المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أكثر وحشية من النازيين والمغول (التتار) - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٣

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول

- ‌ المرأة الجزائريةعلى مخططات الاستعمار

- ‌ المرأة الجزائرية (أصالة عميقة الجذور)

- ‌ لوحة شعبية للمجاهدة الجزائرية

- ‌ زغاريد النساء (اليويو)

- ‌ رسالة من مجاهدة

- ‌الفصل الثاني

- ‌ قصة (عقلية) وزوجها (الملازم سي الأخضر)

- ‌ من سلف الذكريات مع (فضيلة سعدان)

- ‌ نساء جزائريات في (معسكر الاعتقال)

- ‌ أم الشهيد

- ‌ مجاهدة وأم شهيد

- ‌ جميلة بو حيرد

- ‌الفصل الثالث

- ‌ معاناة الإرهاب

- ‌ أكثر وحشية من النازيين والمغول (التتار)

- ‌ مدارس تعليم أساليب التعذيب

- ‌ معسكرات الانتقاء والترحيل

- ‌ معسكرات التجميع

- ‌ الأسرى والجرحى

- ‌ ملحقات ضد الاستعمار وأساليبه الهمجية

- ‌الملحق (أ)شخصيات فرنسية ضد الهمجية الاستعمارية

- ‌الملحق (ب)قرار عن الجزائر في اجتماع الكرادلة وكبار الأساقفة

- ‌الملحق (ج)خطاب من الأستاذ رينيه إلى وزير التربية الوطنية الفرنسي

- ‌الملحق (د)الجنرال (دو بولارديير) يستقيل من قيادته

- ‌ الكلمة الأخيرة

- ‌قراءات

- ‌(1)من منهج الصومام في موضوع الحركة النسائية

- ‌(2)من توصيات المجلس الوطني للثورة الجزائرية لتحرير المرأة

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ أكثر وحشية من النازيين والمغول (التتار)

2 -

‌ أكثر وحشية من النازيين والمغول (التتار)

لقد عانت المرأة الجزائرية من قوة الإرهاب ما عانت. واحتملت من الأهوال فوق ما يحتمل. وكانت شريكة للجزائري الرجل، مجاهدا، أو فدائيا، أو مسبلا، أو حتى عاملا بسيطا وفلاحا متواضعا يعيش حياته في (مشتاه المنعزل). وإذا كانت المرأة الجزائرية قد تأثرت مباشرة بما يحدث من دمار شامل وإبادة عامة، تقع تحت سمعها وبصرها إن لم تكن هي ذاتها ضحية لها. فقد كانت هناك ممارسات أخرى لا تطالها مباشرة في بعض الأحيان، إلا أنها لم تكن بمعزل عن التأثر بها بصورة غير مباشرة. فقد مارس الاستعماريون الفرنسيون أعمال (التهدئة) بطرائق أكثر وحشية مما عرفه العالم عن طرائق النازيين والمغول (التتار). وقد أشارت المصادر الفرنسية ذاتها إلى بعض هذه الممارسات، وما لم يعرف هو أعظم وأرهب. وقد يكون من المناسب استقراء ملامح بعض هذه الممارسات (حتى لا ننسى):

قال مجند فرنسي: إذا كانت هناك أعمال تتكرر باستمرار، في مجال التعذيب، فإن العمل الذي سأقصه عليكم لم يقع إلا بقلة، لكنني أريد تسجيله حتى تعلموا إلى أي درجة من الوحشية يستطيع أن

ص: 163

يصل بعض الناس، ففي الفترة ما بين 15 و 20 أيلول - سبتمبر - 1956، أوتي برجل قيل أنه مشتبه في أمره، إلى مركز القيادة العامة ونقل بعربة خفيفة - جيب عسكرية - وكان الجنود طوال الطريق يتبارون في تقطيع أجزاء جلد ذلك الرجل، وهو حي، وتمزيق قطع من لحمه.

كنا نحن خلال هذه الفترة في (وادي الصومام). ولقد أوتي بثلاثة من الرجال، وأمروا بحفر حفر، ثم دفنوا فيها إلى العنق، وبقي رأسهم معرضا لوهج الشمس. ووضعوا أمام كل منهم وعاء فيها ماء يبعد عن فمهم مسافة نصف متر تقريبا، وقيل لهم أنهم لن ينالوا شيئا من الماء إلا إذا تكلموا. ولقد بقوا على تلك الحالة يومين كاملين، فلم ينبس اثنان منهم ببنت شفة. وأعدم اثنان وهما على تلك الحالة، أما الثالث فقد قال شيئا - آخر الأمر - إلا أنه أعدم أيضا إثر ذلك (1).

(وفي قرية (الشريعة) أوتي برجل للتحقيق معه (استجوابه) فنزعت عنه كل ثيابه، وقيد من أكتافه، ثم ألقي على الأرض بعدما ضمخوا كل جسده بمعجون السكري (المربى) وبقي كذلك طوال اليوم معرضا لشمس شهر تموز - يوليو - اللاذعة، وكانت أسراب الذباب تروح وتغدو حول تلك الفريسة البشرية التي كانت عيناها تعبران عن جنون الألم. وقال لنا النقيب (الكابتن) بأنه إذا لم يعترف فسأطلق عليه سربا من النحل) (2).

وجاء في مصدر آخر ما يلي: (لقد تعرفت على جماعة من

(1) المجندون يشهدون. ص 31 و 32.

(2)

مجلة (أسبري) الفرنسية، عند نيسان - أبريل - 1957 ص 581.

ص: 164

الطلبة الفرنسيين، الذين كانوا في حالة من الهياج القصوى. وكان أحدهم يتحدث بحرارة عن أعماله. وكيف أنه أتى بمدفعين رشاشين من النمسا، لقتل المسلمين. وقص علي مفاخرا أنه رأى بعينيه في جهة (باليسترو) أحد الضباط وهو يدلي من طائرة عمودية (هيليكوبتر) - بواسطة حبال - بعض المشتبه بأمرهم، ويهددهم بإسقاطهم على الأرض إن هم لم يتكلموا. ولما امتنع هؤلاء عن الإدلاء ولو بكلمة واحدة - رغم التهديد المرعب - عمل هذا الضابط على قطع الحبال، وسقط أولئك الناس، وسحقوا على الأرض. لقد كان في هذا درس صالح للسكان العرب) (1).

يمكن في هذا المجال الإشارة إلى البلاغ الصادر عن القيادة العامة لجيش التحرير الجزائري - لولاية وهران يوم 10 أيار - مايو - 1957. والذي جاء فيه بالحرف ما يلي:

(ان المجاهد العربي بن المهيدي الذي قبض عليه الفرنسيون أخيرا، لم يعترف بشيء أثناء الاستنطاق ولكنهم سلخوا جلدة رأسه في غرف التعذيب التابعة للبوليس الفرنسي، ثم لم يكفهم هذا، بل أدخلوا في فمه قضيبا من الحديد في أقصى درجات الاحمرار. فكانت النتيجة أن فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها إثر هذه العملية الوحشية التي تقشعر لهولها الأبدان. وقد كان هذا في مدينة الجزائر، والعقيد رحمه الله، كان من أشد الناس حماسة لقضية بلاده.

وهناك وسيلة أخرى من نفس الوسائل السابقة تطبق الآن في مقاطعة (وهران). ففي يوم 3 كانون الثاني - يناير - 1957. سقط المجاهد أبو مدين محمد من دوار (أولاد حمو) من دائرة

(1) ضد أعمال التعذيب (بيير هنري سيمون) ص 46.

ص: 165

(مونطانياك) أسيرا بيد العدو. فسيق إلى مدينة (تيران) ومن هناك إلى مركز الجندرمة. وفي داخل المركز المذكور، أوثقوه من رجليه إلى سقف الحجرة، وتركوا رأسه يتدلى، ثم طلبوا منه أن يدلهم على مخزن سلاح المجاهدين الموجود في تلك الناحية ولما فشلوا في محاولتهم تلك، أدخلوا رأسه في فرن ملتهب. فمات لساعته. وفي نفس اليوم، وفي المكان ذاته، قبض الفرسيون أيضا على المجاهد (محمد مصطفاوي بن عبد الله - من دوار بلغافر) دائرة (مونطانياك) وسيق كسابقه إلى مركز الجندرمة (الدرك). بمدينة (تيران). وبعد أنواع من الترويع والتعذيب حتى يحملوه على الاعتراف بما كانوا يريدونه منه، وبعدما عجزوا عن الوصول إلى مرادهم هذا. وضعوا في دبره أصبعا من الديناميت فجروه بواسطة مفجر كهربائي، فتمزق جسده في الحال إربا إربا .. وفي اليوم الخامس من شهر كانون الثاني - يناير - 1957. وفي قرية (الخميس) دائرة (مغنية) وفي الشاب المجاهد (أحمد جلاد ولد محمد الصغير) أسيرا، في إثر اشتباك بالقرب من القرية المذكورة، فأخذوه إلى مدينة (مغنية) ومنها إلى مركز القيادة العامة لفرقة المدفعية الثانية والعشرين. وهناك ربطوه إلى شجرة، وربطوا يديه إلى سيارة جيب. ثم أخذوا في استنطاقه وهو على هذه الحالة المؤلمة. ولما لم يجبهم عما سألوه عنه. أمروا جنديا من جنودهم بأن يسير بالسيارة، فانفصلت ذراعه الأولى، ثم أعيدت العملية، فانفصلت ذراعه الثانية. وحينذاك مات بعد أن ذاق ألوانا وأشكالا من العذاب المريع (1).

(1) حرب الإبادة في الجزائر - مصلحة الدعاية والاستعلامات لجبهة التحرير الوطنية الجزائرية - ص 55 - 56.

ص: 166

جاء في (مصدر فرنسي)(19) ما يلي: (جاءتنا دورية بأربعة من المشتبه بأمرهم - كما يزعمون - ولقد مر اثنان منهم حالا على غرفة المولد الكهربائي، فكنا طوال الليل نسمع صراخ الألم والاستغاثة يصدر عنهم. وهذه أول مرة تلجأ فيها فرقتنا الى أساليب التعذيب كوسيلة للاستجواب (الاستنطاق). ولقد حكى لي (ل) أنه حضر في قرية (هـ) منذ أيام، عدة عمليات تعذيب كهذه. فالعملية عبارة عن وضع سلك كهربائي في خصية الرجل، ووضع السلك الآخر في أذنه. ثم يقع إطلاق التيار الكهربائي على الرجل. وقال لي (ل) أن هذه العملية كانت تقع بحضور زوجة المشتبه فيه، والذي يتم تعذيبه) (1).

وجاء في (مصدر فرنسي آخر)(2) ما يلي: (جاء فرقتنا أحد التراجمة. وقص علينا قصة عملية استجواب (استنطاق) وقعت أمامه في قرية (بئر غبالو) وهي العملية التقليدية - السلك الكهربائي في الأعضاء التناسلية، وإذا لم يجد ذلك نفعا انهالوا على المشتبه به ضربا بالسياط (الكرباج). ولقد أطلعنا المترجم على عدد من الصور الفوتوغرافية التي التقطها لجماعة من العرب وقد تمزقت جلود وجوههم من آثار الضرب. وتورم لحمهم من التعذيب. يا لها من تهدئة؟).

وتستخدم السلطات الاستعمارية الإفرنسية هذه الوسائل الوحشية السافلة، ضد الصبيان أيضا. وقد جاء في تقرير. يحمل تاريخ يوم 28 كانون الثاني - جانفي - 1956 ما يلي: (إن

(1) ضد أعمال التعذيب (بيير هنري سيمون) ص 80.

(2)

ملف (جان ميلير) مذكرات الجندي - ص 11.

ص: 167

صياح الخنزير الذي كانوا يذبحونه بالأمس، على الساعة التاسعة ليلا، لم يكن في الحقيقة إلا صراخ صبي كانوا يعذبونه. لقد استعملوا معه وسيلة السلك الكهربائي، لكنهم استبدلوا هذه المرة الخصيتين باليد. وقيل أن الصبي اعترف بأنه قد ذهب لأربعة رجال مسلحين يعلمهم بمرور فرقة فرنسية في المكان. هذا ما أعلمني به الملازم (س) ووجهه يتهلل بشرا. أما بالأمس، فقد سمعت عواء حسبته أول الأمر عواء ذئب عابر، لكن ذلك العواء استمر، وزاد، فرابني الأمر، وخرجت وأنا أرتدي المنامة (البيجاما) فأيقنت أن تلك الأصوات المنكرة كانت تصدر عن خيمة الملازم قائد الفصيلة، ففهمت حقيقة الأمر، لكنني قلت في نفسي؛ بأنه من المحال أن يستعملوا السلك الكهربائي مع الصبي، ولا ريب أنهم يحاولون الآن انتزاع اعتراف من الشيخ الذي يصحبه. ورجعت إلى خيمتي، وقد أمتلأ قلبي غضبا وألما. وأخذت أفكر عن غير وعي في أمر الصبي الذي سجنوه طوال الليل الماضي بعد أن قيدوه إلى مؤخرة سيارة الجيب. وتخيلته شارد الذهن، بادي الروع، وهو يشاهد عن كثب تعذيب الشيخ. وكاد قلبي يتمزق من الغيظ صبيحة اليوم إذ عرفت بأن عملية التعذيب كانت تقع على الصبي نفسه لا على الشيخ. ولم يكن باستطاعتي أن أذهب للصبي، وأن أحادثه، فهو لا يفهم اللغة الفرنسية، لكنني عملت عملا آخر. فقد ذهبت للصبي المعذب، وأخذت له صورة فوتوغرافية، إنها لصور بليغة يجب أن يراها الرفاق في فرنسا. وما كدت أصل حتى رأيت (س) وهو يخرج من الغرفة - مكان التعذب، فكاد قلبي يصعد إلى فمي، ولا أدري كيف تمالكت نفسي فلم أبصق على وجهه. يا له من وحش، لقد أصبح قلبه غلفا لكثرة ما مارسه من عمليات التعذيب، وما تعود على سماعه من

ص: 168

أصوات المعذبين، إنه ضابط تحقيق - استخبارات - ويصفونه بأنه من الأشداء) (1).

وفي جهة (الأصنام) وعلى الطريق العام الذي يصل بين (الجزائر العاصمة) و (قسنطينة) أقامت إحدى الوحدات الفرنسية التابعة لكتيبة القناصة الأفريقية التاسعة عشرة (قفصا) للمشتبه بهم، هو عبارة عن حفرة في الأرض عمقها خمسة أو ستة أمتار، وعرضها أربعة امتار، وطولها عشرة أمتار. ولهذه الحفرة غطاء من الأسلاك الشائكة به فتحة لإنزال المعتقلين بواسطة سلم داخل الحفرة. ويكون عدد نزلاء هذا القفص من (10) حتى (60) رجلا بحسب نتيجة العمليات المحلية الجارية وليس هناك أية وقاية من الشمس والأنوار. ويستخدم الأسرى أثناء النهار في أعمال شتى، ثم ينزلون إلى الحفرة أثناء الليل. ويرفع السلم ليلا.

ويوجد كذلك معسكر للمعتقلين (المشتبه بهم) بالقرب من قرية (مايو). أما في (باليسترو) فإن معسكر المعتقلين (المشتبه بهم) كان قائما داخل إحدى المزارع على مسافة كيلومترين من (باليسترو) وعلى حافة الطريق المؤدي إلى (البليدة) ويتباين عدد النزلاء في هذه المعسكرات بحسب مسيرة العمليات الجارية، ولكن عددهم قد يرتفع كثيرا كما حدث في آب - أغسطس - 1956 وكان المعتقلون (المشتبه بهم) يحتجزون في (أقبية النبيذ) المبنية بالإسمنت المسلح. ولم يكن لهذه الأقبية مدخل سوى فتحة واحدة، لا تتسع إلا لشخص واحد. وكان الناس يحشرون في هذا المضيق، ولا يسمح لهم بالخروج إلا مرة واحدة في اليوم، وفي

(1) المجندون يشهدون - ص 21.

ص: 169

كثير من الأحوال، مات عدد منهم مختنقين، بسبب اشتداد الحر، وكثرة عدد المعتقلين المحشورين في القبو، على نحو ما حدث في أوائل آب - أغسطس - 1956. وقد شهد أحد ضباط الصف كيف يعامل الجزائريون عند حشرهم في هذه الأقبية. حيث ينهال الجنود عليهم ضربا ولكما. ولما كانت هذه الأقبية عبارة عن حفر كبيرة فتحتها إلى أعلى، فإن المعتقلين كانوا يتعلقون بأصابعهم على حافة تلك الفتحة، عندما يتدلون إلى قاع الحفرة. وكان الجنود يرفهون عن أنفسهم بالضرب على أصابع الأسرى بأحذيتهم الغليظة. وكان استجواب الأسرى المعتقلين يتم بصورة إفرادية أثناء النهار، وينتهي الاستجواب عادة بإرسال المعتقل إلى غرفة التعذيب الكهربائي، ويطلق على هذا اللون من التعذيب الكهربائي لفظ (الهاتف - التلفون). وقد لوحظ أن هذا النوع من التعذيب الكهربائي لتعذيب المعتقلين غير كاف لبلوغ الهدف، فتم استبداله في يوم 18 آب - أغسطس - 1956 بمولد كهربائي قوي، يقوم باستخدامه عامل اللاسلكي في السرية الثانية من الكتيبة السادسة مشاة. وذكر أن أحد الأسرى - المعتقلين - قد صعقه التيار الكهربائي أثناء التعذيب، وفاضت روحه.

ولقد تم توسيع سجون الثكنات توسيعا كبيرا. إلا أن هذه السجون لم تكن تتسع لأكثر من (140) أو (150) معتقلا - سجينا. وكان الفرنسيون يحشدون في الزنزانة التي تتسع لأربعة أشخاص (15) معتقلا لمدة أسابيع عديدة، وأحيانا كان يتم حشد (25) معتقلا، فكان لا بد من نوم المعتقلين وهم جلوس - القرفصاء - وكان في الزنزانة مسطبتان - دكتان - يحتلهما أكثر المعتقلين بؤسا وأكثرهم إعياء. ولم يكن غذاء الأسرى المحتجزين إلا فضلات

ص: 170

الجنود التي تقدم لهم في علب المربى الفارغة. وكان الجو داخل الزنزانة، مشمع برائحة الأجسام وبالرطوبة والحرارة المرتفعة، مما كان يضر بالرئتين - خصوصا في شهور حزيران وتموز وآب (يونيو ويوليو وأغسطس) وإذا اضطر أحد الأسرى أن يتبول ليلا، فهو يتبول في أحد الأركان، ويسيل البول إلى الخارج من تحت الباب) (1).

واعترف مجند بما يلي: (نفذت عمليات كبرى في جبل (س) يوم 5 حزيران - يونيو - 1956. وقد بلغ عدد الضحايا من العرب (15) رجلا، على الرغم من أننا لم نعثر على واحد من الفلاقة (الثوار) ولم تطلق علينا طلقة واحدة. وكان رجالنا يطلقون النار من بنادقهم الرشاشة ومدافعهم بصورة منتظمة على القرية التي كنا سنجتازها بعد قليل. ففر جميع الأهالي ولجأوا إلى المغاور والأخاديد المجاورة، وعثر بعض الجنود على فريق من الأهلين الملتجئين إلى إحدى المغاور، وخرج أحد هؤلاء من المغارة رافعا يديه إلى أعلى، وعندئذ دخل جندي إلى المغارة وأطلق نيران بندقيته الرشاشة على جميع الموجودين وعددهم سبعة أشخاص فصرعهم. وبعد ذلك جرت أجسادهم إلى قاع الوادي. ولما مضى الجندي القاتل في سبيله، عثر على بعد خمسين مترا على أحد الفارين جريحا، فأجهز عليه برصاص بندقيته) (2).

وذكر مجند ما يلي: (كان جرحى الثوار المصابون في الساق كثيرا ما يعجزون عن الهرب فيقعون في قبضة القوات الفرنسية.

(1) المجندون يشهدون. ص 690.

(2)

المصدر السابق. ص - 68.

ص: 171

وكانت جراح هؤلاء قابلة للشفاء، بالرغم من نزيف دمائهم، وبالرغم أيضا من الزرقة التي كانت تحيط بجراحهم بسبب برد الليل القارص. غير أن القوات الفرنسية كانت تجهز عليهم بطريقة قد لا يتصورها الإنسان الطبيعي. لكن الجزائريين كانوا يرون ذلك رأي العين. وقد برز في هذا الميدان - ميدان الوحشية المجرمة - عدد من القادة العسكريين الذين كانوا يتولون ما يطلق عليه اسم (إدارة عمليات التطهير) فإذا ما وجدوا جريحا، صوبوا أحذيتهم الثقيلة إلى جروحه حتى يموت من الألم. وكانوا يمزحون مزاحا فظا أثناء التقاط صورهم الفوتوغرافية مع هؤلاء الجرحى، حيث يقولون للجريح وهو في طور الاحتضار: ابتسم حتى تكون الصورة جميلة. ابتسم للعصفور الصغير ثم يسحبون سكينا من سكاكين المطبخ، ويشرعون في شحذه (سنه) على الصخر، على مشهد من الضحية - قبل أن يذبحوها ذبحا بطيئا ليس فيه شيء من أصول الذبح - الجزارة - ويبعدون النصل عن الضحية حتى يطول عذابها. وعندما تصبح هذه جثة هامدة، لا يعدم جلادوها نكتة يطلقونها عليها لتشييعها إلى الآخرة. وقد يضيفون إلى الذبح إطلاق رصاصة عن كثب على وجه الرجل حتى يصبح هذا الوجه كومة دموية مشوهة ليس لها وصف في قاموس البشاعة.

ومما يذكر أن الفرنسيين قد قتلوا الأسرى، وفيهم أسير كان محتفطا بمقدار كاف من القوة ليحمل لهم على ظهره جهازا لاسلكيا ضخما طوال ساعات عديدة. وقد شاؤ وا أن يكون القتيل وسيلة لبث الرعب في نفوس الأهالي، فاستدعوا الفلاحين من القرى البعيدة للقيام بنقل جثث القتلى إلى أسفل الجبل على ظهور الخيل ودفنها في إحدى ثنيات الوادي، وتحت طبقة من التراب لا يزيد سمكها على

ص: 172

خمسة عشر سنتيمترا) (1).

ومما قاله أحد المجندين: (قابلت عددا من الكهنة العسكريين القائمين بالخدمة الدينية في الجيش، وقد لاحظت أن لديهم معلومات واسعة عن هذا الموضوع، وأنهم يعتقدون أن من واجبهم التحدث عن الفظائع التي تصل إلى علمهم، مثل تقطيع الأسنان بالسكين أثناء الاستجواب (التحقيق) وترك المعتقلين ثمانية أيام في إحدى الأمكنة الضيقة حيث يكادون يختنقون من ضيق التنفس، ثم صب الماء عليهم لحملهم على الكلام أثناء استجوابات أخرى. وقد دلت جميع أقوال الشهود التي جمعتها كل يوم في الجزائر على أن (السيد فارس) أصاب كبد الحقيقة عندما وصف هذه الأعمال بأنها:

(قتل يحميه القانون) وأن هذه الممارسات التي لا يزال بعض الناس يشكون في إمكان حدوثها - لا تليق إلا بالنازية البائدة -) (2).

وهذا ما أكده ضابط فرنسي - من الفرقة العاشرة، في رسالة له بتاريخ 6 حزيران - يونيو - 1956. حيث ذكر ما يلي: (لم يصبني الملل من الحياة بمثل ما أصابني في هذه الأيام وأنا في الجزائر. فإن الألمان النازيين في وحشيتهم القاسية، ليسوا إلا أطفالا أمامنا. ولقد رأيت بعيني إجراءات المكتب الثاني - الاستخبارات العسكرية - لجنود المظلات الذين كانوا يعذبون المواطنين طول اليوم بأبشع الوسائل لإرغامهم على الكلام، وذلك بوضع ماسورة

(1) مجلة (أسبري) الفرنسية - عدد نيسان - أبريل - 1957.

(2)

المجندون يشهدون. ص 48.

ص: 173

في فم الوطني تحت ضغط الماء حتى يخرج الماء من جميع منافذ الجسم، الأيدي مكتوفة وراء الظهر، ثم يعلق من رسغه حتى تخرج المفاصل عن مواضعها، فحينذاك ينهال عليه جنود المظلات ضربا لا هوادة فيه ولا رحمة، ثم بعد ذلك، إن لم يعترف بشيء مما يريدون الحصول عليه من المعلومات، حاولوا معه أساليب أشد فظاعة مثل وضع الكهرباء في رأسه ورجليه حتى يكاد يموت. وأخيرا، ينهالون عليه ضربا بالخنجر بين الكتفين) (1).

(1) ضد أعمال التعذيب (بيير هنري سيمون) ص 78.

ص: 174