الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللخمي.
واختلف في أذان الجنب خارج المسجد، فقال ابن القاسم لا يؤذن وحمله اللخمي على الكراهة وقال سحنون وابن نافع بل يؤذن، قلت: وبه كان شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله تعالى يفتي إلى أن مات وهو الأقرب عندي لأنه ذكر كما لا يمنع من الأذكار اتفاقا غير القرآن فكذلك الأذان والله أعلم.
وحكاية المؤذن مستحبة وأطلق ابن زرقون عليها الوجوب وهو غريب وفروع الحكاية كثيرة ولولا الإطالة لذكرتها.
(والإقامة وتر: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله مرة واحدة):
قال المازري: اختلف إذا شفع الإقامة غلط فقال بعض أصحابنا يجزئ والمشهور لا يجزئ، قلت: وعن ابن يونس الأول لأصبغ ولهذه المسألة نظائر منها من غسل رأسه في وضوئه بدلا من مسحه ومن قطع جميع الرأس في الذبح ومن بجبهته قروح فكان فرضه الإيماء وسجد على أنفه وليست مثلها أي المسألة من وجبت عليها شاة فأخرج عنها بعير وإن كان فيها خلاف لعدم المجانسة والله أعلم.
ولو أراد أن يؤذن فأقام فإنه لا يجزئ باتفاق وإذا قطعت الصلاة لذكر نجاسة فإنه يعيد الإقامة قاله في المدونة فمنهم من أطلقها ومنهم من قيدها بما إذا بعد أما مع القرب فلا، وأما إذا أقيمت لمعين فلم يمكن فهل تعاد أم لا؟ اختلف في ذلك على قولين لابن العربي وغيره ولا بأس أن يقيم خارج المسجد للإسماع، وروى علي بن زياد وإن كان على المنار أو على ظهر المسجد وإن كان يخص رجلا بالإسماع فداخل المسجد أحب إلي.
باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن
لما فرغ رحمه الله من الأذان والإقامة لم يبق إلا التكلم على كيفية الصلاة، واعلم أن لها شروطا وفرائض وسننا وفضائل، فالشروط طهارة الخبث والحدث وستر العورة
واستقبال القبلة، وترك الكلام وترك الأفعال الكثيرة، وقال ابن عبد السلام: عد الأخيرين في الشروط فيه نظر لأن ما هو مطلوب الترك إنما يعد من الموانع.
قال ابن الحاجب: والفرائض تكبيرة الإحرام والفاتحة والقيام لها والركوع والرفع والسجود والرفع والاعتدال والطمأنينة على الأصح والجلوس للتسليم، والسنن سورة مع الفاتحة في الأوليين والقيام لها والجهر والإسرار والتكبير، وسمع الله لمن حمده، والجلوس الأول وتشهده والزائد على قدر الاعتدال والتسليم من الثاني وتشهده والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الأصح والفضائل ما سواها. قلت: وقوله سورة مع الفاتحة في الأوليين فيه مسامحة لأن كلامه يقتضي أنها ليست بسنة حيث لا أخيرتين كالصبح ولهذا بينه بعد قوله والصبح والجمعة.
(والإحرام في الصلاة أن تقول الله أكبر لا يجزئ غير هذه الكلمة)
معنى الإحرام في الصلاة الدخول في حرمها لأنه إذا أحرم حرم عليه كل ما هو
مباح له قبل التلبس بها ومعنى الله أكبر عند بعضهم الله أكبر من كل شيء، قال عياض وأباه آخرون قائلين إنما المراد الكبير قال تعالى:(هو أهون عليه)[الروم: 27]
أي هين، قال المازري في شرحه: حكى بعض أصحابنا البغداديين أن تكبيرة الإحرام ركن لا شرط، وقال أبو حنيفة: شرط وقال في تعلقة الجوزقي حكى الشيخ عبد الحميد الصائغ قولين في كون الإحرام والسلام من نفس الصلاة أم لا؟ فظاهره أن الخلاف مذهبي واتفق أهل المذهب على أن غير الله أكبر لا يجزئ ولو كان اللفظ مجانسا كما إذا قال الله أكبر، ويقوم منه أن من أبدل سمع الله لمن حمده بربنا ولك الحمد في ثلاث ركعات فأكثر فإن صلاته باطلة.
ووجه الإقامة هنا أنهم أطبقوا أن المجانسة لا اعتبار بها في قولهم لا يجزئ الله أكبر فيلزم اطراده وبهذا كان شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله يفتي ويوجه فتواه بأن المستحب لا يقوم مقام السنة، وكان بعض شيوخنا يفتي بالصحة ويحتج بأن المحل لم
يخل من ذكر مجانس، وقد قال ابن بشير كل سنة في الوضوء لم يعر موضعها عن فعل فإنها إذا تركت لا تعاد كمن ترك غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء والاستثنار ورد اليدين في مسح الرأس ولا خلاف أن الأخرس تكفيه النية.
واختلف في العاجز لعجمته على ثلاثة أقوال: فقال الأبهري: يدخل بنية وقال أبو الفرج: يدخل بالحرف الذي دخل به الإسلام وقيل: يترجم عنه بلغته قاله بعض شيوخ القاضي عبد الوهاب قال في المدونة: وينتظر الإمام به قدر تسوية الصفوف، ونقل ابن عبد السلام عن ابن عبد البر أنه مخير في الانتظار والإحرام عند قد قامت الصلاة ووهمه بعض شيوخنا بأنه إنما حكاه عن أحمد بن حنبل لا غير.
(وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك):
اختلف في حكم رفع اليدين على ثلاثة أقوال: فقيل: فضيل وهو نقل الأكثر وقيل: سنة حكاه ابن يونس وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يرفع حكاه ابن شعبان وفي ثاني حج المدونة تضعيفه. واختلف في منتهى الرفع فروى أشهب حذو صدره وقيل إلى المنكبين وهوالمشهور والمدونة محتملة لهما في قولها يرفع شيئا قليلا وقطع ابن رشد بأن الأول وهو ظاهرها وهذان القولان هما اللذان أراد الشيخ بقوله وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك، وقال عياض: جمع بعض مشايخنا بين روايات الحديث وقول مالك يجعلهما مقابلة أعلى صدره وكفاه حذو منكبيه، وأطراف أصابعه حذو أذنيه.
قلت: قال بعض من لقيناه وفي هذا القول مسامحة؛ لأن اليد لا تطول لذلك وإنما المراد على طريق المقاربة، ولذلك عده غير واحد خلافا كابن الحاجب وليس كما قال والعيان والحس يشهدان بحقيقته وظاهر كلام الشيخ أن الرفع مما يختص بتكبيرة الإحرام، وهو كذلك في مشهور المذهب وروى ابن عبد الحكم يرفع في رفع الركوع أيضًا.
وقال ابن وهب: وعند الركوع وعنه إذا قام من اثنين وروى ابن خويز منداد يرفع في كل خفض ورفع حكاه ابن عبد البر في المحصول لحاصل خمسة أقوال: وحكمة الرفع إما لنبذ الدنيا وراءه ظهره وإما لإتيان المنافقين بأصنامهم، وإما علم على التكبير ليرى ذلك من قرب ومن بعد وإما لإتمام القيام إلى غير ذلك، وفي صفة رفعه قولان أحدهما أنه يبسط يديه ويجعل ظهورهما مما يلي السماء وبطونهما مما يلي الأرض وهذه صفة الراهب. والثاني: أنه يرفعهما منبسطتين فيجعل بطون أصابعهما مما يلي السماء
وهذه صفة النابذ للدنيا وراء ظهره، واستحب بعض الشيوخ هذه الصفة لأنه يمكن بها الجمع بين الأحاديث الواردة في منتهى الرفع.
(ثم تقرأ):
مثل هذا اللفظ في المدونة وفيه مسامحة من حيث أن ثم تقتضي المهلة ولقد أحسن ابن الحاجب في قوله الفاتحة إثر التكبير ولا يتربص إلا أن قوله ولا يتربص كالمستغني، عنه والجواب عن الشيخ أنه إنما قصد بذلك مقتضى العطف باتفاق وهذا معلوم من مذهبه في تكلمه على صفة الصلاة، واختلف المذهب في قوله:"سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" بني التكبير والفاتحة على ثلاثة أقوال: فقيل يكراهة ذلك وهو المشهور ونص عليه في المدونة، وقيل إنه جائز رواه ابن شعبان عن مالك أنه كان يقوله مع سماع ابن القاسم لا بأس بقوله إذا كبر:"سبحانك اللهم وبحمدك" وقيل إنه مستحب حكاه ابن رشد عن رواية النسائي.
وخرج اللخمي عليه: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" وصوبه، لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(فإن كنت في الصبح قرأت جهرا بأم القرآن لا تستفتح ببسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن ولا في السورة التي بعدها):
اختلف في حكم الجهر على ثلاثة أقوال: فقيل سنة وهو المنصوص وروي عن مالك أنه لا سجود في تركه، وقال ابن القاسم تبطل الصلاة بتركه عمدا فأخذ الباجي من الرواية الفضيلة، ومن قول ابن القاسم الفرضية قلت ورد باحتمال كون البطلان لترك السنة عمدا، ومذهبنا تعيين أم القرآن لاي قوم غيرها مقامها وقال أبو حنيفة لا تتعين ومن تركها في ركعة أو في أكثر فيأتي الكلام عليه حيث يتكلم الشيخ عليه إن شاء الله تعالى.
وما ذكر الشيخ أن البطلان مسألة غير مشروعة هو قول مالك وهو المشهور عنه وقيل إنها مستحبة قاله ابن مسملة وقيل إنها واجبة قاله ابن نافع، وقيل إنها مباحة قاله مالك في المبسوط الأربعة حكاها ابن عات، وهذا بالنسبة إلى الفرض، وأما النفل فقال ابن رشد في ذلك روايتان يقرؤها ولا يقرؤها، وقال عياض من رواية ابن نافع لا تترك بحال قلت: وقول المدونة يقتضي الإباحة ونصها وله أن يتعوذ ويبسمل في النافلة
قال الفاكهاني: وفي ظني أن في قراءة سورة الوتر خلافا هل يفصل بينهما ببسملة أم لا وأظنه في النوادر.
(فإذا قلت (ولا الضالين)[الفاتحة: 7]
فقيل آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام وتخفيها):
اعلم أن حكم التأمين الاستحباب وقال ابن عبد السلام: الأقرب أن يبعد في السنن.
قلت وقول التادلي هو سنة للمأموم وفضيلة للإمام والفذ لا أعرفه وقصور منه في حفظه المذهب إذ المذهب الاستحباب مطلقا، وبعد كتبي ما ذكر وقفت على ما قال لابن رشد في المقدمات وقبله خليل ولغات أربع: المد، والقصر مع تخفيف الميم، والوجهان مع شدها ولا خلاف أن الفذ يقولها، وكذلك المأموم إذا كان يقرأ أو يسمع صوت الإمام في الجهر، وأما إن كان بعيدا بحيث لا يسمع فقيل يتحرى فراغ الإمام، ويؤمن قاله ابن عبدوس ولقمان.
وقيل لا يتحرى وقيل هو بالخيار قاله في سماع ابن نافع وصوب ابن رشد الثاني بقوله: المصلي ممنوع من الكلام والتأمين كلام أبيح له في موضعه فإذا تحراه قد يضعه في غير موضعه، ورأى بعض شيوخنا أن قوله والتامين كلام أبيح له يقتضي أن التأمين عنده مباح فناقضه بقوله في المقدمات لا فرق بينه وبين سائر المستحبات إلا أنه آكد فضلا، قلت لم يرد الشيخ ما صرح به عنه وإنما أراد التأمين مشروع عند قول الإمام (ولا الضالين) [الفاتحة:7]
فإذا تحراه المأموم البعيد فقد يضعه في غير محله، ففي كلامه مسامحة فقط، ولم يرد ما قال والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ أنه يقولها خفية ولو كانت الصلاة جهرية وهو كذلك، وقيل يجهر الإمام في الجهر ليقتدي به وقيل فيه أنه مخير.
(ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه، ويقولها فيما أسر فيه وفي قو له إياها في الجهر اختلاف):
تحصيل ما ذكر أنه إذا أسر يؤمن اتفاقا وفي الجهر خلاف على أن في كلامه رحمه الله قلقا والقول بالتأمين رواه المدنيون عن مالك، والقول بعدمه رواه المصريون عنه. وفي المسألة قول ثالث بالتخيير قاله ابن بكير.
(ثم تقرأ سورة من طوال المفصل وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس
اختلف في حكم السورة على ثلاثة أقوال: فقيل سنة وهو المنصوص، وقيل فضيلة أخذه اللخمي من قول مالك وأشهب لا يسجد لتركها سهوا، ورده ابن بشير باحتمال قصر السجود على ما ورد ولم يرد فيها وأجابه ابن هارون، بأن أصل مذهب مالك أن السجود لا يقتصر فيه على ما ورد قال ولا نعلم فيه خلافا، ولو لزم ذلك لزم ترك السجود في جل مسائل السهو.
وقيل إنها فرض أخذه اللخمي أيضا من قول عيسى بن دينار: من تركها عمدا بطلت صلاته.
ورده المازري باحتمال أن يكون البطلان لترك السنة عمدا وليست بكمالها سنة، وإنما مطلق الزيادة على أم القرآن هو السنة وتكميلها فضيلة، وما ذكرناه من حكمها إنما هو بالنسبة إلى الفرض، وأما قراءتها في النفل فقال ابن رشد هي مستحبة لسماع ابن القاسم لا سجود لتركها في الوتر، ونقل الشيخ في نوادره عن رواية ابن عبد الحكم أنه لا بأس في النفل بأم القرآن فقط.
ونقل ابن عبد السلام من كتاب ابن شعبان يقرأ في تحية المسجد بأم القرآن فقط وهو المشهور في ركعتي الفجر ولا يقرأ ببعض سورة قاله في المختصر.
وروى الواقدي: لا بأس بمثل آية الدين وقال عياض: المشهور كمالها وظاهر كلام الشيخ كقول ابن حبيب يقرا في الصبح والظهر من البقرة إلى عبس، وقال الفاكهاني: إنما أراد الشيخ بقوله أطول ما يقارب طوال المفصل لا أنه يقرأ البقرة ونحوها لأنه لا يبقى معه التغليس في الغالب.
قال التادلي: واختلف إذا افتتح سورة طويلة ثم بدا له عنها فقيل يلزمه تمامها وقيل لا وقيل إن نذرها لزمه وإلا فلا قلت: وما ذكره لا أعرفه نصا والذي تلقيته عن غير واحد من الشيوخ إجراء ذلك على من افتتح نافلة قائما ثم شاء الجلوس.
(فإذا تمت السورة كبرت في انحطاطك إلى الركوع فتمكن يديك من ركبتيك وتسوي ظهرك مستويا ولا ترفع رأسك ولا تطأطئه وتجافي بضبعيك عن جنبيك وتعتقد الخضوع بذلك في ركوع وسجودك)
الركوع في اللغة الانحناء وفي الشرع ما قال الشيخ، ووضع اليدين على الركبتين مستحب فإن لم يضعهما عليهما فصلاته مجزئة نقله ابن يونس عن مالك في المجموعة ولم يحك غيره وظاهر المدونة وجوب ذلك ونصها: وإذا مكن يديه من ركبتيه في الركوع وإن لم يسبح وأمكن جبهته وأنفه من الأرض في السجود فقد تم ذلك إذا تمكن مطمئنا. قال ابن عبد السلام: وانظر إن نكس رأسه إلى الأرض هل يجزئه عند من يوجب الطمأنينة أم لا؟ قلت الصواب أنه يجزئه لأن الطمأنينة تحصل مع ذلك وانحناؤه لا يضر لأنه أتى بالمطلوب وزيادة ومجافاة الضبعين مستحبة اتفاقا.
(ولا تدع في ركوعك وقل إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في الليث):
اعلم أن هذا أحد الأمكنة التي يكره الدعاء فيها وثانيها بعد الإحرام وثالثها بعد الجلوس، وقبل التشهد وهذه ذكرها عبد الحق في نكته، وزاد ابن الطلاع وبعد سلام الإمام وقبل سلام المأموم وزاد غيرهما وبعد التشهد الأول.
(ثم ترفع رأسك وأنت قائل سمع الله لمن حمده، ثم تقول اللهم ربنا ولك الحمد إلى آخره):
اختلف المذهب في الرفع من الركوع فقيل فرض وهو نقل الأكثر وقيل سنة حكاه ابن رشد وأ جرى عليهما قول مالك في عقد الركعة هل هو الركوع، أو رفع الرأس منه وحكم سمع الله لمن حمده السنة اتفاقا، وهل مجموعة في الصلاة سنة واحدة أو كل تسميعة سنة يجري عندي على الخلاف في التكبير حسبما حكاه ابن رشد وحكم ربنا ولك الحمد الفضيلة باتفاق، وما ذكر الشيخ أن الفذ يجمع بينهما هو كذلك باتفاق، وكذلك حكم الإمام في القول الشاذ والمشهور يقول سمع الله لمن حمده فقط.
وما ذكر أن المأموم يقول ربنا ولك الحمد فقط هو المشهور، وقال عيسى إنه يجمع بينهما كالفذ ومثله لابن نافع حكاه الباجي عنهما ومثله نقل المازري وغلطهما عياض في الإكمال فانظره، وروى ابن القاسم ولك الحمد بإثبات الواو كما قال الشيخ وروى ابن وهب لك بإسقاط الواو وما ذكر من إثبات اللهم هو نص المدونة وغيرها وقيل بإسقاطها قاله ابن حارث ومثله في المعلم والإكمال وغيرهما.
(وتستوي قائتما مطمئنا مترسلا):
المطلوب كمال الرفع كما قال الشيخ واختلف إذا رفع ولم يعتدل فقال ابن القاسم يجزئه ويستغفر الله وقال أشهب لا يجزئه وهو قول ابن القصار وابن الجلاب وابن عبد البر، وبه أفتى كل من قرأت عليه وقيل إن قارب الاعتدال أجزأه وإلا فلا قاله القاضي عبد الوهاب وغيره.
واختلف في الطمأنينة فقيل فرض سنة ومعنى قول الشيخ مترسلا أي ساكنا قاله في مختصر العين.
(ثم تهوي ساجدا لا تجلس ثم تسجد وتكبر في انحطاطك للسجود فتمكن جبهتك وأنفك من الأرض):
حقيقة السجود ما ذكر الشيخ وهو تمكين الجبهة والأنف من الأرض، ولا
يشترط تمكين الجبهة كلها بل بعضها كاف صرح بذلك ابن عبد السلام، فإن قلت ما نسبته لابن عبد السلام أليس أنه مأخوذ من المدونة قال فيها ومن صلى على كور العمامة كرهته ولا يعيد وأحب إلي أن يرفع عن بعض جبهته حتى يمس الأرض بذلك، قلت: ليس كذلك لأنه سجد ببعض جبهته على العمامة فهو قد مكن جميع جبهته بعضها مباشرة وبعضها بحائل.
واختلف إذا ترك السجود على الجبهة والأنف على أربعة أقوال: فقال ابن حبيب يعيد أبدا وقيل لا إعادة عليه حكاه ابن الحاجب وقيل إن سجد على الجبهة صحت صلاته وعلى الأنف يعيد أبدا قاله في المدونة وقيل إن سجد على الأنف يعيد في الوقت خاصة حكاه أبو الفرج عن ابن القاسم قال في المدونة ومن بجبهته قروح أومأ ولم يسجد على أنفه، ونص أشهب على أنه سجد عليه أجزأه وألزم الخمي على قول ابن حبيب السابق أنه يسجد عليه وجوبا.
واختلف هل قول أشهب وفاق أم لا؟ فذهب ابن يونس وشيخه عتيق إلى أنه وفاق وقال ابن القصار هو خلاف وإليه ذهب بعض شيوخ ابن يونس فإن سجد على كور عمامته ففي المدونة تكره وتصح، وقال ابن عبد الحكم: وابن حبيب إن كانت يسيرة كالطاقة وإن كانت كثيرة أعاد في الوقت إن مس بأنفه الأرض ذكره الباجي رواية لابن حبيب فحمل التونسي قول ابن حبيب على الوفاق وظاهر كلام المازري أنه خلاف.
وقال التادلي: اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: ثالثها إن عظمت أعاد أبدا فكلامه يدل على أن في المذهب قولا بالبطلان مطلقا ولا أعرفه.
(وتباشر بكفيك الأرض بسطا يديك مستويتين إلى القبلة تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك وذلك واسع غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض ولا تضم عضديك إلى جنبيك ولكن تجنح بهما تجنيحا وسطا):
مباشرة الأرض بالكفين مستحبة ومثله مباشرة الأرض بالوجه وفي غيرها مخير واختلف أين يضع يديه على أربعة أقوال: فقيل لا تحديد في ذلك قاله في المدونة وقيل حذو منكبيه نقله صاحب الطراز عن ابن مسلمة وقيل حذو أذنيه قاله ابن مسلم أيضًا، واختاره اللخمي وقيل حذو صدره قاله ابن شعبان، وقول الشيخ حذو أذنيك أو دون ذلك أراد بذلك الإخبار أن في المسألة قولين إلا أن قوله أو دون ذلك يحتمل
المنكبين أو الصدر وهو الأقرب والله أعلم، وأشار بقوله وذلك واسع إلى عدم فرضية ما ذكر على أنه يحتمل وكأنه الأقرب أن إشارته إنما هي إلى التوسعة بعدم التحديد كما قال في المدونة.
(وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إبهاميهما إلى الأرض):
قال ابن القصار والسجود على الركبتين وأطراف القدمين سنة فيما يقوى في نفسي وظاهر كلام اللخمي وغيره أن ذلك واجب، وقول ابن العربي أجمعوا على وجوب السجود على السبعة الأعضاء قصور، وقال ابن الحاجب: أما الركبتان وأطراف القدمين فسنة فيما يظهر، وقيل واجب، فظاهره أن القول الأول لم يسبقه إليه غيره وليس كذلك بل هو كلام ابن القصار.
(وتقول إن شئت في سجودك سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءًا فاغفر لي أو غير ذلك إن شئت وتدعو في السجود إن شئت وليس لذلك وقت وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا):
حكم الدعاء في السجود الفضيلة، وقال يحيى بن يحيى وعيسى بن دينار من لم يذكر الله في ركوعه ولا في سجودة أعاد صلاته أبدا، قال عياض فتأوله القاضي التميمي لتركه الطمأنينة الواجبة، وتأوله ابن رشد لتعمده تركه حتى التكبير كتعمد ترك السنة قال في البيان إنما قالاه استحبابا لا وجوبا، والمطلوب أن يجمع في دعائه بين مصالح دينه ودنياه قال في المدونة ولا بأس بالدعاء على الظالم.
قلت: وأفتى بعض شيوخه غير ما مرة بأن يدعي على المسلم العاصي بالممات على غير الإسلام، واحتج بدعاء موسى عليه الصلاة والسلام بذلك على فرعون، فقال تبارك وتعالى حاكيا عنه (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) [يونس: 88]
والصواب عندي أنه لا يجوز وليس في الآية دليل لأنه فرق بين الكافر الميئوس منه، كفرعون وبين المسلم العاصي المقطوع له بالجنة إما أولا، وإما ثانيا. وقد قال عياض في إكماله في قوله عليه السلام "لعن الله السارق" وهو حجة في لعن من لم يسم.
وكذلك ترجم عليه البخاري لأنه لعن للجنس لا المعين ولعن الجنس جائز لأن
الله تعالى قد أوعدهم وينفذ الوعيد على من يشاء منهم وإنما يكره، وينهى عن لعن المعين والدعاء عليه بالإبعاد من رحمة الله عز وجل وهو من معنى اللعن وقد ذهب بعض المتكلمين على معاني الحدي أن اللعن جائز على أهل المعاصي، وإن كان معينا ما لم يحد لأن الحدود كفارات لأهلها، وهذا الكلام غير سديد ولا صحيح لنهيه عليه الصلاة والسلام عن اللعن في الجملة وحمله على المعين أولى ليجمع بين الأحاديث.
واختلف إن قال يا فلان فعل الله بك كذا وكذا فقال ابن شعبان صلاته باطلة والمذهب على خلافه قال ابن العربي في القبس: اختلفت الصوفية هل الدعاء أفضل من الذكر المجرد أم العكس؟ فقيل بالأول لقوله تعالى: (ادعوني استجب لكم)[غافر: 60]
ولأن الدعاء المأثور عنه عليه الصلاة والسلام أكثر من الذكر المأثور ومنهم من قال بالثاني لقوله عليه الصلاة والسلام حاكيا عن الله عز وجل: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
(ثم ترفع رأسك بالتكبير فتجلس فتثني رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين وتنصب اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض):
اعلم أن الرفع من السجود فرض بلا خلاف وفي الاعتدال والطمأنينة خلاف قال ابن الحاجب: والرفع منه، والاعتدال والطمأنينة كالركوع وتعقبه ابن دقيق العيد بأن ظاهره يقتضي أن فيه خلافا لقوله كالركوع وهو ممتنع لتوقف الثالثة عليه، وأجيب عنه بأنه إنما قصد إلى ثبوت أصل الطلب في الرفع من السجود كما هو في الرفع من الركوع، ولم يقصد أن الرفع من السجود مختلف فيه كما اختلف في الرفع من الركوع.
قال ابن عبد السلام: وفي هذا الجواب نظر لأنه بتقدير صحته يكون كلام المؤلف قاصرا في عدم التعرض للخلاف الذي في الاعتدال والطمأنينة في الرفع من السجود، وبالجملة فإن قصد المؤلف حقيقة التشبيه لزم الإشكال المذكور وإن قصد ما قال هذا المجيب لزم قصور كلامه من حيث إنه لم يتعرض للخلاف الذي في الاعتدال والطمأنينة.
قلت هذا كله لا يحتاج إليه وليس في كلامه ما يدل على خلاف السنة؛ لأن قوله الرفع منه هو آخر الكلام لكونه ترجمة؛ ولأنه قال أحد الفرائض السابقة الرفع منه، ثم استأنف التفريع في مسائلة فقال: والاعتدال في الطمأنينة كالركوع أي اختلف فيها كالركوع، ومثل هذا لابن هارون رحمه الله تعالى، ومن علم طريقة ابن الحاجب في هذا
الفصل فقد علم ما قلناه، وإن سلمنا أن الأمر كما قالوا فابن الحاجب لم يحك خلافا في الرفع من الركوع هل هو فرض ابتداء أم لا نعم حكي بعد الوقوع خلافا، وهنا فرض ذلك متعذر فهو أراد التشبيه في الحكم ابتداء، وذلك صحيح وهو الفرضية بلا خلاف.
(وترفع يديك عن الأرض على ركبتيك ثم تسجد الثانية كما فعلت أولا):
أما وضعهما على الركبتين فلا خلاف أن ذلك مستحب وأما رفعهما عن الأرض فقال سحنون اختلف أصحابنا إذا لم يرفعهما، فقال بعضهم بالإجزاء وقال بعضهم بعدمه، قلت: وبه أدركت جماعة ممن لقيت يفتون، وقد أخبرت أن بعض متأخري إفريقية كان يفتي بالبطلان إذا لم يرفعهما معا وبالصحة إذا رفع واحدة.
(ثم تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس ولكن كما ذكرت لك وتكبر في حال قيامك):
ما ذكر أنه يعتمد على يديه يريد على طريق الاستحباب وهو قول مالك وخفف تركه في المدونة، قال فيها فإن شاء اعتمد على يديه في القيام أو ترك فظاهره الإباحة وروى عن مالك يكره ترك اعتماده وما ذكر الشيخ أنه لا يرجع للجلوس هو المشهور واستحب ابن العربي أن يجلس لثبوته عنه علي السلام، وبه قال الشافعي.
قال ابن عبد السلام: وهو المختار وعلى الأول فإن رجع جالسا عمدا فلا سجود والصلاة مجزئة باتفاق مراعاة للخلاف وإن رجع ساهيا ففي السجود قولان.
(ثم تقرأ كما قرأت في الأولى أو دون ذلك وتفعل مثل ذلك سواء):
اعلم أن المذهب اختلف في قراءة الثانية فقال في المختصر لا بأس بطول قراءة ثانية الفريضة على الأولى وفي الواضحة الاستحباب وعكسه، فجعلها المازري قولين وجهل ابن العربي من لم يطل الأولى على الثانية. قلت: فقول الشيخ كما فرأت في الأولى أو دون ذلك إن أراد المسألة ذات قولين كعادته فالقول الأول من قوليه خلاف ما تقدم ولا أعرفه.
(غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قنت قبل الركوع بعد تمام القراءة):
اختلف في حكم القنوت والمشهور من المذهب أن ذلك فضيلة وقيل سنة قاله ابن سحنون وعلي بن زياد، وهو ظاهر السليمانية يسجد لسهوه وهو مذهب المدونة، قال فيها عن ابن مسعود: القنوت في الفجر سنة ماضية والأصل الحقيقة وإتيان سحنون بذلك يدل على ارتضائه له وقال يحيى بن يحيى لا يقنت وإنما قال ذلك لما في الموطأ
كان ابن عمر لا يقنت.
قال بعض الشيوخ: واستمر العمل بذلك في مسجد يحيى بعد موته، وإذا قلنا بأنه فضيلة فلا سجود له كسائر الفضائل فإن سجد له بطلت صلاته قاله أشهب حكاه ابن رشد ومثله للطليطي، وإذا قلنا بالسنة فنص علي بن زياد على أنه إن لم يسجد بطلت، وهو قائل بذلك في كل سنة، وقال بعض المتأخرين: من أراد أن يخرج من الخلاف فليسجد بعد السلام وبه أفتى بعض من لقيته غير ما مرة ونص ابن الحاجب على أنه لا بأس برفع يديه في دعاء القنوت.
قلت وظاهر المدونة خلافه قال فيها: ولا يرفع يديه إلا في الافتتاح شيئا خفيفا والمشهور أنه لا يكبر له قبل، وروى علي أن مالكا كبر حين قنت، واختلف ما الأفضل في محله فقيل قبل الركوع أفضل.
وقال ابن حبيب: بعده أفضل وهو ظاهر كلام الشيخ، وفي المدونة والقنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع والذي أخذ به مالك في خاصته قبل.
(والقنوت اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد):
ما ذكره مثله في المدونة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر القاضي عبد الوهاب في تلقينه هذا الدعاء من أوله إلى نحفد وزاد اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، ولا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت.
قال ابن عبد السلام: واختار ابن شعبان الجمع بينهما مع زيادة الدعاء على الكفار والدعاء للمسلمين، ومعنى نستعينك أي نطلب منك العون، ونستغفرك: أي نطلب منك المغفرة، ونؤمن بك: أي نصدق بوجودك ونخنع أي نخضع، ونخلع: أي ربقة الكفر من أعناقنا، ونترك من يكفرك: أي لا نحب دينه ولا يعترض على هذا بإباحة نكاح الكتابية لكوننا إذا تزوجناها ملنا إليها لأن النكاح في باب المعاملات، والمراد هنا كما تقدم إنما هو بعض الدين وحكاية البهلول بن راشد المذكور في المدارك وغيرها، إنما خرج ذلك منه على طريق الورع ولولا الإطالة لذكرناها وتقديم المفعول في قوله إياك نعبد إشارة للحصر أي لا نعبد إلا إياك، وعطف السجود على الصلاة لأنه مخها ومعنى نحفد أي نخدم بسرعة وقوله نرجو رحمتك، ونخاف عذابك
الجد إلخ فيه الإشارة إلى أن الجمع بين الرجاء والخوف من المطلوب وهو كذلك لقوله عليه الصلاة والسلام " لا يجتمعان في قلب عبد المؤمن إلا أعطاه الله ما يرجوه منه، وأمنه مما يخاف" إلا أنه في حال الشبوبية والكهولية يغلب الخوف، وفي حال الشيخوخية والمرض يغلب الرجاء.
قال الفاكهاني: والجد بكسر الجيم أي الحق وقيل معناه الدائم الذي لا يفنى ويروى الجد بالفتح مصدر جد والكسر أكثر وأشهر وهي روايتنا في هذا الكتاب وملحق فيه الكسر والفتح، فالكسر بمعنى لاحق وبالفتح أي يلحقه بالكافرين وهي رواية في الرسالة.
(فإذا جلست بين السجدتين نصبت رجلك اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وثنيت اليسرى وأفضيت بأليتك إلى الأرض ولا تقعد على رجلك اليسرى وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسع):
اختلف المذهب في الجلوسين على ثلاثة أقوال: فقيل سنتان وهو المشهور وروى أبو معصب وجوب الآخر منهما.
وقال ابن زرقون ظاهر نقل أبي عمر بن عبد البر وجوبهما معا.
وهذا كله في غير مقدار ما يوقع فيه السلام وأما مقدار ما يوقع فيه السلام ففرض باتفاق، وما ذكر الشيخ من التخيير في جنب الإبهام هو خلاف قول الباجي يكون باطن إبهامهما ما يلي الأرض لا جنبهما. قال الفاكهاني: عن الغريب كأن الشيخ أبا محمد رحمه الله وهم في قوله بهما وإنما يقال إبهام كما هو المعروف قال الجوهري الإبهام الإصبع العظمى والبهم هو أولاد الضأن كما أن السخل أولاد المعز.
(ثم تشهد):
حكم التشهد السنة باتفاق على ظاهر كلام الأكثر وقال ابن بزيزة في حكم التشهدين ثلاثة أقوال: المشهور سنة وقيل فضيلة وقيل الأول سنة والثاني فرض وقبله خليل.
(والتشهد: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلخ):
سمي التشهد تشهدا لتضمنه الشهادتين، وإنما اختار مالك هذا التشهد لأنه تشهد
عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ كان يعلمه الناس على المنبر من غير نكير عليه، قلت: وليس جميعه سنة بل بعضه هو السنة قياس على السورة والله أعلم.
وأقيم من هنا الرجل إذا لقي رجلا فأخبره أن فلانا يسلم عليه ولم يأمره بذلك أنه غير كاذب لقوله المصلي ما يدل عليه، وهو قوله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأن المراد بذلك المؤمنون وهذه إقامة ظاهرة إذا كان القائل لذلك يعلم أن المنقول عنه يعلم ما وقعت الإشارة إليه من كونه يفهم معنى ما هو متكلم به، وقول الشيخ فإن سلمت بعد هذا أجزأك وصف طردي وكذلك إذا قال بعضه أو تركه جملة.
(ومما تزيده إن شئت: وأشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور):
قال عبد الوهاب: هذه الزيادة مروية عن السلف الصالح رضي الله عنهم، ومعنى أشهد: أتحقق وأوقن، وذكر الجنة وما بعدها من باب عطف الخاص على العام وأراد الشيخ أن الجنة والنار موجودتان لا أنهما سيوجدان وذهبت المعتزلة إلى ما نفيناه، وذكره القبر إما لأنه الأعم الأغلب، وإما لأن قبر كل شيء بحسبه.
(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك في محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد):
اختلف المذهب في حكم التصلية في التشهد الذي يوقع فيه السلام على ثلاثة أقوال: فقيل سنة وهو المشهور وقيل فرض وقيل فضيلة نقل هذا الخلاف عياض عن بعض البغدادين عن المذهب، وقال ابن محرز: وقول ابن المواز بالفرضية لعله يريد في الجملة واعترض الشيخ أبو بكر بن العربي على الشيخ في قوله وارحم محمدا بقوله وهم شيخنا أبو محمد وهما قبيحا خفي عليه علم الأثر والنظر فزاد، وارحم محمدا وهي كلمة لا أصل لها إلا حديث ضعيف وردت فيه خمسة ألفاظ، وهي اللهم صل على محمد وارحم محمدا وبارك وتحنن وسلم، وهذا لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه في العبادات فحذار أن يقوله أحد.
قلت: يرد احتمال أن يكون هذا الحديث المذكور صح عند الشيخ ولو سلمنا أنه لم يصح فيعتذر عنه بما اعتذر عياض، وذلك أنه قال: اختلف أصحابنا في الدعاء بالرحمة له عليه الصلاة والسلام فاختار ابن عبد البر منعه وأجاز ذلك غير واحد وهو
مذهب الشيخ أبي محمد بن أبي زيد، وقد جاء في بعض الطرق: اللهم اغفر لمحمد وتقبل شفاعته، وهو بمعنى وارحمه والمطلوب أن يتلمس للشيخ تأويلا وإن بعد، وقد علمت اعتذاره عما يقع لأهل المذهب متقدمهم ومتأخرهم فمثل الشيخ أبي محمد لا يخاطب بالكلام الذي ذكر لعلمه وصلاحه إذ يستحي الإنسان من سماعه، ولولا هذا الذي ذكرناه لكان عدم ذكر اعتراضه خيرا من كتبه والله أعلم. واختلف في الآل فقيل قرابته وقيل أهل بيته وقيل أمته إلى غير ذلك.
(اللهم صل على ملائكتك والمقربين وعلى أنبيائك والمرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين):
قيل أن أكثر النسخ فيها إثبات الواو من قوله والمقربين والمرسلين وصح أقل النسخ بإسقاطها والأول أحسن لشموله جميع الملائكة، وإنما خصص المقربين والمرسلين تشريفا. والمراد بالمقربين قرب رضا لا قرب مكان، وذلك كجبريل وميكائيل وأخذ التادلي من قول الشيخ وعلى أهل طاعتك أجمعين، جواز الصلاة على غير الأنبياء والصحيح قصرها على الأنبياء قلت: كلام الشيخ إنما يدل على أن الصلاة على غير الأنبياء والصحيح قصرها على الأنبياء قلت: كلام الشيخ إنما يدل على أن الصلاة على غير الأنبياء تجوز بحكم التبع للأنبياء لا أن الصلاة بالاستقلال جائزة والله أعلم.
(اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما):
أول ما بدأ الشيخ بالدعاء له وثنى بوالديه إلخ، وذلك هو المطلوب إذ ذلك من كمال الأدب ليظهر كمال الافتقار إلى الله تعالى، والأئمة أراد بهم الجمع المركب من العلماء والأمراء والله أعلم، وأشار بقوله: ومن سبقنا بالإيمان إلى الامتثال لقوله تعالى: (والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)[الحشر: 10]
ومعنى عزما أي لا غنى لنا عن مغفرتك ولو قال إن شئت لكان فيه إظهار الغنى، وفي كلام الشيخ عندي دليل على أن المطلوب لمن أراد زيارة القبور أن يبدأ بوالديه ثم بمن قرأ عليه لأن للتقديم مزية، وكان بعض من مضى من العلماء يبدأ بمن تعلم عليه العلم قبل أبويه.
ويحتجا بأن معلمه قد تسبب له في حياته الباقية، وأبويه إنما تسببا له في حياته الفانية، قلت والحق عندي هو الأول وبه كان بعض من لقيته يفتي لأن الشرع دل على ذلك، ألا ترى أن نفقة الأبوين إذا كانا فقيرين تجب على الولد القادر عليها، ولم يقل أحد من أهل العلم فيما قد علمت بوجوب ذلك لمن تعلم عليه العلم.
(اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك صلى الله عليه وسلم إلخ):
هذا اللفظ عام والمراد به الخصوص إذ الشفاعة العظمى مختصة به عليه الصلاة والسلام لا يشاركه غيره فيها.
(اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا):
في كلام الشيخ إشارة إلى أن المجانسة في الدعاء حسنة.
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار):
اختلف في الحسنة في الدنيا فقيل المال الحلال، وقيل العلم والعبادة وقيل الزوجة الحسنة وقيل غير ذلك وأما قوله تعالى:(وفي الآخرة حسنة)[البقرة: 201]
فالجنة بإجماع قاله ابن عطية.
(وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن عذاب النار وسوء المصير):
أراد والله أعلم بفتنة المحيا ما يفتتن به الإنسان في حياته، ومن فتنة الممات حضور الشيطان له عند حضور أجله والمسيح يروى بالحاء المهملة مأخوذ من مسحه البركة، ويروى بالخاء لمسخ صورته، وقول الشيخ وسوء المصير إن أراد به سوء الخاتمة كما قيل فهو حشو لقوله والممات، وإن أراد سوء المنقلب فهو حشو لقوله من عذاب النار ويبعد أن يريد بقوله والممات ما يدرك الإنسان بعد موته لذكره فتنة القبر والنار والله أعلم.
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين):
إنما كرره لأن السلام المطلوب أن يكون عقبه، ومن كان مصليا وحده فحسن أن يذكر في تشهده ما ذكر الشيخ، ومن كان وراءه جماعة وهو يعلم أنه يشق عليهم ذلك فليقتصر عن إكماله، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ "أفتان أنت يا معاذ" لما كان يطول في صلاته.
(ثم تقول السلام عليكم تسليمة واحدة عن يمينك تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا هكذا يفعل الإمام والرجل وحده):
مذهب مالك المعروف تعيين السلام عليكم قال الباجي، ووقع لابن القاسم أن
من أحدث في آخر صلاته أجزأته صلاته، قال ابن زرقون ويرد نقلا ومعنى أما نقلا فلان المنقول عن ابن القاسم أن من أحدث في آخر صلاته وهو في جماعة صلوا خلف إمام فأحدث إمامهم فسلموا هم لأنفسهم فسئل عن ذلك فقال تجزئهم صلاتهم أي تجزئ صلاة المأمومين فقط.
وأما معنى فلان الأئمة على قولين: منهم من يرى لفظ السلام بعينه وهو مالك ومنهم من لا يرى لفظ السلام ولكن يشترط أن ينوي بكل مناف الخروج من الصلاة.
أما ما حكاه الباجي من إطلاق كلامه فهو خلاف ما عليه الأئمة. وقبل ابن عبد السلام قول ابن زرقون هذا ويرد الثاني بأن سبقية الخلاف لا تمنع من نقل قول ثالث أو اختياره، والمطلوب أن يقول السلام عليكم غير منون فلو نكر، فقال الشيخ أبو محمد وعبد الوهاب لا يجزئ، وروي عن مالك وقال أبو القاسم بن شبون يجزئ وكل هذا الخلاف بعد الوقوع، وأما ابتداء فالمطلوب عدمه واختار بعض أصحاب الباجي ترجيحه على التعريف ولو عرف ونون فالمنصوص لمتأخري أشياخنا عدم الإجزاء ونقل غير واحد ممن شرحها كالتادلي قولا بالإجزاء جريا على اللحن، وأما إذا قال عليكم السلام ففي الصحة قولان حكاهما صاحب الحلل، ولا أعرف القول بالصحة.
وفي كلام الشيخ تناف فلم يزل أشياخنا ينبهونا عليه وهو أن قوله عن يمينك ينافي قوله تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا، وما ذكر أن الإمام الفذ يسلمان تسليمة واحدة وهو المشهور، وروي عن مالك أنهما يسلمان تسليمتين.
(وأما المأموم فيسلم واحدة يتيامن بها قليلا ويرد أخرى على الإمام قبالته يشير بها إليه ويرد على من كان سلم عليه عن يساره فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئا):
ما ذكر هو المشهور وروي عن مالك أنه يبدأ بالسلام على من على يساره ثم على الإمام، وظاهر كلام الشيخ أن لو كان على يسار المسلم مسبوق لا يسلم عليه، وظاهر كلام ابن الحاجب أنه يسلم عليه لعموم قوله أمامه ثم يساره إن كان فيه أحد، واختلف في المسبوق إذا قضى كيف يسلم، فقيل كالمأموم وقيل كالفذ وكلاهما لمالك رحمه الله، وسبب الخلاف انسحاب حكم المأموم عليه ونفيه فإن شرط الرد الاتصال، قال الإمام المازري هذا يدل أن الخلاف باق ولو كان من يرد عليه حاضرا، قال وزعم بعض أشياخي الاتفاق إذا كان حاضرا أنه يسلم عليه. قاله ابن سعدون ولو كان المأموم
بين يدي الإمام فإنه يسلم على الإمام وهو على حاله وينوي الإمام ولا يلتفت إليه.
(ويجعل يديه في تشهده على فخذيه ويقبض أصابع يده اليمنى وببسط السبابة يشير بها وقد نصب حرفها إلى وجهه):
جعل اليد في التشهد على الفخذ مستحب، وكذلك القبض وهو شبه عاقد ثلاث وعشرين قاله ابن بشير، وقال ابن الحاجب: شبه تسعة وعشرين والمروي شبه ثلاثة وخمسين، وأما الإشارة فقال ابن رشد هي سنة من فعله عليه الصلاة والسلام، وذهب ابن العربي إلى إنكار ذلك، وعلى الأول فقيل في جميع التشهد وقيل عند التوحيد خاصة وصفة ذلك قيل يمينا وشمالا كالمذبة وقيل إلى السماء والأرض، وقيل عند التوحيد كما في القول الثاني وعند غيره كالأول، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها بعض من شرح الرسالة.
(واختلف في تحريكها فقيل يعتقد بالإشارة بها أن الله أحد ويتأول من يحركها أنا مقمعة للشيطان وأحسب تأويل ذلك أن يذكر بذلك من أمر الصلاة ما يمنعه إن شاء الله عن السهو فيها والشغل عنها):
يحتمل أن يريد بالخلاف التحريك وعدمه، ويحتمل في علة التحريك فقط، وأنكر ابن العربي العلة ليطرد بها الشيطان فلا يسهو، وقال إن الشيطان لا يطرد بتحريك الإصبع وإنما يطرد بذكر الله تعالى وإن حركتم إليه إصبعا حرك إليكم عشرا وإياكم وما وقع من ذلك في العتبية فإنها بلية.
قال التادلي: والعجب منه كيف ينكر هذا وهو مصرح به في مسلم ففيه أنها مذبة للشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه، قال الباجي فهذا يدل على أن في تحريكها القمع للشيطان ونفي السهو، وكثير من الأشياخ يعتقد أن الإشارة والتحريك معناهما واحد وهو باطل إذ يمكن أن يشير بها ولا يحركها.
(ويبسط يده اليسرى على فخذه الأيسر ولا يحركها ولا يشير بها):
بسط اليد اليسرى مستحب وهل التحريك مرادف للإشارة أو مغاير قولان كما تقدم، ولأن ظاهر كلام الشيخ المغايرة لعطفه الإشارة على التحريك، قال النووي ولو كان مقطوع اليد اليمنى فلا ينتقل إلى اليد اليسرى لأن شأنها البسط، قال التادلي: وفيه مجال لأن اليسرى قد يقال إنما شأنها البسط من وجود اليمنى، وأما مع فقدها فلا.
(ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله ثلاثا وثلاثين،
ويكبر الله ثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير):
الأصل فيما ذكر الشيخ أن فقراء المهاجرين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال:"وما ذاك" فقالوا يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا تتصدق ويعتقون ولا نعتق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:"تسبحون وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة وتختمون المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
قال أبو محمد صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" فقال الفقهاء لا خصوصية للفقراء في هذا الحديث لقوله، "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"، وقال الصوفية بل قوله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يريد بذلك أن هذا الفضل مخصوص بهم لا يلحقهم غيرهم في ذلك.
(ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها وليس بواجب):
اعلم إن قوله وليس بواجب مستغنى عنه إذ قوله، ويستحب يدل على ذلك وإنما كان ذلك مستحبا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس كان له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" قال الترمذي: هذا حديث حسن. قلت: ويظهر من يقرأ القرآن في هذا الوقت يحصل له هذا الشرف لأنه من أشرف الأذكار فهذا داخل فيما قال الشيخ والله أعلم.
وروى بعض من لقيناه أنه غير داخل في قوله في الذكر لقرينة قوله والاستغفار زاعما أن ابن عبد البر نص على ذلك وهو بعيد قال في المدونة، وكان مالك يسأل بعد
طلوع الفجر حتى تقام الصلاة ثم لا يجيب من يسأله بعد الصلاة بل يقبل على الذكر حتى تطلع الشمس، وقال التادلي: فيقوم منها أن الاشتغال بالذكر في هذا الوقت أفضل من قراءة العلم فيه.
وقال الأشياخ: تعلم العلم فيه أولى قلت وهو الصواب وبه كان يفتي بعض من لقيناه ولا سيما في زماننا اليوم لقلة الحاملين له على الحقيقة وسمع ابن القاسم: مرة صلاة النافلة أحب إلي من مذاكرة العلم ومرة العناية بالعلم بنية أفضل، قلت: وبهذا القول أقول وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية وعلم ينتفع به بعد موته" فتعليم العلم مما يبقي بعده كما قال عليه الصلاة والسلام.
(ويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد الفجر يقرأ في كل ركعة بأم القرآن يسرها):
حكم ركعتي الفجر الفضيلة عند الأكثر، وقيل سنة، والوتر آكد منها ولا شك إن وقتها، كما قال الشيخ قال في المدونة: ومن تحرى الفجر في غيم فركع فإذا هو قبل الفجر أعادهما بعده، ولا يعارضها قول أضحيتها إذا تحرى من لا إمام لهم ذبح أقرب الأئمة إليهم فأخطئوا فإنهم لا يعيدون ليسر إعادة الركعتين وعسر إعادة الأضحية والله أعلم.
وقال ابن حبيب: إذا أخطأ في وقت ركعتي الفجر فإنه لا يعيدها، وبه قال ابن الماجشون وما ذكر أن القراءة تكون بأم القرآن فقط هو المشهور، وهو قول جمهور أصحاب مالك، وقيل وسورة قصيرة قاله مالك حكاه اللخمي من رواية ابن شعبان في مختصر ما ليس في المختصر، وقال أحمد بن خالد: يقرأ مع أم القرآن بالكافرون والإخلاص، وقيل (قولوا ءامنا بالله) [البقرة: 136]
(قل يا أهل الكتاب تعالوا)[آل عمران: 64]
قاله ابن حبيب وخرج فيه حديثا، وخارج المذهب قولان آخران أحدهما أنه لا يقرأ فيهما جملة، خرجه الطحاوي عن قوم وذهب النخعي إلى إطالة القراة فيهما واختاره الطحاوي.
وما ذكر الشيخ أن القراءة تكون سرا هو قول كافة العلماء لقول عائشة رضي
الله عنها كان عليه الصلاة والسلام يخفف حتى أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا، وهذا القول هو المشهور في المذهب، وحكى اللخمي قولا في المذهب أنه يقرأ فيهما جهرا، والضجعة بعد ركعتي الفجر غير مشروعة على المشهور خلافا لابن حبيب وصوبه ابن عبد السلام قائلا لاسيما لمن اتصل قيامه بطلوع الفجر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلها، وروي عنه أنه أمر بها وخارج المذهب قول بوجوبها وهو شذوذ.
(والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون ذلك قليلا ولا يجهر فيها بشيء من القراءة ويقرأ في الأولى والثانية في ركعة بأم القرآن وسورة سرا):
يعني أن المذهب اختلف هل قراءة الظهر مساوية لقراءة الصبح أم لا؟ فقيل إنهما سواء قاله أشهب وابن حبيب، وقيل إن الصبح أطول قليلا قاله مالك ويحيى، وقد نبهناك على أن الشيخ إذا أتى بأو في كلامه إنما يريد بها عوض، وقيل فكأنه قال والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطول في قول أو دون ذلك في قول آخر والله أعلم.
(وفي الأخيرتين بأم القرآن وحدها سرا):
ما ذكر أنه يقرأ في الركعتين الأخريين بأم القرآن فقط هو المعروف في المذهب، وقيل يقرأ بسورة مع أم القرآن في كل ركعة كالأوليين، قاله ابن عبد الحكم. وعلى الأول فإن قرأ في كل ركعة منهما بسورة فلا سجود عليه، قال ابن الحاجب: وذكر لي بعض أصحابنا عن أشهب أنه قال في هذه المسألة عليه السجود، قلت إنما قال في هذه المسالة عليه السجود إشارة منه إلى أنه لو قرأ بذلك في ركعة فقط فإن أشهب يقول لا يسجد، فالخلاف إنما هو حيث القراءة بذلك في الركعتين، وقال ابن الحاجب: وزيادة سورة في نحو الثالثة مغتفر على الأصح وتعقبه ابن عبد السلام بأن كلامه يقتضي أن الخلاف في السجود في زيادة ركعة وليس كذلك.
(ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله):
ظاهر كلامه أن الدعاء فيه لا ينبغي وليس بموضع له وهو كذلك في رواية علي بن زياد، وقيل يجوز الدعاء فيه كالثاني في رواية ابن نافع وغيره عن مالك.
(ثم يقوم فلا يكبر حتى يستوي قائما هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضا فإذا استوى قائما كبر ويفعل في بقية صلاة الظهر من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ما تقدم ذكره في الصبح):
ما ذكر أن الإمام والفذ لا يكبران حتى يقع الاستواء منهما هو المعروف، واختار ابن العربي أن يكبر حال القيام ووقع في بعض نسخ تقريب، خلف عن ابن الماجشون مثله والقول الأول علل بثلاثة علل وهي العمل، وكونه لم ينتقل عن ركن ولقول عائشة رضي الله عنها "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" فالقائم إلى الثلاثة كالمستفتح لصلاة جديدة.
(ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعات يسلم من كل ركعتين):
المطلوب أن النافلة لا تكون إلا ركعتين يسلم منهما كما قال الشيخ رحمه الله وهذا هو مذهبنا، واضطرب العلماء في ذلك اضطرابا شديدا، فلو صلى ركعتين وسها فإن ذكر قبل عقد الثالثة رجع وسجد بعد السلام اتفاقا وإن عقدها تمادى مطلقا وأكمل أربعا على المشهور، وقيل إن كانت نافلة نهار فكما تقدم وإن كانت نافلة ليل رجع قاله ابن مسلمة، وحيث يتمادى فهل يسجد قبل السلام أو بعده؟ فقال في المدونة يسجد قبل السلام وقيل إنه يسجد بعده، ووجه القول الأول بوجهين، وهما إما لنقص السلام وإما لنقله عن محله، وضعف الأول بأنه يلزم عليه البطلان وضعف الثاني أيضا بأن ذلك منقوض بمن صلى الظهر خمسا ساهيا فإنه يسجد بعد السلام مع أنه نقله عن محله.
ولهذا الذي ذكرناه اختار ابن عبد السلام عدم السجود مطلقا قائلا لأن أمرهم بالتمادي مع أمرهم بالسجود متناقض قلت: لا مناقضة في ذلك للاحتياط، وذلك أن التمادي مراعاة للخلاف والسجود مراعاة لمذهبنا فجمع بذلك بين المذهبين احتياطا والله أعلم، فإن قلت ما بال الشيخ أبي القاسم بن الجلاب رحمه الله نسب السجود قبل السلام لابن عبد الحكم مع أنه في المدونة كما ذكرتم على أنه يقع له ذلك كثيرا، ألا ترى إلا قوله وأما المرأة فإن قامت فحسن قاله ابن عبد الحكم.
قلت: كان أهل بغداد يعتنون بكتاب ابن عبد الحكم كل الاعتناء ويرجحونه على غيره، حتى إن الأبهري شيخ ابن الجلاب شرح كتابه، فهم أهل بغداد إذا وجدوا قولا لابن عبد الحكم وغيره عزوه لابن عبد الحكم وهم في الغير في الاختيار بين أن يذكروه أم لا، كنحن بالنسبة إلى قول ابن القاسم مع غيره. قال التادلي: وتعقب على الشيخ في تحديده التنفل بأربع ركعات مع أنه في المدونة قال: إنما يوقت في هذا أهل العراق، قلت: لم أزل أسمع بعض من لقيته يقول إن ما ذكر الشيخ هو نص ابن حبيب
في واضحته للأحاديث فإن صح فلا اعتراض على الشيخ لأن الرسالة لا تقيد المدونة.
(ويستحب له مثل ذلك قبل صلاة العصر ويفعل في صلاة العصر كما وصفنا في الظهر سواء إلا أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بالقصار من السور):
أكثر أهل المذهب على أن التنفل قبل العصر من الرواتب، وقال عياض في الإكمال حكى العنبري من شيوخنا العراقيين أنه لا رواتب قبل العصر جملة.
(مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهما)
ظاهر قول الشيخ ونحوهما خلاف قول ابن حبيب يقرأ في العصر والمغرب من الضحى إلى آخر القرآن، ولو افتتح في العصر سورة طويلة تركها، وإن قرأ نصفها ركع، ولو افتتح قصيرة بدل طويلة فإن أتمها زاد غيرها وإن ركع بها فلا سجود عليه روى جميع ذلك ابن حبيب.
(وأما العشاء الأخيرة وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى إلخ):
كلام الشيخ يقتضي أن المغرب تسمى عشاء لوصفه العشاء بالأخيرة وقد تقدم ما في ذلك، وكذلك قدمنا أن في تسميتها بالعتمة ثلاثة أقوال: الجواز والكراهة والتحريم على ظاهر ما في كتاب ابن مزين من قال عتمة كتبت عليه سيئة.
(ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لغير ضرورة):
وجه كراهية النوم قبلها خشية أن تفوته صلاة الجماعة أو نسيانها وقد قدمنا أن ظاهر كلامه، ولو وكل بذلك من يوقظه، ووجهه إن سلم خشية أن ينام الموكل، وحديث الوادي يدل على الجواز، ووجه كراهية الحديث بعدها إما خشية فوات صلاة الصبح جماعة وإما خشية خروج وقتها، وكل هذا ما لم تكن ضرورة فإن كان كالعروس وناظر كتب العلم فجائز كما أشار إليه الشيخ في قوله لغير ضرورة.
(والقراءة التي يسر بها في الصلوات كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن وأما الجهر فأن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده):
اعلم أن أدنى السر أن يحرك لسانه بالقرآن وأعلاه أن يسمع نفسه فقط فمن قرأ في قلبه فكالعدم، ولذلك يجوز للجنب أن يقرأ في قلبه. وأدنى الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه وأعلاه لا حد له وقول الشيخ بالتكلم بالقرآن أراد بالقراءة كما قال الشاعر:
يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة فلا مؤاخذة على الشيخ البتة وقد أطنبوا في الأخذ عليه.
(والمرأة دون الرجل في الجهر وهي في هيئة الصلاة مثله):
يعني تسمع نفسها فقط كالتلبية كما قال في المدونة، ووجه ذلك أن صوتها عورة ولذلك لا تؤذن اتفاقا وبيعها وشراؤها إنما أجيز للضرورة.
(غير أنها تنضم ولا تفرج فخذيها ولا عضديها وتكون منضمة منزوية في سجودها وجلوسها وأمرها كله):
ما ذكر الشيخ هو معنى ما روي عن علي بن زياد، تجلس على وركها الأيسر وفخذها اليمنى على اليسرى، ثم تضم بعضها إلى بعض قدرالطاقة ولا تفرج بخلاف الرجل، وفي المختصر جلوسها وكل شأنها في صلاتها كالرجل إلا في اللباس، قال أبو محمد يريد الانضمام، قلت والجهر ونبه عليه بعض شيوخنا، وفي المدونة جلوسها كالرجل قال الفاكهاني: وقول ولا تفرج رويناه بتفح التاء وإسكان الفاء وضم الراء وهو تفسير لقوله تنضم، وكان ترك الواو أولى، وقوله وتكون منضمة منزوية تكرار لا معنى له فيما يظهر لأن الانضمام هو الانزواء وقد تقدم قوله تنضم فأغنى عن منضمة أيضًا.
(ثم يصلي الشفع والوتر جهرا وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار إلخ):
الوتر بكسر الواو وفتحها لغتان مشهورتان، وحكم الشفع الفضيلة، وأما الوتر فالمشهور أنه سنة وهو المنصوص، وقال سحنون يحرج تاركه، وقال أصبغ يؤدب فأخذ اللخمي وابن زرقون منهما الوجوب واعتذر بعض شيوخ المازري عن الأول بأن تركه، علامة على استخفافه بأمور الدين، واعتذر المازري عن الثاني بأن تأديبه لاستخفافه بالسنة، كقول ابن خويز منداد تارك السنة فسق وإن تمادى عليه أهل بلد حوربوا، وقال ابن عبد السلام: تخريج اللخمي عندي حسن قوي من قول أصبغ
ضعيف من قول سحنون، قلت: إذا كان ضعيفا من قول سحنون فليس إذا بحسن فكلام الشيخ ابن عبد السلام متناقض فيما يظهر والله أعلم.
وقال ابن الحاجب: الوتر غير واجب على المشهور، واستدل اللخمي بقول سحنون يحرج وأصبغ يؤدب واعترض من حيث جعل فعل المحرج منصوصا، قال أبو عمر بن عبد البر ضارع مالك من قال بوجوبه من قوله تقطع الصلاة له، والمطلوب الجهر في الوتر ولا يسر إلا لضرورة كتشويش المصلين بعضهم على بعض، وقال ابن الحاجب: والسر في النافل جائز، وكذلك الوتر على الشمهور فتعقب لأنه خلاف ما سبق، وقد قال الأبياني من أسر في وتره متعمدا أعاد وأنكره عبد الحق، والشفع قبل الوتر قيل للفضيلة، وقيل للصحة، وهل يشترط تعيين ركعتين له من آخر تهجده وينويهما له أم لا يلزمه ذلك قولان ثم في شرط الاتصال بالوتر قولان.
(وإن جهر في النهار في تنفله فذلك واسع وأقل الشفع ركعتان):
ما ذكر هو أحد قولي أهل المذهب، وقيل إن ذلك مكروه، وتجوز صلاة النافلة جماعة ليلا ونهارا قاله في المدونة فأطلقه اللخمي وقيده ابن أبي زمنين وغيره برواية ابن حبيب، وقوله إن قلة الجماعة كالثلاث، وخفي محل قيامهم، إلا كره وسلك ابن بشير هذه الطريقة قائلا وكرهه ابن حبيب، وهو مقتضى المذهب، قال ومنه ما يفعل في بعض البلاد من الجمع ليلة النصف من شعبان وليلة عاشوراء، ولا يختلف المذهب في كراهته، وينبغي للأئمة أن يتقدموا في النهي عنه.
(ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون يتشهد ويسلم):
(ثم يصلي الوتر ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين وإن زاد من الإشفاع جعل آخر ذلك الوتر):
ما ذكر الشيخ هو قول القاضي عبد الوهاب، وفي المدونة قول بعدم التحديد وكلاهما لمالك، وقال ابن العربي يقرأ فيه المتهجد من تمام حزبه وغيره بقل هو الله أحد فقط لحديث الترمذي وهو أصح من حديث قراءته بها مع المعوذتين، وانتهت
الغفلة بقوم يصلون التراويح فإذا انتهوا للوتر قرءوا فيه بقل هو الله أحد والمعوذتين.
(وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل اثنتى عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة):
مداومته صلى الله عليه وسلم على ما ذكر تدل على أن قيام جميع الليل مرجوح، واختلف في ذلك قول مالك بالكراهة والجواز وحكاهما عياض في الإكمال، قال واختلفلوا هل طول القيام أفضل وإن قل السجود أم لا؟ فقيل طول القيام أفضل وقيل كثرة السجود أفضل، وقيل بالأول في نوافل الليل وبالثاني في نوافل النهار، قلت وكان بعض من لقيناه من القرويين يفتي وهو شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله بأنه ينظر إلى المصلي في خاصة نفسه فالذي يجد الحلاوة فيه أكثر القيام للقراءة أحسن والعكس للعكس، وأفتى غيره ممن أدركناه من القرويين أيضًا بالعكس لأنه إذا مالت النفس لشيء لابد فيه من آفة.
ويذكر أن شيخا من الفضلاء دخل مسجدا ليبيت فيه فأحبت نفسه الصلاة وعزم عليها بعد أن خالفها مرارا فقام ليفتش المسجد فوجد رجلا ملفوفا في حصير من حصر المسجد فعلم أنها مكيدة منها، وكنت أجيبه بأن النفس لا قدرة لها على معرفة هذا وهو إنما وقع اتفاقيا فلا يضر، وبالقول الذي قبله أقول والإنسان يعلم حسن ذلك من نفسه، وأما التعليق بالحبل فنهى عنه أبو بكر، وقطع الجبل لمن فعله وبه قال حذيفة ورخص فيه آخرون.
وأما الاتكاء على العصا فلم يختلف في جوازه إلا لشيء روي عن ابن سيرين في أنه مكروه وهذا والذي قبله نقله عياض في الإكمال، واختلف المذهب في جواز النافلة مضطجعا على ثلاثة أقوال: ثالثها يجوز للمريض لعذره لا لغيره.
(وأفضل الليل آخره في القيام فيمن أخر تنفله ووتره فذلك أفضل إلا من الغالب عليه أن لا يتنبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل ثم إن شاء إذا استيقظ في آخره تنفل ما شاء مثنى مثنى):
ما ذكره الشيخ قال به جميع أهل المذهب لحديث: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من سائل فأعطيه" والمعنى ينزل أمره ورحمته ومغفرته، وقوله ولا يعيد الوتر ما ذكره هو مشهور المذهب، وقيل إنه يعيده قاله ابن عبدالسلام: والأول
والجاري على قواعد المذهب من حيث إن القول بإعادته ملزوم لرفض العبادة بعد الفراغ منها، وأمر في المدونة من أراد أن يتنفل فليتربص قليلا بعد الوتر.
(ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار):
ظاهر كلامه أنه لو أخر حزبه عمدا أنه لا يصليه وهو كذلك عند غيره خلافا لابن الجلاب، قال بعض من لقيناه وهو عندي ظاهر التهذيب قال فيه: ومن فاته حزبه من الليل أو تركه حتى طلع الفجر فليصله ما بينه وبين طلوع الفجر إلى صلاة الصبح.
وما ذلك من عمل الناس إلا من غلبته عيناه فلا بأس به قال فظاهر قوله أو تركه ولو عمدا.
وقوله وما ذاك إلخ، أراد به التكلم ابتداء على معنى أنه لا ينبغي أن يتركه عمدا ولكن إن تركه عمدا ووقع ذلك فإنه يصليه وهو الذي أراد والله أعلم قال صاحب البيان التقريب، ونقل البراذعي هذه المسألة نقلا فاسدا لأن مالكا لم يقل فيها إذا تركه فليصله وإنما قال ذلك فيما إذا فاته غلبة، والشيخ في الرسالة لم يذكر إلا مسألة الغلبة.
(ثم يوتر ويصلي الصبح):
لا خلاف أن الأمر كما قال وذلك إذا اتسع الوقت واختلف إذا بقي لطلوع الشمس مقدار ركعتين فالأكثر أنه يصلي الصبح، وقال أصبغ يصلي الوتر ويدرك من الصبح ركعة، وقال ابن الحاجب: إن اتسع الوقت لثانية فالوتر على المنصوص، وتعقبه ابن عبد السلام بأنه خلاف المدونة لأنه قال فيها ومن لم يقدر إلا على الصبح صلاها، وترك ركعة الوتر ولا قضاء عليه للوتر قال، ويقال إن متقدمي الشيوخ كانوا إذا نقلت لهم المسألة من غير المدونة وهي موافقة لما في المدونة عدوها خطأ فكيف ينقل خلاف ما فيها ويترك ما فيها.
واختلف إذا اتسع الوقت لأربع ركعات فقيل يصلي الوتر والصبح قيل يصلي الشفع والوترويدرك من الصبح ركعة قبل طلوع الشمس، وأما إذا بقي مقدار خمس ركعات وقد كان تنفل ففي تقديم الشفع على ركعتين الفجر قولان.
(ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن صلى الصبح):
ما ذكر الشيخ هو المذهب وعلى تخريج اللخمي أنه فرض يلزم أن يقضي وكذلك سائر السنن فإنها لا تقضي قال ابن الحاجب: ولا تقضي سنة، وجاء إذا ضاق الوقت عن ركعتي الفجر تقضي بعد طلوع الشمس على المشهور فقيل مجاز، فأشار بقوله وجاء إلى أن قولهم لا تقضي سنة كالوتر مع قوله يقضي الفجر تناقض، وكان بعض من لقيناه يجيب عن ذلك بأن الفجر لما كان من صلاة النهار ناسب أن يقضي بالنهار، ولما كان الوتر من صلاة الليل ناسب أن لا يقضي بعد صلاة الصبح.
وإنما أبيحت صلاته بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح لأن ما قرب من الشيء أعطي حكمه وهذا الجواب وإن نهض في الوتر فهو لا ينهض في غيره من السنن، وقال ابن عبد السلام: قولهم لا تقضي سنة هو الأصل إذا فرع على مذهب الأصوليين وأن الأزمنة لها خصوصية في المأمور به، وأما إذا فرع على مذهب الفقهاء فقد قال عليه الصلاة والسلام "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" فالأصل القضاء، وقد ثبت القضاء في ركعتي الفجر يوم الوادي بعد طلوع الشمس عنه عليه
السلام وشغله صلى الله عليه وسلم الوفد عن الركعتين اللتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم واظب عليهما بعد ذلك الوقت وأنت تعلم أن الركعتين بعد الظهر دون ركعتي الفجر في الفضل.
وتعلم صحة النهي عن الصلاة بعد العصر ولم يمنع ذلك من قضاء النافلة وهذا ينفي المجاز الذي قيل نعم من اعتقد مذهب الأصوليين، ولم يحفظ القضاء إلا في ركعتي الفجر قصره عليه، واختلف فيمن ذكر الوتر في الصبح على أربعة أقوال: فقيل يقطع استحبابا، لأنه لو تمادى على الصبح لفاتت، وقيل يتمادى وجوبا وقيل يقطع إن كان فذا فقط، وقيل يقطع الفذ والإمام دون المأموم، وهل هذا الخلاف وإن عقد ركعة أو إن عقد ركعة تمادى قولا واحدا في ذلك قولان.
(ومن دخل المسجد على وضوء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين إن كان وقت يجوز فيه الركوع):
تحية المسجد فضيلة واختار ابن عبد السلام أنها سنة وإن جلس قبل أن يركع فإنه يقوم ويصلي خلافا للشافعي وإن صلى الفريضة فإنها تكفي، قلت: ولا يقال الصواب لا تكفي لخصوصية أمره عليه الصلاة والسلام بركعتين، والأصل أن العبادة الواحدة لا تقوم مقام العبادتين، لأن ذلك مع التساوي بين العبادتين، أما إذا كانت إحداهما آكد كما هنا فإنها تنوب عنهما معا بدليل الاتفاق على أن من اغتسل للجنابة ونوى النيابة عن الجمعة أنه يحصل له ثواب الغسلين معا، ويريد الشيخ ما لم يتكرر دخوله فإن تكرر فإن التحية تسقط كنظائرها، واختلف إذا خرج من المسجد بعد أن صلى التحية ثم رجع عن قرب فقيل يركع ثانيا، وقيل لا والأول نقله بعض من لقيناه، والثاني نقله الفاكهانين وكان بعض من لقيته يفتي بأنه إن خرج ليعود فإنه لا يركع وإلا ركع وظاهر كلام الشيخ أنه إن كان مارا فإنه لا يفتقر في دخوله إلى ركوع وهو كذلك.
وقال ابن الحاجب: وتحية المسجد ركعتان قبل أن يجلس، وإن كان مارا جاز الترك ولم يأخذ به مالك واعترضه ابن عبد السلام بأن كلامه يقتضي أن مالكا يقول يركع وليس كذلك، وما ذكرناه من جواز المرور وهو كذلك إلا أن يكثر فإذا أكثر ففيه تغير الحبس ويقرأ في ركعتي التحية بأم القرآن وسورة كغيرها ووقع في كتاب ابن شعبان أنه يقرأ بأم القرآن فقد كركعتي الفجر في المشهور ذكره ابن عبد السلام.
(ومن دخل المسجد ولم يركع للفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر):
المطلوب أن يقتصر على ركعتي الفجر دون زيادة فقول الشيخ أجزأه كأنه خلاف ذلك وما ذكرناه هو المشهور، وقال القابسي يصلي التحية وركعتي الفجر، وفي المذهب قول ثالث بإباحة ما خف من النوافل وصوب ابن عبد السلام قول القابسي قائلا لأن العبادة الواحدة لا تقوم مقام الاثنين، وكان صاحب القول الأول رأى أن المقصود أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين وقد حصل ثم إنه استغنى بالأوكد وهو ركعتا الفجر عما دونه وهو تحية المسجد، قال ولا يبعد أن يسلك بهما ما في المشهور من نية غسل الجنابة وغسل الجمعة.
(وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه فقيل يركع وقيل لا يركع):
ما ذكر من القولين كلاهما لمالك قال ابن عبد السلام: والظاهر ركوعه ولا مانع يمنع والحديث "لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر" لا يقوى قوة "إذ أتى أحدكم إلى المسجد" وقيد أبو عمران وأبو بكر بن عبد الرحمن وغيرهما القول بالركوع بأنه يصلي ركعتين بنية التحية، وحكى ابن بشير قولا بأنه يعيدهما بنية الفجر حقيقة وضعف.
(ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر إلى طلوع الشمس):
لما كان قوله قبل ومن دخل المسجد ولم يركع للفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر يوهم جواز صلاة التحية لقوله أجزأه كما قلنا نفاه بقوله ولا صلاة نافلة بعد الفجر والله أعلم، وقول الشيخ يحتمل الكراهة والتحريم كقول ابن الحاجب، وأوقات المنع قال ابن عبد السلام: وظاهر قوله بعد ومن أحرم في وقت منع قطع يقتضي التحريم، قلت: ليس فيه دليل لأن من تلبس بمكروه، ثم ذكر ابن رشد ثلاثة أقوال: في النافلة بعد صلاة الجمعة للمأموم أحدها أن ذلك مكروه فيثاب لتركه ولا يأثم لفعله.
وعزاه لأول صلاة المدونة فقول ابن الحاجب قطع يحتمل أن يكون على الاستحباب والله أعلم، وظاهر كلام الشيخ أن الفائتة يصليها في هذا الوقت وهو كذلك حتى عند الطلوع وعند الغروب، وقد تقدم من فاته حزبه فإنه يصليه بعد طلوع الفجر، وفي العمد خلاف وبالله التوفيق.