عمر رفع يديه إلا في أول التكبيرة، وروى عنه أهل العلم أنه لم يحفظ من ابن عمر إلا أن يكون ابن عمر سها كبعض ما يسهو الرجلُ في الصلاة في الشيء بعد الشيء، كما أنّ ابن عمر
(2)
نسي القراءةَ في الصلاة، وكما أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ربّما يسهون في الصلاة، فيُسَلِّمون في الركعتين والثلاث. ألا ترى أنّ ابن عمر كان يرمي من لا يرفع يديه بالحصى، فكيف يترك ابنُ عمر شيئًا يأمر به غيرَه؟ وقد رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فعله»؟!
ثم قال في موضع آخر
(3)
: «والذي قال أبو بكر بن عياش، عن حُصين، عن مجاهد: ما رأيتُ ابنَ عمر رافعًا يديه في شيء من الصلاة إلا في التكبيرة الأولى، فقد خولف في ذلك عن مجاهد.
قال وكيع، عن الربيع بن صُبيح: رأيت مجاهدًا رفع يديه
(4)
إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
وقال جرير، عن ليث، عن مجاهد: أنه كان يرفع يديه. وهذا أحفظ عند أهل العلم.
(1)
(ص/54).
(2)
في كتاب الرفع: «عمر» .
(3)
(ص/150 - 151).
(4)
في سياق البيهقي لكلام البخاري في كتاب «المعرفة» : (1/ 556) هذه الزيادة في هذا الموضع قوله: [وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن الربيع: رأيت مجاهدًا يرفع يديه]. وليست في كتاب البخاري.
قال صدقة: إن الذي روى حديثَ مجاهد عن ابن عمر: أنه لم يرفع يديه إلا أول التكبيرة= كأنَّ صاحِبَه قد تغيَّر بأخَرَة، والذي رواه الربيع وليثٌ أولى، مع أن طاووسًا وسالمًا ونافعًا وأبا الزبير ومُحارِب بن دِثار وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع»
(1)
.
قال أبو عبد الله الحاكم: والمحفوظ في ذلك عن أبي بكر بن عيَّاش إنما هو عن عبد الله بن مسعود، لا عن عبد الله بن عمر
(2)
.
فصل
* وأما حديث حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صليتُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة
(3)
.
فقال الحاكم
(4)
: هذا إسناد مقلوب، رواه إسحاق بن إسرائيل، عن
(1)
انتهى النقل من كتاب البخاري.
(2)
نقله عنه البيهقي في «الخلافيات - مختصره» : (2/ 86).
(3)
أخرجه أبو يعلى (5017)، والدارقطني:(1/ 295)، وابن حبان في «المجروحين»:(2/ 270)، وابن عدي:(6/ 152)، والبيهقي في «الكبرى»:(2/ 79) و «المعرفة» : (1/ 552). قال المؤلف في «المنار المنيف» : (ص/133): منقطع لايصح. وذكره غير واحد في الموضوعات منهم ابن الجوزي (962).
(4)
نقل كلام الحاكم في هذا الحديث البيهقيُّ في «الخلافيات- مختصره» : (2/ 78 - 79) مع بعض الاختلاف. وانظر «نصب الراية» : (1/ 396 - 397)، و «البدر المنير»:(3/ 495).
محمد بن جابر، عن حماد. ومحمد بن جابر بن سَيَّار السُّحَيْمي قال ابن معين: عَمِي واختلط، فحدَّث بما ليس من حديثه
(1)
.
قال الحاكم: وهذا من أحسن ما قيل فيه، فإنه كان يسرق الحديث مِنْ كلِّ من يُذاكره به، فيرويه، حتى كثرت المناكير والموضوعات في حديثه.
قال الحاكم: ولو كان هذا محفوظًا لبادر بروايته أبو حنيفة وسفيان الثوري عن حماد؛ إذ كان يوافقُ مذهبَهما.
وقال يحيى بن معين: محمد بن جابر هذا ضعيف
(2)
.
وضعَّفه النسائي وقال: ليس بشيء
(3)
.
وقال الإمام أحمد: لا يحدِّث عنه إلا من هو شرٌّ منه
(4)
.
وقال البخاري: ليس بالقوي يتكلَّمون فيه
(5)
.
[ق 28] وقال عَمْرو بن علي: صدوق إلا أنه كثير الوهم متروك الحديث
(6)
.
(1)
«تاريخ الدوري» (2647). وغالب الأقوال فيه نقلها المؤلف من «الكامل في الضعفاء» : (6/ 147 - 148) لابن عدي.
(2)
«تاريخ الدوري» (3496).
(3)
في «الضعفاء والمتروكون» : (ص/233): «ضعيف» .
(4)
«تهذيب التهذيب» : (9/ 116).
(5)
«التاريخ الكبير» : (1/ 53)، و «الضعفاء»:(ص/103). وليس فيهما «يتكلمون فيه» .
(6)
نقله في «الجرح والتعديل» : (7/ 219) دون قوله «متروك الحديث» .
وقال الرازي: ساء حفظه فكان يُلَقَّن
(1)
.
وقال ابن حبان: كان أعمى يُلْحَق في كتبه ما ليس من حديثه، ويَسْرق ما ذُوكِرَ به فيحدّث به
(2)
.
وقال غيره: قد روى هذا الحديث حماد، عن إبراهيم: أنَّ ابن مسعود كان لا يرفع يديه فقط
(3)
. وهذا موقوف منقطع وهو المشهور، فوصَلَه هذا الضعيف السُّحَيمي، ورَفَعَه وأخطأ فيه
(4)
. وقد تقدَّم [أن]
(5)
الصحيح أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يرفعان أيديهما
(6)
.
(1)
«الجرح والتعديل» : (7/ 219). وبقية كلامه: «ذهب كتبه في آخر عمره، وساء حفظه وكان يلقن، وكان عبد الرحمن بن مهدى يحدث عنه ثم تركه بعد، وكان يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع جيد اللقاء رأوا في كتبه لحقًا، وحديثه عن حماد فيه اضطراب، روى عنه عشرة من الثقات» .
(2)
«المجروحين» : (2/ 270). ومصدر المؤلف في هذه الترجمة «الضعفاء والمتروكون» : (3/ 45 - 46) لابن الجوزي.
(3)
كتب فوقها في الأصل: «كذا» . ولعلها: «قط» .
(4)
قال الدارقطني: (1/ 295): «تفرد به محمد بن جابر وكان ضعيفًا عن حماد عن إبراهيم. وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلًا عن عبد الله من فعله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب» .
(5)
طمس في الأصل، ولعله ما أثبت.
(6)
انظر (ص 8 - 10، 27).
قال الحاكم: والعجب من ابن جابر أنه لم يرضَ بأن وَصَل هذا المنقطع حين زاد ذلك، فأسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يقنعه ذلك إلى أن وصله بذكر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما!
فصل
* وأما ما رواه سوَّار بن مصعب، عن عطيّة العَوفي: أنّ أبا سعيد الخدري وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أوَّل ما يكبّران، ثم لا يعودان
(1)
.
فقال الحاكم: هذا خبرٌ لا يستحلُّ الاحتجاجَ به من يرجع إلى أدنى معرفةٍ بالرجال، فإن عطية بن سعد العوفي ذاهبٌ بمرَّةٍ. وأما سوَّار بن مصعب فإنه أسوأ حالًا منه.
قلت: أما عطيّة فإنّه عطيّة بن سعد أبو الحسن الكوفي، ضعَّفه الثوري، وهُشَيم، ويحيى بن معين، والإمام أحمد، وأبو حاتم الرازي، وأبو عبد الرحمن النسائي
(2)
.
قال مسلم: قال أحمد ــ وذكر عطيةَ العوفي فقال ــ: هو ضعيف الحديث، ثم قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي، ويسأله عن التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد. وكان هُشيم يضعِّف حديثه. وقال أحمد: ثنا أبو
(1)
أخرجه البيهقي في «الخلافيات - مختصره» : (2/ 87) ونقل كلام الحاكم الآتي. وانظر «نصب الراية» : (1/ 406)، و «البدر المنير»:(3/ 484).
(2)
انظر «الضعفاء» : (2/ 180) لابن الجوزي، وهو مصدره في الترجمة عدا نقل مسلم عن أحمد. و «تهذيب الكمال»:(5/ 184)، و «تهذيب التهذيب»:(7/ 225).
أحمد الزُّبيري، قال: سمعت الكلبي قال: كنَّاني عطيةُ «أبو سعيد»
(1)
.
قال ابن حبان
(2)
: سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات جعل يجالس الكلبي، وإذا قال الكلبي:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» حَفِظ ذلك عنه، ورواه عنه، وكناه أبو سعيد، فيُظَنّ أنه أراد الخدري وإنما أراد الكلبي. لا يحل كَتْبُ حديثهِ إلا على التعجُّب.
وأما سوَّار بن مصعب أبو عبد الله الهَمَذاني الكوفي، فقال يحيى والنسائي والدارقطني: متروك الحديث
(3)
.
وقال يحيى مرَّةً: ليس بثقة، ولا يُكْتَب حديثه، وقال مرة: ليس بشيء
(4)
.
وقال البخاري: منكر الحديث
(5)
.
وقال أبو داود: ليس بثقة
(6)
.
(1)
نقله عن مسلم المزيُّ وابن حجر في كتابيهما. وهو بلفظه في «العلل» : (1/ 548) لأحمد رواية عبد الله، ونقله عنه غير واحد.
(2)
«المجروحين» : (2/ 176) بنحوه.
(3)
انظر على التوالي: «الضعفاء» : (2/ 31) لابن الجوزي، وقد تفرد بحكاية هذا القول عن ابن معين. و «الضعفاء والمتروكون»:(ص/187) للنسائي، و «سنن الدارقطني»:(1/ 128).
(4)
الرواية الأولى لابن أبي مريم عنه في «الكامل» : (3/ 454)، والثانية للدوري «تاريخه» (2068).
(5)
«التاريخ الكبير» : (4/ 169).
(6)
«سؤالات الآجري لأبي داود» : (2/ 298). قلت: ومصدر المؤلف في الترجمة «الضعفاء» : (2/ 31 - 32) لابن الجوزي.
قلت: وليس هذا بسوَّار بن مصعب الرازي الذي يحدِّث عن أحمد بن حرب وطبقته.
فصل
* وأما حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عباس وابن عمر: لا تُرْفَع الأيدي إلا في سبعة مواطن: في بدء الصلاة، وبعرفة
…
الحديث
(1)
.
(1)
علقه البخاري في «رفع اليدين» : (ص/134). قال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» : (3/ 186): «رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر والبيهقي بسند فيه انقطاع» . وأخرجه البزار (الكشف: 1/ 251)، والبيهقي (5/ 73) معلقًا من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر، وعن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا:«لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن في افتتاح الصلاة واستقبال القبلة وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجَمْع وفي المقامين وعند الجمرتين» . وفي رواية: والموقفين بدل المقامين
…
قال البخاري: قال شعبة: لم يسمع الحكم هذا من مقسم. قال البزار: «وهذا حديث قد رواه غير واحد موقوفًا، وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ، وإنما قال: ترفع الأيدي، ولم يقل: لا ترفع الأيدي إلا في هذه المواضع. انتهى. نقله العيني في «شرح أبي داود» : (3/ 299). وقد أخرجه الشافعي من رواية ابن جريج عن مقسم فذكر نحوه، وهكذا أخرجه الطبراني في «الكبير»:(11/ 385) من طريق محمد بن عمران بن أبي ليلى عن أبيه عن ابن أبي ليلى به. وأخرجه ابن أبي شيبة (2465) عن ابن فضيل عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفًا.
فقال الحاكم
(1)
: هذا حديث واهٍ من وجوه:
أولها: تفرُّد ابن أبي ليلى بروايته [ق 29]، وقد اتفق أهل الحديث على ترك الاحتجاج بروايته.
والثاني: [رواية وكيع عن ابن أبي ليلى بالوقف على ابن عباس.
الثالث:] رواية جماعة من التابعين بالأسانيد الصحيحة عن ابن عمر، وابن عباس أنهما كانا يرفعان أيديهما عند الركوع، وبعد رفع الرأس منه، كما تقدم [وأسندناه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والوجه الرابع لوهن هذا الحديث: أن شعبة بن الحجاج قال: لم يسمع الحكم بن مِقْسَم إلا أربعة أحاديث وليس هذا الحديث منها]
(2)
.
[الخامس]: أن في جميع روايات هذا الحديث غير هذه الرواية: «تُرْفَع الأيدي في سبعة مواطن» ، وليس هذا الحديث منها
(3)
. وقد تواترت الأخبار المأثورة بأن الأيدي ترفع في مواطن كثيرة غير المواطن السبعة، فمنها: الاستسقاء، ودعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لدوس، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الصلاة وأمره بها، ورفع اليدين في القنوت.
(1)
نقل قول الحاكم البيهقي في «الخلافيات - مختصره» : (2/ 82 - 83). والزيلعي في «نصب الراية» : (1/ 391)، وابن الملقن في «البدر المنير»:(3/ 497). وقد وقع في الأصل سقط أكملناه من المصادر.
(2)
مابين المعكوفات سقط من الأصل وأثبتناه من «مختصر الخلافيات» : (2/ 82 ــ 83).
(3)
كذا في الأصل، وفي «مختصر الخلافيات»:« .. وليس في رواية منها: لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» .
وقال البخاري
(1)
: «وقال وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر. [وعن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال]
(2)
وقال علي بن مُسْهِر [و] المُحاربي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال شعبة: إن الحكم لم يسمع من مِقْسَم إلا أربعة أحاديث ليس منها هذا الحديث.
وليس هذا من المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أصحابَ نافعٍ خالفوا، وحديث الحكم عن مِقْسم مرسل.
وقد روى طاووس وأبو حمزة
(3)
وعطاء: أنهم رأوا ابنَ عباس يرفع يديه عند الركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع. مع أن حديث ابن أبي ليلى لو صحّ قوله:«تُرْفَع الأيدي في سبعة مواطن» ، لم يقل في حديث وكيع: لا تُرْفع إلا في هذه المواطن.
فتُرفع في هذه المواضع، وعند الركوع، وإذا رفع رأسه، حتى تُسْتَعمل
(1)
هذا النقل عن الإمام البخاري من هنا إلى آخر الفصل (ص 104) من كتاب «رفع اليدين» : (ص/134 - 149). وهناك بعض الفروق نبهنا إلى أهمها.
(2)
ما بينهما سقط من الأصل واستدركناه من كتاب البخاري.
(3)
انظر التعليق (ص 32).
هذه الأحاديث كلها، وليس هذا من المتضاد.
وقد قال هؤلاء: إن الأيدي تُرْفع في تكبيرات العيدين؛ الفطر والأضحى، وهي
(1)
أربع عشرة تكبيرة في قولهم. وليس هذا في حديث ابن أبي ليلى. وهذا مما يدل على أنهم لم يعتمدوا على حديث ابن أبي ليلى.
وقال بعض الكوفيين: يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، وهي
(2)
أربع تكبيرات. وهذه كلها زيادة على
(3)
ابنِ أبي ليلى.
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: أنه كان يرفع يديه
(4)
سوى هذه السبعة.
ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الاستسقاء.
حدثنا مسدد، ثنا أبو عوانة، عن سِماك بن حَرْب، عن عكرمة، عن عائشة ــ زعم أنه سمع منها ــ: أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعًا يديه، يقول: «إنما أنا بشر فلا تعاقبني، أيّما رجلٍ من المؤمنين آذيته وشتمته فلا تعاقبني به
(5)
».
حدثنا علي، ثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة
(1)
في الأصل «وفي» وصحح عليها، والمثبت من كتاب البخاري.
(2)
بعده في الأصل «في» زائدة، وليست في كتاب البخاري.
(3)
صحح عليه في الأصل.
(4)
صحح عليه في الأصل. وفي مطبوعة كتاب البخاري زاد [في] بين معكوفين «يديه [في] سوى» وهو تصرف من الطابع.
(5)
في كتاب الرفع: «أو شتمته فلا تعاقبني فيه» .
[ق 30] قال: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة وتهيّأ ورفعَ يديه وقال: «اللهم اهدِ دَوْسًا وائتِ بهم» .
حدثنا أبو النعمان، ثنا حماد بن زيد، ثنا الحجاج الصواف، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: أن الطفيل بن عَمْرو قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هل لك في حِصْن ومَنَعة حِصْن دوس؟ فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِما ذَخَر الله للأنصار، وهاجر الطُّفَيل وهاجر معه رجل من قومه، فمرض الرجل،
(1)
فأخذ مِشْقصًا فقطع وَدْجَيه فمات، فرآه الطفيل في المنام، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما شأن يديك؟ قال: قيل لي: إنَّا لن نصلح منك ما أفسدت من نفسك، فقصَّها الطفيلُ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«اللهم وليديه فاغفر» ورفع يديه.
حدثنا قتيبة، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أُمّه، عن عائشة أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأرسلتُ بريرةَ في أثَره لتنظر أين يذهب، فسلك نحو البقيع ــ بقيعِ الغَرْقد ــ فوقف في أدنى البقيع، ثم رفع يديه ثم انصرف، فرجَعَت بريرة فأخبرتني، فلما أصبحتُ سألتُه فقلت: يا رسول الله، أين خرجت الليلة؟ قال:«بُعِثْت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم» .
حدثنا مسلم، ثنا شعبة، عن عبد ربِّه بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم قال: أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطًا كفيه.
(1)
بعده في كتاب الرفع: «فجاء إلى قرن .. » .
حدثنا يحيى بن موسى، ثنا عبدالحميد، ثنا إسماعيل ــ هو ابن
(1)
عبد الملك ــ عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة قالت: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه حتى بدّى ضَبْعَيه يدعو، فرُدَّ عثمان رضي الله عنه.
حدثنا أبو نعيم، ثنا الفضيل بن مرزوق، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجلَ يُطيلُ السفرَ، أشعثَ أغبرَ يمدّ يديه إلى الله عز وجل: ياربّ ياربّ
(2)
، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك.
حدثنا مسلم، ثنا عبد الله بن داود، عن نُعَيم بن حكيم، عن
(3)
أبي مريم، عن علي قال: رأيت امرأة الوليد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه زوجَها أنه يضربها، فقال لها:«اذهبي إليه فقولي له: كيتَ وكيتَ» ، فذهبت ثم رجعت، فقالت: إنه عاد يضربني، فقال لها:«اذهبي فقولي له: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لك» ، فذهبت ثم عادت، فقالت: إنه يضربني، فقال:«اذهبي فقولي له: كيتَ وكيتَ» ، فقالت: إنه يضربني، فقال:«اذهبي فقولي له: كيتَ وكيتَ» ، فقالت: إنه يضربني، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده
(4)
فقال: «اللهم عليك الوليدَ» .
حدثنا محمد بن [ق 31] سلام، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن
(1)
الأصل وفرعه: «ابن أبي» خطأ. والتصويب من «تهذيب الكمال» : (1/ 242).
(2)
صحح عليها في الأصل.
(3)
الأصل وفرعه: «ابن أبي» والتصويب من «تهذيب الكمال» : (8/ 425).
(4)
كتب فوقها في الأصل: «كذا» .
أنس قال: قَحِط المطرُ عامًا، فقام بعض المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة، فقالوا
(1)
: يا رسول الله، قَحِط المطرُ وأَجْدبت الأرضُ وهلك المالُ، فرفع يديه وما نرى في السماء سحابة، فمدَّ يديه حتى رأيتُ بياضَ إبطيه يستسقي الله عز وجل، فما صلّينا الجمعةَ حتى أهمَّ الشابَّ القريبَ الدار الرجوعُ إلى أهله، فدامَت جمعةً حتى كانت الجمعة التي تليها، قال
(2)
: يا رسول الله، تهدّمت البيوتُ، وحُبِس الرُّكبان. فتبسَّم لسرعة مَلالة ابنِ آدم، وقال بيده:«اللهم حوالينا ولا علينا» . فتكشَّطت عن المدينة.
حدثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد، عن جعفر، قال: حدثني أبو عثمان قال: كنا نجيء، وعمر يؤمّ الناسَ، ثم يقنت بنا بعد الركوع، يرفع يديه، حتى يبدو كفاه، ويُخرِج ضبعيه.
حدثنا قَبِيصة، ثنا سفيان، عن أبي عليّ ــ هو جعفر بن ميمون بيَّاع الأنماط ــ قال: سمعت أبا عثمان، قال: كان عمر يرفع يديه في القنوت.
حدثنا عبدالرحيم المُحاربي، ثنا زائدة، عن ليث، [عن]
(3)
عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله: أنه كان يقرأ في آخر ركعة من الوتر: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم يرفع يديه، فيقنت قبل الركعة.
(1)
صحح عليها في الأصل. وفي كتاب الرفع «فقال» .
(2)
صحح عليها في الأصل.
(3)
الأصل وفرعه: «وعبد الرحمن» والتصحيح من كتاب البخاري (146)، وابن أبي شيبة (7027).
قال البخاري: فهذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا يخالف بعضُها بعضًا، وليس منها متضاد، لأنها في مواطن مختلفة.
قال ثابت: عن أنس، ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء إلا في الاستسقاء. فأخبر أنسٌ بما كان عنده وما رأى من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا بمخالفٍ لرفع الأيدي في أول التكبيرة.
وقد ذكر أيضًا أنسٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفعُ يديه إذا كبَّر وإذا ركع. وقوله: «في الدعاء» سوى الصلاة وسوى رفع الأيدي في القنوت.
حدثنا محمد بن بشَّار، عن يحيى بن سعيد، عن حُميد، عن أنس: أنه كان يرفع يديه عند الركوع»
(1)
.
قلت: مقصود البخاري بهذا تبيين بطلان حديث: «لا تُرْفع الأيدي إلا في سبعة مواطن» ، وأنه قد جاء رفع الأيدي في غير هذه المواطن السبعة. وأحاديث رفع الأيدي في الدعاء كثيرة تبلغ أربعينَ حديثًا، جمعها شيخُنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح البعلي
(2)
في جزءٍ.
(1)
هنا انتهى النقل من كتاب رفع اليدين.
(2)
محمد بن أبي الفتح أبو عبد الله البعلي الحنبلي (645 - 709) صاحب كتاب «المطلع على أبواب المقنع» ، و «شرح الجرجانية». ترجمته في «معجم الشيوخ»:(896) للذهبي، و «الذيل على طبقات الحنابلة»:(4/ 372). وصحح الناسخ على «البعلي» في الأصل.
فصل
وأما ما احتجّوا به من حديث المسيّب بن واضح، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن أنس يرفعه:«من رفع يديه في التكبير فلا صلاة له»
(1)
.
فسوَّد اللهُ وجهَ واضعه الكذَّاب يوم يلقاه، وهو محمد بن عُكّاشة واضعه على المسيّب بن واضح
(2)
.
قال الدارقطني [ق 32]: كان يضع الحديث
(3)
.
وقال أبو زرعة: كان كذّابًا
(4)
.
وقال ابن معين وأبو حاتم الرازي: كان كذّابًا
(5)
.
وقال البخاري: منكر الحديث
(6)
.
وقال ابن عدي: يروي عن الأوزاعي أحاديث مناكير موضوعة
(7)
.
(1)
ذكره الحاكم في «المدخل إلى الإكليل» (48)، وعنه ابن الجوزي في «الموضوعات» (964)، وفي «التحقيق»:(1/ 334)
(2)
وقال المصنف نحوه في «المنار المنيف» (135).
(3)
«الضعفاء» (488).
(4)
«الجرح والتعديل» : (8/ 52).
(5)
نقله ابن الجوزي في «الضعفاء» : (3/ 40)، وابن حجر في «التهذيب»:(9/ 381).
(6)
«التاريخ الكبير» : (1/ 40).
(7)
«الكامل» : (6/ 167 - 169).
وقال ابن حبان
(1)
: يروي المقلوبات، لا يُكتب حديثه إلا للاعتبار.
قال أبو الفرج ابن الجوزي
(2)
: وقد غَلِط فيه ابن حبان فذكره في ترجمتين، فقال تارة: محمد بن إسحاق العكاشي من ولد عُكّاشة، يضع الحديث، وقال تارة: محمد بن مِحْصَن يضع الحديث. وهما واحد؛ لأنه محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عُكّاشة بن محصن، وهو يُنسب في أكثر الحديث إلى عُكّاشة.
قلت: ولهم آخر يقال له: محمد بن عُكّاشة، كوفيّ ضعَّفه الدارقطني
(3)
.
وأما الحديث الآخر عن المسيّب، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزُّهري، عن سعيد، عن أبي هريرة مرفوعًا:«من رفع يديه في الصلاة، فلا صلاة له»
(4)
.
فمِنْ وَضْع الدّجال الخبيث المأمون بن أحمد السلمي.
قال ابن حبان
(5)
: كان دجّالًا من الدجَّالين، ظاهر أحواله مذهب الكراميين، وباطنها لا يوقف على حقيقته، حدّث عمن لم يره.
(1)
«المجروحين» : (2/ 284).
(2)
«الضعفاء والمتروكون» : (3/ 86).
(3)
في «الضعفاء» (489). وهذه الترجمة بتمامها من «الضعفاء» : (3/ 40، 86) لابن الجوزي.
(4)
أخرجه ابن حبان في «المجروحين» : (3/ 46)، وابن الجوزي في «التحقيق»:(1/ 334)، و «الموضوعات» (963).
(5)
«المجروحين» : (3/ 45).
* وأما ما رووا عن عمر أنه قال: «رفع الأيدي في الصلاة بدعة»
(1)
، فمِنْ وَضْع بعض الغُلاة المنحرفين عن السنة، وكذلك المرويّ عن علي
(2)
. والصحيح عن عمر وعلي يكذّب الروايةَ عنهما بخلافه.
وكذلك ما رووه عن مجاهد أنه قال: صليت خلف ابن عمر سنتين فلم يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى
(3)
.
وقد تقدم من الروايات الصحيحة عن ابن عمر ما يشهد بكَذِبِ هذه الرواية، وأنها مُخْتَلقة موضوعة عليه.
* وأما حديث ابن عباس: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك»
(4)
، فلا يُعرف
(5)
له إسناد وهو موضوع بلا ريب.
* وأما ما رُوي عن ابن الزّبير: أنه رأى رجلًا يرفع يديه، فقال: هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه
(6)
. فلا يُعرف هذا ولا الذي قبله في شيء من كتب الحديث والآثار التي يُعتمد عليها.
(1)
ذكره ابن الجوزي في «التحقيق» : (1/ 334).
(2)
تقدم تخريجه (ص/86).
(3)
تقدم تخريجه (ص/88).
(4)
ذكره ابن الجوزي في «التحقيق» : (1/ 334).
(5)
الأصل وفرعه: «يُرفع» ولا معنى له، والصواب ما أثبت بدليل قول ابن الجوزي في «التحقيق» عقب إيراده مع أثر ابن الزبير:«لا يعرفان أصلًا .. » .
(6)
ذكره ابن الجوزي أيضًا (1/ 334).
ومثل هذا لا يجوز الاحتجاجُ به باتفاق أهل العلم، فضلًا عن أن تعارَض به الأحاديثُ الصحيحة الثابتة المستفيضة التي لا يمكن دفعُها، التي هي متواترة تواترًا خاصًّا عند أهل الحديث، يقطعون بها أعظم من قَطْع أتْباع الأئمة بما اشتهر من فتاوى أئمتهم بكثير؛ إذ توفُّر هِمم الصحابة والتابعين ومن بعدهم على نقلها وإظهارها وبثِّها في الأمة، وحرصهم على ذلك أعظم من توفّر هِمم أتْباع الأئمة على نقل فتاويهم وبثّها وإظهارها في الأمة، بما لا نسبةَ بينهما، فإذا جاز [ق 33] أن يقال: مذهب أبي حنيفة ترك رفع اليدين عند الركوع والرّفع منه، ومُستند هذه الإضافة نقل ثلاثة أو أربعة عنه، فلا يشكّ أصحابُه أنَّ هذا مذهبه وقوله، فكيف بالنقل المستفيض المتواتر عند أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالرفع؟ فأين النقلُ من النقل، والكثرةُ من الكثرة، والاستفاضةُ من الاستفاضة؟!
قال البخاري
(1)
: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وروايته عن أصحابه. يُروى عن سبعة عشر نفسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع
…
وعدَّهم.
ثم قال: وقال الحسن وحُمَيد بن هلال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم. فلم يستثن أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد، ولم يثبت عند أحدٍ من أهل العلم عن أحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه.
(1)
«رفع اليدين» (ص/20 - 33). باختصار وتصرف. وأول الكلام عنه هكذا: «ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله ومن فعل أصحابه وروايتهم كذلك .. » .
ويروى أيضًا عن عِدّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفنا. وكذلك رُوِّيناه عن عِدّة من علماء أهل مكة، وأهل الحجاز، وأهل العراق، وأهل الشام، والبصرة، واليمن، وعِدّة من أهل خُراسان.
وكذلك يروى عن أم الدرداء أنها كانت ترفع يديها.
ثم قال: وكان عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرونها حقًّا. وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم
(1)
.
قلت
(2)
: ومن المعلوم جواز إضافة القول بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، [وأنهم] يرون هذا، وأن يُقال: القولُ بالرفع في هذه المواضع هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فصل
* قالوا: وأما استدلالكم بما رواه مسلم في «صحيحه»
(3)
عن جابر ابن سَمُرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيلٍ شُمْس، اسكنوا في الصلاة» ، فمن جنس الاستدلال بقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء/77].
(1)
سبق نص البخاري بطوله (ص 29 - 30).
(2)
التعليق لابن القيم.
(3)
رقم (430).
فيا لله العجب! كيف ينكر عليهم رفع الأيدي عند الركوع والرفع منه
ــ بزعمكم ــ وهو يفعله دائمًا، وهم يشاهدونه ويأخذونه عنه، ويفعلونه في حياته وبعده، ويَحْصُب بعضُهم من لم يفعله، ويخبر عمر بن عبد العزيز: أنهم كانوا يؤدَّبون على تركه؟! وكيف لم يَنْتهوا عنه بعد هذا النهي؟! وكيف فهموا من هذا الترك الرفع عند الركوع والرفع منه، ولم يفهموا تركه عند الافتتاح؟!
أفترى إذا رُفِعت الأيدي عند الافتتاح لم تكن كأذناب الخيل؟! وإذا رُفِعت للركوع صارت حينئذٍ كأذناب الخيل فيتناولها النهي؟! إن هذا من عَجب
(1)
العَجَب!
وأعجبُ منه أن يكون قد نهاهم عنه وأمرهم بضده، ولم يثبت عن أحدٍ منهم أنه أطاع هذا الأمر وانتهى عما نهى عنه، إلا ما يُروى [ق 34] عن ابن مسعود وحده إن صح.
وأعجبُ منهما رواية الصحابة عنه صلى الله عليه وسلم الرفعَ الذي قد نهى عنه
ــ بزعمكم ــ وتبليغه للأمة وتعليمهم إياه وإشاعتهم له مع كونه منهيًّا عنه!
فليتأمل المُنصف ما تبلغ نُصرةُ أقوال الرجال والتعصّب للمذاهب بصاحبها، فنسأل الله التوفيق بمنّه وكرمه.
(1)
كذا في الأصل، ولعلها:«أعجب» .
قالوا
(1)
: ولا ندري أعَلِمَ صاحبُ هذا الاستدلال سبب الحديث، وأن القوم كانوا إذا سلَّموا من الصلاة رفع أحدُهم يدَه اليمنى مشيرًا بها إلى مَنْ عن يمينه، ثم رفع اليسرى مشيرًا بها إلى مَن عن شماله كذلك، فنُهوا عن ذلك وأُمِروا بالاقتصار على السلام، وقيل لهم: إنما يكفي أحدكم أن يسلّم على أخيه مِن عن يمينه وعن شماله: السلامُ عليكم ورحمة الله، السلامُ عليكم ورحمة الله، أم لم يعلم أن ذلك هو المنهيّ عنه؟
فإن كان لا يدري فتلك مصيبة
…
وإن كان يدري فالمصيبة أعظم
(2)
قال إمام السُّنة محمد بن إسماعيل البخاري
(3)
: «وأما احتجاج من لا يعلم بحديث وكيع، عن الأعمش، عن المسيّب بن رافع، عن تميم بن طَرَفَة، عن جابر بن سَمُرة، قال: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن رافعو
(4)
أيدينا في الصلاة فقال: «ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْس اسكنوا في الصلاة»
(5)
، فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام، كان يُسَلِّم بعضُهم على بعض، فنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رفع الأيدي في التشهد. ولا يحتجُّ بمثل هذا من له حظٌّ من العلم، هذا معروف مشهور لا اختلاف فيه.
(1)
أي القائلون بالرفع.
(2)
البيت نحوه في قصيدة لصفي الدين الحلي (750)«ديوانه» (ص 65 - صادر)، وضمَّنه المؤلف قصيدته الميمية في كتابه «طريق الهجرتين»:(1/ 112).
(3)
«رفع اليدين» (ص/90 - 95).
(4)
في كتاب البخاري وغيره «رافعي» .
(5)
تقدم تخريجه (ص 109) وهو عند مسلم.
ولو كان كما ذهب إليه، لكان رفع الأيدي في أول تكبيرة كذلك، وأيضًا تكبيرات صلاة العيد منهيٌّ عنها؛ لأنه لم يَسْتثن رفعًا دون رَفْع، وقد بيَّنه حديثٌ حدَّثناه أبو نعيم، قال: ثنا مِسْعر، عن عبيدالله
(1)
بن القِبْطِيَّة، قال: سمعت جابر بن سَمُرة يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم، السلام عليكم ــ وأشار مِسْعرٌ بيده ــ فقال: «ما بال هؤلاء يرفعون
(2)
أيديهم كأنها أذنابُ خَيلٍ شُمْس، إنما يكفي أحدهم أن يضع يده على فَخِذِه، ثم يسلِّم على أخيه مِنْ عن يمينه ومِنْ عن شماله».
فليحذر امرؤٌ أن يتأوَّل أن يقول
(3)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، قال الله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور/63]». انتهى كلام البخاري.
فصل
* وأما قولكم: إن أبا هريرة حافظ الأمة، كان لا يرفع يديه، وهو أعلمهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقال: من العجب العُجاب أن يكون أبو هريرة ــ لو صحّ عنه ما ذكرتم في هذا الموضع ــ حافظ الأمة وأعلمها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يُقدَّم
(1)
الأصل و (ف): «عبدالله» تحريف، والمثبت من كتاب البخاري ومصادر ترجمته. «التاريخ الكبير»:(5/ 396)، و «الجرح والتعديل»:(5/ 331).
(2)
«كتاب الرفع-ط» «يومِئون» ، و (ف، ومخطوطة الرفع) غير محررة.
(3)
«كتاب الرفع-مخ» (ق 13) كما هنا، وفي المطبوع:«أو يتقوّل» .
فعله على تلك الأحاديث الثابتة المستفيضة! وعلى فِعْل مَن ذكرنا فِعْله من الصحابة الذين هم أكثر منه عددًا، وأعظم منه قدرًا، وأعلم منه برسول الله صلى الله عليه وسلم [ق 35] وسنته، وهم الخلفاء الراشدون ومن ذُكِر معهم! ثم إذا روى حديثَ المُصرَّاة المخالف لقولكم، رُدّ حديثُه بأنه لم يكن من فقهاء الصحابة، ومستندُ الردِّ رواية أبي هريرة له؛ لأن الفقه لم يكن شأنه.
قال الشافعي
(1)
: «كلَّمْتُ محمد بن الحسن في مسألة المُصرَّاة،
(1)
لم أجده في «الأم» ولعله فيما ساقه البيهقي في «كتاب الخلافيات» من مناظرات الشافعي مع محمد بن الحسن كما أشار إليها ابن الملقن في «البدر المنير» : (3/ 503).
وللشافعي في الأم (3/ 213) مناظرة مع محمد بن الحسن فيها تثبيت رواية أبي هريرة والاحتجاج لها، نسوقها بنصها:«قال (محمد): فكيف تنقض الملك الصحيح؟ فقلت: نقضته بما لا ينبغي لي ولا لك ولا لمسلم عَلِمَه إلا أن ينقضه به. قال: وما هو؟ قلت: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أفرأيت إن لم أثبت لك الخبر. قلت: إذًا تصير إلى موضع الجهل أو المعاندة. قال: إنما رواه أبو هريرة وحده، فقلت: ما نعرف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية إلا عن أبي هريرة وحده، وإن في ذلك لكفاية تثبتُ بمثلها السنة. قال: أفتوجدنا أن الناس يثبتون لأبي هريرة رواية لم يروها غيره أو لغيره؟ قلت: نعم، قال: وأين هي؟ قلت: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» فأخذنا نحن وأنت به ولم يروه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم تثبت روايته غيره. قال: أجل ولكن الناس أجمعوا عليها. فقلت: فذلك أوجب للحجة عليك أن يجتمع الناس على حديث أبي هريرة وحده ولا يذهبون فيه إلى توهينه بأن الله عز وجل يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية، وقال:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} .
=
…
وقلت له: وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا» . فأخذنا بحديثه كله وأخذت بجملته فقلت: الكلب ينجس الماء القليل إذا ولغ فيه، ولم توهّنه بأن أبا قتادة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الهرّة أنها لا تنجّس الماء. ونحن وأنت نقول: لا تؤكل الهرة فتجعل الكلب قياسًا عليها فلا تنجس الماء بولوغ الكلب، ولم يروه إلا أبو هريرة. فقال: قبلنا هذا لأن الناس قبلوه. قلت: فإذا قبلوه في موضع ومواضع وجب عليك وعليهم قبول خبره في موضع غيره، وإلا فأنت تتحكم فتقبل ما شئت وترد ما شئت. قال: فقال: قد عرفنا أن أبا هريرة روى أشياء لم يروها غيره مما ذكرت وحديث المصرّاة وحديث الأجير وغيره أفتعلم غيره انفرد برواية؟ قلت: نعم أبو سعيد الخدري روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق
…
» انتهى الغرض منه.
فاحتججتُ عليه بالحديث، فقال: هذا حديثٌ رواه أبو هريرة، فكان الذي فرَّ إليه شرًّا مما فرّ منه».
هذا ولم يخالف أبا هريرة في هذا الحديث أحدٌ، ولا روى أحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافَ ما روى، فهلَّا كان هنا حافظ الأمة وأعلمها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم!! والله المستعان.
فصل
*وأما قولكم: إنَّ القياس يقتضي عدم الرفع؛ لأن الانتقال من القيام إلى الركوع نظير الانتقال من القيام إلى السجود، وكذلك الانتقال من السجود إلى القيام والقعود نظير الانتقال من الركوع
(1)
إلى القيام سواء،
(1)
(ف): «من القيام الركوع» خطأ.
فكما لا يُشْرع الرفع في هذا الانتقال، فكذا لا يُشرع في الانتقال الآخر.
قالوا: فهذا هو القياس والرأي الفاسد الذي أجمع السلفُ على ذَمِّه، وهو يتضمَّن الجمعَ بين ما فرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه، والتفريقَ بين ما جمع بينه، فإنَّ السنة قد فرَّقت بين الموضعين، فالرأي الذي يتضمن التسوية بينهما رأيٌ باطل وقياس فاسد لا يحلّ اعتباره، وهذا وأمثاله ممن يتناوله ما رواه البخاري في «صحيحه»
(1)
من حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا ينزعُ العلم بعد إذ أعطاهموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناسٌ جهَّال فيُسْتفتون فيفتون برأيهم فيَضلون ويُضِلون» .
(2)
. وفي رواية: «فأفتوا بغير علم»
(3)
.
وهو صريح في أن «الرأي» غيرُ علمٍ، ولاسيما رأيٌ يخالف ما جاء به
(1)
رقم (7372). وأخرجه مسلم أيضًا رقم (2673).
(2)
أخرجه ابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام» : (6/ 39). قال ابن حزم: «حدثنا حمام بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن مسلم نا أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينزع الله العلم من
…
» باللفظ الذي ساقه المؤلف. وذكره المؤلف بلفظه في كتابه «إعلام الموقعين» : (2/ 95).
(3)
عند البخاري (100)، ومسلم الموضع السالف.
رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلم.
وروى عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري، ثنا عبد الأعلى، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فليتبوَّأ مقعدَه من النار»
(1)
.
وقال عَبْدُ بن حُميد: ثنا أبو أسامة، عن نافع بن عمر الجُمَحي، عن بن أبي مُليكة، قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «أيّ أرضٍ تُقِلّني وأيُّ سماءٍ تُظِلّني إن قلتُ في آيةٍ من كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم»
(2)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (2)، والترمذي (2950) وحسنه، وأبو داود - كما في «تحفة الأشراف»:(4/ 423) للمزي ــ وهذا الحديث ليس في مطبوعة السنن التي بأيدينا، لأنها من رواية اللؤلؤي، وهذا الحديث وقع في رواية ابن العبد، كما نبه الحافظ العراقي في «المغني عن حمل الأسفار»:(1/ 39). وأخرجه النسائي في الكبرى (8030)، وابن جرير:(1/ 72)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 38).
(2)
أخرجه من هذه الطريق ابن حزم في «الإحكام» : (6/ 41). وأخرجه من طريق ابن أبي مليكة سعيد بن منصور: (1/ 168)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن» (792). وابن أبي مليكة لم يسمع من أبي بكر رضي الله عنه. وجاء من طرق أخرى عن أبي بكر ولا تخلو من مقال.
تنبيه: هكذا ساق المصنف هذا الأثر، وكذلك فعل في «إعلام الموقعين»:(2/ 99 - 100) وغيره من كتبه، لكن لفظه في المصادر السالفة:« .. من كتاب الله بغير ما أراد الله» فلعله انتقال نظر من المؤلف عند النقل من كتاب ابن حزم، إذ ساقه بإسناده إلى ابن أبي مليكة قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد.
ثم ساق بإسناده إلى أبي معمر عن أبي بكر الصديق قال: أية أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم.
وذكر أبو عمر بن عبد البر
(1)
من حديث حمَّاد بن زيد، عن سعيد ابن أبي صدقة، عن ابن سيرين قال: لم يكن أحدٌ
(2)
أهْيَب لما لا يعلم من أبي بكر الصديق [ق 36]، ولم يكن أحدٌ بعد أبي بكر أَهْيَب لما لا يعلم من عمر، وأن أبا بكر نزلت به قضية، فلم يجد في كتاب الله تعالى منها أصلًا، ولا في السنة أثرًا، فاجتهد رأيه، ثم قال:«هذا رأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني، وأستغفر الله» .
قالوا: فهذا رأي صدِّيقيّ لم يخالف أثرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يجوّز أن يكون خطأً، يُستغفرَ منه، فكيف برأيٍ غير صدِّيقيّ يخالف الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟!
(3)
.
(1)
في «جامع بيان العلم وفضله» : (2/ 830).
(2)
بعده في «الجامع» : «بعد النبي صلى الله عليه وسلم» . وليست في الأصل ولا فيما نقله المصنف في «إعلام الموقعين» : (2/ 101).
(3)
رواه أحمد في «فضائل الصحابة» (558)، والطبراني في «الكبير»:(1/ 72)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 46)، والبيهقي في «المدخل» (217).
وقال ابنُ وهب: ثنا يونس بن يزيد، عن الزهري: أن عمر بن الخطاب قال ــ وهو على المنبر ــ: «يا أيها الناس إنما كان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبًا؛ لأن الله عز وجل كان يُرِيه، وإنما هو مِنّا الظنُّ والتكلّف»
(1)
.
وذكر أبو عمر بن عبدالبر
(2)
من حديث عَمرو بن حُريث، قال: قال عمر بن الخطاب: إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السّنن، أعْيتهم الأحاديثُ أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضلّوا وأضَلّوا.
وقال محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمر بن الخطاب: أصبح أصحاب الرأي أعداء السنن، أعْيتهم أن يعوها، وتفَلّتت أن يرووها فاشتقُّوها
(3)
بالرأي
(4)
.
وقال مسروق: كتبَ كاتبٌ لعمر بن الخطاب: هذا ما أرى اللهُ عمرَ، فقال: بئس ما قلت، قل: هذا ما رأى عمر. وفي رواية: هذا ما رأى اللهُ ورأى عمرُ، فقال: بئس ما قلت، إن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر
(5)
.
(1)
أخرجه ابن عبدالبر في «الجامع» : (2/ 1041)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 42).
(2)
«الجامع» : (2/ 1042)، وأخرجه ابن حزم في «الإحكام»:(6/ 42).
(3)
كذا بالأصل وبعض نسخ «الجامع» ، وفي «الجامع» و «إعلام الموقعين»:(2/ 102): «فاستبقوها» . وفي «الإحكام» : «فاستقوها» .
(4)
«الجامع» : (2/ 1042)، وأخرجه ابن حزم في «الإحكام»:(6/ 43).
(5)
رواه البيهقي في «الكبرى» : (10/ 116)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 48). قال الحافظ في «التلخيص» : (4/ 214): إسناده صحيح.
وقال ابن وهب: أخبرني ابنُ لهيعة، عن عبد الله
(1)
بن أبي جعفر قال: قال عمر بن الخطاب: السُّنة ما سَنَّه اللهُ ورسولُه، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة
(2)
.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة
(3)
من حديث رفاعة بن رافع قال: بينا أنا عند عمر بن الخطاب، إذ دخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هذا زيد ابن ثابت يفتي الناسَ في المسجد برأيه في الغسل من الجنابة، فقال عمر: علَيَّ به، فجاء زيد، فلما رآه عمر قال: أي عُدَيّ
(4)
نفسِه! قد بلغتَ أن تفتي الناسَ برأيك؟ قال: يا أمير المؤمنين، والله ما فعلت، ولكن سمعت من أعمامي حديثًا حدَّثتُ به؛ من أبي أيوب، ومن أُبيّ بن كعب، ومن رِفاعة بن رافع. فأقبل عمر على رِفاعة بن رافع، فقال: وقد كنتم تفعلون ذلك إذا أصابَ أحدُكم من المرأة فأكْسَل لم يغتسل؟ قال: قد كنا نفعل ذلك في عهد رسول [ق 37] الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأتنا فيه من الله تحريم، ولم يكن فيه من النبي صلى الله عليه وسلم نَهْي، فقال عمر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك؟ قال: لا أدري، فأمر عمر بالمهاجرين والأنصار فجُمِعوا له فشاورهم، فأشار الناس أنْ لا غُسل
(1)
كذا في الأصل و «إعلام الموقعين» : (2/ 101)، والصحيح «عبيدالله» كما في «الجامع» ، ومصادر ترجمته، انظر «الجرح والتعديل»:(5/ 310)، و «تهذيب الكمال»:(5/ 30).
(2)
أخرجه ابن عبد البر في «الجامع» : (2/ 1047)، ومن طريقه ابن حزم في «الإحكام»:(6/ 51). وقال المصنف في «الإعلام» عن هذه الآثار: «وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة» .
(3)
رقم (952). وأخرجه أحمد (21096)، والطبراني في «الكبير»:(5/ 34 - 35).
(4)
كذا في الأصل مصغرًا.
إلا ما كان من معاذٍ وعليٍّ، فإنهما قالا: إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجبَ الغُسْل، فقال عمر: هذا وأنتم أصحاب بدر قد اختلفتم فمن بعدكم أشد اختلافًا، فقال علي: يا أمير المؤمنين، إنه ليس أحد أعلم بهذا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه، فأرسل إلى حفصة، فقالت: لا عِلم لي بهذا، فأرسل إلى عائشة، فقالت: إذا جاوز
(1)
الختانُ الختانَ فقد وجب الغُسْل، فقال عمر: لا أسمع برجل فعل ذلك إلا أوجعته ضربًا.
وقال حمّاد بن سَلَمة، عن حُميد، عن أبي رجاء العُطاردي، أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: من كان عنده عِلم فليعلّمه الناس، وإن لم يعلم فلا يقولنّ ما ليس له به علم، فيكون من المُتكلّفين ويمرق من الدّين
(2)
.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان الدّين بالرأي لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه
(3)
.
وقال البخاري
(4)
: ثنا موسى بن إسماعيل، أنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: قال سهل بن حُنيف: أيها الناس، اتهموا رأيكم على دينكم، لقد
(1)
الأصل وفرعه: «وجب» ، والمثبت من «المصنف» وغيره.
(2)
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» : (4/ 102)، والدارمي في «السنن» (180). وفي سنده انقطاع.
(3)
أخرجه أبو داود (162)، وأحمد (737)، وابن أبي شيبة (1907)، وغيرهم. وقال الحافظ في «التلخيص»:(1/ 169): «إسناده صحيح» .
(4)
«الصحيح» (7308)، وأخرجه مسلم (1785).
رأيتُني يومَ أبي جندل، ولو أستطيع أن أردّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته.
وقال ابن وهب: حدثني بِشْر بن بكر، عن الأوزاعي، عن عَبْدة بن أبي لُبابة، عن ابن عباس قال: من أحْدَث رأيًا ليس في كتاب الله، ولم تمضِ به سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدرِ على ما هو منه إذا لقي الله عز وجل
(1)
.
وقد سئل ابنُ مسعود عن المُفوِّضة شهرًا يُخْتَلَفُ فيها إليه، فقال بعد ذلك: سأقول
(2)
فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله وحده، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريء
(3)
.
فلم يجزم برأيه أنه صواب يجب اتباعه، فضلًا عن أن يقدم على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل جوَّز أن يكون خطأً، والله بريء منه ورسوله، هذا وهو رأي حَبْر الأمة وعالمها.
وقال يحيى بن سعيد: ثنا مُجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قال ابن مسعود: يذهب العلماء ويبقى قوم يفتون برأيهم
(4)
.
وذكر حماد بن سلمة، عن أيوب السّخْتياني، عن أبي قلابة، عن يزيد
(1)
رواه ابن وضَّاح في «البدع والنهي عنها» (ص/45)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 46)، والدارمي (160)، والبيهقي في «المدخل» (190).
(2)
(ف): «ذلك أن أقول» .
(3)
أخرجه أحمد (4276)، وأبو داود (2116)، وغيرهما. وصححه المصنف في «الإعلام»:(2/ 107). وصحح على «بريء» في الأصل.
(4)
أخرجه بلفظه ابن حزم في «الإحكام» : (6/ 49)، وبنحوه ابن عبدالبر في «الجامع»:(2/ 1044).
ابن عَميرة
(1)
، عن معاذ بن جبل قال: تكون فتنٌ يكثر فيها المال ويُفتح فيها القرآن، حتى يقرأه الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والمؤمن والمنافق، فيقرؤه [ق 38] الرجل فلا يُتَّبع، فيقول: والله لأقرأنَّه علانيةً، فيقرؤه علانية فلا يُتّبع، فيتخذ مسجدًا أو يبتدع كلامًا ليس في كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإياكم وإياه فإنه بدعة وضلالة. قاله معاذ ثلاث مرات
(2)
.
وما أحسن ما قال سفيان بن عيينة: اجتهاد الرأي مشاورة أهل العلم، لا أن يقول برأيه. حكاه إسحاقُ بن راهويه عنه
(3)
.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الناس: إنه لا رأي لأحد مع سُنةٍ سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
وقال ابن وضَّاح: ثنا يوسف بن عدي، ثنا عَبيدة
(5)
بن حميد، عن عطاء بن السائب قال: قال الربيع بن خُثَيم: إياكم أن يقول الرجل لشيء: إن الله حرم هذا، أو نهى عنه، فيقول الله عز وجل: كذبت لم أحرّمه، ولم أنْه
(1)
الأصل وفرعه: «عمير» . والتصويب من مصادر الترجمة، انظر «التاريخ الكبير»:(8/ 350)، و «تهذيب الكمال»:(8/ 144).
(2)
أخرجه أبو داود (4611)، والدارمي في «السنن» (205)، وابن وضَّاح:(ص/33)، واللالكائي:(117). من طرق عن معاذ، بألفاظ مختلفة.
(3)
أخرجه ابن حزم في «الإحكام» : (6/ 36).
(4)
أخرجه الدارمي (446)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه»:(556)، وابن عبدالبر في «الجامع»:(1/ 781)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 53).
(5)
الأصل وفرعه: «عبد» والتصحيح من مصادر الترجمة، انظر «تهذيب الكمال»:(5/ 85) وفروعه.
عنه، أو يقول: إن الله عز وجل أحل هذا أو أمر به
(1)
، فيقول الله عز وجل: كذبتَ لم أحلّه ولم آمر به
(2)
.
وقال أبو نضرة: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول للحسن البصري: بلغني أنك تفتي برأيك، فلا تُفْتِ إلا أن تكون سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتابًا منزّلًا
(3)
.
وقال شقيق بن سلمة: إياك ومجالسة من يقول: أرأيت أرأيت
(4)
.
وقال الزهري: دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي
(5)
.
وقال عروة بن الزبير: ما زال أمر بني إسرائيل معتدلًا، حتى نشأ فيهم المولّدون أبناء سبايا الأمم، فأخذوا فيهم بالرأي فأضلوهم
(6)
.
ورواه ابن ماجه في كتاب «السنن»
(7)
مرفوعًا فقال: ثنا سويد بن
(1)
في الأصلين: «أو نهى عنه
…
ولم أنه عنه»، والمثبت من مصادر الخبر و «إعلام الموقعين» .
(2)
أخرجه من هذا الطريق ابن عبدالبر في «الجامع» : (2/ 1075)، ومن طريقه ابن حزم في «الإحكام»:(6/ 53).
(3)
أخرجه الدارمي (165)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 54).
(4)
أخرجه البخاري في «الأوسط» : (3/ 44)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 55).
(5)
أخرجه ابن حزم في «الإحكام» : (6/ 55).
(6)
أخرجه الدارمي (122)، والبيهقي في «المدخل» (222)، وابن عبدالبر في «الجامع»:(2/ 1047)، وابن حزم في «الإحكام»:(6/ 55).
(7)
رقم (56). قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» : (1/ 50): «هذا إسناد ضعيف لضعف ابن أبي الرجال واسمه حارثة بن محمد بن عبد الرحمن» . وأخرجه البزار (6/ 402)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة»:(3/ 198)، قال الهيثمي في «المجمع»:(1/ 432): «رواه البزار وفيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري
…
=
=
…
وضعفه جماعة. وقال ابن القطان: هذا إسناد حسن».وأخرجه ابن أبي شيبة (38747) من طريق وكيع موقوفًا على ابن عمرو.
سعيد، ثنا ابن أبي الرِّجال، عن الأوزاعي، عن عَبْدة بن أبي لبابة، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلًا حتى نشأ فيهم المولّدون، وأبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا» .
ورواه محمد بن إسحاق الصغاني، عن المُسَيَّبي، عن عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما هلكت بنو إسرائيل حتى كثر فيهم المولَّدون أبناء سبايا الأمم، فأخذوا في دينهم بالمقاييس فهلكوا وأهلكوا»
(1)
.
وذكر ابن وهب، عن ابن شهاب أنه ذكر ما وقع الناسُ فيه من الرأي، وتركهم السنن، فقال: إن اليهود والنصارى إنما انسلخوا من العلم الذي بأيديهم، حين
(2)
اشتقّوا الرأي وأخذوا فيه
(3)
.
وقال الأوزاعي: عليك بآثار من مضى وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول
(4)
.
(1)
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (474).
(2)
الأصل و (ف): «حتى» والتصحيح من مصادر الأثر. وفي «الإعلام» : «حين اتبعوا» .
(3)
ذكره ابن عبدالبر في «الجامع» : (2/ 1051). وفيه: «استبقوا الرأي» .
(4)
أخرجه ابن عبدالبر في «الجامع» : (2/ 1071)، وعنه ابن حزم في «الإحكام»:(6/ 52 - 53). والآجري في «الشريعة» : (127)، والبيهقي في «المدخل»:(233).
وقال ابن أبي عمران شيخُ الطحاوي وأستاذُه، عن أبي يوسف والحسن [ق 39] بن زياد قالا: قال أبو حنيفة: عِلْمُنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه منه
(1)
.
وذكر أبو عمر بن عبدالبر
(2)
عن معن بن عيسى قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلما وافق القرآن والسنة فخذوا به، وما لم يوافق [الكتاب و] السنة فاتركوه.
ولقد أصاب القائل بأنا نناشدهم الله واحدًا واحدًا، هل يفعلون هكذا؟ فوالله لئن قالوا: نعم؛ ليعلمنَّ اللهُ تعالى وأنفسُهم أنهم كاذبون، وإن قالوا: لا، أو سكتوا؛ فقد خالفوا ما يدّعون اتباعَه، وبالله التوفيق.
وقال القعنبي: دخلتُ على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه فسلّمت ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت: يا أبا عبد الله، ما الذي يُبْكيك؟ فقال لي: يا ابن قَعْنب، وما لي لا أبكي ومن أحقّ بالبكاء منّي! والله لوَدِدت أني ضُرِبْتُ بكلّ مسألة أفتيتُ فيها برأيي سوطًا سوطًا، وقد كانت لي سَعَة فيما سُبِقْت إليه وليتني لم أُفْتِ بالرأي
(3)
.
(1)
ذكره ابن عبدالبر في «الانتقاء» (257 - 258) بنحوه. ونقله المصنف في «الإعلام» : (2/ 143).
(2)
«الجامع» : (1/ 775). وما بين المعكوفين منه.
(3)
رواه ابن حزم في «الإحكام» : (6/ 57) بلفظه، وابن عبدالبر في «الجامع»:(2/ 1072).
وذكر أبو عمر
(1)
عن محمد بن خليفة، عن الآجُرِّي، عن أبي بكر بن أبي داود، عن أحمد بن سنان قال: سمعت الشافعي يقول: مَثَلُ الذي ينظر في الرأي ثم يتوب، كَمَثَل المجنون الذي عولج حتى برئ، فأعْقَلُ ما يكون قد هاج به.
وقال الإمام أحمد: لا تكاد ترى أحدًا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دَغَل
(2)
.
وذكر أبو عمربن عبدالبر
(3)
، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن أبي علي الأسيوطي، عن محمد بن جعفر الأنباري
(4)
، عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه:
دينُ النبيّ محمدٍ أخبارُ
…
نِعْم المَطيّة للفتى الآثارُ
لا ترغبنّ عن الحديثِ وأهلِه
…
فالرأي ليلٌ والحديث نهارُ
ولربما جَهِل الفتى طرق الهدى
…
والشمسُ طالعة لها أنوارُ
(1)
في «الجامع» : (2/ 1053)، وعنه ابن حزم في «الإحكام»:(6/ 53) وفيه: فإغفل.
(2)
رواه ابن عبدالبر في «الجامع» : (2/ 1054). عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه، ورواه ابن حزم في «الإحكام»:(6/ 53) من طريق ابن عبدالبر لكن جعله عن أبي داود السجستاني عن الإمام أحمد. وصحح إسناده ابن حجر في «النكت» : (1/ 437). والدغل: الفساد.
(3)
في «الجامع» : (1/ 782). وذكر الأبيات اللالكائي في «شرح الاعتقاد» (1/ 149)، والهروي في «ذم الكلام»:(2/ 274)، والخطيب في «شرف أهل الحديث» (76) ونُسِبت في كل مصدر إلى قائل.
(4)
في «الجامع» : «الإخباري» .
دع عنك آراءَ الرجال فما لها
…
حدٌّ تحيطُ به ولا مِقدارُ
وهذا البيت الأخير لغير أحمد من المتأخرين.
وذكر عبد الله بن المبارك، ثنا عيسى بن يونس بن
(1)
أبي إسحاق السبيعي، عن حَريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفَير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفرّقت أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمُها فتنةً على أمتي: قومٌ يقيسون الأمور برأيهم فيُحِلُّون الحرام ويحرِّمون الحلال»
(2)
.
(1)
الأصل و (ف): «عن» خطأ والتصحيح من مصادر الخبر.
(2)
أخرجه من رواية نعيم بن حماد عن ابن المبارك به ابن عبدالبر في «الجامع» (2/ 1038)، وابن حزم في «المحلى»:(1/ 62) و «الإحكام» : (8/ 25). وعامة من أخرجه يروونه عن نعيم عن عيسى بن يونس به، أخرجه البزار (7/ 2390)، والطبراني في «الكبير»:(18/ 50)، وابن عدي:(1/ 185)، والحاكم:(3/ 631، 4/ 477)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (473)، وابن عبدالبر:(2/ 891).
قال أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» : (1/ 622): «قلت لابن معين في حديث نعيم هذا، فأنكره. قلت: من أين يُؤتى؟ قال: شُبِّه له» .
قال الخطيب في «تاريخه» : (13/ 307 - 308): «وقال محمد بن علي بن حمزة: سألت يحيى بن معين عن هذا، فقال: ليس له أصل، ونعيم ثقة، قلت: كيف يحدث ثقة بباطل؟ قال: شُبِّه له.
قال الخطيب: وافق نعيمًا عليه عبدُ الله بن جعفر الرقي، وسويد بن سعيد، ويروى عن عمرو بن عيسى بن يونس، كلهم عن عيسى».
وقال ابن عدي في «الكامل» : (3/ 429) في حديث سويد: «إنما يعرف هذا بنعيم، وتكلم الناس فيه من أجله، ثم رواه رجل خراساني يقال له: الحكم بن المبارك
…
=
=
…
أبو صالح الخواستي، ويقال: إنه لا بأس به، ثم سرقه قوم ضعفاء يعرفون بسرقة الحديث، منهم عبد الوهاب بن الضحاك، والنضر بن طاهر، وثالثهم سويد».
وذكر الخطيب جماعةً رووه عن عيسى بن يونس لكن قال ابن عدي إنهم سرقوه من نعيم.
وبنحو ذلك قال البزار والبيهقي وابن عبدالبر وغيرهم. ومع ذلك فقد صححه الحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه! وانظر «تهذيب الكمال» : (7/ 351 - 352)، و «السير»:(10/ 600 - 602)، و «التنكيل»:(1/ 496 - 497).
وقال ابن وهب: بلغني عن ابن مسعود أنه قال: ليس عام إلا والذي بعده شرٌّ منه، لا أقول: عام أَمْطر من عام، ولا عام أَخْصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم، ثم يحدث قومٌ يقيسون الأمور برأيهم، فيُهْدَم الإسلامُ وينثلم
(1)
.
[ق 40] وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، عن مجاهد قال: نهى عمر بن الخطاب عن المكايلة. قال مجاهد: هي المقايسة
(2)
.
(1)
أخرجه الدارمي (194)، وابن وضاح في «البدع والنهي عنها» (ص 40)، والطبراني في «الكبير»:(9/ 105)، والبيهقي في «المدخل» (205)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (483)، وابن عبدالبر في «الجامع»:(2/ 1044). من طريق مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود بمثله. قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»:(13/ 20): «أخرجه الطبراني بسند جيد» . لكن فيه مجالد بن سعيد فيه ضعف وقد تغير بأخرة، وله شواهد ذكرها السخاوي في «المقاصد الحسنة» (324).
(2)
أخرجه من طريق ابن أبي شيبة الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (481). وأخرجه الدارمي (203)، وزهير بن حرب في «العلم» (65)، والبيهقي في «المدخل» (211). وفي إسناده ليث بن أبي سُليم ضعيف.
وقال سعيد بن منصور: ثنا سفيان ــ هو ابن عُيينة ــ عن مُجالِد، عن مسروق
(1)
قال: قال عبد الله بن مسعود: إياكم وأرأيتَ أرأيتَ، و
(2)
إنما هلك من قبلكم بأرأيت وأرأيت، ولا تقيسوا شيئًا فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها، وإذا سُئل أحدُكم عما لا يعلم فليقل: لا أعلم، فإنه ثلث العلم
(3)
.
وذكر البخاريّ
(4)
عن جابر بن زيد قال: لقيني ابن عمر، فقال: يا جابر، إنك من فقهاء البصرة تُسْتفتى فلا تُفْتِ إلا بكتابٍ ناطق أو سنةٍ ماضية.
وذكر مالكٌ، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: العلم ثلاثة
(5)
: كتاب الله الناطق، وسنة ماضية، ولا أدري
(6)
.
(1)
كذا وقع الإسناد في الأصل وفرعه، وهذا إنما هو سند الحديث السالف «ليس عام .. » فلعله انتقال نظر من الناسخ وإسناده كما في الطبراني «
…
سعيد بن منصور ثنا خلف بن خليفة ثنا أبو يزيد عن الشعبي عن ابن مسعود».
(2)
صحح عليها في الأصل.
(3)
أخرجه من هذا الطريق الطبراني في «الكبير» : (9/ 105)، قال الهيثمي في «المجمع»:(1/ 432): الشعبي لم يسمع من ابن مسعود، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف.
(4)
في «التاريخ الكبير» : (2/ 204).
(5)
الأصل: «ثلاث» والتصويب من المصادر.
(6)
أخرجه البسوي في «المعرفة» : (3/ 392)، والطبراني في «الأوسط» (1005)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1111)، وابن حزم في «الإحكام»:(8/ 29 - 30)، ومن طريقه الحميدي في «جذوة المقتبس» (ص 230) كلهم من طريق عمر بن عصام عن مالك به. ووقع عند الطبراني «عمر بن حصين» تحريف. و طاهر (كذا وصوابه: عمر) بن عصام ذكره ابن أبي حاتم: (6/ 128) ولم يذكر فيه شيئًا. لكن في إسناد ابن حزم توثيق لعمر من أحد رجال الإسناد وهذا سياقه: «
…
حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال:
…
=
=
…
نا عمر بن عصام ــ قال طاهر: وكان ثقة ــ عن مالك». وطاهر هو: ابن عبد العزيز الرعيني أبو الحسن، محدث من أهل قرطبة (ت 304). ترجمته في «الجذوة». ورواه عن مالك أحمدُ بن إسماعيل السهمي عند ابن عدي:(1/ 176) وهو يحدث عن مالك بالبواطيل وعُدَّ هذا من منكراته.
وذكر ابنُ وهب عن مَسْلمة بن عُلَيّ: أن شُريحًا القاضي قال: السنة سبقت قياسَكم
(1)
.
وذكر ابن عبدالبر
(2)
، عن الشعبي، عن مسروق قال: لا أقيس شيئًا بشيء، قلت: لِمَهْ؟ قال: أخاف أن تزلّ رجلي. وفي رواية عنه: إني أخاف أن تزلّ قدمي بعد ثبوتها
(3)
.
وذكر أبو عمر
(4)
أيضًا عن الشعبي: إيَّاكم والمقايسة، فوالذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة، لتحلّنّ الحرام ولتحرّمنّ الحلال، ولكن ما بلغكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحفظوه.
(1)
أخرجه ابن حزم في «الإحكام» : (8/ 32) من هذه الطريق، وفيه مسلمة بن عُلَي متروك الحديث. وأخرجه الدارمي (204)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه»:(23/ 39) ضمن قصة. وفي إسناده أبو بكر الهذلي متروك. وذكره ابن عبدالبر في «الجامع» : (2/ 1050) دون إسناد.
(2)
«الجامع» : (2/ 1048). وعنه ابن حزم في «الإحكام» : (8/ 32). وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (489).
(3)
«الجامع» : (2/ 893).
(4)
«الجامع» : (2/ 1047)، وعنه ابن حزم في «الإحكام»:(8/ 32 - 33). وأخرجه الدارمي (110)، بنحوه، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (497) ببعضه. وفيه عيسى الحناط متروك.
وذكر سعيدُ بن منصور، عن الشعبي: السنة لم توضع بالقياس
(1)
.
وقال يحيى بن سعيد القطان: ثنا [صالح]
(2)
بن مسلم قال: قال لي الشعبي: إنما هلكتم حين تركتم الآثار، وأخذتم بالمقاييس، لقد بَغّض إليّ هذا المسجد ــ فلهو أبغض إليّ من كُناسة أهلي ــ هؤلاء الصَّعافقة
(3)
.
قال بعض أهل العلم: «الصعافقة» الذين يتخذون تجارةً غير محمودة، ويقحمون في المضايق بلا رَوِيّة
(4)
.
وقال عطاء وغيره في قوله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}
(5)
[النساء/59]: إلى كتاب الله وسنة رسوله
(6)
.
وقال ميمون بن مِهران: يُرَدُّ إلى الرسول ما دام حيًّا، فإذا قُبِض فإلى
(1)
أخرجه البيهقي في «المدخل» (227)، وابن حزم في «المحلى»:(1/ 89)، و «الإحكام»:(8/ 33).
(2)
الأصل وفرعه: «محمد» والتصويب من مصادر الأثر.
(3)
أخرجه من هذا الطريق البيهقي في «المدخل» (228، 215)، ومن طرق أخرى الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (499، 500)، وابن سعد في «الطبقات»:(8/ 369 - 370).
(4)
قال ابن الأثير في «النهاية» : (3/ 57): «هم الذين يدخلون في السوق بلا رأس مال، فإذا اشترى التاجر شيئًا دخل معه فيه. واحدهم صعفق
…
أراد أن هؤلاء لا علم عندهم، فهم بمنزلة التجار الذين ليس لهم رأس مال».
(5)
الآية في الأصل إلى قوله: (واليوم) وعليها علامة التصحيح، وأكملها في (ف).
(6)
أخرجه الطبري: (7/ 175). وابن عبد البر في «الجامع» : (1/ 765).
سنته
(1)
.
وذكر أبو زرعة الدمشقي
(2)
، ثنا يزيد بن عبدربه قال: سمعت وكيع ابن الجرَّاح يقول ليحيى بن صالح الوُحاظي: احذر الرأي، فإني سمعتُ أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم.
وذكر الطحاوي، ثنا الحسن بن غُلَيب، ثنا عمران بن أبي عِمران، ثنا يحيى بن سُلَيم
(3)
الطائفي، حدثني داود بن أبي هند قال: سمعت محمد ابن سيرين يقول: القياس شؤم، وأول من قاس إبليس، وإنما عُبِدت الشمسُ والقمر بالقياس
(4)
.
قالوا: والآثار في هذا أضعاف [ق 41] أضعاف
(5)
ما ذكرناه، ولا ريب أن هذا الذمّ يتناول القياس الباطل المتضمّن خلاف السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يقدمه أصحابه عليها ويردونها به.
قالوا: ولا ريبَ أن السنة الصحيحة الصريحة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرفع في موضع، وتركه في موضع، والقياس الصحيح إنما يكون على
(1)
أخرجه الطبري: (7/ 186). وابن عبد البر في «الجامع» : (1/ 766).
(2)
في «تاريخه» : (1/ 507). ومن طريقه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (560)، وابن حزم في «الإحكام»:(8/ 35 - 36).
(3)
الأصل وفرعه: «سلمان» والمثبت من مصادر الأثر.
(4)
أخرجه من هذا الطريق ابن حزم في «الإحكام» : (8/ 32). ومن طرق أخرى الدارمي (195)، وابن جرير:(8/ 131)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (506).
(5)
صحح عليها في الأصل، وسقطت من (ف).
أصل ثابتٍ بالسنة، فإذا تضمّن القياس مخالفة ما ثبت بالسنة كان باطلًا في نفسه فكيف يُقدّم على السنة؟!
قالوا: وأين في القياس الذي ذكرتموه أيضًا اختصاص الرفع بالتكبيرة الأولى دون سائر الانتقالات، وما للقياس وهذا التخصيص؟ ولو قال لكم قائل: أول الركعة كآخرها، ولهذا يبتدئها بالتكبير ويختمها بالتكبير، فكما لا يسوغ الرفع بعد انتهاء الركعة لا
(1)
يسوغ في ابتدائها.
وأيضًا الدخول في الصلاة أحد طرفيها، فلا يسوغ فيه رفع اليدين كطرف الخروج منها. أكنتم تقبلون هذا القياس مع أنه من جنس قياسكم لا فرق بينهما؟ وإن رددتموه لمخالفته السنة الصريحة، لزمكم ردّ ما ذكرتموه من القياس لأجل مخالفة السنة الصحيحة
(2)
الصريحة، ولا فرق بينهما ألبتة، وبالله التوفيق.
فصل
* قالوا: وأما قولكم: إن أفعال الصلاة معقولة المعنى ظاهرة العبودية، وأيُّ معنى في رفع اليدين؟ وأي خضوع واستكانة فيه؟ فما أشبه حال فاعله بحال من يريد الطيران!
فهذا من الكلام الباطل الذي تُصان عنه وعن أمثاله سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُعارَضَ به، وأن تُضْرَب لها به الأمثال، وهل هذا إلا اعتراضٌ مَحْضٌ
(1)
(ف): «كذلك لا
…
».
(2)
سقطت من (ف).
على السنة ودَفْع لها بالرَّاح؟
ثم نقول: فإذا كان الأمر كما زعمتم، فِلمَ رفعتم أيديكم في أول الصلاة؟ وهلّا حكمتم بترك الرفع في هذا المحل لِمَا ذكرتموه؟ وإن كان الرافع يشبه من يريد أن يطير، فلِمَ سوَّغتم له أن يطير في أول الصلاة ولم تسوّغوا له الطيران عند الركوع والرفع منه؟!
وبهذا أجابَ عبد الله بن المبارك لأبي حنيفة ــ رحمهما الله ــ حين صلى إلى جانبه، فرفع يديه عند الركوع والرفع منه، فلمَّا سلَّم قال له أبو حنيفة: أتريد أن تطير؟ فقال عبد الله: لو أردت أن أطير لطرت أول مرة!
(1)
قالوا: والرفع هو من زينة الصلاة ومحاسنها، وله بكل إشارة عشر حسنات.
قال عقبة بن عامر: له بكل إشارة عشر حسنات، ذكره الإمام أحمد عنه
(2)
.
وقال عبد الله بن عمر: لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع الأيدي عند الافتتاح، وحين يريد أن يركع، وحين يريد أن يرفع
(3)
.
وقال [ق 42] الشافعي وقد سُئل عن معنى رفع اليدين في الصلاة، فقال:
(1)
أخرجه الكوسج عن إسحاق بن راهويه في «مسائله» : (9/ 4844)، والبيهقي في «الكبرى»:(2/ 82)، وابن عبدالبر في «التمهيد»:(9/ 229)، والبخاري في كتاب «الرفع» (ص 107) معلقًا.
(2)
تقدم (ص/31).
(3)
تقدم (ص/31).
هو تعظيم لأمر الله وزينة للصلاة واتباع للسنة
(1)
.
وقال ابن عبدالبر
(2)
: معنى رفع اليدين في الافتتاح وغيره: خضوع واستكانة، وابتهال وتعظيم لله عز وجل، واتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال بعض العلماء: إنه من زينة الصلاة.
ذكر ابن وهب قال: أخبرني عياض بن عبد الله الفهري، أن عبد الله بن عمر كان يقول: لكل شيء زينة، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها
(3)
.
وعن ابن لهيعة، عن ابن عجلان، عن النعمان بن أبي عياش قال: كان يقال: لكل شيء زينة، وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي عند الافتتاح، وحين يريد أن يركع، وحين يريد أن يرفع
(4)
.
وقال عقبة بن عامر: له بكل إصبع حسنة.
وقد ذكر الناس لذلك عللًا وحِكمًا كثيرة، لا تجري على علل الفقهاء وما يذكرونه من الحِكَم والمناسبات، فرأينا ترك ذكرها أولى، وليس المُعوَّل إلا على اتباع السنة، والتسليم للعبودية، والبراءة من الامتثال بدون ظهور الحكمة، فإنَّ هذا يقدح في العبودية، ويخرج عن الامتثال، بل تُتَلقى السنة بالسمع والطاعة والإذعان، سواء ظهر لنا وجه حُكمه أو لم يظهر.
(1)
انظر «الأم» : (8/ 711) بنحوه. وانظر «معرفة السنن» : (1/ 561 - 562)، و «الكبرى»:(2/ 82) للبيهقي.
(2)
في «الاستذكار» : (1/ 407).
(3)
سلف قريبًا.
(4)
تقدم (ص/31).
ولو رُدَّت السنن بعدم ظهور الحكمة والمناسبة، لكان ذلك ردًّا على الرسول صلى الله عليه وسلم، وخروجًا عن المتابعة، وخَلعًا لرِبْقة العبودية من العنق، ولو ساغ للعبد أن لا يقبل من السنة إلا ما رأى فيه الحكمة والمناسبة؛ لبطل الدين وتلاعب به المبطلون، وصار عُرضةً لردّ الرادين، وعياذًا بالله من هذا الرأي الباطل، وبالله التوفيق.
* * *