الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توجد الحرارة التي تمد الأحياء بالنماء والدفء، ومن الحرارة إيجابا وسلبا يكون المطر، ولقد ختم الله تعالي الآية بقوله تعالى:(ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، أي وهو القادر الغالب صاحب السلطان المطلق والملك التام في هذا الكون، وهو العليم بما يكون فيه، وما يجري وما يدبر.
وقد ابتدأ سبحانه ببيان سلطانه سبحانه في الأرض، وما يتوالد فيها من أحياء، ثم ذكر ما يؤثر فيها وفي أهلها في الليل والنهار وما جعل من الشمس والقمر بحسبان، بعد ذلك ذكر السماء، وما يكون فيها، فقال تعالى:
* * *
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
…
(97)
* * *
خلق الله تعالى النجوم في السماء، وهي ذات أبراج كمطالع الشمس والنجوم، ولكل نجم مدار خاص به، يظهر في إبانه، واتجاهه يهدي السائرين في البر، فيهتدون به، ويعرفون به أهم متجهون إلى الشرق أم إلى الغرب وهل هم متجهون إلى الشمال أم إلى الجنوب، فيهتدون في الحيرة، ويصح أن يراد بها في ظلمات البر بالاهتداء بها في حيرة البر، وظلمات البحر بالاهتداء بها في ظلمات البحر.
ويصح أن يراد بذلك ظلمات الليل في البر والبحر، فإن الناس في نهارهم يهتدون بالشمس في شروقها وغروبها ومن ذلك يعرفون الاتجاه إلى الجنوب أو الشمال، أما في ظلمات الليل فالنجوم ليس بكونها منيرة، إنما بمسارها في اتجاهها.
هذه إحدى فوائد النجوم، أما المزايا الأخرى فأهمها أنها والأرض دلالة على منظم حكيم مبدع فقد قال تعالى:(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11).
قوله تعالى: (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ) أي بينا الآيات مفصلة واضحة لقوم يعلمون ويعرفون حقائق هذا الوجود ويعلمون مصالحهم.
* * *
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
* * *
بعد أن أشار سبحانه وتعالى إلى خلق النبات من الحبَّات، والشجر من النواة - بين خلق الإنسان في الأرحام فقال تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ).
اتجه المفسرون إلى اتجاهات في تفسير قوله تعايى: (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) فمنهم من نظر إلى أن قوله تعالى: (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) تتجه إلى أصل التكوين الإنساني في أصلاب الآباء، وأرحام الأمهات، فقال: معنى مستقر أي مكان استقرار وهو رحم الأم، ومستودع، أي مكان الوديعة الإلهية في أصلاب الآباء، فهو بيان لأدوار النطفة حتى تخرج من المستودع الذي أودعه الله تعالى فيها، وهو الأصلاب إلى المقر الذي أقرها الله فيها لتنمو فتكون نطفة في قرار مكين، ثم تكون النطفة علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظاما، فيكسو العظام لحما، ثم
يصير بشرا سويا، فتبارك الله أحسن الخالقين، والنفس الواحدة هي نفس آدم أبي وكما أشار سبحانه إلى فلق الحبة فتكون خضرة، وفلق النواة فتكون نخلا باسقا، وأشار هنا إلى خلق الإنسان حتى يصير إنسانا مكتملا.
واتجه آخرون إلى الاستقرار في الحياة، والاستيداع في النهاية إلى باطن الأرض، فالمستقر هو الدنيا والوجود في هذه الأرض، والمستودع القبر، الذي يودع فيه حتى يكون البعث والنشور، وذلك كقوله:(. . . وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَر. . .)، والأكثرون من الصحابة والتابعين على الاتجاه الأول، وهو أوضح، وأقرب تبادرًا للذهن، وإني أرى أنه لَا مانع من أن تكون في الاثنين، واللفظ يحتملهما، ويكون في الأول: لما يشبه العبارة وفي الثاني: لما يشبه الإشارة، فالعبارة سيقت لأصل التكوين، كما سيق أمر الحبة والنواة، وما جاء بعدها لذلك، ودلت بالإشارة على أنه استقرار إلى أمد، وبعده الاستيداع في القبر، حتى يوم البعث، فتأتي كل نفس بما كسبت، وختم الله تعالى الآية بقوله تعالى:(قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهونَ) أي ينفذون إلى أسرار الوجود من وراء مظاهره؛ لأن فَقِه ليس المراد بها مجرد العلم، إنما المراد بها العلم الذي يشق المظهر ليصل إلى سر ما وراءه، وقد علل الزمخشري أنه ختم الآية التي تدل على الاهتداء بالنجوم بقوله تعالى:(. . . قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، وهنا ختم بقوله:(قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) بأن الاهتداء حسي يرى فهو آية بينة محسوسة لَا تحتاج إلى النظر، والانتفاع والاهتداء، وأما الثانية، فإن الآيات فيها سر الوجود الإنساني الذي يتدرج فيه الحي من نطفة تجيء من الأصلاب، وتوح في الأرحام حتى تكون بشرا سويا.
وليس الفقه هو الفهم المجرد، إنما الفقه هو شق الحقائق حتى يصل إلى لبها وغايتها، فقوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ منْهُمْ