الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الافرنسية، وكان قد تم إعداداهما من قبل، وكان النص الأول موجها باسم (جبهة التحرير الوطني) إلى الشعب الجزائري. وهو يحدد بوضوح الأهداف السياسية للثورة؛ اما النص الثاني فكان موجها باسم (جيش التحرير الوطني) وقد حملت الورقتان علم الجزائر:(الابيض والأخضر والهلال والنجمة في الوسط باللون الأحمر). وكانت هذه هي المرة الاولى التي يتم فيها الإعلان عن وجود الحركة الثورية.
ب - الله أكبر - خالد - عقبة
.
(
…
جلس المؤتمرون بصمت، وهم يستمعون إلى - بيانات الثورة - تتلى عليهم، ولم ينبس (لغرور) ببنت شفة، وإنما راح غارقا في تفكير عميق، في حين كانت دموع .. أوغاد (تنساب على وجنتيه، أما (بن عباس) نقد كان يردد بلا انقطاع: الله أكبر! لقد أقبل أخيرا فجر اليوم العظيم. وخرج (لغرور) عن صمته ليقول بلهجة هادئة لقد حدد يوم (ي) بصورة نهائية، ليكون ليل 31 تشرين الأول - اكتوبر - المصادف لليلة يوم الأحد، وليبدأ العمل في الساعة الواحدة من صباح الاثنين الفاتح من تشرين الثاني - نوفمبر -. وسيقوم الثوار بهجماتهم في وقت واحد، وفي كل أنحاء الجزائر. وستكون كلمة السر للعمليات في هذه الليلة هي (خالد) أما كلمة الإجابة فهي (عقبة) ، وطلب (لغرور) من المؤتمرين الاحتفاظ بموعد يوم الهجوم وساعته. وعدم إعطائه للمجاهدين المنفذين قبل يوم الأحد. ثم بدأ القادة المؤتمرون ببحث الاستعدادات الأخيرة قبل البدء بالهجوم.
تم بعد ذلك توزيع الأعمال على القادة، فكانت واجباتهم كالتالي:
1 -
(لغرور) وواجبه تنسيق التعاون بين مختلف زمر الهجوم، والاتصال مع (مصطفى بن بوالعيد) لنقل الأسلحة وتلقي التعليمات الأخيرة.
2 -
(أوغاد) وواجبه جمع الزمر في (عين سيلين) وتنظيمها، مساء السبت 54/ 10/30 هو حتى 31/ 10/1954 (وتقع عين سيلين بدورها على بعد خمسة كيلو مترات من خنشلة).
3 -
(بن عباس) وواجبه الإشراف العام، والاتصال بالمجاهدين بصورة إفرادية لإعلامهم بالموقف وتكليفهم بواجباتهم، حيث كان لزاما على كل واحد من هؤلاء التوجه بوسائله الخاصة الى المكان المحدد للاجتماع.
4 -
(سليم بو بكر) وواجبه نقل بقية الأسلحة التي ستستخدم في الهجوم، والتي كانت مخزونة في منزله، وتضم بعض قطع الأسلحة والذخائر، وقنابل كوكتيل مولوتوف وقنابل حارقة ومواد طبية وألبسة وأطعمة (1).
(1) تم توزيع الزمر على الأهداف بإشراف هؤلاء المسؤولين الأربعة عن القيادة، فجاء التنظيم للعمل كالتالي:
1 -
زمرة الإغارة على مركز الشرطة: وهي برئاسة (غزالي بن عباس) و (معاونه (صلاح أوغاد) ومعهما عبد الكريم بنكوت وشعبان لغرور والشامي لارغات، وراشد لحمين، وحمودي عقابا.
2 -
زمرة الهجوم على المجمع المشترك: برئاسة (عباس لغرور) وتضم محمد شامي، وعبد القادر بورماده وقدور بورماده، ومحمد سمور، وإبراهيم بوعطيل، ومحمد ليموشي. =
انصرفت كل زمرة من الزمر، بعد التوزيع وتحديد الأهداف، لمعاودة دراسة مهمتها مرات متتالية مع إجراء استطلاع دقيق للأهداف، ومحاور الاقتراب منها والوصول اليها. وكان مركز الشرطة هو أفضل مركز تمت دراسته، وكذلك المجمع المشترك -كومرن ميكست - إذ كانت محاور الوصول إليهما سهلة بالنسبة للمنفذين الذين أتيحت لهم فرصة استطلاع الأهداف مرات عديدة قبل بدء الهجوم. وقد اشترك (لغرور) في كافة الاستعدادات. ونسق التعاون بين كافة الزمر بصورة دقيقة. ثم طلب الى (سليم بو بكر) عدم الاشتراك في الهجوم على (خنشلة) تنفيذا لأوامر (مصطفى بن بو العيد). التي نصت على إعفائه من مهمة قيادة زمرة من الفدائيين كان من المقرر لها الهجوم على المجمع المشترك - كومون ميكست - حيث يقيم المزارع الأوروبي الوحيد في منطقة الأوراس. وأمام هذا التعديل، تولى (لغرور) قيادة زمرة (سليم بو بكر) للاغارة على المجمع المشترك. وتم تعيين (عمور سعدي) ليحل محل لغرور في قيادة الهجوم على المعسكر. ثم حددت مهمة (سليم بو بكر) لتكون
=
3 -
زمرة الإغارة على مركز الدرك: برئاسة (على خشرور، وتضم علي غرياني، وربيع الأعور، ومحمد شاكر، وعمار حمام، وكامل مخلوفي، وعلي حفتاري.
4 -
زمرة الهجوم على الثكنة العسكرية: برئاسة (عمور سعدي)، وتضم مسعد ناصر صوفي، وعبد الحميد زيروالي، والحسين مارير، وادجال، وفرحات عريف، وحسين عريف، وعمر زايدي، وسليمان زايدي، ورمضان بن زيدان، وعبد الرحمن نواصرية، ومحمد بوهلالا، وصلاح حفتري، وأحمد زايدي.
5 -
زمرة قطع الأسلاك الهاتفية، وتدمير مركز التحويل الكهربائي، وتتكون من: إبراهيم عثماني الملقب بالتيجاني، يعاونه كيلاني لارغات.
على النحو التالي: (البقاء في القاعدة الخلفية مع اثنين من الأخوة المجاهدين. بمهمة اتخاذ الاجراءات الضرورية لمتابعة تنفيذ العمل في حال تعرض جميع الذين يقومون بالهجوم على (خنشلة) للقتل. وعليه الاحتفاظ بكافة الوثائق والوسائط المادية من أجل إكمال المهمة. وبعد ذلك، يتوجه من بقي على قيد الحياة الى (دوار يابوس) وهو الذي كان يحمل اسم - لهريج - حيث تلتقي كافة زمر المجاهدين العاملين في خنشلة - وتكون هذه النقطة أول نقطة تجمع - ازدلاق - قبل الانسحاب للقواعد الخلفية).
كان من المقرر دعم زمر التنفيذ في الهجوم على خنشلة، بعشرين رجلا مسلحا من (دواريابوس) ممن كان بعضهم قد انضم لتنظيم الثوار منذ وقت طويل، وكان يجب أن يتولى قيادة هؤلاء (مسعود معاشي) وهو ثائر قديم ومن رفاق (غرين بلقاسم)، بالإضافة إلى (موسى الرضى) - الذي لم يلتحق أبدا بالثورة -. ولهذا السبب نقص عدد المنفذين من ستين رجلا الى أربعين رجلا. ومقابل ذلك، تلقى المجاهدون في خنشلة بعض الدعم في الأسبوعين الأخيرين اللذين سبقا اندلاع الثورة، وذلك بانضمام بعض المقاتلين إليهم (الزمرة الثانية من كتيبة المدفعية الرابعة). غير أن ذلك حذر الإفرنسيين الذين اتخذوا إجراءات أمن جديدة: مثل إقامة الحواجز من قبل رجال الدرك - الجندرمة - وتفتيش العربات والمركبات بدقة، والتأكد من هوية السافرين على الطرقات.
أصدرت قيادة الثورة تعليماتها الأخيرة، وطلبت الى (لغرور) الاتصال مع (بن بولعيد) في الأوراس، للحصول على أسلحة
إضافية، إذ كانت الأسلحة المتوافرة للمهاجرين في خنشلة غير كافية للقيام بهجوم واسع النطاق. وفي يوم الأحد، 31 تشرين الأول - أكتوبر - كان على (سليم بو بكر) نقل الأسلحة والذخائر المخزونة في منزله، وإخراجها إلى ظاهر المدينة. وتصادف في هذا اليوم حدوث مباراة بكرة القدم بين فريق من (قسنطينة) وفريق محلي من (خنشلة) وكانت السلطات الإفرنسية على حذر، فدعمت جهاز الشرطة في الملعب. غير أن سليم بو بكر، وجد في ذلك فرصة مناسبة لتنفيذ المهمة، والوصول بالأسلحة إلى (النبع الدافىء) وهو المكان المحدد للالتقاء مع المنفذين المجاهدين (على بعد 7 كيلومترات من خنشلة) وأمكن تنفيذ هذه المهمة بنجاح، وبعد ذلك، تركزت مراقبة الثوار على ما كان يحدث في المدينة. لقد انتهت المباراة الكبرى بكرة القدم، والتي أثارت في المدينة صخبا كثيرا. وانصرف الناس بعدها إلى المقاهي - كعادتهم - وكان الوضع في الساعة 2130 طبيعيا جدا. لقد سارت الأمور - حتى الآن - على خير ما يرام. وها هم رجال الشرطة والدرك من الافرنسيين يتجولون كعادتهم، وقد ارتدت المدينة ثياب العيد - عيد حميع القدسيين -. وليس هناك من يشعر بوجود هؤلاء الذين يراقبون بيقظة كل ما يجري في المدينة. ثم غادرت زمرة المراقبين خنشلة متجهة الى ما وراء الحديقة العامة، حيث كان (بن عباس) يحفر الأرض ليدفن فيها أنبوبا معدنيا يحمل لغما متفجرا - حشوه مستطيلة - كان قد أحضره معه لاستخدامه في تدمير الباب المعدني للمحول الكهربائي. ووصلت زمرة المراقبين بعد ذلك مباشرة الى الغابة الواقعة على بعد خمسة كيلو مترات من المدينة ،
وهنا أوقفهم رجل مسلح كان يرتدي ثيابه العسكرية، وصرخ فيهم (خالد) وأجابه رئيس زمرة المراقبة (عقبة) لقد كانت كلمة (خالد - عقبة) تتردد الآن في كل أنحاء الجزائر. فتعمل عمل السحر في نفوس المجاهدين وتضمن تعارف بعضهم على بعض.
وصلت زمرة المراقبين إلى مكان الاجتماع، في الوقت المحدد بدقة، وشاركت المنفذين استعداداتهم حيث كان بعضهم على وشك ارتداء الثياب العسكرية، في حين كان آخرون يختبرون أسلحتهم للمرة الأخيرة. وكانوا جميعا يتيهون فخارا بما يفعلون. وبعد ذلك تجمع المنفذون كلهم، ومعهم أسلحتهم ووسائطهم القتالية. ووصل (لغرور) في الساعة 2240 وهو يحمل سلاحه، ويرتدي ثياب الميدان. وانتظر الجميع وصول العشرين - أوراس - الذين كان يجب التحاقهم، وانطلق المجاهدون للبحث عنهم في الغابة كلها، مستخدمين في بحثهم الشارات الضوئية يطلقونها من مصابيحهم اليدوية، غير أن جهود البحث ضاعت سدى، ولم يظهر أي أثر للأوراسيين. ووقف (لغرور) عندها ليقول لرجاله:
(إخوتي المجاهدين الأعزاء!
ها نحن قد أدركنا يوم الثورا العظيم الذي يجب أن يقود الجزائر إلى الاستقلال، إن علينا القيام بالهجوم على الأهداف كلها، وذلك على الرغم من عدم وصول الأسلحة التي كان من المفروض لها أن تصلنا مع زمرة العشرين رجلا من دوار يابوس.
وعلى كل واحد منا بذل قصارى جهده لضمان النجاح على أفضل صورة ممكنة. إنني أعرف بأننا سنجابه العدو وأيدينا فارغة عمليا. وليس لدينا إلا الإيمان الذي يعمر قلوبنا. غير أن ما نعتمد عليه في هذه الليلة التاريخية هو إشعال الفتيل المفجر للثورة. وإنني على ثقة تامة بأن الشعب الجزائري بكامله، سيتبع مسيرتنا على هذا الدرب. ويحمل كل فرد منا في شخصه الآن، وفي هذه اللحظة بالذات قسما كبيرا من المسؤولية عن نجاح الهجوم ضد الأهداف المحددة. وجمع الأسلحة المتوافرة لدى العدو. إنني أثق بكم وبشجاعتكم وتصميمكم. انطلقوا، واضربوا العدو بقوة، ودون أدنى رحمة أو شفقة. وعودوا ظافرين. ذلك لأن الله مع المجاهدين، ومع القضية العادلة. الله أكبر!).
ما إن فرغ (لغرور) من إلقاء كلمته المثيرة والصادقة، حتى أصدر أمره إلى الزمرة المكلفة بقطع الاتصالات الهاتفية وعزل المدينة بالتوجه الى (خنشلة). ثم تبعتها الزمرة المكلفة بالصاق بياني جبهة التحرير وجيش التحرير على كل منازل خنشلة. وتتابع انطلاق الزمر إلى اهدافها، ولم تبق إلا زمرة من ثلاثة رجال واجبها حماية قاعدة الانطلاق. ووصلت إلى أسماع أفراد هذه الزمرة في الساعة (11) من صباح الفاتح من تشرين الثاني - نوفمبر - أصوات الانفجارات الأولى. لقد انطلقت شرارة الثورة. وأثناء ذلك، كان أفراد هذه الزمرة يعملون على نقل ما لديهم من الاعتدة والتجهيزات، حتى إذا ما أزفت الساعة الثانية صباحا، بدأ المجاهدون المغاوير بالعودة إلى قاعدة تجمعهم، واحدا بعد
الآخر، إلى أن وصل الجميع، وبينهم اثنان أصيبا بجراح غير خطرة. وأثار النجاح الذي حققته زمر التنفيذ موجة من الفرح الغامر الذي شمل الجميع. ولكن (لغرور) تخلف عن اللحاق بنقطة التجمع، وأخذت حماسة المجاهدين بالفتور، فقرروا الانتقال من مركزهم. وفي النهاية، وصل (لغرور) مع الخيوط الأولى للفجر، وابتسامة السعادة تغمر وجهه. كانت فرحة الجميع لا توصف، وفخرهم لاشتراكهم بتفجير الثورة لا يضاهيه فخر ولا ينافسه زهو واعتزاز. وانطلق الجميع بعد ذلك وهم يخترقون غابات الأوراس، للبدء بمرحلة جديدة من التنظيم والعمل.
صادف المجاهدون، أول ما صادفوه في طريقهم، رجلا يحتطب في الغابة، وهو يغني، واقترب منه الرجال المقاتلون، وبادروه بقوله:(السلام عليكم) وأجابهم (وعليكم السلام). وخاطبه أحد المجاهدين بقوله: (لن يزعجك الإفرنسيون بعد اليوم). وسألهم الحطاب ببساطة: (ولكن من أنتم؟) وجاءته الإجابة: (نحن محررو البلاد). فقال لهم الحطاب مستغربا: (إنني لا افهم شيئا، وماذا تعني كلمة محرري البلاد؟ إنكم جزائريون، وزيادة على ذلك فأنتم تحملون السلاح!) وجاءته مرة أخرى الإجابة: (نحن مجاهدون. نقاتل حتى يصبح بإمكانك العيش حياة أفضل) وعاد الحطاب للتساؤل: (وكيف تكون الحياة الأفضل؟) عند ذلك راح أحد المجاهدين يشرح للحطاب الفلاح - ولآلاف الفلاحين من بعد ذلك - الأسباب التي دفعت المجاهدين لحمل السلاح، وأهدافهم من ذلك، وما يطمحون لتحقيقه. وأشرق وجه الفلاح بسعادة غامرة، فدعا المجاهدين
لمشاركته طعامه البسيط.
تلقت الهيبة الاستعمارية لطمة مذهلة لم تكن تتوقعها، سواء في قوة هذه السلطمة أو اتساعها، وما أن أشرقت شمس صبيحة انفجار الثورة، حتى انطلقت السلطات الاستعمارية للانتقام، فاعتقلت مئات وآلاف المسلمين الجزائريين، وقذفت بهم في ظلمات المعتقلات وغياهب السجون. وكان من بين المعتقلين بعض أقارب وأهل الذين قاموا بالهجوم على (خنشلة) وتم إطلاق سراح بعض المعتقلين بعد تعذيبهم واستجوابهم. في حين بقي الآخرون وراء قضبان المعتقلات. وفرضت الإقامة الاجبارية في معسكرات الاعتقال على عدد كبير من المواطنيين. ووقعت نساء بعض المجاهدين في قبضة السلطات الاستعمارية، فقذفت بهن في السجون، حيث تعرضن لسوء المعاملة والتعذيب لمدد طويلة. وقد يكون من المناسب هنا استعراض مسيرة الاغارات في خنشلة، وما تم حدوثه خلال التنفيذ.
1 -
الإغارة على المحول الكهربائي وشبكة الاتصال الهاتفي:
قام بتنفيذ المهمة (ابراهيم عثماني - التيجاني) ومعه (الأرقط كيلاني). وبدأت العملية عندما قطع إبراهيم عثماني الأسلاك الهاتفية التي تصل خنشلة بكل من عين البيضاء وبطنة، وكانت هناك زمرة تقوم باشغال الدرك - الجندرمة - وحماية المنفذين، واستخدمت حشوة مستطيلة بعد ذلك لتدمير الباب المعدني الذي يحمي مدخل (المحوال الكهربائي). كما استخدم مقص معدني للتعامل مع القاطع الكهربائي الرئيسي. مما ساعد على قطع التيار الكهربائي عن المدينة كلها، فباتت تسبح في ظلام دامس. وتم بعدئذ وضع الشحنات المتفجرة والقنابل، وأشعل الفتيل البطيء،
وتطاير البناء بكامله في الفضاء. وكان إطفاء النور في المدينة هو شارة بدء التنفيذ بالنسبة لزمر الهجوم الأخرى. وكانت النتيجة تدمير المحول الكهربائي وإلحاق أضرار كبيرة بالمنشآت والتجهيزات.
2 -
الإغارة على مركز الدرك - الجندرمة - كان مركز الدرك قد تلقى إنذارا من قيادته باحتمال قيام بعض المسلحين بالهجوم على المركز الذي عمل على استنفار عناصره. وهكذا فقد بدأت العملية بتبادل إطلاق النار بين المجاهدين ورجال الدرك الذين أطلقوا كلابهم البوليسية. غير أنه تم تنفيذ المهمة، وانسحب المجاهدون ولما يصب أحد منهم بأذى.
3 -
الإغارة على مركز الشرطة - البوليس -. أفاد (بن عباس) من الظلمة الحالكة، فتسلق الحاجز الشبكي المحيط بالمركز. وأخذت بقية عناصر الإغارة مواقعها المحددة لها داخل المركز، واقتحم رئيس الزمرة (بن عباس) باب مكتب الشرطة، حيث كان يرند الشرطي المناوب. وصرخ .. بن عباس بالشرطي: قف، وسلم سلاحك. فقال الشرطي: ولكن ما الأمر؟ وماذا يحدث؟ وأجابه: (بن عباس) بقوله: نحن جند جيش التحرير الوطني، نبحث عن السلاح، أين هم بقية رجال المركز؟ وأجاب الشرطي المناوب: إنهم يقومون بأعمال الدورية في المدينة. وأشار الشرطي إلى المجاهدين نحو مكان البنادق التي كانت مرتبطة بعضها ببعض بواسطة سلسلة معدنية غليظة تنتهي بقفل. وبعد أن تم قطع السلسلة تبين أن البواريد هي من الأنواع القديمة والتي لا تصلح للقتال. فقذف بها المجاهدون في ساحة
المركز. وأثناء ذلك كان (بن عباس) يتابع مع الشرطي المناوب، فقال له: إن جيش التحرير الوطني قد بدأ منذ هذه اللحظة بخوض صراع مسلح هدفه تحرير البلاد. وليست العمليات هنا معزولة أو مستقلة عن العمليات الأخرى. فالجزائر كلها تشهد في هذه اللحظة عمليات مماثلة. ثم أصدر (بن عباس) أمره إلى رجاله بوضع الشرطي في زنزانة السجن.
ومضت عشر دقائق قبل أن يظهر رجلان من الشرطة ما أن دخلا المركز حتى قال أحدهما: ماذا يجري؟ لقد ترددت أصوات إطلاق الرصاص في المدينة التي أصبحت مظلمة بسبب انقطاع التيار، فماذا يحدث؟ وعندها وجه (بن عباس) ضوء مصباحه اليدوي، فبهر عيون الشرطيين، وقال لهما بلهجته الحازمة: تقدما وارفعا أيديكما عاليا. لا تتحركا أبدا، وسلما سلاحكما!
…
وأصيب الشرطيان بذهول المباغتة، غير أنهما ترددا لحظة قصيرة في إطاعة الأمر. وعندها قفز (أوغاد) فصرع الأول بضربة من عقب بندقيته، وطعن الثاني بضربة مدية.
لقد كان (صلاح أوغاد) رياضيا هاويا، مصارعا، ومحبا لقراءة الروايات الرومانسية، والكتب البوليسية، مغامرا ومندفعا حتى التهور عندما يكون الأمر متعلقا بمقاومة الافرنسيين. لقد نشأ يتيما، واحتمل منذ نعومة أظافره مسؤولية إطعام عائلته وتأمين متطلباتها الحياتية. غير أن ذلك لم يمنعه من متابعة دراسته، فكان يعمل في الليل لتشغيل أجهزة عرض الأفلام في دور الصور المتحركة - السينما - ويتابع تعلمه في النهار، وكان يقوم بدعوة إخوانه ورفاقه الى السينما في كل مناسبة يتم فيها عرض فيلم ثوري
مثل: (فيفازاباتا) أو (بانكوليبرتا) والتي تمثل وقائعها تلك الحركات الثورية التي عرفتها بلدان أمريكا الجنوبية في القرن التاسع عشر (1).
ألقى الثوار بالشرطيين في الزنزانة، إلى جانب زميلهما الذي سبقهما، ووصل شرطي رابع، فتمت السيطرة عليه بسرعة، وجرد من سلاحه، ليلحق بدوره أيضا بمن سبقوه الى الزنزانة.
وفي هذه اللحظة، رن جرس الهاتف في مكتب مدير المركز، إذن فالشبكة الداخلية للهاتف لا زالت عاملة ولم تقطع اتصالاتها بعد. ورفع (بن عباس) السماعة، والتقط الصوت الذي حمل له الكلمات التالية الو! هنا مدير الشرطة، نحن مطوقون، ونتعرض لهجوم رجال مسلحين، ابذلوا ما تستطيعونه لانقاذنا وأخبر فورا السيد المفتش - الكوميسير - بالوضع. وأجابه (بن عباس) بقوله: هنا أيضا، نحن الذين نمسك بالمبادأة. وسأل متحدث الشرطة: ولكن من أنتم؟ وأجابه بن عباس: نحن جند جيش التحرير الوطني، جئنا ننتزع حقوقنا بقوة السلاح. واجتاحت (بن عباس) موجة من الغضب، فقذف بالهاتف ودمره. وحمل أفراد الزمرة المسدسامت الأربعة التي انتزعوها من رجال الشرطة. وحملوا أحد المجاهدين بسبب إصابته بجرح في
(1) كلف صلاح أوغاد بمرافقة بن عباس بعد ذلك للالتحاق بأحد مراكز تدريب المقاتلين الجزائريين التي أفيمت في البلاد العربية. ليعودا بعدها إلى عنابة بمهمة مرافقة زورق كان من المقرر له أن ينقلهما الى المشرق (ومن المحتمل الى جزيرة آثوس اليونانية). ولكن السلطات الأفرنسية استولت على زورق الأسلحة، وصادرت ما يحمله، في تشرين الاول - اكتوبر- 1956. وكان الزورق يحمل عند الاستيلاء عليه في (وهران) ذخائر وأسلحة وأعتدة مرسلة إلى جيش التحرير الوطني الجزائري.
فخذه. وانسحبوا بسرعة من مركز الشرطة، والتحقوا بمركز التجمع.
4 -
الإغارة على المجمع المشترك - كومون ميكست - كانت الظلمة حالكة السواد عندما قفز (شامي) من فوق بوابة المجمع المشترك، وتبعته زمرة المجاهدين، إلى داخل المناطق السكنية. وتكفل (لغرور) بالفارسين اللذين كانا يحرسان البرج، وأصدر إليهما الأمر عبر الباب بقوله: اقتربا! إننا لن نلحق بكما ضررا أو أذى. ألقيا أسلحتكما من النافذة وسلماها إلينا. إننا مسلمون جزائريون نريد تحرير البلاد من الاستعمار الإفرنسي. ولكن في هذه اللحظة، ظهر مدير المجمع على الشرفة وأخذ في الصراخ. يا عسس! يا عسس! دافعوا عني، إنهم يريدون قتلي. من هم هؤلاء الرجال الذين يقفون في الساحة؟ وردا على الصراخ، أخذت مجموعة من المجاهدين في إنشاد نشيد وطني بصوت مرتفع. وتكرر بلا انقطاع: الجهاد - الله أكبر واختلطت مشاعر الفزع بحمى الجنون لدى المدير عند سماعه ذلك، على ما يظهر، فعاد للصراخ طالبا نجدة الحرسين الفارسين يا عسس! يا عسس! دافعوا عني، إنهم يريدون قتلي وقتل عائلتي - ومضى المدير في إطلاق نار مسدس رشاش كان يحمله، على ما يتراءى له من ظلال المجاهدين. وعندما تكرر طلبه - بالنجدة - أجابه الفارسان: لا نستطيع أن نفعل شيئا، بعد أن سدت المنافذ علينا ونحن في داخل المحرس. فرد عليهم المدير بقوله - وهو يتابع
الرمي -: يا عسس، ارموهم بالنيران، لا تتركوهم ينفذون ما يريدون. وعندها حاول الفارسان تلقيم سلاحهما وهما داخل
المحرس، وما أن سمع (لغرور) صوت المغلاق في الداخل، حتى تدخل، فأغرقها بالنيران التي أطلقها عليهما عبر النافذة، وسقط أحدهما مصابا بجراح خطرة. وكان المجاهدون أثناء ذلك يشعلون النار في المكاتب، وهم يرددون شعارهم دونما توقف: الجهاد - الله أكبر! واستمر تبادل إطلاق النار مع المدير لمدة عشرين دقيقة، أوقفت زمرة الاغارة بعدها الاشتباك، وانسحب أفرادها إلى الغابة المجاورة. 5 - الهجوم على الثكنة العسكرية: تقرب المجاهدون في ظلمة الليل، ووصلوا بدون عناء الى حارس الثكنة، وقتلوه. واحتل أحد المجاهدين مكانه. ومضت فترة قصيرة بعدها وأخذت الحشوات المتفجرة بالانفجار على امتداد الجدار المحيط بالثكنة العسكرية. وانهمرت القنابل، واشتعلت النار بالاسطبلات نتيجة استخدام القنابل الحارقة، وعندما وصلت النيران إلى الخيول، أخدت هذه في الصهيل المذعور وهي تمزق صمت الليل. وهب الجنود لافرنسيون من مهاجعهم مذعورين. وتوجه اللواء (كانوا) قائد الثكنة الى المحرس، فوجد الخفير مقتولا. ومضت فترة الذهول التي أعقبت المباغتة، وأخد الجند بالتجمع في ساحة الثكنة. وبدأوا بإطلاق نيران رشاشاتهم على المجاهدين الذين كانوا يحتمون بجدران أبنية الثكنة، وأعقب ذلك فترة قصيرة من الهدوء والتهدئة. ثم انطلق الجند الافرنسيون في تحركهم وسط اضطراب ظاهر عبرت عنه الأوامر المتناقضة والتعليمات المتضاربة التي كانت تصدر من كل مكان في الثكنة.
وكان المجاهدون يستمعون صراخ أعدائهم: (اشعلوا النور! افلنور مطفأ، لقد دمروه! ادفعوا المدافع الرشاشة والمصفحات نحو