الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمع عن الشافعي وغيره
(1)
، والأمرُ قريب. والله أعلم.
المسألة التاسعة:
رفع اليدين في الفَرْض والنّفْل سواء، ولا خلاف فيه عند القائلين به، إذ الأصل التسوية
(2)
.
المسألة العاشرة:
يستحبُّ الرفع لمن صلى جالسًا، كما يستحبّ لمن صلى قائمًا، صرَّح به أصحاب أحمد والشافعي
(3)
.
الحادية عشر
(4)
: إذا نسي الرفعَ حتى فات محلُّه لم يأت به بعده؛ لأنه سُنَّة فاتَ محلّها، فهي كالاستفتاح والاستعاذة إذا نسيهما، وكذلك إذا نسي الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأُول لم يأت به فيما بعدها، وكذلك كلُّ سنة فات محلُّها
(5)
.
الثانية عشر: [إذا عَجَز عن]
(6)
الرَّفع المسنون فَعَل منه ما يمكنه، فإن لم يمكنه إلا بزيادة عليه رفع يديه وإن جاوزه؛ لأنه لا يمكن أن يأتي بالسنة إلا بزيادة فاغْتُفِرَت
(7)
.
(1)
ذكره الروياني (ت 502) في «بحر المذهب» : (2/ 126).
(2)
ينظر «المغني» : (2/ 139).
(3)
انظر «الأم» : (2/ 239)، و «المجموع»:(3/ 309).
(4)
كذا إلى آخر المسائل «عشر» وقد تعوّد المصنف كتابتها كذلك، كما هو ثابت بخطه في «طريق الهجرتين». والوجه:«عشرة» .
(5)
انظر «الأم» : (2/ 252)، و «المغني»:(2/ 138).
(6)
مطموس في الأصل، ولعله ما أثبته.
(7)
انظر «الأم» : (2/ 238)، و «المغني»:(2/ 139).
الثالثة عشر: إذا عَجَز عن رفع إحدى يديه رفع الأخرى، وكذلك إذا كان أقطع، لأن المَعْجوز [عنه] إذا سقط في الواجب ففي المستحبِّ أولى
(1)
.
الرابعة عشر: إذا رفعهما من الرّكوع واعتدل قائمًا، فهل يرسلهما في حال قيامه أو يأخذ شماله بيمينه؟ قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: كيف يضع الرّجل يديه بعدما يرفع رأسه من الرّكوع أيضع اليمنى على شماله أم يسدلها؟ فقال: أرجو أن لا يضيق ذلك إن شاء الله
(2)
.
قال القاضي: فظاهر هذا أنه مُخيَّر في الوضع والإرسال، فإن اختار الوضع جاز؛ لأنها حالةُ قيامٍ
(3)
في الصلاة فأشبه ما قبل الرّكوع، وإن اختار الإرسال جاز؛ لأنّها حاله بعد الرُّكوع، أشبه حالة السجود والجلوس.
الخامسة عشر: إذا قرأ سجدةً فسجد، هل يرفع يديه عند انحطاطه للسجود؟ فيه عن أحمد روايتان:
أحدهما: لا يرفعهما. قال الأثرم: ذكرتُ لأبي عبد الله الرّجل يقرأ السّجدة ويرفع يديه إذا أراد السجود، فلم يعرفه.
وقال أبو طالب: قلت لأحمد: إذا قرأ السجدة وهو في الصلاة فسجد، يرفع يديه؟ قال [ق 99]: نعم
(4)
.
(1)
«الأم» : (2/ 239)، و «المغني»:(2/ 139).
(2)
«مسائل صالح» (615).
(3)
(ف): «قيامه» .
(4)
ونقله أبو داود في «مسائله» (452) من فِعْله قال: «رأيت أحمد إذا أراد أن يسجد في سجود القرآن في الصلاة رفع يديه حذاء أذنيه ثم هوى ساجدًا» .
وجه الأولى: أنه تكبير [للسجود] فلم يُسنّ له الرّفع، كالسجود الرّاتب في الصلاة.
ووجه الثانية: أنها [تكبيرة] في محلّ القراءة، وذلك قبل الرّكوع، فهي مفعولة
(1)
في محلٍّ تدرك [بإدراكه] الرّكعة، ولأنه تكبير لسجود القرآن فسُنَّ الرَّفع فيه كخارج الصلاة. ومذهب أصحاب الشافعيّ أنه لا يستحبّ الرّفع في الصلاة
(2)
.
السادسة عشر: إذا قنتَ في الوتر وفرغ وكبّر للسجود، فهل يرفع يديه؟
قال أبو داود
(3)
: رأيت أحمد إذا فرغ من القنوت وأراد أن يسجد رفع يديه كما يرفعهما عند الرّكوع.
وقال حُبَيش
(4)
بن سِنْدي: إن أبا عبد الله لما أراد أن يسجد في قنوت الوتر رفع يديه.
قال القاضي: ووجه هذا أن القنوت ذِكْرٌ طويل يُفْعَل حالَ القيام فهو كالقراءة، وقد ثبت أنه يرفع للتكبير عقيب القراءة، فكذلك التكبير عقيب القنوت.
(1)
(ف): «معقولة» خطأ.
(2)
انظر «المجموع» : (4/ 63) وعلل ذلك بأن اليد لا ترفع في الهوي إلى السجود.
(3)
«مسائل أبي داود» (474).
(4)
الأصل و (ف): «حنين» تحريف، وهو: حبيش بن سندي، من كبار أصحاب أحمد، وله عنه مسائل. ترجمته في «تاريخ بغداد»:(8/ 272)، و «طبقات الحنابلة»:(1/ 390).
السابعة عشر: يستحبّ رفع اليدين في صلاة الكسوف والاستسقاء والجنازة والعيدين. قال في رواية المرُّوذي، وجعفر بن محمد: يرفع اليدين إذا افتتح، وإذا ركع، وإذا رفع رأسَه، وكذلك الفطر والأضحى والجنازة، وقد نصّ في رواية أبي طالب على أنه إذا قرأ السجدة في الصلاة فسجد يرفع يديه، وقد تقدم
(1)
.
وذكر الأثرم في «سننه» عن [ابن عمر أنه كان] يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة والعيد، وهذا مذهب الشافعي
(2)
.
وذكر الدارقطنيّ
(3)
أن مروان أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سنة الاستسقاء؟ فقال: سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين.
وقد ثبتَ عن الصحابة رفع اليدين في تكبيرات العيدين.
الثامنة عشر: هل يستحبّ للمرأة رفع اليدين؟ فيه قولان للعلماء:
أحدهما: أنه يُسنّ لها ذلك كالرّجل، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي
(4)
وأحمد في إحدى الروايتين عنه
(5)
، فإنه قال في رواية حنبل
ــ وقد سأله: ترفع المرأة في الركوع والسجود كما يرفع الرجل؟ ــ قال:
(1)
في المسألة السابقة.
(2)
انظر «الأم» : (2/ 239).
(3)
«السنن» : (2/ 66).
(4)
انظر «الأم» : (2/ 229).
(5)
انظر «التمام» : (1/ 154)، و «المغني»:(2/ 139).
نعم، ولا ترفع كالرّجل، دون ذلك
(1)
.
ووجه هذا عموم الأدلة المسوِّية بين الرّجل والمرأة.
وروى سعيد بن منصور عن أمّ الدرداء: أنها كانت ترفع يديها في الصلاة حَذْو منكبيها
(2)
.
والقول الثاني: أنه لا يُسنّ لها ذلك، وهو الرواية الثانية عن أحمد، فإنه نقل عنه يوسف بن موسى، وأحمد بن حسين بن حسّان: في المرأة ترفع يديها إذا ركعت وإذا رفعت؟ فقال: ما سمعنا بل الرّجل، فإن فعلت فلا بأس.
قال القاضي: وظاهر هذا أنّه رآه فِعلًا جائزًا، ولم يره مسنونًا في حقِّها؛ لأنَّه قال: ما سمعنا، أي:[ق 100] ما سمعناه مسنونًا.
قلت: [وهناك رواية]
(3)
عن أحمد ذكرها القاضي في «جامعه» وأبو البركات [في «شرحه»
(4)
، قال] أبو البركات: رواية حنبل أنها ترفع دون رفع الرَّجُل [إلى] نحو الثديين. قال: وبه قال حماد وأبو حنيفة
…
(5)
، وهو أوسط الأقوال وأقرب إلى رفع محذوري التجافي وحرمانها هذه السنة.
(1)
ونحوه من التفريق قاله في سجود المرأة وجلوسها. قال أبو داود في «مسائله» (360): «سألت أحمد عن المرأة كيف تسجد؟ قال: تضم فخذيها. قلت لأحمد: فجلوسها مثل جلوس الرجل؟ قال: لا» .
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (2485) من طريق إسماعيل بن عياش بسياق أتم من هذا. وتقدم (ص 36).
(3)
طمس بمقدار كلمتين، لعله ما أثبت.
(4)
هو شرح الهداية، سبق التعريف به.
(5)
كلمة مطموسة وتحتمل: الثوري.
قلت: وقد قال عاصم الأحول: رأيت حفصة بنت سيرين تصلي، فإذا ركعت رفعت يديها عند ثدييها
(1)
.
وحجَّة من لم يستحبّ لها الرَّفع: أن المرأة تخالف الرّجل في الهيئات، ولهذا لا تجافي ولا تفترش ولا ترفع صوتها بتكبير ولا قراءة، فكذلك رفع اليدين.
ومن استحبَّه أجاب عن هذا بأن زمن التجافي والافتراش يطول، بخلاف زمن رفع اليدين فإنه يسير جدًّا، فهو بمنزلة حركة سائر بدنها، وهذا أرجح، والله أعلم.
ولنقتصر على هذا القَدْر بعد الاعتذار ــ لمن عساه يقف على هذا الكتاب ــ بقلّة البضاعة، وتشتُّت العَزَمات، وكثرة الصوارف عن حقِّ العلم وموجبه، وقلة الأعوان وكثرة المعارضات، وكلٌّ من هذه مُعادٍ للعلم ولطلبه. فما كان في هذا الكتاب من خطأٍ وزلل؛ فمن نفسي ومن الشطان، والله بريء منه ورسوله. وما كان فيه من صواب؛ فمن الله وحدَه وهو المانُّ به، والمُلْهِم له، والمُعِين عليه، والفاتح لأبوابه، والميسِّر لأسبابه، ولم أقصد فيه إلا نُصرة الحق دون التعصّب واتباع الهوى، فإنهما يصدَّان عن الحقّ، ويحرمان الأجر، ويبعدان عن الله ورسوله، ويوجبان مقته، ويخرجان صاحبهما عن درجة الوراثة النبوية، ويدخلانه في أهل الأهواء والعصبية.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (2490).
والله المسؤول أن يوفّقنا وسائر إخواننا لما يحبُّه ويرضاه من القول والعمل، والنية والهدى، إنَّه قريب مجيب، والحمد لله ربّ العالمين
(1)
.
(1)
في خاتمة الأصل: «تم كتاب رفع اليدين تأليف شيخنا الإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية، أمتع الله بفوائده ورضي الله عنه، في يوم الاثنين منتصف شعبان سنة أربعين وسبعمائة بمدينة حلب حرسها الله تعالى وسائر بلاد الإسلام.
ونقلت هذه النسخة إلا يسيرًا منها وهو دون خمس ورقات من أصل المؤلف الذي بخطه، وقوبلت به».
وجاء في آخر (ف): «بلغ مقابلة وتصحيحًا على نسخةٍ كثيرة البياض جدًّا، فإن حُصّل نسخة سالمة من البياض، فليعد التصحيح. سنه 1338» .