الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في المسح على الخفين
مثل هذا الترتيب أعني تأخير هذا الباب عن باب التيمم سلك ابن الحاجب فأورد ابن هارون سؤالا وهو إن قلت لأي شيء أخر هذا الباب عن باب التيمم مع أن كل واحد منهما بدل عن طهارة الماء؟ وأجاب بأن التيمم ثبت بالقرآن ومسح الخفين ثبت بالسنة، والقرآن مقدم قلت وما ذكره صحيح ولذلك اختير في البقر الذبح لكونه بالقرآن لقوله تعالى:(تذبحوا بقرة)[البقرة: 67]
ونحرها إنما جاء بالسنة من فعله صلى الله عليه وسلم ورجع اسم العشاء على اسم العتمة لقول الله عز وجل (ومن بعد صلاة العشاء)[النور: 58].
(وله أن يمسح على الخفين في الحضر والسفر ما لم ينزعهما):
ظاهر كلام الشيخ أن مسح الخفين رخصة وهو كذلك في قول وقيل سنة وقيل فرض وكلها حكاها ابن الطلاع قائلا: والأحسن أن نفس المسح فرض والانتقال إليه رخصة، قلت: كلامه يوهم أن ما اختاره رابع في المسألة وليس كذلك بل من قال بالسنة والرخصة إنما أراد ذلك والله أعلم، وكذلك من قال بالفرضية إنما يريد إذا أراد أن يمسح أن ينوي الفرضية لأن ذلك فرض بالإطلاق والله أعلم. وما ذكر أنه يمسح المسافر والمقيم هو إحدى الروايات عن مالك.
وروي المسافر خاصة وكلاهما في المدونة، وروي عنه لا يمسح مطلقا قال وفي المجموعة أقوال اليوم مقالة ما قلتها قط في ملأ قط من الناس. أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان في خلافتهم فذلك خمس وثلاثون سنة فلم يرهم أحد يمسحون وإنما هي الأحاديث، وكتاب الله أحق أن يتبع ويعمل به. قال ابن وهب
فرأيته يكره المسح في الحضر والسفر وقال ابن العربي في القبس لا ينكره إلا الرافضة والإجماع على جوازه، قال التادلي وقد قال بعض من نبذ مذهبهم:
أشكو إلى الله ما لقيت = من شؤم قوم بهم بليت
لا أبغض الصالحين دهري = ولا تشيعت ما حييت
أمسح خفي ببطن كفي = ولو على جيفة وطيت
قال الفاكهاني: وإنما قدم المصنف رحمه الله تعالى الحضر اهتماما به لما صح عنده أنه الذي رجع إليه مالك فكأنه اقتدى بقوله تعالى: (يوصي بها أو دين)[النساء: 12]
: فقدم تعالى الوصية على الدين وهو آكد لما ذكرنا من الاهتمام بأمرها إذ كانت الوصية شرعية أعني أنها لم تكن معهودة في الجاهلية بخلاف الدين فإن أمره معلوم عند كل واحد، وظاهر كلام الشيخ أنه يمسح عليهما وإن طال جدا وهو كذلك على المشهور.
وقال ابن نافع: حده للمقيم من الجمعة إلى الجمعة فأطلقه الأكثر وحمله ابن يونس على الندب كغسل الجمعة، وفي كتاب السي: ر للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة واختاره ابن عبدالسلام لموافقته حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وإن كانت تلك الرسالة منكرة عند شيوخ المذهب. وروى أشهب للمسافر ثلاثة أيام وسكت عن المقيم فيحتمل أن يقول بما في كتاب السير ويحتمل أن يقول بعدم المسح للمقيم قاله ابن عبد السلام.
(وذلك إذا أدخل فيهما رجليه بعد أن غسلهما في وضوء تحل به الصلاة فهذا الذي إذا أحدث وتوضأ مسح عليهما وإلا فلا):
ظاهر كلام الشيخ أنه إذا غسل رجله اليمنى وأدخلها في الخف ثم غسل
الرجل اليسرى وأدخلها في الخف أنه لا يمسح وهو كذلك خلافا المطرف وسبب الخلاف على أحد الطريقين هل كل عضو يطهر بانفراده أم لا.
وظاهر كلام الشيخ أنه يمسح عليهما إذ لبسهما عقب الغسل من الجنابة لأنه إذا كان يمسح عقب الوضوء فأحرى عقب الغسل لأنه وضوء وزيادة وهو المشهور. وحكى صاحب الطراز عن بعض المتأخرين أنه لا يمسح وهو قول غري بعيد وظاهر كلام الشيخ أنه لا يمسح إذا لبسهما عقب طهارة التيمم وهو كذلك خلافا الأصبغ ويشترط في الخف أن يكون ساترا لمحل الوضوء صحيحا، فإن كان غير ساتر فلا يمسح. وروى الوليد بن مسلم عن مالك أنه يمسح ويغسل ما ظهر، وضعفه الباجي بأن هذا القول معروف للأوزاعي لا لمالك وهو كثير الرواية عنه فأشار إلى احتمال وهمه، ومثله قال المازري ورده ابن عبد السلام بأنه أحد الرجال الثبت الذي لم ينسبه أحد إلى الوهم، وأجابه بعض شيوخنا بأن الذهبي والمزي ذكرا فيه عن بعضهم أنه مدلس ولم يفضلاه ومقتضى كلام الثلاثة الباجي والمازري وابن عبد السلام انفراده بالرواية.
ونص ابن رشد ومفهومه عدم الانفراد بالرواية والاقتصار على مسحه دون غسل ما بقي قال وروى علي وأبو مصعب والوليد أنه يمسح، وزاد الأوزاعي غسل ما
بقي قال: ورووا لا يمسح على الخف المخرق إذا كان خرقه كثيرا وذلك أن يظهر جل القدم، وقال العراقيون ما يتعذر مداومة المشي فيه.
(وصفة المسح أن يجعل يده اليمنى من فوق الخف من طرف الأصابع ويده اليسرى من تحت ذلك ثم يذهب بيديه إلى حد الكعبين وكذلك يفعل باليسرى ويجعل يده اليسرى من فوقها واليمنى من أسفلها):
ما ذكره الشيخ من الصفةة خالفه فيها صاحبه الشيخ أبو القاسم ابن شبلون وقال اليسرى كاليمنى على ظاهر المدونة، وحكى عنه ابن بشير تأويلا على المدونة أيضا أنه يمسح الرجلين مرة واحدة ويده اليمني من فوقها واليسرى من أسفلها، ولا يعترض عليه بترك بعض المسح؛ لأن المسح مبني على التخفيف وقيل يبدأ من الكعبين حكاه الشيخ بعده.
وقال ابن عبد الحكم: يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابع اليمنى واليسرى على مؤخر خفه من عقبه يمر بها إلى آخر أصابعه واليمنى إلى عقبه فلو مسح أعلاه بها أو أسفله فقال أشهب يجزئه، وقال نافع لا يجزئه وصوب وقال في المدونة لا يجزئه مسح أعلاهما دون أسفلهما ولا أسفلهما دون أعلاهما إلا أنه إن اقتصر على الأعلى أعاد في الوقت لأن عروة كان لا يمسح أسفلهما.
قلت: في قول المدونة مناقشة وفائدة، أما المناقشة فإن في كلامه التنافي لأن قوله لا يجزئه ظاهر في التكلم بعد الوقوع فيعيد أبدا، وقوله بعد يعيد في الوقت في الاقتصار على الأعلى ينافيه فهو أراد ولا يجوز، ففي كلامه التسامح، والفائدة أن مالكا يعلم من هذا أن مذهبه أنه يرعى القائل الواحد إذا قوي دليله لما علم أن المسح مبني على التخفيف يدل عليه قول أشهب السابق، وقد علمت أن اشتهار الخلاف هل يراعي كل خلاف أو لا يراعي إلا الخلاف القوي، وهل القوي ما كثر قائله أو ما قوي دليله ومن غسل خفه فالمنصوص يجزئ مع الكراهة.
قال ابن عبد السلام: ولا يبعد تخريج الخلاف في غسل يراعي أصله فيجزئ لأن مسحه بدل من الغسل ولا كذلك الرأس لأن المسح فيه أصلي والله أعلم والمذهب أنه لا يتتبع الغضون.
(ولا يمسح على طين في أسفل خفه أو ورث دابة حتى يزيله بمسح أو غسل وقيل يبدأ في مسح أسفله من الكعبين إلى أطراف الأصابع لئلا يصل إلى عقب خفه شيء من