الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ تَنْقَسِمُ إِلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ، فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: يَا زَانى، يَا عَاهِرُ، زَنَى فَرْجُكَ. وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَذْفِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمَا يُحِيلُهُ. وَإِنْ قَالَ يَالُوطِىُّ، أَوْ: يَا مَعْفُوجُ.
ــ
قوله: فَصْلٌ: وألفاظُ القَذْفِ تَنْقَسِمُ إلى صَرِيحٍ وكِنَايَةٍ؛ فالصَّرِيحُ قَوْلُه: يا زانِى، يا عاهِرُ. هذا المذهبُ. عليه الأصحابُ. ولا يُقْبَلُ قوْلُه: أَرَدْتُ يا زَانِىَ العَيْنِ. ولا: يا عاهِرَ اليَدِ. وقال فى «التَّبْصِرَةِ» : لم يُقْبَلْ مع سَبْقِه ما يدُل على قَذْفٍ صَرِيح، وإلَّا قُبِلَ.
قوله: وإنْ قَالَ: يا لُوطِىُّ، أو: يا مَعْفُوجُ. فهو صَرِيحٌ. إذا قال له: يا
فَهُوَ صَرِيحٌ.
ــ
لُوطِىُّ. فهو صَرِيحٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه فى رِوايةِ الجماعةِ. وعليه جماهيرُ الأصحاب. قال فى «الفُروعِ» : نقَلَه واخْتارَه الأكثرُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: عليه عامَّةُ الَأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى
وَقَالَ الْخِرَقِىُّ: إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ أنَّكَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ. فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ بَعِيدٌ.
ــ
«الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحه المُصَنِّفُ، وغيرُه. وعنه، صَرِيحٌ مع الغضَبِ ونحوِه دُونَ غيرِه.
وقال الخِرَقِىُّ: إذا قال: أرَدْتُ أنَّكَ مِن قَوْمِ لُوطٍ. [فلا حَدَّ عليه. قال المُصَنِّفُ: وهو بعيدٌ. قال فى «الهِدايَةِ»: إذا قال: أرَدْتُ أنك مِن قَوْمِ لُوطٍ](1). هذا لا يُعْرَفُ. انتهى. وكذا لو قال: نَوَيْتُ أنَّ دِينَه دِينُ قَوْمِ لُوطٍ. وهو رِوايةٌ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وإذا قال: يا مَعْفُوجُ. فهو صَرِيحٌ
(1) سقط من: الأصل.
وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أنَّكَ تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ غَيْرَ إِتْيَانِ الرَّجُلِ. احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.
ــ
أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعليه الأصحابُ. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: يُحَدُّ به. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: إنَّه كِنايَةٌ. ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِىِّ. وعليه جَرَى المُصَنِّفُ، والمَجْدُ.
قوله: وإنْ قالَ: أرَدْتُ أنَّكَ تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، غيْرَ إتْيانِ الرِّجالِ. احْتَمَلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجْهَيْن. بِناءً على الرِّوايتَيْن المَنْصوصتَيْن المُتَقَدِّمتَيْن قبلَ ذلك؛ فإنْ قُلْنا: هو هناك صَرِيحٌ. لم يُقْبَلْ قوْلُه فى تفْسيرِه هنا، وإلَّا قُبِلَ. وهذه طَرِيقَةُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ. وقيل: الوَجْهان على غيرِ قولِ الخِرَقِىِّ. أمّا على قولِ الخِرَقِىِّ، فيُقْبَلُ منه بطَريقٍ أوْلَى. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا هو التَّحْقيقُ، تَبَعًا لأبى البَرَكاتِ، يعْنِى المَجْدَ، فى «المُحَرَّرِ» .
فائدة: ومِنَ الأَلْفاظِ الصَّريحَةِ، قولُه: يا مَنْيُوكُ، أو يا مَنْيُوكَةُ. لكِنْ لو فسَّر قوْلَه: يا مَنْيُوكَةُ. بفِعْلِ الزَّوْجِ. لم يكُنْ قَذْفًا. ذكَرَه فى «التَّبْصِرَةِ» ، و «الرِّعايَةِ». واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ». قلتُ: لو قيل: إنَّه قَذْفٌ بقَرِينَةِ غَضَبٍ وخُصومَةٍ ونحوِهما؛ لَكانَ مُتَّجِهًا.
وَإِنْ قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِ فُلَانٍ. فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ.
ــ
قوله: وإنْ قالَ: لستَ بوَلَدِ فُلَانٍ. فقد قذَفَ أُمَّه. إلَّا أَنْ يكونَ مَنْفِيًّا بلِعَانٍ لم يَسْتَلْحِقْه (1) أبوهُ، ولم يُفَسِّرْه بزِنَى أمِّه. وهذا المذهبُ. قدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: ليس بقَذْفٍ لأمِّه.
فائدتان؛ إحْداهما، وكذا الحُكْمُ، خِلافًا ومذهبًا، لو نَفَاه مِن قَبِيلَتِه. وقال المُصَنِّفُ: القِياسُ يقْتَضِى أَنْ لا يجبَ الحدُّ بنَفْى الرَّجُلِ عن قَبِيلَتِه.
(1) فى الأصل: «يستحلفه» ، وفى أ:«يستحلقه» .
وَإِنْ قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِى. فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
الثَّانيةُ، لو قذَف ابنَ المُلاعِنَةِ، حُدَّ. نصَّ عليه، وتقدَّم ذلك قريبًا.
قوله: وإنْ قالَ: لستَ بوَلَدِى. فعلى وَجْهَيْن. وأَطْلَقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ؛ أحدُهما، ليس بقَذْفٍ إذا فسَّره بما يَحْتَمِلُه، فيكونُ كِنايَةً. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. اخْتارَه القاضى وغيرُه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ،
وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسَ. أَوْ: أَزْنَى مِنْ فُلَانَةَ.
ــ
و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه فى «النَّظْمِ» وغيرِه. والوَجْهُ الثَّانى، هو قذْفٌ بكُلِّ حالٍ، [فيكونُ صرِيحًا.
قوله: وإنْ قالَ: أنْتَ أَزْنَى النَّاسَ. أو: أزْنَى مِن فُلانَةَ. أَو قالَ لرَجُلٍ: يا] (1)
(1) سقط من: الأصل.
أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ. أَوْ لِامْرأةٍ: يَا زَانِى. أَوْ قَالَ: زَنَتْ يَدَاكَ وَرِجْلَاكَ. فَهُوَ صَرِيحٌ فى الْقَذْفِ فى قَوْلِ أبى بَكْرٍ. وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابْنِ حَامَدٍ.
ــ
[زانِيَةُ. أو لامْرَأةٍ: يَا زَانِى. أو قالَ: زَنَتْ يَداكَ](1) أو رِجْلاكَ. فهو صَرِيحٌ فى القَذْفِ، [فى قَوْلِ أبى بَكْرٍ. إذا قال: أنْت أزْنَى النَّاسِ. أو: مِن فُلانَةَ. أو قال له: يا زانِيَةُ. أو لها: يا زانِى. فهو صريحٌ فى القَذْفِ] (1). على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ وغيرُه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيره. وقيل: ليس بصريحٍ عندَ ابنِ حامدٍ. فعلى الأوَّلِ، فى قَذْفِ فُلانةَ وَجْهان. وَأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، ليس بقاذِفٍ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لها. قدَّمه فى «الكافِى» . قال فى «الرِّعايةِ» : وهو أقْيَسُ. والثَّانى، هو قَذْفٌ أيضًا لها. قدَّمه فى «الرِّعَايةِ». وإذا قال: زَنَتْ يدَاكَ أو رِجْلَاكَ. فهو صرِيحٌ فى القَذْفِ، فى قولِ أبى بَكْرٍ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» .
وليس بصرِيحٍ عندَ ابنِ حامدٍ. وهو المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا ظاهرُ المذهبِ. واخْتارَاه. قال فى «الخُلاصَةِ» : لم يكُنْ قَذْفًا فى الأصَحِّ. وأَطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، وبَناهُما على أنَّ قوْلَه للرجُلِ: يا زانِيَةُ. وللمَرْأةِ: يا زانِى. صرِيحٌ.
وَإِنْ قَالَ زَنَأْتَ فى الْجَبَلِ. مَهْمُوزًا، فَهُوَ صَرِيحٌ عِنْدَ أبى بَكْرٍ. وَقَالَ ابَنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا. وَإِنْ لَمْ
ــ
فائدة: وكذا الحُكْمُ لو قال: زَنَتْ يَدُكِ. أو: رِجْلُكِ. وكذا قولُه: زَنَى بَدَنُكِ (1). قالَه فى «الرِّعايَةِ» . وكذا قولُه: زَنَتْ عَيْنُكِ. قالَه فى «التَّرْغيبِ» . وقال فى «المُغْنِى» وغيرِه: لا شئَ عليه بقَوْلِه: زَنَتْ عَيْنُكِ. [وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ والصَّوابُ](2).
قوله: وإنْ قالَ: زَنَأْتَ فى الجَبَلِ. مَهْمُوزًا، فهو صَرِيحٌ عندَ أَبِى بَكْرٍ -وهو
(1) فى الأصل: «يدك» .
(2)
سقط من: الأصل.
يَقُلْ: فى الْجَبَلِ. فَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ أوْ كَالَّتِى قَبْلَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ». وقدَّمه فى «الفُروعِ» -وقال ابنُ حامدٍ: إنْ كان يَعْرِفُ العرَبِيَّةَ لم يكُنْ صرِيحًا. ويُقْبَلُ منه قولُه: أرَدْتُ صُعودَ الجَبَلِ. قال فى «الهِدايَةِ» : وهو قِياسُ قولِ إمامِنا: إذا قال لزَوْجَتِه: بِهِشْتَمَ. إنْ كان لا يَعْرِفُ أنَّه طلاقٌ، لم يَلْزَمْه الطَّلاقُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وإنْ لم يَقُلْ: فى الْجَبَلِ. فهل هُوَ صَرِيحٌ أَو كالتى قبلَها؟ على وَجْهَيْن. يعْنِى على قولِ ابنِ حامدٍ. وأَطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، هو صرِيحٌ. وهو المذهبُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» وغيرِه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . والوَجْهُ الثانى، حُكْمُها حُكْمُ التى قبلَها. وقيل: لا قَذْفَ هنا. قال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ مِثْلُها لَفْظَةُ «عِلْقٌ» . ذكَرَها الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، صريحة. ومَعْناه، قولُ ابنِ رَزِينٍ: كلُّ ما يدُلُّ عليه عُرْفًا.
وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ قَوْلِهِ لِامْرأَتِهِ: قَدْ فَضَحْتِهِ، وَغَطَّيْتِ، أَوْ: نَكَسْتِ رَأْسَهُ، وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونًا، وَعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ. أَوْ يَقُولُ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ: يَا حَلَالُ ابنَ الْحَلَالِ، مَا يَعْرِفُكَ النَّاسُ بِالزِّنَى وَالفُجورِ يَا عَفيفُ، أَوْ: يَا فَاجِرَةُ، يَا قَحْبَةُ، يَا خَبِيثَةُ. أَوْ يَقَولُ لِعَرَبِىٍّ: يَا نَبَطِىُّ، يَا فَارِسِىُّ، يَا رُومِىُّ. أو يَسْمَعُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَيَقُولُ: صَدَقْتَ. أَوْ: أَخْبَرَنِى فُلَان أنَّكَ زَنَيْتَ. وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ، فَهَذَا كِنَايَةٌ، إِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرُ الْقَذْفِ، قُبِلَ قَوْلُهُ فى أحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وفى الْآخَرِ، جَمِيعُهُ صَرِيحٌ.
ــ
قوله: والكنايَةُ نحوُ قَوْلِه لامْرَأتِه: قدْ فَضَحْتِيهِ، وغَطَّيْتِ، أو: نَكَسْتِ رأْسَه، وجَعَلْتِ له قُرُونًا، وعَلَّقْتِ عليه أوْلَادًا مِن غيرِه، وأفْسَدْتِ فِراشَه. أَو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَقُولُ لمَن يُخاصِمُه: يا حَلَالُ ابنُ الحَلالِ، ما يَعْرِفُكَ النَّاسُ بالزِّنَى، يا عَفِيفُ، أَو: يا فاجِرَةُ يا قَحْبَةُ يا خَبِيثَةُ. وكذا قولُه: يا نَظيفُ، يا خِنِّيثُ. بالنُّونِ، وذكَرَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعضُهم بالباءِ. ذكَرَه فى «الفُروعِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو يقولُ لعرَبِىٍّ: يا نَبَطِى، يا فارِسِىُّ، يا رُومِىُّ. أو يقولُ لأحَدِهم: يا عَرَبِىُّ. أو: ما أنا بزَانٍ. أو: ما أُمِّى بزانِيَةٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو يسْمَعُ رجُلًا يقْذِفُ رجُلًا، فيقولُ: صدَقْتَ. أو: أخْبَرَنى فُلانٌ أنَّكَ زَنَيْتَ. أو: أَشْهَدَنِى فُلان أَنَّكَ زَنَيْتَ. وكذَّبَه الآخَرُ. فهذا كِنايَةٌ، إنْ فسَّره بما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَحْتَمِلُه غيرَ القَذْفِ، قُبِلَ قولُه فى أحَدِ الوَجْهَيْن، وهما رِوايَتانِ. وهو المذهبُ. صحَّحه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّصْحيحِ» . وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، يُقْبَلُ قولُه بقَرِينَةٍ ظاهرةٍ. وفى الآخَرِ: جميعُه صريحٌ. اخْتارَه القاضى وجماعةٌ كثيرة مِن أصحابِه. وذكَرَه فى «التَّبْصِرَةِ» عنِ الخِرَقِىِّ. وأَطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» . وعنه، لا يُحَدُّ إلّا بنِيَّتِه. اخْتارَه أبو بَكْرٍ وغيرُه. وذكَر فى «الانْتِصارِ» رِوايةً، أنَّه لا يُحَدُّ إلَّا بالصَّريحِ. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ، أنَّ أَلْفاظَ الكِناياتِ مع دَلالَةِ الحالِ صَرائحُ.
فوائد؛ الأُولَى، وكذا الحُكْمُ والخِلافُ لو سَمِعَ رجُلًا يقْذِفُ، فقال: صدَقْتَ. كما تقدَّم. لكِنْ لو زادَ على ذلك فقال: صدَقْتَ فيما قُلْتَ. فقيل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكْمُه حكمُ الأولِ. قدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ». وقيل: يُحَدُّ بكلِّ حالٍ. وجزَم به فى «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وأَطْلَقَهما فى «الفُروعِ» .
الثَّانيةُ، القَرينةُ هنا، ككِنايَةِ الطلاق. قال فى «الفُروعِ»: ذكَرَه جماعةٌ. وقال فى «التَّرْغيبِ» : هو قذْفٌ بنِيَّةٍ، ولا يُحَلَّفُ مُنْكِرُها (1). وفى قِيام قَرينَةٍ مَقامَ النِّيَّةِ ما تقدَّم؛ فيَلْزَمُه الحدُّ باطِنًا بالنِّيَّةِ، وفى لُزومِ إظْهارِها وَجْهان، وَأنَّ على القولِ بأنَّه صريحٌ، يُقْبَلُ تأْوِيلُه. وقال فى «الانْتِصارِ»: لو قال: أحدُكما زانٍ. فقال أحدُهما: أنا. فقال: لا. أنَّه قذْفٌ للآخَرِ. وذكَرَه فى «المُفْرَداتِ» أيضًا.
الثَّالِثةُ، لو قال لامْرَأتِه فى غَضَبٍ: اعْتَدِّى. وظهرَتْ منه قَرائنُ تدُلُّ على إرادَتِه التَّعْريضَ بالقَذْفِ، أو فسَّره به، وقع الطَّلاقُ، وهل يُحَدُّ؟ ذكَر ابنُ عَقِيلٍ فى «المُفْرَداتِ» وَجْهَيْن. وجزَم فى «عُمَدِ الأدِلَّةِ» أنَّه يُحَدُّ. ذكَرَه فى «القاعِدَةِ الخامِسَةَ عَشْرَةَ» .
الرَّابِعةُ، حيثُ قُلْنا: لا يُحدُّ بالتَّعْريضِ. فإنَّه يُعَزَّرُ. نقَلَه حَنْبَلٌ. وذكَرَه جماعةٌ؛ منهم أبو الخَطَّابِ، وأبو يَعْلَى.
الخامسة، يُعَزَّرُ بقولِه: يا كافِرُ، يا فاجِرُ، يا حِمارُ، يا تَيْسُ، يا رافِضِىُّ، يا خَبِيثَ البَطْنِ، أوِ الفَرْجِ، يا عَدُوَّ اللَّهِ، يا ظالِمُ، يا كذَّابُ، يا خائنُ، يا شارِبَ
(1) فى الأصل: «مكرها» .
وإنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلْدَةٍ أَوْ جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَى مِنْ جَمِيعِهِمْ، عُزِّرَ، وَلَمْ يُحَدَّ.
ــ
الخَمْرِ، يا مُخَنَّثُ. نصَّ على ذلك. وقيل: يا فاسِقُ. كِنايَةٌ، و: يا مُخَنَّثُ. تعْرِيضٌ. ويُعَزرُ أيضًا بقوْلِه: يا قَرْنانُ، يا قوَّادُ. ونحوُها. وسأله حَرْبٌ عن دَيُّوثٍ؟ فقال: يُعَزَّرُ. قلتُ: هذا عندَ النَّاسِ أقْبَحُ مِنَ الفِرْيَةِ؟ فسَكَتَ. وقال فى «المُبْهِجِ» : يا دَيُّوثُ. قَذْفٌ لامْرَأتِه. قال إبْراهيمُ الحَرْبِىُّ: الدَّيُّوثُ هو الذى يُدْخِلُ الرِّجالَ على امْرَأتِه. ومثْلُه: كَشْخَانُ وقَرْطَبَانُ. قال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ فى مأْبُونٍ كمُخَنَّثٍ. وعندَ الشَّيْخِ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، إنَّ قولَه: يا عِلْقُ. تعْريضٌ. وتقدَّم أنه قال: إنَّها صَريحَةٌ. وقال فى «الرِّعايَةِ» : قولُه: لم أجِدْكِ عَذْراءَ. كِنايةٌ.
تنبيه: قولُه: وإنْ قذَف أهْلَ بَلْدَةٍ أو جَماعَةً لا يُتَصَوَّرُ الزِّنَى مِن جَمِيعِهم، عُزِّرَ، ولم يُحَدَّ. هذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وقطَعُوا به. قال أبو محمدٍ الجَوْزِىُّ: ليس ذلك بقَذْفٍ؛ لأنهم لا عارَ عليهم بذلك، ويُعَزَّرُ، كسَبِّهم بغيرِه. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُه، ولو لم يَطْلُبْه أحدٌ، يُؤيدُه أنَّ فى «المُغْنِى» جعَل هذه المسْألةَ أصْلًا لقَذْفِ الصَّغيرةِ، مع أنَّه قال: لا يحْتاجُ فى التَّعْزيرِ إلى مُطالَبَةٍ. وفى «مُخْتَصَرِ ابنِ رَزِينٍ» ، ويُعَزَّرُ حيثُ لا حَدَّ.
وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اقْذِفْنِى. فَقَذَفَهُ، فَهَلْ يُحَدَّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ لِامْرأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ. قَالَتْ: بِكَ زَنَيْتُ. لَمْ تَكُنْ قَاذِفَةً، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهَا.
ــ
قوله: وإنْ قالَ لرَجُلٍ: اقْذِفْنِى. فقَذَفَه، فهل يُحَدُّ؟ على وَجْهَيْن. مَبْنِيَّيْن على الخِلافِ فى حدِّ القَذْفِ، هل هو حقٌّ للَّهِ أو للآدَمِىِّ؟ وقد تقدَّم المذهبُ فى ذلك؛ فإنْ قُلْنا: هو حقٌّ للآدَمِىِّ. لم يُحَدَّ ههُنا، وإنْ قُلْنا: هو حقٌّ للَّهِ. حُدَّ. وصحَّحَ فى «التَّرْغيبِ» ، أنه يُحَدُّ أيضًا على قوْلنا: إنه حقٌّ للآدَمِىِّ.
قوله: وإنْ قالَ لامْرَأتِه: يا زَانِيَةُ. قالَتْ: بكَ زَنَيْتُ. لم تَكُنْ قَاذِفَةً، ويَسْقُطُ عنه الحَدُّ بتَصْدِيقِها. نصَّ عليه. ولو قال: زَنَى بكِ فُلانٌ. كان قَذْفًا لهما. نصَّ عليه فيهما. وهذا المذهبُ فيهما. وخرَّجَ فى كلِّ واحدٍ منهما حُكْمَ الأُخْرَى. وقال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» : وقال أبو الخَطَّابِ فى «هِدايَتِه» : يكونُ الرَّجُلُ قاذِفًا
وَإِذَا قُذِفَتِ الْمَرأةُ، لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ، إِذَا كَانَتِ الأُمُّ فى الحياةِ، وَإِنْ قُذِفَتْ وَهىَ مَيِّتَةٌ؛ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً، حُدَّ الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الْابْنُ، وَكَانَ حُرًّا مُسْلِمًا. ذَكَرَهُ الْخِرَقِىُّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ مَيِّتَةٍ.
ــ
لها فى المَسْألَةِ الأُولَى؛ لأنَّه نَسَبَها إلى الزِّنَى، وتصْدِيقُها لم ترِدْ به حقِيقَةَ الفِعْلِ؛ بدَليلِ أنه لو أُرِيدَ به ذلك، لوَجَبَ كوْنها قاذِفَة. انتهى. والذى قالَه فى «الهِدايةِ» (1)، أنَّ المرْأةَ لا تكونُ قاذِفَة، واقْتَصَرَ عليه. [فلعَلَّه: قال أبو الخَطَّابِ فى غيرِ «هِدايَتِه» . فسَقَطَ لفْظَةُ «غيرِ» ] (2).
قوله: وإذا قُذِفَتِ المَرْأَةُ، لم يَكنْ لولَدِها المُطالَبَةُ، إذا كانَتِ الأُمُّ فى الحَياةِ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» .
(1) فى الأصل: «النهاية» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقوله: وإنْ قُذِفَتْ وهى مَيِّتَةٌ؛ مُسْلِمَةً كانَتْ أو كافِرَةً، حُرَّةً أو أمَةً، حُدَّ القاذِفُ إذا طالَبَ الابنُ، وكانَ مُسْلِمًا حُرًّا. ذكَرَه الخِرَقِىُّ. وهو المذهبُ. وصحَّحه فى «المُحَرَّرِ» . ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . وقدَّمه فى «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» .
وقال أبو بَكْرٍ: لا يجبُ الحدُّ بقَذْفِ ميِّتةٍ. وذكَرَه المُصَنِّفُ ظاهِرَ المذهبِ، فى غيرِ أُمَّهاتِه. وقطَع به فى «المُبْهِجِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: ظاهرُ كلامِه أنَّه لو قذَف أمَّه بعدَ مَوْتِها، والابنُ مُشْرِكٌ أو عَبْدٌ، أنَّه لا حدَّ على قاذِفِها. وهو صحيحٌ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقىِّ. وقطَع به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ونصَرَاه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لو قذَف جَدَّتَه وهى مَيِّتَةٌ، فقِياسُ قولِ الخِرَقِىِّ، أنَّه كقَذفِ أُمِّه فى الحياةِ والموتِ. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، واقْتَصَرَا عليه.
الثَّانيةُ، لو قذَف أباه أو جَدَّه، أو (1) كان واحِدًا مِن أقارِبِه غيرَ أُمَّهاتِه [بعدَ مَوْتِه](2)، لم يُحَدَّ بقَذْفِه فى ظاهرِ كَلامَ الخِرَقِىِّ، والمُصَنِّفِ، وغيرِهما. واقْتَصَر عليه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وهو قولُ أبى بَكْرٍ. وظاهرُ كلامِه فى
(1) فى الأصل: «وإن» .
(2)
سقط من: الأصل.
وَإِنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ، سَقَطَ الْحَدُّ.
ــ
«المُحَرَّرِ» ، أنَّ حدَّ قَذْفِ المَيِّتِ لجميعِ الوَرَثَةِ، حتى الزَّوْجَيْنِ، وقال: نصَّ عليه. والصَّحيحُ أنَّ النَّصَّ إنَّما هو فى القَذْفِ المَوْرُوثِ لا غيرُ.
قوله: وإنْ ماتَ المَقْذُوفُ، سقَط الحَدُّ. إذا قُذِفَ قبلَ مَوْتِه، ثم ماتَ، فلا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يخْلُو؛ إمَّا أَنْ يكونَ قد طالَبَ، أَوْ لا؛ فإنْ ماتَ ولم يُطالِبْ، سقَط الحدُّ بلا إشْكالٍ. وعليه الأصحابُ. ونصَّ عليه. وخرَّج أبو الخَطَّابِ وَجْهًا بالإِرْثِ والمُطالَبَةِ. وإنْ كان طالَبَ به، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ أنَّه لا يسْقُطُ، وللوَرَثَةِ طَلبه. نصَّ عليه. وعليه الأصحابُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال فى «المُحَرَّرِ»: ومَن قُذِفَ له مَوْروثٌ حَىٌّ، لم يكُنْ له أَنْ يُطالِبَ فى حياتِه بمُوجِبِ قَذْفِه، فإن ماتَ وقد طالَبَ، أو قُلْنا: يُورَثُ مُطْلَقًا. صار للوارِثِ بصِفَةِ ما كانَ للمَوْرُوثِ؛ اعْتِبارًا بإحْصانِه. انتهى. وقال فى «القَواعِدِ» : ويَسْتَوْفِيه الوَرَثَةُ بحُكْمِ الإرْثِ عندَ القاضى. وقال ابنُ عَقِيلٍ فيما قَرَأْتُه بخَطِّه: إنَّما يُسْتَوْفَى للمَيِّتِ بمُطالَبَتِه منه، ولا ينْتَقِلُ، وكذا الشُّفْعَةُ فيه، فإنَّ مِلْكَ الوارِثِ وإنْ كان طارِئًا على البَيْعِ إلَّا أنَّه مَبْنِىٌّ على مِلْكِ مَوْرُوثِه. انتهى. وذكَر فى «الانْتِصارِ» رِواية، أنَّه لا يُوَرَّثُ حدُّ قَذْفٍ ولو طلَبَه مقْذُوفٌ، كحَدِّ الزِّنَى. وتقدَّم ذلك آخِرَ خِيارِ الشَّرْطِ.
فائدتان؛ إحْداهما، حقُّ القَذْفِ لجميعِ الوَرَثَةِ، حتى أحَدِ الزَّوْجَيْن. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله. وقيل: لهم سِوَى الزَّوْجَيْن. وهو قولُ القاضى فى موْضعٍ مِن كلامِه. وقال فى «المُغْنِى» : هو للعَصَبَةِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «عُمَدِ الأَدِلَّةِ» : يرِثُه الإِمامُ أيضًا فى قِياسِ المذهبِ، عندَ عدَم الوارِثِ. وتقدَّم نطرُه فى مَن ماتَ وعليه صَوْمٌ أو غيرُه فى بابِ ما يُكْرَهُ وما يُسْتَحَبُّ، وحُكْمُ القَضاءِ.
وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.
ــ
الثَّانيةُ، لو عَفَا بعضُهم، حُدَّ للباقى كامِلًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وجزَم به فى «الرِّعَايَةِ الكُبْرى». وقيل: يَسْقُطُ. قالَه فى «الفُروعِ» ولم أرَهُ لغيرِه. وقال ابنُ نَصْر اللَّهِ فى «حَواشِى الفُروعِ» : لعَلَّه. وقيل: بقِسْطِه. انتهى. قلتُ: ويدُلُّ ما يأْتى قريبًا عليه. وقال فى «الرَّوْضَةِ» : إنْ ماتَ بعدَ طلَبِه، مَلَكَه وارِثُه، فإنْ عَفَا بعضُهم، حُدَّ لمَن طلَب بقِسْطِه، وسقَط قِسْطُ مَن عفَا، بخِلافِ القَذْفِ إذا عفَا بعضُ الوَرَثَةِ، لأَنَّ القَذْفَ لا يتَبَعَّضُ، وهذا يتَبَعَّضُ.
قوله: ومَن قذَف أُمَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ، مُسْلِمًا كانَ أَو كافِرًا. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. ويكْفُرُ المُسْلِمُ بذلك. وعليه الأصحابُ. وعنه، إنْ تابَ لم يُقْتَلْ. وعنه، لا يُقْتَلُ الكافِرُ إذا أسْلَمَ. وهى مُخَرَّجةٌ مِن نصِّه فى التَّفْرِقَةِ بينَ السَّاحِرِ المُسْلِمِ والسَّاحِرِ الذِّمِّىِّ، على ما يأتِى. قال فى «المَنْثُورِ»: وهذا كافِرٌ قُتِلَ مِن سَبِّه، فيُعايَى بها. وأَطْلَقَهما فى «الرِّعَايةِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، قذْفُه، عليه أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، كقَذْفِ أُمِّه، ويسْقُطُ سبُّه بالإِسْلامِ، كسَبِّ اللَّهِ تعالَى. وفيه خِلافٌ فى المُرْتَدِّ. قالَه المُصَنِّفُ وغيرُه. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: وكذا مَن سبَّ نِساءَه؛ لقَدْحِه [فى دِينه](1)، وإنَّما لم يقْتُلْهم لأنهم تكلَّمُوا قبلَ عِلْمِه ببرَاءَتها (2)، وأنَّها مِن أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ، رَضِىَ اللَّهُ تعالَى عَنْهُنَّ؛ لإمْكانِ المُفارَقَةِ، فتَخْرُجُ بالمُفارَقَةِ مِن أُمَّهاتِ المُؤمِنِينَ، وتحِلُّ لغيرِه فى وَجْهٍ. وقيل: لا. وقيل: فى غيرِ مدْخُولٍ بها.
الثَّانيةُ، اخْتارَ ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» كُفْرَ مَن سبَّ أُمَّ نَبِىٍّ مِنَ الأنْبِياءِ أيضًا غيرِ نَبِيِّنا، صلَواتُ اللَّه وسلامُه عليهم أجْمَعِين، كأمِّ نَبِيِّنا سواءً عندَه. قلتُ: وهو عَيْنُ الصَّوابِ الذى لا شكَّ فيه، ولعَلَّه مُرادُهم، وتعْلِيلُهم يدُلُّ عليه، ولم يذْكُرُوا ما يُنافِيه.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
يعنى عائشة رضى اللَّه عنها التى أنزل اللَّه براءتها من حديث الإفك.
وَإِنْ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدةٍ، فَحَدٌّ وَاحِدٌ إِذَا طَالَبوا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ، إِنْ طَالَبوا مُتَفَرِّقِينَ، حُدَّ لكل وَاحِدٍ حدًّا.
ــ
قوله: وإنْ قذَف الجَمَاعَةَ بكَلِمَةٍ واحِدَةٍ، فحَدٌّ واحِدٌ إذا طالبُوا، أَو واحِدٌ منهم. فيُحَدُّ لمَن طلَب، ثم لا حَدَّ بعدَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نقَلَه الجماعةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.
وإنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ، حُدَّ لِكُلِّ واحِدٍ حدًّا،
ــ
وعنه، إنْ طالَبُوا مُتفَرِّقِينَ، حُدَّ لكُلِّ واحدٍ حدًّا، وإلَّا حَدٌّ واحِدٌ. وعنه، يُحَدُّ لكُلِّ واحدٍ حدًّا مُطْلَقًا. وعنه، إنْ قذَف امْرَأتَه وأجْنَبِيَّةً، تعَدَّدَ الواجِبُ هنا. اخْتارَه القاضى وغيرُه، كما لو لاعَنَ امْرَأتَه.
قوله: وإنْ قَذَفَهم بكَلِماتٍ، حُدَّ لكلِّ واحِدٍ حَدًّا. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. قال فى «الفُروعِ»: تعَدَّدَ الحَدُّ على الأصحِّ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المذهبُ المَشْهورُ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وعنه، حَدٌّ واحِدٌ. وعنه، إنْ تعَدَّدَ الطَّلَبُ، تعَدَّدَ الحدُّ، وإلَّا فلا.
تنبيه: محَلُّ ذلك إذا كانُوا جَماعةً يُتَصَوَّرُ [منهم الزِّنَى، أمَّا إنْ كان لا يُتَصَوَّرُ](2) مِن جميعِهم، فقد تقدَّم ذلك.
وِإنْ حُدَّ لِلْقَذْفِ، فَأَعَادَهُ، لم يُعَدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
ــ
قوله: وِإنْ حُدَّ للقَذْفِ، فأعَادَه، لم يُعَدْ عليه الحَدُّ. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ولو بعدَ لِعانِه زَوْجَتَه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يتعَدَّدُ مُطْلَقًا. وقيل: يُحَدُّ إنْ كانَ حدًّا، أو لَاعَنَ. نقَلَه حَنْبَلٌ، واخْتارَه أبو بَكْرٍ.
فوائد؛ الأُولَى، متى قُلْنا: لا يُحَدُّ هنا. فإنَّه يُعَزَّرُ، وعلى كِلا الرِّوايتَيْن لا لِعانَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقدمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال فى «التَّرْغيبِ»: يُلاعِنُ، إلَّا أَنْ يَقْذِفَها بزِنًى لَاعنَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه مرًّةً، واعْترَفَ، أو قامَتِ البَيِّنَةُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يُلاعِنُ لنَفْى التَّعْزيرِ. الثَّانية، لو قذَفَه بزِنًى آخَرَ بعدَ حدِّه، فعنه، يُحَدُّ. وعنه، لا يُحَدُّ. وعنه، يُحَدُّ مع طُولِ الزَّمنِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وجزَم به فى «الكافِى» ، و [«المُغْنِى»، و «الشَّرْحِ»، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ»، و](4)«النَّظْمِ» . وقال: يُحَدُّ مع قُرْبِ الزَّمانِ فى الأُولَى. [وأَطْلَقَ الأخِيرتَيْن فى «المُغْنِى»، و «الكافِى»، و «الشَّرْحِ»، و «الرِّعايَةِ»](1). وأطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» .
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال فى «الرِّعايَةِ» : وإنْ قذَفَه بزِنًى آخَرَ عَقِيبَ حَدِّه، فرِوايَتان؛ إحْداهما، يجبُ حدَّان.
والثَّانيةُ، حَدٌّ وتعْزِيرٌ. وإنْ قَذَفَه بعدَ مُدَّةٍ، حُدَّ على الأصحِّ. قال ابنُ عَقِيلٍ: إنْ قذف أجْنَبِيَّةً ثم نكَحَها قبلَ حدِّه، فقذَفَها؛ فإنْ طالبَتْ بأَوَّلِهما فحُدَّ، ففى الثَّانى رِوايَتان، وإنْ طالبَتْ بالثَّانى، فثَبَتَ ببَيِّنَةٍ، أو لاعَنَ، لم يُحَدَّ للأوَّلِ.
الثَّالثةُ، مَن تابَ مِنَ الزِّنَى ثم قُذِفَ، حُدَّ قاذِفُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُعَزَّرُ فقط. واخْتارَ فى «التَّرْغيبِ» : يُحَدُّ بقَذْفِه بزِنى جديدٍ لكَذِبِه يقِينًا.
الرَّابعةُ، لو قذَف مَن أقَرَّتْ بالزِّنَى مَرةً -وفى «المُبْهِجِ» (1) أرْبَعًا- أو شَهدَ به اثْنان، أو شَهِدَ أرْبَعَةٌ بالزِّنى، فلا لِعانَ، ويُعَزَّرُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» : لا يُعَزَّرُ.
الخامسةُ، لا يُشْتَرَطُ لصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِن قَذْفٍ وغِيبَةٍ ونحوِهما إعْلامُه والتَّحَلُّلُ منه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ] (1). وقال القاضى، والشَّيْخُ عَبْدُ القادِرِ: يَحْرُمُ إعْلامُه. ونقَل مُهَنَّا، لا يَنْبَغِى أَنْ يُعْلِمَه. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: والأَشْبَهُ أنه يخْتلفُ. وعنه، يُشْتَرَطُ لصِحَّتِها إعْلامُه. قلتُ: وهى بعيدَةٌ على إطْلاقِها. وقيل: إنْ عَلِمَ به المَظْلومُ، وإلا دعَا له واسْتَغْفَرَ ولم يُعْلِمْه. وذَكَرَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، عن أكثرِ العُلَماءِ، قال: وعلى الصَّحيحِ مِنَ الرِّوايتَيْن، لا يجبُ الاعْتِرافُ لو سألَه، فيُعَرِّضُ ولو مع اسْتِحْلافِه؛ لأنَّه مَظْلومٌ لصِحَّةِ تَوْبَتِه، ومَن جوَّزَ التَّصْرِيحَ فى الكَذِبِ المُباحِ، فهُنا فيه نظَرٌ، ومع عدَمِ التَّوْبَةِ والإِحْسانِ، تعْرِيضُه كَذِبٌ، ويَمِينُه غَمُوسٌ. قال: واخْتِيارُ أصحابِنا لا يُعْلِمُه، بل يدْعُو له فى مُقابلَةِ مظْلَمَتِه. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيضًا: وزِنَاه بزَوْجَةِ غيرِه كالغِيبَةِ. قلتُ: بل أوْلَى بكثيرٍ. والذى لا شكَّ فيه، أنَّه يتعَيَّنُ عليه أَنْ لا يُعْلِمَه، وإنْ أعْلَمَه بالغِيبَةِ، فإنَّ ذلك يُفْضِى فى الغالبِ إلى أمْرٍ عظيمٍ، ورُبَّما أفْضَى إلى القَتْلِ. وذكَر الشَّيْخُ عَبْدُ القادِرِ فى «الغُنْيَةِ»: إنْ تأذَّى بمَعْرِفَتِه، كزِنَاه بجارِيتِه وأهْلِه وغِيبَتِه بعَيْبٍ خفِىٍّ يعْظُمُ أذاه به، فهُنا لا طَرِيقَ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّه، ويَبْقَى عليه مَظْلِمَةٌ ما، فيَجْبُرُه بالحَسَناتِ، كما تُجْبَرُ مظْلِمَةُ المَيِّتِ والغائبِ. انتهى. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ فى زِناه بزَوْجَةِ غيرِه احْتِمالًا لبَعْضِهم، لا يصِحُّ إحْلالُه منه؛ لأنَّه ممَّا لا يُسْتباحُ بإباحَتِه ابْتِداءً. قلتُ: وعندِى أنَّه يَبْرَأُ وإنْ لم يمْلِكْ إباحَتَها ابْتِداءً؛ كالذَّمِّ والقَذْفِ. قال: ويَنْبَغِى اسْتِحْلالُه؛ فإنَّه حقُّ آدَمِىٍّ. قال، فى «الفُروعِ»: فدَلَّ كلامُه أنَّه لو أصْبَحَ فتصَدَّقَ بعِرْضِه على النَّاسِ، لم يَمْلِكْه، ولم يُبَحْ، وإسْقاطُ الحقِّ قبلَ وُجودِ سبَبِه لا يصِحُّ، وإذنُه فى عِرْضِه كإذْنِه فى قَذْفِه، و (1) هى كإذْنِه فى دَمِه ومالِه. وفى طريقَةِ بعضِ أصحابِنا: ليس له إباحَةُ المُحَرَّمِ، ولهذا لو رَضِىَ بأنْ يُشْتَمَ أو يُغْتابَ، لم يُبَحْ ذلك. انتهى. فإنْ أعْلَمَه بما فَعَل، ولم يُبيِّنْه ، فحَلَّلَه، فهو كإبْراءٍ مِن مَجْهولٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال فى «الغُنْيَةِ»: لا يكْفِى الاسْتِحْلالُ المُبْهَمُ؛ لجَوازِ أنه لو عرَفَ قَدْرَ ظُلْمِه، لم تَطِبْ نفْسُه بالإِحْلالِ. إلى أَنْ قال: فإنْ تعَذَّرَ، فيُكْثِرُ الحَسَناتِ، فإنَّ اللَّهَ يحْكُمُ عليه ويُلْزِمُه قَبُولَ حَسَناتِه مُقابلَةً لجِنايَتِه عليه، كمَن أتْلَفَ مالًا، فجاءَ بمِثْلِه، فأبَى (2) قَبُولَه وأَبْرَأَه، حَكَمَ الحاكِمُ عليه بقَبْضِه.
(1) زيادة من: الفروع 6/ 98.
(2)
فى ط، أ:«وأبى» .