المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: في حقيقة مسمى الصحبة: - الإصابة في الذب عن الصحابة - رضي الله عنهم -

[عبد الهادي العمري]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع

- ‌الباب الأولفضائل الصحابة، وخطورة سبهم رضي الله عنهم

- ‌الفصل الأولفضل الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأول: فضائل الصحابة في القرآن الكريم:

- ‌المبحث الثانيفضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة النبوية المطهرة

- ‌الفصل الثانيسبّ الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المبحث الأولحكم سب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين

- ‌المبحث الثانيسبّ بقية الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الفصل الثالثمسائل متممة (شبهات وردود)

- ‌المبحث الأول: في حقيقة مسمى الصحبة:

- ‌المبحث الثاني: عدالة الصحابة:

- ‌المبحث الثالث: التفضيل بين الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم:

- ‌المبحث الرابع: حكم الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي، أو قدح في عدالته، أو مضيفة إليه ما لا يليق:

- ‌الباب الثانيالدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: دفاع الله سبحانه وتعالى عن أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانيدفاع النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابه رضي الله عنهم

- ‌المبحث الثالثدفاع الصحابة عن أعراض بعضهم البعض

- ‌المبحث الرابعبعض المخلوقات المسخرة للدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الخاتمة

- ‌التوصيات:

- ‌المراجع

الفصل: ‌المبحث الأول: في حقيقة مسمى الصحبة:

‌الفصل الثالث

مسائل متممة (شبهات وردود)

‌المبحث الأول: في حقيقة مسمى الصحبة:

لبعض من يطعن في بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوجها مشبوهة يستمسك بِها، ويبني عليها حكمه زوراً وبهتاناً، ومن هذه الأوجه قول بعضهم: أن وصف ومسمى الصحبة لا يثبت إلا لمن صحب النبي صلى الله عليه وسلم صحبة طويلة، وغزا معه عدة غزوات، معتمداً على قول بعض العلماء:، ويبني عليه: أن مسلمة الفتح وهم الطلقاء لا يصدق عليهم وصف الصحبة ومسماها، ولذا تجدهم يجردون بعض الصحابة كمعاوية وأبيه وغيرهما من هذا المسمى بناء على هذا الوجه، وعليه يقولون: إن الطعن فيهما وأمثالهما ليس هو طعن في الصحابة رضي الله عنهم الموجب للوعيد الشديد الوارد في السنة المطهرة.

ويجاب عن هذه الشبهة في النقاط التالية:

أولا: من الإنصاف القول أن مسمى الصحبة قد اختلف فيه العلماء:

فذهب البعض إلى أنه لا يُعد في الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية، كما هو رأي عاصم الأحول، ولذا لم يعد عبد الله بن سرجس من الصحابة. وكذا روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد من الصحابة إلا

ص: 187

من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً (1).

وذهب الجاحظ كما ذكر منه: اشتراطه مع طول الصحبة، الأخذ عنه عليه الصلاة والسلام.

ومنهم من اشترط البلوغ حين اجتماعه به (2).

وقد أجاب المحققون من أهل العلم والحديث عن هذا الآراء:

فقال الحافظ ابن حجر: والعمل على خلاف هذا القول؛ لأنّهم اتفقوا على عد جمع جم من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع، ومن اشترط الصحبة العرفية أخرج من له رؤية، أو من اجتمع به لكن فارقه عن قرب، ومنهم من اشترط في ذلك أن يكون حين اجتماعه بالغاً، وهو مردود أيضاً؛ لأنه يخرج مثل الحسين بن علي ونحوه من أحداث الصحابة (3).

وقال رحمه الله أيضاً: لا خفاء برجحان رتبة من لازمه صلى الله عليه وسلم، وقاتل معه، أو قتل تحت رايته، على من لم يلازمه، أو لم يحضر معه مشهداً، وعلى من كلمه يسيراً أو ماشاه قليلاً، أو رآه على بعد، أو في حال الطفولة، وإن كان شرف الصحبة حاصلاً للجميع، ومن ليس له سماع منه فحديثه

مرسل من حيث الرواية، وهم مع ذلك معدودون في الصحابة، لما نالوه

(1) العيني: عمدة القارئ: 11/ 381

(2)

مرجع سابق.

(3)

ابن حجر: فتح الباري: 4/ 6

ص: 188

من شرف الرؤية (1).

وقال الإمام ابن كثير: وروى شعبة عن موسى السبلاني، وأثنى عليه خيراً، قال: قلت لأنس بن مالك: هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد غيرك؟ قال: ناس من الأعراب رأوه، فأما من صحبه فلا. رواه بحضرة أبي زرعة.

قال الحافظ ابن حجر: مع أنه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الأعراب.

وقال الإمام ابن كثير: وهذا إنما نفى فيه الصحبة الخاصة، ولا ينفي ما اصطلح عليه الجمهور: أن مجرد الرؤية كان في إطلاق الصحبة، لشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلاله قدره، وقدر من رآه من المسلمين (2).

وقال الإمام العيني: وفي كلام أبي زرعة وأبي داود، ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية، فإنّهما قالا في طارق بن شهاب: له رؤية وليست له صحبة (3).

وقد ردّ العلماء ما ذكر عن ابن المسيب على وجهة الخصوص بما يلي:

1.

إن صح عنه ما ذكر، فإنه يرد عليه باتفاق العلماء في عد جماعة من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع.

(1) ابن حجر: النكت على نزهة النظر: 151

(2)

ابن كثير: الباعث الحثيث:1717، ابن حجر: فتح الباري: فتح الباري: 7/ 6

(3)

العيني: عمدة القارئ: 11/ 381

ص: 189

2.

أن هذا الأثر لا يصح عن ابن المسيب، لأن في الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي، وهو ضعيف الحديث (1).

وبيّن الإمام الجوزي فصل الخطاب في هذا المسألة فقال:

وفصل الخطاب في هذا الباب: بأن الصحبة إذا أطلقت فهي في المتعارف تنقسم إلى قسمين:

أحدهما: أن يكون الصاحب معاشراً مخالطً كثير الصحبة، فيقال: هذا صاحب فلان، كما يقال: خادمه، لكن تكررت خدمته، لا لمن خدمه يوماً أو ساعة.

والثاني: أن يكون صاحباً في مجالسة، أو مماشاة ولو ساعة، فحقيقة الصحبة موجودة في حقه، وإن لم يشتهر بِها.

فسعيد بن المسيب: إنما عني القسم الأول، وغيره يريد هذا القسم الثاني، وعموم العلماء على خلاف قول ابن المسيب، فإنهم عدوا جرير بن عبد الله من الصحابة، وإنما أسلم سنة عشر، وعدوا في الصحابة من لم يغزو معه، ومن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير السن، فأما من رآه ولم يجالسه ولم يماشه فألحقوه بالصحابة إلحاقاً، وإن كانت حقيقة الصحبة لم توجد في حقه (2).

(1) العيني: مرجع سابق، ابن حجر، مرجع سابق، العراقي: التقييد والإيضاح: 283

(2)

ابن الجوزي: تلقيح مفهوم أهل الأثر: 72

ص: 190

وما روي عن الجاحظ: وهو اشتراط الأخذ مع طول الصحبة، فقد قال العلامة ثعلب: إنه غير ثقة ولا مأمون، ولا يوجد هذا القول لغيره (1).

ومع كونه كذلك فلا دليل لقوله: إذ فيه إخراج لكثير من المعدودين في الصحابة ممن لقوا النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنين به، وخاصة ممن أسلم يوم الفتح أو وفد عليه وبايعه (2).

نخلص من هذا إلى أن الصحابي: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين.

وقال الإمام ابن كثير: هو من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال إسلام الراوي، وإن لم تطل صحبته، وإن لم يرو عنه شيئاً وهذا قول جمهور العلماء سلفاً وخلفاً.

وقال الحافظ ابن حجر: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام ولو تخللت ردة على الأصح (3).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحديث أبي سعيد هذا يدل على شيئين:

على أن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: هو من رآه مؤمناً به وإن قلت صحبته، كما قد نص على ذلك الأئمة أحمد وغيره. قال مالك: من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) العيني: عمدة القارئ: 11/ 381

(2)

انظر: عبد الرحمن الدويش، الصحابي ومؤلف العلماء من الاحتجاج بقوله: 20

(3)

ابن حجر: فتح الباري: 4/ 6، ابن حجر: النكت على نزهة النظر: 149

ص: 191

سنة أو شهراً أو يوماً أو رآه مؤمناً به، فهو من أصحابه، له من الصحبة

بقدر ذلك، وذلك أن لفظ الصحبة جنس تحته أنواع، يقال صحبه شهراً

أو ساعة (1).

فمن هنا: يتبيّن أن كل من ثبتت له الصحبة ولو بالرؤية ومات على ذلك، فهو صحابي له ما للصحابة من الإجلال والإكرام والتعظيم، وعليه فمسلمة الفتح، ومن أسلم من الوفود كلهم ينالهم شرف الصحبة، وتشريف الرؤية رضي الله عنهم أجمعين.

قال الإمام ابن العربي: وفائدة صحبته في الدنيا الفتح، وفي الآخرة النجاة من النار.

وقال رحمه الله: وشرف الصحبة في أبواب أمهاتِها ست:

(الأولى): في الخلطة، وما ظنك بدرجة صاحبك فيها الله سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بالإتباع والإيمان.

(الثانية): بالهجرة، وقد ذكر الله فضلها وأثنى عليها، وذلك مشهور، ومن ترك أهله وولده وماله في الله، فذلك ولي الله، وثاني رسول الله.

(الثالثة): بالنصرة، وإنما ذكرناها معها، وإن كان البخاري قد أخرها للوجه الذي قدمناه؛ لأنا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، وقال: الأنصار: كرشي - يعني: جماعتي - وعيبتي: يعني: موضع

(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 465، 20/ 298، 35، 59 وما بعده.

ص: 192

سري وارفع ما عندي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(حسنا): اللهم اغفر للأنصار ولأبنائهم وأبناء أبنائهم ولنسائهم.

(الرابعة) القرابة: قال الله تعالى [قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] قال ابن عباس: يعني: قريشاً، وهم بنو النضر، وقال أبو بكر الصديق في الصحيح: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي. وقال أبو بكر: ارقبوا محمداً في أهل بيته " وهم آل علي وأزواجه صلى الله عليه وسلم ".

(الخامسة) البدرية: لقوله في أهل بدر (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

(السادسة) الرضوانية: لما قال الله فيهم [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ]

(السابعة) الزوجية: لأن مبرتهم والإحسان إليهم، كالإحسان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكمبرته.

قال تعالى [وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ]، وحرمته باقية عليهم لبقاء زوجيته فيهم (1).

قلت: ولقد تكلم العلماء عن طرق ثبوت مسمى الصحبة، وذكرا لذلك عدة أوجه:

(1) ابن العربي: عارضة الأحوذي: 13/ 123

ص: 193

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والطريق التي تعلم بِها صحبته، هي الطريق التي يعلم بِها صحبة أمثاله (1).

فطرق معرفة الصحبة:

1 -

التواتر كأبي بكر وعمر وبقية العشرة، وخلق منهم.

2 -

الاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر كعكاشة بن محصن، وضمام بن ثعلبة وغيرهما.

3 -

إخبار بعض الصحابة عن فلان أنه صحابي، كحميمة بن أبي حميمة الدوسي، الذي مات بأصبهان مبطوناً، فشهد له أبو موسى الأشعري بأنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم له بالشهادة.

4 -

إخباره عن نفسه بأنه صحابي، بعد ثبوت عدالته قبل إخباره بذلك (2).

وسبق أن ذكرنا أن للصحابة رضي الله عنهم مراتب ودرجات، دل عليها قوله سبحانه:[لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى] الحديد 10

قال الإمام ابن العربي: وفيه دليل على أن الصحابة مراتب، وأن

(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 466

(2)

انظر: ابن كثير: الباعث الحثيث: 180، ابن كثير: النكت على نزهة النظر: 151، العراقي: التقييد والإيضاح: 15، الجديع: تحرير علوم الحديث: 1/ 116

ص: 194