الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
سبّ الصحابة رضي الله عنهم
تمهيد:
إن للصحابة رضي الله عنهم من المكانة والمنزلة ما يجعل المرء عاجزاً عن وصفهم وبيان حالهم، فضلاً عن أن يمسهم بسوء أو يتعدى على أعراضهم الطاهرة الشريفة، وقد نص الأئمة على فضلهم ومنزلتهم ومكانتهم ووجوب احترامهم وعدم التعرض لهم بسوء.
قال الإمام الحميدي: إن من السنة الترحم عليهم كلهم: فإن الله عز وجل قال: [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا] فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم، فمن سبهم أو تنقصهم أو أحداً منهم فليس على السنة، وليس له في الفيء حق، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس (1).
وقال الإمام ابن بطة: ويشهد لجميع المهاجرين والأنصار بالجنة والرضوان والرحمة من الله تعالى ويستقر علمك، وتؤمن بقلبك، أن رجلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم وشاهده وآمن به واتبعه، ولو ساعة من نَهار أفضل ممن لم يره، ولم يشاهده ولو أتى بأعمال الجنة أجمعين. ثم الترحم على جميع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم صغيرهم وكبيرهم وأولهم وآخرهم، وذكر محاسنهم، ونشر
(1) الحميدي: أصول السنة: 2/ 546، آل عبد اللطيف: نواقض الإيمان 406
فضائلهم، والاقتداء بِهديهم، والاقتفاء لآثارهم (1).
وقال الإمام ابن الصلاح: للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي: أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل أمر مفروغ منه، لكونِهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة (2).
وقال الإمام ابن كثير: والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله تعالى عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغبة فيما عند الله تعالى من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل (3).
قلت: وقد عقد الأئمة في مصنفاتِهم أبواباً وفصولاً في بيان جرم سبّ الصحابة رضي الله عنهم، والتعرض لهم بسوء، وجاءت الأحاديث والآثار - كما مرّ - حافظة لأعراضهم رافعة لأقدارهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
وقال عليه الصلاة والسلام: (اللهَ الله في أصحابي
…
).
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سبّ أصحابي فعليه لعنة الله
(1) ابن بطة: الإبانة الصغرى: 263 آل عبد اللطيف: نواقض الإيمان 406
(2)
العراقي: التقييد والإيضاح: 286
(3)
ابن كثير: الباعث الحثيث: 172
والملائكة والناس أجمعين) (1).
وعن جابر قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر، فقالت: وما تعجبون من هذا! انقطع عنهم العمل، فأحب الله تعالى أن لا يقطع عنهم الأجر.
وروى ابن بطة بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة، يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من عمل أحدكم أربعين سنة (2).
وقال ابن عباس أيضاً: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم، وهو يعلم أنّهم سيقتتلون.
وقال عبد الله بن عمر: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإن مقام أحدهم خير من عمل أحدكم عمره كله.
وعن ميمون بن مهران قال: قال لي عبد الله بن عباس: يا ميمون لا تسب السلف وادخل الجنة بسلام (3).
وسئل الإمام أبو حنيفة: من أي الأصناف أنت؟ قال: ممن لا يسب السلف، ويؤمن بالقدر، ولا يكفر أحداً بالذنوب.
(1) انظر الذهبي: الكبائر: 189، اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة: 7/ 1320
(2)
انظر: ابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية: 469
(3)
انظر اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة 71319 - 1323 - 1325
وكان يقول: مقام أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة خير من عمل أحدنا جميع عمره وإن طال (1).
وقال الإمام أحمد بن حنبل: ما لهم ولنا - أسأل الله العافية - وقال: إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتّهمه على الإسلام (2).
فهذه الأحاديث والآثار وغيرها، تدل على حرمة أعراض الصحابة، ووجوب حفظها، والاعتراف بمكانتهم العظيمة ومنزلتهم الجليلة.
ومن هنا نخلص إلى حكم سبهم وتنقصهم، لكن ينبغي أن يفرق في هذا المقام في حكم السبّ بحسب الأشخاص، ونوع القدح:
فقد يكون السب على جهة العموم، وقد يكون على جهة الخصوص، وقد يكون السب قذفاً وقدحاً، يوجب القول به سقوط عدالة الصحابة، وقد يكون سبا وقدحاً لا يوجب قدحاً في دينهم ولا سقوطاً لعدالتهم، وقد يكون السب له تعلق بالاعتقاد، وقد يكون منشأه الغيظ، وإن كان أصل السب هو الغيظ والحنق على المسبوب، ولذا فيفصل القول في حكم سبهم ونتقصهم حسب المباحث التالية:
(1) الخميس: أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة: 451 - 553
(2)
اللالكائي: مرجع سابق: 7/ 1326