المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل[قول من أوجب الرفع عند تكبيرة الإحرام] - رفع اليدين في الصلاة - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل في حجج من قال بعدم رفع الأيدي في الصلاة]

- ‌[أدلة القائلين بالرفع، وأجوبتهم عن أدلة القائلين بالخفض]

- ‌ حديث أبي بكر الصّدّيق

- ‌ حديث عمر بن الخطاب

- ‌ حديث عليّ بن أبي طالب

- ‌ حديث ابـ[ـن عمر

- ‌ حديث مالك بن الحُوَيرث

- ‌ حديث وائل بن حُجْر

- ‌ حديث جابر بن عبد الله

- ‌ حديث أبي موسى الأشعري

- ‌ حديث عُمير بن حبيب الليثي

- ‌ حديث البراء بن عازب

- ‌ حديث أبي حُميد السَّاعديّ

- ‌ خبر الأعرابي الذي رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فصلٌ[في الردّ على حُجج الخافضين أيديهم]

- ‌فصل[في أجوبة القائلين بالخفض على أدلة القائلين بالرفع]

- ‌[فصلفي أجوبة القائلين بالرفع عن أدلة القائلين بعدمه]

- ‌فصل[قول من ذهب إلى الرفع في المواطن الأربعة]

- ‌فصل[قول من استحبّ رفع اليدين عند كل خفض ورفع]

- ‌فصل[قول من أوجب الرفع عند تكبيرة الإحرام]

- ‌فصل[قول من رأى الرفع كله واجبًا]

- ‌فصل[قول من غلا فأبطل الصلاة بالرفع]

- ‌فصل[مسائل تتعلق بالرفع وكيفيته وابتدائه وانتهائه]

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌المسألة الثامنة:

- ‌المسألة التاسعة:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌فهرس المصادر

الفصل: ‌فصل[قول من أوجب الرفع عند تكبيرة الإحرام]

‌فصل

[قول من أوجب الرفع عند تكبيرة الإحرام]

وأما مذهب أبي محمد بن حزم

(1)

: أنه يجب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ويُسنُّ فيما عداها عند كلّ خفض ورفع، فإنه احتجَّ على وجوب الرّفع عند تكبيرة الإحرام بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَلَه، وقال:«صلّوا كما رأيتموني أصلي»

(2)

، ولم يثبت عنه ترك الرَّفع في هذا الموضع، بل جميع الأحاديث متفقة على الرَّفع عند الافتتاح فعلًا، وقد أمر الأمّة أن يصلوا كصلاته.

وأما استحباب الرفع فيما عدا تكبيرة الإحرام؛ فلِفِعله صلى الله عليه وسلم الذي قد صحَّ عنه. فأما حديث البراء بن عازب وابن مسعود

(3)

: أنه رفعهما في تكبيرة الإحرام ثم لم يَعُد؛ فهذا يدلُّ على أنه ليس بواجب، وفِعْله له يدلّ على أنه مستحبّ، فلذلك قلنا بكونه سنّة فيما عدا تكبيرة الافتتاح، وفرضًا في تكبيرة الافتتاح.

قال أبو داود

(4)

: ثنا [عبيدالله بن عمر]

(5)

بن ميسرة الجُشَمي، ثنا

(1)

انظر «المحلى» : (3/ 234 - 236). وقال: إنه قول الأوزاعي وبعض من متقدمي الظاهرية. أقول: وهو اختيار الحافظ أحمد بن سيار المروزي (ت 268) ذكره النووي في «المجموع» : (3/ 399) وقال: إنه خالف الإجماع. وانظر في ترجمته «السير» : (12/ 410).

(2)

أخرجه البخاري (683) من حديث مالك بن الحويرث، وأصله في مسلم (674).

(3)

تقدم تخريجهما (ص 43 - 50، 50 - 83).

(4)

(723).

(5)

الأصل و (ف): «عبدالله بن ميسرة» ، والمثبت من «السنن» .

ص: 261

عبدالوارث هو ابن سعيد، ثنا محمد بن جُحَادة، حدثني عبدالجبار بن وائل، قال: حدثني علقمة بن وائل

(1)

، عن وائل بن حُجْر، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبَّر رفع يديه، ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يده في ثوبه، فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ووضع جبهته بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضًا رفع يديه حتى فرغ من صلاته. قال محمد بن جُحَادة: فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَلَه من فعَلَه وتَرَكَه من تَرَكَه.

وقال النسائي

(2)

: أبنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام الدستوائي وعبد الأعلى ومحمد بن أبي عدي، قال عبدالأعلى وابن أبي عدي: عن سعيد ابن أبي عَروبة، عن قتادة. وقال معاذ: ثنا أبي [ق 88] عن قتادة، ثم اتفقوا عن

(1)

كذا في الأصل و (ف). والذي في «سنن أبي داود» : «عبد الجبار بن وائل بن حُجر قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، قال: فحدثني وائل بن علقمة عن أبي وائل بن حجر» . وقال ابن حبان (1862) بعد أن أخرجه من هذا الطريق: «محمد بن جُحادة من الثقات المتقنين، وأهل الفضل في الدين، إلا أنه وهم في اسم هذا الرجل، إذ الجواد يعثر فقال: وائل بن علقمة وإنما هو: علقمة بن وائل» ، وكذلك قال ابن خزيمة بعد أن أخرج الحديث (905). وانظر «تحفة الأشراف»:(9/ 92)، و «البدر المنير»:(3/ 512). فالثابت في سنن أبي داود (وائل بن علقمة) على الوهم، والذي في الأصل هنا إصلاح له.

(2)

«الصغرى» (1085، 1086، 1087)، و «الكبرى» (676، 677، 678). وقد ساقها النسائي مفرَّقة الأسانيد وجمعها المصنف. وما بين المعكوفات مستدرك من النسائي.

ص: 262

نَصْر

(1)

بن عاصم، عن مالك بن الحويرث: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه. هذا لفظ ابن أبي عدي وعبد الأعلى.

وقال معاذٌ في حديثه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة رفعَ يديه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه [من الركوع] فعل مثل ذلك، [وإذا رفع رأسه من السّجود فعل مثل ذلك].

وقال أبو بكر بن أبي شيبة

(2)

: ثنا عبد الوهاب بن عبدالمجيد الثقفي، عن حميد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود.

قال ابن حزم

(3)

ــ وقد ساق أحاديثَ ابن عمر وأبي حُميد وأبي قتادة ووائل بن حُجر ومالك بن الحُويرث وأنس ــ: «فهذه آثار متواترة توجب يقين العلم، ولو كان ما رواه الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر زائدًا على ما رواه علقمة، عن ابن مسعود لوجب أخْذُ

(4)

الزّيادة؛ لأن ابن عمر حكى أنه رأى ما لم يَرَه ابنُ مسعود من رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وكلاهما ثقة، وكلاهما حكى ما شاهد، وقد خفي على ابن مسعود أمر وضع اليدين على الرُّكبتين وعَرَفه غيره، وما نحمل كِلْتَا

(1)

الأصل و (ف): «نضر» خطأ.

(2)

(2449).

(3)

في «المحلى» : (4/ 92 - 95).

(4)

العبارة في «المحلى» : «فكان ما رواه

ووجب أخذ

».

ص: 263

روايتيهما إلا على المشاهدة الصحيحة

(1)

.

وكان ما رواه نافع ومحارب بن دثار كلاهما عن ابن عمر، وما رواه أبو حميد وأبو قتادة وثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من رفع اليدين عند القيام إلى الركعتين= زيادة على ما رواه الزُّهري عن سالم عن ابن عمر، وكلٌّ ثقةٌ، وكلٌّ مُصدَّق فيما ذكر أنه سمعه ورآه، وأَخْذُ الزيادة واجب».

قلت: قد تقدّم أن الزّهري روى عن سالم عن أبيه الرفع عند القيام من الثنتين

(2)

.

قال ابن حزم: «وكان ما رواه أنسٌ من رفع اليدين عند السجود: زيادة على ما رواه ابن عمر، والكلُّ ثقة فيما روى وشاهد. وكان ما رواه مالك بن الحويرث من رفع اليدين في كلّ ركوع ورفع [من ركوع]، وكلّ سجودٍ ورفعٍ من سجود: زائدًا على كلِّ ذلك، فالكلُّ ثقات فيما رووه وما سمعوه، وأخذ الزيادات فرض لا يجوز تركها؛ لأن الزيادة حُكْم قائم بنفسه رواه من عَلِم ولا يضرُّه سكوتُ من لم يروه عن روايته، كسائر الأحكام كلّها ولا فرق. وممن قال بما ذكرناه: ابن عمر

».

ثم ساق من طريق عُبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» ،

(1)

العبارة في «المحلى» : «على الركبتين، فكيف وما تحمل كلا روايتيهما» غير مستقيمة.

(2)

التعليق للمؤلف، وانظر (ص/15).

ص: 264

وإذا سجد، وبين الرّكعتين ، وقد تقدم

(1)

.

ثم قال: «وهذا إسناد لا داخلة فيه، وما كان ابن عمر ليرجع إلى خلاف ما رواه من ترك الرّفع عند السجود إلا وقد صحَّ [ق 89] عنده فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم لذلك» .

ثم ساق من طريق الخُشَني، ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو سهل النّضْر ابن كثير السعدي، قال: صلى إلى جنبي ابن طاووس في مسجد الخيف، فكان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى رفع يديه تلقاء وجهه، فأنكرتُ ذلك عليه، وقلت لوُهَيب بن خالد: إنّ هذا يصنع شيئًا لم أر أحدًا يصنعه! فقال ابن طاووس: رأيت أبي يصنعه، وقال [أبي]: رأيت عبد الله بن عباس يصنعه

(2)

.

ثم ساق من طريق حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، قال: رأيت طاووسًا ونافعًا مولى ابن عباس

(3)

يرفعان أيديهما بين السجدتين. قال حماد: وكان أيوب يفعله.

ثم ساق من طريق عبدالرزَّاق، عن ابن جريج، قلت لعطاء: رأيتك تكبِّر بيديك حين تستفتح، وحين تركع، وحين ترفع رأسَك من الركعة، وحين ترفع رأسك من السجدة الأولى ومن الآخرة، وحين تستوي من مثنى، قال:

(1)

(ص/255).

(2)

«فقال ابن طاووس

يصنعه» سقط من (ف). و «أبي» سقطت من الأصل، ووقعت في «المحلى»:«لي» تحريف، والمثبت من سنن أبي داود والنسائي وغيرهما.

(3)

كذا في الأصل مصحّحًا عليه، وفي «المحلى»:«ابن عمر» وهو الصحيح.

ص: 265

أجل. [قلت: تخْلُف باليدين الأذنين؟ قال: لا]

(1)

قد بلغني ذلك عن عثمان أنه كان يخلف بيديه أذنيه».

قلت: أما زيادة رفع اليدين عند القيام من الثنتين، فصحيحة كما تقدم

(2)

ولا مَطْعَن فيها، ولكن استحبابها دون استحباب الرَّفع في المواطن الثلاثة.

وأما زيادة الرفع عند السجود والرفع منه، فلم يرو أصحابُ الصحيح منها شيئًا، والصحيح عن ابن عمر فعلًا منه وروايةً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يفعل ذلك في السجود، وهكذا سائر من روى عن ابن عمر فِعْله، فإنه اقتصر على المواضع الثلاثة، وصحَّ عنه الرَّفع في الرابع عند القيام من الثنتين.

وأما حديث عبد الوهاب الثقفي، عن عبيدالله، عن نافع عنه: أنه كان يرفع يديه إذا سجد؛ فالزُّهريّ أحفظ وأثْبَت من عبد الوهاب الثقفي، وقد روى عن سالم عن أبيه، وعن نافع عنه: أنه كان

(3)

لا يفعل ذلك في السجود

(4)

.

فإذا تعارضت رواية الزُّهري ورواية عبد الوهاب كانت رواية الزُّهري أولى أن يؤخَذ بها.

وكذلك رواية أيوب عن نافع لم يذكر فيها الرفع من السجود. وكذلك

(1)

سقط من الأصل، واستدركته من المحلى.

(2)

(ص/90).

(3)

«يديه إذا سجد

كان» سقط من (ف).

(4)

انظر (ص/13، 254).

ص: 266

رواية

(1)

مُحارب بن دِثار عن ابن عمر لا ذِكْر فيها للرفع للسجود ولا بين السجدتين

(2)

.

وأما حديث مالك بن الحُوَيرث

(3)

؛ فقد ذكر النسائيُّ علَّته في نفس الإسناد، وهي أنّ معاذ بن هشام قال: عن أبيه، عن قتادة، عن نَصْر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة رفع يديه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه فعل مثل ذلك فقط.

فهذا موافقٌ لحديث ابن عمر وحديث أبي حُميد ومن معه، ولعل حديث ابن أبي عَديّ وعبدالأعلى رُوي بالمعنى، فظنَّ من رواه أنّ الرّفع عند رفع الرأس من الركوع والسجود. وبالجملة فهذا حديث معلول مخالف [ق 90] للأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وأبي حميد وغيرهما.

وأما حديث وائل بن حُجر

(4)

، فالصحيح من حديثه ما قدمناه في أول المسألة ولا ذِكْر فيه للرَّفع بين السجدتين.

وأما حديث عبد الوهاب عن حُميد عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود

(5)

؛ فهذا ــ والله أعلم ــ من تخليط عبد الوهاب، وهو الذي روى أيضًا عن عُبيدالله عن نافع عن ابن عمر: أنه

(1)

«أيوب

رواية» سقطت من (ف).

(2)

انظر (ص/89 - 90).

(3)

سبق (ص/262 - 263).

(4)

تقدم (ص/261 - 262).

(5)

تقدم (ص/263).

ص: 267

كان يرفع يديه إذا سجد

(1)

. وانفرد بذلك عن سائر أصحاب عبيدالله، وعمَّا رواه الناس عن نافع وسالم= فعُلِم غلط عبد الوهاب، وأنه لم يحفظ ذلك كما حفظه الزُّهري وأيوب وغيرهما.

ومما يدلُّ على أنّ حديثَه عن حُميد عن أنس غلط: أن أصحاب أنس لم يذكر أحدٌ منهم عنه ذلك، ولا أصحاب حميد، غير رواية عبد الوهاب هذه التي انفرد بها، فهي شاذَّة منكرة.

هذا، وأبو محمد لا يندفع بمثل هذا الكلام الذي المحاكمةُ فيه إلى ذوق العارفين بالحديث وأطبّاء علله وجهابذة نُقَّاده؛ فإنَّ الظّاهرية المحضةَ لا تناسب طريقَهم ولا تلتئم على أصولهم، فمن سَلَكها ومضى فيها كالسِّكَّة المُحْمَاة

(2)

لم يطمع منازِعُه في استنزاله عن قوله، ولا في رجوعه إليه ألبتة.

ولكلٍّ من علماء الإسلام اجتهادٌ يثيبه الله عليه، ويجمع له به بين أجرَين، أو يقتصر به على أجر واحد. رضي الله عنهم أجمعين، وجزاهم أفضل جزاء المحسنين.

(1)

تقدم (ص/254).

(2)

السّكة المحماة: الحديدة الحارة، ووجه التشبيه بها في الحرارة والسرعة والنفوذ. قال ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة»:(10/ 262) في شرح قول علي رضي الله عنه: (أكون في أمرك كالسكة المحماة في الأرض) قال: «وذلك أن السكة المحماة تخرق الأرض بشيئين: أحدهما تحدّد رأسها، والثاني حرارته، فإنَّ الجسم المحدّد الحار إذا اعتمد عليه في الأرض اقتضت الحرارة إعانة ذلك الطرف المحدد على النفوذ بتحليلها ما تلاقي من صلابة الأرض، لأن شأن الحرارة التحليل، فيكون غوص ذلك الجسم المحدّد في الأرض أوحى وأسهل» .

ص: 268