المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ على المسرح الدولي - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٤

[بسام العسلي]

الفصل: ‌ على المسرح الدولي

2 -

‌ على المسرح الدولي

كانت سنة 1957 هي سنة الجزائر في الأمم المتحدة، فقد عرضت (قضية الجزائر) مرتين على الأمم المتحدة في الدورتين الحادية عشرة والثانية عشرة، واستمر طرح القضية بعد ذلك في كل دورة من دورات هيئة الأمم المتحدة، وكان عدد أنصار الجزائر يتزايد في كل مرة، في حين كان موقف فرنسا يتزايد حرجا، الأمر الذي أرغم حلفاء فرنسا في النهاية إلى التخلي عنها، وكان للعزلة الدولية التي نزلت بفرنسا دورها في التأثير على السياسة الفرنسية التي وجدت نفسها مضطرة لإعادة تقويم مواقفها. وقد لا يتسع المجال هنا لعرض مراحل الصراع السياسي للجزائر على المستوى الدولي، وعلى هذا فقد يكون من المناسب البدء بالقرار (1573) الذي أصدرته الأمم المتحدة يوم 19/ 12 / 1960 (الدورة الحادية عشرة) والذي تضمن ما يلي:

أولا: إن الجمعية العامة قد أحيطت علما بأن الفريقين قد وافقا على حق تقرير المصير، كأساس لحل القضية الجزائرية.

ثانيا إن الجمعية العامة (قد اعترفت بحق الشعب الجزائري بتقرير المصير والاستقلال).

ثالثا: إن الجمعية العامة (قد أكدت الحاجة القصوى لوضع

ص: 133

الضمانات الفعلية المناسبة التي تكفل تطبيق مبدأ تقرير المصير بنجاح وعدالة، على أساس الاعتراف بالوحدة والسلامة الإقليمية للجزائر).

رابعا: إن الجمعية العامة (تعترف بأن على الأمم المتحدة مسؤولية المساهمة في تنفيذ حق الشعب الجزائري بكل نجاح وعدالة).

وعلى هذا الأساس - بدأت مباحثات - إيفيان -.

أخذت الحكومة المؤقتة للجمهور ية الجزائرية المبادأة - كعادتها - من أجل تنفيذ قرار هيئة الأمم المتحدة، ولما يمضي على صدور هذا القرار أكثر من أربعة عشر يوما، وأعلنت عن استعدادها للدخول في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية، على أساس تقرير المصير والاستقلال. وفي الواقع، فقد كانت الحكومة الجزائرية هي التي تقترح دائما المفاوضات مع الحكومة الفرنسية لإجراء تسوية سلمية، وحتى حين كانت الحرب الجزائرية على أشدها تنزل الضربات القاصمة بالقوات الفرنسية، لم تتردد جبهة التحرير الوطني الجزائرية، المرة بعد المرة في الدعوة إلى المفاوضات، ففي آذار (مارس) ونيسان (أبريل) وآب (أغسطس) وتشرين الأول (أكتوبر) من العام 1956، بذل الزعماء الجزائريون جهودهم لاقناع فرنسا بالموافقة على مبدأ المفاوضات، وجدد الزعماء جهودهم في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)(1957)، ثم تابع الزعماء الجزائريون محاولاتهم في أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) من العام التالي (1958). وقد بادرت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بعد إنشائها (وفي العام 1959) بأربع محاولات للمفاوضات (في حزيران - يونيو، وأيلول -

ص: 134

سبتمبر، وتشرين الأول - اكتوبر، وتشرين الثاني - نوفمبر). وقد تم اجتماع (ميلون) في العام (1960) بمبادرة من الزعماء الجزائريين، وكان الوزراء الجزائريون في هيئة الأمم المتحدة يسعون سعيا حثيثا مع وفود الدول الأعضاء في المنظمة الدولية حتى تكون قرارات هيئة الأمم المتحدة متضمنة لمبدأ المفاوضات، ومقابل ذلك، كان موقف فرنسا متناقضا ومتباينا، ففي بعض الأوقات كانت فرنسا ترفض المفاوضات رفضا قاطعا، وفي مرات أخرى كانت فرنسا ترفض استخدام لفظ المفاوضات، وأخيرا فإن الصائغين البارعين في الأمم المتحدة، وهم ينبشون القواميس الدبلوماسية، عثروا على تعبير فرنسي يقابل كلمة المحادثات (1) وذلك لإرضاء المشاعر الفرنسية الحساسة

وهذا ما دعا الجمعية العامة أن تستخدم هذا التعبير الفرنسي في قرار هيئة الأمم المتحدة ولم يكن سرا طوال سنوات الصراع، كانت تنهال على هيئة الأمم المتحدة النداءات والمناشدات حتى يأخذ الأعضاء بعين الاعتبار مصالح فرنسا، مع تمجيد عظمتها وإشباع غرورها، والمبالغة في الثناء عليها ومراعات عاطفتها الحساسة ورقة مشاعرها

وكثيرا ما كان أعضاء هيئة الأمم المتحدة يستجيبون لهذه النداءات.

لم يقتصر الشعب الجزائري على المطالبة بالمفاوضات، بل إن حق تقرير المصير للشعب الجزائري، كما أعلنه الرئيس ديغول في بيان 16 أيلول - سبتمبر - 1959 وقبلته الحكومة الجزائرية في 28

(1) المحادثات POURPARLER وقد اصرت عليه فرنسا بدلا من لفظ المفاوضات:

NEGOTIATION . والمرجع: قصة الثورة الجزائرية (أحمد الشقيري) دار العودة - بيروت ص 129 - 159.

ص: 135

أيلول - سبتمبر - 1959 كان مطلبا جزائريا على الدوام. لقد كان حق تقرير المصير هو (كلمة السر) في الحرب الجزائرية، و (الشعار القومي) للشعب الجزائري، ولولا الحساسة الفرنسية لوجب على هيئة الأمم المتحدة حين الإشارة في قراراتها إلى (المفاوضات وحق تقرير المصير) أن توجه نداءها الى فرنسا، والى فرنسا وحدها. فلقد كانت الجزائر تقف دائما، إلى جانب مبدأ المفاوضات، لتجري بصورة أمينة صادقة، والى جانب تقرير المصير يطبق بكل جد وعدالة، ولكن فرنسا هي التي كانت تتخلف مرة، وتنتحل الأعذار مرة أخرى. ولم يكن موقف الجزائر ناجما عن ضعف، فقد كانت تتابع الحرب باستمرار، وتطور استعدادها، وهي تعلن في الوقت ذاته استعدادها للسلام، وكان المجاهدون يحرزون النصر تلو النصر في ميادين الصراع المسلح، في حين كانوا يرفعون في اليد الأخرى غصن الزيتون، وكان ذلك سر قوتهم. ومن أجل ذلك، كان جليا للعيان، أنه حينما أعلنت الحكومة الجزائرية في كانون الثاني - يناير - 1961، أنها على استعداد لأن تقبل بصورة رسمية الدخول في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية، استجابة لقرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، إنما فعلت ذلك رغبة منها في السلام، وفي الحرية التي تستهدف السلام، ولقد أخذت الحكومة الجزائرية زمام المبادرة، وأدى ذلك الى (مؤتمر إيفيان) الذي عقد في أيار - مايو - 1961. وكان سرور المحافل الدولية كبيرا إذ اعتقدت أن فرنسا قد تخلت في النهاية عن أسطورة (الجزائر الفرنسية)، غير أن هذا السرور ما لبث أن تحول إلى إحباط عندما فشلت المفاوضات بسبب عودة فرنسا إلى عنادها القديم في موضوع (الصحراء ووحدة التراب الجزائري) وكان حريا بالجنرال (ديغول) الذى ارتبط

ص: 136

اسمه (بشمال أفريقيا) أن يكون أكثر معرفة بالتاريخ والجغرافيا، إن وحدة الجزائر حتمية - كالقدر - وإن سلامتها الإقليمية، بشواطئها وجبالها وصحرائها، حاسمة قاطعة، لا تقبل النقاش أو الجدل، وقد رفضت الجزائر أن تطرح هذه الأمور على مائدة المفاوضات حتى لو أدى ذلك الى أن تصبح الحرب الجزائرية - الفرنسية (حرب المائة عام)(1).

المهم في الأمر، هو أن المفاوضات قد أظهرت بوضوح تام موقف الطرفين (الجزائري والفرنسي) من المفاوضات، ولقد أصدرت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، في عشية (مؤتمر إيفيان) أي في يوم (19 - أيار - مايو - 1961) بيانا سياسيا من مقرها في تونس تضمن ما يلي: (ستبدأ المفاوضات في - إيفيان - غدا بين الحكومة الفرنسية والحكومة الجزائرية، وسيحضر وفدنا هذا المؤتمر برغبة أكيدة للوصول إلى حل حاسم للمشكلة التي نشأت منذ - 130 - عاما، وعلى أمل الوصول الى نهاية للحرب، وقد بات السلام ممكنا إذا ما توفرت الضمانات التي لا بد منها.

إن هدف الاجتماع في (إيفيان) يجب أن يكون تحرير الجزائر تحريرا حقيقيا كاملا، وإن معنى هذا، هو أن الشعب الجزائري يجب أن يجد نفسه متحررا من العبودية، بعد أن أخضع طوال مائة وثلاثين عاما للقانون الفرنسي، قانون الأقوى، وقد قاتل الجزائريون من أجل استقلالهم منذ أن حملوا السلاح في الفاتح من نوفمبر - تشرين الثاني - 1954، وحتى يومنا هذا، ولقد استشهد

(1) حرب المائة عام، هي الحرب الفرنسية - الإنكليزية التي استمرت من سنة 1337 حتى 1453.

ص: 137

من استشهد في سبيل هذا الاستقلال، ولم تبخل الجزائر لتحقيق هذه الغاية بالأرواح والأموال، وقد أصبح عسيرا أن نحصي عدد شهداءنا. وإن كفاح جيش التحرير الجزائري الذي لا يقهر، هو الذي جعل مفاوضات الغد ممكنة، وإن هذه المفاوضات يجب ان تيسر لشعبنا أن يمارس سيادته ممارسة حقيقية، وأن يحقق استقلاله.

إن سياسة الجزائر الخارجية، تهدف إلى إقامة علاقات مثمرة وثابتة مع جميع الشعوب، وبطبيعة الحال مع الشعب الفرنسي، وإن الجزائر قد أغنتها تجارب حرب السبع سنوات، لترغب أن تساهم في بناء السلم العالمي، وأن الجزائر المستقلة مستعدة أن تمد يدها إلى فرنسا، وهي مستعدة كذلك أن تحترم المصالح الإفرنسية التي لا تتعارض مع المصالح الجزائرية. وإنه من طبيعة الأشياء، أن الشعب الجزائري، متحررا من قيود العبودية، ستكون له أحسن العلاقات بالشعب الفرنسي، وسرعان ما تنتهي الحرب، ويتحقق الاستقلال، فإن العلاقات العادية بين الشعبين ليست ممكنة فحسب، ولكنها مرغوب فيها

وسيكون أمام شعبينا مجال واسع للتعاون الحر. أما بشأن الأقلية الأوروبية، فإننا نأمل أن تفهم هذه الأقلية في الجزائر أننا على أبواب عهد جديد، وأنه ليس لهم ما ينفعهم من ارتباطهم بالاستعمار، وسيكون في الجزائر مكانة مرموقة لكل جزائري، ونحن نتطلع إلى مستقبل مفعم بأمل السلام والتقدم للجزائر. وإذا كانت فرنسا مستعدة بإخلاص أن تقلب صفحة الماضي الاستعماري، بصورة نهائية قاطعة، فنحن مستعدون من جانبنا أن نضمد جراحنا ونتغلب على مشاعر المرارة في نفوسنا).

لقد بدأت مفاوضات (إيفيان) من غير جدول أعمال متفق

ص: 138

عليه، ولكن الحكومة الجزائرية لم تشأ أن تعلق أهمية على هذا الموضوع البالغ الأهمية، وتجاوزت كل الجوانب الغامضة التي أحاطت بالمؤتمر وموضوعاته منذ البداية، والتي لم يكن أقلها البلاع الرسمي، المبهم والغامض، والذي أصدرته الحكومة الفرنسية يوم (30 آذار - مارس - 1961) وتضمن (بأن المفاوضات ستدور حول تقرير المصير والأمور المتصلة به). ولم تشأ الحكومة الجزائرية أن تلفت النظر إلى هذه الصيغة المغلفة بالغموض، وارتأت أن تسير في هذه الرحلة الى نهايتها، رغما عن الألغام التي كانت فرنسا قد زرعتها في الطريق منذ بدايتها. وبهذه الروح البناءة الخيرة، اتجه وفد الحكومة الجزائرية إلى (إيفيان) ممثلا لوزارات الخارجية والمالية والتنمية الاقتصادية والإعلام وجيش التحرير الوطني، وكان الوفد مخولا ببحث جميع القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية ومفوضا أن يدخل في مفاوضات حرة مع فرنسا، من غير شروط مسبقة، إلا ما نص عليه قرار هيئة الأمم المتحدة:(تقرير المصير على أساس وحدة الشعب الجزائري، وسلامة الوطن الجزائري).

بدأ الوفد الجزائري محادثاته في (إيفيان) بإلقاء بيانه الذي تضمن فيما تضمنه ما يلي: (إن الموضوع الذي يواجهنا في هذه الدقيقة هو استئصال الاستعمار من جذوره، وإن هاتين الكلمتين - استئصال الاستعمار - على إيجازهما تحددان المشكلة وتحددان الحل. إن القضية الجزائرية هي قضية استعمار، ولذلك فإن حلها، شأنها شأن جميع القضايا الاستعمارية هو باستئصال الاستعمار، وليس هذا ما يفرضه المنطق البسيط فحسب، بل إن هذه هي روح العصر، بل هي روح اليوم الذي نعيشه

ان تقرير المصير يجب

ص: 139

أن يمارسه الشعب الجزائري في معزل عن أية شروط، وإن استقلال الجزائر ليس معناه العداء للأجنبي، وليس له أن يؤدي الى الكراهية. نحن نفهم الاستقلال في إطار العلاقات النافعة من شعبين متحررين، وإن هذه العلاقات يمكن تنميتها، ويمكن أن تنفع الشعب الفرنسي والشعب الجزائري).

عقد مؤتمر (إيفيان يوم 20 أيار - مايو - 1961، ولم تمض أكثر من أربعين دقيقة على بدء الجلسة الافتتاحية، وبينما كان الوفد الفرنسي يلقي بيانه، أعلنت الحكومة الفرنسية عن (هدنة في الجزائر). وكانت هذه الخطوة من جانب فرنسا مدعاة الى التقدير في ظاهر الأمر، فوق أنها تدل على (التقى والورع). ولكن لم تنقض لحظات بعد ذلك حتى أدرك الرأي العام العالمي حقائق الموقف، وسقطت الأقنعة والستائر عن المحاولة الفرنسية؛ فقد انكشف أولا أن هذه الهدنة هي هدنة فرنسية جاءت من طرف واحد حتى أن الحكومة الجزائرية لم تبلغ بها، وتتطلب الهدنة الحقيقية على ما هو معروف اتفاقا مسبقا يتم الوصول اليه بالتفاوض بين الطرفين المتحاربين، فإذا أعلنها طرف واحد فإنما هي (خدعة) لا (هدنة)، ولا تكون إلا تكتيكا مفضوحا، خاليا من روح التكتيك

لقد ظنت فرنسا انها بهذه الخطوة تستطيع ان تأسر خيال رجل الشارع في فرنسا، وتربح الرأي العام العالمي، وتحرج الحكومة الجزائرية، ولكن فرنسا قد أخفقت في تحقيق هذه الأهداف الثلاثة، فلقد خاب ظن المواطن الفرنسي في حكومته (الكذابة) وسخر الرأي العام العالمي من عقلية القرصنة الفرنسية، وكان

ص: 140

الشعب الجزائرية أكثر هزءا بهذه (اللعبة المكشوفة) التي لم تلبث أن فضحتها التعليمات الخاصة التي وجهها الحاكم العام الفرنسي في الجزائر: (والتي خولت الجيش الحرية الكاملة للقيام بعمليات هجوم شاملة، حيثما كان، وبقدر ما تسمح الظروف). أما بالنسبة لموقف الحكومة الجزائرية من (الهدنة)، فإنها بوغتت بهذا الاجراء، غير أنها لم تصب بالنهول، فقد تمرست بأساليب اللعب الاستعمارية؛ ولهذا فقد اعتبرت أن (الهدنة الفرنسية) هي (ضربة تسلل) سارعت بالرد عليها، فأصدرت من مقرها بتونس يوم (21 - أيار - مايو - 1961) بيانا جاء فيه:(إنها لا تعلم شيئا عن الهدنة الفرنسية) وبذلك لم يتيسر للخدعة أن تخدع أحدا. وفيما يتعلق بجوهر المفاوضات في (إيفيان) فقد كان موقف الحكومة الفرنسية أسوأ من (حكاية الهدنة)؛ فقد قدم الوفد الفرنسي يوم (8 حزيران - يونيو - 1961) خطة لما أسماه (إزالة الاستعمار) وهي تتضمن بنودا من شأنها (تطوير الاستعمار) ومن أبرز نقاطها:

أ - دعم (الوجود الأوروبي) بضمانات كيانية ودستورية، بما فيها حق التمثيل في (البرلمان الفرنسي) لهذه الجماعة الأوروبية، وحقها في كيان منفصل. وبهذا فإن الخطة الفرنسية تقيم في داخل (الدولة الجزائرية) دويلة أوروبية، أوروبيه دائما، ومفضلة متميزة باستمرار.

ب - اعادة إثارة الأسطورة القديمة (الصحراء الفرنسية) والمطالبة بفصلها عن الجزائر.

ج - المطالبة بإنشاء مناطق عسكرية داخل الدولة الجزائرية تكون تابعة لفرنسا، وليست هذه قواعد حربية، وإنما هي مناطق شاسعة بكاملها، مخصصة لأغراض عسكرية، ويكون لفرنسا عليها السيادة

ص: 141

الكاملة. وبهذا يكون لفرنسا دويلات عسكرية موزعة في كل مكان فوق التراب الجزائري، وداخل كيان الدولة الجزائرية.

د - الدعوة لإنشاء نظام خاص في مدن معينة، يعاد فيها تجميع الأوروبيين، على نحو ما كانت عليه دويلات المدن في عالم اليونان القديمة.

لقد كانت الخطة الفرنسية خطة متكاملة هدفها تدمير مبدأ (تقرير المصير) و (تجزئة الوطن الجزائري) و (القضاء على وحدة الشعب الجزائري)، وفوق هذا وذاك، فإنها تصنع من الجزائر مزيجا غريبا وشاذا من الأنظمة والكيانات: الدولة الأوروبية دولة المدن، دولة الصحراء، وأخيرا دولة الجزائر. وعلى الرغم مما تتضمنه هذه الخطة من (فضائح مخزية) و (عيوب فاضحة) فقد مضى الوفد الجزائري في المفاوضات، مفندا المزاعم الفرنسية التي بنيت عليها الخطة، ومعارضا المقولات الفرنسية ومجادلا بصبر نافذ، وحماسة دافئة، ولكن جميع الحجج لم تقنع الوفد الفرنسي بضرورة الالتزام بمادىء (هيئة الأمم المتحدة وميثاقها). وفجأة، وبعد ثلاثة أسابيع من المفاوضات، قرر الوفد الفرنسي إيقاف أعمال المؤتمر، بدون إبداء الأسباب الداعية لذلك، وكان هذا الموقف من جانب فرنسا، بغير علم الوفد الجزائري أو موافقته، يشابه تماما موقف فرنسا من (حكاية الهدنة) في بداية أعمال المؤتمر. واعتصم الوفد الجزائري - كعادته - بالصبر وبعد النظر، (فأعرب عن استعداده لاستئناف المفاوضات حينما يحلو للفريق الفرنسي العودة لممارسة لعبة المفاوضات). وبدلا من أن تنصرف فرنسا إلى دراسة الموقف من جديد، فقد عملت على إلقاء مسؤولية الفشل على عاتق الوفد الجزائري، وألقى الوزير الفرنسي لشؤون الجزائر - مسيو لويس

ص: 142

جوكس - بيانا في الإذاعة والتلفزيون جاء فيه ما يلي: (

نحن لم نتمكن من معرفة موقف جبهة التحرير الوطني الجزائرية بصدد أي موضوع من المواصيع المطروحة على المؤتمر، حتى أننا وجدنا أنفسنا نلام للقرار الذي اتخذناه بشأن وقف الأعمال الحربية، ذلك القرار الذي أعتبر مناورة عسكرية

وفي المواضيع الأخرى، كان ممثلو جبهة التحرير الوطني الجزائرية يقيدون أنفسهم بأمور نظرية مجردة، أو يلتزمون الصمت، أو أنهم يعربون عن نوايا طيبة، سرعان ما نجدها تطير في الهواء حينما نحاول أن نمسك بها).

لم تكن هناك حاجة لدحض المزاعم التي طرحها - الوزير الفرنسي - ذلك ان الوفد الجزائري كان قد قدم بيانا رسميا الى

(مؤتمر إيفيان) في يوم (10 حزيران - يونيو - 1961) مرفقا بمذكرة تضمنت ما يلي: (إن الخطة الجزائرية قد أخذت باعتبارها جميع الحقائق، وجميع العوامل الإنسانية والنفسية في نطاق خطة صادقة لإزالة الاستعمار والتعاون المثمر).

ولقد ركز البيان الجزائري على مجموعة النقاط التي أثارها الوفد الفرنسي، وأبرزها:

1 -

الموقف من قضية الصحراء.

2 -

الموقف من الأقليات الأوروبية.

3 -

الموقف من محاولات (تقسيم الجزائر).

وتميز البيان الجزائري بالوضوح التام، والصراحة المطلقة، لا لبس ولا غموض، ولا مناورات خداعية، ولم يكن باستطاعة الوفد الفرنسي إغماض عينيه أمام وهج شمس الحق الساطعة، فلم يكن أمامه إلا الفرار من (حلبة المفاوضات) وهذا ما فعله. وعرف العالم كله، موقف الطرفين المتصارعين على حلبة (الصراع السياسي)،

ص: 143