المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زعموا مطية الكذب - زهر الأكم في الأمثال والحكم - جـ ٣

[الحسن اليوسي]

فهرس الكتاب

- ‌باب الذال المعجمة

- ‌الذئب يغبط بذي بطنه

- ‌ذياب في ثيابٍ

- ‌الذيب يكنى أبا جعدة

- ‌ذكرتني الطعن وكنت ناسيا

- ‌ذكر ما فات يكدر الأوقات

- ‌مذكية تقاس بالجذاع

- ‌قياس البيض على الباذنجان

- ‌أذكى من إياس

- ‌ذليل عاذ بقرملةٍ

- ‌ضعيف عاد بقرملةٍ

- ‌أذل من بيضة البلد

- ‌أذل من حمارٍ

- ‌أذل من حمار قبان

- ‌أذل من السقبان بين الحلائب

- ‌أذل من فراشٍ

- ‌أذل من فقع بقرقرةٍ

- ‌ذهبوا أيادي سبأ

- ‌ذهبوا تحت كوكبٍ

- ‌ذهب دمه أدراج الرياح

- ‌ذهبت هيف لأديانها

- ‌الذود إلى الذود ابل

- ‌ذلك الفحل لا يقدح انفه

- ‌ذهب دمه خضراً مضراً

- ‌لأذهبن فإما هلك وإما ملكٌ

- ‌أذهل من صبٍّ

- ‌ذلك ما كنا نبغِ

- ‌ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً

- ‌ذلك الظن بك يا أبا إسحاق

- ‌باب الراء

- ‌أراك بشرا، ما أحار مشفر

- ‌أريها السهى وتريني القمر

- ‌رأي الشيخ خير من مشهد الغلام

- ‌ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل

- ‌أرى القدر، سابق الحذر

- ‌أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى

- ‌أراك الكواكب بالنهار

- ‌لأرينك لمحاً باصراً

- ‌الرأي مع الجماعة

- ‌أرى الموت في الغرائر السود

- ‌أرنيها نَمِرَة أُرِكها مَطِرَة

- ‌رُبَّ أخٍ لم تلدهُ أمك

- ‌رُبَّ أكلةٍ منعت أكلاتٍ

- ‌رُبَّ رميةٍ من غير رامٍ

- ‌رُبَّ ساعٍ لقاعدٍ

- ‌رُبَّ سامعٍ خبري لم يسمع عذري

- ‌رُبَّ سامعٍ عذري لم يسمع قفوتي

- ‌رُبَّ شدٍّ في الكرز

- ‌رُبَّ صلفٍ تحت الراعدةِ

- ‌رُبَّ طمع يهدي إلى طبع

- ‌رُبَّ عجلةٍ تهبُ ريثاً

- ‌رُبَّ قول أشد من صول

- ‌رب مملول لا يستطيع فراقه

- ‌الرباح، مع السماح

- ‌أربع على ظلعك

- ‌يرتع وسطا ويربض حجرة

- ‌رجع بخفي حنينٍ

- ‌رجع بصحيفة الملتمس

- ‌رجع فلان إلى قرواه

- ‌رزمةٌ ولا درة فيها

- ‌الرشف أنقع

- ‌ارضَ من المركب بالتعليق

- ‌مرعى ولا أكولة

- ‌مرعى ولا كالسعدان

- ‌فتى ولا كمالكٍ

- ‌رعى فأقصبَ

- ‌الرغبُ شؤمٌ والرفقُ يمنٌ

- ‌الخرق شؤمٌ

- ‌ارقَ على ظلعك

- ‌ارقَ على ظلعك أن يهاضَ

- ‌يرقم الماء

- ‌رقةٌ ينتجها ذنب خيرٌ من حسنةٍ يتبعها عجب

- ‌ركب جناحي النعامة

- ‌ركب ذنب البعير

- ‌ركب ذنب الريح

- ‌ركب متن عشواء

- ‌رمتني بدائها وانسلت

- ‌رماه الله بداء الذيب

- ‌رماه الله بأفعى حاريةٍ

- ‌رعاه بأقحاف رأسه

- ‌أرمى من أبن تقن

- ‌الأرواح جنود مجندةٌ

- ‌استراح من لا عقل له

- ‌أراد بيض الأنوق

- ‌أردت عمراً وأراد الله خارجة

- ‌رويد الغزو ينمرق

- ‌رويداً يعدوان الجدد

- ‌روغي جعار

- ‌أروغ من ثعالة

- ‌الراوية أحد الهاجين

- ‌روت حزم، فإذا استوضحت فأعزم

- ‌أروى من نملةٍ

- ‌أروى من نعامةٍ

- ‌رهبوتى خير من رحموتى

- ‌تربع وتدسع

- ‌رجع عوده على بدئه

- ‌مرحبا وسهلاً

- ‌رعد فلان وابرق

- ‌أرقع ما أوهيت

- ‌ركب فلان عرعره

- ‌ركب رأسه

- ‌رماه بالذربين

- ‌رويد الشعر يغب

- ‌رب حليةٍ، انفع من قبيلة

- ‌كم ترك الأول للآخر

- ‌لطيفة:

- ‌باب الزاي الموحدة

- ‌زبيب وأنت حصرم

- ‌زاحم بعودٍ أو دع

- ‌زعموا مطية الكذب

- ‌زندان في وعاءٍ

- ‌أزكن من إياسٍ

- ‌أزنى من قرد

- ‌أزهى من طاووس

- ‌أزهى من ديكٍ

- ‌أزهى من غرابٍ

- ‌زوجٌ من عود، خيرٌ من قعود

- ‌زر غباً، تزدد حباً

- ‌زيادة الأمل تقتضي نقصان العمل

- ‌زدهم عنزاً

- ‌زين في عين واله ولده

- ‌كل خنفس عند أمه غزالٌ

- ‌كل فتاةٍ بأبيها معجبةٌ

- ‌باب السين المهملة

- ‌المسألة أخر كسب المرء

- ‌أسائر اليوم وقد زال الظهر

- ‌تسألني برامتين سلجماً

- ‌في دار البقر تصيب التبن

- ‌أسأل من قرثع

- ‌سبني واصدق

- ‌سبَّ من سبكَ يا هبَّارُ

- ‌سبق السيف العذل

- ‌سبقك بها عكاشة

- ‌سحابة صيفٍ عن قليلٍ تقشع

- ‌سد أبن بيضٍ الطريق

- ‌سداد في كفافٍ، أفضل من غنى مع إسرافٍ

- ‌يسدي ويلحم

- ‌السراح، من النجاح

- ‌سرك أسيرك، فإنَّ نطقت به كنت أسيره

- ‌أسرع من نكاح أم خارجة

- ‌سرعان ذا إهالة

- ‌أسرع من تلمض ورلٍ

- ‌أسرع السحب في المسير الجهام

- ‌أسرق من زبابةٍ

- ‌أسرى من جندبٍ

- ‌أسرى من قنفذٍ

- ‌أسعدٌ أم سعيدٌ

- ‌السعيد من وعظ بغيره

- ‌أسفد من ديكٍ

- ‌أسفد من هجرسٍ

- ‌سفيه لم يجد مسافها

- ‌سقط العشاء به على سرحانٍ

- ‌اسق أخاك النمري يصطبح

- ‌اسق رقاش إنّها سقاية

- ‌سكت ألفا، والنطق خلفا

- ‌أسكت من سمكةٍ

- ‌أسلح من حبارى

- ‌أسلح من دجاجٍ

- ‌السلطان كالنار

- ‌أسمع من حيةٍ

- ‌اسمع من دلدلٍ

- ‌أسمع من سمعٍ

- ‌أسمع من فرخ عقابٍ

- ‌أسمع من قرادٍ

- ‌اسمع جعجعة ولا أرى طحنا

- ‌تسمع بالمعيدي خير من إنَّ تراه

- ‌أستسمن ذا ورم

- ‌سمن كلبك يجوع أهله

- ‌سمنكم في أديمكم

- ‌سمن كلبك يأكلك

- ‌استنت الفصال حتى القرعى

- ‌سواءٌ عليك هو والقفرُ

- ‌سوء الاستمساك خيرٌ من حسن الصرعة

- ‌سوء الاكتساب يمنع الانتساب

- ‌أساء سمعاً فأساء جابةً

- ‌سال قضيبٌ حديداً

- ‌سلط الله عليه الورى وحمى خيبرا

- ‌سله من كذا سل الشعرة من العجين

- ‌أسلط من ذئبٍ متنمرٍ

- ‌السؤدد مع السواد

- ‌أسير من المثلِ

- ‌اسأل السائل عن طيب اللبن

- ‌سخر البخيل يدبر عليك

- ‌باب الشين المعجمة

- ‌أشأم من البسوس

- ‌أشأم من بني بسوس

- ‌أشأم من خوتعة

- ‌أشأم من الأخيل

- ‌أشأم من داحس

- ‌أشأم من الدهيم

- ‌أشأم من سراب

- ‌أشأم من الشقراء

- ‌أشأم من طويس

- ‌أشأم من عطر منشمٍ

- ‌أشأم من غراب البين

- ‌أشأم من قدارٍ

- ‌أشأم من قاشرٍ

- ‌شب عمرو عن الطوق

- ‌أشبه من الغراب بالغراب

- ‌أشبه شرج شرجا لو إنَّ أسميراً

- ‌شتى تؤوب الحلبة

- ‌أشجع من الديك

- ‌يشج مرة ويأسو أخرى

- ‌الشجاع موقى والجبان ملقى

- ‌شحمتي في قلعي

- ‌شحيمةٌ في حلقي

- ‌شحمة الرُكى

- ‌اشد من الفرس

- ‌أشد من الفيل

- ‌أشد من الدَّلم

- ‌اشتدي زيم

- ‌اشتدي أزمة تنفرجي

- ‌شراب بأمقعٍ

- ‌شراب بأنقع

- ‌أشرد من نعامةٍ

- ‌أشرد من ورلٍ

- ‌شر الرأي الدبري

- ‌شر الرعاء الحطمة

- ‌شر السير القحقحة

- ‌الشر ألجأه إلى مخ العراقيب

- ‌شر ما أجاءك إلى مخة عرقوبٍ

- ‌شر المال مالا يزكى ولا يذكى

- ‌شر أهر ذانابٍ

- ‌شر يوميها وأغواه لها

- ‌الشرط أملك، عليك أم لك

- ‌شرعك ما بلغك المحل

- ‌يكفيك ما بلغك المحل

- ‌شرق ما بين القوم بشر

- ‌اشتر لنفسك وللسوق

- ‌شغلت شعابي جدواي

- ‌أشغل من ذات النحيين

- ‌شغلهم الصفق بالأسواق

- ‌شق العصا

- ‌أشكر من بروقةٍ

- ‌أشكر من كلبٍ

- ‌شاكه أبا فلانٍ

- ‌شكا إلى غير مصمتٍ

- ‌الشماتة لؤم

- ‌أشم من نعامةٍ

- ‌شنشنه أعرفها من أخزم

- ‌شاهد البعض اللحظ

- ‌يشوب ويروب

- ‌شب شوباً لك روبته

- ‌شاورهن وخالفوهن

- ‌شالت نعامته

- ‌شوى حتى إذا نضج رمد

- ‌شيئاً ما يطلب السوط إلى الشقراء

- ‌أشربتني ما لم أشرب

- ‌الشعر أحد الوجهين

- ‌شاهت الوجوهُ

- ‌شوى في الحريق سمكته

- ‌باب الصاد

- ‌أصبر من حمارٍ

- ‌أصبر من ذي الضاغط

- ‌أصبر من عودٍ بدفيه الجلب

- ‌أصبر من قضيبٍ

- ‌صاحب الدابة أولى بمقدمها

- ‌صادف بطنه بطن تربة

- ‌صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس وهو لمركوبه أهيب

- ‌اصح من عير أبي سيارة

- ‌صرح حجير

- ‌صرح الحق عن محضه

- ‌صدقني سن بكره

- ‌أصدق من القطا

- ‌صدقك يبني عنك لا الوعيد

- ‌أصرد من عنزٍ جرباء

- ‌أصرد من عين الجرباء

- ‌صرفانية ربعية، تصرم بالصيف وتوكل بالشتية

- ‌الصارم ينبو

- ‌أصغر القوم شفرتهم

- ‌صفرت وطابه

- ‌أصفى من عين الديك

- ‌صلاح رأي النساء فساد، ونفاقه كساد

- ‌أصلح الغيث ما أفسد برده

- ‌أصنع من دود القز

- ‌أصنع من سرفة

- ‌أصنع من تنوطٍ

- ‌صابت بقر

الفصل: ‌زعموا مطية الكذب

هل المجد إلاّ العود والندى

ورأب الثأي والصبر عند المواطن؟

والمراد من المثل المعنى الأول، وهو التمثيل والتشبيه. والمعنى انك إذا حاولت أمرا أو زاولت حربا، ينبغي لك أنَّ تستعين عليه بأهل السن والمعرفة والتجريب. فإنَّ رأي المشايخ كثيرا ما كان أنفع من مشاهد الشباب، على إنَّ مشهد الشيوخ وأهل البصيرة والصدق أيضاً هو المشهد، كما قال أبو الطيب:

سأطلب حقي بالقنى ومشايخٍ

كأنهم من طول ما ألتثموا مرد

ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا

كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا

وعلى أسلوب هذا المثل ما يقال: قائل بسعد أو بجد وإلاّ فلا!

‌زعموا مطية الكذب

.

الزعم: الظن، يقال: زعم كذا وكذا واقعا، يزعمه. قال: زعمتني شيخا وليس بشيخ. .

وقال كثير

وقد زعمت إني تغيرت بعدها

ومن ذا الذي يا عز لا يتغير؟

ولها معان أخرى مراده هنا. والمطية: الناقة التي يركب مطاها أي ظهرها. قال امرؤ القيس:

ويوم عقرب للعذارى مطيتي

فيا عجبا من رحلها المتحمل!

ويحك إنَّ أبن عمر، رضي الله عنهما، قال: رأيت رجلا يطوف بالبيت حاملا أمه على ظهره وهو يقول:

إني لها مطية لا تذعر

إذا الركاب نفرت لا تنفر

ما حملت وأرضعتني أكثر

الله ربي ذو الجلال أكبر!

وذكر في الصحاح أنَّ المطية تؤنث وتذكر، وانشد على التذكير لربيعة بن مقروم الضبي جاهلي

ص: 138

ومطية ملث الظلام بعثته

يشكو الكلال إلي دامي الأظلل

وكان المطية على هذا هو المركوب، جملا كان أو ناقة. وجمع المطية مطي ومطايا. قال امرؤ القيس:

سريت بهم حتى تكل مطيهم

وحتى الجياد ما يفدن بأرسان

وفي الحديث رواية يشكو إنَّ يضرب الناس آباط المطي في طلب العلم فلا يجدون عالما من عالم المدينة.

وقال جرير:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمبن بطون راح؟

ومنه قول إلي نؤاس:

وإذا المطي بنا بلغن محمّداً

فظهورهن على الرجال حرام

ومنه قول أبي دلامة:

إنَّ المطايا تشكيك إذا أراد إنَّ يتحدث قال: زعموا كذا وكذا، وزعموا إنَّ الأمر كذا وإنَّ كذا واقع. فلما كان هذا اللفظ يقدمه إمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته، جعل مطية تشبيها بالمطية المركوبة، بالجمع التواصل بهما إلى الغرض. ثم انهم قالوا: إنّما يقال هكذا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه، وإنّما يجري على الألسن، وأكثر ما يكون ذلك كذب.

وفي الحديث: حسب الرجل من الكذب أنَّ يتحدث بكل ما سمع. فجعل زعموا مطية للكذب، أي للتحديث به من اجل هذا. وقد يعتبر به من يعتمد الكذب لسهولته إذ ذاك وتستره حيث لم يتعين المكذوب عليه ولا المنقول عنه حتى يفتضح الناقل عند سؤاله.

فائدتان. الأولى قال الجلال السيوطي في كتابه الهمع: قولهم زعموا مطية الكذب لم أقف عليه شيء من كتب الأمثال. وذكر بعضهم إنّه روى: مظنة الكذب بالظاء المعجمة والنون. وإخراج أبن أبي حاتم في تفيسره، عن صفوان بن عمرو

ص: 139

الكلابي، قال: بئس مطية المسلم زعموا مطية الشيطان. واخرج أبن سعد في الطبقات، من طريق الأعمش عن شريح القاضي قال: زعموا كنية الكذب. انتهى.

وذكر بعضهم: زعموا مطية الكذب حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم: لا يوجد زعم فصيح الكلام إلاّ عبارة عن الكذب، أو قول انفرد به قائله، أو تبقى عهدته على الزاعم. ففي ذلك ما ينجوا إلى تضعيف وقول سيبويه: زعم الخليل كذا، وإنّما يجيء فيما تفرد الخليل به. انتهى.

قلت: ولم يكن يأتي به سيبويه على إنَّ ذلك كذب، بل من اجل ذلك التفرد وبقاء العهدة فقط. وقد يأتي زعم مع القطع بصدق الزاعم، كما في السير من قول سعد، رضي الله عنه، للقريشي بمكة إنَّ محمّد يزعم إنّه قاتلك، ولم يكن المخبر يش في صدق محمّد صلى الله عليه وسلم، بل أيقن القريشي مع كفره بذلك فقال: أنا لا نكذب محمّد في خبره. والقصة مشهورة.

الثانية: قول جرير السابق. قالوا: هو امدح بيت قالته العرب. وكان امتدح به عبد الملك بن مروان من قصيدة، وكان أولها أنَّ قال: أتصحو أم فؤادك غير صاح فقال عبد الملك: بل فؤادك! ثم تمادى في الإنشاد إلى إنَّ قال:

تعزت أم حزرة ثم قالت:

رأيت الواردين ذوي امتياح

ثقي بالله ليس له شريك

ومن عند الخليفة بالجناح

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح؟

فطرب الملك وأخذته الأريحية وكان متكئا فجلس وقال: من مدحنا فليمدحنا بمثل هذا أو ليسكت! ثم قال: يا جرير، أترى أم حزرة ترويها مائة ناقة سود الحدق؟

ص: 140

فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ الإبل إباق ونحن مشايخ ليس بأحدنا فضل على راحلته. فلو أمرت بالرعاة؟ فأمر له بثمانية أعبد وكنت بين يدي عبد الملك صحاف فضة يقرعها بقضيب بيده. فقال جرير: والمحالب، يا أمير المؤمنين؟ وأشار إلى صفحة منها. فنبذها إليه بالقضيب. وفي ذلك قال جرير:

أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية

ما في عطائهم منٌّ ولا سرف!

قلت: وما ذكر في بيت جرير هو بحسب ما فيه من شمول بذكر العالمين، وإلاّ فلزهير أبيات هي الغرر في جبهات المديح، كقوله:

بل اذكرن خير قيس كلها حسبا

وخيرها نائلا وخيرها خلقا

فانه يجمع أوصافا من المديح مع السبك العجيب والاتساق البديع. إلاّ إنّه خصصه بقيس وهو لا يوجب كبير قصور، لأنَّ العناية بتفضيل الممدوح وتعليته إنّما هي بحسب أقرانه ومزاحميه في الشرف، مع إنَّ هذا اقرب إلى الصدق، وليس الكذب البشع بممدوح في الشعر. إلاّ إنَّ يريد جرير رهط الممدوح جميعا حتى يدخل النبي صلى الله عليه وسلم فيكون كلامة صدقا. وقوله:

إنَّ تلق يوما على علاته هرما

تلق السماحة منه والندى خلقا

فإنَّه ترك إثبات السماحة والندى للممدوح إلى إثبات كونهما من سجايا وخلائقه، إيهاما لكون ثبوتهما ليس متوقف العقول، لاتضاحه كالنهار، واشتهاره غاية الاشتهار. ووقع لزهير غير هذا ولغيره أيضاً مما يطول تتبعه.

قالوا: وأهجى بيت قالته العرب قول الأخطل يهجو جريرا:

قوم إذا أستنبح الضيفان كلبهم

قالوا لأمهم بولي على النار!

وبعده:

فتمسك البول بخلا إنَّ تجود به

فما تبول لهم إلاّ بمقدار!

وتقدم هذا: واحكم بيت قالته العرب قول طرفة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار ما لم تزود

ص: 141

وأحمق بيت قول أبي محجن:

إذا مت فادفني إلى جنب كرمةٍ

تروي عظامي عند عروقها!

ولا تدفنني في الفلاة فإنني

أخاف إذا مت ألا أذوقها

وأغزل بيت قالته العرب قول جرير:

إنَّ العيون التي في طرفها حورٌ

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

وبعده:

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن اضعف خلق الله أركانا

قلت: وأصدق بيت قالته العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم قول لبيد:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وبعده قول الآخر:

وما حملت من ناقةٍ فوق رحلها

أبر وأوفى ذمة من محمدِ

عجيبة. أبو العتاهية في شعره السابق امتدح عمر بن علاء فأمر له بسبعين ألف درهم وأمر من حضره من خدمه وغلمانه أن يخلعوا عليه حتى لم يقدر على القيام لمّا عليه من الثياب. ثم إنَّ جماعة من الشعراء كانوا بباب عمر فقال بعضهم: يا عجبا للأمير! يعطي أبا العتاهية سبعين ألفا. فبلغ ذلك عمر فقال: غليَّ بهم! فأدخلوا عليه. فقال: ما أحسد بعضكم لبعض يا معشر الشعراء! إنَّ أحدكم يأتينا يريد مدحنا فيشبب بصديقه في قصيدته بخمسين بيتا فما يبلغنا حتى يذهب لذاذة مدحه ورونق شعره. وقد أتانا أبو العتاهية فشبب ببيتين ثم قال:

إني أمنت من الزمان وريبته

لمّا علقت من الأمير حبالا

لو يستطيع الناس من إجلاله

لحذوا له حر الوجوه نعلا

ما كان هذا الجود حتى كنت يا

عمراً ولو يوماً تزول لزالا

إنَّ المطايا تشتكيك لأنها

قطعت إليك سباسباً ورمالا

ص: 142