الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيهما - أنه قد يقول بعض الجاهلين إن من الناس من يضر ومن ينفع، ونقول: إنه نفع جزئي، وضرر جزئي، ولا يكون إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى، ولو اجتمع أهل الأرض على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله تعالى عليك، لم يضروك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله تعالى لك لم ينفعوك، وقد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالت كلماته:(وَاللَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
أي أنهم يتركون عبادة الله تعالى وحده وهو العالم بكل شيء الذي لا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو العالم علم من يسمع ويرى، وهو بهذا العلم المحيط الدقيق الذي أحاط بكل الوجود يكون هو وحده الذي يضرهم وينفعهم، يتركونه ليعبدوا ما لَا ينفع ولا يضر، ولكنه ضلال العقول.
* * *
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ
…
(77)
* * *
الغلو: تجاوز الحد، وهو في الدين التعصب له، والتشدد فيه، وتجاوز الحد في أداء ما يطلب كالانهماك في العبادة كما كان يفعل بعض المتشددين في دينهم الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في الأثر:" لن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه، ولكن سددوا وقاربوا "(1) وكما نهى النبي عليه الصلاة والسلام قوما عكفوا على العبادة، وتركوا نساءهم، فقال عليه الصلاة والسلام:" ما بال أقوام تركوا النساء وقاموا الليل وصاموا النهار وإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر ولم أنقطع عن النساء "(2).
وإن هذا النوع من الغلو، وإن كان غير محمود ولا مستحسن في الإسلام، لا يمكننا أن نعده غير حق في أصله، لأن أساسه حق، وإن غالوا فيه وربما يقول كثيرون إنه غير الحق.
(1) سبق تخريجه.
(2)
رواه أحمد: باقي مسند المكثرين باقي المسند السابق (13122). ورواه البخاري بنحوه: النكاح - الترغيب في النكاح (5063)، ومسلم: النكاح - استحباب النكاح لمن تاقت إليه نفسه (1401).
ونعود إلى النص الكريم. أمر الله تعالى نبيه أن ينادي أهل الكتاب، ويخاطبهم بقوله:(لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)، والمعنى لَا تتجاوزوا الحد، وتشددوا في دينكم غلوا غير الحق، فكلمة غير الحق وصف لمحذوف، والوصف كاشف لأن الغلو دائما غير الحق عندهم، لأنه مجاوزة للحد، وكل مجاوزة للحد لا يمكن أن تكون حقا، وقد قال الزمخشري أن من الغلو ما هو حق، كالغلو في التنزيه، ومنها ما هو غير حق كالغلو الذي وقع فيه النصارى من الإفراط في تقديس عيسى وأمه، يصح أن يكون (غير الحق) منصوبا على أنه حال من الدين نفسه أي لَا تغلوا وتشددوا في التمسك بدينكم، وتمنعوا أنفسكم عن أن يدخلها النور حال أن دينكم هو غير الحق.
وفى الجملة النص لمنع تشدد النصارى واليهود في التمسك بدينهم غير الحق، والامتناع عن قبول الهداية التي جاءت إليهم، وهم في هذا التشدد يتبعون الأهواء، ولا يتبعون الحق، وهم مقلدون لمن ضلوا وأضلوا.
(وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) الهوى معناه الميل إلى ما فيه شهوة ولذة، وخير الناس من كان هواه ولذته في طاعة الله تعالى، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي في الصحاح:" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "(1) ولكن كلمة الهوى لَا تكاد تستعمل في القرآن إلا في مقام الذم في الاتباع، جاء في تفسير فخر الدين الرازي ما نصه: قال الشعبي: ما ذكر الله تعالى لفظ الهوى في القرآن إلا ذمه قال تعالى: (. . . وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سبِيلِ اللَّهِ. . . .)(وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى).
(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى). (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ. . .). وقال أبو عبيدة: لم نجد الهوى إلا في موضع الشر، لا يقال: فلان يهوى الخير، إنما يقال يريد الخير ويحبه. . وقيل سمي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار، وأنشد في ذم الهوى:
(1) سبق تخريجه.