المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدمة وتبقى (الثورة الجزائرية) العملاقة منجما ثرا للتجربة التاريخية في التعامل - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٤

[بسام العسلي]

الفصل: ‌ ‌المقدمة وتبقى (الثورة الجزائرية) العملاقة منجما ثرا للتجربة التاريخية في التعامل

‌المقدمة

وتبقى (الثورة الجزائرية) العملاقة منجما ثرا للتجربة التاريخية في التعامل مع الاستعمار التقليدي. لقد خاض الشعب الجزائري المجاهد التجربة المريرة، ووصل بها حتى نهايتها، ولم تكن هذه التجربة محددة بميدان الأعمال القتالية على الثرى الجزائري الطهور، وإنما كانت أكثر شمولا وأكثر اتساعا، حتى أنها شغلت العالم طوال سنوات الصراع.

لقد أخذ الاستعمار التقليدي في التقلص والانكماش منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، غير أن فرنسا خاصة، والدول الأوروبية عامة (هولاندا والبرتغال وبلجيكا) وجدت من الصعب عليها التكيف مع المستجدات الدولية، أو التنازل للدولتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) عن امتيازاتها التقليدية. ومن أجل ذلك، خاضت فرنسا حرب الهند الصينية (فييتنام) بوحشية وضراوة حتى اقتنعت بعجز قواتها عن مجابهة تيار التاريخ، وكان من المفروض أن تفيد فرنسا قبل غيرها من تجربتها الذاتية، فتتجنب الوقوع في أخطائها، غير أن رؤيتها للأمور من خلال زاوية محددة،

ص: 7

زاوية (العظمة الفارغة) و (القوة الغاشمة) حملتها على ارتكاب الخطيئة من جديد، فكانت (حرب الجزائر).

لقد ظنت فرنسا، أن ما فعلته في الجزائر طوال (قرن وربع القرن) قد دمر كل جذور الأصالة الدينية والقومية والوطنية، حتى لم يعد في الجزائر إلا فرنسا الاستعمار والصليبية.

وظنت فرنسا، أن العامل (الجيواستراتيجي) وقرب المسافة من فرنسا، سيمنع كل (تمرد) أو (ثورة).

وأطلق المجاهدون شرارة الثورة التي أحرقت السهل والجبل، ومضت فرنسا على طريقتها التقليدية في محاولات متفائلة في البداية، ويائسة في النهاية، للتشبث بخرافة (الجزائر الفرنسية).

وكان الصراع المرير والشامل؛ فقد ألقت فرنسا بكل ثقلها، وتحالفت مع كل قوى الاستعمار في الغرب الاستعماري لقمع ثورة الأحرار المؤمنين المجاهدين، وكان للثورة بدورها محيطها العربي الإسلامي، فكان من الطبيعي أن تتسع دائرة الصراع السياسي لتتجاوز حدود ميادين الصراع المسلح. وفي هذا المجال، كانت ترسانة الاستعمار حافلة بكل مخزون (اللعب الاستعمارية) غير أن المجاهدين الذين تمرسوا على أيدي الاستعمار بالألاعيب الاستعمارية لم يعودوا عاجزين عن رؤية أهدافهم بوضوح تام.

واضطلعت القيادة الثورية التاريخية بأعباء قيادة الصراع السياسي، وأمكن لها هز العالم وإثارته، بما حققته من تنسيق رائع بين (الجهد السياسي) و (الجهد العسكري)، وكان لا بد في النهاية من الوصول بالصراع إلى نهاياته الحتمية، وتحقيق الانتصار لمصلحة المجاهدين المؤمنين.

ص: 8

وانقضت التجربة التاريخية. وتوقف الصراع المسلح، لتبدأ مرحلة (الجهاد الأكبر) من أجل تصفية رواسب الاستعمار والقضاء على مرتكزاته.

انقضت التجربة التاريخية في أفق الصراع المسلح، ولكنها استمرت في أفق الصراع السياسي، ومضى ربع قرن على التجربة التاريخية، ولا زال الصراع السياسي مستمرا مع (رواسب الاستعمار) و (بقايا أجهزته) و (شبكات اخطبوطه).

لقد تطور الاستعمار - أخيرا - غير أنه بات في تطوره أكثر خطورة وأشد فتكا وتدميرا؛ ذلك لأنه يعتمد على أساليب الهجوم غير المباشر للوصول إلى الأهداف المباشرة.

بكلمة أخرى، إنه بات يستأثر بالمغانم ليلقي على أعباء الشعوب المستضعفة بالمغارم كلها. وهنا تبرز أهمية التجربة الجزائرية.

لقد استطاعت فرنسا الحصول على غنائم الحرب من خلال الاتفاقات التي عقدتها مع الثورة الجزائرية، وقد استطاعت الجزائر المجاهدة متابعة طريق الجهاد لتحرير نفسها من تلك القيود التي فرضتها مجموعة الظروف التي أحاطت بالصراع.

المهم في الأمر هو أن تلك الغنائم - في حد ذاتها - تظهر طبيعة التطور الجديد للاستعمار الحديث ومن هنا تبرز أهمية التجربة الجزائرية.

لقد استخدمت فرنسا كل أساليب الخداع، والتمويه، والمكر، واستخدم المجاهدون كل أساليب الصراع الواضحة، والشريفة والعادلة، وانتصر الحق وزهق الباطل، وسقطت الأقنعة،

ص: 9

{ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} . وكان انتصار الثورة برهانا ساطعا على القيم البناءة والفضائل الأصيلة التي توافرت للمجاهدين، بقدر ما كانت برهانا أكيدا على حتمية فشل الشر المتمثل (بالنهب الاستعماري).

انتصرت الثورة، ولا زال الصراع مستمرا، ومن أجل ذلك، تكتسب التجربة الجزائرية أهميتها، لأنها أكبر وأضخم تجربة ترسل ظلالها إلى الأفق البعيد، أفق المستقبل،

ص: 10