الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه: (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) والتعبير بـ " ثم " أيضا لتفاوت ما بين الحياتين، وليتبين الإخبار بالعمل العظيم، وإخبار الله تعالى بما كانوا يعملون يتضمن أمرين: أولهما - أن العمل يكون مبينا لهم كأنه حاضر أمامهم يشاهد ويبصر، لَا يخفى منه شيء صغيرا أو كبيرا. وثانيهما - الجزاء عليه وسمي جزاء عمل العامل عملا له؛ لأن الجزاء عادل مساوٍ لاستحقاقه كأنه هو، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
وبعد أن بين سبحانه بكل شيء، وبكل إنسان، وأن لكل جزاءه على قدر عمله. بين قدرته القاهرة، فقال تعالى:
* * *
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ
(61)
* * *
هذه تبين قدرة الله تعالى، وكمال سلطانه على كل شيء، فهو سبحانه وتعالى قد قهر له كل شيء وذل، ولا يخرج عن سلطانه أحد، وكل شيء في سلطانه وفي إرادته لَا يقع شيء في الكون، ولا يخرج دون أمره، وقوله تعالى (فَوْقَ عِبَادِهِ) كناية عن علو إرادته ولا إرادة لمخلوق فوق إرادته، أو يقال إنها استعارة تمثيلية فيها تصوير علو الله تعالى على كل شيء في الوجود سلطانا وتذليلا بمن يكون فوق كل شيء حسا، وفي الحقيقة ذلك مجاز مشهور لَا يحتاج إلى تقدير تشبيه أو نحوه، كقولنا: الأمير فوق رؤسائه، أو فوق رعيته، وقد انحرف انحرافا كبيرا الذين قالوا: إن ثمة فوقية حسية، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وإنه من قهره وسلطانه، وكونه فوق الكل أرسل على الناس حفظة، والتعبير بـ (أرسل) لتناسق الكلام إذ إن الذي يسيطر على كل شيء وفوق كل شيء يناسبه فيمن يسخره من خلقه على خلقه أن يكون بـ (أرسل)، و (حفظة) جمع حافظ.
مثل كتبة جمع كاتب، وسفرة جمع سافر، وهؤلاء الحفظة يحفظون العباد، ويحوطونهم، ويكتبون ما يكون منهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.