الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
[قول من ذهب إلى الرفع في المواطن الأربعة]
وأما من ذهب إلى الرَّفع عند افتتاح الصلاة، والركوع، والرفع منه، وإذا قام من الثنتين في مغربٍ أو رباعيّة، وهو أحمد في رواية عنه. قال إسحاق بن إبراهيم في «مسائله»
(1)
ــ وهي من أقدم مسائل حُدّث بها عن الإمام أحمد ــ: «سمعت أبا عبد الله ــ وسئل عن الرجل إذا نهض من الركعتين: يرفع يديه؟ ــ فقال: إذا فعله فما أقْرَبه، فيه عن
(2)
ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبي حميد، وأحاديث صحاح».
وهو وجهٌ لأصحاب الشافعي، واختاره أبو زكريا النواوي، وقال: هو الصحيح أو الصواب، فقد ثبت ذلك في «صحيح البخاري» وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصّ عليه الشافعي رحمه الله، وهو اختيار ابن المنذر وأبي علي الطبري
(3)
.
[ق 85] قلت: وجمهور أصحاب الشافعي وأحمد أنه لا يرفع يديه في هذا الموضع، وهو المنصوص عن أحمد في رواية المرّوذي وغيره.
(1)
(1/ 49). وبقية كلامه: «ولكن قال الزهري في حديثه: ولم يفعل في شيء من صلاته. وأنا لا أفعله» .
(2)
صحح عليها في الأصل.
(3)
انظر «المجموع شرح المهذب» : (3/ 446).
قال الخلّال في «جامعه» : أخبرنا المرّوذي قال: سئل أبو عبد الله عن رفع اليدين إذا قام من الثنتين؟ فقال: لستُ أذهبُ إليه، وقد رواه أبو حُمَيد، ورواه عُبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر. وبلغني أنَّ عبدالأعلى رفعه، إلا أنَّا نذهبُ إلى حديث الزُّهريّ، عن سالم، عن ابن عمر يعني عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان لا يفعل ذلك في السجود.
قال الخلال: وقال غير المرّوذي: قال أبو عبد الله: أثبتُ من روى هذا الحديث الزُّهريّ عن سالمٍ عن أبيه.
قال الخلّال: وقال مهنأ: سألت أحمد ويحيى قلت: حدّثوني عن رِفْدة ابن قُضاعة الغسَّاني قال: ثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن عُمير الليثي، عن أبيه، عن جدّه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كلِّ تكبيرة في الصلاة المكتوبة
(1)
= فقالا: ليس بصحيح، ولا نعرف عُبيد بن عُمير يحدّث عن أبيه عن جده شيئًا، ولا غير جدِّه، ولا نعرف رِفْدة بن قُضاعة.
وقال يحيى: رِفْدة بن قُضاعة قد سمعتُ منه وهو شيخ ضعيف، ولو كان جاء بهذا رجل معروفٌ مثل هِقْل كان عسى. انتهى كلام الخلال
(2)
.
(1)
سبق تخريجه (ص/21).
(2)
وقال أبو داود في «مسائله» (236): «سمعت أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين؟ قال: أما أنا فلا أرفع يدي .. » . وقال في «مسائل ابنه عبد الله» (320): «وقد سئل عن الرفع في الصلاة؟ فقال: يرفع إذا رفع رأسه، ولا يرفع بين السجدتين» . ونص على المواضع الثلاثة في «مسائل الكوسج» (187)، و «مسائل صالح» (549).
فأحمد رحمه الله ردّ رفع اليدين إذا قام من الثنتين بقول سالم عن أبيه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان لا يفعل ذلك في السجود، وردّه بتضعيف حديث الرَّفع مع كلّ تكبيرة.
وفي هذا الدّفع
(1)
نوعُ وهمٍ منه رحمه الله؛ فإنَّ البخاريّ في «صحيحه»
(2)
قال: حدثنا عيَّاش، ثنا عبدالأعلى، ثنا عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا دخل في الصلاة كَبّر ورفع يديه، [وإذا ركع رفع يديه] وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» رفعَ يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ابن عمر ذلك إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه أيضًا حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
ورواه أيضًا محمد بن عبدالأعلى الصنعاني، ثنا المُعْتَمِر بن سليمان، عن عبيدالله بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا جاء الصلاةَ
(4)
، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسَه من الرُّكوع، وإذا قام من الرّكعتين، يرفع يديه في ذلك
(1)
رسمها في الأصل «الرفع» .
(2)
رقم (739). ومابين المعكوفين منه.
(3)
ذكره البخاري عقب الحديث.
(4)
كذا في الأصل، وفي مصادر الحديث «دخل في الصلاة» .
كلِّه
(1)
.
وقال أبو داود في «سننه»
(2)
: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عُبيد المحاربي قالا جميعًا: ثنا محمد بن الفضيل
(3)
، عن عاصم بن كُلَيب، عن مُحارب بن دِثار، عن ابن عمر قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين كَبّر ورفع يديه.
وقال محمد بن عبدالسلام الخُشني: ثنا محمد بن بشَّار، ثنا عبد الوهاب [ق 86] بن عبدالمجيد الثقفي، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» ، وإذا سجد، وبين الركعتين يرفعهما إلى ثدييه
(4)
.
فهذا عبيدالله بن عمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه. وعبدالأعلى عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر. وأيوب السّخْتياني عن نافع عن ابن عمر. ومحارب بن دِثار عن ابن عمر: أنه رفع يديه عند القيام من الثنتين.
(1)
أخرجه من هذا الطريق النسائي في «الصغرى» (1182) و «الكبرى» (1106)، وابن خزيمة (693)، وابن حبان (1877)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار»:(15/ 42).
(2)
(743). وتقدم (ص 90).
(3)
(ف): «الفضل» تحريف.
(4)
أخرجه من هذا الطريق ابن حزم في «المحلى» : (4/ 93). وأخرجه من طريق محمد ابن بشار عن عبد الوهاب به الروياني في «مسنده» (1389). وأشار إلى روايته أبو داود في «السنن» : (1/ 474 - 475) قال: «ورواه الثقفي عن عبيد الله وأوقفه على ابن عمر، قال فيه: وإذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثدييه، وهذا هو الصحيح» .
وفي حديث أبي حُميد الساعدي
(1)
في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وذكر الحديث
…
وقال فيه: ثم إذا قام كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبّر عند افتتاح الصلاة.
قال أبو داود
(2)
: ثنا أحمد بن حنبل، ثنا أبو عاصم هو الضحّاك بن مَخْلد، أنبا عبدالحميد بن جعفر، أخبرني محمد بن عَمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حُمَيد الساعديّ في عشرةٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكر الحديث بهذه الزيادة.
وأما قوله: «وكان لا يفعل ذلك في السجود» فليس فيه نفيٌ للرفع عند القيام من الثنتين.
وأما تضعيف رِفْدة بن قُضاعة عن عُبيد بن عُمير: أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة؛ فلا يلزم منه تضعيف أحاديث الرَّفع عند القيام من الثنتين ولا تعليلها.
وقال أبو البركات ابن تيميَّة في «شرحه»
(3)
: «وأما رفع اليدين عند
(1)
تقدم (ص/24 - 25).
(2)
(963). وقد تقدم (ص 252).
(3)
المقصود به كتاب «منتهى الغاية في شرح الهداية» للشيخ مجد الدين عبد السلام بن تيمية جدّ شيخ الإسلام (ت 652). و «الهداية» لأبي الخطاب الكلوذاني. قال ابن بدران في «المدخل» : (ص/232): «لكنه بيّض بعضه وبقي الباقي مسوَّدة. وكثيرًا ما رأينا الأصحاب ينقلون عن تلك المسوّدة، ورأيت منها فصولًا على هوامش بعض الكتب» .=
=
…
وذكر ابن رجب في «الذيل» : (4/ 6) أن القدر المبيض منه أربع مجلدات كبار إلى كتاب الحج. وانظر «المدخل المفصل» : (2/ 714) لشيخنا بكر أبو زيد. وقد ذكره شيخ الإسلام من جملة الكتب التي يعرف منها الصحيح من الروايتين والوجهين في المذهب «مجموع الفتاوى» : (20/ 227 - 228).
النُّهوض من الرَّكعتين إلى الثالثة؛ فالمشهور عن أحمد أنه لا يستحبُّ؛ لأن الأحاديث المتفق على صحَّتها إنما جاءت بالثلاثة المواضع. وعنه ما يدلُّ على استحبابه، وبه قال أهلُ الحجاز وابن المنذر وأبو علي الطبري من الشافعية، وهو الصحيح عندي؛ لأن ذلك قد صح من رواية عليٍّ وأبي حُميد في عشرة من الصحابة.
وأخرج البخاري في «صحيحه»
(1)
عن نافع أن ابن عمر: كان إذا دخل في الصلاة كبّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابنُ عمر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ولم يَرِد في شيء من الأحاديث الصحيحة تصريحٌ بترك الرفع في هذا الموضع، ثم يحتمل أن إمساك من أمسك عنه، لكونه صلى الله عليه وسلم كان يتركه في كثير من الأوقات بخلافه في المواضع الثلاثة، فيكون في الاستحباب دونها، ونحن نقول بذلك».
* * *
(1)
رقم (739).