الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
[في أجوبة القائلين بالخفض على أدلة القائلين بالرفع]
قال الخافضون أيديهم: لقد استنفد الرميُ سهامَكم، ولم تدعوا حَجَرًا ولا مَدَرًا ولا قِشَعًا
(1)
إلا رميتمونا به، وظننتم أن الدولة كانت لكم في هذه الكرَّة، وأن الهزيمة بلغت بمنازعيكم إلى حيث أمِنْتُم كَرَّتهم، وأن الحرب قد وضعت أوزارَها، وقد برَدَت الغنائمُ لأربابها، وهيهات! الآن حَمِيَ الوطيس، واستدارت رَحى الحرب، وقال الفرسان: هل من مبارز؟ فاستعدّوا الآن للقاءِ كمينٍ من جيوش المناظرة لم يكن لكم في حساب، فإن ثبتّم له وكسرتموه، كنتم أولى بالحق في هذه المسألة منّا، وإلا فالرجوع إلى الحق أولى بكم، وبالله المستعان.
[ق 43]
(2)
فأما حديث [عبدالله بن عمر الذي] عليه تُعوِّلون وبه تصولون، فهذا الحـ[ـديث، يرويه] ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه نافع، وعنه مالك [
…
... ] إمام أهل المدينة في وقته، وأهلها يقتدون به.
وقد قال ابن القاسم: سألتُ مالكًا عن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه؟ [فقال: يرفع في أول] مرة. وذهب إلى أن الحديث منسوخ.
(1)
القِشع: جمع قَشْع أو قشعة، وهو ما يقلع عن وجه الأرض من المدر والحجر وغيرها. «لسان العرب»:(8/ 274).
(2)
هذه الورقة (43 أ) أصابتها رطوبة شديدة فذهبت ببعض كلماتها، فاجتهدت في إكمالها بين معكوفات مستعينًا بما بقي من آثارها.
وقال مالك في «المدونة»
(1)
: لا أعرف رفع اليدين في شيء من التكبير في خفضٍ ولا رفع إلا في افتتاح الصلاة شيئًا خفيفًا.
قال ابن يونس: يريد به لا يعرف [العمل به]
(2)
.
قال ابن القاسم: وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفًا، وقال: إن كان ففي الإحرام
(3)
.
وقد قال الشافعي ليونس بن عبدالأعلى: إذا رأيت [مُتقدّم أهل] المدينة [على شئ فلا يدخل عليك شك أنه الحق
(4)
]
(5)
.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: السنة المتقدمة عن
(6)
أهل المدينة خير من الحديث
(7)
.
وقال رجل لأبي بكر بن حزم: [ما أدري] كيف أصنع بالاختلاف؟ فقال: يا
(1)
(1/ 71).
(2)
«الجامع» لابن يونس: (2/ 496 - رسالة لم تطبع). واستفدت العزو إليها من طبعة الكويت.
(3)
ذكره في «المدونة» : (1/ 71)، و «تهذيبها»:(1/ 89). وانظر «التمهيد» : (9/ 212)، و «الاستذكار»:(1/ 408)، و «اختلاف أقوال مالك وأصحابه»:(ص/107 - 108) ثلاثتها لابن عبد البر.
(4)
تحتمل في الأصل: «يدخلك شك أنه الحق» .
(5)
أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» : (1/ 79).
(6)
الأصل: «من» .
(7)
أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» : (1/ 79).
ابن أخي إذا وجدتَ أهل المدينة مجمعين على أمر فلا تشكّ أنه الحق
(1)
.
فهذا مالك إمام دار الهجرة [الذي] ضرب الناسُ أكبادَ الإبل في زمانه فلم يجدوا عالمًا أعلم منه.
قال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم
(2)
.
وقال ابن معين: كان مالك من حجج الله على خلقه
(3)
.
وقال النسائي: أُمناء الله على علم رسوله: شعبة ومالك ويحيى القطان
(4)
.
قال محمد بن رُمح: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام منذ أكثر من خمسين سنة، فقلت: يا رسول الله، إن مالكًا والليث يختلفان فبأيهما نأخذ؟ قال: مالك مالك
(5)
.
وقال الدراوردي: رأيت في منامي أني دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يخطبُ الناسَ؛ إذ أقبل مالكُ بن أنس، فدخل من باب المسجد، فلما أبصره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إليّ إليّ حتى دنا منه، فسلّ
(1)
ذكره ابن عبدالبر في «الجامع» : (2/ 1113).
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في «تقدمة الجرح والتعديل» : (1/ 14)، وابن عبدالبر في «التمهيد»:(1/ 63).
(3)
ذكره في «التمهيد» : (1/ 74)، وفي «السير»:(8/ 94).
(4)
أخرجه ابن عبدالبر في «التمهيد» : (1/ 62).
(5)
ذكره ابن عبدالبر في «الانتقاء» : (ص/76).
خاتمه من خِنصره، فوضعه في خِنصر مالك
(1)
.
وقال مصعب بن عبد الله الزُّبيري عن أبيه: كنت جالسًا مع مالك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتاه رجل فقال: أيكم مالك بن أنس؟ فقالوا: هذا، فسلّم عليه واعتنقه وضمّه إلى صدره، وقال: والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة جالسًا في هذا الموضع، فقال: ائتوا بمالك فأُتيَ بك تُرْعَد فرائصُك، فقال: ليس بك بأسٌ يا أبا عبد الله ــ وكَنَّاك ــ وقال: اجلس فجلست، قال: افتح حجرك ففتحته، فملأه مِسكًا منثورًا، وقال: ضمه إليك وبثّه في أمتي. قال: فبكى [ق 44] مالك، وقال: الرؤيا تسرّ ولا تغرّ، وإن صدقت رؤياك فهو العلم الذي أودعني الله عز وجل
(2)
.
وذكر أبو عمر بن عبدالبر
(3)
: أن رجلًا رأى في المنام أن الناس اجتمعوا في جَبّانة الإسكندرية يرمون في غَرَض، فكلهم يخطئ الغرض، وإذا برجل يرمي فيصيب القرطاس، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا مالك بن أنس.
قالوا
(4)
: وقد أنكر مالكٌ الرفعَ ورآه ضعيفًا، وهو راوي الحديث وأعلم به، وهذا يدل على نسخه عنده. وراوي الحديث إذا عمل بخلافه دلّ
(1)
أخرجه ابن نقطة في «التقييد لرواة السنن والمسانيد» : (2/ 236)، وذكره ابن عبدالبر في «الانتقاء»:(ص/78).
(2)
أخرجه ابن عبدالبر في «الانتقاء» : (ص/78 - 79).
(3)
في «الانتقاء» : (ص/79).
(4)
أي من يرون عدم الرفع.
على ضعف الحديث أو نسخه؛ إذ لولا ذلك لقدح في عدالته، فبطلت روايته.
ولم يزل أئمةُ الحديث يعلِّلون الحديث بمخالفة مذهب الراوي له، كما علل البخاريُّ حديثَ الزُّهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في الفأرة تقع في السمن، فقال:«إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا، فلا تقربوه»
(1)
= بأن ابنَ شِهاب سُئل عن الفأرة تقع في السمن؛ فقال: تُلقى وما حولها، ويؤكل السمن ولم يفصِّل
(2)
.
وكذلك مخالفة ابن عمر أيضًا للحديث كما روى أبو بكر بن أبي شيبة
(1)
أخرجه أحمد (7177)، وأبو داود (3842)، وابن حبان (1393، 1394) من طرق عن معمر عن الزهري به. وقد علل الأئمة رواية معمر هذه وقالوا: إن الصواب: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري من طرق عن الزهري (235، 236، 5538، 5540). قال أبو عيسى الترمذي عقب إخراجه لحديث ميمونة (1798) من رواية معمر هذه: «وهو حديث غير محفوظ. ثم قال: وسمعتُ محمد بن إسماعيل (أي البخاري) يقول: وحديث معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه: أنه سئل عنه، فقال: «إذا كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه» = هذا خطأ، أخطأ فيه معمر، قال: والصحيح حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة» اهـ.
(2)
أخرجه البخاري عنه (5539) باب: إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب. وانظر: «تهذيب السنن» : (4/ 1837 - 1846) للمصنف، و «فتح الباري»:(1/ 344، 9/ 668 - 670) لابن حجر.
في «مصنفه»
(1)
: حدثنا أبو بكر بن عياش عن حُصين عن مجاهد قال: ما رأيت ابنَ عمر يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
قال الطحاويّ
(2)
: «فهذا ابن عمر قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه، ثم قد ترك هو الرفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ما قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعلَه، وقامت عليه الحجة بذلك.
قال: فإن قال قائل: هذا حديث منكر.
قيل له: وما دلَّك
(3)
على ذلك؟ فلن يجد إلى ذلك سبيلًا.
فإن قال: فإنّ طاووسًا قد ذكر أنه رأى ابن عمر يفعل ما يوافق ما رُوي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك
(4)
.
قيل له: فقد ذكر طاووسٌ ذلك، وقد خالفه مجاهد. فقد يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رآه طاووس يفعله قبل أن تقوم عنده الحجةُ بنسخه، ثم قامت عنده الحجة بنسخه، فتركه وفعل ما ذكره مجاهد.
هكذا ينبغي أن يُحمل ما روي عنهم، ويُنفى عنه الوهم، حتى يتحقق
(1)
رقم (2467). وقد تقدم تخريجه، وأنه حديث منكر (ص 88 - 92، 107).
(2)
في «شرح معاني الآثار» : (1/ 225 - 226).
(3)
كذا في الأصل وكتاب الطحاوي، وفي (ف):«دليلك» .
(4)
تقدم تخريج أثر طاووس (ص/31).
ذلك، وإلا سقط أكثر الروايات»
(1)
.
وكذلك عمر بن الخطَّاب، قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزُّبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: صليت مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا حين افتتح الصلاة، [قال عبد الملك]
(2)
: ورأيتُ الشعبي وإبراهيم وأبا إسحاق لا يرفعون
(3)
إلا حين يفتتحون الصلاة
(4)
.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم أيضًا.
وذكر الطحاوي
(5)
عن أبي بكر بن عيَّاش قال: ما رأيت فقيهًا قط يرفع يديه في غير التكبيرة الأولى.
وقال أيضًا
(6)
: ثبت
(7)
عن عمر بن [ق 45] الخطاب أنه لم يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى.
فهؤلاء أهل المدينة قاطبةً، وهم القاطنون في مهبط الوحي، ومحلّ
(1)
انتهى كلام الطحاوي.
(2)
سقط من الأصل، واستدركناه من المصادر. وانظر (ص/84).
(3)
صحح عليها في الأصل.
(4)
تقدم تخريجه (ص/84).
(5)
في «شرح معاني الآثار» : (1/ 228).
(6)
المصدر نفسه: (1/ 227).
(7)
في الأصل بلا نقط، و (ف):«نبئت» خطأ، لأن الطحاوي صحح الأثر عن عمر، فكيف يقول «نبئت» ؟ فالصواب ما أثبت.
التنزيل، ومأْرِز الإيمان، ومقرّ الأحكام، المشاهدون لأسباب التنزيل، المطّلِعون على قرائن الأحوال، وقد وافقهم على تركه فقهاء الكوفة قديمًا وحديثًا.
قال محمد بن نصر المروزي
(1)
: لا نعلم مِصرًا
(2)
من الأمصار تركوا بأجمعهم رفعَ اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة إلا أهل الكوفة، فكلهم لا يرفع إلا في الإحرام، فمنهم علي وابن مسعود وأصحابهما.
قال ابن أبي شيبة
(3)
: حدثنا وكيع وأبو أسامة، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله وأصحاب عليّ لا يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة. قال وكيع: ثم لا يعودون.
قال الشعبي: ما كان أفقه صاحبًا من عبد الله بن مسعود
(4)
.
وقال سعيد بن جُبير: كان أصحاب عبد الله سُرُج هذه القرية
(5)
. ومنهم الشعبي.
روى ابن أبي شيبة، عن ابن المبارك، عن أشْعث بن سوَّار، عن
(1)
في كتابه في رفع اليدين من كتابه الكبير. كما ذكر ابن عبدالبر في «التمهيد» : (9/ 213). أما كتابه «اختلاف العلماء» (ص 48) فلم يذكر فيه إلا قول سفيان والأوزاعي ومذهب الجمهور في الرفع.
(2)
(ف): «أحدًا» .
(3)
رقم (2461).
(4)
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» : (8/ 134)، وابن عساكر في «تاريخه»:(33/ 158).
(5)
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» : (8/ 132).
الشعبي: أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يرفعهما
(1)
.
قال مكحول: ما رأيتُ أعلمَ بسنةٍ ماضية من الشعبي
(2)
.
ومنهم إمام أهل الكوفة سفيان الثوري، كان لا يرفع يديه
(3)
.
وقد قال أبو عاصم: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث
(4)
. ولو كان الرفع ثابتًا غير منسوخ لما خفي على هؤلاء الأعلام، مع كثرتهم وكثرة من نزل بالكوفة من الصحابة، فقد ذكر بعض الحفَّاظ أنه نزل بها أربعمائة منهم، والناسُ في العلم تَبَعٌ لهذين المِصرَين المدينة والكوفة، وفقهاؤهما أئمة الناس، وهذان المِصران هما اللذان كانا يتباريان، ويردّ بعضُهم على بعض، وكان علماء الكوفة ينا
ظرون علماء المدينة ويبارونهم، وكان علماء المدينة لا يرون مقابلتهم غير علماء الكوفة ، فإياهم يقصدون ولهم يستعِدُّون، فَمَن الناسُ غير هؤلاء؟!
(1)
رقم (2469).
(2)
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» : (8/ 372)، والخطيب في «تاريخ بغداد»:(12/ 230). أقول: وقد قالها مكحول أيضًا في الزهري. أخرجه ابن أبي حاتم: (8/ 73)، وأبو نعيم في «الحلية»:(3/ 360).
(3)
ذكره عنه البخاري في كتاب «الرفع» (ص/128)، والترمذي في «الجامع»:(2/ 43)، وابن عبدالبر في «التمهيد»:(9/ 213).
(4)
ذكره النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» : (1/ 222)، والعيني في «شرح أبي داود»:(1/ 70). وقد وصفه بذلك غير واحد من أئمة الحديث، انظر «الجرح والتعديل»:(1/ 118، 4/ 225)، و «الكامل»:(1/ 81) لابن عدي.
فصل
* قالوا
(1)
: وأما حديث أبي بكر الصديق
(2)
، فلو كان محفوظًا بهذا الإسناد، لكان في الصحاح والمسانيد، وكتب السنن، ولمَّا لم يَرْوِهِ أحد منهم وإسناده في الشهرة كالشمس، دلَّ على أن في الوسط شيئًا.
ويا سبحان الله! المصنِّفون في هذا الباب مثل البخاري وغيره يذكرون حديث وائل بن حُجر، ومالك بن الحويرث، وآثارًا عمن هو دون الصدِّيق، ويكون عندهم عن الصديق الأكبر وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا، ويصبرون عن إخراجه ورَمْي منازعهم به وإبدائه وإعادته! هذا مما تكاد تُحيله طِباع أهل العلم وعاداتهم.
والبخاري في كتاب «رفع اليدين» احتجّ بما هو من شرطه في الصحيح، وبما ليس من شرطه، فكيف [ق 46] يكون في الباب هذا الحديث العظيم بهذا الإسناد القويم الشهير، ثم لا يذكره ولا يشير إليه ألبتة؟!
* قالوا: وأما حديث عمر بن الخطاب
(3)
؛ فكذلك الكلام فيه أيضًا، مع زيادة أخرى تدلُّ على ضعفه، وبَيِّنٌ
(4)
أن الثابت عن عمر هو ما رواه إبراهيم عن الأسود، قال: صليت مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من
(1)
أي من يرون عدم الرفع. وسيأتي (ص 167) نقض المؤلف لحججهم هذه بعد أن يسردها واحدة واحدة.
(2)
تقدم تخريجه (ص/8 - 9).
(3)
تقدم تخريجه (ص/10 - 11).
(4)
(ف): «وتبين» .
صلاته، إلا حين افتتح الصلاة. ذكره ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح
(1)
.
ويدل على ضعفه أيضًا: أن أعلم الناس بشعبة، وأخصّ الناس به، وأحفظهم لحديثه: غُنْدَر رواه عنه عن الحكم بن عُتيبة، عن طاووس، عن ابن عمر، لم يجاوزه به، وهو أثبت في شعبة من أبي النضر
(2)
.
* وأما حديث عليّ بن أبي طالب
(3)
؛ ففي سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد، قال الإمام أحمد: هو مضطرب الحديث، وقال أيضًا هو وأبو حاتم: لا يُحتجّ بحديثه، وقال عَمرو بن علي: تركه ابن مهدي ، وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفًا
(4)
.
قال الطحاوي
(5)
: حديث عبد الرحمن هذا لا اختلافَ بين أهل العلم بالحديث أنه خطأ منه على موسى بن عقبة، وأنّ أصلَه الذي رواه الأثباتُ
(6)
عن موسى بن عُقبة ــ منهم ابن جُريج ــ ليس فيه مِن ذِكْر الرفعِ شيء.
قال الطحاوي
(7)
: «ثنا ابن أبي داود، ثنا أحمد بن يونس، ثنا أبو بكر النَّهْشَلي، عن عاصم، عن أبيه ــ وكان من أصحاب عليّ ــ عن عليّ رضي الله
(1)
تقدم الكلام على هذه الرواية، وحُكم العلماء عليها بالشذوذ (ص/84 - 86).
(2)
تقدم (ص/10 - 11) كلام الحاكم أنه تابع أبا النضر ثلاثة من أصحاب شعبة، وتصحيحه لكلا الطريقين، وسيأتي نقض المؤلف لهذه الحجة (ص/201).
(3)
تقدم تخريجه (ص/11 - 12).
(4)
ذكر هذه الأقوال وغيرها المزي في «تهذيب الكمال» : (4/ 400).
(5)
لم أجد كلامه بنصه، وهو بمعناه في «شرح المشكل»:(15/ 31 - 32).
(6)
(ف): «الاثنان» تحريف.
(7)
«شرح معاني الآثار» : (1/ 225).
عنه: أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع بعد.
فحديث عاصم بن كُليب هذا قد دلَّ أن حديث ابن أبي الزناد على أحد وجهين: إما أن يكون في نفسه سقيمًا، أوْ لا يكون فيه ذكر الرفع أصلًا، كما رواه عنه غيره، فإنَّ ابن
(1)
خزيمة حدثنا قال: ثنا عبد الله بن رجاء. وحدثنا ابن أبي داود، ثنا عبد الله بن صالح والوهبي قالوا: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل. فذكروا مثل حديث ابن أبي الزناد في إسناده ومتنه، ولم يذكروا الرفعَ في شيء من ذلك.
فإن كان هذا هو المحفوظ، وحديث ابن أبي الزناد خطأ؛ فقد ارتفع بذلك أن يجبَ لكم بحديثٍ خطأ حجةٌ.
وإن كان ما روى ابن أبي الزناد صحيحًا؛ لأنه زاد على ما روى غيره، فإن عليًّا لم يكن ليرى النبيّ صلى الله عليه وسلم يرفع ثم يترك هو الرفع بعده إلا وقد ثبت عنه نسخ الرفع، فحديث عليّ إذا صحّ ففيه أكبر الحجة لقول من لا يرى الرفع»
(2)
.
فصل
* قالوا: وأما حديث مالك بن الحويرث
(3)
، فحديثٌ مضطربُ المتن، إذ في بعض ألفاظه:«حتى يحاذي بهما أذنيه» ، وفي بعضها:«فروع أذنيه» .
(1)
الأصل و (ف): «ابن أبي» خطأ.
(2)
انتهى كلام الطحاوي. وهو أيضًا بنحوه في «شرح المشكل» : (15/ 33 - 34).
(3)
تقدم تخريجه (ص/15).
قال البيهقي
(1)
: «ورواه إسماعيل بن عُليَّة، عن سعيد بن أبي عروبة، وقال: «رفع يديه حتى يجعلهما قريبًا من أذنيه» ، وكذلك قاله هشام الدَّستوائي، عن قتادة
(2)
، ورواه [ق 47] شعبة، عن قتادة، فقال:«حتى يحاذي بهما فروعَ أُذنيه» ، وفي رواية:«حذو مَنْكِبيه» »
(3)
.
وإذا كان قد اضطربت ألفاظه، عُلِم أنه غير محفوظ، فسقط الاحتجاجُ به.
قالوا: وأيضًا لعلّ مالك بن الحُويرث فعل ذلك مرةً أو مرتين، فكيف يُقدَّم حديثه على حديث من لم يزل يصلي معه حضرًا وسفرًا إلى أن مات صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن مسعود؟ ولعله قد صلى معه أكثر من عشرين ألف صلاة. ومثل هذا الترجيح لو كان من جانبكم لاسْتَطَلْتُم به غاية الاستطالة، ولناديتم به علينا، والله المستعان.
(1)
في «السنن الكبرى» : (2/ 25).
(2)
بعده في السنن: « .. في إحدى الروايتين عنه وقال في الرواية الأخرى: إلى فروع أذنيه، ورواه شعبة
…
».
(3)
بعده في «سنن البيهقي» : «وإذا اختلفت هذه الروايات فإما أن يؤخذ بالجميع فيخير بينهما، وإما أن تترك رواية من اختلفت الرواية عليه، ويؤخذ برواية من لم يختلف عليه. قال الشافعى رحمه الله: لأنها أثبت إسنادًا، وأنها حديث عدد، والعدد أولى بالحفظ من الواحد» .
فصل
قالوا: وأما حديث وائل بن حُجْر
(1)
؛ فقال الطحاوي
(2)
: «قد ضادَّه إبراهيم بما ذكر عن عبد الله أنه لم يكن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ما ذكر، فعبد الله أقدم صحبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفهم بأفعاله من وائل
(3)
، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ أن يليه المهاجرون ليحفظوا عنه.
حدثنا علي بن مَعْبد، ثنا عبد الله بن بكر، ثنا حُميد، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه.
وكما حدثنا أبو بكرة، ثنا عبد الله بن بكر، فذكر بإسناده مثله، وقال:«ليَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى» .
كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق، ثنا بِشْر بن عُمر
(4)
، ثنا شعبة، قال: أخبرني سليمان، قال: سمعت عُمارة بن عمير يحدث عن أبي معمر، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم[يقول]: «لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» .
وكما حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا: ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة،
(1)
تقدم تخريجه (ص/16).
(2)
«شرح معاني الآثار» : (1/ 226 - 227).
(3)
صحح الناسخ على «وأفهم» و «وائل» .
(4)
الأصل و (ف): «عمرو» خطأ والتصحيح من «تهذيب الكمال» : (1/ 355)، وكتاب الطحاوي.
عن أبي جمرة
(1)
، عن إياس، عن قيس بن عُبَاد قال: قال لي أُبيّ بن كعب: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كونوا في الصف الذي يليني» .
فعبدالله كان من أولئك الذين كانوا يَقْرُبون من النبي صلى الله عليه وسلم، ليَعْلَموا أفعاله في الصلاة كيف هي، ليعلِّموا الناسَ ذلك، فما حكوا من ذلك فهو أولى مما جاء به من كان أبعد منهم في الصلاة.
قال الطحاوي: فإن قالوا: ما ذكرتموه عن إبراهيم، عن عبد الله غير متَّصل.
قيل لهم: كان إبراهيم إذا أرسل عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده، وتواتُر
(2)
الرواية عن عبد الله. فقد قال له الأعمش: إذا حدثتني فأَسْنِد، فقال: إذا قلتُ لكَ: قال عبد الله، فلم أقل ذلك حتى حدثنيه جماعةٌ عن عبد الله، وإذا قلت: حدثني فلان عن عبد الله، فهو الذي حدثني.
حدثنا بذلك إبراهيم بن مرزوق، ثنا وهب أو بِشر بن عُمر ــ شكَّ أبو جعفر ــ عن شعبة، عن الأعمش بذلك.
فأخبر أن ما أرسله عن عبد الله، فمَخْرجه عنده أصحّ من مخرج ما ذكره عن رجل بعينه عن عبد الله، فكذلك هذا الذي أرسله عن عبد الله لم يرسله إلا [ق 48] ومخرجه عنده أصح من مخرج ما يرويه عن رجل بعينه
(1)
بالجيم والراء المهملة، واسمه نصر بن عمران البصري. ترجمته في «التاريخ الكبير»:(8/ 91 - الكنى)، و «الجرح والتعديل»:(8/ 465). ووقع في (ف) وكتاب الطحاوي: «أبو حمزة» وهو تحريف.
(2)
كذا في الأصل. وغيَّرها في (ف): «وتواترت» . وما في الأصل هو الصواب، والمعنى أن إبراهيم لا يرسل حتى تصح الرواية وتتواتر عن عبد الله.
عن عبد الله. ومع ذلك فقد روِّيناه متصلًا في حديث عبد الرحمن بن الأسود، وكذلك كان يفعل عبد الله في سائر صلاته
(1)
.
وقد رُوي ذلك
(2)
عن عمر بن الخطاب.
ثم ذكر حديثَ الحسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزُّبير ابن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود: رأيت عُمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود.
قال: وهو حديث صحيح؛ لأن الحسن بن عياش ، وإن كان هذا الحديث إنما دار عليه فإنه ثقة حجة، قد ذكر ذلك يحيى بن معين وغيره.
أَفَترى عمرَ بن الخطاب خفي عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود، وعَلِم ذلك من هو دونه، ومن هو معه يراه يفعل غير ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، ثم لا ينكر ذلك عليه! هذا عندنا مُحال. وفِعْل عمر هذا وتَرْك أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه على ذلك دليلٌ صحيح أن ذلك هو الحقّ الذي لا ينبغي لأحدٍ خلافه»
(3)
.
(1)
بعده في «شرح المعاني» : «حدثنا بن أبي داود قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا أبو الأحوص عن حصين عن إبراهيم قال: كان عبد الله لا يرفع يديه في شيء من الصلاة إلا في الافتتاح» .
(2)
في «شرح المعاني» : «مثل ذلك» .
(3)
انتهى كلام الطحاوي.
فصل
* وأما حديث أبي هريرة
(1)
؛ فمن رواته إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، وأنتم لا تحتجُّون برواية إسماعيل بن عيَّاش عن غير الشاميين، فكيف تحتجون علينا بما لو احْتَجَجْنا به عليكم لدفعتموه وأنكرتموه
(2)
؟!
وأما الطريق الأخرى؛ ففيها يحيى بن أيوب، وهو الغافقي، قال أبو حاتم الرّازي: محلُّه الصِّدق ولا يحتجّ به
(3)
، وقال النسائيّ: ليس بذلك القويّ
(4)
.
فصل
* وأما حديث أنس بن مالك
(5)
؛ فقال الطحاوي
(6)
: لم يرفعه أحد إلا عبد الوهاب الثقفي، والحُفَّاظ يوقفونه على أنس.
قال الطحاوي: وعبدالوهاب إذا انفرد بالحديث لم يكن عند أهله
(1)
تقدم تخريجه (ص/16 - 17).
(2)
هذه الحجة للطحاوي في «شرح المعاني» : (1/ 227).
(3)
«الجرح والتعديل» : (9/ 128).
(4)
«الضعفاء والمتروكون» (ص/248).
(5)
تقدم تخريجه (ص/18).
(6)
في «شرح المعاني» : (1/ 227).
حجة، يقال: إنه كان يحدِّث من كتب الناس ولا يحفظ ذلك الحفظ
(1)
.
وقال عُقبة بن مُكْرَم: اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع
(2)
.
وذكر الدارقطني أنه لم يروه عن حميد مرفوعًا غير عبد الوهاب، ثم قال: والصواب من فِعْل أنس
(3)
.
[فصل]
* وأما حديث جابر بن عبد الله
(4)
؛ فمداره على أبي الزبير، ولم يقل فيه: سمعت جابرًا، وأبو الزبير مدلِّس، وأنتم تقولون: لا يُحتج بعنعنة المدلِّس حتى يصرِّح بالسماع، ولهذا لم يخرج البخاري حديثَه، ولم يحتجّ به.
فصل
* وأما حديث أبي موسى الأشعري
(5)
؛ ففيه محمد بن حُميد الرّازي.
(1)
لم أجد كلامه في كتابيه، وقد وجدت نحوه لعبد الرحمن بن مهدي قال:«عبدالوهاب الثقفي، وجرير بن عبد الحميد، ومعتمر بن سليمان، وعبد الأعلى السامي أمرهم في الحديث واحد: يحدثون من كتب الناس ولا يحفظون ذلك الحفظ» . انظر «الكامل» : (1/ 110).
(2)
ذكره في «تاريخ بغداد» : (11/ 20)، و «تهذيب الكمال»:(5/ 18).
(3)
انظر «سنن الدراقطني» : (1/ 290).
(4)
تقدم تخريجه (ص/18 - 19).
(5)
تقدم تخريجه (ص/19 - 20).
قال أبو زرعة: كذّاب، وكذلك كذَّبه ابنُ وارة
(1)
.
قال النسائي: ليس بثقة
(2)
.
وقال ابن حبان: يتفرَّد عن الثقات بالمقلوبات
(3)
.
وقال صالح بن محمد الأسدي: ما رأيت أحدًا أحذق بالكذب منه ومن الشاذَكُوني
(4)
.
على أن ابن [ق 49] المبارك رواه عن حماد بن سلمة موقوفًا على أبي موسى، وهو الصواب. فما محمد بن حُميد وأمثاله ممن يتقدم على ابن المبارك!
فصل
* وأما حديث عُمير بن حبيب الليثي
(5)
؛ ففيه رِفْدة بن قُضاعة الغسَّاني الدمشقي، تفرّد به ابن ماجه.
(1)
هذه الترجمة من «الضعفاء» : (3/ 54) لابن الجوزي. قلت: قول أبي زرعة وابن وارة ذكره عنهما ابن حبان في «المجروحين» : (2/ 303 - 304) في قصة لهما مع الإمام أحمد.
(2)
«تهذيب الكمال» : (6/ 286).
(3)
«المجروحين» : (2/ 303).
(4)
«تهذيب الكمال» : (6/ 286).
(5)
تقدم تخريجه (ص/21).
قال أبو حاتم: منكر الحديث
(1)
.
وقال البخاري: في حديثه بعض المناكير لا يتابع في حديثه
(2)
.
وقال النسائي: ليس بالقوي
(3)
.
وقال العُقيلي: لا يتابع على حديثه
(4)
.
وقال الدارقطني: متروك
(5)
.
فصل
* وأما حديث ابن عباس
(6)
؛ ففي حديث أبي داود: عبد الله بن لهيعة.
وفي حديث ابن ماجه: عمر بن رياح
(7)
أبو حفص الضرير البصري، يقال له: عمر بن أبي عمر.
قال الفلَّاس: هو دجَّال.
وقال النسائي والدارقطني: هو متروك.
(1)
«الجرح والتعديل» : (3/ 523).
(2)
«التاريخ الكبير» : (3/ 343)«الأوسط» : (4/ 808).
(3)
«الضعفاء والمتروكون» : (ص/177).
(4)
«الضعفاء» : (2/ 65).
(5)
«تهذيب الكمال» : (2/ 488).
(6)
تقدم تخرجه (ص/22).
(7)
الأصل وفرعه: «رباح» بالموحدة، خطأ، وانظر ترجمته وأقوال النقاد فيه في «الضعفاء»:(2/ 208) لابن الجوزي، والمصنف ينقل منه. وفي «تهذيب الكمال»:(5/ 349).
وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يحل كَتْب حديثه إلا على التعجّب
(1)
.
فصل
* وأما حديث البراء بن عازب
(2)
؛ فهو عُمدتنا في المسألة، ومن أكبر حُجَجنا عليكم، فكيف تحتجون به علينا؟
وأما رواية إبراهيم بن بشَّار له عن سفيان، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع= فقد خالف إبراهيمُ بن بشَّار الناسَ في هذا الحديث، وتفرَّد به عن ابن عيينة بهذا السياق.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: كأنَّ سفيان الذي يرويه عنه إبراهيم بن بشَّار ليس هو سفيان بن عُيينة
(3)
.
وقال أيضًا: سمعتُ أبي ذكر إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي، فقال: كان يحضر معنا عند سفيان بن عيينة، وكان يُمِلُّ على الناس ما يسمعون من سفيان، وكان ربما أَمَلَّ عليهم ما لم يسمعوا، ويقول: كأنه يغيِّر الألفاظ
(1)
«المجروحين» : (2/ 86).
(2)
تقدم تخرجه (ص/23).
(3)
نقله عنه العقيلي في «الضعفاء» : (1/ 47).
فتكون زيادة ليس في الحديث، أو كما قال. قال
(1)
أبي: فقلت له يومًا: ألا تتقي الله، ويحك تُمِلّ عليهم ما لم يسمعوا، ولم يحمده أبي في ذلك، وذمَّه في ذلك ذمًّا شديدًا
(2)
.
وقال معاوية بن صالح: سألت يحيى بن معين عنه، فقال: ليس بشيء لم يكن يكتب عند سفيان، وما رأيتُ في يده قلمًا قط، وكان يملي على الناس ما لم يقله سفيان
(3)
.
وقال عباس عن يحيى بن معين: رأيت الرمادي ينظر في كتاب، وابن عيينة يقرأ ولا يغيِّر شيئًا، ليس معه ألواح ولا دواة
(4)
.
وقال النسائي: ليس بالقوي
(5)
.
وقال أبو الفتح الأزدي: صدوق لكنه يهم في الحديث بعد الحديث
(6)
.
قلت: ولا ريب أن له أوهامًا في حديثه عن ابن عيينة، منها: حديثه عنه
عن عَمرٍو وابنِ جريجٍ عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعًا: «لا تمتلئ جهنم
(1)
سقطت «قال» من العلل وكتاب العقيلي فصار النص «أو كما قال أبي. فقلت .. » . وما في الأصل أجود.
(2)
«العلل ومعرفة الرجال» : (3/ 438) رواية عبد الله.
(3)
ذكره العقيلي في كتابه.
(4)
«تاريخ عباس الدوري» (361).
(5)
«الضعفاء والمتروكون» : (ص/148).
(6)
«تهذيب الكمال» : (1/ 103).
حتى تكون كذا وكذا، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قطٍ قطٍ».
قال العقيلي
(1)
: «ليس لهذا أصل في حديث ابن عيينة عن عمرو، ولا عن ابن جريج، إنما عند ابن عيينة عن عَمرو عن عطاء حديثان: «لا تسبوا الدهر» ، و «عُذِّبت امرأة في هِرَّة» جميعًا موقوفين.
وعنده عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة حديثان: أحدهما: «[في كل]
(2)
صلاة قراءة
…
»، والثاني:«إذا كنت إمامًا فخفِّف» . موقوف.
وقال العُقَيلي في حديثه عن سفيان، عن بُريد [بن عبد الله] بن أبي بردة، [عن أبي بردة]
(3)
، عن أبي موسى: «كلكم راع
…
»: هذا أيضًا ليس له أصل (يعني بهذا الإسناد) ولم يتابعه عليه أحد عن ابن عيينة. وعند ابن عيينة عن بُرَيد أربعة أحاديث، ليس عنده غيرها. وليس هذا الحديث منها
(4)
.
قالوا
(5)
: وحديث يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن البراء، قد رواه عن يزيد سبعةٌ كلهم قالوا: رفع يديه في أول مرة، ثم لم يعد.
قال ابن عدي في «كامله»
(6)
: رواه هشيم وشريك وجماعة معهما عن
يزيد عن ابن أبي ليلى، عن البراء، وقالوا فيه:«ثم لم يعد» .
(1)
«الضعفاء» : (1/ 48).
(2)
بياض بالأصل و (ف). والاستدراك من «الضعفاء» للعقيلي.
(3)
سقط من الأصل و (ف). ومستدرك من كتاب العقيلي.
(4)
«الضعفاء» : (1/ 49 - 50).
(5)
أي القائلون بعدم الرفع.
(6)
(7/ 276) و (خ 3/ق 255).
ورواه النّضْر بن شُميل، عن إسرائيل، عن يونس، عن يزيد كذلك، ورواه سفيان بن عُيينة كذلك، وابن عيينة لم يشهد على يزيد بإقراره أنه تلقّن، وإنما ظنّ ظنًّا. ويزيد خرّج له مسلم، فكيف يُرَدُّ قوله بالظن ويُنْسَب إلى أنه زاد في الحديث زيادةً من عنده؟!
قالوا: ولو فرضنا أنه حدَّث به أولًا من غير ذكر: «ثم لا يعود» كما ذكر ابنُ عُيينة، فما المانع من قبول الزيادة من الثقة؟ فإنه يجوز أن يحدِّث الراوي ببعض الحديث ثم يكمله، ويجوز أن يكون قد نسي الزيادة أولًا ثم ذَكَرها فحذفها لمَّا نسيها، وحدَّث بها لما ذكرها، فلا يسوغ تضعيفه بالظن المجرَّد. كيف وقد تابعه على هذه الزيادة غيره؟! كما قال ابن أبي شيبة في «مصنفه»
(1)
: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم وعيسى، عن ابن أبي ليلى، عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم لا يرفعهما حتى يفرغ.
ورواه أبو داود
(2)
من طريق ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن الحكم.
وبالجملة: فيزيد ثقة، ولم يثبت تضعيفه بما يوجب ردَّ حديثه.
فصل
* وأما حديث أبي حُميد الساعدي في عشرةٍ من أصحاب النبي
(1)
رقم (2455).
(2)
رقم (752) وقال عقبه: هذا الحديث ليس بصحيح. وانظر ما سبق (ص/44 - 45).
- صلى الله عليه وسلم
(1)
، فهو وإن كان قد رواه البخاريُّ وغيره من أصحاب الصحيح والسنن والمسانِد، فهو حديث له علة عجيبة دقيقة لا يَفْطن إليها إلا فرسان هذا الشأن، ونحن نذكر علَّته ليُعْلَم حاله.
قال ابن القطان
(2)
: «هذا الحديث من رواية عبدالحميد بن جعفر، عن محمد بن عَمرو، صدوقٌ
(3)
، وثَّقه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، [ق 51] وأخرج له مسلم، وضعَّفه يحيى بن سعيد في روايةٍ عنه، وكان الثوري يحمل عليه من أجل القَدَر
(4)
، فيجب التثبُّت فيما روى من قوله: «فيهم
(5)
أبو قتادة»، فإن أبا قتادة توفي في زمن علي، وصلى عليه عليٌّ، وهو ممن قُتِل معه، وسِنّ محمد بن عَمرو مقصّرة عن إدراك ذلك. وقيل في وفاة أبي قتادة غير ذلك؛ أنه توفي سنة أربع وخمسين، وليس بصحيح، بل الصحيحُ ما ذكرناه. وقُتِل عليٌّ سنة أربعين، ذكر هذا التعليل
(1)
تقدم تخريجه (ص/24).
(2)
هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الفاسي (ت 628 هـ)، وهذا النقل بطوله من كتابه «بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام»:(2/ 462 - 466) مع بعض التصرف. وقد ذكر المصنف كلام ابن القطان هذا بطوله في «تهذيب السنن» : (1/ 354 - 374) ثم رد عليه كما سيأتي (ص/236 - 252) في هذا الكتاب.
(3)
في كتاب ابن القطان: «وجملة أمره أنه من أهل الصدق .. » .
(4)
بعده في كتاب ابن القطان: «وزعموا أنه ممن خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن؛ فلأجل هذا من حاله يجب
…
».
(5)
صحح عليها في الأصل.
أبو جعفر الطحاوي
(1)
.
قال الطحاوي: والذي زاده محمد بن عَمرو غير معروف ولا متصل؛ لأنَّ في حديثه أنه حضر أبا حُميد وأبا قتادة، ووفاة أبي قتادة قبل ذلك بدهر طويل؛ لأنه قُتِل مع عليّ، وصلى عليه، فأين سِنّ محمد بن عَمرو من هذا؟!
قال الطحاوي: وعبدالحميد بن جعفر ضعيف
(2)
.
قال ابن القطان: ويزيد هذا المعنى تأكيدًا أن عطَّاف بن خالد روى هذا الحديث فقال: ثنا محمد بن عَمرو بن عطاء، ثنا رجل: أنه وجد عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلوسًا
…
فذكر نحو حديث أبي عاصم.
وعطَّاف بن خالد هذا مدنيٌّ ليس بدون عبدالحميد بن جعفر، وإن كان البخاريّ حكى أن مالكًا لم يَحْمَده، وذلك لا يضرّه؛ لأن ذلك غير مُفسَّر من مالك بأمر يجب لأجله ترك روايته.
قال: وقد اعترض الطبريُّ في ذلك على مالك بما ذكرناه من عدم تفسير الجَرح [و]
(3)
بأمرٍ آخر لا نراه صوابًا ، وهو أن قال: وحتى لو كان مالك قد فسَّر لم يجب أن نترك بتجريحه رواية عطَّاف، حتى يكون معه مُجرِّحٌ آخر.
قال ابن القطان: وإنما لم نره صوابًا لوجهين:
أحدهما: أن هذا المذهب ليس بصحيح، بل إذا جَرَّح واحدٌ بما هو
(1)
في «شرح معاني الآثار» : (1/ 261).
(2)
«معاني الآثار» : (1/ 259) وسياق كلامه حكاية التضعيف عن غيره.
(3)
سقطت من الأصل، وأثبتناها من «بيان الوهم» .
جُرحة قُبِل، فإنه نَقْلٌ منه لحالٍ سيئةٍ تسقطُ بها العدالة، ولا يحتاج في النقل إلى تعدُّد الرواة.
والوجه الثاني: أن ابن مهدي أيضًا لم يرض عطافًا، لكن لم يفسِّر بماذا لم يرضه، فلو قبلنا قوله فيه قلَّدناه في رأيٍ لا في رواية، وغير مالك وابن مهدي يوثِّقه.
قال أبو طالب عن أحمد: هو من أهل المدينة، ثقة صحيح الحديث، روى نحو مائة حديث.
وقال ابن معين: صالح الحديث ليس به بأس. وقد قال ابن معين: من قلت: ليس به بأس، فهو عندي ثقة.
وقال أبو زرعة: ليس به بأس.
وقال أبو حاتم: ليس بذاك
(1)
.
قال ابن القطان: ولعله أحسن حالًا من عبدالحميد بن جعفر.
وهو قد بَيَّن أن بَيْن محمد بن عَمرو وبين أولئك الصحابة رجلًا. قال: ولو كان هذا عندي محتاجًا إليه في هذا الحديث للقضاء بانقطاعه لكتبته في المَدْرك الذي قد فرغت منه، ولكنه غير محتاج إليه للمتقرِّر من تاريخ
(2)
وفاة أبي قتادة، وتقاصُر سنّ محمد بن عَمرو عن إدراك حياته
(1)
انظر الأقوال فيه في «الجرح والتعديل» : (7/ 32)، و «تهذيب الكمال»:(5/ 182 - 183).
(2)
«في المدرك
…
تاريخ» سقط من (ف).
رجلًا، فإنما جاءت رواية عطَّاف عاضدةً لما قد صحَّ وفرغ منه.
قال: وقد رواه عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو فقال فيه: عن عيَّاش أو عباس بن سهل الساعدي: أنه كان في مجلس فيه أبوه
(1)
، وأبو هريرة، وأبو أُسيد، وأبو حُميد، ولم يذكر فيه من الفرق بين الجلوسين
(2)
[ق 52] ما ذكره عبدالحميد بن جعفر. ذكره أبو داود
(3)
.
وقد رواه البخاري في «صحيحه»
(4)
: حدثنا يحيى بن بُكَير، ثنا الليث، سمع يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد، سمع
(5)
محمد بن عَمرو بن حَلْحَلة، سمع محمد بن عَمرو بن عطاء: أنه كان جالسًا في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا كنت أحفظكم لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر
…
فذكر الحديث. ولا ذِكْر فيه لأبي قتادة، ولكن ليس فيه ذِكْرٌ لسماعه من أبي حميد، وإن كان ذلك ظاهره». هذا آخر كلامه.
(1)
في الأصل وفرعه: «أبو قتادة» وهم، والمثبت من «السنن» و «بيان الوهم والإيهام» وقد جاء مصرّحًا باسمه في رواية أبي داود الأخرى (734).
(2)
الأصل وفرعه: «الجلوس» ، والمثبت من كتاب ابن القطان.
(3)
«السنن» (733).
(4)
رقم (828).
(5)
صحح عليها في الأصل. وقوله: «سمع محمد بن» سقط من (ف).
فصل
* وأما حديث الأعرابي الذي رواه الإمام أحمد في «مسنده»
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لمَّا رفعَ رأسَه من الركوع رفع كفيه.
فإن ساعدناكم على قبول رواية الصحابي المجهول الذي لم يسمَّ، كرجل وأعرابي؛ إذ الصحابة كلُّهم عدول، فلا يضر جهالة أحدهم. فمَن ساعدكم على قبول رواية المجهول الذي سمع منه؟ فإن حُميد بن هلال لم يَذْكر من حال من حدَّثه ما يجب به قبول روايته، ولا عرَّف به ألبتة، ومثل هذا لا يحتجُّ بحديثه حَدِيثيٌّ.
* وأما الآثار التي ذكرتموها عن الصحابة رضي الله عنهم، فقد ذكرنا عن أعلمهم وأعرفهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود= عدم الرفع في غير التكبيرة الأولى، وناهيك بهؤلاء الثلاثة عِلمًا ونُبلًا وجلالةً واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم!
قال الطحاوي
(2)
: «أَفَتَرَى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خفي عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود، وعَلِم ذلك من هو دونه، ومن هو معه يراه يفعل غير ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ثم لا ينكر ذلك عليه؟ هذا عندنا مُحال.
وفِعْل عمر هذا وتَرْك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه على ذلك، دليل صحيح أن ذلك هو الحق الذي لا ينبغي لأحد خلافه.
حدثنا ابن أبي داود، ثنا الحِمَّاني، ثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن عبد الملك بن أبْجَر، عن الزُّبير بن عَدِي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: رأيت عمر بن الخطَّاب يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود. قال: ورأيت الشعبيَّ وإبراهيم يفعلان ذلك.
قال الطحاوي: وهذا حديث صحيح؛ لأن الحسن بن عياش، وإن كان هذا الحديث إنما دار عليه فإنه ثقة حجة، ذكر ذلك يحيى بن معين وغيره».
* * * *