المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصلفي أجوبة القائلين بالرفع عن أدلة القائلين بعدمه] - رفع اليدين في الصلاة - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل في حجج من قال بعدم رفع الأيدي في الصلاة]

- ‌[أدلة القائلين بالرفع، وأجوبتهم عن أدلة القائلين بالخفض]

- ‌ حديث أبي بكر الصّدّيق

- ‌ حديث عمر بن الخطاب

- ‌ حديث عليّ بن أبي طالب

- ‌ حديث ابـ[ـن عمر

- ‌ حديث مالك بن الحُوَيرث

- ‌ حديث وائل بن حُجْر

- ‌ حديث جابر بن عبد الله

- ‌ حديث أبي موسى الأشعري

- ‌ حديث عُمير بن حبيب الليثي

- ‌ حديث البراء بن عازب

- ‌ حديث أبي حُميد السَّاعديّ

- ‌ خبر الأعرابي الذي رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلٌ[في الردّ على حُجج الخافضين أيديهم]

- ‌فصل[في أجوبة القائلين بالخفض على أدلة القائلين بالرفع]

- ‌[فصلفي أجوبة القائلين بالرفع عن أدلة القائلين بعدمه]

- ‌فصل[قول من ذهب إلى الرفع في المواطن الأربعة]

- ‌فصل[قول من استحبّ رفع اليدين عند كل خفض ورفع]

- ‌فصل[قول من أوجب الرفع عند تكبيرة الإحرام]

- ‌فصل[قول من رأى الرفع كله واجبًا]

- ‌فصل[قول من غلا فأبطل الصلاة بالرفع]

- ‌فصل[مسائل تتعلق بالرفع وكيفيته وابتدائه وانتهائه]

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌فهرس المصادر

الفصل: ‌[فصلفي أجوبة القائلين بالرفع عن أدلة القائلين بعدمه]

‌[فصل

في أجوبة القائلين بالرفع عن أدلة القائلين بعدمه]

قال الرافعون: صدقتم، الآن حَمِي الوطيس، ودارت رحى الحرب، وتنادت الأبطال: نَزَالِ نَزَالِ، وآن لأنصار الحديث أن لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يتحيَّزوا إلى فئة غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث يجعلون قوله المُحكَم، وما خالفه من النصوص متشابهًا إن أمكن تأويله و تخريجه على الوجوه البعيدة المُسْتكرهة، خرَّجوه عليها وإلا أمَرُّوه على ظاهره ووَكَلوا علمَه إلى من قلَّدوه، وقالوا: هو أعلم بالنصوص مِنَّا، فاسمعوا الآن جوابَ ما أرعدتم به وأبرقتم [ق 53] وقمتم فيه وقعدتم

(1)

كانت لكم في تلك المسألة

(2)

لانسلِّم لكم، وأنه لا

لهم قدرًا

(3)

جئناكم بما لا قِبل لكم به ولا طاقة لكم

(4)

العزيز الحكيم.

* فأما ردّكم حديث ابن عمر بمخالفة مالك وأهل المدينة له، وأن هذا

(1)

الأوراق (53 أ-63 أ) من الأصل أصابتها رطوبة متفاوتة في الشدة، ذهبت بكثير من الكلمات، وبقيت بعض حروفها، استأنسنا بها في القراءة، وبالمصادر التي نقل منها المؤلف. وفي هذا الموضع ثلاث كلمات مطموسة في الأصل.

ولصعوبة القراءة في هذه الورقة ترك ناسخ (ف) ثلثي (ص 80) بياضًا، من هنا إلى قوله في الصفحة التالية:«وحدثني ابن وهب» .

(2)

نحو سطر مطموس في الأصل.

(3)

نحو نصف سطر مطموس في الأصل.

(4)

نحو نصف سطر مطموس في الأصل.

ص: 167

يدلّ على نسخه وإلا لم يخالفه مالك

مع اتباعه وتحرِّيه، فجوابه من وجوه:

أحدها: أن مالكًا لم يخالفه بل ذهب إليه وعمِل بموجبه حتى مات. هذا الذي رواه عنه أخصُّ أصحابه وأعلمهم به وألزمهم له، حتى إن بعض أئمة المالكية قال: مذهب مالك رفع اليدين في هذه المواضع، ومذهب القاسميّة عدم الرفع.

قال أبو عمر بن عبدالبر

(1)

: «روى ابن وهب والوليد بن مسلم وسعيد ابن أبي مريم وأشهب وأبو المصعب عن مالك: أنه كان يرفع يديه على حديث ابن عمر

(2)

إلى أن مات.

فحدثنا

(3)

عبدالوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أبو عبيدة بن أحمد، ثنا يونس بن عبدالأعلى، ثنا أشهب بن عبد العزيز قال: صحبتُ مالكَ بن أنس قبل موته بسنة، فما مات إلا وهو يرفع يديه.

فقيل ليونس: وصف أشهب رفع اليدين عن مالك؟ قال: سُئِل أشهب عنه غير مرّة، فكان يقول: يرفع يديه إذا أحرم، وإذا أراد أن يركع، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» .

قال يونس: وحدثني ابن وهب قال: صَحِبت مالك بن أنس في طريق

(1)

في «التمهيد» : (9/ 213).

(2)

في التمهيد زيادة: «هذا» .

(3)

انظر «التمهيد» : (9/ 222).

ص: 168

الحج، فلما كان بموضعٍ ذكرَه يونس، دنت ناقتي من ناقته، فقلت: يا أبا عبد الله كيف يرفع المصلي يديه في الصلاة؟ فقال: وعن هذا تسألني، ما أحب أن أسمعه منك، ثم قال: إذا أحرم، وإذا أراد أن يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده.

قال أبو عبيدة: سمعت هذا من يونس بن عبدالأعلى غير مرة.

وفي «المستخرجة من سماع أشهب، وابن نافع عن مالك» قال: يرفع المصلي يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وقال: سمع الله لمن حمده. قال: ليس الرفع بلازم وفي ذلك سَعَة

(1)

.

وقال محمد بن جرير الطبري: ثنا يونس بن عبدالأعلى، عن أشهب، عن مالك مثل ذلك، وزاد: ويرفع من وراء الإمام أيديهم إذا قال: «سمع الله لمن حمده» ، قال: وليس رفع اليدين بلازم وفي ذلك سَعَة.

قال أبو عمر: وثنا أحمد بن محمد، ثنا وَهْب بن مسرَّة، ثنا ابن وضَّاح، ثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو، ثنا ابن وهب قال: رأيتُ مالك بن أنس يرفع يديه في كلِّ خفضٍ ورفع، أو قال: كلما خَفَض ورَفَع، فلم تزل تلك صلاته.

وحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا أحمد بن خالد، وسعيد بن عثمان: أنهما سمعا يحيى بن عمرو

(2)

يقول: سمعت أبا المصعب [الزهري] يقول: رأيت مالك بن أنس يرفع يديه إذا قال: «سمع الله لمن حمده» ، على حديث ابن عمر.

(1)

انظر «البيان والتحصيل» : (1/ 470).

(2)

في «التمهيد» : «عمر» .

ص: 169

وقال محمد بن عبدالحكم: الذي [ق 54] آخذ به في رفع اليدين: أن أرفع

(1)

على حديث ابن عمر. قال: ولم يرو أحد عن مالك مثل رواية ابن القاسم في رفع اليدين»

(2)

.

ورواه مَعْن بن عيسى القزَّاز أيضًا عن مالك. فهؤلاء سبعة من أصحاب مالك.

فأما أشْهَب بن عبد العزيز فكان من أفقه أصحابه وأشدّهم انتحالًا لمذهبه ونُصْرةً له، حتى إنه كان يدعو على الشافعي ويقول: اللهمّ أمِتْه حتى لا يذهب علم مالك.

قال محمد بن عبد الله بن عبدالحكم: سمعت أشهب يدعو على الشافعي بالموت، فذكرت ذلك للشافعي فقال متمثِّلًا:

تمنَّى رجالٌ أن أموت وإن أَمُت

فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحَدِ

فقل للذي يَبْقَى

(3)

خلافَ الذي مضى

تهيَّأ لأخرى مثلها فكأنْ قَد

قال: فمات الشافعي، ثم مات أشهب بعده بثمانية عشر يومًا

(4)

.

والمقصود: أن شدة النصرة لمذهب مالك حَمَلَتْه على الدعاء على الشافعي لمَّا خالف مالكًا، وهو قد حكى عن مالك أن مذهبه رفع اليدين

(1)

الأصل: «الرفع» والمثبت من التمهيد.

(2)

آخر النقل من التمهيد. وانظر «اختلاف أقوال مالك وأصحابه» (ص/107 - 108) لابن عبدالبر.

(3)

هكذا في الأصل وفي عدة مصادر، وفي أخرى:«يبغي» .

(4)

ذكر القصة ابن عبدالبر في «الانتقاء» (ص/97)، وهي في «تاريخ ابن عساكر»:(51/ 428 - 429)، و «وفيات الأعيان»:(1/ 239)، و «السير»:(10/ 72).

ص: 170

عند الركوع والرفع منه.

[ومع ذلك] فأشهب في الفقه والجلالة والإمامة بالمنزلة التي لا تخفى. وقد [فضَّله] ابنُ عبدالحكم على ابن القاسم في الفقه.

قال أبو عمر بن عبدالبر في كتاب «الانتقاء»

(1)

: «ثنا إبراهيم بن شاكر ثنا عبد الله بن عثمان، قال: ثنا سعد بن معاذ، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبدالحكم يقول: أشهب أفقه من

(2)

ابن القاسم مئة مرَّة.

قال: وحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه: أنه ذكر قول محمد بن عبد الله بن عبدالحكم لمحمد بن عمر بن لبابة، فقال: ليس هذا عندنا، كما قال محمد، وإنما قاله لأن أشهب شيخه ومعلمه.

قال أبو عمر: أشهب شيخه وابن القاسم شيخه، وهو أعلم بهما لكثرة مجالسته لهما وأخذه عنهما».

وأما الإمام عبد الله بن وهب، فهو من أجلِّ أصحاب مالك أو أجلّهم على الإطلاق، وكان مالك يُجِلّه ويعظّمه ويسمِّيه: الفقيه.

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: ابن وهب أفقه من ابن القاسم

(3)

.

(1)

(ص/97 - 98).

(2)

«ومع ذلك فأشهب

أفقه من» بياض في (ف).

(3)

كذا في الأصل و «الانتقاء» (ص/94). والذي في «الجرح والتعديل» : (5/ 190): «قال عبدالرحمن (ابن أبي حاتم): سمعت أبا زرعة يقول: سمعت ابن بكير يقول: ابن وهب أفقه من ابن القاسم» . وهو الذي نقله الأئمة في كتبهم كالمزي في «تهذيبه» : (4/ 319) والذهبي في «السير» : (9/ 225).

ص: 171

قال أبو عمر

(1)

: يقولون: إن مالكًا لم يكتب إلى أحد كتابًا يُعَنْوِنه بـ «الفقيه» إلا إلى ابن وهب. وكان رجلًا صالحًا خائفًا لله تعالى، كان سبب موته أنه قُرئ عليه كتاب الأهوال من «جامعه» ، فأخذه شيء كالغَشْي، فحُمِل إلى داره، فلم يزل كذلك إلى أن قضى نَحْبَه.

قال أبو زرعة: نظرت في حديث ابن وهب ثمانين ألف

(2)

حديث من حديثه عن المصريين وغيرهم، فما أعلم أني رأيت له حديثًا لا أصل له، وهو ثقة

(3)

.

قال أبو عمر: وقد قيل: إن مالكًا روى عنه عن ابن لهيعة حديث: بيع العُرْبان، والله أعلم

(4)

.

(1)

في «الانتقاء» : (ص 94).

(2)

صحح عليها في الأصل.

(3)

«الجرح والتعديل» : (5/ 190). وذكره في «الانتقاء» : (ص 94).

(4)

أخرجه مالك في «الموطأ» (1781)، وأبو داود (3502)، وابن ماجه (2192).

أقول: هذا الحديث رواه «مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان» .

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» : (24/ 176): «هكذا قال يحيى عن مالك عن الثقة عنده في هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، وتابعه قوم منهم ابن عبد الحكم. وقال القعنبي والتنيسي وجماعة عن مالك: إنه بلغه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده

وقد تكلم الناس في الثقة عنده في هذا الموضع، وأشبه ما قيل فيه أنه أخذه عن ابن لهيعة، أو عن ابن وهب عن ابن لهيعة؛ لأن ابن لهيعة سمعه عن عمرو بن شعيب ورواه عنه، حدث به عن ابنِ لهيعة ابنُ وهبٍ وغيره .. ». وانظر «الانتقاء»:(ص/93).

ص: 172

وأما ابن نافع فهو عبد الله بن نافع الصائغ

(1)

، وكان من أعلم الناس بمذهب مالك.

قال أبو خيثمة: سمعت يحيى بن معين [ق 55] يقول: هو ثقة.

وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن عبد الله بن نافع، فقال: لم يكن صاحب حديث كان صاحب رأي مالك، وكان يفتي أهل المدينة برأي مالك، ولم يكن في الحديث بذاك

(2)

.

هذا إن كان المذكور في «المستخرجة» من سماع أشهب ونافع عن مالك هو الصائغ، وإن كان عبد الله بن نافع الزّبيري

(3)

فهو ثقة.

قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: صدوق ليس به بأس.

وكان يحيى بن يحيى الأندلسي يسأله عن تفسير «الموطأ» .

قال الزبير بن بكَّار: كان المنظور إليه من قريش بالمدينة في حين وفاته في هديه وفقهه وفضله.

(1)

ترجمته في «الانتقاء» (ص/102 - 103)، و «تهذيب الكمال»:(4/ 302).

(2)

نقله عنه في «الجرح والتعديل» : (5/ 184).

(3)

ترجمته في «الانتقاء» (ص/103 - 104)، و «تهذيب الكمال»:(4/ 301 - 302).

ص: 173

وأما أبو المصعب أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب ابن عبد الرحمن بن عوف

(1)

؛ فمن الطبقة الأولى من أصحاب مالك.

قال أبو زرعة وأبو حاتم: صدوق

(2)

.

وقال الزُّبير بن بكَّار: مات وهو فقيه أهل المدينة غير مُدافع.

فهؤلاء الأربعة وهم: ابن وهب، وأشهب، وعبد الله بن نافع، وأبو مصعب الزُّبيري، من الطبقة الأولى من أهل الفقه من كبار أصحاب مالك.

وأما مَعْن بن عيسى القزَّاز

(3)

؛ فمن الثقات، ومن حُفَّاظ أصحاب مالك، وممن روى عنه «الموطأ» .

والوليد بن مسلم

(4)

من ثقات المحدِّثين، وهو من الطبقة الثانية من أصحاب مالك.

وهؤلاء كلهم رووا عنه الرفع على حديث ابن عمر، وانفرد ابن القاسم وحدَه برواية ترك الرفع، فإن حاكمناكم إلى قواعد أهل الحديث، حكموا لنا عليكم؛ إذ سبعة أثبات أئمة حُفَّاظ أولى أن يُؤخَذ بقولهم من واحد يتطرَّق الوهم إليه دونهم أولى من العكس.

(1)

ترجمته في «الانتقاء» (ص/111 - 112)، و «تهذيب الكمال»:(1/ 33).

(2)

«الجرح والتعديل» : (2/ 43).

(3)

ترجمته في «تهذيب الكمال» : (7/ 188).

(4)

ترجمته في «تهذيب الكمال» : (7/ 486).

ص: 174

وإن حاكمناكم إلى قواعد الفقهاء، حكموا لنا عليكم أيضًا، فإن شهادة سبعة على الإثبات أولى أن يُؤخَذ بها، وتُقَدَّم على شهادة واحدٍ على النفي، وهذا لأصحاب مالك خاصةً أَلْزَم، فإنهم يرجِّحون بكثرة العدد في الشهادة على ما رواه مُطَرِّف وابن الماجِشون عن مالك.

وإن حاكمناكم إلى قواعد الأصوليين، حكموا لنا عليكم، فإن الظن المستفاد من إخبار سبعة بشيء أقوى من الظنِّ المُستفاد من إخبار واحد، ومن هاهنا قال بعض أئمة المالكية: مذهب المالكية رفع اليدين على حديث ابن عمر، ومذهب القاسمية تركه

(1)

.

وقال أبو عمر بن عبدالبر

(2)

: «قال أحمد بن خالد: كان عندنا بقرطبة جماعةٌ من علمائنا يرفعون أيديهم في الصلاة على حديث ابن عمر ورواية من روى ذلك عن مالك، وجماعةٌ لايرفعون إلا في الإحرام على رواية ابن القاسم، فما عاب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء» .

وقد تقدم

(3)

قول محمد بن عبد الله بن عبدالحكم: إنه لم يَرْو أحدٌ عن مالك مثل رواية ابن القاسم في رفع اليدين.

قال ابن عبدالبر: «سمعت شيخَنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم يقول

(4)

: كان إسحاق بن إبراهيم شيخنا، يرفع يديه كلما [ق 56]

(1)

انظر ما سبق (ص/168).

(2)

في «التمهيد» : (9/ 223).

(3)

(ص/170).

(4)

(ف): «أبا عمر عبد الملك يقول» سقط وتغيير!

ص: 175

خَفَض ورفع على حديث ابن عمر في «الموطأ» . وكان أفضل من رأيت وأفقههم وأصحهم علمًا ودينًا.

قال أبو عمر: فقلت له: فلم لا ترفع أنت فنقتدي بك؟ فقال لي: لا أخالف رواية ابن القاسم؛ لأن الجماعة عندنا اليوم عليها، ومخالفة الجماعة فيما قد أُبِيح لنا ليس من شِيَم الأئمة، والرفع متروك عندنا اليوم

(1)

».

فقد أخبر من تَرَك الرفعَ عن عُذْره، وأبان أنه لا عذر له سواه. ومعلوم قطعًا أن عذر الرافعين أصحّ من هذا العذر عند الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يستوي عذرُ من أخبر أن تركه للرفع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، وعن إمامه برواية العدد الكثير عنه، ثم يتركه برواية واحد عن مالك، وبِتَرْك أهل بلده لهذه السنة. وعذرُ من رفعَ وقدَّم السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، والرواية الشهيرة عن إمامه التي رواتها أكثر وأحْفَظ.

فهذا جوابهم

(2)

عن قولكم: إن مالكًا راوي الحديث، وقد ترك العمل به.

وجوابٌ ثانٍ: أنه لو فُرِض صحة ما ذكرتم عن مالك ــ وحاشا وكلا ــ لم يكن موجبًا لترك العمل بالحديث؛ لأن الأخذ بما رواه الحافظ لا بما رآه. هذا قول الجمهور، وهذا لأن روايته حجة، ورأيه ليس بحجة، وترك

(1)

«والرفع متروك عندنا اليوم» ليست في مطبوعة «التمهيد» .

(2)

في الأصل غير واضحة بسبب الرطوبة، و (ف):«جوابكم» والصحيح ما أثبت.

ص: 176

الحجة لِما ليس بحجة باطل [والأخذ بما رواه] إذا كان ثقةً حافظًا [أكثر بعدًا] عن الخطأ ورأيه ليس بمعصوم. فلا نترك ما ضُمِنَت لنا فيه العصمة

(1)

إلى ما لم تُضمن لنا فيه.

وأيضًا: إن مخالفته لما رواه يجوز أن يكون بنسيانٍ، أو غلطٍ، أو قيام مُعارضٍ عندَه ظنَّه راجحًا وليس كذلك، أو لحمله ما رواه على غير ظاهره، أو لاعتقاده نسخَه، أو لعدم صحته عنده، فتعيينُ احتمال النسخ من بين هذه الاحتمالات

(2)

تحكُّم لا معنى له.

وأيضًا: فإنَّ هذا المَدْرَك لو كان صحيحًا، لكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به؛ لأنهم أعلم بالتأويل وبالناسخ والمنسوخ، فكان أحدهم إذا روى حديثًا وأفتى بخلافه= أُخِذ بفتواه، وتُرِك ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

.

وقد روى ابن عباس ــ حبر الأمة وعالمُها ــ حديثَ بَريرة

(4)

أن النبي صلى الله عليه وسلم خيَّرها لمّا بيعت وعَتَقَت بين المُقام مع زوجها وبين فَسْخ النكاح، فاختارت فسخ النكاح، ولم يكن بيعها طلاقًا لها. ثم أفتى هو وجماعة من

(1)

«وترك الحجة

فيه العصمة» بياض في (ف).

(2)

الأصل و (ف): «الاحتمال» .

(3)

الأمثلة الآتية في مخالفة الراوي لما رواه ذكرها المصنف أيضًا في «إعلام الموقعين» : (4/ 394 - 409).

(4)

أخرجه البخاري (5283)، وأحمد (1844)، والدارمي (2338)، وأبو داود (2231)، وابن ماجه (2075)، والنَّسائي (5417).

ص: 177

الصحابة

(1)

بأنَّ بيع الأمة طلاقها، فأخذ الأئمةُ الأربعة وغيرُهم بروايته دون فتواه ومذهبه، وهذا هو الواجب لِما قدَّمناه، إذ ما رواه حُجَّةٌ يجب اتباعها، وليس مذهبه الذي قد نازعه فيه غيره حجة يُقدَّم على النص.

هذا، وهو من قد استُجيبت فيه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يفقِّهه الله في الدين ويعلِّمه التأويل، فكيف تكون روايةٌ عن إمام قد خالفها روايةُ جماعةٍ عنه، وخالفه غيره من الأئمه مُقدَّمةً على النصوص الثابتة الصحيحة؟! والله المستعان.

وقد احتجُّوا

(2)

على أن القيء يفطِّر الصائم بالحديث الذي رواه [ق 57] أبو داود والترمذي وغيرهما، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من ذَرَعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عامدًا فعليه القضاء»

(3)

. وهو حديث حسن.

وقد روى يحيى ابن أبي كثير، عن عمر بن الحكم: أن أبا هريرة كان لا

(1)

«من الصحابة» تكررت في الأصل.

(2)

(ف): «اتفقوا» خطأ.

(3)

أخرجه أبو داود (2380)، والترمذي (720)، وابن ماجه (2676).

قال الترمذي: «حديث أبي هريرة حديث حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه من حديث هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا من حديث عيسى بن يونس. وقال محمد (يعني البخاري): لا أراه محفوظًا. قال الترمذي: وقد رُويَ هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح إسناده» اهـ. وصححه ابن حبان والحاكم والنووي، وحسنه المنذري وابن المُلقِّن والمصنف. انظر «البدر المنير»:(5/ 660 - 661).

ص: 178

يرى القيء يفطِّر الصائم

(1)

. فأخذوا برواية أبي هريرة، وتركوا رأيه ومذهبه.

وأيضًا: فقد روى ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة في عُمرة القضاء، وأن يمشوا بين الركنين

(2)

. وقال ابن عباس: ليس الرَّمَل بسنة

(3)

. وهو راوي الخبر، فأخذ الناسُ بروايته وتركوا رأيه.

(1)

قال البخاري في صحيحه قبل رقم (1938): «قال لي يحيى بن صالح ثنا معاوية بن سلام ثنا يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي هريرة رضي الله عنه: إذا قاء فلا يفطر إنما يُخْرج ولا يُولج. قال: ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر والأول أصح» . وانظر «تغليق التعليق» : (3/ 175 - 178)، و «الفتح»:(4/ 175).

(2)

أخرجه البخاري (1602)، ومسلم (1266).

(3)

أخرج مسلم (1264)«عن أبي الطفيل: قلت لابن عباس: أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أطواف أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة، فقال: صدقوا وكذبوا .. » الحديث.

قال النووي: «يعني صدقوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وكذبوا في قولهم: إنه سنة مقصودة متأكدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله سنة مطلوبة دائمًا على تكرر السنين، وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة عند الكفار، وقد زال ذلك المعنى. هذا معنى كلام ابن عباس. وهذا الذي قاله من كون (الرّمَل) ليس سنة مقصودة هو مذهبه، وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم فقالوا: هو سنة في الطوفات الثلاث من السبع، فإن تركه فقد ترك سنة وفاتته فضيلة، ويصح طوافه ولا دمَ عليه» . «شرح مسلم» : (9/ 10).

ص: 179

وأيضًا: فقد ثبت في «الصحيح»

(1)

عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرها لمَّا حاضت أن تقضي المناسك، وتفعل ما يفعل الحاج غير أن لا تطوف بالبيت.

وقد روى سعيد بن منصور، ثنا أبو عوانة، عن أبي بِشر عن عطاء قال: حاضت امرأة وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين، فحاضت في الطواف، فأتمَّت بها عائشة بقية طوافها

(2)

. فأخذ الناس برواية عائشة وتركوا رأيها.

وأيضًا: فقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير؟ فقال: «لا حرج» . متفق عليه

(3)

.

وفي رواية للبخاري

(4)

: سأله رجل فقال: حلقتُ قبل أن أذبح، فقال:«اذبح ولا حرج» . وقال: رميتُ بعدما أمسيت، فقال:«لا حرج» .

وفي أخرى للبخاري أيضًا: زرت قبل أن أرمي، قال:«لا حرج» . قال: حلقت قبل أن أذبح، قال:«لا حرج» . قال: ذبحت قبل أن أرمي، قال:«لا حرج» .

وصحّ عن ابن عباس فيما قدِّم من أفعال الحج أو أُخِّرَ دَمٌ

(5)

، فأخذوا

(1)

البخاري (305)، ومسلم (1211).

(2)

ذكره من طريق سعيد بن منصور ابن حزم في «المحلى» : (7/ 180)، وذكره الزيلعي في «نصب الراية»:(3/ 128) نقلًا عن «الإمام» لابن دقيق العيد. وصححه المصنف في «إعلام الموقعين» : (4/ 395).

(3)

البخاري (1721)، ومسلم (1307).

(4)

(1723). والتي بعدها (1722). و «أمسيت» بياض في (ف).

(5)

أخرج ابن أبي شيبة (15188)، والطحاوي في «مشكل الآثار»:(15/ 288) من =

=

طريق إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: من قدّم شيئًا من حجه أو أخَّره، فليُهرق لذلك دمًا. وفيه إبراهيم بن مهاجر لين الحفظ.

ص: 180

بروايته، وتركوا رأيه.

وأخذَ أصحابُ أبي حنيفة بحديث ابن عباس مرفوعًا: «كلُّ الطلاق جائز إلا طلاق المَعْتوه»

(1)

. وهو حديث ضعيفٌ باتفاق أهل الحديث، فيه عطاء بن عجلان ضعيف جدًّا.

وقد صحَّ عن ابن عباس أنه قال: ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق

(2)

. فأخذوا بروايته التي لم تثبت عنه وتركوا رأيه، مع أنه صحيح عنه، وقالوا: الاعتبار بما رواه لا بما رآه.

وأيضًا: فقد رُوي عن ابن عمر: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغَرَر

(3)

.

(1)

أخرجه ابن عدي في الكامل: (5/ 366) من طريق عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد به. وأخرجه الترمذي (1191)، ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1069) من طريق مروان بن معاوية الفزاري عن عطاء بن عجلان، عن عكرمة بن خالد عن أبي هريرة بنحوه. فجعله من مسند أبي هريرة. قال الترمذي:«هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث» . أقول: بل اتُّهِم بالكذب، وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. وأخرجه ابن أبي شيبة (18213، 18214)، وغيره عن عليّ موقوفًا عليه بسند صحيح.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (18330) وفي سنده عبد الله بن طلحة، لم يُذكر بجرح ولا تعديل، وذكره ابن حبان في «الثقات». انظر «تهذيب التهذيب»:(5/ 236).

(3)

أخرجه أحمد (6307)، وابن أبي شيبة (20886)، والبيهقي:(5/ 338)، وأصله في الصحيحين، البخاري (2256)، ومسلم (1514).

ص: 181

وصحَّ عن ابن عمر: أنه اشترى جملًا شاردًا

(1)

. فأخذ الناسُ بروايته وتركوا رأيه، ولم يقولوا في هذه المواضع وأمثالها: لم يخالف الراوي الحديث إلا وهو منسوخ عنده.

ونخصُّ أصحابَ مالك بأن عليًّا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»

(2)

. ورُوي عنه أنه لم يرَ التسليمَ من الصلاة فرضًا

(3)

. فأخذوا بروايته ولم يلتفتوا إلى مذهبه، ولم يقولوا: مخالفته للحديث تدل على نسخه عنده.

ونخصُّ أصحابَ أبي حنيفة بأنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق علي. وابن عباس: أن الصلاة الوسطى صلاة العصر

(4)

. وقد ثبت عن عليٍّ وابن عباس أنها الصبح

(5)

، فلم يلتفتوا إلى مذهبهما، وأخذوا بروايتهما.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (20894)، وعنه ابن حزم في «المحلى»:(8/ 391).

(2)

تقدم تخريجه (ص/63).

(3)

أخرج الطحاوي في «شرح معاني الآثار» : (1/ 273) من طريق عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته.

(4)

حديث علي أخرجه البخاري (2931)، ومسلم (627). وحديث ابن عباس أخرجه أحمد (2745)، والطبراني في «الكبير»:(11/ 329).

(5)

أخرجه عنهما مالك في «الموطأ» (370) بلاغًا، وأخرجه موصولًا عن ابن عباس ابنُ أبي شيبة (8717) وغيره.

أما علي رضي الله عنه فكأنه رجع عن هذا القول، فقد قال أحمد في «المسند» (1314): «حدثنا بهز حدثنا همام عن قتادة عن أبي حسان عن عَبيدة قال: كنا نرى أن صلاة الوسطى صلاة الصبح قال: فحدثنا علي رضي الله عنه أنهم يوم الأحزاب

=

=

اقتتلوا وحبسونا عن صلاة العصر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم املأ قبورهم نارًا أو املأ بطونهم نارًا كما حبسونا عن صلاة الوسطى» . قال: فعرفنا يومئذ أن صلاة الوسطى صلاة العصر». وأخرجه الطحاوي في «شرح المعاني» : (1/ 173) من طريق آخر عن علي.

ص: 182

وأيضًا: فقد صحَّ [ق 58] عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: التحريم في الرّضاع بلبن الفحل في قصة أبي القُعَيس

(1)

. وصحَّ عنها أنها أفتت بخلافه، وأنه كان يدخل عليها من أرضعته بناتُ إخوتها، ولا يدخل عليها من أرضعته نساءُ إخوتها

(2)

. فأخذَ الناسُ بروايتها، وتركوا رأيها ومذهبَها.

وأيضًا: فقد صحَّ عن عائشة من رواية البخاري وغيره: «فُرِضَت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحَضَر وأُقِرَّت صلاة السَّفر»

(3)

. فهذه رواية منها لابتداء فرض الصلاة. وصحَّ عنها أنها أتمَّت في السفر

(4)

. فأخذَ أصحابُ أبي حنيفة ومالك بروايتها، وقدموها على رأيها وفعلها.

ونخصُّ أصحاب أبي حنيفة، أنهم أخذوا بحديثين ضعيفين جدًّا عن أبي موسى، وجابر: الأمر بالوضوء من الضحك في الصلاة

(5)

.

وقد صحَّ

(1)

أخرجه البخاري (4796)، ومسلم (1445).

(2)

أخرجه مالك (1775).

(3)

أخرجه البخاري (350)، ومسلم (685).

(4)

رواه البخاري (1090)، ومسلم (685/ 3).

(5)

حديث أبي موسى أخرجه الطبراني في «الكبير» - كما في «نصب الر اية: 1/ 47» - قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» : (1/ 251): «فيه محمد بن عبد الملك الدقيقي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون» . وفي هامش الأصل: (قلت: قد ترجمه

=

=

المزي في التهذيب (6/ 415) وهو ثقة لا طعن فيه، وعلة الحديث إنما هي الانقطاع فإن راويه لم يسمعه من أبي موسى).

وحديث جابر أخرجه الدارقطني: (1/ 172)، ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (611). وقال الدارقطني عقبه: «قال لنا أبو بكر النيسابوري: هذا حديث منكر فلا يصح والصحيح عن جابر خلافه. ثم قال: يزيد بن سنان ضعيف ويكنى بأبي فروة الرهاوي وابنه ضعيف أيضًا، وقد وهم في هذا الحديث في موضعين أحدهما: في رفعه إياه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر في لفظه، والصحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر من قوله: من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء. وكذلك رواه عن الأعمش جماعة من الرفعاء الثقات، منهم سفيان الثوري وأبو معاوية الضرير ووكيع

».

ص: 183

عنهما أنهما قالا: لا وضوء من ذلك

(1)

. فلم يلتفتوا إلى مذهبهما الصحيح عنهما، وقدَّموا عليه روايتهما التي لم تثبت عنهما.

وأيضًا: فروت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل لحمًا ولم يتوضأ

(2)

. وصحَّ عنها بأصحّ إسنادٍ إيجاب الوضوء من كلّ ما مسَّت النارُ

(3)

، فلم يلتفتوا إلى رأيها، وقدّموا عليه روايتَها.

وأيضًا: فقد روت عائشة وابن عباس وأبو هريرة: إباحة المسح على

(1)

أثر أبي موسى أخرجه ابن أبي شيبة (3935)، والدارقطني:(1/ 174).

وأثر جابر أخرجه ابن أبي شيبة (3929). والدارقطني: (1/ 172). بأسانيد صحيحة.

(2)

أخرجه أحمد (25282)، وابن أبي شيبة (550)، والبيهقي:(1/ 154) ولفظه: «كان صلى الله عليه وسلم يمر على القدر فيأخذ منها العرق فيأكل منه ثم ينطلق إلى الصلاة ولا يتوضأ ولا يمضمض» .

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (557)، وعبدالرزاق:(1/ 174).

ص: 184

الخُفَّين

(1)

. وصحّ عنهم ثلاثتهم المنعُ من المسح جملةً

(2)

. وأخذ الجمهورُ بروايتهم دون رأيهم.

ورُوي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُقتصّ لولد من والده»

(3)

، وجاء عنه رضي الله عنه: لأقصنّ للولد من الوالد

(4)

، فلم يروا مذهبه ورأيه موجبًا لترك روايته.

وأيضًا: فاحتجوا بمنع بيع أمهات الأولاد بالخبرين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أيُّما رجلٍ ولدت منه أَمَتُه فهي مُعْتَقة عن دبرٍ منه»

(5)

، وأنه ذُكِرَت أمُّ إبراهيم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«أعتقها ولدها»

(6)

. وقد صحَّ عن

(1)

حديث عائشة أخرجه الدارقطني: (1/ 194). وحديث ابن عباس أخرجه الدارقطني في «الكبير» : (11/ 119)، وقال الهيثمي في «المجمع»:(1/ 262): «فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف لسوء حفظه» . وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد (8695).

(2)

الآثار عنهم أخرجها ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1956، 1959، 1964) تباعًا.

(3)

أخرجه أحمد (98، 147)، والترمذي (1400)، وابن ماجه (2662)، والدارقطني:(3/ 140). وكان في الأصل و (ف): «لايقتص لوالد من ولد» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الحديث و «إعلام الموقعين»:(4/ 402).

(4)

أخرج معناه عبدالرزاق: (9/ 401)، في قصة. وكان في الأصل:«لأقصنّ للوالد من الولد» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الحديث و «إعلام الموقعين»:(4/ 402).

(5)

أخرجه أحمد (2759)، وابن ماجه (2515)، والدارقطني:(4/ 130)، والحاكم:(2/ 19) وغيرهم. وصححه الحاكم، لكن في إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي ضعيف. وبذلك أعله المصنف في «تهذيب السنن»:(4/ 1905).

(6)

أخرجه ابن ماجه (2516)، والدارقطني:(4/ 131)، والبيهقي:(10/ 346). وفي سنده أيضًا حسين المذكور في الإسناد قبله.

ص: 185

ابن عباس جواز بيعهنَّ

(1)

، والرواية عنه بذلك أصحّ من المرفوع، وقدموا روايته على رأيه، ولم يقولوا: لم يخالف الحديث إلا وهو منسوخ عنده.

ونخصُّ أصحابَ أبي حنيفة بأنهم احتجوا بحديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الوَرِق: «لا زكاة فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ أربعين درهما»

(2)

، وقد صحَّ عن عليٍّ بأصحّ إسنادٍ يكون أنه قال: في المائتين خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك

(3)

. فلم يجعلوا ما صحّ عن عليّ من قوله موجبًا لترك روايته، مع ضعف سندها، وصحة مذهبه عنه.

واحتجّوا على نجاسة الماء الكثير الذي يقع فيه النجاسة بحديث أبي هريرة: «لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم»

(4)

، ولم يستثن ماءً من ماء. وقد صحّ عن أبي هريرة من طريق سعيد بن منصور، عن ابن عُليَّة، عن حبيب

(1)

ولفظه أنه قال في أم الولد: والله ما هي إلا بمنزلة بعيرك أو شاتك. أخرجه عبدالرزاق في «مصنفه» : (7/ 290).

(2)

ذكره ابن حزم في «المحلى» : (6/ 61) فقال: وروي من طريق الحسن بن عمارة

ــ وهو متروك ــ عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي مرفوعًا، في صدقة الورق: «لا زكاة فيما زاد

» بمثله. وعنه في «البدر المنير» : (5/ 561). وأخرج أبو يعلى الموصلي (557) عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُفي لكم عن صدقة الخيل والرقيق ولكن هلموا صدقة الورق من كل أربعين درهمًا درهمًا، ولا يؤخذ منكم شيء حتى تكون مئتي درهم فإذا كانت مئتي درهم ففيها خمسة دراهم» .

(3)

أخرجه عبدالرزاق: (4/ 5، 88). وأخرجه عن علي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أبو داود (1572)، ومن طريقه البيهقي:(4/ 137).

(4)

أخرجه البخاري (239)، ومسلم (282).

ص: 186

ابن شهاب العنبري، عن أبيه: أنه سأل أبا هريرة عن سؤر الحوض، تَلِغُ فيه الكلاب، ويشرب منه الحمار؟ فقال أبو هريرة: لا يحرِّم الماءَ شيء

(1)

. فلم يجعلوا فتوى [ق 59] أبي هريرة دليلًا على نَسْخِ الحديث الذي رواه ولا ضَعْفِه.

وهذا بابٌ يطول تتبُّعه وجمعُه، وإنما نبَّهنا على اليسير منه. ومما يُقضى منه العجب: أنهم إذا رأوا الرواية عن صاحب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره بخلاف ما روى تُوافِقُ قولَ من قلَّدوه قالوا: ما كان ليترك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو عنده منسوخ، أو لأمرٍ اطلع عليه خفي علينا، وإلا قَدَح ذلك في عدالته وسقطت روايته رأسًا، ويَبطلُ جميعُ ما رواه. فإذا كانت الرواية عنه بفتواه بخلاف ما رَوى تُخالف قولَ من قلَّدوه، والحديث يوافق قوله قالوا: الحُجَّة فيما روى، ولعله نسي أو تأوَّل تأويلًا ظنَّه موجِبًا لترك ما رواه، وليس كذلك في نفس الأمر.

وقد رأينا هذا وهذا في كثير من كلامهم، والميزان الراجح عندهم هو قول من قلدوه، فإن وافقه قول الراوي ورأيه، ذكروا تلك الطريق وسلكوها، وإن خالفه قول الراوي ورأيه سلكوا الطريق الأخرى، وقدَّموا النص.

والذي يتعيَّن المصيرُ إليه، ولا يجوز العدول عنه هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فهو المعصوم من الخطأ، والنقلُ عنه بذلك نقلٌ مصدَّق عن قائل معصوم،

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (1519) قال: حدثنا ابن عُلية به.

ص: 187

فيتعيَّن المصيرُ إليه، والنقلُ عن غيره ــ إن كان نقلًا مصدَّقًا ــ فعن قائل غير معصوم، ومن الممكن بل الواقع أن ينسى الراوي ــ صحابيًّا كان أو دونه ــ ما سمعه وشاهده من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحضره ذكره حين أفتى بخلافه، أو أن يتأول فيه تأويلًا لا يألو فيه عن الخير وقصد الحق، ويثيبه الله على ذلك، ويأْجُره عليه أجرًا واحدًا. وإذا كان هذا ممكنًا بل واقعًا، فلا حجَّة في قول أحدٍ خالفَ نصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كائن من كان

(1)

.

وأيضًا: فمن أبطل الباطل أن يكون عند أحدهم عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة في قضيَّة ناسخة أو مُخصِّصة للعموم، ثم يروي للأمة المنسوخ والعام دائمًا، ولا يروي لهم الناسخ ولا المخصِّص ألبتة. هذا مما لا يُظَن بهم، ولا بمن هو دونهم ممن له لسان صِدْق في الأمة، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة/ 159]. ومعلوم أن الناسخ والمخصِّص أحق بالهدى من المنسوخ والعام، فروايته وتبليغه للأمة أوجب وأفرض من رواية المنسوخ، وبالله التوفيق.

فصل

قالوا: نزلنا عن هذا المقام، وفرضنا أنا ساعدناكم ــ وحاشا لله ــ على تقديم رأي الراوي ومذهبه على ما رواه. فحديث الرفع في هذه المواطن لم يتفرَّد به مالك حتى تكون مخالفته له موجبة لعدم قبوله، فقد روى عن

(1)

وانظر «إعلام الموقعين» : (4/ 407 - 408).

ص: 188

النبيِّ صلى الله عليه وسلم جماعةٌ من [ق 60] الصحابة غير ابن عمر، كما تقدم، حتى لو لم يكن في الباب إلا حديث ابن عمر، فقد رواه عن ابن عمر سالم ابنه ونافع مولاه، ورواه عنهما غير مالك.

قال البخاري

(1)

: «ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين» .

فهذا السند ــ الذي

(2)

لو أفاق مجنونٌ بسندٍ صحيحٍ لأفاقَ به ــ لا ذِكْر لمالكٍ فيه ألبتة، فبِمَ تستجيزون مخالفته؟ وكلُّ رواته ثبت

(3)

عنهم الرفع في هذه المواطن والقول به، وصنف البخاري كتابه المشهور في رفع اليدين، وحكى عن شيخه علي بن عبد الله أنه قال: رفع الأيدي حقٌ على المسلمين، بما روى الزهري، عن سالم، عن أبيه

(4)

.

ومذهب ابن عيينة في ذلك أشهر؛ قال ابن عبدالبر

(5)

بعد أن ذكر رواية ابن وهب، وأبي المصعب، وسعيد بن أبي مريم، وأشهب، والوليد بن مسلم عن مالك: أنه كان يرفع يديه على حديث ابن عمر إلى أن مات= قال: وبهذا قال الأوزاعي، وسفيان بن عيينة، والشافعي، وجماعةُ أهل الحديث.

(1)

«رفع اليدين» (ص 37). وانظر ما سلف (ص/12 - 15).

(2)

سقطت من (ف).

(3)

(ف): «رواية ثبتت» تحريف.

(4)

«رفع اليدين» (38).

(5)

«التمهيد» : (9/ 213).

ص: 189

وكذلك هو مذهب الزّهري. وأما سالم بن عبد الله؛ فحكى عنه البخاري الرفعَ في «كتابه»

(1)

. وأما عبد الله بن عمر فقد صحَّت عنه الأسانيدُ التي لا مَطْعَن فيها ألبتة، بأنه كان يرفع يديه في هذه المواطن. ذكره البخاري عنه في «كتابه»

(2)

، وأحمد بن حنبل، وعبدالرزاق، وابن أبي شيبة، ووكيع، وسعيد بن منصور، ومحمد بن جرير الطبري، وابن عبد البر وغيرهم. وقد تقدم ذِكْر بعض ذلك

(3)

.

هؤلاء الأئمة الحُفَّاظ الأثبات كلٌّ منهم كان يرفع يديه بمقتضى هذا الحديث، وهم رواته.

وقد روى هذا الحديث عن الزهري غير واحد، منهم: مالك، ويونس ابن يزيد، وسفيان بن عُيينة، وابن جُرَيج، ومَعْمر، وعُقيل بن خالد. فإن كان مخالفة مالك موجبًا لترك العمل به، فهلّا كان قول هؤلاء بموجبه موجبًا للعمل به! فتبين أنه لا عذر لكم ولا مُتعلَّق فيما رُوي عن مالك من إنكار الرفع بوجهٍ من الوجوه.

(1)

(ص/31).

(2)

(ص/23).

(3)

(ص/26 - 38).

ص: 190

فصل

* قالوا: وأما روايتكم عن ابن عمر

(1)

: أنه لم يكن يرفع يديه إلا في أول مرة، فمن العجب أن تُردّ الروايات الصحيحة الثابتة عن ابن عمر من رواية سالم ابنه ونافع مولاه، وهما أعلم به، برواية شاذَّةٍ عنه من رواية أبي بكر بن عيَّاش، عن الليث بن سعد

(2)

.

قال الليث بن سعد: ثنا نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا استقبل الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه. رواه البخاري عن عبد الله بن صالح عنه.

وقد تقدم

(3)

قول ابن جريج عن الحسن بن مسلم: أنه سمع طاووسًا يسأل عن رفع اليدين في الصلاة فقال: رأيت عبد الله وعبد الله وعبد الله يرفعون أيديهم في الصلاة [ق 61] لعبدالله بن عمر، وعبد الله بن عباس،

(1)

زاد في (ف): «من رواية سالم» ! ولا وجود لها في الأصل.

(2)

كذا النص في الأصل، وفي (ف) أسقط «الليث بن سعد» وفي الكلام نقص، وقد سبق (ص/88 - 92) أن هذه الرواية الشاذة هي من رواية أبي بكر بن عياش، عن حُصين، عن مجاهد قال: ما رأيتُ ابنَ عمر رافعًا يديه في شيء من صلاته إلا في الاستفتاح. قال المؤلف: «فالصحيح عن ابن عمر خلاف ذلك، فقد روى مالك، عن نافع، عنه أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع. رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك.

ورواه عبيدالله، عن نافع، عنه أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» ، وإذا قام من الركعتين يرفعهما» وبه يكتمل النقص في النص.

(3)

(ص/31).

ص: 191

وعبد الله بن الزبير. ذكره البخاري أيضًا

(1)

.

وقال مُحارب بن دِثار: رأيت ابن عمر إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» رفع يديه. ذكره البخاري عن أبي النعمان عن عبدالواحد بن زياد عنه.

وقال عبيدالله عن نافع عن ابن عمر: أنه كبَّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» رفع يديه. ذكره البخاري عن عيَّاش

(2)

ابن الوليد عن عبدالأعلى.

وقال إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير: رأيتُ ابنَ عمر حين قام إلى الصلاة رفع يديه، حتى يحاذي أُذُنيه، وحين يرفع رأسه من الركوع واستوى قائمًا فعل مثل ذلك. رواه البخاري عن إبراهيم بن المنذر، عن مَعْن عنه

(3)

.

فهذا هو الثابت عن ابن عمر، فكيف تُقَدَّم عليه روايةٌ لا تثبت؟

قال البخاري

(4)

: قال يحيى بن معين: حديث أبي بكر عن حصين إنماهو توهُّم منه لا أصل له.

(1)

«كتاب الرفع» (ص/74).

(2)

مهملة النقط في الأصل، و (ف):«عباس» . والتصويب من «كتاب الرفع» و «الصحيح» للبخاري.

(3)

الآثار الثلاثة في «كتاب الرفع» (ص/109 - 111).

(4)

«كتاب الرفع» (ص/55).

ص: 192

يعني حديث أبي بكر بن عياش، عن حُصين، عن مجاهد، عن ابن عمر: أنه لم يرفع يديه إلا في أول مرة.

وحتى لو صحت هذه الرواية عن ابن عمر

(1)

كانت رواية من ذكرنا عنه أولى أن يؤخَذ بها لوجوه:

أحدها: كثرة رواتها.

والثاني: تميُّزهم بالحفظ والإتقان.

والثالث: أنها متضمِّنة للإثبات فتُقَدَّم على النفي.

قالوا: ولم يكن ابن عمر لِيَرْوي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، ثم يعمل بخلافه مع تحرِّيه لاتِّباع سنته. وقد أعاذ الله ابنَ عمر من ذلك، فصحت الروايةُ عنه بالرفع من فعله. وصِحَّتُها عنه روايةً عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعُ هذه الرواية الشاذَّة الباطلة، هذا موجب العلم والعدل والظن بالصحابة، والله أعلم.

فصل

* وأما ما رويتم عن عمر

(2)

: أنه لم يكن يرفع يديه في شيء من الصلاة إلا حين افتتح الصلاة، فحاشا لله أن يصح ذلك عن عمر.

قال البخاري

(3)

: ولم يثبت عند أهل العلم عن أحد من أصحاب النبي

(1)

«أنه لم يرفع

ابن عمر» سقط من (ف).

(2)

انظر ما سبق (ص/83 - 86)، وما سيأتي (201 - 203).

(3)

«الرفع» (ص/31).

ص: 193

- صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه.

قال البخاري: وقال الحسن وحُميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم، فلم يستثن أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد.

والذي رُوي عن عمر فهو من رواية حَسَن بن عياش.

قال عثمان الدارمي: ليس في الحديث بذاك.

والرواية الأخرى عن عمر بترك الرفع هي أيضًا من رواية أبي بكر بن عياش أخي حسن.

قال عثمان الدارمي أيضًا: ليس في الحديث بذاك، ذكره الحافظ أبو الحجَّاج المِزِّي عنه في «تهذيبه»

(1)

.

وقد قال أبو النضر: ثنا شعبة عن الحكم بن عُتيبة

(2)

قال: رأيت طاووسًا يرفع يديه في الصلاة إذا افتتحها، وإذا كبَّر للركوع، وعند رفع رأسه من الركوع، فسألته عن ذلك، فقال: رأيتُ ابنَ عمر يفعله، وذكر أن أباه كان [ق 62] يفعله، وذكر عمر أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فَعَله.

رواه الحاكم وقال: تابعه عليُّ بن الجعد، وعمَّار بن عبدالجبار، والحكم بن أسلم الحَجَبي، عن شعبة. وأما غندر فرواه عن شعبة، ولم يذكر عمر. قال الحاكم: والحديثان محفوظان

(3)

.

(1)

(8/ 258).

(2)

الأصل و (ف): «عيينة» تحريف، وسيأتي على الصواب بعد صفحات.

(3)

سبق الحديث وكلام الحاكم فيه (ص/10).

ص: 194

ولا ريب أن هذه الرواية أصح عن عمر، وأولى من رواية أبي بكر بن عيَّاش وأخيه، ولو تعارضا من كلّ وجه لكانت رواية الإثبات مقدَّمة على رواية النفي.

وأما قول أبي بكر بن عيَّاش: ما رأيتُ فقيهًا قطّ يرفع يديه

(1)

.

فيقال: غاية هذا أنه لم ير هو أحدًا من الفقهاء يرفع يديه، وهذا يدلُّ على أنه ما صلى خلف أكبر الفقهاء، أفترى أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا فقهاء؟! وقد قال الحسن وحُميد: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم

(2)

.

قال البخاري

(3)

: «وممن كان يرفع يديه عند الركوع أبو قَتادة الأنصاري، وأبو أُسيد الساعدي البدري، ومحمد بن مَسلمة، وسهل بن سعد الساعدي، وأم الدرداء، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس بن عبدالمطلب، وأنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة الدَّوسي، وعبد الله بن عَمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير بن العوام القرشي، ووائل بن حُجْر الحضرمي، ومالك بن الحُويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو حُميد الساعدي الأنصاري» .

أفترى هؤلاء ليسوا فقهاء؟ فليس فيهم فقيه؟ هذا من أبطل الباطل

(4)

!

(1)

ذكره الطحاوي في «شرح المعاني» : (1/ 228). وسبق (ص/143).

(2)

سبق من كلام البخاري قريبًا.

(3)

«كتاب الرفع» (ص/22 - 23).

(4)

هذا السطر ليس واضحًا في الأصل. وتركه في (ف) بياضًا، ثم أُكمل بخط مغاير.

ص: 195

وقد حكى البخاري

(1)

الرفعَ عن: «سعيد بن جُبير، وعطاء

(2)

بن أبي رَباح، ومجاهد بن جَبْر، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، والنعمان بن أبي عياش، والحسن البصري

(3)

، ومحمد بن سيرين، وطاووس بن كيسان اليماني

(4)

، ومكحول، وعبد الله بن دينار، ونافع مولى ابن عمر، وعبيدالله بن عمر، والحسن بن مسلم، وقيس بن سَعْد.

وقد كان ابن المبارك يرفع يديه، وكذلك عامة أصحاب ابن المبارك؛ منهم: علي بن الحسن، وعبد الله بن عثمان، ويحيى بن يحيى، ومحدِّثو أهل بخارى؛ منهم: عيسى بن موسى، وكعب بن سعيد، ومحمد بن سلام، وعبد الله بن محمد المُسْندي، وعدة ممن لا يُحصى، لا اختلاف بين من وصفنا من أهل العلم.

وكان عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن معين، وأحمد ابن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرونها حقًّا، وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم». انتهى.

وروي ذلك عن عبد الرحمن بن سابط، وقتادة، وابن أبي نَجيح، وعَمرو ابن دينار، ومعتمر بن سليمان، ويحيى القطان، وعبدالرحمن بن مهدي،

(1)

«كتاب الرفع» (ص/31 - 33).

(2)

(ف): «سالم» تحريف.

(3)

مطموسة في الأصل.

(4)

الأصل و (ف): «اليمامي» تحريف!

ص: 196

وإسماعيل بن عُلية، والليث بن سعد، والأوزاعي، وجرير بن عبدالحميد، وابن وهب، وأحمد بن حنبل، والشافعي [ق 63]، وأبي ثور، والبخاري ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وجماعة أهل الحديث، ومحمد

(1)

بن نصر المروزي، ومحمد بن جرير الطبري، وابن المنذر، وابن عبد الله بن عبد الحكم، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ويزيد بن [هرون]، وخلائق من أهل العلم لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين. وهؤلاء أئمة الفقه والحديث.

وإبراهيمُ النخعي إنما شاهد فقهاء الكوفة [وهم]

(2)

لم يرفعوا أيديهم، ولا ريب أن أهل الكوفة انفردوا عن سائر الأمصار بترك الرفع.

قال محمد بن نصر المروزي في كتابه الكبير: لا نعلم مِصرًا من الأمصار ينسبُ إلى أهله العلم قديمًا تركوا بأجمعهم رفع اليدين في الصلاة عند الخفض والرفع إلا أهل الكوفة

(3)

.

وأما أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل الشام، وأهل البصرة، وأهل اليمن، وأهل خراسان، وأهل العراق، فعلى الرفع كما حكاه البخاري

(4)

، إلا الرواية التي انفرد بها ابن القاسم عن مالك، وخالفه الأكثرون عن مالك.

(1)

مطموسة في الأصل و (ف): أحمد. وسيأتي النقل عن محمد بن نصر بعد قليل.

(2)

غيرواضحة بالأصل، و (ف):«قولهم» ، ولعل الأقرب ما أثبت.

(3)

نقله في «التمهيد» : (9/ 213). وسلف (ص/144).

(4)

(ص/31).

ص: 197

ولا ريب أنا إذا قِسْنا هذه الأمصار بالكوفة، وفقهاءَها بفقهائها كثرةً وعلمًا وحديثًا، كان أتباع أهل هذه الأمصار أولى، لو لم يكن من جانبهم إلا الترجيح بذلك، كيف ومعهم من الصحابة من سمّينا؟!

ويا لله العجب! هلّا كان الشعبي أعلم الناس بالسُّنة في أكثر من مائة مسألة لقوَّته فيها، وكثير منها يكون الحديث فيها من جانبه، فلم يكن هناك أعلم الناس بسنةٍ ماضية لأنه قد خالفكم، وكان هنا لموافقتكم في هذه المسألة أعلم الناس بالسنة، فالعيار إنما هو موافقتكم ومخالفتكم، فمن وافقكم فهو أعلم الناس، ومن خالفكم

(1)

نزل عن هذه الرتبة!

وهلَّا كان سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث في فتاويه وأقواله التي خالفكم فيها!

وقد بيَّنَّا بعضَ خلافكم لابن مسعود فيما تقدم

(2)

فضلًا عن أصحابه، فهلَّا كان ابن مسعود

(3)

في تلك المسائل أفقه الناس صاحبًا!

وأما قولكم: إنه نزل بالكوفة أربعمائة من الصحابة، فهذا من حُجج منازعيكم عليكم، فإنه لم يُحفظ عن أحدٍ منهم ترك الرفع إلا ابن مسعود

(4)

وحده، ولو كانوا كلهم على ترك الرفع لنُقِل ذلك عنهم ولو نَقْل

(1)

سقطت من (ف).

(2)

(ص/60 - 83).

(3)

«فيما

ابن مسعود» سقط من (ف).

(4)

زاد في (ف): «فقط» !

ص: 198

آحادٍ، فحيث لم يُنقل عن أحد منهم ألبتة ــ سوى ابن مسعود ــ لا بإسنادٍ صحيح ولا ضعيف، ولا متصل ولا منقطع تَرْكُ الرفع مع مشاهدة أهل المصر لهم في الصلوات الخمس كل يوم وليلة، والمنقول عنهم خلافه كما بيناه= عُلِم انفراد ابن مسعود بترك الرفع.

وأنتم فخلافكم لابن مسعود لا يُنكَر حيث لا يُعلَم له مخالف من الصحابة، فكيف ومخالفوه من الصحابة في هذه المسألة أكثر وأشهر؟! فلو كان الرفع منسوخًا، أو ليس من السنة لَمَا خَفِي على هؤلاء الأعلام وسادات الإسلام، الذين عنهم تُلقِّيَ الدين، وهم الوسائط بين الأمة ونبيها صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا أحرصَ على اتباعه وتبليغ [ق 64] ما جاء به من المقلّدين على نُصْرة أئمتهم والذب عن أقوالهم، والله المستعان.

ص: 199

فصل

* وأما ردُّكم لحديث الصدّيق

(1)

: بأنه لو كان صحيحًا لكان في السنن والمساند والصحاح، وكانت شهرته فوق شهرة غيره من الأحاديث.

فيقال: من العجائب ردّكم لهذا الحديث الصحيح بمثل هذا الكلام الذي لا حاصل له، واحتجاجكم بالمقطوعات والمراسيل التي بين الراوي وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيها مفاوز تنقطع فيها الأعناق! وقد يكون بين المرسِل وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم فيها أربعة أوخمسة أو أكثر، لا يُدْرَى من هم ولا تُعرف أحوالهم ألبتة

(2)

.

حتى لو أرسل مشايخ بَلْخ وخراسان وما وراء النهر الحديثَ لقلتم: هذا مرسل، والمرسل حُجّة في أصل قولنا! ثم تجيئون إلى حديث متصل الإسناد مثل الشمس، تطعنون فيه بأنه ليس في السنن والمسانيد المعروفة، وإذا جاءت تلك المراسيل التي لا تُعرف في شيء من كتب الحديث ألبتة، ولا يَعرفها أحدٌ من المحدِّثين، وليس في الدنيا لها إسناد يُعرف= لم يضرَّها أن لا تكون في المسانيد والسنن والصحاح، ولا تُحيل طِباع أهل العلم نقلها وضبطها.

ص: 200

ثم هذا الحديث قد ذكره الإمام أحمد، وذكره الحاكم، وذكره عبدالرزاق، وغير هؤلاء. وعُذر من لم يذكره الاستغناءُ عنه بما هو أوضح دلالةً وأقرب تناولًا وأشهر رواةً، ولا يجب على المصنّف أن يستوعب جميعَ أحاديث الباب.

فصل

* وأما ردّكم لحديث عمر بن الخطاب بأن الثابتَ عن عمر ما رواه الأسودُ عنه، قال: صليت مع عمر فلم يرفع يديه إلا في الاستفتاح

(1)

.

فقد تقدم قولُ البخاري: إنه لا يصحّ عن أحد من الصحابة ترك الرفع

(2)

، وتقدَّمت الروايةُ الصحيحة عن عمر بالرفع

(3)

. فإن تقاومت الروايات

(4)

عنه تساقطتا، وكان الأخذُ بما رواه متعينًا، وإن كانت رواية الرفع عنه أصحَّ إسنادًا فالأمر أظهر، وإن كانت رواية ترك الرفع عنه أصح إسنادًا كان غايتها أن يكون عَمِل خلاف ما رواه. وقد تقدم من أصولكم وأصول كافة الفقهاء: أن الرجوع إلى الرواية أولى من الرجوع إلى فتوى الراوي، ويتعيّنُ الرُّجوع إلى الرواية ههنا.

ولو قلنا: الأخذ بما رآه وأفتى به؛ لأن غاية ما حكاه الأسودُ عنه فِعل لا

(1)

تقدم (ص/146 - 147، والرد عليهم 84 - 86، 193 - 195).

(2)

انظر (ص/91).

(3)

(ص/10) والحاشية رقم (1).

(4)

كذا، ولعل الصواب:«الروايتان» .

ص: 201

فتوى، فلعله شاهَده في تلك الصلاة لم يرفع يديه لعذر، أو لنسيان وذهول، أو لبيان أن الرفع ليس بفرض، بل يجوز تركه، فقد كان عمر رضي الله عنه حريصًا ألّا تلتبس الفرائض بالمستحبَّات، وقد كان يترك التضحية خشية أن يظن الناس وجوبَها

(1)

.

وإذا احتمل فعلُه هذه الوجوه فكيف يُقدَّم على الأحاديث الصحيحة الصريحة في الرفع! وهل هذا إلا عدولٌ عن موجب الدليل إلى ما ليس بدليل؟

ومن العجب العُجاب [ق 65] ردّكم لحديثه أيضًا بأن أعلم الناس بشعبة ــ وهو غُنْدَر ــ رواه عن الحكم بن عُتيبة

(2)

، عن طاووس، عن ابن عمر، عن عمر: أنه كان يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسَه من الركوع. لم يُجاوز به عمر. يعني أنه موقوف عليه

(3)

.

فيا لله العجب! أين هذا من قولكم: إن الثابت عن عمر ترك الرفع، وكان عذركم

(4)

أنكم رددتم المرفوع عنه بالموقوف عليه، ثم رددتم الموقوف عليه بالرواية الأخرى التي تخالفه. وهكذا رأينا المنتصرين منكم لعدم الرفع قد فعل. فهلّا رددتم رواية الترك برواية الرفع، ثم وفَّقتم

(1)

أخرج عبدالرزاق: (4/ 381)، والطحاوي في «شرح المعاني»:(4/ 174)، والبيهقي:(9/ 265) من حديث أبي سَريحة الغفاري قال: أدركت أبا بكر وعمر لا يضحيان. وفي رواية: كراهة أن يُقتدى بهما.

(2)

مهملة النقط في الأصل، و (ف):«عيينة» تحريف.

(3)

انظر (ص/194).

(4)

(ف): «عندكم» خطأ.

ص: 202

بين الموقوف والمرفوع، وقلتم: رواه وعَمِل به فالأمران ثابتان. أو هلّا قلتم: لا تنافيَ بين شيءٍ من هذه الروايات عن عمر؛ فرواية الترك بيانًا منه أن الرفع سنة وليس بحتم، ورواية الفعل دالة على الاستحباب، وروايته له عن النبي صلى الله عليه وسلم إخبارًا عما شاهده كما شاهده ابنه ومن معه من الصحابة، وتصادقت الروايات كلها عن عمر، ولم يُضرَب بعضُها ببعض. فأيُّ الطريقين أَلْيَقُ بالعلم؟ فالتوفيق بين الروايات ونفي التعارض عنها والعمل بها كلها، والله الموفق.

فصل

* وأما ردُّكم لحديث علي بن أبي طالب بعبد الرحمن بن أبي الزِّناد، وتضعيفكم له بما ذكرتم

(1)

، فلا ريب أن الرجل من علماء أهل المدينة وفقهائهم، وكان مالك بن أنس ــ وحَسْبك به ــ يدلّ عليه ويرشد إليه.

قال سعيد بن أبي مريم، عن خاله موسى بن سلمة: قَدِمت المدينة فأتيتُ مالكَ بن أنس فقلت: إني قدمت لأسمع العلم، وأسمعُ ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد.

وقال أبو داود عن يحيى بن معين: أثبتُ الناس في هشامِ بن عروة عبدُ الرحمن بن أبي الزِّناد.

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، في حديثه ضعف.

(1)

انظر (ص/147). وانظر الأقوال فيه في «تهذيب الكمال» : (4/ 400).

ص: 203

وقد استشهد به البخاري في «صحيحه»

(1)

، وروى له مسلم في مقدمة كتابه

(2)

، وقد ضعّفه يحيى بن معين، وأبو زُرعة، وأبو حاتم الرازيان، والصواب في أمره القول الثالث، وهو التفصيل.

قال عبد الله بن علي بن المديني، عن أبيه: ما حدَّث في المدينة فهو صحيح، وما حدَّث ببغداد أفسده عليه البغداديون.

وقال يعقوب بن شيبة: سمعت عليَّ بن المديني يقول: حديثه في المدينة مقارَب، وما حدَّث به في العراق فهو مضطرب.

وقال عَمْرو بن علي: فيه ضعف، ما حدَّث بالمدينة أصحّ مما حدّث ببغداد.

وقال زكريا بن يحيى الساجي: فيه ضعف، وما حدَّث بالمدينة أصحّ مما حدّث ببغداد.

وعلى طريقة هؤلاء فيه يَجِبُ أن يكون حديثه هذا مقبولًا، وأقلّ درجاته أن يكون حسنًا، بل في أعلى رتب الحسن؛ لأنه من رواية أهل المدينة عنه.

قال ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عُقْبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، فذكره

(3)

.

(1)

رقم (1173) وغيرها.

(2)

(1/ 15).

(3)

تقدم (ص/11 - 12).

ص: 204

وقال البخاري

(1)

: ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن موسى بن عُقْبة، فذكره.

وأما معارضة هذا الحديث بحديث أبي بكر النهشلي، عن عاصم ابن كُليب، عن أبيه، عن علي: أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرةٍ من الصلاة ثم لا يرفع بعدُ

(2)

.

فيا سبحان الله! ما الذي جعل أبا بكر النّهشليّ أولى بقبول حديثه من عبد الرحمن بن أبي الزناد؟ ومعلوم عند كلِّ من له علم بالحديث فضل ما بين النَّهْشلي وعبدالرحمن بن أبي الزناد في العلم والحفظ والفضل، وإنما أُنْكِر على ابن أبي الزناد بعضُ حديثه بالعراق لوهمٍ وقع فيه، وأبو بكر النّهشليّ فمعروف أيضًا بالوهم.

قال أبو حاتم بن حبّان

(3)

: كان شيخًا صالحًا لكن غلب عليه التقشُّف حتى صار يَهِم وهو لا يعلم، فبطل الاحتجاج به.

وأما قول الذهبي: إنه رجل صالح يتكلَّم فيه ابن حبان بلا وجه

(4)

؛

(1)

«رفع اليدين» (ص/22).

(2)

تقدم تخريجه والجواب عنه (ص/86 - 87). ووقع في (ف): «ثم لايعد» .

(3)

«المجروحين» : (3/ 145). ونص عبارته: «كان شيخًا صالحًا فاضلًا، غلبَ عليه التقشُّف حتى صار يَهِم ولا يعلم، ويخطئ ولايفهم، فبطل الاحتجاج به وإن كان ظاهره الصلاح» .

(4)

تكلم فيه الذهبي في عدد من كتبه، «السير»:(7/ 333)، و «تاريخ الإسلام»:(4/ 556 - 557 - بشار)، و «الميزان»:(6/ 170)، وأقربها إلى ما ذكره المؤلف ما في كتابه «من تكلم فيه وهو موثق» (رقم 398) قال:«صالح الحديث، تكلم فيه ابن حبان» . و «المغني» : (2/ 773) قال: «صدوق، تكلم فيه ابن حبان» .

ص: 205

فشهادةٌ على نفيٍ لا علمَ له به، قد عَلِمَه ابن حبان وعرَّف به، وهو أنه يهم ولا يعلم. ولا ريب أن من كان يكثر منه الوهم وهو لا يعلم لم يحتج بحديثه، وأما إذا قلَّ وهمه لم يسقط حديثه.

وبالجملة فالنَّهشليّ إن لم يكن دون عبد الرحمن بن أبي الزناد فليس فوقه، فما الذي جعله أولى بالقبول منه؟ هذا مع أن كليبًا والد عاصم بن كُليب ليس من المعروفين المشهورين.

قال الحافظ أبو الحجاج المِزِّي في «تهذيبه»

(1)

: «قال النسائي فيما قرأت بخطِّه: كليبٌ هذا لا يعلم أن أحدًا روى عنه غير ابنه عاصم بن كُليب، وغير إبراهيم بن مهاجر، وإبراهيم بن مهاجر ليس بقوي في الحديث» .

ولا ريب أن الجهالة المطلقة لا ترتفع عن الراوي إلا برواية ثقتين فصاعدا عنه

(2)

، ولم يحصل ذلك في حقّ كُليب، فكيف يُقدَّم حديثه على حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد؟

قالوا: سلَّمنا صِحَّته، فغايته أن يتضمَّن فعل عليٍّ لما روى خلافَه، والعذرُ عنه كما تقدَّم العذر عمّا رُوي عن عمر بن الخطاب سواء بسواء، والله أعلم.

(1)

(6/ 175).

(2)

هذا في حق من لم يوجد فيه جرح ولا تعديل، أما من تكلم فيه النقاد فقد ارتفعت جهالة حاله. انظر «ضوابط الجرح والتعديل»:(ص 105) لشيخنا عبدالعزيز العبداللطيف، و «الكفاية» (ص 93).

ص: 206

وإذا عُرِف هذا فيقال: حديث ابن أبي الزناد هذا قد دلّ على أن حديث أبي بكر النّهشلي على أحد وجهين: إما أن يكون في نفسه سقيمًا أو يكون عليٌّ تَرَك الرفعَ في بعض الأحيان لعذر أو لسهو ونسيان، أو لبيان الجواز. وهذا أولى من ردِّ روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم بالترك المجمل، وهذا مما لا يشكّ فيه منصف.

وحاشا لله أن يُظن بعليٍّ أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم سنةً قد شاهدها هو وغيره، ثم يتركها ويستمرّ على تركها رغبةً عنها وكراهة لها. هذا مما لا يُظنّ بمن هو دون علي رضي الله عنه بكثير فكيف به! فحديث أبي بكر النّهشلي إذا صحّ ففيه الحجة على من يرى الرفع فرضًا في الصلاة مع إمكان منعه للاحتجاج به عليه، إذ الحجةُ عندَه في روايته، لا في رأيه ومذهبه.

فصل

* وأما ردّكم لحديث مالك بن الحُوَيرث باضطرابه

(1)

، فقد برَّأه الله من الاضطراب، ورميه بالاضطراب من باب بَغْي البريء العَنَتَ

(2)

، ومِن تَكَلُّف ردِّ السُّنن نُصْرةً لآراء الرجال.

(1)

تقدم تخريجه (ص/15)، ودعواهم الاضطراب (ص/148 - 149).

(2)

أي من باب اتهام البريء بالخطأ، وطلب العيب له. انظر «النهاية في غريب الحديث»:(3/ 306).

ص: 207

فيا سبحان الله! أيُّ اضطرابٍ وتناقض بين قوله: «حتى يحاذي بهما أُذنيه» ، وقوله:«فروع أُذنيه» ؟ أفترى إذا حاذى فروع الأذنين لم يصحّ أن يقال: حاذى الأذنين!

وكذلك قوله: «قريبًا من أُذُنيه» ، وقوله في اللفظ الآخر:«حَذْو مَنْكِبيه» ، أراد به أن يكون أسافل اليدين حذو المنكبين، ورؤوس الأصابع حذو فروع الأذنين، فأيُّ اضطراب واختلاف في هذا غير مخالفته لقولكم؟ ولو ساغ لأحدٍ ردّ السُّنن بمثل هذا التوهُّم الباطل لأفلس العلماء من كثير من السنن التي عليها مدار الدين، والله المستعان.

قالوا: وأما قولكم: لعل مالك بن الحويرث رآه مرةً أو مرتين، فكيف يُقدَّم على حديث من لعله قد صلى معه عشرين ألف صلاة

(1)

؟! فهذا لو انفرد به مالك بن الحويرث لم يسغ ردّه بمثل هذا، فإن روايته تضمنت زيادة على ما رواه غيره، فكيف وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من تقدم ذكرهم.

قالوا: وهلَّا رددتم حديثَ وضع الأيدي على الرُّكَب، مع أنه حديث فَرْد بحديث ابن مسعود وقلتم: لعله قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين ألف صلاة؟

وأيضًا: فعبدالله بن عمر قد صلى معه نحو هذه الصلوات، فهلَّا كانت صلاته معه كذلك وطول صحبته له موجبةً لقبول روايته عنه صلى الله عليه وسلم، مع تضمّنها زيادةَ إثباتٍ خفيت على ابن مسعود؟

(1)

انظر (ص/149).

ص: 208

فإن قيل: عبد الله بن عمر كان صغيرًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومثله لم يكن يقوم في الصف الأول بحيث يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ابن مسعود فكان رجلًا كبيرًا مقامه في الصف حيث يقوم الرجال البالغون.

قالوا: فالجواب أن نقول: الحمد لله الذي عافانا من ردِّ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدح في أصحابه، وأنهم رووا ما لم يضبطوه أو لم يشاهدوه، ولا علم لهم به!

قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري

(1)

: «والعجب أن يقول أحدهم: كان ابن عمر صغيرًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ولقد شَهِد النبيّ صلى الله عليه وسلم لابن عمر بالصلاح.

حدثنا يحيى بن سليمان، ثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سالم [بن]

(2)

عبد الله، عن أبيه، عن حفصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن عبد الله بن عمر رجلٌ صالح» .

حدثنا عليّ بن عبد الله، ثنا سفيان قال: قال عَمرو: قال ابن عمر: إني لأذكر حين [ق 68] أسلم عمر، فقالوا

(3)

: صَبَأ عمر، فجاء العاصُ بن وائل فقال: صبأ عمر فَمَهْ، فأنا له جارٌ، فتركوه.

قال سعيد بن المسيّب: لو شهدتُ لأحدٍ أنه من أهل الجنة لشهدت لابن عمر.

(1)

«رفع اليدين» (ص/98 - فما بعدها).

(2)

الأصل وفرعه «عن» والتصحيح من كتاب البخاري.

(3)

الأصل: «فقال» ، والمثبت من كتاب الرفع، و «صحيح البخاري» كتاب فضائل الصحابة، باب إسلام عمر رضي الله عنه.

ص: 209

وقال جابر بن عبد الله: لم يكن أحدٌ منهم ألْزَمَ لطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أَتْبعَ من ابنِ عمر». انتهى كلام البخاري.

قالوا: فعبدالله بن عمر من المهاجرين الأوَّلين، أسلم قديمًا مع أبيه، وهاجر معه، وقدّمه أمامه

(1)

في ثَقَله

(2)

، فمِنْ هاهنا قيل: هاجر قبل أبيه. وشهد الخندق وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد قال الزّهري: لا نَعْدِل برأي ابن عمر، فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة فلَمْ يخفَ عليه شيءٌ من أمره ولا من أمر أصحابه

(3)

.

قال ابن عبدالبر

(4)

: وقد قيل: إن إسلامه كان قبل إسلام أبيه، ولا يصح، وكان عبد الله بن عمر ينكر ذلك. وأصحّ من ذلك قولهم: إن هجرته كانت قبل هجرة أبيه.

قال سفيان بن عُيينة

(5)

، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد: أدرك ابن عمر

(1)

الأصل: «أمه» وأصلحها في (ف).

(2)

الثَّقَل ــ بفتح الثاء والقاف ــ ما يحمله المسافر من متاع وغيره. وفي ذلك حديث عن ابن عمر قال: لعن الله من يزعم أني هاجرت قبل أبي إنما قدمني في ثَقَله. قال الهيثمي في «المجمع» : (6/ 78): رواه الطبراني وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف.

(3)

أخرجه الحاكم: (3/ 559)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه»:(31/ 164).

(4)

في «الاستيعاب» : (2/ 334 - 335). والأخبار الآتية نقلها المؤلف منه.

(5)

في الأصل و (ف) زيادة: «عن أبيه» وهي مقحمة، إذ لا وجود لها في مصادر الأثر، وابن عيينة يروي عن ابن أبي نجيح ليس بينهما واسطة.

ص: 210

الفتحَ وهو ابن عشرين سنة

(1)

.

وقال ميمون بن مِهْران: ما رأيت أورع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس

(2)

.

قال مالك بن أنس: بلغ ابن عمر ستًّا وثمانين سنة، وأفتى في الإسلام ستين سنة ونَشَر نافعٌ عنه علمًا جمًّا

(3)

.

وبالجملة فرَدُّ السنة الثابتة التي لا مَطْعن فيها لطاعن بهذا ونحوه ليس من فعل أهل العلم.

قالوا: وقد اشتد إنكاركم لقول من قال: إن أنسًا كان صغيرًا حيث قال: صليتُ خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يقرؤون:«بسم الله الرحمن الرحيم» في أول قراءة ولا في آخرها

(4)

. وبالغتم في الردّ على من قال: كان أنس صغيرًا لا يضبط ذلك.

واشتدّ إنكار أصحاب أبي حنيفة رحمه الله لقول من ردّ حديثه في

(1)

أخرجه أحمد (4600) عن سفيان به.

(2)

أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» : (6/ 225)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه»:(31/ 115). وجاء مثله عن طاووس أيضًا. أخرجه أحمد في «الزهد» (ص/192)، والبيهقي في «المدخل» (127).

(3)

ذكره في «الاستيعاب» : (2/ 335)، وفي «تهذيب الكمال»:(4/ 218) وفيه: «وافى في الإسلام» بدل «وأفتى» .

(4)

أخرجه البخاري (734)، ومسلم (399).

ص: 211

إحرام النبي صلى الله عليه وسلم بالقِران

(1)

، بأنه كان صغيرًا، وقالوا: لا نظن بالصحابة ذلك، وهذا يتطرّق إلى إبطال السنن.

فهلّا كِلْتم لأنفسكم ههنا بالصّاع الذي كِلْتم به لِمُنازِعيكم، وهل سمعتم أحدًا من أهل العلم ردّ روايات ابن عباس بصغره، وتأخُّر لقائه للنبي صلى الله عليه وسلم؟ فإنه إنما صَحِبه بعد الفتح. وأما أنس، وعبد الله بن عمر فاختصاصهما به وبصحبته فبالمكان الذي لا يجهله أهل العلم، والله المستعان.

فصل

* قالوا: وأما ردّكم لحديث وائل بن حُجْر

(2)

، بأن إبراهيم قد ضادّه بما ذكر عن ابن مسعود أنه لم يكن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ما ذكر، وعبد الله أقدم صحبةً للنبي صلى الله عليه وسلم وأفهم بأفعاله من وائل؛ فمِن النَّمَط الأول أيضًا في ردّ السنن بغير موجب.

وأعجب من هذا ما حكاه البخاري عن بعضهم: بأنه ردّ الحديثَ بأن قال: وائل مجهول.

قال البخاري

(3)

: «وطعن بعض مَن لا يعلم فقال: مَنْ وائل بن حُجْر؟

(1)

أخرجه البخاري (2986)، وأصله في مسلم (690).

(2)

تقدم تخريجه (ص/16). وكلامهم فيه (ص/150 - 152).

(3)

«رفع اليدين» (ص/101 - 107). والنص في مطبوعة كتاب البخاري «وطعن من لا يعلم في وائل بن حجر أن وائل بن حجر من أبناء

» وفي الكلام نقص ظاهر. وهو على الصواب ــ كما نقله المصنف ــ في مخطوطة الظاهرية العتيقة (ق 23) من

=

=

كتاب رفع اليدين، وقد سبقت الإشارة إلى أهميتها في المقدمة.

ص: 212

قال البخاري: ووائل بن حُجر مِن [ق 69] أبناء ملوك اليمن، وقَدِم على النبي صلى الله عليه وسلم فأكرمه وأقْطَع له أرضًا وبعث معه معاوية بن أبي سفيان.

حدثنا حفص بن عمر، عن [جامع بن مطر، عن]

(1)

علقمة بن وائل، عن أبيه: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَع له أرضًا بحضرموت.

قال البخاري: وقصّة وائل مشهورة عند أهل العلم، وما ذُكِر

(2)

في أمره وما أعطاه معروف بذهابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرةً بعد مرة

(3)

.

قال البخاري: ولو ثبتَ عن ابن مسعود

(4)

، والبراء، وجابر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شيء لكان في عِلل هؤلاء الذين لا يعلمون أنهم يقولون: إنّ رؤساءنا لم يأخذوا بهذا، وليس هذا بمأخوذ، فما يزيدون الحديثَ إلا تعلُّلً

(5)

برأيهم، فقد قال وكيع: من طلب الحديث كما جاء فهو صاحب سنة، ومن طلب الحديث ليقوّي هواه، فهو صاحب بدعة.

(1)

سقط من الأصل و (ف)، واستدركناه من كتاب البخاري (ص/103، 105)(ق 27، 28) وكذا في المعكوفات بعده.

(2)

«الرفع» : «وما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم» .

(3)

انظر «التاريخ الكبير» : (8/ 175) للبخاري.

(4)

«ابن مسعود» سقط من (ف).

(5)

كذا في الأصل و (ف) ومخطوطة كتاب الرفع (ق 27) بدون ألف على اللام مع أن حقها النصب. وذلك سائغ على لغة ربيعة، وهم يحذفون التنوين من الألف ويقفون بتسكين الحرف الذي قبله. وقد نبّه غير واحد من العلماء على وقوع ذلك كثيرًا في كتب الحديث وكلام المحدثين، منهم النووي في «شرح مسلم»:(2/ 227)، وانظر «الرسالة» (فقرة 198، 243، 691، 1218 وغيرها) للشافعي بتعليق وشرح الشيخ أحمد شاكر.

ص: 213

قال البخاري: «يعني أن الإنسان ينبغي له أن يُلقي رأيه لحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث ثبت الحديث، ولا يعتلّ بعلل لا تصحّ ليقوّي هواه، وقد ذُكِر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يؤمن أحدُكم حتى يكون هواه تَبَعًا لما جئتُ به»

(1)

.

وقد قال بعض أهل العلم: كان الأوَّل فالأول أعلم، وهؤلاء الآخر فالآخر عندهم أعلم! ولقد قال ابن المبارك: كنت أصلي إلى جانب النعمان، فرفعتُ يديّ، فقال لي: ما خشيتَ أن تطير؟ فقلت: إن لم أَطِر في الأولى لم أَطِر في الثانية

(2)

. قال وكيع: رحمة الله على ابن المبارك، لقد كان حاضر الجواب، فتحيَّر الآخر». انتهى كلام البخاري.

والمقصود أن وائل بن حُجر من مشاهير الصحابة باتفاق أهل العلم، والأمةُ كلها تلقّت رواياته بالقبول دون الردّ والدفع. ولوائل بن حُجْر عن النبي صلى الله عليه وسلم عِدّة سنن رواها أهل الصحاح والسنن والمساند، وتلقاها العلماء كلهم بالقبول، ولم يردّوا شيئًا منها.

فمنها: ما رواه البخاري في «صحيحه»

(3)

عن علقمة بن وائل، عن أبيه قال: إني لقاعد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ يقودُ آخر بنِسْعَة، فقال: يا رسول الله، هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أقتلتَه؟» فقال: إنه لو لم يعترف أقمتُ عليه البيِّنة، قال: نعم قتلتُه، قال:«كيف قتلتَه؟» قال: كنت أنا وهو

(1)

أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (15).

(2)

سبق هذا الخبر مع تخريجه (ص/134).

(3)

كذا نسبه المصنف هنا للبخاري، وفي كتابه «زاد المعاد»:(5/ 8)، و «إعلام الموقعين»:(6/ 499) نَسَبه لمسلم (1680) فقط، وهو الصواب، وانظر «تحفة الأشراف»:(9/ 86).

ص: 214

نَحْتطب

(1)

من شجرة، فسبَّني فأغضبني، فضربتُه بالفأس على قرنه، فقتلتُه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«هل لك من شيء تؤدّيه عن نفسك؟» قال: ما لي مالٌ إلا كسائي وفأسي. قال: «فترى قومَك يشترونك؟» قال: أنا أهْوَن على قومي من ذاك، فرمى إليه بنِسْعتِه. وقال:«دونَك صاحبَك» ، فانطلق به الرجل. فلمَّا ولَّى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن قتلَه فهو مثلُه» ، فرجع فقال: يا رسول الله! بلغني أنك قلتَ: «إن قتلَه فهو مثلُه» وأخَذْتُه بأمرِك، فقال [ق 70] رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أما تريدُ أن يَبوءَ بإثْمِك وإثم صاحبك؟» قال: يا نبيَّ الله ــ لعله قال ــ: بلى، قال:«فإنه كذلك» . قال: فرمى بنِسْعَته وخلّى سبيلَه.

وفي «مسند أحمد»

(2)

من حديث عبدالجبار بن وائل، عن أبيه قال: أُتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء، فشرب منه، ثم مجَّ في الدَّلو، ثم صَبَّ في البئر، أو شَرِب من الدّلو، ثم مجّ في البئر، ففاح منها مثل ريح المِسْك.

وفي «المسند»

(3)

عنه أيضًا: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يسجد على أنفه مع جبهته.

وسمعته يقول: «آمين» يمدّ بها صوته.

(1)

كذا في الأصل و (ف) وفي بعض مصادر الحديث، وفي الصحيح «نختبط» وراجعتُ نسخة ابن خير من صحيح مسلم (ق 253) فوجدته كذلك، وهو كذلك في «إعلام الموقعين»:(6/ 499) للمصنف.

(2)

(18838).

(3)

(18840). وما بعده (18841).

ص: 215

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عن وائل قال: سأل سَلَمةُ بن يزيد الجعفي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! أرأيتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقّهم ويمنعونا حقّنا، فما تأمرنا؟ فأعْرَض عنه، ثم سأله، فأعْرَض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، فجَذَبَه الأشعثُ بن قيس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم» .

وفي «صحيح مسلم»

(2)

حديثه هذا الذي نحن فيه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي «صحيح مسلم»

(3)

عنه: أن رجلًا يقال له: سُويد بن طارق سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الخَمْر، فنهاه عنها، قال: نصنعها للدواء؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنها داء وليست بدواء» .

وفي «المسند»

(4)

عنه: صلَّيتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال رجل: «الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه» ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مَن القائل؟» فقال رجل: أنا يا رسول الله، وما أردت إلا الخير، فقال:«لقد فُتِحَت لها أبوابُ السماء فلم يُنَهْنِهْها دون العرش» .

(1)

(1846).

(2)

(401).

(3)

(1984) و (ق 300 - نسخة ابن خير). وفيه: «طارق بن سويد» . وقد اختلف في اسمه على هذين الوجهين، انظر «إكمال تهذيب الكمال»:(7/ 44) لمغلطاي، و «الإصابة»:(3/ 508 - 509).

(4)

(18860).

ص: 216

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا: الكَرْم ولكن قولوا: العِنب والحَبْلَة» .

وفي «صحيح مسلم»

(2)

أيضًا عنه قال: كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجلان يَخْتصمان في أرض. فقال أحدهما: إن هذا انْتَزى

(3)

على أرضي في الجاهلية

فذكر الحديث.

وفيه وفي «مسند أحمد»

(4)

عنه قال: اسْتُكرِهَت امرأةٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدَرَأ عنها الحدّ، وأقامَه على الذي أصابَها، ولم يذكر أنه جَعَل لها مهرًا.

وفي الترمذي

(5)

عنه: أن امرأة خرجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة، فتلقّاها رجلٌ فتجَلَّلها فقضى حاجَته منها، فصاحت، فانطلق، [ومرَّ عليها رجلٌ فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا]، فمرّت بعصابةٍ من المهاجرين، فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا، فأخذوا الرجلَ الذي ظنَّت أنه وقع عليها، فأتوها به فقالت: نعم هو ذا، فأتوا به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فلما أمَرَ به ليُرْجَم قام صاحبُها الذي وقع عليها، فقال: يا رسول الله أنا

(1)

(2248).

(2)

(139).

(3)

في الأصل و (ف): «بزني» تحريف، وكتب فوقها ناسخ الأصل ميمًا صغيرة إشارةً إلى الشكّ فيها.

(4)

(18872).

(5)

(1454). وما بين المعكوفات منه.

ص: 217

صاحبها، فقال لها:«اذهبي فقد غفر الله لك» ، [ق 71] وقال لها قولًا حسنًا، وقال للرجل [قولاً حسنًا، وقال للرجل] الذي وقع عليها: «ارجموه» ، وقال:«لقد تاب توبةً لو تابها أهل المدينة لقُبِل منهم» . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح

(1)

.

وفي «المسند»

(2)

عن علقمة [بن]

(3)

وائل، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَه أرضًا، قال: فأرسل معي معاوية: أن أعْطِها إياه، فقال لي معاوية: أرْدِفْني خلفك، فقلت: لا تكون من أرداف الملوك، فقال: أعطني نعلك، فقلتُ: انتعل ظلّ الناقة، فلما اسْتُخْلِف معاوية أتيتُه فأقعدني معه على السرير، فذكَّرني الحديث. قال: فوددت أني حملته بين يديّ.

فهذه نبذةٌ من حال هذا الرجل الذي لا يُعرف، ورُدّت روايته عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بالوهم الباطل والخيال الفاسد!

قالوا: وغاية ما ذُكِر عن ابن مسعود أنه فِعْل صحابيّ خالفه فيه جمهور الصحابة، وهذا ليس بحجّة باتفاق الناس، فكيف يسوغ ردّ السنة الصحيحة وتقديمه عليها؟ ولو ساغ ردّ كلّ سنة خالفها واحد من الصحابة لرُدّ من السنة شيء كثير، [فإنه]

(4)

قلّ أحدٌ من الصحابة ومن بعدهم إلا وقد خَفِي

(1)

وفي بعض النسخ: «حسن غريب صحيح» ، وفي أخرى «حسن غريب» ، انظر «تحفة الأشراف»:(9/ 87).

(2)

(27239).

(3)

الأصل و (ف): «عن» خطأ، والتصحيح من مصادر الحديث.

(4)

طمس في الأصل، وبياض في (ف)، ولعله ما أثبت.

ص: 218

عليه بعضُ [أمر]

(1)

رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عمر بن عبد البر

(2)

: «وما أعلم أحدًا من الصحابة إلا وقد شذّ عنه من علم الخاصة، والوارد بنقل الآحاد أشياء حفظها غيره، وذلك على مَن بعدهم أجْوَز، والإحاطة ممتنعة على كل أحد» .

قالوا: ولو فرضنا أن ابن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه إلا في أول مرة لم يَسُغْ ردّ رواية من روى عنه صلى الله عليه وسلم إثبات الرفع ولو رآه مرةً واحدة، إذ كان عدلًا صادقًا مصدَّقًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يسوغ ردّ ما شاهده وعاينه بكون غيره من الصحابة نفاه؛ لأن المُثْبِت مقدّم على النافي، فكيف وابن مسعود لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ترك الرفعَ هو، وغيرُه من الصحابة فَعَله ونَقَله عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

ثم من العجب ردّكم للأحاديث المتصلة المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمرسل المنقطع الموقوف على الصحابي.

فصل

* قالوا: وأما ردّكم لحديث أبي هريرة

(3)

بأنه من رواية إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، وهو من غير أهل بلده

(4)

.

(1)

طمس في الأصل، وكتب في (ف) لكنه بخط مغاير لخط الناسخ.

(2)

في كتاب «الاستذكار» : (1/ 23 - دارالكتب العلمية) وقد مضى النص (ص/65).

(3)

سبق تخريجه (ص/16 - 17).

(4)

انظر ما سبق (ص/153).

ص: 219

فجوابه: أنا لم نعتمد على حديثه بمجرّده حتى يلزمنا ما ذكرتم، بل العمدة على الأساطين التي لا تُغْمَز قناتُها ولا تُفَلّ شَبَاتُها، وهب أن رواية إسماعيل بن عيّاش لم تفد شيئًا ألبتة، فإن ذلك لا يضرّ الأحاديث الصحيحة شيئًا، كيف وإسماعيل بن عيَّاش من ثقات [ق 72] الشاميين والحُفَّاظ المكثرين الذين لكثرة روايتهم يقع الوهم في بعض حديثهم، ومثل هؤلاء إنما يُتَّقى من حديثهم ما انفردوا به أو خالفوا فيه الأثبات، فيورث ذلك توقُّفًا فيما تفرّدوا به أو خالفوا فيه من هو أثبت منهم، فإذا روى أحدُهم ما هو معروف غير منكر، وهو ثقة في نفسه، لم يَسُغ ردّ حديثه.

ولا ريب أن إسماعيل بن عيَّاش لم يردّ أحدٌ من المحدِّثين حديثه كلّه، ولم يقبله كلّه، فالواجب نقدُ حديثه واعتبارُه.

والذي يُخاف من هذا الحديث أن يكون وَهِمَ في رفعه، فقد رواه محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة: «أنه كان إذا كَبّر رفعَ يديه، وإذا ركع

(1)

، وإذا رفع رأسَه من الرُّكوع»، رواه البخاري في كتاب «رفع اليدين»

(2)

عن محمد بن الصلت، ثنا أبو شهاب عبدُ ربه، عن ابن إسحاق.

قال البخاري

(3)

: «وثنا سليمان بن حَرْب، ثنا يزيد بن إبراهيم، عن

(1)

الأصل و (ف): «وإذا كبر وإذا ركع .. » سهو.

(2)

(ص/60). وتابع أبا شهاب في الرواية عن ابن إسحاق إسماعيلُ بن علية. ذكره ابن عبدالبر في «التمهيد» : (9/ 217).

(3)

(ص/61).

ص: 220

قيس بن سَعْد، عن عطاء قال: صليتُ مع أبي هريرة رضي الله عنه فكان يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع».

قال البخاري

(1)

: «ويُروى عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عُبيد بن عُمير، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يرفع يديه عند الركوع، وإذا رفع رأسه. قال البخاري: وفيما ذكرنا كفاية لمن يفهمه إن شاء الله تعالى» .

قالوا: [وإن] حاكمناكم إلى قواعدكم في أن الرفع زيادة يجب قبولها من الثقة= وجبَ عليكم قبول هذه الزيادة، وهي رفع حديث أبي هريرة من إسماعيل بن عيّاش، فإنه ثقة غير مدافَع، وقد صرّح بالسماع من صالح بن كيسان، فانتفت عنه تهمة التدليس.

قال البخاري

(2)

: «ثنا محمد بن مقاتل، ثنا عبد الله، ثنا إسماعيل، ثنا صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حَذْو منكبيه: حين يكبر يفتتح الصلاة، وحين يركع» .

فإذا كان إسماعيل ثقة حافظًا وقد قال: «حدثنا» وجب قبول حديثه ما لم يمنع منه مانع.

(1)

(ص/70 - 73).

(2)

(ص/114).

ص: 221

قالوا: وإن حاكمناكم إلى قواعد المحدِّثين أيضًا حكموا لنا عليكم؛ فإن هذا الحديث قد رُوي من وجهين مختلفين عن أبي هريرة، من فعله وروايته، وأحدهما يصدِّق الآخر؛ لأنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعَمِل به، وروى عنه عبد الرحمن الأعرج الأمرين معًا، فحفظَ صالحُ بن كيسان المرفوع، وحفظ محمد بن إسحاق الموقوف، فالحديثان محفوظان، ولم يقم ما يوجب إبطال إحدى الروايتين بالأخرى.

قالوا: ويدلّ على أن للحديث أصلًا وأنه محفوظ: رواية الليث بن سعدٍ له [ق 73] عن يحيى بن أيوب، عن ابن جُرَيج، عن الزّهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر للصلاة جَعَل يديه حَذْو منكبيه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، [وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك] وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك

(1)

.

فهذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتجّ بيحيى بن أيوب، وقد رواه عن الزهري جماعة

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود (738) وما بين المعكوفين منه. وأخرجه ابن خزيمة (694) من طريق شعيب بن يحيى التجيبي عن يحيى بن أيوب به. أما حديث أبي هريرة في البخاري (789)، ومسلم (392) من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن به فهو في تكبيرات الانتقال وليس في رفع اليدين في الركوع والرفع منه. كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف»:(10/ 428 - 429 - بهامش التحفة).

(2)

بعده بياض في الأصل وفرعه بمقدار سطرين ونصف. وانظر ما تقدم (ص 17 و «تهذيب السنن»: (1/ 375) للمصنف.

ص: 222

فصل

* وأما ردُّكم لحديث أنس

(1)

بتضعيف عبد الوهاب الثقفي؛ فعَنَتٌ ظاهر، فإن عبد الوهاب أحد الأئمة الأعلام، وقد اتفق الجماعة على إخراج حديثه، روى له الستة. وهو يُقْرَن بجرير بن عبدالحميد، ومُعتمِر بن سليمان، وطبَقَتِهما.

قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: عبد الوهاب الثقفي أثبت من عبدالأعلى الشامي، والثقفيّ أعْرف وأوثق عند أصحابه من عبد الأعلى

(2)

.

وقال الدارمي

(3)

: سألت يحيى بن معين، قلت: فالثقفي؟ قال: ثقة. قلت: هو أحبّ إليك في أيوب أو عبدالوارث؟ قال: عبدالوارث، قلت: ما حال وُهيب في أيوب؟ قال: ثقة. قلت: هو أحبّ إليك أو الثقفيّ؟ قال: ثقة وثقة.

وقال علي بن المديني: ليس في الدنيا كتاب عن يحيى أصح من كتاب عبد الوهاب، وكل كتاب عن يحيى فهو عليه كَلّ

(4)

. يعني كتاب

(1)

تقدم تخريجه (ص/18). وتقدم كلامهم عليه (ص/153 - 154).

(2)

في «العلل» : (1/ 381). ونقله ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» : (6/ 71) وفيه: «عند أصحابنا» .

(3)

في «تاريخه» (ص/54 - 55).

(4)

الأصل: «غلبه كل» ! وعلى «كل» علامة، تعني الشك في الكلمة، وفي (ف) بعد أن كتبها غير محررة علق في الهامش عليها:«لعله: عيال» .

ص: 223

عبد الوهاب

(1)

.

ولا يضره اختلاطه قبل موته كما قيل، فإنه روى هذا الحديث عن حُميد، وروايته عنه قديمة، فهو من أقدم شيوخه

(2)

، ولهذا خرَّج البخاريّ

(3)

حديثَه عن حُمَيد: «يا بني سَلِمة ألا تحتسبون آثاركم» .

والذي يُخاف من هذا الحديث أن لا يكون رَفْعُه محفوظًا؛ إذ قد رواه الثقات الأثبات عن أنس موقوفًا عليه، فمَن قدّم الرفعَ كأنه زيادة من الثقة فلا إشكال، ومن قدَّم الوقف ههنا لكثرة الواقفين وتميّزهم بالحفظ والإتقان كان غايته أن يكون موقوفًا على أنس. وابنُ خُزيمة وغيره يصَحّحه مرفوعًا، والدارقطنيُّ يصحِّحه موقوفًا

(4)

. فإن كانا محفوظَين فالحجة قائمة به، وإن كان المحفوظ الموقوف لم يزدنا الاستشهادُ به إلا قوَّة وتثبيتًا، ويكون العمدة على غيره لا عليه وحده.

(1)

ذكره البسوي في «المعرفة والتاريخ» : (1/ 650).

(2)

كذا. وإنما البحث في تلاميذ عبد الوهاب، من منهم سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، فالراوي عنه في هذا الحديث هو محمد بن يحيى بن فيّاض، فهل روى عنه قبل التغير أو بعده؟ ومع ذلك فقد دافع عنه الذهبي، قال في «السير»:(9/ 239 - 240): «قلت: لكن ما ضره تغيره، فإنه لم يُحدِّث زمن التغير بشيء. قال العقيلي: حدثنا الحسين بن عبد الله الذارع، حدثنا أبو داود قال: تغير جرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفي، فحُجِب الناس عنهم» اهـ. وانظر «الكواكب النيرات» : (ص/314 - 319) لابن الكيّال.

(3)

(655).

(4)

انظر ما تقدم (ص/18).

ص: 224

فصل

* وأما ردّكم لحديث جابرٍ

(1)

بأنه من رواية أبي الزبير؛ فردٌّ مردود وعُذْر غير مقبول، فإن أبا الزبير من الحُفّاظ الثقات، ولم يزل الأئمة يحتجّون بحديثه، وحديثه هذا على شرط مسلم، فإنه يخرِّج أحاديثَه عن جابر في «صحيحه» ويحتجّ بها، ولم يلتفت إلى قول من يُعلّلها.

وأبو الزبير غير مدفوع عن الحفظ [ق 74] والصدق.

قال سفيان بن عيينة عن أبي الزبير: كان عطاء يقدِّمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث. فهذا ثناء شيخه عليه

(2)

.

وقال الإمام أحمد: قد احتمله الناس، وهو أحبّ إليّ من أبي سفيان

(3)

.

وقال يحيى بن معين: ثقة. وقال مرّةً: صالح. وقال مرّةً: هو أحبّ إليّ من أبي سفيان

(4)

.

وقال النسائي: ثقة.

(1)

تقدم تخريجه (ص/18 - 19). وكلامهم عليه (ص/154).

(2)

أخرجه عبد الله بن أحمد في «العلل» : (1/ 140).

(3)

«الجرح والتعديل» : (8/ 76).

(4)

ذكر كل هذه الروايات ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» : (8/ 76).

ص: 225

وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وإلى الضعف ما هو

(1)

.

وذكره ابن حبان في «الثقات»

(2)

وقال: لم ينصف من قدح فيه؛ لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك لأجله.

قلت: يريد ما ذكره محمد بن جعفر المدائني، عن ورقاء قال: قلت لشعبة: مالك تركتَ حديث أبي الزبير؟ قال: رأيته يَزِنُ ويسترجح في الميزان. ومعلومٌ أن حديث الرّجل لا يُردّ بمثل هذا

(3)

.

وقال أبو أحمد بن عدي

(4)

: كفى بأبي الزبير صِدقًا أن مالكًا روى عنه، ولا أعلم أنّ أحدًا من الثقات تخلّف عن أبي الزبير إلا وقد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة، إلا أنه يروي عنه بعض الضعفاء، فيكون ذلك من جهة الضعيف.

وفي الاحتجاج بأبي الزبير طريقة ثالثة، وهي طريقة جماعةٍ من حفّاظ المغرب: أن حديثه حجة إذا صرَّح بالسماع، أو كان من رواية الليث عنه خاصة، وهي طريقة أبي محمد بن حزم

(5)

، وأبي الحسن بن القطان

(6)

،

(1)

انظر «تهذيب الكمال» : (6/ 505).

(2)

(5/ 352).

(3)

قال الشيخ المعلمي في «عمارة القبور» (ص/84 - بتحقيقي) تعليقًا على هذا الجرح: «وغاية هذا المنافاة لكمال المروءة، وليس ذلك بجرح» .

(4)

في «الكامل» : (6/ 126).

(5)

انظر «المحلى» : (7/ 408، 419).

(6)

انظر «بيان الوهم والإيهام» : (4/ 319 - 322).

ص: 226

ومن وافقهما، قالا: لأنه معروف بالتدليس، والمدلّس إنما يحتجّ من روايته بما صرّح فيه بالسماع، وإنما قبلنا رواية الليث عنه؛ لأنه قال: قَدِمت مكة فدفع إليّ أبو الزبير كتابين، فسألته: هل سمع هذا من جابر؟ فقال: منه ما سمعت منه، ومنه ما حُدّثت عنه، فقلت: أَعْلِمْ لي على ما سمعت، فأعْلَم لي على هذا الذي عندي. ذكره سعيد بن أبي مريم، عن الليث

(1)

.

والصواب الاحتجاجُ به مطلقًا كما فعل مسلم وغيره؛ لأنه حافظ ثقة، والتدليس لا يُردّ به حديث الحفّاظ الأثبات، وقد احتجّ الناس بالأعمش، وبسفيان بن عيينة، وقتادة، وسفيان الثوري، والحَكَم، وعَمرو بن مرّة، وحُصين، والشعبي، وأبي إسحاق، وخلائق من الثقات المدلّسين الذين يَحتجّ بحديثهم أهلُ العلم. بل أكثر أهل الكوفة يدلّسون، ولم يسلم منهم من التدليس إلا نفرٌ يسير، فلو أسقطنا حديثَ المدلّس لذهب حديث هؤلاء وأضعافهم.

ثم كيف يليق بكم الطعن في حديث المدلّس وأنتم تقبلون المرسل؟! فكيف يجتمع ردّ حديث المدلس وقبول المرسل؟! وهل هذا إلا تناقض ظاهر!

والصواب عندنا في حديث المدلّسين والحديث المرسل: أن المدلّس إن كان عنده التدليس عن المتَّهمين والكذّابين والمجروحين والضعفاء لم يُقْبل تدليسه ولا إرساله، وإن كان لا يدلّس إلا عن ثقة لم يضرّ تدليسه،

(1)

أخرجه ابن عدي في «الكامل» : (6/ 124).

ص: 227

مثل: سفيان بن عُيينة وأضرابه، فإنه يدلّس عن مثله وعمن هو ثقة صدوق، فإنه يدلّس عن مثل [ق 75] مَعْمر، ومِسْعر، ومالك بن مِغْول، وزائدة

(1)

.

ومثل إبراهيم، فإنه إذا دلّس لم يدلس إلا عن ثقة

(2)

.

وأما قتادة فقد أكثر عن أنس، وسعيد بن المسيب، وقد سئل شعبة عن تدليس قتادة فقال: قد وقفته على ذلك، فقال: ما سمعته من أنس فقد سمعته، وما لم أسمعه منه فقد حدثني به عنه النضر بن أنس، وموسى بن أنس، وغيرهما من ولد أنس.

وأما إكثاره عن سعيد بن المسيب، فإنه لزمه مدة فقال له: ارحل عني يا أعمى فقد نَزَحْتني أو أَنْزَفْتَني

(3)

.

والمقصود أن من عُرِف بالتدليس عن غير الثقات وعن المجهولين، فإنه يتوقَّف فيما لم يصرّح فيه بالسماع، ومن لم يُعرف بالتدليس عن الضعفاء والمجروحين لم يتوقَّف في حديثه.

وتدليس المتقدِّمين كأبي الزبير، وإبراهيم، وطبقتهما، خير من تدليس المتأخّرين بطبقات، فلا يُسوّى بين التدليسين، والله أعلم.

(1)

انظر «صحيح ابن حبان» : (1/ 161)، و «التمهيد»:(1/ 17 - 18).

(2)

انظر «شرح معاني الآثار» : (1/ 226)، و «التمهيد»:(1/ 37 - 38).

(3)

انظر «الطبقات الكبرى» : (9/ 229) لابن سعد، و «الثقات»:(5/ 322).

ص: 228

فصل

قالوا: وأما ردُّكم لحديث أبي موسى الأشعري

(1)

بمحمد بن حُميد الرازي، وحَمْلكم عليه؛ فلا ريب أن الرجل كان من حفّاظ الإسلام المكثرين جدًّا، ولعل حفظه يوازي حِفْظ محمد بن إسحاق أو يقاربه. وقد روى الناس عنه، وممن روى عنه: يحيى بن معين، ومحمد بن يحيى الذُّهلي، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو القاسم البغوي، وخلائق.

قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: لا يزال بالرَّيّ علمٌ ما دام محمد بن حُميد حيًّا. قال عبد الله: ولما قَدِم محمد بن حُميد بغداد كان أبي في العسكر، فلما جاء أبي جعل الناسُ يسألونه ــ يعني عنه ــ فقال: ما بالهم يسألون عن محمد بن حُميد، فقلت: قدم ههنا فحدَّثهم بأحاديث لا يعرفونها، فقال: كتبتَ عنه؟ قلتُ: نعم كتبتُ عنه جُزءًا. قال: اعرض عليّ، فعرضته عليه، فقال: أما حديثه عن ابن المبارك وجرير فهو صحيح، وأما حديثه عن أهل الرَّيّ فهو أعلم

(2)

.

وسأل رجلٌ محمد بن يحيى الذُّهلي عنه، فقال: هو ذا أُحَدِّث عنه.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن ابن معين: ليس به بأس رازيٌّ كيّس. وقال علي بن الجُنيد عنه: ثقة، وهذه الأحاديث التي يحدِّث بها ليس من قِبَله إنما هي من قِبَل الشيوخ الذين يحدّث عنهم.

(1)

تقدم تخريجه (ص/19 - 20). وكلامهم عليه (ص/154 - 155).

(2)

«تاريخ بغداد» : (2/ 259).

ص: 229

وقال أبو حاتم الرازي: سألني يحيى بن معين عنه فقال: ما ينقمون عليه؟ فقلت: يكون في كتابه شيء، فيقول: ليس هذا هكذا، إنما هو كذا وكذا، فيأخذ القلم فيغيّره على ما يقول هو. فقال: بئس هذه الخصلة، قَدِم علينا بغداد فأخذنا منه كتاب يعقوب القمّي، ففرّقنا الأوراقَ بيننا، ومعنا أحمد بن حنبل فسمعناه، ولم نرَ إلا خيرًا

(1)

.

والذين نسبوه إلى الكذب لم يريدوا أنه كان يتعمّد [ق 76] الوضعَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجلُ أجلُّ من ذلك، وإنما هو الكذب في السماع بدعوى سماعٍ من رجل وبينه وبينه واسطة، وأنه يحدّث بما لم يسمعه، وأنه يحدّث بأحاديث أهل بلد عن أهل بلد آخر، كما كان يحدّث بأحاديث الكوفيين والبصريين عن الرّازيين، ويحدّث بالمغازي عن سلمة، وإنما سمعه من عليّ بن مِهْران، عن سلمة. وكان يُكثر جدًّا، فوقع في أحاديثه من المنكرات والأباطيل شيء كثير، ومثل هذا لا يُحتجّ بحديثه إذا انفرد به أو خالف فيه الثقات، فأما ما لم ينفرد به ولم يخالف فيه ثقة؛ فأقلّ أحواله أن يُعْتَضَد به وإن لم يُعْتَمد عليه.

وهب أنّ حديثه هذا لا يصلح لاعتمادٍ ولا لاعتضاد، ففي الأحاديث الصحيحة غُنْيَة عنه، وشأنكم به فمزِّقوا أديمَه كلَّ مُمَزّق، فإن ذلك لا يضرُّنا شيئًا!

(1)

كلام ابن معين وأبي حاتم في «الجرح والتعديل» : (7/ 232). وانظر «تهذيب الكمال» : (6/ 286) ولعله مصدر المؤلف في النقل.

ص: 230

* وأما ردُّكم لحديث عُمير بن حبيب الليثي

(1)

برِفْدَة بن قُضاعة؛ فنحن لم نذكره احتجاجًا به ولا اعتمادًا عليه، والعمدة على ما تقدّم، وإنما يفيدكم هذا أنْ لو لم يكن في الباب إلا حديثُه هذا.

فما ضرَّ صاحبَ الحقّ، إذا شهدَ له عشرةٌ عدول أو أكثر، أنْ يشهدَ له من ليس مثلهم في العدالة والثقة؟! فإنْ لم يزِد حقَّه قوةً لم يزده وهنًا.

* وأما ردُّكم لحديث ابن عباس

(2)

بعبد الله بن لهيعة؛ فلقد اشتهر ضعفُه على ألسنة الفِرق، ومع ذلك فهو أحد الأعلام المشاهير، وأحد حفَّاظ الإسلام غير مُدافَع، ولقي من التابعين نيّفًا وسبعين.

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة

ــ يعني بمصر ــ في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه! وحدّث عنه أحمد في «مسنده» بحديث كثير

(3)

.

وقال إبراهيم بن إسحاق: حملت رسالةَ الليث بن سعد إلى مالك بن أنس، وأخذتُ جوابها، فكان مالك يسألني عن ابن لهيعة، فأخبره بحاله، فجعل مالكٌ يقول لي: وابن لهيعة ليس يذكر الحجّ؟ فسبق إلى قلبي أنه يريد مشافهته والسماعَ منه

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه (ص/21)، وكلامهم عليه (ص/155 - 156).

(2)

تقدم تخريجه (ص/22)، وكلامهم عليه (ص/156 - 157).

(3)

«سؤالات الآجري لأبي داود» : (2/ 175) وليس فيه «في مسنده» .

(4)

أخرجه ابن حبان في «المجروحين» : (2/ 12).

ص: 231

وقال الحسن بن علي الخلال، عن زيد بن الحُباب، سمعت سفيان الثوري يقول: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع.

وسمعت الثوري يقول: حججتُ حِجَجًا لألتقي ابن لهيعة

(1)

.

وقال محمد بن معاوية: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: وددتُ أني سمعت من ابن لهيعة خمسمائة حديث، وأني غرمت مُودًى، كأنه يعني دِيَة

(2)

.

وقال أبو الطاهر بن السّرْح: سمعتُ ابن وهب يقول ــ وسأله رجلٌ عن حديث فحدّث به، فقال له الرجل: من حدثك بهذا يا أبا محمد؟ ــ فقال: حدثني به ــ والله الصادقُ البارّ ــ عبد الله بن لهيعة

(3)

. قال أبو الطاهر: وما سمعته يحلف بمثل هذا قط، وفي رواية: كان [ق 77] السائل إسماعيل بن معبد أخا عليّ بن مَعْبد

(4)

.

وقال حنبل بن إسحاق، عن أحمد بن حنبل: ابن لهيعة أجود قراءة لكتبه من ابن وهب

(5)

.

وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: ما كان بمصر يحدِّث إلا ابن

(1)

رواه أبو داود عن الخلال به في «سؤالات الآجري» : (2/ 176).

(2)

«تاريخ دمشق» : (32/ 143).

(3)

«الكامل» : (4/ 145).

(4)

«تهذيب الكمال» : (4/ 254).

(5)

«تاريخ دمشق» : (32/ 145).

ص: 232

لهيعة

(1)

.

وقال يعقوب بن سفيان

(2)

: «سمعت أبا جعفر أحمد بن صالح يثني عليه، وقال في أبي الأسود: ما أحسن حديثه عن ابن لهيعة، قال: فقلت: يقولون: سماعٌ قديم وسماعٌ حديث، فقال لي: ليس من هذا شيء، ابن لهيعة صحيح الكتاب، كان أخرج كتبه فأملى على الناس حتى كتبوا حديثه إملاء، فمن ضَبَط كان حديثه حسنًا صحيحًا، إلا أنه كان يحضر من يضبط ويُحسن، ويحضر قوم يكتبون ولا يضبطون ولا يصحِّحون، وآخرون نُظَّار

(3)

، وآخرون سمعوا مع آخرين، ثم لم يُخْرج ابن لهيعة بعد ذلك كتابًا، ولم يُرَ له كتاب، وكان من أراد السماعَ منه ذهب فاستنسخ ممن كتب عنه وجاءه فقرأه عليه، فمن وقع على نسخةٍ صحيحة فحديثه صحيح، ومن كتب من نسخة لم

(4)

تُضبط جاء فيه خللٌ كثير. ثم ذهب قوم، فكلّ من روى عنه عن عطاء بن أبي رباح فإنه سمع من عطاء وروى عن رجلٍ عن عطاء، وعن رجلين عن عطاء، وعن ثلاثة عن عطاء، تركوا مَنْ بينه وبين عطاء وجعلوه عن عطاء».

وقال يعقوب بن سفيان

(5)

: «قلت لأحمد بن صالح في حديث ابن لهيعة؟ فقال: لم تعرف مذهبي في الرجال، إني أذهب إلى أنه لا يُترك

(1)

«تاريخ دمشق» : (32/ 145).

(2)

«المعرفة والتاريخ» : (2/ 434).

(3)

كذا في الأصل، وفي «المعرفة» و «تهذيب الكمال»:(4/ 254): «نظارة» .

(4)

«المعرفة» : «نسخة ما لم» .

(5)

«المعرفة والتاريخ» : (2/ 435).

ص: 233

حديث محدّثٍ حتى يجتمع أهلُ مصره على ترك حديثه».

وقال أيضًا

(1)

: «كان ابن لهيعة طَلَّابًا للعلم صحيح الكتاب، وكان أملى عليهم حديثه من كتابه، فربما يكتب عنه قوم يعقلون

(2)

الحديثَ، وآخرون لا يضبطون، وقوم حضروا فلم يكتبوا فكتبوا بعد سماعَهم. فوقع علمُه على هذا إلى الناس، ثم لم يُخرج كتبه، وكان يقرأ من كتب الناس، فوقع حديثُه إلى الناس على هذا، فمن كتبَ بأَخَرَةٍ من كتاب صحيح قرأ عليه [على]

(3)

الصحَّة، ومن قرأ من كتاب من كان لا يضبط ولا يصحّح كتابَه وقع عنده على فساد الأصل».

وبالجملة فابن لهيعةَ أحدُ حُفَّاظ الإسلام الذين لم يُتَّهموا بجرح ولا كذب، وإنما يقع في حديثه بعض الغلط لثلاثة أسباب:

أحدها: أنه قد قيل: إن كتبه قد احترقت فكان يحدّث من لفظه فيقع الغلط.

الثاني: مِنْ قِبَل من روى عنه، كما ذكر أحمد بن صالح، وغيره.

الثالث: أن الإكثار مظنَّة الوهم والغَلَط، والرّجل فقد كان من المكثرين جدًّا.

وفي ابن لهيعة مذهب ثالث: أنه يُحتجّ من حديثه بما رواه عنه العبادلة

(1)

المصدر نفسه: (2/ 184).

(2)

الأصل و (ف): «مغفلون» تحريف، والمثبت من «المعرفة» ،و «تهذيب الكمال» .

(3)

سقطت من الأصل، والاستدراك من «المعرفة». وفي «تهذيب الكمال»: «عليه في

».

ص: 234

وهم: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المُقري، قالوا: لأن سماع هؤلاء منه قديم

(1)

.

وقد روى له مسلم مقرونًا بعَمرو بن الحارث

(2)

، وكذلك روى له البخاري [ق 78] في «صحيحه» في غير موضع، منها: في الفتن

(3)

عن المُقْري، عن حَيْوة وغيره، عن أبي الأسود: قُطِعَ على أهل المدينة بَعْثٌ

الحديث.

وفي تفسير سورة البقرة

(4)

: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]. قال: وزاد عثمان بن صالح، عن ابن وهب، أخبرني فلان وحيوة

فذكر حديث: «بُني الإسلام على خمس» .

وفي الاعتصام

(5)

: عن سعيد بن تليد، عن ابن وهب، عن عبد الرحمن ابن شريح وغيره حديث:«إن الله لا ينتزع العلم» .

وفي تفسير سورة النساء

(6)

، وفي آخر الطلاق

(7)

، وفي غير موضع

(8)

.

(1)

انظر «إعلام الموقعين» : (4/ 305 - 306) للمصنف، و «المجروحين»:(1/ 76، 2/ 11) لابن حبان، و «الضعفاء» (ص/265) للدارقطني، و «نتائج الأفكار»:(2/ 33) لابن حجر.

(2)

(624).

(3)

(7085).

(4)

(4513).

(5)

(7307).

(6)

(4596) وهو الحديث السابق في الفتن.

(7)

لم أجده.

(8)

منها (5697).

ص: 235

قال شيخنا أبو الحجّاج المِزّي

(1)

: قال أبو عبد الله بن يربوع الإشبيلي

(2)

: هو ابن لهيعة في هذه المواضع كلها.

وإذا كان هذا شأن ابن لهيعة لم يَجُز إسقاط حديثه كلّه، بل يتوقّف فيما تفرّد به وخالف فيه الثقات.

فصل

* قالوا: وأما ردّكم لحديث أبي حُميد السّاعدي الصحيح

(3)

، الذي هو في أعلى درجات الصحَّة، وقد خرّجه أصحاب الصحيح واحتجّوا به، وصدّقه الصحابةُ عليه؛ فمن باب العَنَت في ردّ الأحاديث الصحيحة ورميها بما برّأها الله منه، ونحن بحمد الله ننقضُ ما رميتموه به من العلَّة

(1)

«تهذيب الكمال» : (4/ 255 - 256).

(2)

كذا في الأصل و «تهذيب الكمال» في هذا الموضع: «أبو عبد الله بن .. » والصحيح: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن يربوع الإشبيلي، وقد نقل عنه المزي في «تهذيبه» مرارًا وجاء اسمه فيها على الصواب. وانظر ترجمته في «الصلة»:(1/ 282)، و «السير»:(19/ 578).

(3)

تقدم تخريجه (ص/24 - 25)، وكلامهم عليه (ص/160 - 164). ونقل المصنف هناك كلام ابن القطان في الاعتراض على الحديث من كتابه «بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام»:(2/ 462 - 466). وهذا البحث في الجواب عن كلام ابن القطان ذكره المؤلف أيضًا بطوله في كتابه «تهذيب السنن» : (1/ 354 - 374)، ومنه استدركنا الخرم الواقع في نسختنا في الورقتين (81 - 82) كما تقدم في المقدمة.

ص: 236

الباطلة، ونبيّن فسادَ ما ذكرتموه. ومدار ما ذكرتموه من التطويل والتهويل على ثلاثة فصول:

أحدها: تضعيف عبد الحميد بن جعفر.

والثاني: تضعيف محمد بن عَمرو بن عطاء.

والثالث: انقطاع الحديث بين محمد بن عَمرو بن عطاء، وبين بعض الصحابة الذين سمَّاهم في الحديث.

والجواب عن هذه الفصول:

أما الفصل الأول: فعبدالحميد بن جعفر قد وثّقه يحيى بن معين في جميع الروايات عنه، ووثقه الإمام أحمد أيضًا، واحتجّ به مسلم في «صحيحه» ، ولم يُحْفَظ عن أحدٍ من أئمة الجرح والتعديل تضعيفه بما يوجب سقوطَ روايته، فتضعيفه بذلك مردود على قائله، وحتى لو ثبت عن أحدٍ منهم إطلاق الضعف

(1)

عليه، لم يقدح ذلك في روايته ما لم يبيّن سببَ ضعفه، وحينئذٍ ينظر فيه هل هو قادح أم لا؟ وهذا إنما يُحتاج إليه عند الاختلاف في توثيق الرجل وتضعيفه، وأما إذا اتفق أئمةُ الحديث على تضعيف رجلٍ أو جمهورُهم لم يُحتج إلى أن يبين سبب ضعفه، فهذا أولى ما يقال في مسألة التضعيف المطلق.

(1)

(ف): «التضعيف» .

ص: 237

وقد قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: ليس به بأس

(1)

.

وقال أبو حاتم: محله الصدق

(2)

.

وقال النسائي: ليس به بأس

(3)

.

وقال أبو أحمد

(4)

بن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وهو ممن يُكتب حديثه

(5)

.

وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات»

(6)

.

وقال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث

(7)

.

وأما الذين ضعفوه، فقال يحيى بن سعيد: كان سفيان يضعفه من أجل [ق 79] القَدَر

(8)

.

ومعلوم أن هذا لا يوجب ردّ روايته، ففي «الصحيحين» الاحتجاجُ

(1)

«العلل» : (2/ 489). وقال في موضع آخر: (3/ 153): «عبد الحميد عندنا ثقة ثقة» .

(2)

«الجرح والتعديل» : (6/ 10).

(3)

«تهذيب الكمال» : (4/ 348).

(4)

الأصل و (ف): «حاتم» خطأ.

(5)

«الكامل» : (5/ 319).

(6)

(7/ 122).

(7)

«الطبقات الكبرى» : (7/ 552).

(8)

ذكره الإمام أحمد عنه في «العلل» الموضع السالف.

ص: 238

بجماعة من القدريَّة، وكذلك ابن معين إنما رماه بالقدر مع توثيقه له

(1)

.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: كان يحيى بن سعيد يوثّقه، وكان سفيان الثّوري يُضعِّفه. قلتُ: ما تقول أنتَ فيه؟ قال: ليس بحديثه بأس وهو صالح

(2)

.

وقال عليُّ بن المديني، عن يحيى بن سعيد: كان سفيان يحمل عليه، وما أدري ما كان شأنه وشأنه

(3)

.

وقال الفضل بن موسى: كان خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن العلوي.

فقد صرَّح المضعّفون له بالسبب الذي ضعّفوه لأجله، وذلك لا يوجب تضعيفًا في الرواية التي عمدتها الصدق والضبط، والله أعلم.

فصل

وأما تضعيف محمد بن عَمرو بن عطاء؛ ففي غاية الفساد، فإنه من كبار التابعين المشهورين بالصدق والأمانة

(4)

،وقد وثَّقه أئمة الحديث، كالإمام أحمد، ويحيى بن سعيد، ويحيى بن معين، وغيرهم، واتفق صاحبا

(1)

انظر «تهذيب الكمال» : (4/ 348).

(2)

هذا الخبر وما بعده في «الجرح والتعديل» : (6/ 10).

(3)

وذكر ابن سعد عن يحيى مثله في «الطبقات» الموضع السابق.

(4)

صحح عليها في الأصل.

ص: 239

الصحيح على الاحتجاج به

(1)

.

وعُمدة من ضعَّفه ما رُوي عن يحيى بن سعيد أنه تكلَّم فيه، وهذه روايةٌ إن صحَّت عن يحيى بن سعيد فالمشهور عنه خلافها

(2)

. وحتى لو ثبت على تضعيفه وأقام عليه، ولم يبيّن سببه= لم يوجب طرحَ حديثِه، لاسيَّما مع توثيق غيره من الأئمة له، واحتجاج أصحاب

(3)

«الصحيحين» به.

ولو كان كلُّ رجلٍ ضعَّفَه رجلٌ سقط حديثُه لذهبت عامَّة الأحاديث الصحيحة من أيدينا، فقلّ رجلٌ من الثقات إلا وقد تكلَّم فيه آخر ولم يسلم من طعن، ورجال «الصحيحين» قد جاوزوا القَنْطَرة فلا التفاتَ إلى كلام من تكلَّم فيهم بما يقتضي ردّ حديثهم. نعم إذا تُكُلِّم في أحدهم لرأيه أو لأمرٍ تأوَّله فطُعِنَ به عليه؛ فهذا بابٌ لا يقدح في الرواية.

وأما قوله: كان سفيان يحمل عليه؛ فهذا إنما كان لأجل رأيه لا لأمرٍ

(1)

انظر «تهذيب الكمال» : (6/ 459).

(2)

قال الحافظ في «التهذيب» : (9/ 332): «وقال أبو الحسن بن القطان الفاسي (بيان الوهم 2/ 426): جملة أمره أنه من أهل الصدق، وقد ضعّفه يحيى في رواية ووثقه في أخرى، وكان الثوري يحمل عليه من أجل القدر، وزعموا أنه خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن

قال الحافظ: وليس ذلك بصحيح؛ لأن الذي حمل عليه الثوري اختلف فيه فقيل: هو محمد بن عمرو بن علقمة الآتي ذكره بعد هذا، وهو الذي خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن؛ لأنه تأخرت وفاته. فأما محمد بن عمرو بن عطاء فمات قبل خروج محمد بمدة مديدة» اهـ.

(3)

صحح عليها في الأصل.

ص: 240

يتعلَّق بروايته، وقد رُمِي جماعةٌ من الأئمة المحتجّ بروايتهم بالقدَرِ كقتادة، وسعيد بن أبي عَروبة، وابن أبي ذِئب وغيرهم. وبالإرجاء كطَلْق بن حبيب، وحماد بن أبي سليمان، وغيرهما. وهذا باب أشْهر من أن تُذْكر شواهدُه، وأئمة الحديث لا يردّون حديثَ الثقة بمثل ذلك.

فصل

وأما الأمر الثالث، وهو انقطاع الحديث؛ فغير صحيح، وهو حديث موصول بلا ريب، ورميه بالانقطاع مبنيّ على أن وفاة أبي قتادة كانت في خلافة عليّ، وأن محمد بن عَمرو لم يدرك خلافةَ عليّ، وعلى أنه لم يثبت سماعُه من أبي حُميد، بل بينهما رجل.

فأما المقام الأول، وهو وفاة أبي قتادة، فقال البيهقي

(1)

: «أجمع أهل التواريخ على أن أبا قتادة الحارث بن رِبْعي بقي إلى سنة أربع وخمسين، وقيل: بعدها.

ثم روى من طريق [ق 80] يعقوب بن سفيان، قال ابن بكير: قال الليث: مات أبو قتادة الحارث بن رِبْعي بن النعمان الأنصاري سنة أربع وخمسين.

قال: وكذلك قاله الترمذي فيما أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، عن أبي حامد المقرئ عنه. وكذلك ذكره أبو عبد الله بن مَنده الحافظ في كتاب «معرفة الصحابة» . وكذلك ذكر الواقدي عن يحيى بن عبد الله بن أبي

ص: 241

قتادة: أن أبا قتادة مات بالمدينة سنة خمس وخمسين، وهو ابن سبعين سنة.

قال: والذي يدلُّ على هذا أن أبا سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الله ابن أبي قتادة، وعَمرو بن سليم الزُّرَقي، وعبد الله بن رباح الأنصاري رووا عن أبي قتادة، وإنما حملوا العلم بعد أيام عليّ، فلم يثبت لهم عن أحدٍ ممن توفي في أيام عليّ سماع.

قال: وروّينا عن معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أن معاوية ابن أبي سفيان لمّا قَدِم المدينة تلقّته الأنصار، و تخلّف أبو قتادة، ثم دخل عليه بعدُ وجرى بينهما ما جرى. ومعلومٌ أن معاوية إنما قَدِمها حاجًّا قَدْمته الأولى في خلافته

(1)

سنة أربع وأربعين.

وفي «تاريخ البخاري»

(2)

عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن مروان بن الحكم أرسل إلى أبي قتادة وهو على المدينة: أنِ اغْدُ معي حتى تريني مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانطلق مع مروان حتى قضى حاجته

(3)

.

ومروان إنما قَدِم

(4)

المدينة في أيام معاوية، ثم نُزِع سنة ثمان وأربعين،

(1)

بعده في الأصل و (ف): «الأولى» سبق قلم، ولا معنى لها.

(2)

«الكبير» : (2/ 258 ــ 259).

(3)

انتهى كلام البخاري. وكتب فوق «حاجته» في الأصل: «كذا» . ولا إشكال فيها.

(4)

كذا في الأصل و (ف)، وفي «تهذيب السنن»:«ولي» ، و «معرفة السنن»:«كان على» ، وما فيهما هو الذي يؤيده السياق.

ص: 242

واسْتُعْمِل عليها سعيد بن العاص، ثم نُزِع سعيد بن العاص سنة أربع وخمسين ، وأُمِّر عليها مروان»

(1)

.

قال النسائي في «سننه»

(2)

: أخبرنا محمد بن رافع، ثنا عبدالرزاق، أنا ابن جُريج، قال: سمعت نافعًا يزعم أنّ ابنَ عمر صلّى على تسع جنائز جميعًا، فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القِبْلة، فصفَّهن صفًّا واحدًا، ووُضِعت جنازة أمّ كلثوم ابنة عليّ امرأة عمر بن الخطاب وابنٍ لها يقال له: زيد، وُضِعا جميعًا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عباس

(3)

، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قتادة، فوُضِعَ الغلامُ مما يلي الإمام، فقال [رجل]

(4)

: فأنكرتُ ذلك فنظرتُ إلى

(5)

ابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي قتادة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السنة.

فتأمل سندَ هذا الحديث وصحّته وشهادة نافعٍ بشهود أبي قتادة هذه الجنازة، والأميرُ يومئذ سعيد بن العاص، وإنما كانت إمْرَتُه في خلافة معاوية سنة ثمان وأربعين إلى سنة أربع وخمسين كما قدمناه، وهذا مما لا يشكّ فيه عوامُّ أهلِ النقل وخاصُّهم.

(1)

انتهى النقل من كتاب «المعرفة» للبيهقي.

(2)

في «الصغرى» (1978). وفي «الكبرى» (2116).

(3)

هكذا في الأصل و «تهذيب السنن» للمؤلف، و «الكبرى». ووقع في «السنن الصغرى»:«ابن عمر» فالظاهر أنه وهم.

(4)

مستدرك من النسائي.

(5)

(ف)«فنظر إليّ» تحريف.

ص: 243

فإن قيل: فما تصنعون بما رواه موسى بن عبد الله بن يزيد: أن عليًّا صلى على أبي قتادة، فكبَّر عليه سبعًا، وكان بدريًّا

(1)

. وبما رواه الشعبيّ قال [ق 81]

(2)

: [صلى عليٌّ على أبي قتادة وكبّر عليه ستًّا

(3)

.

قلنا: لا تجوز معارضة الأحاديث الصحيحة المعلومة الصحَّة بروايات التاريخ المنقطعة المغلوطة، وقد خطَّأ الأئمة رواية موسى هذه ومن تابعه، وقالوا: هي غلط، قاله البيهقي

(4)

وغيره. ويدلّ على أنها غلط وجوه:

أحدها: ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة المصرِّحة بتأخير وفاته وبقاء مُدَّته بعد موت عليّ.

الثاني: أنه قال: «كان بدريًّا» ، وأبو قتادة لا يُعرَف أنه شهد بدرًا، وقد ذكر عروة بن الزبير، والزهري، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم أسامي من شهد بدرًا من الصحابة، وليس في شيء منها ذكر أبي

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (11578)، وابن المنذر في «الأوسط» (5/ 433).

(2)

سقطت من الأصل الورقتان (81 ــ 82)، بدليل تقسيم النسخة إلى أجزاء، فالجزء التاسع يبدأ عند الورقة (73) فينبغي أن يبدأ العاشر عند الورقة (83) أي عشر ورقات، والموجود منه إنما هو ثمان، فدلّ أن الساقط ورقتان. ويبدو أنه سقط قديم، لهذا ترك ناسخ (ف) الصفحات (30 ــ 31) بياضًا. وقد استدركنا السقط من كتاب «تهذيب السنن»:(1/ 364 - 469) للمؤلف فإنه ذكر هذا المبحث هناك بتمامه، وقد سبق التنبيه عليه (ص 155) وفي المقدمة.

(3)

أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» : (5/ 433).

(4)

في «المعرفة» : (1/ 558).

ص: 244

قتادة

(1)

، فكيف يجوز ردّ الرّوايات الصحيحة التي لا مطعن فيها بمثل هذه الرواية الشاذَّة التي قد عُلِم خطؤها يقينًا، إمّا في قوله:«وصلى عليه عليّ» ، وإمّا في قوله:«وكان بدريًا» !

وأما رواية الشعبي؛ فمنقطعة

(2)

أيضًا غير ثابتة، ولعل بعض الرواة غلط من تسمية قتادة بن النعمان أو غيره إلى أبي قتادة، فإن قتادة بن النعمان بدريٌّ، وهو قديم الموت

(3)

.

وأما المقام الثاني: وهو أن محمد بن عَمْرو لم يدرك خلافة عليّ؛ فقد تبيَّن أن أبا قتادة تأخَّر عن خلافة علي.

وأما المقام الثالث: وهو أن محمد بن عَمرو لم يثبت سماعُه من أبي حميد بل بينهما رجل؛ فباطل أيضًا.

قال الترمذي في «جامعه»

(4)

: حدثنا محمد بن بشَّار والحسن بن عليّ الخلّال وسَلَمة بن شَبيب، وغيرُ واحد قالوا: حدّثنا أبو عاصم، حدّثنا عبدالحميد بن جعفر، حدّثنا محمد بن عَمرو بن عطاء، قال: سمعتُ أبا حُمَيد السَّاعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو قتادة بن

(1)

انظر «السيرة النبوية» : (2/ 677 - 706) لابن هشام، و «مرويات غزوة بدر»:(ص 366 - 419) لباوزير.

(2)

قاله البيهقي في «المعرفة» : (1/ 558).

(3)

توفي سنة 23 للهجرة في خلافة عمر. انظر «تهذيب الكمال» : (6/ 105)، و «الإصابة»:(5/ 416 - 418).

(4)

(305).

ص: 245

رِبْعي

فذكره.

وقال سعيد بن منصور في «سننه» : حدّثنا هشيم، حدّثنا عبدالحميد بن جعفر، عن محمد بن عَمرو بن عطاء القرشي، قال: رأيت أبا حميد الساعدي مع عشرة رهط من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أحدّثكم. فذكره

(1)

.

وقال البخاري في «التاريخ الكبير»

(2)

: «محمد بن عَمرو بن عطاء بن عيَّاش

(3)

بن علقمة العامري القرشي المدني، سمع أبا حميد الساعدي، وأبا قتادة، وابن عباس. روى عنه عبدالحميد بن جعفر، وموسى بن عُقبة، ومحمد بن عمرو بن حَلْحَلَة، والزُّهري.

وأبو حُميد توفي قبل الستين في خلافة معاوية، وأبو قتادة توفي بعد الخمسين كما ذكرنا، فكيف ننكر لقاء محمد لهما وسماعه منهما؟

ثم ولو سلَّمنا أن أبا قتادة توفي في خلافة عليّ فمِنْ أين يمتنع أن يكون محمد بن عَمْرو في ذلك الوقت رجلًا؟ ولو امتنع أن يكون رجلًا لِتقاصُر

(1)

ذكر رواية سعيد بن منصور الحافظ في «الفتح» : (2/ 357). وتابعه في الرواية عن هشيم أبو بكر بن أبي شيبة (2981)، والحسنُ بنُ عَرَفة أخرجه البزار (3710)، وأبو أحمد الحاكم في «شعار أصحاب الحديث» (ص/49)، وشجاع بن مخلد أخرجه أبو أحمد أيضًا.

(2)

(1/ 189).

(3)

هكذا في «تهذيب السنن» : (ق 39 ب)، و «تهذيب الكمال»:(6/ 459) وجوَّد ضبطه ناسخُه ابن المهندس تلميذ المزي كذلك. وفي «تاريخ البخاري الكبير» : «عباس» .

ص: 246

سِنّه عن ذلك لم يمتنع أن يكون صبيًّا مميزًا، وقد شاهد هذه القصَّة في صغره ثم أداها بعد بلوغه، وذلك لا يقدح في روايته وتحمُّله اتفاقًا، وهو أُسْوةُ أمثاله في ذلك. فردُّ الأحاديث الصحيحة بمثل هذه الخيالات الفاسدة مما يَرْغَب عن مثله أئمة العلم، والله الموفق.

وأما إدخال من أدْخَل بين محمد بن عَمرو بن عطاء، وبين أبي حُميد الساعدي رجلًا، فإن ذلك لا يضرّ الحديثَ شيئًا. فإنّ الذي فعل ذلك رجلان: عطَّاف بن خالد، وعيسى بن عبد الله

(1)

؛ فأما عطَّافٌ فلم يرض أصحابُ الصحيح إخراج حديثه، ولا هو ممن يُعارَض به الثقات الأثبات، قال مالك: ليس هو من جِمال المحامل

(2)

. وقد تابع عبدَالحميد بن جعفر على روايته محمدُ بن عَمرو بن حَلْحَلة، كلاهما قال: عن محمد بن عَمرو بن عطاء، عن أبي حميد. ولا يُقاوَم عَطّاف بن خالد بهذين حتى تُقدَّم روايته على روايتهما.

وقوله: لم يصرِّح محمد بن عَمرو بن حَلْحَلة في حديثه بسماع ابن عطاء من أبي حميد؛ فكلام بارد، فإنه قد قال: «سمع محمد بن عَمرو بن

(1)

انظر ما سبق (ص/162 - 164) في سياق كلام ابن القطان.

(2)

المنقول عن مالك في عطاف قوله: «ليس من إبل القِباب» ، وإبل القباب هي الإبل القوية القادرة على حمل الهوادج. والمعنى: ليس بقويّ في الحديث. انظر «الضعفاء» : (3/ 425) للعقيلي، و «تهذيب الكمال»:(5/ 182)، و «تهذيب التهذيب»:(7/ 198) ــ وتحرفت فيه إلى «أهل القباب» ــ. فلعل ابن القيم ساقها بالمعنى، إذ معناهما واحد. وقد استُعملت عبارة «جمال المحامل» في غير واحد من الرواة، استعملها القطان وغيره. انظر «ألفاظ الجرح القليلة والنادرة» (ص 12) لسعدي الهاشمي.

ص: 247

عطاء أنه كان جالسًا في نفرٍ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا صلاةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد». وقد قال:«رأيتُ أبا حميد» ، ومرة:«سمعتُ أبا حُميد» . فما هذا التكلّف البارد والتعنّت الباطل في قطع ما وصله الله؟!

وأما حديث عيسى بن عبد الله فقال البيهقي

(1)

: «اختلف في اسمه فقيل: عيسى بن عبد الله، وقيل: عيسى بن عبد الرحمن، وقيل: عبد الله بن عيسى.

ثم اخْتُلف عليه في ذلك؛ فروى عن الحسن بن الحرّ، عن عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عَمرو، عن عيّاش أو عباس بن سهل، عن أبي حميد. ورُوي عن عتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس ابن سهل، عن أبي حميد. ليس فيه محمد بن عطاء

(2)

.

ورُوِّينا حديث أبي حُميد، عن فُليح بن سليمان، عن عبّاس بن سهل، عن أبي حميد. وبَيَّن فيه عبد الله بن المبارك، عن فُليح سماعَ عيسى من

(3)

عبّاس، مع سماع فُلَيح من عبّاس، فذِكْرُ محمد بن عَمرو بينهما وَهْم». آخر كلامه.

وهذا ــ والله أعلم ــ]

(4)

[ق 83] من تَخْليط عيسى أو من دونه، فإنّ حديثَ عبّاس هذا لا ذِكْر فيه لمحمد بن عَمرو، ولا رواه محمد بن عَمرو

(1)

في «معرفة السنن والآثار» : (1/ 560).

(2)

«المعرفة» : «محمد بن عمرو» .

(3)

تحرفت في «المعرفة» إلى «بن» .

(4)

آخر الاستدراك من «تهذيب سنن أبي داود» للمصنف.

ص: 248

عنه، ونحن نذكر حديثه:

قال الترمذي في «جامعه»

(1)

: ثنا محمد بن بشّار، ثنا أبو عامر العَقَديّ، ثنا فُلَيح بن سليمان، ثنا عبَّاس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد، وأبو أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مَسْلمة، فذكروا صلاةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم [فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم]: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنَّه قابضٌ عليهما، ووَتّر يديه فنحّاهما عن جنبيه». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال أبو داود

(2)

: ثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبد الملك بن عَمرو، أنا فُليح، ثنا عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حُميد الساعدي، وأبو أسيد فذكره. أطولَ من حديث الترمذي.

قال أبو داود: ورواه عُتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العبَّاس بن سهل.

قال: ورواه ابن المبارك، أنا فُلَيح، قال: سمعت عباس بن سهل يحدّث فلم أحفظه، فحدَّثنيه [أُراه ذَكَر] عيسى بن عبد الله، أنه سمعه من عبّاس بن سهل، قال: حضرتُ أبا حميد.

فهذا هو المحفوظ من رواية عبَّاس لا ذِكْر فيه لمحمد بن عَمرو بوجه.

ورواه أبو داود

(3)

من حديث أبي خيثمة، ثنا الحسن بن الحُرّ، أنا

(1)

(260). وما بين المعكوفين منه، سقط من الأصل ومن «تهذيب السنن» .

(2)

(734).

(3)

(733).

ص: 249

عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عَمرو بن عطاء أَحَد بني مالك، عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي: أنه كان في مجلسٍ فيه أبوه، وفي المجلس أبو هريرة، وأبو حُميد، وأبو أسَيد

بهذا الخبر يزيد وينقص

(1)

.

فهذا الذي غرَّ من قال: إن محمد بن عَمرو لم يسمعه من أبي حُميد، وهذا ــ والله أعلم ــ من تخليط عيسى أو من دونَه؛ لأن محمدًا قد صرَّح بأنّ أبا حُميد حدَّثه وسمعه منه، ورآه حين حَدَّث به، فكيف يُدْخِل بينه وبينه عبَّاس بن سهل؟

وإنما وقع هذا لمّا رواه محمد بن عَمرو عن أبي حُميد، ورواه العبَّاس ابن سهل عن أبي حُميد، فخلّط بعضُ الرواة، وقال: عن محمد بن عَمرو عن العباس، وكان ينبغي أن يقول: وعن العباس بالواو، ولعلها سقطت من النسخة فرواه بإسقاطها.

ويدلّ على هذا أيضًا: أنّ عيسى بن عبد الله قد سمعه من عبَّاس، كما في رواية ابن المبارك، فكيف يشافهه به عبَّاس مشافهةً ثم يرويه عن محمد ابن عَمرو عنه؟ فهذا كله يبيّن أنّ محمد بن عَمرو وعبَّاس بن سهل اشتركا في روايته عن أبي حُميد، فصحّ الحديثُ بحمد الله.

وحَكَم الدليلُ الذي لا ريب في حكمه لمن صحّحه وأدخله في «صحيحه» على مَن ضعّفه وقدح فيه. وظهر أن العلة التي رُمي بها مما تدلُّ على قوَّته، وأنه محفوظ، وأن رواية عبَّاس بن سهل شاهدةٌ ومُصدِّقة لرواية

(1)

«السنن» : (1/ 471 - 472).

ص: 250

محمد بن عَمرو. وهكذا الحق يصدِّق بعضُه بعضًا.

وقد رواه الشافعي من حديث إسحاق بن عبد الله، عن عبَّاس بن سهل، عن أبي حُميد ومن مَعَه من الصحابة

(1)

. ورواه فُلَيح بن [ق 84] سليمان، عن عبَّاس، عن أبي حُميد

(2)

. وهذا لا ذِكْر فيه لمحمد بن عَمرو، وهو إسناد متّصل تقومُ به الحجّة، فلا ينبغي الإعراضُ عن هذا والتعلّق على عبدالحميد بن جعفر بالباطل.

ثم لو نزلنا عن هذا كلِّه، وضربنا عنه صفحًا إلى التسليم أن محمد ابن عَمرو لم يدرك أبا قتادة، فغايته أن يكون الوهم قد وقع في تسمية أبي قتادة وحده دون غيره ممن معه. وهذا لا يوجب بمجرّده ترك الحديث جُملةً، والقدحَ فيه عند أحدٍ من الناس.

ولو كان كلُّ من غَلِط أو نسيَ واشتبه عليه اسم رجل بآخر سقطَ حديثُه= لغارت ينابيعُ العلم، وانقطعَ معينُه، وذهبت الأحاديث ــ إلا أقلها ــ من أيدينا، وعُطِّلت متونٌ وأسانيدُ هي أساس العلم، ويأبى اللهُ ذلك ورسولُه وورثةُ رسوله.

فهب محمد بن عَمرو غلط في تسمية أبي قتادة وذِكْره، أيلزم من ذلك أن يكون ذِكْر باقي الصحابة غلطًا، ويقدحُ في قوله:«سمعت أبا حميد» ، و «رأيت

(1)

ذكره البيهقي في «معرفة السنن» : (1/ 544) قال: «قال الشافعي في القديم: أخبرنا رجل قال: أخبرني إسحاق بن عبد الله .. » به.

(2)

تقدم (ص/248 - 249) وأنه عند أبي داود والترمذي.

ص: 251

أبا حُميد» ، و «كنت في نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حُميد» ؟!

ولا ريبَ أن هذه اللفظة التي حصل بها التعلُّق عليه، وهي قوله:«فيهم أبو قتادة» لم يتفق عليها الرواة، فإن محمد بن عَمرو بن حَلْحلة رواه عن محمد بن عَمرو بن عطاء ولم يذكرها، ومن طريقه رواه البخاري

(1)

.

وأما عبدالحميد بن جعفر، فرواه عنه هُشَيم ولم يذكرها

(2)

، ورواه عنه أبو عاصم الضحَّاك بن مَخْلد، ويحيى بن سعيد فذكراها عنه

(3)

.

والظاهر ــ والله أعلم ــ أن عبدالحميد بن جعفر تفرَّدَ بها، وقد بيَّنا بطلان ما يوهم امتناع سماع محمد

(4)

بن عطاء من أبي قتادة.

ومما يُبيّن أنها ليست بوهم

(5)

: أن محمد بن مسلمة كان في أولئك الرَّهْط، ووفاته سنة ثلاث وأربعين، فإذا لم تتقاصر سنّ محمد بن عَمرو عن لقائه، فكيف تتقاصر عن لقاء أبي قتادة؟ ووفاته إما بعد الخمسين عند الأكثرين، أو قُبَيل

(6)

الأربعين عند بعضهم. والله أعلم بالصواب وهو الموفّقُ له.

(1)

في «الصحيح» (828). وانظر ما سبق (ص/164).

(2)

سبق تخريجه (ص/246).

(3)

أخرجه أبو داود (963).

(4)

صحح عليها في الأصل.

(5)

الأصل و (ف): «بموهم» سهو.

(6)

الأصل و (ف): «بعد» خطأ، والمثبت من «تهذيب السنن»:(1/ 374) للمصنف. ويؤيده الواقع، لأنه قيل إنه توفي سنة ثمان وثلاثين.

ص: 252