المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الحلف بالملائكة والأنبياء] - الإخنائية أو الرد على الإخنائي ت زهوي

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كلمات مضيئة

- ‌مقدمة المحقق

- ‌منهجي في تحقيق الكتاب:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[مدار الدين على توحيد الله تعالى]

- ‌فصل [الكلام على الكتاب المردود عليه]

- ‌[المردود عليه عنده شيء من الدين لكن مع جهل وسوء فهم]

- ‌[التحذير من الكلام في دين الله بغير علم]

- ‌فصل [بداية الرد على المعترض]

- ‌[من قصد السفر إلى المدينة فليقصد السفر إلى المسجد]

- ‌[الفرق بين زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبين زيارة قبره]

- ‌[أول من وضع أحاديث زيارة المشاهد]

- ‌فصل [خلط المردود عليه بين زيارة القبور والسفر إليها]

- ‌[لا يوجد في الكتاب ولا في السنة دليل على استحباب زيارة قبور الأنبياء]

- ‌[إتيان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لأجل القبر ليس بطاعة]

- ‌[التفريق بين الغرباء والمقيمين في المدينة في السلام عليه خارج الحجرة]

- ‌[قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم أن يزار كسائر القبور]

- ‌[المقصود الشرعي من زيارة القبور]

- ‌[اعتقاد النفع بالقبور هو كاتخاذها أوثانا]

- ‌[شد الرحال لزيارة قبور الصالحين هو من جنس عمل المشركين]

- ‌[واجب المؤمن تجاه النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[عداوة الأنبياء بمخالفتهم لا بموافقتهم]

- ‌[الكلام في الأحكام الشرعية لا يستدلّ عليه إلا بالأدلة الشرعية]

- ‌[الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، واختلاف العلماء في وجوبها]

- ‌[الحلف بالملائكة والأنبياء]

- ‌[أفضل الناس مع أنبيائهم هم الصحابة]

- ‌فصل [الأحاديث التي احتج بها المعترض على جواز شدّ الرحال للقبور، والرد على ذلك]

- ‌[الفرق بين الزيارة الشرعية وبين الزيارة البدعية]

- ‌فصل [المصنف لا يحرم زيارة القبور الزيارة الشرعية]

- ‌فصل [هل وردت أحاديث صحيحة في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم

- ‌[زيارة القبور ليست من باب الإكرام والتعظيم]

- ‌[الأنبياء والأولياء الذين عبدوا من دون الله لا إثم عليهم، إنما الإثم على من عبدهم]

- ‌فصل [حديث «من صلّى عليّ عند قبري سمعته»]

- ‌فصل [مذهب السلف في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل [خلط المعترض بين زيارة الأحياء وبين زيارة القبور]

- ‌فصل [تعدّي المعترض على المصنف، وجواب المصنف عليه]

- ‌[من اعتقد أن السفر إلى قبر شيخ أو إمام أفضل من الحج فهو كافر]

- ‌فصل [المردود عليه وأسجاعه الفارغة]

- ‌فصل [كلام المصنف على حديث النهي عن شدّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة]

- ‌فصل [الرد على المعترض فيما افتراه على أئمة المسلمين في أنهم يجوّزون السفر إلى زيارة القبور]

- ‌فصل [زعم المعترض أن المؤلف خرق الإجماع]

- ‌فصل [افتراء المعترض على المصنف]

- ‌[واجب الموحّد تجاه الملائكة والأنبياء]

- ‌[الفرقان بين الحق والباطل]

- ‌الفهارس العامة

- ‌فهرس الآيات القرآنية

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌[الحلف بالملائكة والأنبياء]

وطلب الثواب. وقال أصبغ عن ابن القاسم: موطنان لا يذكر فيهما إلا الله؛ الذبح والعطاس فلا يقال فيهما بعد ذكر الله: محمد رسول الله، ولو قال بعد ذكر الله: محمد رسول الله، لم يكره تسميته له مع الله. وقال أشهب: لا ينبغي أن تجعل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم استنانا.

قلت: والشافعي لم يكره ذلك، بل قال: هو من الإيمان، وهو قول طائفة من أصحاب أحمد كأبي إسحاق وابن شاقلا.

[الحلف بالملائكة والأنبياء]

وكذلك تكلّموا في الحلف بالملائكة والأنبياء؛ أما الملائكة فاتفق المسلمون على أنه لا يحلف بأحد منهم، ولا تنعقد اليمين إذا حلف به، وهذا أيضا قول الجمهور في الأنبياء كلهم؛ نبينا وغيره، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، وعنه أنها تنعقد بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، اختارها طائفة من أصحاب أحمد كالقاضي أبي يعلى وغيره، وخصوا ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، وابن عقيل عدّى ذلك إلى سائر الأنبياء.

والصواب: قول الجمهور؛ وأنه لا تنعقد اليمين بمخلوق لا بنبي ولا غيره، بل ينهى عن الحلف به.

فإذا قيل: لا يحلف به، أو لا يحلف بالأنبياء ولا بالملائكة؛ لم يكن هذا معاداة لهم ولا سبا، ولا تنقّصا بهم عند أحد من المسلمين، وكذلك سائر خصائص الرب إذا نفيت عنهم فقيل: لا تعبد الملائكة ولا الأنبياء، ولا يسجد لهم، ولا يصلّى لهم، ولا يدعون من دون الله، ونحو ذلك؛ كان هذا توحيدا وإيمانا ولم يكن هذا تنقيصا بهم، ولا سبّا لهم، ولا معاداة، كما قال تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ إلى قوله: بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران 79، 80].

فإذا قيل: لا يجوز لأحد أن يتخذ الملائكة والنبيين أربابا، كما ذكر الله ذلك في القرآن، ولم يقل مسلم هذا معاداة لهم ولا منقصة ولا سب.

وكذلك إذا قيل: إنهم عباد الله، وإن المسيح وغيره عباد لله؛ كان هذا توحيدا وإيمانا، لم يكن ذلك تنقصا ولا سبّا ولا معاداة، قال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ إلى قوله: وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً [النساء: 171 - 173]. وقد ذكر أهل التفسير أن أهل نجران قالوا: يا محمّد إنك تعيب صاحبنا فتقول: إنه عبد الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس بعار بعيسى أن يكون عبدا لله» فنزل: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ [النساء: 172]. أي: لن يأنف ويتعظم عن ذلك.

ص: 79

فمن جعل تحقيق التوحيد تنقصا بالأنبياء، أو سبّا أو معاداة؛ فهو من جنس هؤلاء النصارى.

والنهي عن اتخاذ قبورهم مساجد والسفر إليها واتخاذها أوثانا وعيدا فهو من هذا الباب؛ من باب تحقيق التوحيد.

وفي مثل هذا المقام يقال: إن كل ما يدعى من دون الله من الملائكة والأنبياء وغيرهم لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إلى قوله: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ: 22، 23]. فلا تنفع شفاعة ملك ولا نبي إلا بإذن الله، كما قال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255]. وقال:* وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى [النجم: 26]. ولم يكن هذا القول ونحوه تنقصا بالملائكة ولا سبّا لهم ولا معاداة لهم، بل الملائكة والأنبياء يعادون من أشرك بهم، ويوالون أهل التوحيد الذين ينزّلونهم منازلهم، وهم برآء ممن يغلو فيهم ويشرك بهم، قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ [سبأ: 40، 41] الآية. وقال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ إلى قوله: نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً [الفرقان: 17 - 19] وقال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إلى قوله: نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [المائدة: 72 - 76].

وهذا بيان أن المسيح وغيره من المخلوقين لا يملكون للناس ضرّا ولا نفعا. ولا يجوز أن يقال هذا معاداة له أو سب أو تنقص.

وقد أمر الله سبحانه خاتم الرسل بأن يقول ما ذكره عنه من قوله: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ [الأعراف: 188].

الآية. وقال تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً [الجن: 21]. وقال تعالى: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام: 50]. ومثل هذا في القرآن كثير يعم ويخص، فالأول كقول صاحب يس: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً [يس: 22، 23] الآية. وقوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ إلى قوله: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر: 36 - 38] وقال تعالى: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ إلى قوله: فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ [يونس: 106، 107].

وهذا باب واسع.

والمقصود: أن أدنى من يعد من طلبة العلم يعلم أن أفعال العباد إذا تكلم فيها بالأمر والنهي والإيجاب والتحريم، وهل هذا السفر جائز أو مستحب أو محرم أو

ص: 80

مكروه، سواء كان إلى مسجد أو إلى قبر نبي أو غير ذلك؛ لم يدخل شيء من هذا في مسائل تنقيص الأنبياء وسبهم، بل أبلغ من هذا أنه إذا تكلم في مسائل العصمة، وهل يجوز على الأنبياء الذنوب أو لا يجوز «1» ، واختار مختار أحد القولين لم يقل أحد من المسلمين إن هذا تنقّص وسبّ ومعاداة، وكذلك السؤال بالأنبياء في الدعاء، مثل أن يقول الداعي: أسألك بحقّ الأنبياء عليك، نهى أبو حنيفة عنه، وطائفة ترخص في هذا. ولم يقل أحد إن كل من نهى عن ذلك قد تنقّص بالأنبياء وعاداهم.

والقاضي عياض رحمه الله مع أنه أبلغ الناس في مسائل العصمة وفي مسائل السبّ، قد ذكر هذا لئلا يقع فيه هؤلاء الجهال الذين يجعلون الكلام العلمي والاستدلال بالأدلة الشرعية، والاجتهاد في متابعة الرسول والأنبياء، من باب المعاداة والسب والتنقّص، ولا ريب أن هذا الباب إن كان فيه معاداة وتنقّص لهم؛ فمن خالفهم وأمر بما نهوا عنه ونهى عما أمروا به، وقال عنهم الكذب، ونسب إليهم ما نزّههم الله منه، مثل هؤلاء الجهّال المفترين، كان هو أولى بالمعاداة والسب والتنقص، كما قد بسط في مواضع آخر.

إذ المقصود هنا ما ذكره القاضي عياض رحمه الله قال: لما ذكر قسم الكلام في

(1) ذهب بعض العلماء إلى القول بأنه لا يجوز الوقوع من قبل الأنبياء في الكبائر والصغائر مطلقا، لا على جهة العمد ولا السهو.

وقد أجمع العلماء على انتفاء وقوع الكبائر من الأنبياء، لكن اختلفوا في الصغائر؛ هل تقع منهم؟

قال البعض بجواز وقوع ذلك منهم سهوا.

وقال البعض الآخر: إن الخطأ يقع في الأفعال دون أمور التبليغ والديانة.

وشذّ قوم فقالوا بإمكان وقوع الكبائر منهم سهوا!

ولتفصيل المسألة؛ انظر: «المحصول» للرازي (3/ 225 - 228) و «التحصيل من المحصول» للأرموي (1/ 433 - 434) و «نفائس الأصول في شرح المحصول» للقرافي (5/ 2392 - 2397) ونهاية الوصول في دراية الأصول «لصفي الدين الهندي» (5/ 2113 - 2120) و «نهاية السئول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول» للأسنوي (2/ 641 - 643) و «الأحكام» للآمدي (1/ 170).

ومن المهم ذكره في هذا المقام أن كثيرا من علماء الإمامية! يشنعون على علماء أهل السنة القائلين بجواز وقوع السهو والخطأ من الأنبياء- بالضوابط التي يذكرونها- وتراهم يكيلون لهم السّباب والشتائم.

مع أن كثيرا من علمائهم المتقدمين يقولون هذا القول، ولا تراهم يذكرونهم بأي سوء!

فمن القائلين بجواز السهو والخطأ على الأنبياء من علماء الإمامية:

الشيخ الصدوق، والشريف المرتضى، الذي يرى جواز غلبة النوم على الأنبياء في أوقات الصلوات فيقضونها، ولا يعد ذلك عيبا ولا نقصا. انظر «الأنوار النعمانية» (4/ 34) - الأعلمي- وأقرّه نعمة الله الجزائري في المصدر السابق.

والخوئي يقول: «إن القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية» «صراط النجاة» ! (1/ 462).

ص: 81

مسائل السب وما يشتبه ممال ليس بسب قال: الوجه السابع: أن يذكر ما يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أو يختلف في جوازه عليه، وما يطرأ من الأمور البشرية به ويمكن إضافتها إليه، أو يذكر ما امتحن به وصبر في ذات الله على شدته، من مقاساة أعدائه وأذاهم له، ومعرفة ابتداء حاله وسيرته، وما لقيه من بؤس زمنه، ومرّ عليه من معاناة عيشته، كل هذا على طريق الرواية ومذاكرة العلم، ومعرفة ما صحّت منه العصمة للأنبياء وما يجوز عليهم، فهذا فنّ خارج عن هذه الفنون الستة، إذ ليس فيه غمص ولا نقص ولا إزراء ولا استخفاف، لا في ظاهر اللفظ ولا في مقصد اللافظ. قال: لكن يجب أن يكون الكلام فيه مع أهل العلم وفهماء طلبة الدين ممن يفهم مقاصده، ويحققون فوائده، ويجنب ذلك من عساه لا يفقه، أو يخشى به فتنة، فقد كره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف لما انطوت عليه من تلك القصص، لضعف معرفتهن ونقص عقولهن وإدراكهن. فقد قال صلى الله عليه وسلم مخبرا عن نفسه باستئجاره لرعاية الغنم في ابتداء حاله وقال صلى الله عليه وسلم:«ما من نبي إلا وقد رعى الغنم» «1» . وأخبرنا الله بذلك عن موسى. فهذا لا غضاضة فيه جملة واحدة لمن ذكره على وجهه، بخلاف من قصد الغضاضة والتحقير، بل كانت عادة جميع العرب. نعم في ذلك للأنبياء حكمة بالغة وتدريج من الله تعالى لهم إلى كرامته، وتدريب برعايتها لسياسة أممهم من خلقه بما سبق لهم من الكرامة في الأزل ومتقدم العلم بذلك، وكذلك قد ذكر الله يتمه وعيلته على طريق المنة عليه والتعريف بكرامته له، فذكر الذّاكر لها على وجه تعريف حاله والخبر عن مبتدئه، والتعجّب من منح الله قبله؛ وعظيم منن الله عنده، ليس فيه غضاضة، بل فيه دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وصحة دعوته، إذ أظهره الله تعالى بعد هذا على صناديد العرب ومن ناوأه من أشرافهم شيئا فشيئا، ونمى أمره صلى الله عليه وسلم حتى قهرهم وتمكّن من ملك مقاليدهم، واستباحة ممالك كثيرة من الأمم غيرهم، بإظهار الله له وتأييده بنصره وبالمؤمنين، وألّف بين قلوبهم، وإمداده بالملائكة المسوّمين. ولو كان ابن ملك أو ذا أشياع متقدّمين لحسب كثير من الجهال أن ذلك موجب ظهوره ومقتضى علوّه، ولهذا قال هرقل- حين سأل أبا سفيان بن حرب عنه صلى الله عليه وسلم هل من آبائه ملك؟ فقال: لا، ثم قال: وقلت لو كان من آبائه من ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه «2» .

وإذا اليتم من صفته، وإحدى علاماته في الكتب المتقدمة وأخبار الأمم السالفة. وكذا وقع ذكره في كتاب أرميا، وبهذا وصفه ابن ذي يزن لعبد المطلب، وبحيرا لأبي طالب.

(1) أخرجه مالك بلاغا في «الموطأ» (2/ 365) - 54 - كتاب الاستئذان. (6) باب ما جاء في أمر الغنم.

وأخرجه البخاري (2262) من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم» الحديث.

(2)

القصة في «صحيح البخاري» برقم (7) وانظر أطرافه هناك.

ص: 82