الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوصيات:
1.
إظهار فضائل الصحابة، ومكانتهم ومنزلتهم، وإشهارها وبثها ونشرها في جميع قنوات الإعلام والمعرفة المسموع والمرئي، وطبع الكتب المتعلقة بالحديث عنهم وتوزيعها، وتسهيل الوصول إليها، وتسهيل محتواها ليعرفها الصغير والكبير.
2.
ترجمتها إلى اللغات الأخرى، حتى يتسنى لغير الناطقين باللغة العربية معرفة أحوال الصحابة رضي الله عنهم واقتباس آثارهم.
3.
إجراء مسابقات خاصة وعامة في التعريف بهم، وبيان فضلهم.
4.
حفظ الأحاديث المتعلقة بفضائل الصحابة رضي الله عنهم وإقامة مسابقة للحفاظ، وكذا حفظ الأشعار المؤلفة في بيان فضلهم، والذب عنهم.
5.
عمل بحوث ومطويات ونشرات للطلاب والطالبات في المدارس تتعلق بالصحابة وآل البيترضي الله عنهم أجمعين.
6.
استغلال منبر الجمعة، وتخصيص مجموعة من الخطب لبيان قصص الصحابة رضي الله عنهم وأخذ الدروس والعبر والمستفادة منها.
7.
التأكيد الدائم والمستمر على بيان عدالة الصحابة، وتزكية الله تعالى لهم، وأن هذا الدين القويم جاء عن طريقهم بالسماع من النبي الكريم والمعلم الحكيم صلى الله عليه وسلم.
8.
نشر فتاواهم وعلمهم وهديهم ودلهم وسمتهم، فعلم الصحابة
رضي الله عنهم أسلم وأعلم وأحكم، فهم أهل الفقه والفهم والعلم والحكمة، ومما يدل على ذلك حديث البخاري: لما قال عبد الرحمن بن عوف لعمر: فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار فيحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها، وفي لفظ: فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس.
قال الحافظ ابن حجر: واستدل به على أن أهل المدينة مخصوصون بالعلم والفهم لاتفاق عبد الرحمن وعمر على ذلك، كذا قال المهلب فيما حكاه ابن بطال وأقره، وهو صحيح في حق أهل ذلك العصر ويلتحق بهم من ضاهاهم في ذلك، ولا يلزم من ذلك أن يستمر ذلك في كل عصر بل ولا في كل فرد فرد (1).
فهذا ابن عباس، رضي الله عنهما، يشهد لمعاوية رضي الله عنه بالفقه، والتزكية الصادرة من ابن عباس لها وقع ومكان، فقيل له: هل لك في أمير المؤمنين معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة، فقال: إنه فقيه. وفي رواية: أصاب إنه فقية (2).
وعائشة، رضي الله عنها، تقول: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي، قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة.
(1) ابن حجر: فتح الباري: 12/ 161، انظر: ابن القيم: بدائع الفوائد: 3/ 787
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب ذكر معاوية: (3765) ابن حجر: فتح الباري: 7/ 131
وهذا عبد الرحمن بن الميسور يقول: خرجت مع أبي وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عام أذرح، فوقع الوجع بالشام، فأقمنا بسرغ خمسين ليلة، ودخل علينا رمضان، فصام المسور وعبد الرحمن، وأفطر سعد وأبى أن يصوم. فقلت له: يا أبا إسحاق: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت بدراً، وأنت تفطر وهما صائمان؟ قال: أنا أفقه منها.
وقال عبد الرحمن بن الميسور أيضاً: كنا في قرية من قرى الشام يُقال لها: عمان ويصلي سعد ركعتين، نسألناه فقال: إنا نحن أعلم (1).
يقول الإمام ابن الوزير: فقد علم تعظيم خلفهم لسلفهم، وعلم أن الإقتداء بسلفهم خير من الإقتداء بخلفهم بالنص في خير القرون. ويسعنا ما وسع السلف الصالح للإجماع على صلاحهم (2).
9.
رد الروايات الباطلة والحكايات الكاذبة المتعلقة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التي يدل ظاهرها على تنقص وازدراء للصحابة رضي الله عنهم.
ومن الأمثلة على ذلك:
عن الأعمش عن شقيق قال: كنا مع حذيفة جلوساً، فدخل عبد الله، وأبو موسى المسجد، فقال: أحدهما منافق. ثم قال: إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً برسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء: 3/ 41
(2)
ابن الوزير: إيثار الحق على الخلق: 290
يقول الإمام الذهبي: ما أدري ما وجه هذا القول، سمعه عبد الله بن نمير منه، ثم يقول الأعمش: حدثناهم بغضب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فا تخذوه ديناً.
قال عبد الله بن إدريس: كان الأعمش به ديانة من خشيته.
قال الذهبي: رُمي الأعمش بيسير تشيع فما أدري. ولا ريب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسىرضي الله عنه لكونه ما قاتل مع علي، ثم لما حكمه عليّ على نفسه عزله وعزل معاوية وأشار بابن عمر، فما انتظم من ذلك حال.
ثم قال: قد كان أبو موسى صواماً، قواماً، ربانياً، زاهداً، عابداً، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيّره الإمارة، ولا اغتر بالدنيا (1).
قلت: على أن قصة التحكيم شابها ما شابها من التزوير والتحريف (2).
وكذا من الروايات التي تذكر ولا تصح ، بأن علياً كان يقنت ويلعن في قنوته معاوية وعمرو بن العاص وجماعة، ولما بلغ ذلك معاوية كذا قنت ولعن علياً والحسين وجماعة، وكل هذا من الكذب الظاهر (3) وكذا ما يروى عن ثعلبه بن حاطب الأنصاري البدري، وأنه نزل فيه قوله تعالى [وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا
(1) الذهبي: مرجع سابق: 3/ 424
(2)
انظر: عبد الرحمن الشجاع: دراسات في عهد النبوة والخلافة الراشدة: 431 - 444
(3)
انظر: ابن كثير: البداية والنهاية: 7/ 269
آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ] التوبة 75، 77. وما روي عنه لا يصح: قال الإمام ابن حزم في جوامع السيرة: هذا باطل. وقال الإمام ابن عبد البر: ولعل قول من قال في ثعلبة أنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح. وقال الإمام الضحاك: إنه الآية نزلت في رجال من المنافقين: نبتل بن الحارث، وجدّ بن قيس، ومُعَتّب بن قشير. وقال الإمام القرطبي: وثعلبة بدري أنصاري، وممن شهد الله له ورسوله بالإيمان، فما روي عنه غير صحيح. وقال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف جداً. وكذا ضعف الإمام السيوطي في أسباب النزول (1).
ومما يُستفاد منه في هذا الباب، الحكم الجامع المانع لبعض أهل العلم في تتبعهم للأحاديث الضعيفة والموضوعة فمثلاً: يقول الإمام ابن القيم: وكل حديث في ذم عمرو بن العاص فهو كذب.
ويقول: وحديث ذم أبي موسى من أقبح الكذب (2) وهكذا. وهذا الإمام ابن الجوزي يقول في كتابه الموضوعات: لما فرغت من كتابة جمهور المستبشع من الأحاديث الموضوعات من المرفوعات، رأيت أشياء قد وضعت على الصحابة، فذكرت منها المستهول القبيح الذي لا وجه له في
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 8/ 191، السيوطي: لباب النقول في أسباب النزول: 107، السيوطي: الإكليل: 2/ 825 انظر الحاشية، المنصوري: المقتطف: 2/ 418 انظر الحاشية.
(2)
ابن القيم: المنار المنيف: 117 - 118، وانظر: أبو زيد: التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث: 143
الصحة ولا يحتمل مثله (1) وذكر رحمه الله جملة منها.
10.
دفع ما يتوهم فيه نقص للصحابة من الأدلة الصحيحة، وذلك ببيان هذه الأدلة وتجليها، وإيضاح معناها الصحيح ومن تلك النصوص:
قوله سبحانه وتعالى [وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً] الجمعة 11.
أخرج الشيخان من حديث جابر بن عبد الله قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت عير تحمل طعاماً، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً فنزلت هذه الآية [وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً](2).
وأخرج ابن جرير عن جابر أيضاً قال: كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكير والمزامير، ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر، وينفضون إليها، فنزلت.
وفي مرسل عبد بن حميد وكان رجال يقومون إلى نواضحهم، وإلى السفر يقدمون يبتغون التجارة واللهو، فنزلت.
(1) ابن الجوزي: الموضوعات: 2/ 438
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجمعة باب إذا نفر الإمام في صلاة الجمعة (936)، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجمعة باب قوله تعالى (وإذا رأوا تجارة
…
) (863)
قال الحافظ ابن حجر: ولا بُعد في أن تنزل في الأمرين معاً وأكثر (1) وقال الحافظ السيوطي: وكأنها نزلت في الأمرين معاً، ثم رأيت ابن المنذر أخرجه عن جابر لقصة النكاح وقدوم العير معاً من طريق واحد، وأنها نزلت في الأمرين (2) والحديث فيه منقبة لأبي بكر وعمر وجابر، قاله الإمام النووي (3) قال الحافظ ابن حجر: وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال: إن الله وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم [لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ] ثم أجاب: لاحتمال أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية. انتهى، وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة وعلى تقدير ذلك، فلم يكن تقدم نهي عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة، وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه، فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور (4) وقال بعضهم: ترجح كون انفضاض القوم وقع في الخطبة لا في الصلاة، وهو اللائق بالصحابة تحسيناً للظن بهم (5).
وقال القاضي: وذكر أبو داود في مراسيله: أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه التي انفضوا عنها إنما كانت بعد صلاة الجمعة، وظنوا أنه لا شيء عليهم في
(1) ابن حجر: فتح الباري: 2/ 492
(2)
السيوطي: الباب النقول: 196
(3)
النووي: شرح مسلم: 6/ 400
(4)
ابن حجر: مرجع سابق: 2/ 493
(5)
العيني: عمدة القاري: 5/ 126
الانفضاض عن الخطبة وأنه قبل هذه القضية إنما كان يصلي قبل الخطبة، قال: هذا أشبه بحال الصحابة والمظنون بهم أنّهم ما كانوا يدعون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم ظنوا جواز الانصراف بعد انقضاء الصلاة. وقد أنكر بعض العلماء كون النبي صلى الله عليه وسلم ما خطب قط بعد صلاة الجمعة لها (1) وبما ذُكر من كلام العلماء يندفع وجه الإشكال التي قد يتوهم به نقص في جناب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الآيات التي تحتاج لبيان دفع توهم القوم: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا] التحريم 10. ومعنى الآية: أن الله سبحانه وتعالى ضرب هذا المثل، تنبيهاً على أنه لا يُغني أحد في الآخرة عن قريب ولا نسيب، إذ فرق بينهما الدين، فمخالطتهم للمسلمين ومعاشرتهم لهم لا يُجدي عنهم شيئاً، ولا ينفعهم عند الله تعالى إن لم يكن الإيمان حاصلاً في قلوبهم (2).
[كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ] وهما نوح ولوط عليهما السلام، فكانتا في عصمة نكاحهما في صحبتهما ليلاً ونهاراً، يؤاكلونهما، ويضاجعانهما، ويعاشرانهما أشدا لمعاشرة والاختلاط ومع ذلك لم ينفعهما
(1) النووي: مرجع سابق: 6/ 401، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 4/ 392
(2)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 18/ 177، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: 4/ 419، أبو حيان: البحر المحيط: 10/ 215
لحمة نسب ولا صلة صهر إذ الكفر قاطع العلائق بين الكافر والمؤمن، وإن كان المؤمن في أقصى درجات العلا. ولذا قال:[فَخَانَتَاهُمَا] أي: في الدين، وذلك بكفرهم فلم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يُجد ذلك كله شيئاً، ولا دفع عنهما محذوراً. [فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً] أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما -لما عصتا- شيئاً من عذاب الله، تنبيها إلى أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة. [وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ]: أي قيل للمرأتين في الآخرة أو عند موتهما، أدخلا النار مع الداخلين لها من أهل الكفر والمعاصي.
وببيان معنى الآية، ينكشف الإشكال المتوهم في عقول البعض تجاه قوله سبحانه وتعالى:[فَخَانَتَاهُمَا] أي في الكفر وليس المراد: الخيانة الزوجية لأمور:
1 -
إجماع المفسرين على هذا المعنى، وأنه لم تزن امرأة نبي قط. قال الإمام القرطبي: وعنه: ما بغت امرأة نبي قط. وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القشيري (1).
2 -
هو المروي عن السلف رضي الله عنهم:
قال عبد الله بن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين.
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 18/ 178 ومراجع سابقة، الشوكاني: فتح القدير: 4/ 310، 10/ 215
وقال الشعبي: ما زنت امرأة نبي قط.
قال الإمام ابن كثير: وهكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم (1).
3 -
ولأن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما زنتا، أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه. قال العلامة الزمخشري: ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور؛ لأنه سمج في الطباع، نقيصة عند كل أحد، بخلاف الكفر، فإن الكفر يستسمجونه، ويسمونه حقاً (2).
4 -
وفي الأضواء: وقد يستأنس لقول ابن عباس رضي الله عنهما،
هذا بتحريم التزوج من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعده، والتعليل له بأن ذلك يؤذيه، كما في قوله تعالى. [وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً] الأحزاب 53. فإذا كان تساؤلهن بدون حجاب يؤذيه، والزواج بهن من بعده عند الله عظيم، فكيف إذا كان بغير التساؤل وبغير الزواج؟ إن مكانة الأنبياء عند الله أعظم من ذلك (3).
ومن الأحاديث التي توّهم المغرضون أن فيها ردة لأصحاب النبي
(1) ابن كثير: مرجع سابق: 4/ 419
(2)
أبو حيان: مرجع سابق: 10/ 215
(3)
الشنقيطي: أضواء البيان: (تكملة للشيخ عطية سالم): 1965، انظر: السعدي: تيسير الكريم الرحمن: 810
صلى الله عليه وسلم: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: (وفيه) - وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح [وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] قال فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم (1).
وللحديث روايات ذكرها الحافظ ابن حجر منها:
(ليردّن عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني).
(ليرون علىّ أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم).
وعند مسلم (ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعيد الضال أناديهم: ألا هلم).
(فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً لمن غيرّ بعدي).
(ليردن عليّ الحوض رجال محمد صحبني ورآني) وسنده حسن.
(عن أبي الدرداء وفيه (فقلت يا رسول الله ادع الله ألا يجعلني منها،
(1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الرقاق باب الحشر (6526)
قال: لست منهم) وسنده حسن (1).
وقد حمل العلماء ما ورد في الحديث على ما يلي:
حمله بعضهم على من ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر، يعني: حتى قتلوا أو ماتوا على الكفر. ولذا قال الإمام الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين.
وحمله البعض الآخر على المنافقين. قال الإمام النووي: قيل هم المنافقون والمرتدون. وقال الحافظ ابن حجر: ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضاً من كان في زمنه من المنافقين.
وحُمل كذلك على العصاة من أصحاب البدع والكبائر، قال القاضي عياض: هؤلاء صنفان: إما العصاة وإما المرتدون على الكفر. وهذا استبعد من وجهين:
(1)
للتعبير في الحديث بقوله (أصحابي) وأصحاب البدع إنما حدثوا بعده.
وأجيب عن هذا الوجه: بحمل الصحبة على المعنى الأعم، فيدخل فيه الصحابة ومن بعدهم.
(1) ابن حجر: فتح الباري: 11/ 393
(2)
واستبعد أيضاً: لأنه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعاً سحقاً، كما ورد في الحديث. وأجيب عن هذا الوجه: بأنه لا يمتنع أن يُقال ذلك لمن علم أنه قضى عليه بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة، فيكون قوله (سحقاً) تسليماً لأمر الله مع بقاء الرجاء (1).
والنصوص التي يوهم ظاهرها دخلاً على الصحابة، يجب تأويلها إلى الوجه الصحيح لها الموافق للنصوص الأخرى القاضية بعدالة الصحابة رضي الله عنهم.
والقاعدة العامة في نصوص الوحيين: رد المتشابه (الخفي المشكل) إلى المحكم (البيّن الواضح)، والله جل وعلا يقول [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ] آل عمران 7.
وأختم هذه الفقرة بما ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب في بيان المنهج الذي يتمسك به المسلم لرد شبهات القوم فقال: ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلى حجج الله وبيناته فلا تخف ولا تحزن [إِنَّ
كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً] النساء 76، والعامي من الموحدين يغلب
ألفاً من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى [وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ
(1) ابن حجر: فتح الباري: 11/ 393، العيني: عمدة القاري: 15/ 601
الْغَالِبُونَ] الصافات 173، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي بسلك الطريق وليس معه سلاح. وقد منّ الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله
[تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] النحل 89، فلا يأتي صاحب باطل بحجه إلا وفي القرآن ما ينقضها ويُبيّن بطلانها، كما قال تعالى [وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً] الفرقان 33، قال بعض المفسرين هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة.
ثم قال: جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل ومفصل، أما المجمل فهو الأمر العظيم، والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ] وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا رأيتهم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فا حذروهم).
ثم قال: مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين [أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ] يونس 63. أو إن الشفاعة حق، أو أن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله ذكر أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك
من أن الله ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم [هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ] يونس 18، هذا أمر محكم بيّن لا يقدر أحد أن يغيرّ معناه، وما ذكرت لي، -أيّها المشرك - من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه، ولكن اقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله عزوجل.
ثم قال: وهذا جواب سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله تعالى، فلا تستهن به فإنه كما قال تعالى [وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] فصلت 35.
وهنا يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية قاعدة شريفة وهي:
{أن جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة الشرعية والعقلية إنما تدل على الحق، لا تدل على قول المبطل} .
وهذا ظاهر يعرفه كل أحد، فإن الدليل الصحيح لا يدل إلا على حق، لا على باطل.
ثم قال: والمقصود هنا شيء آخر، وهو: أن نفس الدليل الذي يحتج به المبطل هو بعينه إذا أعطى حقه، وتميز ما فيه من حق وباطل، وبيّن ما يدل عليه، تبين أنه يدل على فساد قول المبطل المحتج به في نفس ما احتج به عليه، وهذا عجيب: قد تأملته فيما شاء الله من الأدلة السمعية فوجدته كذلك.
ثم ذكر رحمه الله نماذج من ذلك فقال:
وكذلك احتجاج الشيعة بقوله [إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا] المائدة 55، وبقوله:(أما ترضى أن تكون مني بمنزله هارون من موسى) ونحو ذلك، هي دليل على نقيض مذهبهم، كما بسط هذا في كتاب - منهاج أهل السنة النبوية في الرد على الرافضة - ونظائر هذا متعددة.
وقال: وأما الرافضة، فعمدتهم السمعيات، لكن كذّبوا أحاديث كثيرة جداً، راج كثير منها على أهل السنة، وروى خلق كثير منها أحاديث، حتى عسر تميز الصدق من الكذب على أكثر الناس إلا على أئمة الحديث العارفين بعلله متناً وسنداً (1).
11.
إخراج موسوعة علمية عالمية بأسانيد صحيحة، تحقق القول فيما جرى من الفتن بين الصحابة رضي الله عنهم يمكن أن يرجع إليها كل طالب للحق، وهذا المطلب هو مطلب ملّح في هذا الزمن، إذ انتشرت بعض الفضائيات التي تبث الفتن والشبهات، وتروج للروايات الكاذبة، والقصص والحكايات الخرافية، فاقتضى الزمن الجد والاجتهاد، لإخراج موسوعة ميسرة تبين الروايات الصحيحة وموقف المسلم منها والمصادر الموثوقة التي يمكن أن يستقي منها فكره في هذا الموضوع الحسّاس.
ومن الإنصاف القول بأن ثم جهد مشكور في هذا الباب، لكن لما كان الأمر يتعلق بأشرف أمة وأعظم جيل، لزم الأمر وجود جهد جماعي مشترك، ودعم أممي، أي من أمة الإسلام، لتحقيق وإنجاح مثل هذا
(1) محمد بن عبد الوهاب: كشف الشبهات: 138، ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 6/ 288
المشروع.
مع أننا نوصي العامة بعدم متابعة البرامج التي تبث الشبهات وتروج لها، لتشكيكهم في الأصول، فربما علقت شبهة ولم تجد من يفندها، أو قد تستوعب الشبهة، ولا تستوعب أو تفهم ردها، ولذا قال بعض السلف: لا تصغ إلى ذي هوى بأذنيك فإنك لا تدري ما يوحي إليك.
12.
أن المساهمة في الدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم مسؤولية كل مسلم، كل بحسب جهده واستطاعته، فصاحب المال بالدعم، وصاحب القلم بالكتابة والبيان، وصاحب العلم بنشر العلم وكشف الشبهات وصاحب القرار بالسعي لمحاولة استصدار قوانين تجرم وتعاقب التجرؤ على الإسلام ورموزه، ولا يُعذر أحد في مثل هذا الباب، وأقل الإيمان، قراءة فضائلهم ونشرها، وبغض الواقعين في أعراضهم، والمنتهكين حرماتهم. وإشاعة الأجواء الإيمانية في المساجد والبيوت بذكر أخبارهم والاستئناس بأحوالهم وذلك أضعف الإيمان، ولذا فإن المحن والفتن التي تمر على الأمة تتمخص منها إيجابيات كثيرة، فالمحن الأخيرة أثبت:
- تلاحم الأمة المسلمة على المشتركات، وعدم التنازل عنها، ولا السماح بالمساس بِها.
- مدافعة قدر الله بقدر الله، فنحن نكره وننكر أن تنال رموز هذه الأمة وفضلائها وكبرائها بسوء، أو يطعن فيهم، وهذا قاد الأمة المسلمة إلى العمل الجاد الدؤوب المشترك؛ لنصرتهم والذب عنهم.
ومن هنا يتبيّن أن بذرة الخير الكامنة في النفوس تحتاج إن حث واستنهاض لتقوم بواجبها، ولذا كان من الواجب على العلماء والدعاة والمربين وأصحاب الفكر والقلم استنهاض هذه الهمم وسقي هذه البذور والمحافظة عليها، لأنّها أمل الأمة بعد الله تعالى.
وأخيراً: فإن المقصود الأسمى هو الاستمرار في العمل النافع والجاد، لا أن تكون أعمالنا ردود فعل تنتهي وتضمحل (وخير الأعمال أدومه وإن قلّ).
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم موجباً للفوز في جنات النعيم، لي ولوالدي ولأهلي ولجميع المسلمين.
مازن محمد بن عيسى
mazenbineisa@hotmail.com