الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحك أيفعل هذا من له مسكة عقل؟ ولو جاز هذا على واحد لما جاز على جماعة ولو جاز وقوعه من جماعة لاستحال وقوعه والحالة هذه من ألوف سادة المهاجرين والأنصار وفرسان الأمة وأبطال الإسلام، لكن لا حيلة في برء الرفض، فإنه داء مزمن، والهدى نور يقذفه الله في قلب من يشاء، فلا قوة إلا بالله (1).
والعشرة المبشرون: هم الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ومات وهو راض عنهم:
(أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن نفيل، وأبو عبيدة بن الجراح)(2).
المبحث الثالث: التفضيل بين الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم:
أولا ً: ما يتعلق بالتفضيل بين الصحابة أمر مشتهر، وفيه نزاع مشهور.
قال الحافظ ابن حجر: واستدل بحديث (خير القرون قرني .. ) على
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء: 3/ 58
(2)
الأقفهسي: الإرشاد إلى ما وقع في الفقه وغيره من الأعداد: 2/ 191، انظر: الجديع: تحرير علوم الحديث: 1/ 339
جواز المفاضلة بين الصحابة قاله المازري (1).
وأهل السنة والجماعة: يفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل، على من أنفق من بعد الفتح وقاتل ويقدمون المهاجرين على الأنصار، وأن المستقر عندهم، تقديم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ويعرفون لأهل بدر والرضوان فضلهم (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن أفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأمثالهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، كما ثبت ذلك بالنصوص المشهورة (3).
وقال: أما تفضيل أبي بكر ثم عمر على عثمان وعلي، فهذا متفق عليه بين أئمة المسلمين المشهورين بالإمامة في العلم والدين، من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهو مذهب مالك وأهل المدينة ، والليث بن سعد وأهل مصر، والأوزاعي وأهل الشام، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهم من أهل العراق، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام الذي لهم لسان صدق في الأمة.
(1) ابن حجر: فتح الباري: 7/ 10، انظر: النووي: شرح مسلم: 15/ 157، انظر: ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل: 3/ 32.
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 3/ 152.
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 2/ 223.
وحكى الإمام مالك إجماع أهل المدينة على ذلك فقال: ما أدركت أحداً ممن اقتدي به يشك في تقديم أبي بكر وعمر (1) وقال: فأبو بكر وعمر كان اختصاصهما بالنبي صلى الله عليه وسلم فوق اختصاص غيرهما، وأبو بكر كان أكثر اختصاصاً (2).
وذهب إلى أن أبا بكر وعمر أفضل من الخضر، على القول بأن الخضر ليس بنبي وهو قول الأكثر من العلماء (3).
ثم إن أبا بكر أفضل الأمة بعد نبيها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن التفضيل إذا ثبت للفاضل من الخصائص فلا يوجد مثله للمفضول، فإذا استويا وانفرد أحدهما بخصائص كان أفضل، وأما الأمور المشتركة فلا توجب تفضيله على غيره، وإن كان كذلك ففضائل الصديق التي تميز بِها لم يشركه فيها أحد (4).
وذهب الإمام محمد بن حزم إلى تفضيل نساء النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة فقال: والذي نقول به، وندين الله تعالى عليه، ونقطع على أنه الحق عند الله عز وجل، أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام، نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 421
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 400
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 398
(4)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى:4/ 414
ثم أبو بكر رضي الله عنه (1) ثم أفاض رحمه الله بذكر أوجه التفضيل، وقد تعقبه العلماء، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقل: إنّهن أفضل من العشرة إلا أبو محمد، ونصوص الكتاب والسنة تبطل هذا القول، وحجته التي احتج بِها فاسدة. ثم قال: وبالجملة فهذا قول شاذ لم يسبق ِإليه أحد من السلف (2).
وأما موضوع المبحث: فقد اختلف العلماء: هل كل فرد من أفراد الصحابة رضي الله عنهم أفضل ممن جاء بعده على الإطلاق، أم لا؟
وتحرير محل النزاع في المسألة هو أن يقال:
إن مجموع الصحابة رضي الله عنهم أفضل من مجموع من بعدهم.
وأن السابقين للإسلام وأهل الفضل منهم من أصحاب بدر والشجرة، أفضل بأفرادهم ممن جاء بعدهم.
يقول الحافظ ابن حجر: والذي يظهر: أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره، أو أنفق شيئاً من ماله بسببه، لا يعدله في الفضل أحد بعده كائناً من كان، وأما من لم يقع له ذلك، فهو محل البحث (3).
تحرير المسألة: اختلف العلماء فيه في هذه المسألة على قولين:
(1) ابن حزم: الفصل: 3/ 33
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى:4/ 395
(3)
ابن حجر: فتح الباري: 7/ 8
القول الأول: أن أول هذه الأمة أفضل ممن بعدهم، وأن من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، ولو مرة في عمره فهو أفضل ممن يأتي بعده، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، وهو قول معظم العلماء وأكثرهم اختاره من المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر وغيرهما.
واحتجوا بما يلي:
بحديث الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس قرني، ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم .. )
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وبالجملة فقد اتفقت طوائف السنة والشيعة على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها، واحد من الخلفاء، ولا يكون من بعد الصحابة أفضل من الصحابة. وأفضل أولياء الله أعظمهم معرفة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعاً له، كالصحابة الذين هم أكمل الأمة في معرفة دينه واتباعه وأبو بكر الصديق أكمل معرفة بما جاء به، وعملاً به، فهذا أفضل أولياء الله، إذ كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم، وأفضلها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل أبو بكر (1).
وقال في موضع آخر: ومنهم من يفرضها في مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز، فإن معاوية له مزية الصحبة والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وعمر له مزية فضيلته من العدل والزهد والخوف من الله تعالى (2).
(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 11/ 223
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 13/ 66
وقال: وأما الصحابة والتابعون فقال غير واحد من الأئمة: أن كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ممن لم يصحبه مطلقاً، وعينوا ذلك في مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز مع أنهم معترفون بأن سيرة عمر أعدل من سيرة معاوية، قالوا: لكن ما حصل لهم بالصحبة من الدرجة أمر لا يساويه ما يحصل لغيرهم بعلمه (1).
وقال: والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة في أعمال مأمور بِها واجبة، كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين (2).
ولفضل وشرف الصحبة: قال بعض العلماء في مثل معاوية وعمر بن العزيز: ليوم شهده معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته (3).
ويقول الإمام عبد الله بن المبارك: تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن العزيز.
وسئل عن معاوية رضي الله عنه فقال: ما أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده، فقال: خلفه: ربنا ولك الحمد، فقيل: أيهما أفضل أهو أم عمر بن عبد العزيز، فقال: التراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 4/ 527
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: 1/ 234
(3)
ابن كثير: الباعث الحثيث: 172
خير وأفضل من عمر (1).
واحتجوا بما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفة).
وجه الدلالة منه:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان جبل أحد ذهباً لا يبلغ نصف مدّ أحدهم، كان في هذا التفاضل ما يبين أنه لم يبلغ أحد مثل منازلهم التي أدركوها بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم (2).
القول الثاني: أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة. وهو قول الإمام ابن عبد البر، ومال إليه الإمام القرطبي (3).
واحتجوا بما يلي:
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره)(4).
قال الحافظ ابن حجر: وهو حديث حسن، له طرق قد يرتقي بِها إلى
(1) ابن كثر: البداية والنهاية: 8/ 132
(2)
مرجع سابق: 4/ 527
(3)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 4/ 168، ابن حجر: فتح الباري: 7/ 8
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه في كتاب الأمثال: (2869)
الصحة (1).
وروى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير، أحد التابعين بإسناد حسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليدركن المسيح أقواماً إنهم لمثلكم أو خير - ثلاثاً - ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها)(2).
وروى أبو ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أمامكم أياماً الصابر فيها على دينه كالقابض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين رجلاً يعمل مثل عمله) قيل: يا رسول الله: منهم؟ قال: (بل منكم)(3).
وأخرج أبو داود الطيالسي وغيره عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال، يؤمنون بي ولم يروني، يجدون ورقاً فيعملون بما فيها فهم أفضل الخلق إيماناً)(4).
وروى صالح بن جبير عن أبي جمعة قال: قلنا يا رسول الله: هل أحد خير منا؟ قال: (نعم قوم يجيئون من بعدكم فيجدون كتاباً بين لوحين فيؤمنون بما فيه، ويؤمنون بي ولم يروني)(5) قال الحافظ ابن حجر: إسناده
(1) ابن حجر: فتح الباري: 7/ 8
(2)
انظر: ابن حجر: مرجع سابق: 7/ 9
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه كتاب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ومن سورة المائدة (3058)
(4)
انظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 4/ 168، ابن حجر: فتح الباري: 7/ 9
(5)
مراجع سابقة.
حسن، وقد صححه الحاكم (1).
وعن عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله)(2).
وروى عن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله أن اكتب إليّ بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بِها، فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرة عمر، فأنت أفضل من عمر؛ لأن زمانك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر. وكتب إلى فقهاء زمانه، فكلهم كتب إليه بمثل قول سالم (3).
قال الإمام القرطبي: قال الإمام ابن عبد البر: فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها، التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها، والمعنى في ذلك ما تقدم ذكره: من الإيمان والعمل الصالح في الزمان الفاسد الذي يرفع فيه من أهل العلم والدين، ويكثر فيه الفسق والهرج، ويذل المؤمن، ويعز الفاجر، ويعود الدين غريباً كما بدأ غريباً، ويكون القائم فيه كالقابض على الجمر، فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية (4).
(1) ابن حجر: فتح الباري:7/ 9
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه كتاب الزهد باب في طول العمر للمؤمن (2329)
(3)
القرطبي: مرجع سابق: 4/ 170
(4)
القرطبي: مرجع سابق.
وقد تأول الإمام ابن عبد البر وغيره حديث (خير القرون قرني) بأن قرنه إنما فُضّل؛ لأنّهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار، وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، وأن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به، وصبروا على طاعة الله في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضاً غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زكت أعمال أوائلهم، ويشهد له حديث مسلم عن أبي هريرة رفعه (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء)(1).
قلت: والراجح - والعلم عند الله تعالى -: القول الأول: وهو تفضيل الصحابة مطلقاً على من جاء بعدهم، لأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من اتفق له الذب عنه، والسبق إليه بالهجرة، أو النصرة، وضبط الشرع المتلقى عنه، وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده، لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا والذي سبق بِها مثل أجر من عمل بِها من بعده، فظهر فضلهم (2).
وأجاب العلماء عن أدلة القول الثاني بما يلي: قالوا: حديث (أمتي مثل المطر .. ) إن المراد منه: من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم، ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام، ودحض كلمة الكفر، فيشتبه الحال على من شاهد ذلك، أي
(1) مراجع سابقة.
(2)
ابن حجر: مرجع سابق.
الزمانين خير، وهذا الاشتباه مندفع بقوله عليه الصلاة والسلام:(خير القرون قرني) قاله الإمام النووي (1).
وقال الإمام العيني في حديث ابن أبي شيبة: إنه لا يقاوم المسند الصحيح.
قلت: ويمكن الإجابة عنه، وعن حديث (للعامل منهم أجر خمسين) بم ذكره الحافظ ابن حجر، بأنها لا تدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة. وأيضاً فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في العمل، فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة، فلا يعدله فيها أحد. وقال أيضاً: وأما حديث أبي جمعة، فلم تتفق الرواة على لفظ، فقد رواه بعضهم بلفظ: الخيرية، ورواه بعضهم بلفظ: قلنا يا رسول الله: هل من قوم أعظم منا أجراً " الحديث أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة، وهي توافق حديث أبي ثعلبة عند أبي شيبة، وقد تقدم الجواب عنه (2).
وأما حديث عمر عند أبي داود الطيالسي، فإسناده ضعيف فلا حجة فيه (3) وعليه: فلا قول لأحد بعد قول النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام:
(1) انظر: ابن حجر: فتح الباري:7/ 9
(2)
العيني: عمدة القارئ: 11/ 373، ابن حجر: مرجع سابق.
(3)
العيني: مرجع سابق