الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الراجح، فهذا مطيع لله مأجور أجرين إن أصاب، وإن أخطأ أجرا واحدا. ومن قال:
كل مجتهد مصيب بمعنى أنه مطيع لله فقد صدق، ومن قال: المصيب لا يكون إلا واحدا، وإن الحق لا يكون إلا واحدا ومن لم يعلمه فقد أخطأ، بمعنى أنه لم يعلم الحق في نفس الأمر فقد صدق، كما بسط هذا في مواضع.
[التحذير من الكلام في دين الله بغير علم]
والمقصود: أن من تكلم بلا علم يسوغ، وقال غير الحق فإنه يسمى كاذبا، فكيف بمن ينقل عن كلام موجود خلاف ما هو فيه مما يعرف كلّ من تدبر الكلام أن هذا نقل باطل؟ فإن مثل هذا كذب ظاهر، والأول على صاحبه إثم الكذب ويطلق عليه الكذب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كذب أبو السنابل» «1» . وكما قال لما قيل له: إنهم يقولون إن عامرا بطل عمله، قتل نفسه. فقال:«كذب من قال ذلك» «2» .
وكما قال عبادة: «كذب أبو محمد» لما قال الوتر واجب «3» . وقال ابن عباس:
(1) قال العلامة المعلمي- رحمه الله: «في قصة سبيعة الأسلمية لما مات زوجها، فوضعت حملها وتهيأت للخاطبين، فأنكر عليها أبو السنابل، وقال: حتى تعتدّي أربعة أشهر وعشرا. فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كذب أبو السنابل» والقصة في الصحيحين وغيرهما. وأبو السنابل هو: ابن بعك، اسمه حبة أو عمرو، وقيل غير ذلك: اه. من «الإصابة في معرفة الصحابة» بترجمة أبي السنابل.
قلت: والقصة أخرجها البخاري برقم (5318) ومسلم برقم (1484) وأحمد (1/ 447) واللفظ له.
(2)
أخرجه أحمد ضمن قصة طويلة (4/ 51 - 52).
(3)
أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 78/ 14) وأحمد (5/ 315 - 316، 319 - 322) وأبو داود (1420) والنسائي (1/ 230) وابن ماجه (1401) وابن حبان (5/ 21/ 1731 و6/ 174/ 2417) والحميدي في «مسنده» 1/ 191/ 388) والدارمي في «سننه» (1/ 446 - 447/ 1577) وابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/ 296) وابن أبي عاصم في «السنة» (967) وعبد الرزاق في «مصنفه» (3/ 5/ 4575) والبيهقي في «سننه» (1/ 461 و2/ 467).
من طرق: عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن رفيع- أو أبي رفيع- المخدجي أنه قال: جاء رجل إلى عبادة بن الصامت، فقال: يا أبا الوليد، إني سمعت أبا محمد الأنصاري يقول:
الوتر واجب. فقال عبادة: كذب أبو محمد؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«خمس صلوات كتبهن الله على عباده .. الحديث» .
وهذا إسناد ضعيف؛ أبو رافع المخدجي مجهول، لم يوثقه غير ابن حبان.
لكنه توبع؛ تابعه عبد الله بن الصنابحي عند أحمد (5/ 217) وأبي داود (425) والبيهقي (2/ 215).
من طريق: محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، عن عبادة به.
ولكن وقع عند البيهقي: عن أبي عبد الله الصنابحي.
وهو الصواب، وأبو عبد الله الصنابحي هو: عبد الرحمن بن عسيلة المرادي. وانظر: «تهذيب التهذيب» (2/ 462 - 463، 533) وتحقيق العلامة أحمد شاكر على «الرسالة» للشافعي ص 217 وما بعدها.
وتابعه أيضا: أبو إدريس الخولاني عند الطيالسي (573).
فالحديث صحيح بهاتين المتابعتين. وقد صححه الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (967).
«كذب نوف» لما قال: إن موسى صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر «1» ، ومثل هذا كثير.
فإذا كان هذا الخبر الذي ليس بمطابق يسمّى كذبا فما هو كذب ظاهر أولى، ومثل هذا إذا حكم بين الناس بالجهل فهو أحد القضاة الثلاثة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم:«القضاة ثلاثة؛ قاضيان في النار وقاض في الجنة؛ رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار» . وإن قيل فيه: قد يكون مجتهدا مخطئا مغفورا له، فحكمه الذي أخطأ فيه وخالف فيه النص والإجماع باطل باتفاق العلماء، وكذلك حكم من شاركه في ذلك.
وكلام هذا وأمثاله يدلّ على أنهم بعيدون عن معرفة الصواب في هذا الباب، كأنهم غرباء عن دين الإسلام في مثل هذه المسائل لم يتدبّروا القرآن ولا عرفوا السنن ولا آثار الصحابة ولا التابعين ولا كلام أئمة المسلمين، وفي مثل هؤلاء قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ» «2» . فشريعة الإسلام في هذا الباب غريبة عند هؤلاء لا يعرفونها، فإن هذا وأمثاله لو كان عندهم علم بنوع من أنواع الأدلة الشرعية في هذا الباب لوزعهم ذلك عما وقعوا فيه من الضلال والابتداع ومخالفة دين المرسلين، والخروج عما عليه جميع أئمة الدين، مع ما فيه من الافتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى علماء المسلمين وعلى المجيب.
والاستدلال على ما ذكروه بما لا يصلح أن يكون دليلا؛ إما حديث صحيح لا يدل على المطلوب وإما خبر معتل مكذوب، والمستدلّ بالحديث عليه أن يبين صحته ويبين دلالته على مطلوبه. وهذا المعترض لم يجمع في حديث واحد بين هذا وهذا، بل إن ذكر حديثا صحيحا لم يكن دالا على محل النزاع، وإن أشار إلى ما يدل؛ لم يكن ثابتا عند أهل العلم بالحديث الذين يعتد بهم في الإجماع والنزاع.
فأما ما فيه من الافتراء والكذب على المجيب فليس المقصود الجواب عنه وله أسوة أمثاله من أهل الإفك والزور، وقد قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ [النور: 11]. بل المقصود الانتصار لله ولكتابه ولرسوله ولدينه، وبيان جهل الجاهل الذي يتكلم في الدين بالباطل وبغير علم. فأذكر ما يتعلق بالمسألة وبالجواب. وليس المقصود أيضا العدوان
(1) انظر «صحيح البخاري» (4725).
(2)
الحديث مروي عن جمع من الصحابة، منهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وسهل بن سعد الساعدي، وعمرو بن عوف، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.
وهو عند مسلم (146) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
على أحد لا المعترض ولا غيره، ولا بخس حقه، ولا تخصيصه بما لا يختص به، بما يشركه فيه غيره، بل المقصود الكلام بموجب العلم والعدل والدين، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: 8]. وليس أيضا المقصود ذم شخص معين، بل المقصود بيان ما يذمّ وينهى عنه ويحذر عنه من الخطأ والضلال في هذا الباب، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«ما بال رجال يقولون أو يفعلون كذا» «1» . فيذم ذلك الفعل ويحذر عن ذلك النوع، وليس مقصوده إيذاء شخص معيّن. ولكن لما كان هذا صنّف مصنفا وأظهره وشهره؛ لم يكن بد من حكاية ألفاظه والردّ عليه وعلى من هو مثله ممن ينتسب إلى علم ودين، ويتكلم في هذه المسألة بما يناقض دين المسلمين، حيث يجعل ما بعث الله به رسوله كفرا، وهذا رأس هؤلاء المبدّلين، فالرد عليه ردّ عليهم.
(1) أخرجه أبو داود (4788) والبيهقي في «دلائل النبوة» (1/ 237). وهو حديث صحيح، انظر «السلسلة الصحيحة» (2064).