الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الجهاد
قال ابن هارون: الجهاد قتال العدو لإعلاء كلمة الإسلام واعترضه بعض شيوخنا بأنه غير جامع لأنه يبقى عليه صورتان:
إحداهما: إذا مات من خرج للجهاد عند حضوره للقتال ولم يقاتل.
الثانية: إذا مات وهو في أرض الكفر قبل أن يحضر القتال فإنه يكون مجاهدا بإجماع في المسألتين معا.
وقال ابن عبد السلام: وهو إتعاب النفس في مقاتلة العدو واعترضه بما تقدم وبكونه غير مانع لدخول قتاله لإعلاء كلمة الله تعالى وحده بأن قال قتال مسلم كافر غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو حضوره له أو دخول أرضه له، فيخرج قتال الذمي المحارب لأنه غير نقض على المشهور.
قلت: واعترض بعض شيوخنا بهاتين الصورتين إن عني بذلك أنه مجاهد بالنسبة إلى الغنيمة، فقد علمت اشتهار المذهب في ذلك، يعني إذا مات قبل أن يشرف على الغنيمة فالاتفاق فضلا عن الإجماع، وإن أراد فيما يرجع إلى الثواب فيلزم أن يكون حده غير جامع لقول المدونة جهاد المحاربين جهاد.
وقد قال ابن شعبان: إن قتالهم أفضل من قتال الكفار وصوب والمشهور ليس هو أفضل.
(والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض):
ما ذكر من أن حكمه الفرضية على الكفاية هو كذلك بإجماع نص عليه ابن العطار وابن رشد في المقدمات، وانتقد ابن عبد السلام قول ابن الحاجب الجهاد واجب على الكفاية بإجماع بأن ابن المسيب وابن شبرمة وغيرهما قالوا إنه فرض عين، وحكي عن سحنون أنه سنة وليس بفرض وقال طاوس السعي على الأخوات أفضل منه غير أن هذه الأقوال لا يبعد تأويلها وردها إلى ما نص عليه الجمهور قال فكان حقه أن يقول الجهاد فرض على الكفاية عند الجمهور وقال خليل ما حكاه عن ابن المسيب حكاه المازري كذلك والذي حكاه اللخمي عن ابن شبرمة أنه ليس بفرض والذي لسحنون في كتاب ابنه كان الجهاد فرضا في أول الإسلام وليس اليوم بفرض إلا أن يرى الإمام أن يغزي طائفة فيجب أن يطيعوه ويكون جهازهم من بيت المال، وإذا تأملته لا تجده يدل على السنة لأن قوله وليس اليوم بفرض يريد بذلك فرض عين وهو الظاهر لأنه كان في أول الإسلام كذلك، واختلف المذهب هل تطوع الجهاد أفضل أو تطوع الحج أفضل؟ فقيل بذلك قاله مالك في رواية ابن وهب.
وقال ابن القاسم من سماع عيسي: الحج أحب إلى من الغزو إلا في الخوف ومن الصدقة إلا في مجاعة، قال ابن عبد البر في الكافي فرض على الإمام إغزاء طائفة للعدو في كل سنة يخرج إما هو أو من ينوبه وفرض على الناس في أموالهم وأنفسهم الخروج المذكور لا خروجهم كافة والنافلة منه إخراج طائفة بعد أخرى.
(وأحب إلينا ألا يقاتل العدو حتى يدعى إلى دين الله إلا أن يعاجلونا فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية وإلا قوتلوا):
واختلف في الدعوة هل هي واجبة أم لا على أربعة أقوال:
فقيل: إنها واجبة مطلقًا وهو معنى قول مالك في المدونة لا يقاتل المشركون حتى يدعوا:
وقيل: إنها غير واجبة قاله مالك في غير المدونة.
وقيل: أما من قربت داره فلا تجب ومن بعدت فتجب وهو معني قول مالك في المدونة في القول الثاني عنه فالدعوة فيمن بعدت داره أقطع للشك.
وقيل: تجب في الجيش الكثير الآمن وجعل بعض من لقيناه قول الشيخ، وأحب إلينا قولاً خامسًا، والأقرب عندي أنه يرجع إلى القول الثاني لأن قائله إنما نفي الوجوب فقط فيريد ويستحب ذلك للخلاف.
وفي المدونة: وأما القبط فلا يقاتلون ولا ينتهبون حتى يدعوا بخلاف الروم فقيل لأنهم لا يفقهون ما يدعون إليه، وأنكر بعضهم هذا وقال إنهم من أحذق الناس في الأعمال والحساب وغير ذلك إنما العلة كونهم ركبوا الظلمة في عهد كان لهم، وهذان ذكرهما عبد الحق في تهذيبه وعن ابن محرز الأول للمذاكرين والثاني لابن شبلون، وقيل لشرفهم بسبب مارية وهاجر لقوله صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالقبط خيرا فإن لهم نسبًا وصهرا" وهذا القول نقلة القرافي واستشكل بعض شيوخنا القول الأول بأن تعليل وجوب دعوتهم بعدم فهمهم إياها متناف والخلاف المذكور في وجوب الدعوة هو ما لم يعاجلونا فإن عاجلونا قوتلوا فورا اتفاقاً، وأما قول الشيخ فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية لأنهم يخيرون فيها فيعني أنه يطلب منهم أولا الإسلام فإن أبوا طلبت منهم الجزية لأنهم يخيرون فيها مرة واحدة وهو معنى قول مالك في أواخر الجهاد من المدونة إذا دعوا إلى الإيمان فلم يجيبوا دعوا إلى إعطاء الجزية، ولما قرر ابن عبد السلام
المذهب بهذا اعترض قول ابن الحاجب وهو أن يدعوا إلى الإسلام أو الجزية وظاهره أنهم يخيرون في الأمرين معًا قائلاً وليس كذلك.
(والفرار من العدو من الكبائر إذا كانوا مثلي عدد المسلمين فأقل وإن كانوا أكثر من ذلك فلا بأس بذلك):
ما ذكر أنه من الكبائر صحيح بل ذكر أنه من الموبقات قال سحنون لا يحل للناس فرار وإن فر أمامهم من مثلي عدتهم، ومن فر في الزحف من المسلمين لم تقبل شهادته إلا أن يتوب وتظهر توبته.
قلت: قال بعض شيوخنا يريد بثباته في زحف آخر والأظهر أنه إنما أراد أن توبته تظهر عند الناس بكثرة قدومه على ذلك احترازًا من مجرد دعواه ذلك فإنه لا يقبل منه، وظاهر كلام الشيخ أنه لا يشترط التساوي في السلاح.
قلت: وهو المعروف في المذهب، وقيل بشرطية ذلك قاله ابن الماجشون، ورواه عن مالك واختاره ابن حبيب.
قال اللخمي: ولا أعلمهم اختلفوا أنه متى جهل منزلة بعضهم من بعض في القوة أنهم مخاطبون بالعدد فقط.
قال ابن عبد السلام: يريد أن هذا الاتفاق مما يقوي القول الأول لأنه إذا حمل اللفظ في هذا الصورة على الحقيقة وجب حمله في سائر الصور على ذلك إلا بدليل ولا دليل، وظاهر كلام الشيخ أن الفرار جائز مع الشرط الذي ذكره وإن كان جيش المسلمين اثني عشر ألفا وهو كذلك نقله في النوادر عن سحنون منكرا قول العراقيين يعلم الجواز حينئذ، وعزي ابن رشد قول العراقيين لأهل العلم وارتضاه قال وهو دليل قول مالك في الذي شكي إليه بعض الأمراء فقال له إن كان معك اثنا عشر ألفا فجاهدهم ولم يذكر قول سحنون بحال.
(ويقاتل العدو مع كل بر وفاجر من الولاة) ما ذكر الشيخ هو قول مالك الذي
رجع إليه وكان يقول لا يجب الجهاد مع ولاة الجور والقول الأول في المدونة واعتذر له بأنه لو ترك مثل هذا لكان ضررا على الإسلام يعني أن الغزو معهم على هذه الحالة إعانه لهم على الجور، وفي ترك الغزو خذلان الإسلام، وسبب استيلاء العدو عليه، ولا يشك في عظم هذه المفسدة بالنسبة إلى المفسدة الأولى قال في المدونة ولا يستعان بالمشركين في القتال إلا أن يكونوا نواتية أو خدامًا قال عياض، وذهب بعض أئمتنا إلى جواز الاستعانة بهم وحمل النهي عن ذلك في وقت خاص، وعلى الأول فقال ابن حبيب يستعملون في رمي المجانيق وكره بعض أهل المذهب رميهم بها وأما إعارة السلاح منهم فلا بأس بذلك اتفاقًا.
قلت: وسمعت بعض من لقيته يحكي غير ما مرة أن الشيخ الصالح أبا على القروي غزا مع أبي يحي اللحياني سلطان إفريقية فاجتاز يومًا عليه وهو عند باب السويقة والنصاري يلحقون به، فجعل الشيخ يقول يا فقيه يا أبا يحيى والناس لا يعرفون من هو مراده فلما سمعه السلطان وقف فقال نعم يا سيدي ما تريد، قال إن الله تعالى أمر أن لا تستعينوا بمشرك فقال نعم يا سيدي وانصرف برفق، واختلف إذا خرج الكفار من تلقاء أنفسهم فظاهر ما في سماع يحيى أنهم لا يمنعون وقال أصبغ يمنعون أشد المنع وكلاهما حكاه ابن رشد.
(ولا يقتل أحد بعد أمان ولا يخفر لهم بعهد):
ظاهره سواء كان الأمان من الأمير أو من غيره، وهو كذلك باتفاق في الأمير وغيره على المشهور، وقيل إن أمانه موقوف على نظر الإمام وهذا القول ذكره الشيخ وهو قول ابن الماجشون، وعلى الأول فهل يصح تأمينهم بعد الفتح كتأمينهم قبله؟ في ذلك قولان، واختلف هل يقبل قول المؤمن إذا قال أمنت هذا بغير بينة فقيل يقبل قاله ابن القاسم وأصبغ وعكسه قال سحنون وعلى الثاني فاختلف قول سحنون إذا شهد رجل واحد لمن أمنه.
(ولا يقتل النساء والصبيان):
يريد بعد أسرهم وهو المشهور من المذهب مطلقًا وهو أحد الأقوال الثلاثة وقيل تقتل إن قالت قاله ابن القاسم وقد خرج في الصبي، وقيل إن قتلت أحد أجاز قتلها وإلا فلا قاله ابن حبيب، واختلف في قتل الرجل الزمن العاجز عن القتال المجهول
بكونه ذا رأي على ثلاثة أقوال: فقيل وقيل لا والقول بعدم القتل لابن حبيب وغيره والقول بالقتل لسحنون، وقي إن كان في جيش فإنه يقتل وقيل في مستوطن فلا قاله بعضهم. ومثل الزمن الشيخ الفاني.
(ويجتنب قتل الرهبان والأحبار إلا أن يقاتلوا):
ما ذكره هو المشهور ونقل ابن حارث عن مالك أنهم يقتلون ووجه الأول كما قال ابن حبيب لاعتزالهم عن محاربة المسلمين لا لفعل ثبت لهم بل هم أبعد عن الله من أهل دينهم لشدتهم في كفرهم، وإن وجد الراهب منهزما مع العدو وقد نزل من صومعته، وقال إنما هربت خوفا منكم لم يتعرض له قاله سحنون، قال ابن نافع قيل لمالك في السرية تمر براهب فيخافون أن يدل عليهم فيأخذونه معهم فإذا أمنوا أرسلوه قال ما سمعت أنه ينزل من صومعته، واختلف في المرأة الراهبة فقيل كالرجل قاله في سماع أشهب وابن نافع، وقيل هو لغو منها قاله سحنون.
واعلم أن ما ادعاه الراهب مما هو قدر كفايته ترك له وأما ما كثر فإن جهل صدق دعواه وأخذ الزائد منه على قدر كفايته، واختلف إذا علم صدقه فقيل يترك له أجمع وقيل بل يترك له منه قدر ما يستر به عورته ويعيش به الأيام خاصة نقله ابن رشد في البيان، قال ابن عبد السلام: ويترك للشيخ الكبير إذا لم نقتله ما يترك الراهب.
(وكذلك المرأة تقتل إن قاتلت):
ما ذكر من أنها تقتل إذا قاتلت يريد في حالة القتل هو المعروف لأنا لو لم نفعل ذلك لأدى إلى قتلنا مع القدرة على المدافعة وذلك لا يجوز، وحكي ابن الحاجب قولا إنها لا تقتل كما لا تقتل بعده قال ابن عبد السلام: ولا أعرفه لغيره، ومثله لابن هارون وخليل واختلف في قتالها بالحجارة هل يتنزل منزلة قتالها بالسيف أم لا؟ في ذلك قولان حكاهما ابن الحاجب، وأما صياح المرأة واستغاثتها وحراستها فكالعدم عندنا خلافًا للأوزاعي في الحراسة.
وقتال الصبي غير المطيق له لغو وإنما هو ولع قاله ابن سحنون.
واعلم أن من قتل من لا يقتل بدار الحرب فإن كان قبل صيرورته مغنما استعفر الله تعالى وإن كان بعد صيروته في المغنم فإنه يعطي قيمته للمغنم قاله سحنون.
(ويجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم):
ظاهر كلامه أن العبد تأمينه معتبر وهو نص المدونة وأحد الأقوال الخمسة وقيل عكسه حكاه أبو الفرج عن مالك، وقيل إما أن يوفي بتأمينه وإما أن يرد إلى أمانه قاله سحنون وابن حبيب، وعن سحنون أيضًا إن أذن له سيده في القتال جاز تأمينه وإلا
فلا، وقيل إن قاتل اختبر تأمينه وإلا فلا، وظاهر كلام الشيخ أن تأمين الذمي يرد عليه وهو الذي عليه الأكثر لأن مخالفته في الدين تحمله على سوء النظر للمسلمين وإذا اتهم المسلم على ذلك في بعض الأحوال فكالكافر بل هو أولى بذلك، وحكى ابن الحاجب قولاً بأن أمانه معتبر وقبله ابن هارون قائلاً لأن له ذمة فكان تابعًا للمسلمين وانتقده ابن عبد السلام بأن قصارى ما يوجد لهم التنصيص، بأن المسألة مختلف فيها فمن يراه معتبراً لا يراه لازما مطلقًا بل يجعل الإمام مخير فيه بين أن يمضيه أو يرده إلى ما منه، وقال بعض شيوخنا أنه قول ثابت في المذهب لاشك فيه.
قال الشيخ أبو إسحاق التونسي في آثار المدونة جائز قال ابن يونس عقب هذا الأثر قال سحنون هكذا يقول أصحابنا وهذا كالنص في أنه المذهب وأن سحنون قائل به، وفي النوادر وظاهره من كتاب ابن سحنون ما نصه: أجاز ابن القاسم أمان العبد بالأولى من الذمي، وقال المازري: وابن بشير: المشهور لغو أمانه والشاذ اعتباره وعلى الأول لو قال المؤمن ظننته مسلمًا ففي قبول عذره قولان لابن القاسم حكاهما اللخمي.
(وكذلك المرأة والصبي إذا عقل الأمان):
ما ذكر هو نص المدونة وما ذكر أن أمانها لغو قيل إما أن يوفي بتأمينها وإما أن يرد إلى مأمنه وعزو هذين القولين لمن سبق ذكره في الصبي قول رابع إن أجاز الإمام تأمينه جاز وإلا فلا.
(وقيل إن أجاز ذلك الإمام)
ما ذكر من أن المرأة والصبي المميز والعبد معتبر هو نص المدونة لحديث: "يجير على المسلمين أدناهم" قال بأثره قال غيره لم يجعله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم لازما للإمام بل ينظر فيه بالإجتهاد وعزاه الشيخ في نوادره لابن الماجشون، وسحنون وكذلك أبو عمر بن بعد البر وهو شاذ لم يقله أحد من أئمة الفتوي، وقال ابن يونس جعل أصحابنا قول الغير وفاقا لابن القاسم وجعله القاضي عبد الوهاب خلافًا، قال ابن العربي هذا الخلاف إنما هو حيث يكون جيش فيه الإمام فإن غاب الإمام عن موضع الأمان نفذ الأمان، ونقل ابن عبد السلام عن بعض الشيوخ أن معني حمل قول الغير على الخلاف، أن قول ابن القاسم يقول الإمام مخير في إمضائه ورده إلى مأمنه والغير يقول بإمضائه وجعلها فيئا.
(وما غنم المسلمون بإيجاف فليأخذ الإمام خمسه ويقسم الأربعة أخماس بين أهل الجيش):
ظاهر كلام الشيخ وإن كان الغانمون عبيد فإنه يخمس ما أخذوه وهو كذلك
عند ابن القاسم، وقال أصبغ وسحنون لا يخمس وأجراهما ابن رشد على الخلاف هل يدخلون في خطاب قوله تعالى (واعلموا أنما عنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) [الأنفال:41]
الآية كالأحرار أم لا؟ قال اللخمي ويختلف تخميس ما انفرد به النساء والصبيان لغنيمة قتالهم، ومذهبنا أن الخمس مصروف إلى نظر الإمام فإن شاء أوقفه لنوائب المسلمين وإن شاء قسمه وقال ابن عبد الحكم: لا يوقف، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا قسمه فإن شاء دفعه كله لآل النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد أو لغيرهم أو جعل بعضه فيهم وبقيته في غيرهم وللشافعي وغيره خلاف هذا فلا تشاغل بذكره.
وفي المدونة ويبدأ بالذين فيهم المال فإن كان غيرهم أشد حاجة نقل إليهم أكثر فرأى ابن الحاجب أن ظاهره يقوي لزوم تبدئة بعض الناس على بعض فينسب إلى المسألة للمدونة فقال فيها ويبدأ بالذين فيهم المال إلى آخره بعد أن ذكر خمسها كالفيء، ورده ابن عبد السلام فإنك إذا تأملته تجده عين الاجتهاد لأن المصلحة صرف كل مال في مصالح الذي جيئ فيهم ما لم يعارض بقوة المصلحة ما هو أرجح منها، وذلك لشدة حاجة غيرهم فيصرف الأكثر إلى غيرهم.
(وقسم ذلك ببلد الحرب أولى وإنما بخمس ويقسم ما أوجف عليه بالخيل والركاب ما غنم بقتال):
ظاهر كلام الشيخ: أن الغنيمة تقسم بذاتها ولا تباع وذلك إذا أمكن، وقال سحنون تقسم الأثمان إن وجد من يشتري وإلا قسمت وهو ظاهر المدونة في قولها، والشأن قسم الغنائم ببلد الحرب وهم أولى برخصها قال ابن المواز ذلك بحسب نظر الإمام وما ذكرناه من قول سحنون وابن المواز هو عن الباجي، وأما السرية إذا خرجت من المعسكر وغنمت فليس لها أن تقسم حتى تصل إلى العسكر قاله سائر أصحابنا إلا ابن الماجشون فإنه قال: إلا أن يخشى من ذلك في السرية مضرة من تضييع طرح أثقال وقلة طاعة والى السرية فتباع الغنيمة ويمضي البيع على من غاب من الجيش، وهكذا نقل أبو محمد واللخمي والباجي، وقال بعض شيوخنا إذا كان الأمر كما قال عبد الملك فلا أظنه يخالفه فيه غيره وحيث يبيع الإمام فليبيع بالنقد إلا من ضرورة.
وقال ابن حبيب: وبيع الإمام بيع براءة ومن قام قبل القسم وافتراق الجيش فلا بأس أن يقبله الإمام وبيعه بالبيان قال أبو محمد وهذا استحسان غير لازم للإمام لأنه عند أصحابنا بيع براءة.
(ولا بأس أن يؤكل من الغنيمة قبل أن يقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك):
اعلم أنه في المدونة عبر بلا بأس كعبارة الشيخ وزاد فيها بلا إذن الإمام وهي ههنا والله أعلم كصريح الإباحة على ظاهر كلام أهل المذهب وهو الظاهر من فعل السلف الصالح، وفي الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه، ولا يبعد أن يقال هي هنا لما غيره خير منه لقول ابن شاس لا يؤخذ الطعام إلا بإذن الإمام واختلف المذهب في أخذ الأنعام الحية في الذبح، ففي المدونة وغيرها جواز ذلك وقيل: إنه لا يجوز ذكره ابن بشير قال ابن عبد السلام: ولا أعرفه الآن لمن ينسبه من أهل المذهب وهو المذهب الشافعي ونحوه قول خليل لا أعرفه معزوا، واختلف في أخذ السلاح بنية الرد للقسم فقيل: ذلك جائز قاله ابن القاسم وقيل: يمنع ذلك قاله مالك من رواية على عن ابن وهب والقولان معًا في المدونة قال ابن رشد وهذا الخلاف يرتفع في جواز الانتفاع بالخيل والسلاح في معمعة الحرب.
قال في المدونة محتجا لرواية المنع: ولو جاز ذلك لجاز أن تؤخذ العين ويشترى بها قال ابن عبد السلام: فأشار بعض الشيوخ إلى التزام ذلك إذا دعت الضرورة إليه إذ لا فرق بين أخذ هذه الأشياء عند الضرورة إليها ولا بين أخذ ما يشتريها به ومنهم من
رأى أن الشراء زيادة تصرف على ما أن فيه إذ لا يلزم من جواز التصرف في شيء ما على وجه أن يجوز على سائل الوجوه.
قلت: الأول: هو قول التونسي، والثاني: قول عبد الحق في النكت، واختلف هل يجوز بدل القمح بالشعير متفاضلا بين أهل الجيش أم لا، فقال سحنون ذلك جائز ومنعه ابن أبي نعيم ولو كان أحدهما من غير أهل الجيش منع وفاقا.
(وإنما يسهم لمن حضر القتال أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم):
لا خلاف في المذهب أن من مات بعد الغنيمة وقبل قسمها أن سهمه لورثته وما يوجد من الخلاف هل تملك الغنيمة بنفس أخذها، أو بالقسمة على الغانمين ليس بعام في سائر الصور، وإنما مرادهم به إدخال من لحق الجيش قبل القسمة أو أسلم، وأعتق أو بلغ وما أشبه ذلك لا مطلقًا.
واختلف فيما غنم بقرب موته هل يسهم لورثته فيه أم لا؟ وظاهر كلام الشيخ أن من مات قبل أن يحضر القتال فإنه لا يسهم له وهو قول سحنون، وروى ابن المواز نحوه عن مالك وروى ابن حبيب عن أصحاب مالك أن مشاهدة القرية أو الحصن أو العسكر كالقتال، وقال ابن الماجشون بمجرد الإدراب يحصل السهم إلى قفول الجيش ولو مات قبل لقاء العدو.
(ويسهم للمريض وللفرس الرهيص):
اعلم أن المريض على وجهين تارة يمرض بعد أن يشهد الوقيعة ويشرف على الغنيمة فهذا لا خلاف أنه يسهم له وتارة على خلاف ذلك، ويتحصل فيه أربعة أقوال: أحدها: أنه يسهم له ولو خرج من بلد الإسلام مريضا قال اللخمي، وهذا إذا كان له رأي صائب وإلا لم يسهم له لأنه لم ينتفع به وقيل: لا يسهم له وقيل: إن مرض في أول القتال أسهم له وإن مرض قبل ذلك لم يسهم له، وقيل: إن مرض بعد دخول أرض العدو أسهم له.
قال اللخمي: واختلف هل يسهم للأعمى أم لا؟ فقال سحنون: يسهم له، لأنه يبري النبل، ويكثر الجيش والصواب أنه لايسهم له وإن كان يبري السهم فهو من الخدمة قال سحنون: ويسهم لأقطع اليدين ولأقطع اليسرى وللأعرج والمقعد والصواب أنه لا يسهم لأقطع اليدين، ويسهم لأقطع اليسرى وللأعرج إن حضر القتال ما لم يحين على حضوره لعرجه إلا أن يقاتل فارسا، ويسهم للمقعد إن كان فارسا يقدر على الكر والفر وإلا فلا، وما ذكر الشيخ أنه يسهم للفرس الرهيص هو نص
المدونة، وقيل: إنه لا يسهم له رواه ابن نافع وهذا القول حكاه ابن حارث وعزى الأول لأشهب وسحنون، وكذلك ذكر الباجي في الفرس المريض قولين منصوصين وعزى الأولى بالإسهام له لمالك وعكسه لأشهب وابن نافع.
(ويسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه):
ما ذكر أنه يسهم للرجل سهم واحد لا أعلم فيه خلافًا وما ذكر أنه يسهم للفرس سهمان هو كذلك باتفاق في نقل ابن رشد وقيل: إن يسهم لها سم واحد ذكره ابن العربي قال في عارضته حديث ابن عمر يرد على أبي حنيفة، ومن اغتر من علمائنا فقال: لا تفضل البهيمة على الآدمي، وقال في القبس يسهم لكل فرس سهم واحد عند أكثر العلماء، وقيل: سهمان والأول أصح.
وقال ابن عبد السلام: القول بسهم واحد للفرس عزاه بعض المؤلفين لابن وهب واختلف هل يسهم للفرس الثاني أم لا، والمشهور أنه لا يسهم له وقيل: إنه يسهم له قاله ابن وهب وابن حبيب وابن الجهم ولا خلاف أن الثالث لا يسهم له، وظاهر كلام الشيخ أن الخيل إذا كانت في السفن يسهم لها وهو نص المدونة، وقال اللخمي: القياس عدم الإسهام لها لأنها لم تعد للبحر ولم تبلغ محل قتالها، والحمير والبغال والبعير راكبها كراجل قال ابن العربي وكذلك الفيل.
واختلف في البراذين على ثلاثة أقوال: ففي الموطأ هي كالخيل وقال ابن حبيب أن أشبهتها في الكر والفر فهي كهي وإلا فلا، وفي المدونة هي كالخيل إن أجازها الإمام، وما ذكرناه أن الأقوال ثلاثة صرح به بعض شيوخنا والأقرب عندي أنها ترجع لقول ابن حبيب والله أعلم، ولذلك لم يذكر ابن بشير غيره، والبراذين هي الخيل والعظام قال ابن حبيب، وفي الموطأ: هجين الخيل منها قال ابن حبيب وهو ما أبوه عربي وأمه من البراذين.
(ولا يسهم لعبد ولا امرأة ولا لصبي إن الصبي الذي لم يحتلم القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له):
ما ذكر أنه لا يسهم لعبد هو المعروف وقيل إنه يسهم له وقيل إن كان الجيش بحيث لو انفرد عن العبيد لم يقدر على الغنيمة أسهم لهم وإلا فلا، وهذه الأقوال الثلاثة حكاها ابن بشير نصًا، وهي منصوصة في الذمي، أيضًا حكاهما المازري قائلاً: وأشار بعض الشيوخ إلى تخريجها في العبد وما ذكره في المرأة هو كذلك عن ابن رشد باتفاق وقال الباجي هو قول جمهور أصحابنا.
وقال ابن حبيب: إن قاتلت قتال الرجال أسهم لها وإلا فلا، ونقله عنه أيضًا أبو
محمد واللخمي وصوبه واختار أن يسهم لها إن كانت ذات شدة ونصب للحرب ولو لم تقاتل، واختلف في مقدار ما يسهم للخنثى فقيل ربع سهم وقيل نصف سهم قاله ابن عبد الحكم نقله الشعبي عن بعض أهل العلم، واختلف في الإسهام للصبي على أربعة أقوال: فقيل لا يسهم له وإن قاتل قاله في المدونة وقيل: يسهم له إن راهق وبلغ مبلغ القتال رواه محمد وقيل: إن قاتل أسهم له وإلا فلا قاله محمد وقيل: إن أنبت وبلغ خمس عشرة سنة أسهم له ولو لم يقاتل قاله ابن حبيب، ولما ذكر اللخمي هذه الأقوال الأربعة قال وأرى أن يسهم له إن قوي على القتال وحضر الصف وأخذ أهبة الحرب وإن لم يقاتل قلت: وقول الشيخ سادس فتأمله.
(ولا يسهم للأجير إلا أن يقاتل):
ما ذكره هو نص المدونة قال فيها: إذا قاتل الأجير أسهم له وإلا فلا قال المازري: وهو أحد الأقوال الثلاثة وقال محمد: يسهم له إن حضر القتال، وقيل: لا يسهم لا واختلف في التاجر على ثلاثة أقوال: يسهم له إن شهد القتال وقيل: إن قاتل: وقال ابن القصار إن خرج للجهاد وائتجر أسهم له وإن لم يحضر القتال، وإلا فلا إن يشهد القتال.
(ومن أسهم من العدو على شيء في يديه من أموال المسلمين فهو له حلال):
ما ذكر الشيخ أنه يطيب له ما أسلم عليه من أموال المسلمين هو له حلال صحيح ويدخل في كلامه الرقيق وهو كذلك، وقال الشافعي يردها إلى أربابها وهو ضعيف لأنه يؤدي إلى سد الباب مع شبهتهم في الملك، وظاهر كلام الشيخ ولو أسلم على أحرار المسلمين أنهم ينزعون من يده وهو المشهور، وقال ابن شعبان في زاهيه يطيب لهم تملكهم هكذا نقل ابن بشير عنه، واعترضه بعض شيوخنا بأنه لم يجده في الزاهي ولا حكاه المازري ولا التونسي وعزى ابن عبد السلام قول ابن شعبان له ولأحمد بن خالد، وقال بعض شيوخي قول ابن شعبان هو ظاهر عموم قوله صلى الله عليه وسلم " من أسلم على شيء في يديه فهو له" إلا أنه يصح أن يحمل على أن المراد ما يصح تملكه بدليل أنه لو أسهم على خنزير أو خمر لما كان له، وعلى الأول فظاهر الروايات أنه يؤخذ منه مجانا بغير عوض قال أبو إبراهيم الأندلسي: أنه يعوض واختلف إذا أسلم على ذمي في يديه فقال ابن القاسم يبقي رقا وقال أشهب: هو كأحرار المسلمين ولو أسلم على أم ولد مسلم فإنها تفدي من مال ربها فإن لم يكن له مال اتبع بذلك.
(ومن اشتري شيئًا منها من العدو لم يأخذه ربه إلا بالثمن)
لا شك أن الأمر كما قال وهو يجوز شراؤها ابتداء أم لا؟ فقيل: إن ذلك مكروه قاله ابن عبد القاسم في المدونة وقيل: إنه مستحب قاله ابن المواز واختاره القاضي إسماعيل وضعف بأن فيه إغراء للحربيين بأخذ أموال المسلمين ورجح بعض الشيوخ الأول قائلاً لاسيما إذا انضم لذلك. رخص في المبيع كما هو الغالب فيكون تحصيل ذلك إلى أربابها أولى من بقائه بيد الكفار ومن عاوض في دار الحرب على مال مسلم أو ذمي فلمالكه أخذه بالثمن اتفاقًا قاله ابن بشير، فإن كانت معاوضة بمكيل أو موزون فلربه أن يأخذه بمثل ذلك في دار الحرب إن كان الوصول إليها ممكنا كمن أسلف ذلك فليس له إلا مثله بموضع السلف إلا أن يتراضيا على ما يجوز وإن لم يكن الوصول إليها ممكنا كمن سلف ذلك فليس له إلا مثله بموضع السلف إلا أن يتراضيا على ما يجوز وإن لم يكن الوصول إليها ممكنا فعليه ههنا قيمة ذلك بدار الحرب، واختلف المذهب فيما فدى من أيدي اللصوص هل يأخذه ربه مجانا أو لا؟ فقيل يأخذه مجانا، وقيل بل بالثمن الذي فداه به.
قال ابن عبد السلام: وهو الذي كان يميل إليه بعض من يرضي من شيوخنا لكثرة النهب في بلادنا فيعمد بعض من له وجاهة عند الأعراب أو من يعتقدون فيه إجابة الدعوة إليهم فيفتك من أيديهم بعض ما ينتهبون بأقل من قيمته فلو أخذه مالكه من يده من فداه بغير شيء كان سدا لهذا الباب مع شدة حاجة الناس إليه، قلت: وبه كان شيخنا أبو محمد الشبيبي رحمه الله يفتي ويوجهه بما تقدم قائلاً: إلا أن يكون ربها يقدر على أن يخلصها بلا شيء ولا يبعد أن يكون هو مراد من ذهب إلى القول الثاني،
قال ابن هارون والقولان إذا قصد به الفادي لربه وأما لو افتداه لنفسه وقصد بذلك تملكه فلا يختلف إن لربه أخذه مجانا كالاستحقاق، وقال ابن عبد السلام: وكثيراً ما يسأل عنه بعض من هو منتصب لتخليص ما في أيدي المنتهبين هل يجوز له أخذ الأجرة على ذلك أم لا، ولاشك أنه إن دفع الفداء من عنده فلا تجوز له الأجرة لأنه سلف وإجارة وإن كان الدافع غيره ففي إجازة ذلك مجال للنظر.
(وما وقع في المقاسم منها فربه أحق به بالثمن وما لم يقع في المقاسم منها فربه أحق به بلا ثمن):
ما ذكر الشيخ مثله في المدونة وغيرها ووجهه خفة الضرر إذا كان قبل القسمة لكبر الجيش غالبًا وكثرة الضرر إذا كان بعد القسم، ولابن القاسم لا يكون به أحق به مطلقًا سواء كان قبل القسم أو بعده، وقيل إنه يفوت بنفس القسم رواه أبو القاسم الجوهري، وحكاه عنه ابن زرقون وعلى الأول إذا كان قبل القسم لا يخلو إما أن يعلم ربه بعينه أم لا، فإن علم بعينه دفع له إن كان حاضرا بلا شيء باتفاق قاله ابن حارث وإن كان غائبًا وقف له قال سحنون ولو كان بالصين.
قال ابن بشير: ووقع في بيعه أو بعثه لربه في الروايات إشارة إلى خلاف فيه وليس كذلك بل ينظر الإمام لربه بالأصلح وإن لم يعلم ربه بعينه، وإنما علم أن ذلك من أموال المسلمين فقط فقيل أنه يقسم على حكم الغنيمة وهو المشهور، وقيل إنه يوقف قال ابن المواز والقاضي عبد الوهاب وغيرهما لأن ظاهر كلام ابن المواز أنه يوقف إذا رجي العلم بصاحبه.
وظاهر كلام القاضي عبد الوهاب وقفه مطلقًا، وقال البرقي وغيره إذا غنموا أحمال متاع مكتوب عليها هذا لفلان وعرف البلد الذي اشتري منه ككتان مصر وشبهه لم يجز قسمه، ووقع حتى يبعث إلى ذلك البلد فيكشف عنه فإن وجد من يعرف ذلك وإلا قسم قالا ولو عرف ذلك واحد من العسكر لم يقسم.
وروى ابن وهب عن مالك إذا عرف صاحبه ولم يستطيع تسليمه إليه أنه يقسم ولو باع الإمام ما عرفه ربه جهلا أو عمدًا فقيل: يأخذه ربه مجانا قاله ابن القاسم وقيل بالثمن قاله سحنون محتجا بأنه قضاء مختلف فيه وهو قول الأوزاعي وهذان القولان حكاهما الشيخ أبو محمد.
(ولا نفل إلا من الخمس على الاجتهاد من الإمام ولا يكون ذلك قبل الغنيمة والسلب من النفل):
ما ذكر أن النفل من الخمس هو المعروف من المذهب، وبه قال أكثر علماء
الحجاز وذهب علماء الشام وبعض علماء العراق إلى أنه يكون من جملة الغنيمة، وقيل إن النفل إنما يكون من خمس الخمس حكاه عياض في الإكمال عن منذر بن سعيد عن مالك، ولا يجوز للإمام إذا فرغ القتال أن يقول من قتل قتيلا فله سلبه، واختلف هل يجوز ذلك قبل القتال أم لا، فمنعه مالك ووقعت له الكراهة أيضًا قال ابن عبد السلام: ومال بعض شيوخ المذهب إلى الجواز ولم يصرح به، وبه قال جماعة من أهل العلم وعلى الأول فاختلف إذا وقع فقيل: ينفذ لأنه حكم بما اختلف فيه أهل المذهب وإليه ذهب سحنون وابنه وهو ظاهر كلام أصبغ، وقيل إنه لا ينفذ لضعف الخلاف قاله ابن حبيب قائلاً تعرف قيمة ما سمي الإمام، ويدفع ذلك من الخمس.
قال ابن الحاجب في إمضائه قولان، فظاهره أن القول الثاني يبطل ولا يعطي شيئًا وليس كذلك ونبه عليه ابن عبد السلام قال ابن سحنون: واختلف فيمن جاء برأس فدعا أنه قتل صاحبه على قولين فقيل: يقبل منه فيكون سلبه له وقيل لا، وأما إن جاء بسلب وزعم أنه قتل صاحبه لم يستحقه إلا ببينة، والفرق أن الرأس في الأغلب لا يكون إلا بيد من قتله لأنه علم أن الإمام ينفله سلبه فصارت يده تشهد له بخلاف السلب قال ابن الحاجب: والمشهور لا يكون فيما ليس بمعتاد من سوار وتاج وكذلك العين على المشهور.
(والرباط فيه فضل كبير وذلك بكثرة خوف أهل ذلك الثغر وكثرة تحرزهم من عدوهم):
قال الشيخ أبو محمد في كتاب ابن سحنون وغيره قال مالك: ليس من سكن بأهله في الإسكندرية وطرابلس ونحوهما من السواحل بمرابطين وإنما المرابط من خرج من منزله فرابط في نحر العدو وحيث الخوف، قال الباجي وعندي أن اختيار استيطان ثغر للرباط فقط ولولا ذلك لأمكنه المقام بغيره له حكم المرابط، وقد قال مالك فيمن جعل شيئاً في سبيل الله لا يجعل في غيرها لأن الخوف الذي بها قد ذهب، وقلت: ونقل بعض من لقيناه الاتفاق على أنه من خرج من بلد إلى بلد بأهله بنية الرباط يكون مرابطا، وإنما الخلاف السابق إذا كان مقيما بنية الرباط ولم يكن أصل سكناه في ذلك المنزل لذلك.
وذكر ابن زرقون أن سبب خط القيروان بمحلها رعي كون بينها وبين البحر أقل من مسافة القصر ليكون حرسا وارتضي نقله غير واحد من أشياخي قال الباجي: وإذا ارتفع الخوف من الثغر لقوة الإسلام به أو لبعده من العدو زال حكم الرباط عنه، وقال مالك فيمن جعل شيئًا في السبيل لا تجعل في جدة لأن الخوف الذي كان بها ذهب قال أبو محمد عن ابن
حبيب روي أنه إذا نزل العدو بموضع مرة فهو رباطي أربعين سنة، وروى ابن وهب: الرباط أحدب إلى من الغزو على غير وجهه وهو على وجهه أحب إلى من الرباط قال ابن رشد: إلا إذا خيف على موضع الرباط قال الباجي لا يبلغ الرباط درجة الجهاد وروى ابن وهب لم يبلغني أن أحدا ممن يقتدي به من صحابي ويغره خرج من المدينة إلى الرباط إلا واحدًا أو اثنين وهي أحب المساكين إلا من خرج له ثم رجع إليها قال ابن حبيب، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" تمام الرباط أربعين ليلة".
(ولا يغزي بغير إذن الأبوين إلا أن يفجأ العدو ومدينة قوم ويغيرون عليهم ففرض عليهم دفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا):
ظاهر كلامه ولو كانا مشركين وهو كذلك قال سحنون قائلاً: إلا أن يعلم أن منعهما كراهية إعانة المسلمين قال وبر الجد والجدة واجب وليس كالأبوين وأحب أن يسترضيهما ليأذنا له فإن أبيا فله أن يخرج.
قلت: في كلامه تناف فتأمله ونص ابن المواز في ذلك، لا يغزي إلا بإذن أجداده فأخذ منه القاضي عياض أن بر الجد مساو لبر الأب، ومن قولهم لا يقتص منه لابن ابنه واختلف في تغليظ الدية عليه وفي قطعه إذا سرق من مال ابن ابنه وقال الطرطوشي بره دون بر الأب، واحتج بقول المدونة ويحبس للولد من سوى الأبوين من الأجداد والأقارب قال ابن عبد السلام: في باب التفليس: وهو أحسن لأن مقصوده أن لكل واحد من الجد والأب حظا من البر على الولد إلا أن حظ الجد دون حظ الأب، وذلك حاصلا قطعا من قول مالك يحلف الجد ولا يحلف الاب ويشتر كان معًا في البر في غير هذا من المسائل التي ذكرها عياض وإنما يتم احتجاج عياض على من يدعي أن الجد لا حظ له من البر، وهذا لم يذهب إليه أحد وقبله خليل، قال ابن المواز فإن خرج دون إذن أبويه خوف فساد جهازه رجع حتى يأذنا له قال مالك: إن أبيا فلا يكابرهما ولا يأكل جهازه وليدفعه أو ثمنه إن خاف فساده إلا أن يكون مليا فيلفعل به ما يشاء حتى يمكنه الغزو فإن مات رجع ميراثا ولو جعله على يد غيره إلا أن يوصي به فيخرج من ثلثه ويشهد بإنفاذه على كل حال فيكون من رأس ماله، وسمع ابن القاسم: للمدين العديم الغزو دون إذن غريمه قاله سحنون ولو كان مليا بدينه ويحل قبل قدومه، فله الخروج إن وكل من يقضي عنه، والعبد ولو كان مكاتبًا لا يغزو إلا بإذن سيده ونقل العتبي عن سحنون قال: أرادت غزوا في البحر فنهاني عنه ابن القاسم قال ابن رشد لأنه علم منهم أنهم كانوا لا يغزون على الصواب، ولا يحافظون فيه على الصلاة في أوقاتها قلت أو لرجحان العلم على الجهاد وقد ذكر عياض في مداركه أن ابن القاسم.