المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ج - لهيب الثورة في أريس - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٩

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌اللهُ أَكْبَرُ - وَانْطَلَقَتِ الثَّوْرَةُ

- ‌الفصل الأول

- ‌ الوضع العام في الجزائر عشية الثورة

- ‌أ - اغتصاب الأرض:

- ‌ب - الموقف السكاني - الديموغرافي

- ‌ج - النهب الاستعماري

- ‌د - البترول والغاز الطبيعي

- ‌هـ - الموقف التعليمي (الثقافي)

- ‌ التعليم الابتدائي:

- ‌ التعليم الثانوي:

- ‌ جامعة الجزائر:

- ‌ الموقع الجيواسراتيجي والطبوغراي

- ‌آ - 1 - إقليم الشواطىء:

- ‌آ - 2 - إقليم الأطلس التلي:

- ‌آ - سهل وهران:

- ‌ب- سهل متيجة (متوجة)

- ‌ج - سهل عنابة:

- ‌آ - سهل تلمسان:

- ‌ب - سهل بلعباس:

- ‌ج - سهل تيارت (أو السرسو):

- ‌د - سهل عين بسام:

- ‌هـ - سهل قسنطينة:

- ‌آ - 3 إقليم النجود:

- ‌آ -4 - الأطلس الصحراوي:

- ‌ جبال العين الصفراء

- ‌ جبال عمور

- ‌ جبال أولاد نايل:

- ‌ إقليم الصحراء:

- ‌ب - وديان الجزائر

- ‌ب -1 - الأودية الشمالية:

- ‌ وادي تفنة (أو تافنه)

- ‌ وادي السيق والحمام

- ‌ وادي الشلف:

- ‌ وادي الشفة:

- ‌ وادي يسر:

- ‌ وادي الصومام:

- ‌ الوادي الكبير

- ‌ وادي الصفصاف:

- ‌ وادي السيبوس:

- ‌ وادي مجردة:

- ‌ب - 2 - أودية النجود:

- ‌ب - 3 - الأودية الصحراوية:

- ‌ج - النطاقات المناخية:

- ‌ مناخ البحر الأبيض المتوسط:

- ‌ مناخ الاستبس

- ‌ مناخ الصحراء:

- ‌د - الغطاء النباتي:

- ‌د - 1 - إقليم البحر الأبيض المتوسط:

- ‌د - 2 - إقليم الاستبس:

- ‌د - 3 - الإقليم الصحراوي:

- ‌الفصل الثاني

- ‌ في فلسفة الثورة

- ‌ البيان الأول للثورة:(بيان فاتح نوفمبر 1954)

- ‌الهدف:

- ‌الأهداف الداخلية:

- ‌الأهداف الخارجية

- ‌وسائل الكفاح

- ‌وفي المقابل

- ‌بيان من جيش التحرير الوطني في الفاتح من نوفمبر - تشرين الثاني - 1954

- ‌ مكتب جبهة التحرير في القارة، يصدر بيانه عن الثورة

- ‌ بدايات العمل الثوري

- ‌ انطلاقة الثورة في كتابة قائد فرنسي

- ‌ عقبات على طريق الثورة

- ‌ الثورة في وثائق ثوارها

- ‌أ - الإعداد للثورة

- ‌ب - الله أكبر - خالد - عقبة

- ‌ج - لهيب الثورة في أريس

- ‌د - فجر يوم الثورة المسلحة

- ‌هـ - اندلاع الثورة في متيجة (متوجة)

- ‌و- الولاية الأولى في معركة التحرير

- ‌ز - الثورة في ولاية وهران

- ‌المراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ج - لهيب الثورة في أريس

الأمام! انتبهوا واحذروا، انهم مسلحون! فليبق كل فرد في مكانه!) وفي هذه اللحظة، ظهر الملازم الأول (جيراردارنو) قائد فصيلة الصبايحيه - السباهيين - الجزائريين في خنشلة. ولم يكن من عادة (جيرار) النوم في الثكنة، إذ كان يقيم مع فرسانه في بناء مجاور - مقابل - ويظهر أنه أراد الالتحاق بمركز فصيلته، فتوجه إلى باب الثكنة الذي كان يحتله المجاهدون. وعندما وصله، قال: انتبهوا، لا تطلقوا النار، أنا قائد المركز الملازم جيرار، ماذا يحدث هنا حتى تطلقوا النار. ولم يرد عليه أحد. فتقدم حذرا حتى عاجلته رصاصة أطلقها عليه أحد المجاهدين من مسدسه فأرداه قتيلا على الفور. وانسحب المجاهدون بعد أن نفذوا مهمتهم بنجاح رائع، وبدون أن يصاب أحد منهم بأذى.

‌ج - لهيب الثورة في أريس

(1)

بدأ العمل السياسي والعسكري للثورة في أريس، طوال الفترة من سنة 1951 وحتى سنة 1954. ففي سنة 1951، وفي أعقاب الاضطرابات التي سببها احتلال مكاتب الانتخابات - الاقتراع - وتدمير صناديق الانتخابات، وقتل كان في خدمة الادارة الافريسة. قامت الادارة المشتركة للمجمع في (أريس) بعملية قمع واسعة في (دوار كامل). وتمركزت قوة من الحرس المتحرك

RECITS DE FEU (S.N.E.D.) MOHAMED CHAMRI«P.P. 30«36 (1)

ص: 157

مدعمة بخمسة وستين رجلا من الجزائريين (القوم)(1) في مشتى تيجين. وبدأت من هناك عملياتها القمعية. وكان ذلك بداية الهيجان. فقد كان المواطنون جميعهم يعارضون إقامة هذه القوة بينهم. وانضم عدد كبير من الأفراد إلى قوات المقاومة السرية - الماكي - وأصبحوا في تعريف السلطة الافرنسية (خارجين على القانون).

لقد كانت فترة مناسبة لعمل أعضاء التنظيم السري الذين كانوا قد أفلتوا من الاعتقال في كل مدن الجزائر. وأخذوا في العمل في وسط الفلاحين، وشرعوا في تنظيم الخلايا المستقلة. وكان أفراد هذه الخلايا يحملون تطلعات جديدة تتوافق مع طبيعتهم الفروسية وأفكارهم الاستقلالية. وعلى الرغم من أن معطم هؤلاء كانوا من الأميين، إلا أن العناصر الوطنية التي لم يتعبها الجهاد، نجحت في صهرهم وتكوين نظرياتهم وأفكارهم بمفاهيم اجتماعية تملأ عليهم ما كانوا يعانونه من قصور المعرفة، وتستجيب لطموحهم في الاستقلال والحرية.

هكذا! ومن خلال حب الوطن، ولدت هنا خلايا سرية كثيرة، لا يعرف بعضها بعضا، وأصبحت هذه الخلايا العاملة بصمت، والملتزمة بقواعد الانضباط الصارم، وهي تغطي صفحة الأوراس بكاملها. وكان الفلاحون يتلقون خلال فترة الإعداد

(1) القوم GOUME) كان الافرنسيون يقصدون بها عرب افريقيا. وكان للكلمة معناها الخاص في الجزائر؛ حيث كانت وحدة (القوم) وهي الوحدة العسكرية الجزائرية التي تعمل - غالبا - تحت قيادة قائد افرنسي، بمهمة أساسية هي الاستطلاع وجمع المعلومات وتوجيه القوات الرئيسية (الرائدة).

ص: 158

العسكري ما هو ضروري من توجيهات خلقية وسياسية، إلى جانب الإعداد النفسي، وفقا لكل قواعد السرية ومبادىء الأمن والحيطة التي أمر بها القرآن الكريم. وبدأ التحول في مواقف هؤلاء الرجال الذين يعيشون - حياتهم بعيدا عن المدينة، وهم معزولون في وسط عدائي يتربص بهم، وفوق أرض جدباء مقفرة تقريبا. ولم يكن حدوث هذا التحول ممكنا لولا تلك الجهود الجبارة التي بذلها رجال (المنظمة السرية - الشرف العسكري). فتراجعت بنتيجة ذلك النزاعات العدوانية - غير الهادفة -. وأخذ الرجال في السيطرة على أنفسهم، والتحكم بانفعالاتهم السلبية.

ولم تمض أكثر من فترة قصيرة حتى توافرت للرجال الثائرين القدرة على العمل بفاعلية وقوة ضد كل قوة مهما كان رصيدها المادي قويا، ومهما كان نوع التسلح الحديث الذي تمتلكه. ولم يكن ذلك إلا بفضل ما اكتسبه هؤلاء الفلاحون الموصوفون من قبل الاستعماريين (بالخارجين على القانون) من معرفة سياسية جيدة، وتدريب مستمر ومنظم دعم من روحهم المعنوية العالية، وزاد من ثقتهم بأنفسهم. لقد ولدوا عمالقة من جديد، ولكنهم عمالقة فيهم كل صفات النبل والطيبة، يعملون في السر من أجل تطوير تنظيمهم الجديد، واحترام قواعده وأسسه، والالتزام بمبادئه وأهدافه.

لقد عاد (مصطفى بن بولعيد) الى الجزائر من جديد في العام 1954، ومعه (بشير شيحاني) وتم اتخاذ قرار في (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) يقضي بمتابعة التدريب وتطوير الاستعداد. وتم تعيين (عجول) الذي كان يستقر في (وادي

ص: 159

سرحا) للاضطلاع بمسؤولية القيادة العسكرية. فكان عليه توجيه التدريب العسكري، والحصول على الأسلحة والتجهيزات وتخزينها. وأصبح التدريب منتظما ومستمرا تقريبا. وكان معظم (الخارجين على القانون) في هذه المنطقة هم من الذين هربوا من الجيش الافرنسي، فكانت لديهم معرفة أكثر من سواهم ممن التحقوا حديثا في صفوف المجاهدين - في مجال التعامل مع الأسلحة. وانصرف (غرين بلقاسم) وآخرون لممارسة أعمالهم السرية، والاضطلاع بأدوارهم بثقة وتفاؤل.

شملت عملية تدريب الثوار (الماكي) كل ما هو ضروري لتأهيلهم من أجل احتمال المصاعب مثل: السير الطويل، والأعمال القتالية، وحتى التدريب على التحكم بالانفعالات والعواطف، وتركز التدريب على منح الرجال الفرصة لاستخدام خيالهم المبدع من أجل اتخاذ القرارات الصحيحة، وإظهار روح الأخوة والاستعداد للتضحية.

وأصبح الرجال بعد ثلاثة أشهر من التدريب تقريبا - وهم على استعداد لتنفيذ أية مهمة قتالية. ونظرا لاقتراب موعد تفجير الثورة (يوم - ي) فقد تم توزيع الرجال على منطقتي عمل، الأولى وتشمل:

أشمول، والأحمر خدو، وزيلاتو، وبسكرة. أما الثانية فتشمل: الشليا، ووادي فم الطوب، ومروانا، وبطنه، وباريكا. وانصرف رجال المنطقة الثانية للتجمع على حدود (فم الطوب) حيث الوادي الخصب الذي تنتشر فوقه المستوطنات، وأخذوا في العمل تحت قيادة (غرين بلقاسم ولغرور عباس). أما رجال المنطقة الأولى، فقد تسللوا خفية في الليل إلى (الطيبي كاوين) و (ضهرات ولد موسى) بالقرب من

ص: 160

(الحجاج) وليس بعيدا عن (أريس) حيث المركز الرئيسي للمجمع المشترك في (الأوراس). واحتل هؤلاء منزل (علي بن شيبا) الذي يضم إحدى عشرة غرفة، انتشر فيها المجاهدون، وحرم عليهم أي اتصال أو التعريف بأنفسهم أو مغادرة المنزل. واستقر الجميع هنا ثلاثة أيام، تلقوا خلالها محاضرات عن قتال الثوار (المغاوير) ونظفوا أسلحتهم، وتفقدوها، وتدربوا على استخدام الألغام والمتفجرات والأجهزة اللاسلكية.

وفي يوم 30 تشرين الأول - اكتوبر - وصل مبعوثان من قبل (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) واتصلا بالزعيمين (مصطفى بن بولعيد وبشير شيحاني) وأبلغاهما آخر التعليمات. لقد أصبحت (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) تثق ثقة تامة بالكفاءة القتالية المتوافرة في وسط الشعب الجزائري، قدر ثقتها بنضجه الثوري - الفكري - ومعرفته بالطريق المؤدي الى الحل الحاسم. فأصدرت أوامرها التي كان ينتظرها رجال الأوراس بصبر نافذ.

إذا ضم تاريخ الجزائر يوما له أهميته الخاصة، فذلك هو يوم 31 تشرين الأول - اكتوبر - 1954؛ ذلك لأن هذا اليوم هو الذي تم فيه اتخاذ أخطر القرارات التاريخية - يقينا - وهي القرارات التي ستزج الشعب الجزائري كله في حرب ضروس لا يستطيع أحد - في ذلك التاريخ - معرفة مدتها أو مدى اتساعها. وفي ذلك اليوم، خرجت الأسلحة والذخائر من مخابئها في الكهوف ومن مدافنها تحت التراب، لتحسد بعضها بعضا على ما ستقوم به من الأعمال.

ص: 161

وهكذا، وبينما كان بعض الرجال يتسلمون أسلحتهم، والحماسة تهز كيانهم، كان هناك آخرون واجبهم مرافقة ونقل (60) بارودة و (200) كيلو غرام من الذخائر بواسطة شاحنة اسأجرها لهم (بو شمال) لتصل هذه الإرسالية في المساء إلى منطقة القبائل، ويتسلمها الرجال الشجعان في هذا الإقليم، ممن كانوا يستعدون بدورهم للعمل (من أمثال عميروش). واعتبارا من تلك اللحظة، سيأخذ المجتمعون في (الطيبي كاوين) و (ضهرات ولدموسى) و (فم الطوب) كل ملامح المستقبل وفضائله. ولم يكن من السهل أبدا تجميع مثل هؤلاء الرجال الذين طالما مزقتهم السياسة الاستعمارية، ورجالها من الحكام الإداريين، وطالما فرقت بينهم القيادات والزعامات، لولا الاعتماد على أصالة الجزائر الثورية، وقاعدتها الدينية الصلبة التي توحد ولا تفرق، تجمع ولا تبدد. ولحسن الحظ أن توافر للثورة رجال يمتلكون من الارادة الصلبة ما يزيد على كل الصعاب والعقبات، من أمثال (مصطفى بن بولعيد وبشير شيحاني وعجول وبللا ولغرور عباس وبوستة) ممن يعود لهم دونما ريب فضل توحيد

الجهود وتوجيه الطاقات نحو هدف التحرير. وقد كان نجاحهم رائعا في الاوراس إذ استطاعوا إقناع رجال المنطقة الأشداء بتوجهاتهم وأهدافهم، وحملهم على الاضطلاع بدورهم التاريخي.

قسم الرجال الذين جمعوا عند (الحجاج) وعددهم (270) رجلا الى مجموعات وزمر يتولى قيادة كل واحدة منها قائد مسؤول. وغالبا ما كان يتم الاضطلاع بدور القيادة طوعا من قبل

ص: 162

الرجال الثوار (1) وتلقى الجميع التعليمات النهائية، وأصبحوا وهم يعرفون أهدافهم جيدا. وضبطوا ساعاتهم على ساعة الصفر (س). وأخذوا في مغادرة (ضهرات ولدموسى) بعضهم يستخدمون الشاحنات، وبعضهم السيارات الصغيرة، أما الباقون ففضلوا التوجه سيرا على الأقدام. هذا في حين كان رجال (بلقاسم) ينطلقون بصمت وجرأة في اتجاه بطنة ومروانا. وفي الساءة ذاتها كان رجال (عباس لغرور) يبتعدون عن حمام الصالحين في اتجاه (خنشلة). وما أن غربت شمس يوم 31 تشرين الأول - اكتوبر - حتى كان هناك أكثر من ستمائة مقاتل قد انطلقوا للاغارة على الحاميات العسكرية ومراكز الشرطة والأبراج، وكانت كلمات السر والاجابة:(خالد - عقبة) تتردد في كل مكان لتمزق سكون الليل، ولتثير حماسة المقاتلين. وكانت مجموعة (أشمول) قد أخذت في إقامة السدود الأولى من الحجارة على الطرقات، وذلك لقطع كل محاور الاتصالات. هذا فيما كانت الشاحنات والمركبات تتحرك في اتجاه (بسكرة وبطنة)

(1) كان الرجال الذين تم اختيارهم للقيادة هم:

1 -

أحمد نواوره لقيادة المغاوير - الكوماندو - في أريس.

2 -

عباس لغرور لقيادة المغاوير في خنشلة.

3 -

غرين بلقاسم لقيادة المغاوير في بطنه ومروانا.

4 -

حسين بن رحيل لقيادة المغاوير في بسكرة.

5 -

طاهر نويشي لقيادة المغاوير في عين القصر.

6 -

أما الأشخاص الذين أسندت إليهم مهمة توجيه زمر المغاوير في المراكز المدنية، فكانوا:

- رشيد بوشمال بعمليات مدينة بطنة.

- طيب خراز للعمليات في مدينة بسكرة. وبقي هناك رجال واجبهم الاضطلاع بمسؤولية متابعة العمليات، وتوسيع مجالاتها وآفاقها في كل اتجاهات مسارح العمليات (انطلاقا من مبدأ تفشي بقعة الزيت) ومنهم (سي مكي) لتوجيه ثوار تكوت. و (سي محمد ناجي) لتوجيه ثوار فم الطوب و (سي عبد الوهاب عسوفي) لتوجيه ثوار شرق الميزاب. و (سي محمد قنطرة) لتوجيه ثوار باريكا.

ص: 163

لتصل في موعدها المحدد بدقة، ولتقوم بتنفيذ عملياتها على النحو التالي:

في بسكرة: خرج الفدائيون المغاوير من دار الحجاج بقيادة حسين بن رحيل، ووصلوا في اليوم ذاته إلى بسكرة، وفي الساعة التي كان فيها المواطنون المسلمون يغلقون نوافذ شرفات منازلهم، ويحكمون إيصالها بالقضبان الحديدية. أما المدينة الأوروبية فكانت تتألق بأنوار المصابيح فيما كانت الأحياء العربية غارقة في ظلام حالك. وكانت أجراس الكنائس والأديرة تقرع داعية الأوروبيين للصلاة، وانطلق المغاوير لتنفيذ أوامر (اللجة الثورية للوحدة والعمل) بضرب النقطة الحساسة في الجهاز العصبي للعدو والمتمثل بثكنة (سان جرمان) التي كان يقيم فيها لواء (الرماة السنغاليين). وانطلقت النيران، وأصيب حارس مدخل الثكنة بجراح. كما أصيب المفتش - الكوميسير - وهو برتبة لواء برصاصة في فخذه. وألقيت قنبلة حارقة على مركز النجارة، فأشعلت فيه النيران، وانسحب رجال جيش التحرير الوطني بسرعة مخلفين وراءهم الفوضى والدمار. وتوقفت أجراس الكنائس عن الرنين.

وفي بطنة: تميز البناء في المدينة بقوته وشدة تحصينه حتى كأنه قلعة منيعة من تلك القلاع التي كانت تقام أيام الرومانيين في وسط تجمعات السكان الوطنيين - وكان هذا البناء الضخم يضم مجموعة من الثكنات العسكرية التي أطلقوا عليها اسم (المعسكر)، والتي كانت تحميها جدران شاهقة الارتفاع. ووضع المجاهدون في اعتبارهم أهمية الهدف من الناحيتين الاستراتيجية والنفسية، فقرر قادة المجموعات إرسال الكتلة الرئيسية من القوة

ص: 164

رمز الاستعمار. دمرته الثورة واقتلعته من قاعدته

ص: 165

الضاربة بعد تقسيمها الى أربع مجموعات تقوم بالإغارة على الأهداف العسكرية في وقت واحد، ولكن بصورة مستقلة؛ كل عن المجموعات الباقية. وكان المجاهدون يرتدون جميعا الألبسة العسكرية، ويحملون أسلحتهم الآلية (الاوتوماتيكية) من المسدسات الرشاشة (ستاتي) من نماذج أميركية الصنع أو إنكليزية. أو ألمانية. وكانت مجموعتان من هذه القوة قد وصلتا من قبل (الحجاج)، في حين جاءت المجموعتان الباقيتان من (فم الطوب). وكان الهدوء المطلق يخيم على المدينة في ساعة بدء الهجوم (الساعة - س). ولم تصل المجموعة الأولى إلا في الساعة الثانية صباحا. (وقد تأخرت مجموعة - الحاج - عن موعدها بسبب اعتذار رئيسها عن تنفيذ المهمة في اللحظة الأخيرة، فتم تكليف علي بن أخضر طاولي - على الفور- بقيادة المجموعة) وعملت هذه المجموعة فور وصولها على وضع حارسين- خفيرين - في (ود زمالا) ثم اخترقت المدينة العسكرية، ومرت من أمام ثكنة الفرسان الجزائريين الصبايحية (السباهين). وهي الثكنة التي كانت هدف المجموعة الثانية ثم وصلت المجموعة إلى هدفها - وهو الثكنة التالية - التي كان يقيم فيها (الرماة). وكان من المفروض أن يقوم أحد الحرس الرماة من الجزائريين بمساعدة الثوار، وفتح باب الثكنة لهم عندما يتبادلون معه كلمة السر والإجابة (خالد -عقبة). ولكن نظرا لتأخر المجموعة في الوصول إلى الهدف، فقد ظن الحارس بأن موعد الهجوم قد تم تأجيله، وجاء تبيدل الحرس، فجاء حارس جديد للبوابة. ولم يبق أمام مجموعة الاقتحام الا استخدام المبادأة، واقتحام الثكنة عنوة، وتم تنفيذ الإغارة بسرعة مذهلة، فأصيب الحارس،

ص: 166

وحاولت المجموعة التوغل الى داخل الثكنة غير أنها عجزت عن ذلك، فاكتفت بما حققته من الدمار والذعر، وانسحبت عبر الطريق المحدد لها. وكان لا بد لها من التعرض لثكنة الفرسان الصبايحية (السباهين) نظرا لاضطرارها من المرور من أمامها، فهاجتها بعنف، ثم انسحبت بعد ذلك في اتجاه جبل (تبغيراسين) حيث وصلته، ولما يصب أحد من مجاهديها بأذى. وكان المنفذون في هذه المجموعة كلهم من (دوار كامل). وكانوا جميعا أيضا ممن اتبعوا دورة عسكرية وتلقوا إعدادا نفسيا خلال فترة طويلة.

وصلت بعد ذلك المجموعة الثانية بقيادة (محمد بن ناجي) قادمة من (فم الطوب). وكان وصولها في موعد متأخر أيضا، ولم يبق لها ما تفعله بعد أن علمت بأن المجموعة الأولى، قد هاجمت -بالنيابة عنها - ثكنة الفرسان الصبايحية. فانسحبت بعد أن أطلقت بعض الصليات النارية على أبواب الثكنة وجدرانها.

ووصلت المجموعة الثالثة في الوقت ذاته، بقيادة (ابراهيم بوستة) فأغارت على مخزن الذخيرة، وتبادلت إطلاق النار مع رجال الحرس والحامية، ثم انسحبت في اتجاه مجنبات التل، والتحقت بنقطة الازدلاف (التجمع) في المنتجع المحدد للالتقاء من قبل.

وقامت المجموعة الرابعة بقيادة (بلقاسم) باقتحام ثكنة الحرس المتحرك، وكانت هذه المجموعة تضم ثلاثين مجاهدا. ودارت معركة قاسية استمرت ساعتين، انسحبت بعدها المجموعة نحو (جبل عطيل) فوصلته مع شروق الشمس، وقد حملت على كواهل أفرادها أكاليل الغار

.

ص: 167

وفي خنشلة، جمع (عباس لغرور) رجاله الثلاثين في (حمام الصالحين) ثم قام بالهجوم (على نحو ما سبق ذكره). وفي تكوت:

قام (جغروري) بقيادة مجموعة المجاهدين بمهاجة مركز الدرك الذي كان أفراده قد تلقوا إنذارا مسبقا واستعدوا للمجابهة. وقامت المجموعة بتدمير الجسر، وأتبعت ذلك بنصب كمين في (تيجان أمين).

وفي باريكا:

دمر المجاهدون خطوط المواصلات، كما دمروا أيضا مركز الاتصالات الهاتفية التي تصل (باريكا) بمدينة (سطيف). وفي أريس، كان يجب أن يقوم أربعون رجلا مسلحا في الساعة صفر (الساعة - س). وقام (مصطفى بن بولعيد) بإعطاء تعليماته شخصيا للمنفذين. وكان يجب أن يتم الالتقاء عند برج المجمع المشترك كومون ميكست -. ولكن لم يحضر في الموعد المحدد سوى (أحمد نواوره). وهكذا خان (39) رجلا القسم الذي أقسموه أمام (الحجاج). وترك ذلك جرحا عميقا في قلب (بن بولعيد). أما في تيجان أمين: فكانت كل الاعمال التي تم تنفيذها في الليل هي بمثابة الإعلان عن بدء الحرب ضد النظام الاستعماري، غير أن العملية التي تم تنفيذها في صجبيحة يوم إعلان الثورة (يوم الاثنين) كانت بداية لنوع من الأعمال القتالية الخاصة (قتال العصابات)، وقد نفذت هذه العملية باعتراض عربة لتفتيشها عند مضيق (تيجان أمين). وكان في العربة

ص: 168