المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ب - أحمد بن بللا ورفاقه في سجون فرنسا: - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٤

[بسام العسلي]

الفصل: ‌ب - أحمد بن بللا ورفاقه في سجون فرنسا:

فوق مياه البحر المتوسط الدولية، وعلى بعد (130) كيلو مترا تقريبا شمالي مدينة الجزائر، بينما كانت الطائرة تتجه إلى الرباط، وتتبع خط سير أعلمت به السلطات الفرنسية مقدما، وبرزت لها فجأة طائرة مطاردة فرنسية دنت منها دنوا خطيرا ثلاث مرات! وفتحت نيرانها مرتين متتاليتين على الطائرة السوفييتية، ثم اعترضت طريقها، إن هذه التصرفات لا يمكن اعتبارها سوى عمل من أعمال القرصنة الدولية ارتكبته قوات فرنسا المسلحة

).

لم تكن عملية القرصنة القذرة ضد الزعماء الجزائريين لتمر كحدث عارض، فقد هب الرأي العام العالمي مستنكرا العملية ودامغا فرنسا بالخزي والعار، وسارت في عواصم ومدن العالم العربي تظاهرات ضخمة تعلن صاخبة احتجاجها الشديد ضد أعمال الخطف والقرصنة التي أصبحت تمتهنها فرنسا بعد إخفاقها في الصمود أمام مجاهدي الجزائر وجها لوجه؛ وسحبت تونس سفيرها من باريس واحتجت الحكومتان التونسية والمغربية - المراكشية - رسميا على عملية الغدر الشنيع، واعتبرت مراكش أن عمل فرنسا موجا ضد سيادتها وكرامتها، وشكلت لجنة دولية من إيطاليا وبلجيكا ولبنان ومراكش وفرنسا للنظر في (شرعية الخطف) غير أن تضامن الدول الاستعمارية أحبط التحقيق.

‌ب - أحمد بن بللا ورفاقه في سجون فرنسا:

ظنت فرنسا أن نجاحها في أعمال القرصنة سيمهد لها السبيل لإخماد جذوة الثورة المتقدة، غير أن أملها قد خاب، إذ لم تعدم الثورة العظمى توافر عدد كبير من القادة القادرين على متابعة العمل الثوري وتطويره. وبينما كان القادة (أحمد بن بللا، ومحمد خيضر،

ص: 118

وأحمد آيت حسين، ومصطفى الأشرف، ومحمد بوضياف) ينقلون الى سجون فرنسا، كانت الثورة تعيد تنظيم صففها لسد الفراغ، وعندما أعلن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (يوم 19 ايلول - سبتمبر - 1958) برئاسة (فرحات عباس)، تم تعيين أحمد بن بللا نائبا أول لرئيس الوزراء؛ وكان ذلك تحديا موجها لفرنسا التي اعتقلته واحتفظت به في سجونها، كما عين أحمد آيت حسين ومحمد خيضر ومحمد بوضياف وزراء دولة. وعندما طلب (ديغول) فتح باب المفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أصدرت هذه بيانا (في 22 تشرين الثاني - نوفمبر - 1959) تضمن تحديد الشروط المناسبة للتفوض، وحدد أن المفاوضات يجب أن تتم مع وفد أحمد بن بللا ورفاقه المسجونين، وبذلك فشلت المحاولة الأولى للتفاوض. وعلى إثر ذلك (صرح متحدث باسم الحكومة الجزائرية المؤقتة بأن فرنسا تعرقل إجراء أية مفاوضات جديدة بين الجانبين الفرنسي والجزائري بسبب تشديدها للقيود التي تفرضها على الزعيم الوطني الجزائري أحمد بن بللا، نائب رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، والذي لا زال معتقلا في فرنسا. وصرحت مصادر مطلعة 1: بأن الوزارة الفرنسية للشؤون الجزائرية، فرضت قيودا على المواعيد التي يسمح فيها للزعيم بن بللا باستخدام الهاتف واستقبال الزوار، وإن حكومة باريس تبحث في نقله إلى مكان آخر)(1). هذا وقد قام الوطنيون الجزائريون والوطنيات الجزائريات بمظاهرات ضخمة في أنحاء

(1) صحيفة (الوحدة الكبرى) دمشق - العدد (883) الأحد - 12 جمادي الأولى - 1381 هـ الموافق 22 تشرين الأول - اكتوبر - 1961 ص 2 و7.

ص: 119

متفرقة من فرنسا احتجاجا على ما يلقاه الجزائريون من اضطهاد في فرنسا، واحتجاجا على الأعمال الوحشية التي تقوم بها السلطات الفرنسية ضد الوطنيين في الجزائر. وعلى الأثر شنت سلطات الشرطة الفرنسية - البوليس - حملة اعتقالات واسعة النطاق في المدن الفرنسية، لكن هذه السلطات لم تلبث أن اضطرت لاطلاق سراح المعتقلين من النساء والاطفال والذين بلغ عددهم (1000) ألف امرأة و (550) وخمسمائة وخمسون طفلا. وقام عدد كبير من سيارات الركاب الكبيرة بنقل هؤلاء النسوة وأطفالهن إلى نقاط قريبة من منازلهن، وقد جاء معظمهن من ضواحي العاصمة، وأعلن مدير الشرطة الفرنسية بأن النساء اللواتي اعتقلن في المدن الإقليمية أثناء تظاهرات يوم 21 تشرين الأول - أكتوبر - أثناء تظاهرات مماثلة قد أطلق سراحهن أيضا. وفي الوقت ذاته، بقي (11) ألف رجل من رجال الشرطة على استعداد في باريس للتدخل ضد المظاهرات التي يحتمل للجزائريين القيام بها في اليوم التالي، بمناسبة مرور خمس سنوات على اعتقال أحمد بن بللا ورفاقه الأربعة.

وفي الواقع، فقد قام أساتذة جامعة (السوربون) وطلابها بمظاهرة يوم السبت 21 تشرين الاول - اكتوبر - 1961؛ احتجاجا على الإجراءات المتخذة ضد الجزائريين، ولا سيما اعتقال النساء الجزائريات وأولادهن - أمس -.

وكان المجاهدون الجزائريون قد وجهوا - في اليوم ذاته - نداء إلى الشعب الفرنسي، دعوه فيه إلى التضامن مع المتظاهرين، ومنع السلطات من تنفيذ حظر التجول العنصري في باريس.

وكانت سلطات الشرطة في باريس قد قيدت تنقلات الجزائريين خلال الليل، وناشد النداء الذي أعده الفرع الفرنسي لجبهة التحرير

ص: 120

الوطني الجزائرية، ونشرته وزارة الاستعلامات في حكومة الجزائر المؤقتة في تونس جميع الفرنسيين أن يتضامنوا في المصانع

والجامعات، وفي كل مكان مع الجزائريين الذين يعملون في فرنسا. وطلب البيان منهم أن يدافعوا في الشارع وفي الخطوط الحديدية التي تسير تحت الأرض (المترو) وفي المباني والأماكن العامة عن جميع الجزائريين الذين يقعون فريسة التدابير الجائرة للشرطة. وناشدهم النداء كذلك مطالبة الحكومة الفرنسية بإلغاء جميع الإجراءات التي تؤثر في المهاجرين الجزائريين، والمطالبة باستئناف المفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وقال النداء إن التدابير المطبقة في باريس قد بلغت في الفظاعة ما بلغته تلك التي اتخذت في وقت من الأوقات ضد اليهود. هذا وقد ذكر بأن ثلاث قنابل بلاستيكية قد انفجرت في فرنسا في ساعة مبكرة من صباح يوم الأحد 22/ 10/ 1961 فارتفع بذلك عدد القنابل التي فجرت إلى (12) قنبلة، وقد لوحظ أن هذه القنابل قد وضعت من قبل أفراد الجيش السري الفرنسي لإرهاب المتعاونين مع الجزائريين

والمتعاطفين معهم. وقد أعلنت الشرطة الفرنسية في وقت متأخر أنها مددت ساعات منع التجول التي كانت ترفع الساعة الخامسة صباحا إلى الساعة السابعة صباحا، ومنعت التجمعات والمباريات التي تحضرها عادة جموع غفيرة يوم الأحد، تحسبا للطوارىء.

استمرت فرنسا في متابعة ضغطها على الزعماء المعتقلين (بن بللا) ورفاقه، فقرر هؤلاء الإضراب عن الطعام، وأثار ذلك موجة جديدة من السخط، لا سيما وأن العالم بات يتوقع انفراجا في طريق المفاوضات الجزائرية - الفرنسية بعد تدهور الموقف الفرنسي عسكريا وسياسيا، داخليا وخارجيا، وبذلت جهود لإقناع الزعماء

ص: 121

الجزائريين بالتوقف عن الإضراب. وفي يوم الثلاثاء 21/ 11/ 1961 (1)(أعلن محمد يزيد وزير الأنباء في الحكومة الجزائرية المؤقتة - من تونس - بأن بن بللا ورفاقه قد توقفوا عن إضرابهم عن الطعام، كما أعلن إلى أن وقف هذا الإضراب يعود إلى نتائج المفاوضات التي اشترك فيها الوزراء الجزائريون المعتقلون. وقال إن نتيجة تلك المفاوضات هي نصر كبير للشعب الجزائري ولأبطال جبهة التحرير الوطني الجزائري المعتقلين في فرنسا وعلى رأسهم الوزراء الخمسة، والحكومة الجزائرية تحيي هؤلاء الذين أجبروا، بعد إضراب عن الطعام استمر عشرين يوما، القوى التي تعارض السلام في الجزائر على التراجع. وكان الزعماء الجزائريون قد قبلوا بإنهاء الإضراب بعد أن تم الاتفاق على أن ينقلوا إلى دار نقاهة خاصة حيث يشرف عليهم أطباء مغاربة، ويتمتعون بمزيد من الحرية، ويحق لمندوب مغربي الاتصال بهم ساعة يشاء. هذا وقد صرح الدكتور - عبد الكريم الخطيب - وزير الدولة المغربي للشؤون الأفريقية بأنه يتوقع أن تطلق السلطات الفرنسية صراح أحمد بن بللا في مطلع - شهر كانون الأول - ديسمبر - 1961).

انتهت الأزمة أخيرا، وخرج الشعب الجزائري منتصرا، وأجري الاستفتاء في الأول من تموز - يوليو - 1962، وأعلن استقلال الجزائر. ودخل أعضاء الحكومة المؤقة الجزائر يوم 3/ 7/ 1962؛ ودخل (أحمد بن بللا) الجزائر يوم 4 ايلول -

سبتمبر. 1962، وأجريت الاتتخابات للمجلس التأسيسي،

(1) صحيفة (النداء البيروتية. العدد (865) الأربعاء 22/ 10/ 1961 الموافق 13 جمادى الثاني - 1381 هـ.

ص: 122