المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الأسرى والجرحى - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٣

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول

- ‌ المرأة الجزائريةعلى مخططات الاستعمار

- ‌ المرأة الجزائرية (أصالة عميقة الجذور)

- ‌ لوحة شعبية للمجاهدة الجزائرية

- ‌ زغاريد النساء (اليويو)

- ‌ رسالة من مجاهدة

- ‌الفصل الثاني

- ‌ قصة (عقلية) وزوجها (الملازم سي الأخضر)

- ‌ من سلف الذكريات مع (فضيلة سعدان)

- ‌ نساء جزائريات في (معسكر الاعتقال)

- ‌ أم الشهيد

- ‌ مجاهدة وأم شهيد

- ‌ جميلة بو حيرد

- ‌الفصل الثالث

- ‌ معاناة الإرهاب

- ‌ أكثر وحشية من النازيين والمغول (التتار)

- ‌ مدارس تعليم أساليب التعذيب

- ‌ معسكرات الانتقاء والترحيل

- ‌ معسكرات التجميع

- ‌ الأسرى والجرحى

- ‌ ملحقات ضد الاستعمار وأساليبه الهمجية

- ‌الملحق (أ)شخصيات فرنسية ضد الهمجية الاستعمارية

- ‌الملحق (ب)قرار عن الجزائر في اجتماع الكرادلة وكبار الأساقفة

- ‌الملحق (ج)خطاب من الأستاذ رينيه إلى وزير التربية الوطنية الفرنسي

- ‌الملحق (د)الجنرال (دو بولارديير) يستقيل من قيادته

- ‌ الكلمة الأخيرة

- ‌قراءات

- ‌(1)من منهج الصومام في موضوع الحركة النسائية

- ‌(2)من توصيات المجلس الوطني للثورة الجزائرية لتحرير المرأة

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ الأسرى والجرحى

6 -

‌ الأسرى والجرحى

أكدت الحكومة الجزائرية رسميا لمنظمة الصليب الأحمر الدولية، أنها ستمتنع عن كل بادرة من شأنها أن تزيد الحالة سوءا، علما بأنها ستجد نفسها مضطرة إلى استرداد حريتها في العمل إذا لم يبرهن الطرف الآخر في النزاع على تقيده بهذا النهح. تلك كانت خلاصة برقية أرسلتها جبهة التحرير الوطني إلى جمعية الصليب

الأحمر الدولية في 13/ 5/ 1958. أي قبل أسبوعين من تاريخ مذكرة الجمعية المشار إليها. وهذه البرقية أكدتها بعد 28 أيار - مايو - عدة رسائل شفوية عن طريق المندوب الدائم للهلال الأحمر الجزائري لدى جمعية الصليب الأحمر الدولية، تؤلف إلى حد ما شريعة الطرفين، وهما الصليب الأحمر الدولي والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. وهكذا فقد قامت بين الطرفين المتحاربين هدنة (التوقف عن تنفيذ أحكام الإعدام) واستمرت قرابة خمسة أشهر. ولما عادت فرنسا إلى تنفيذ حكم الإعدام، عمدت الحكومة الجزائرية إلى إنذار جمعية الصليب الأحمر الدولية عدة مرات، اضطرت بعدها إلى استعادة حريتها في التصرف.

أصدرت الحكومة الجزائرية مرسوما في 4/ 10/ 1958،

ص: 197

قضى بإطلاق سراح أسرى الحرب بلا قيد أو شرط. وكانت تأمل من وراء هذه المبادأة أن ترى الجانب الفرنسي يطبق المبادىء الإنسانية بصورة تدريجية على النزاع القائم. وأطلقت سراح خمسين فرنسيا على دفعات متتالية - تنفيذا لهذا المرسوم. وقد أعلن هؤلاء الأسرى للعالم بأن قوانين الحرب مصونة الشرف على ذرى الجزائر الحرة. وكانت النتيجة من الجانب الفرنسي أن المقاتلين الجزائريين الواقعين في الأسر، لم يعاملوا بمقتضى (قانون أسرى الحرب). ولم يكتف الجيش الفرنسي بذلك، بل بذل غاية الجهد حتى يصطدم بالوحدات الجزائرية، ويحاول الفتك بها عندما كانت تتجه بالأسرى الفرنسيين عبر الحدود التونسية أو المغربية، لأن الحكومة الجزائرية كانت تعلن عن إطلاق سراحهم مسبقا قبل عدة أيام ولكي تتقي الحكومة الجزائرية هذا الخطر، اضطرت في بعض الحالات إلى العزوف عن الإعلان المسبق، وآثرت أن يتم اطلاق سراح الأسرى بصورة مفاجئة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد وجه قادة الثورة عناية خاصة إلى حالة مؤلمة، هي حالة الشبان الأجانب الذين كانت السلطات الفرنسية تجندهم في الفرقة الأجنبية بغير رضائهم التام. وقد أثيرت فضيحة التجنيد التعسفي في الفرقة الأجنبية في كل من ألمانيا وبلجيكا، حيث عبرت عنها حملة شديدة في الصحافة، واستجوابات عديدة في البرلمان البلجيكي، وتبع ذلك بذل مساع رسمية لدى ممثلي الحكومة الفرنسية لإيقاف هذه العملية كما أثيرت الفضيحة ذاتها في سويسرا وفي المجلس الوطني الهلفيني يوم 18/ 6/ 1956. وقد عملت جبهة التحرير الوطني الجزائري من جانبها على تنظيم عدد من المكاتب واجبها إعادة هؤلاء الجنود الفتيان إلى أوطانهم. وفي 23/ 7/ 1960 بلغ عدد هؤلاء المعادين

ص: 198

إلى أوطانهم عبر الحدود الغربية للجزائر وحدها (3299) جنديا. منهم (2071 - ألمانيا) و (439 - إسبانيا) و (447 - إيطاليا) و (87 - مجريا) و (42 - يوغوسلافيا) و (41 - بلجيكيا) و (43 -

سويسريا) و (29 - نمساويا) و (17 - هولانديا) و (16 - اسكندينافيا) و (9 - إنكليز) و (7 - من لوكسمبرغ) و (5 - أمريكيين، اثنان من الولايات المتحدة وثلاثة من أمريكا الجنوبية) و (3 - يونانيين) وواحد من كوريا وواحد من بلغاريا.

لقد أجرت الحكومة الجزائرية عدة مخابرات واتصالات مع جمعية الصليب الأحمر الدولية، أبلغتها بمقتضاها أن الحالة في الجزائر، قد وصلت حدا من الخطورة، يجعل طلب تطبيق المادة الثالثة من الاتفاقيات غير كاف، ومتخطى. وقد اقترحت الحكومة الجزائرية إبرام اتفاق خاص بين المتحاربين تحت إشراف جمعية الصليب الأحمر الدولية، من أجل تسوية مجموعة من المشاكل الإنسانية المتولدة عن حرب الجزائر. ولو أن الحكومة الفرنسية قبلت إبرام هذا (الاتفاق الخاص) لأدى ذلك إلى تنظيم عدة أمور منها:

- حظر أساليب الحرب غير الإنسانية، وطرق الإكراه المعنوي (التعذيب، النابالم، الغاز، غسيل الدماغ، الخ

).

- حماية السكان المدنيين (منع عمليات الجرف، والقصف بالقنابل لإزالة القرى، وتحريم ترحيل الأشخاص القسري جماعات أو أفرادا، بمقتضى المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة، وإلغاء معسكرات التجميع).

- إسعاف الجرحى والمرضى (1).

(1) غير خاف أن عددا كبيرا من الجرحى والمرضى الجزائريين كانوا يهلكون في الأدغال =

ص: 199

- نظام المحاربين الواقعين في الأسر من كلي الطرفين.

إسعاف الأشخاص المعتقلين في المنظمات العاملة في الاعتقال والتعذيب وفي معسكرات الاعتقال. ولقد كررت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية عروضها مرات عديدة من أجل إبرام اتفاق خاص من هذا النوع. ولكن جمعية الصليب الأحمر الدولية لم تتمكن من الحصول على موافقة الحكومة الإفرنسية على مثل هذا الإجراء أخيرا، اتخذت الحكومة الجزائرية المؤقتة قرارها بالانضمام إلى اتفاقيات جنيف الأربع في 20/ 6/ 1960. ولقد دعت الضرورة حكومة الجزائر إلى أن تتحرى وسائل مختلفة من أجل حمل فرنسا على احترام قوانين الحرب وقد تحقق هذا الغرض بانضمام الجمهورية الجزائرية إلى اتفاقيات جنيف. وأصبح بالإمكان اعتبارا من هذا التاريخ وضع الصراع الفرنسي - الجزائري وجها لوجه من فريقين كلاهما موقع على اتفاقيات جنيف. ولكن،

= لعدم وجود القدر الكافي من الأدوية بعد أن راحت الحكومة الفرنسية تمنع بيعها في الجزائر قرارات أصدرتها عام 1953 و1956 و1957 خلافا لجميع القواعد الإنسانية. ويمكن الرجوع بصورة خاصة إلى القرار الصادر بتاريخ 21/ 11/ 1955 (بتنظيم ورقابة مختلف المستحضرت والمواد المتعلقة بالصحة العامة - الجريدة الرسمية للجزائر تصدرها فرنسا 25/ 11/ 1955 ص 2224) والحقيقة أن القرار لا ينظم بل يحظر دون قيد أو شرط (المادتان 1 و2) شراء بعض الأدوية من خارج الجزائر وتخزينها في الجزائر، ولا سيما المضادات الحيوية، ومستحضرات السولفاميد والمصول واللقاحات والضمادات كالقطن المعقم الخ

مما تضمنه الجدولان الملحقان بالقرار. كما يمكن الرجوع أيضا إلى القرارين الصادرين عن الحاكم العام في 21/ 11/ 1955 نفسه ص 2225 وكذلك أيضا القرار المؤرخ 24/ 10/ 1955 في المصدر بشأن: (استيراد بعض الأدوية والمستحضرات الكيميائية والعقاقير البسيطة والضمادات إلى الجزائر)(الجريدة الرسمية للجزائر 28/ 10/ 1955 ص 2096).

ص: 200

وعلى الرغم من ذلك. فقد استمرت فرنسا في ممارساتها الإجرامية. ولم تتوقف سلطاتها وقوادها عن متابعة أعمال التعذيب، وإقامة معسكرات التجميع، والإعدامات المختصرة من غير محاكمة، وارتكاب الفظائع المختلفة واستمرت أيضا في التعامل مع (المسبلين - أو الأنصار) ومع (الفدائيين بالمدن) باعتبارهم إرهابيين، لا تنطبق عليهم شروط أسرى الحرب. مع العلم أن المذكرة التي أصدرها المركز القانوني للأنصار خلال الحرب العالمية الثانية، والتي صدرت على أثرها مذكرة عن جمعية الصليب الأحمر الدولية في 17/ 8/ 1944 إلى جميع المحاربين، طلبت فيها اعتبار أمثال هؤلاء المقاتلين أسرى حرب، مثلهم كمثل الجنود في القوات المسلحة سواء بسواء.

وبقيت الحرب الجزائرية نموذجا فريدا بين الحروب، في قسوتها ووحشيتها، في بعدها عن كل القيم الحضارية والمفاهيم الإنسانية. لقد أرادتها فرنسا حرب مصير ووجود، وقبل الشعب الجزائري وقيادته الثورية التحدي الثقيل، بكل ما يتضمنه من جهود وتضحيات. وانتصر الشعب الجزائري في الرهان المصيري. غير أن طبيعة هذه الحرب الوحشية لم تمر دون أحداث مثيرة، ولعل أبرز ما في إثارتها هو أنها اكتسبت أنصارا لها ومؤيدين في وسط الأعداء ذاتهم.

ص: 201